الناس

في زيارة عند الأب باولو/ موريس برخر

ترجمة: رحاب شاكر
في 29 تموز 2013، أي منذ خمس سنوات بالضبط، تم اختطاف الأب باولو دالوليو (1954) من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام. الأب باولو كاهن يسوعي إيطالي عاش في سوريا لسنوات طويلة، وخدم في دير مار موسى الحبشي، وهو معبد يعود للقرن السادس ويقع 100 كيلومتراً شمال دمشق.

قام الأب باولو بإعادة إعمار الدير، واستثماره كمركز لحوار الأديان. ولقد ناصر الثورة السورية عند انطلاقها، وكتب مقالة بعنوان: الديمقراطية التوافقية في سبيل الوحدة الوطنية. اضطر لمغادرة سوريا عام 2012، لكنه عاد ثانية ودخل الرقة التي اختفى فيها من دون أن نعلم عنه شيئاً منذ ذلك الحين.

في هذا النص المقتطف من كتاب الإسلام برتقالة لكاتبه المستعرب الهولندي موريس برخر (1964)، أستاذ الإسلاميات في جامعة ليدن الهولندية، يقوم الكاتب برواية قصة زيارته لدير مار موسى ولقائه مع الأب باولو والرهبان هناك. كان برخر يقيم حينها في سوريا بُغية دراسة الشريعة وعلوم الإسلام في دمشق. وقد التجأ برخر إلى دير مار موسى بعد إصابته بالتشوش، جراء محاولة جادة لهدايته للإسلام قام بها أستاذه الشيخ برهاني (اسم مستعار). جرت أحداث الكتاب في تسعينات القرن العشرين، وتمت الترجمة عن اللغة الهولندية.

*****

لم أرتح تماماً من مقابلتي مع الشيخ برهاني. ما زال صدى سؤاله «ماذا تريد من الإسلام؟ ماذا تفعل في الشرق الأوسط؟» يتردد في ذهني. أظنه محقاً، فماذا تُراني أفعل هنا؟ قد يبدو جوابي بدهياً حين أقول بأني أقوم ببحثٍ أو شيء من هذا القبيل، غير أني أشعر بأن الأمر تجاوز ذلك. فكرت لأيام بهذا السؤال دون جدوى، وتكلمت مع بترا1 مطولاً عبر الهاتف. وأعتقد أنها فهمتني جيداً: «تغلغلَ هذا العالم تحت جلدنا. صار جزءاً منا، لكنه يتسبب أحياناً بحكّة رهيبة». أمّا ما سبب الحكّة ولماذا يحلو لنا أن نحتفظ بهذا العالم تحت جلدنا، فنحن لا ندري. وأضافت: «وضع غريب! في هولندا أجد من واجبي تفنيد الأحكام المسبقة حول الشريعة ومكانة المرأة العربية وقد أناقض نفسي أحياناً. أما هنا في القاهرة فأحمل على عاتقي مهمة تفسير هذه الأحكام المسبقة لأصدقائي المصريين، وكيف أنها تلامس جوهر الحقيقة في غالب الأحيان».
1. بترا: مستعربة هولندية كانت في ذلك الحين مرتبطة مع موريس بعلاقة حب. كانت مقيمة في القاهرة في تلك الأثناء، بينما يدرس هو في دمشق.

كما اتصلَت مُنى في تلك الفترة. «هاي موريس، هل ما زلتَ مهتماً بالإسلام؟ عندي خبر قد يهمك إذن. عمّي الراهب أخبرني عن منتدى سيُعقد حول الحوار الإسلامي المسيحي في دير مار موسى الحبشي، شمالي دمشق». لن أتركَ هذه الفرصة تفوتني. وبما أنني صرتُ عملياً شريكاً في هذا «الحوار»، ازددتُ فضولاً إلى هذا اللقاء. فضلاً عن إغراء الجلوس هناك في أعالي الجبال، بعيداً عن الأئمة والمساجد والأمور الأخرى المعقدة التي ما فتئت تحوم في رأسي.

انطلقتُ بالباص من دمشق إلى النبك الواقعة على بعد مئة كيلومتر شمالي العاصمة. وهناك استعلمتُ عن إمكانيات الركوب نحو الهضاب باتجاه الدير. بادرني ولد بابتسامة أخّاذة عندما رآني أتجوّل كمن يبحث عن شيء ما. كان يعتمر قبعة «كاوبوي» أضفت عليه جرأة. ماهي وجهتي؟ الدير؟ نعم، لقد سمع عن الدير. كم سأدفع؟ ذكرتُ له المبلغ. طبعاً، طبعاً، إنه يعرف شخصاً يوصلني إلى هناك.

أمسك بيدي واتجهنا إلى صاحب مركبة بشعة بعجلات ثلاث وصندوق شحن. حشرنا أنفسنا في مقدمة المركبة – فقد رافقنا راعي البقر رغبة منه في زيارة الدير. غادرنا المدينة باتجاه الهضاب الجرداء. وبالرغم من الضجيج الصادر عن العربة واهتزازها فوق الطرق الرملية الملتوية نحو الأعلى، رحنا نتجاذب أطراف الحديث.

«هل عندهم ويسكي في الدير؟»، سألَ راعي البقر مفعماً بالأمل. «لا؟ عندهم نبيذ إذن؟». أعرفُ أن النبيذ يُستخدَمُ في القدّاس، ولكني لم أرغب بتغذية مخيلاتهم الجامحة حول ولائم الشرب التي يقيمها المسيحيون، وخاصة الرهبان. فهذه الأسئلة تشبه أخواتها حول الجنس قبل الزواج. هذا ليس مجرّد اهتمام، إنهم يريدون التندّر بأشياء محظورة عندهم، ويحسبوننا «نحن» المسيحيين نستخدمها في حفلاتنا الماجنة. أخبرَتني مُنى عن شباب سوريين مسيحيين – فتيان وفتيات – يترددون على الدير من أجل الاعتكاف لبضعة أيام. وهذا ما يؤجج مخيلة المسلمين في النبك، فالاختلاط بين الفتيان والفتيات مرفوض نهائياً عند التقليديين منهم، ناهيك عن النوم تحت سقف واحد.

ازدادت وعورة الطريق وراحت المركبة تتأرجح بشكل خطر أثناء مرورها فوق الحصى. «هل انقلبت هذه العربة بكما قبل الآن؟»، سألتُ مرتاعاً. ضحكا بصوت عال وأجابا: «لا، فهذه العربة كقارب النجاة بين الأمواج المتكسّرة. كلما انقلبت، عادت لتقف على عجلاتها من جديد». وراحا يضحكان على نكتتهما، بيد أن راعي البقر اعترف بأن العربة انقلبت به مرّة عندما كان يسوقها وهو سكران. وهنا علت القهقهات أكثر من ذي قبل.

بلغنا نهاية الطريق سالمين، وتوقفنا أمام مجرى نهر جاف يتعرج بين الهضاب إلى الأسفل وينتهي عند الدير. كانت الطريق غير صالحة للعربات بسبب الصخور والحجارة، فتقاعس الولدان أمام طول المسافة إلى الدير، وافترقنا.

بخطوات سريعة عبرتُ وادٍ يتغلغل بين هضبتين صخريتين. صُدِمت بهدوء الهضاب الذي عمّ فجأة بعد صخب محرك العربة الديزل. ما من أحد في هذا المكان سوى راعٍ يمشي بين أغنامه بعيداً. بعد فترة من المشي تفرّع دربي إلى طريق مستوية عبر منحنى الهضبة، وأخرى عبر مجرى النهر الجاف الذي ارتفعت صخوره أكثر من بضعة أمتار. اخترت الطريق الأكثر وعورة. الحافة الصخرية شديدة الانحدار وقد ضاقت في بعض المواضع إلى فجوة عرضها متران فقط. الحرارة تذوِّبُ لُبَّ الرأس والجفاف يحرق الحطب. يصعب عليَّ أن أتصوّر كيف يتحول هذا المجرى الجاف في موسم المطر إلى تيار مائي هائج خلال بضع ساعات.

انتهى المجرى حيث انفتحت حافتا الصخور على وادٍ عريض وعميق. وفي المكان الذي انشق فيه الوادي عن عمق يتجاوز بضع مئات من الأمتار، رأيت الدير قابعاً بين صخرتين على ضفّة الشلال الجاف الضيقة التي تنتهي عند المدخل. باب صغير وحيد يؤدي إلى الدير. على الزائر أن ينحني عند دخول هذا المكان المقدّس كما لو أنه يؤكد على تواضعه في حضرة الربّ. ممرٌّ مُعتم ينتهي عند شرفة متسعة تصلح أن تكون رمزاً لعظمة الله وهذا المكان: يا لروعة الإطلالة على الوادي!

يرجع تاريخ هذا الدير إلى القرن السادس، ولكنه مهجور منذ القرن السابع عشر. ولقد نفخت فيه الحياة مجموعةٌ من الرهبان تحت إمرة الأب باولو الإيطالي. بذلوا قصارى جهدهم ونفوذهم كي يصبح المكان صالحاً للعيش من جديد. عند وصولي كان ستة رهبان وثلاث راهبات يسكنون هناك، من بينهم ثلاثة أجانب والستة الباقون سوريون. ماعدا الأب باولو كانوا جميعهم في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات.

منذ زمن ليس ببعيد حوّل الرهبان الكهوف الصخرية إلى غرف بأبواب ونوافذ. إذ يحلو لبعضهم أن يجلسوا في تلك الغرف أو يناموا في عزلة عن الآخرين. ولكنّ السبب الأهم هو أن هذا يحول دون نوم الرهبان والراهبات في المبنى نفسه. وهكذا تتم مراعاة شروط العفّة تجاه أهل النبك.

الجو في الدير يختلف كثيراً عنه في الأديرة الأخرى المجاورة. في دير معلولا وصيدنايا يعمّ هدوءٌ شعائريٌ شبه خانق. الراهبات هناك يلبسن السواد من الرأس إلى أخمص القدمين كأنهن يتبارين في مظهرهن مع المسلمات التقليديات. أما في دير مار موسى فقد كان الجو واللباس أقلّ صرامة، والراهبات والرهبان يتواجدون في المكان نفسه.

جاء ما يقارب العشرة مسيحيين ليتكلموا حول «الحوار الإسلامي المسيحي». لم يكن حضوري متوقعاً، بيد أنهم رحّبوا بي وضمّوني إلى وسطهم. لن يأتي المسلمون السوريون قبل بضعة أيام، وسيتم قبل مجيئهم تبادل التجارب ويجري الحديث حول الهدف من هذا اللقاء. عقدنا اجتماعنا خلف جدران سميكة في غُرف باردة، في حين راحت شمس الظهيرة تشوي أسقف الدير وجدرانه.

بعد دخولنا الغُرف خلعنا أحذيتنا كما هو متعارف عليه، وجلسنا التربيعة مشكّلين حلقة فوق الحصر والوسائد. رحتُ أمرر نظري على الموجودين: رجال ونساء من كل الأعمار، ينتمي بعضهم إلى عالم الأديرة، وآخرون «مجرّد» مؤمنين. كان بعض الرهبان بلحاهم السوداء وعيونهم البرّاقة أشبه بالمسلم المتطرف النمطي إلى حد كبير.

في اليوم الأول كان المزاج العام كئيباً. التجارب مع المسلمين سلبية عموماً، وما من أحد من بين الحضور يعرف كيف يتصرف مع هذا «الحوار». حصل أن شُتموا جميعاً تقريباً لكونهم «كفّار». وقد أجهشت إيلينا الحلبيّة بالبكاء: «لماذا؟ لماذا يسمونني كافرة؟ ألست مؤمنة؟ ألست إنسانة فاضلة تؤمن بالله؟». وحكى جهاد الشامي أن أباه مُنِع مرّة عن المشي فوق الرصيف، فالرصيف للمسلمين والشارع للمسيحيين. ولقد ضُرِب الأخ إلياس مراراً ولوحق بالحجارة، وحسب قوله فإن كل المسيحيين يخشَون الإسلام. أما الأخ نبيل كان سلبياً حول الحوار: «كلّ مسلم يحمل في قلبه قنبلة قد تنفجر عند أتفه سؤال أو ملاحظة. لهذا السبب لا آمل شيئاً من التحاور معهم. كل ما أريده هو الاعتكاف هنا والصلاة، راجياً حلول جلال الله على هذا الحوار».

يُعقَد القدّاس في الكنيسة كلّ صباح ومساء. ولقد كانت النافذة في أعلى الكنيسة تزوّد المكان بالنور الكافي للقدّاس الصباحي. أما قدّاس المساء فيعقد على ضوء الشموع. في تلك الأمسية اجتمع الجميع في الكنيسة الصغيرة واحتلّوا مكاناً لهم فوق الحصر. بالكاد يميّز المرء من خلال ضوء الشموع الراقص تلك الألوان الباهتة لبقايا الرسومات على جصّ الأعمدة والجدران. لقد مرّت عليها قرون طويلة دون ترميم حتى كادت تتلف جرّاء أنفاس الأغنام ودخان الجمر التي يشعلها الرعيان، إلى أن جاءت الترميمات الحديثة وأنقذت الرسومات الجدارية من الضياع.

استندتُ إلى أحد الأعمدة وجلس الرهبان بجلابياتهم البيضاء في أماكنهم المحددة. بدأنا بنصف ساعة صمت. كان الصمت شاملاً، لا صخب شوارع، لا صراخ أطفال أو ضجيج سيارات مسرعة. حاولت مراراً نفي أفكاري إلى عوالم سامية أو طردها من رأسي على الأقل. الهدوء هو السبب في حضور شذرات من أحاديث اليوم السابق في ذهني. تطلّعت إلى الأخ يعقوب، أحد رهبان هذا الدير، هو في الثلاثينات من عمره ويمشي برجليه المنحنيتين كالرجل الهرم. بدا لي رجلاً بسيطاً في بادئ الأمر، ولكني خُدِعت بهذا الانطباع الأول. إذ أنه كان يشع سكوناً صافياً أثناء القدّاس الذي اشترك مع الأب باولو في إدارته. ها هو يتلو بعربية فصيحة رخيمة تمنح الصلوات عمقاً هائلاً والتراتيل رنيناً زاخراً.

أثناء حديثي مع الأخ يعقوب في بداية ذلك النهار، نوّهت إلى مِيزة الحوار الإسلامي المسيحي في سوريا، الذي يجري بلغة عربية واحدة. ولأول مرّة أرى بسمة الأخ يعقوب تختفي. نظر إليّ بصرامة، وقال: «بل هذه هي عين المشكلة، نحن لسنا عرباً». لم أفهم قصده، أليس كلُّ السوريين عرباً، وإن اختلف دينهم؟ هزّ الأخ يعقوب رأسه نافياً: «عندما دخل الإسلام الشرق الأوسط كان عمر المسيحية يناهز الستمائة عام. لم تكن سوريا مأهولة بالعرب، بل بالآشوريين وبشعوب أخرى تنطق بلغات كالكنعانية والآرامية. وفي القرن السابع احتلّ مسلمون من شبه الجزيرة العربية الشرق الأوسط. أحضروا معهم الإسلام واللغة العربية. ومع مضي القرون راح الجميع يتكلم العربية، حتى الكنائس أدخلت اللغة العربية إلى قدّاسها. صحيح أني أتكلم العربية، ولكني لست عربياً والعربية ليست لغة ديني الأصلية».

حاولتُ ضبط نفسي كي لا أنظر إليه بوجه مشدوه. ألم يكونوا مسيحيين أولئك الذين قادوا براعم القومية العربية في بداية القرن العشرين؟ ألم يكن شعارهم: كلنا عرب بصرف النظر عن الدين؟ ألم يصبح هذا الشعار أحد مقومات نظام البعث في سوريا؟ سألته: «ولكن في تصورك، كيف لهذه الفجوة الأزلية أن تُردم يوماً؟ وكيف يمكنك إنشاء حوار مع المسلمين؟». ضحكَ الأخ يعقوب بحبّ باد: أبدو عجولاً وطمّاعاً، إنه طبعٌ غربي. «أهمّ مشاركة أقدمها في هذا الحوار هي محافظتي على هويتي المسيحية الآشورية. لذا أعتكفُ في هذا الدير وأُكثِر من الصلاة على أمل أن تساهم صلواتي في ردم هذه الفجوة». يبدو لي هذا الموقف سلبياً للغاية في إطار الحوار.

رمقتُ الأخ يعقوب من زاوية عيني، فوجدته منحنياً على ركبتيه ورأسه يلامس الأرض، تماماً كالمصلي المسلم، في الكنيسة نصف المعتِمة.

بعد نصف ساعة من التأمل بدأ القدّاس الفعلي. عدّلتُ من جلستي، فبخلاف المسجد كل شيء هنا مألوف ومريح بالنسبة لي. كنتُ أحضر القدّاس منذ طفولتي، لذا أشعر الآن بأني في مباراة على أرضي. الخطب والمزامير بلغة عربية أفهمها بشكل معقول. الشيء الوحيد الذي ذكّرني بالإسلام هو استعمال لفظة «الله» العربية، التي تؤدي إلى المعنى نفسه في الطقوس المسيحية.

ولكني فجأة، وفي لمح البصر، رحتُ أتابع المشهد من منظار مسلم. وميضُ الشموع الذي يرسم ظلالاً كبيرة على الجدران، رفعُ الأذرع، حني الرؤوس، العبارات والتراتيل عند مباركة الخبز والنبيذ وتوزيعهما، أشباح مستندة إلى الأعمدة تتمتم بآيات الشكر. خطر على بالي أننا نبدو كجماعة مارقة. قد يكون كلّ شيء مألوفاً، إلا أني أشعر الآن بذات التردد الذي ينتابني في المسجد. لا، بل أكثر من ذلك: بما أنه «قدّاسي» – أنا مسيحي – فأنا أشدّ نقداً للأمور. لدي تحفظاتي حول الأوتوماتيكية التي يتم بها رسم الصليب على الصدور. هل أؤمن بالثالوث الأقدس؟ هل أوافق على كل ما ورد في المزامير؟ ولمَن أنحني بالضبط حين أسجد مع الآخرين ويلامس جبيني الأرض؟ راحت الأسئلة تحوم في رأسي. غريبٌ فعلاً، ففي المسجد أصلّي وأشارك بلا عوائق. أتراني لا أنظر بعين الناقد إلّا إلى الأشياء القريبة من نفسي؟

انتشرنا بعد القدّاس على الشرفة الكبيرة. لم تبهرنا النجوم الرائعة وقتاً طويلاً، فقد ذهب الجميع إلى فراشهم ليستيقظوا باكراً. وحدي والأخ جورج تلكأنا بانتظار بزوغ القمر. راح يشكو بأنه لن يتمكن من متابعة افتتاحية كأس الأمم الأوروبية. يحلمُ بشراء تلفاز بشاشة كبيرة، فيداعبه الرهبان الآخرون: «أي، أي يا جورج، لن نستغرب أبداً إن اختلقت عذراً يوم المباريات الافتتاحية لكأس الأمم الأوروبية كي تذهب إلى دمشق».

بدأ اليوم التالي بشجار بين راهبين راحا يتبادلان الشتائم. كنتُ حينها واقفاً أغسل صحون الإفطار مع ماريا الراهبة الإيطالية. كنّا نتكلم حول مكانة المرأة في الإسلام. المرأةُ المسلمة، برأيها، خاضعةٌ للرجل ولا تملك حقّ الإدلاء بصوتها. لم أوافقها الرأي: نحن الغربيون نبخس المسلمات حقهنّ عندما نحسبهنّ قابعات تحت سيطرة أزواجهن، الذين يجبرونهنّ على لبس الحجاب. أظننا نستهين بنسبة السيدات اللواتي يخترن الحجاب بأنفسهن، وقد يفعلنَ ذلك غصباً عن آبائهنّ أو أزواجهنّ. التعامل مع الإسلام كنظام أبوي تبسيطٌ فادح للأمور.

قاطع الأخ يوسف حديثنا: «هل بقيَ لي بعض الشاي؟». كُنّا قد نظّفنا لتونا إبريق الشاي. أمسكَ يوسف برأسه: «كيف تفعلين ذلك يا ماريا؟ أريد كوباً من الشاي!»، وبحركة مسرحية أمسك بسكين الخبز ووجَّهها إلى بطنه. «أتدرين يا ماريا أني سأقتل نفسي بسببك؟ أنت لا تتوبين أبداً! آي، آي!»، وخرج يعرج على ساقيه.

أضحكتني هذه الكوميديا، ولكنها أغضبت ماريا التي راحت تركض وراء يوسف. سمعتُها تصرخ: «تريد كوباً من الشاي؟ تحت أمرك! ألا تستطيع إعداد الشاي بنفسك؟ ماذا حلّ بيديك؟ أتحسب نفسك في مقهى؟ لا، دع إبريق الشاي! طلبت الشاي، وسيأتيك الشاي!». دخلت المطبخ وهي تضرب الأرض بقدميها غاضبة: «أرأيت؟ إنهم مسيحيون، ولكنّ آراءهم حول المرأة غلط بغلط. مثل المسلمين!».

حوار مع مسلم
دار «الحوار المسيحي- الإسلامي» لبضعة أيام بين رهبان الدير والمسيحيين الثمانية الذين جاؤوا خصيصاً لهذه الغاية. أما المحاورون المسلمون فقد تم تأجيل دعوتهم عمداً، كي يُتاح المجال للمسيحيين مناقشة موقفهم من هذا الحوار. ولكن سرعان ما اتخذت هذه الأحاديث شكل الجلسات العلاجية التي يتم من خلالها تبادل التجارب السيئة مع المسلمين والخوف من الإسلام. لم يدر النقاش حول محتوى الحوار، غير أن الأمور تغيّرت مع قدوم الشيخ عماد الذي دعاه الأب باولو ليروي شيئاً عن الإسلام.

كان الشيخ عماد رجلاً نحيلاً في بداية الثلاثينات. وجهه صبياني حليق، وعيناه كبيرتان فحميتان تواجهان العالم بخجل. سليل عائلة دمشقية من الأئمة المرموقين، تلقى تعليمه الإسلامي المنزلي منذ نعومة أظفاره. بيد أنه لم يواصل طريقه إلى الإمامة أو المشيخة كما كان متوقعاً منه، فهو يكسب ماله بالعمل خطّاطاً ويقضي أوقات فراغه بين الشعر والعلوم الطبيعية والأعمال الفلسفية والقانونية الإسلامية.

في اليومين التاليين حكى عماد عن مبادئ الإسلام. وكمقدمة عمليّة اقترح الأب باولو تعليم الرهبان ترتيل القرآن. يبدو أن الأمر راق للرهبان، فراحوا يركزون جيداً على تعليمات عماد. غير أن اللفظ والترنيم والترتيل الأنفيّ كان أصعب ممّا تصوروا. «إن العربية لغتي الأم»، قال الأخ جورج مستغرباً، «ولكني لم أكن على علمٍ بكل تلك الطرق المختلفة للفظ حرف الكاف!». في هذين اليومين صدحت الآيات القرآنية حتى ملأت الدير وبلغت سفوح الجبل: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين…». رغم غرابة هذه الأصوات في هذا المكان، إلا أنها بدت مألوفة بالنسبة لي.

تلذّذُ الرهبان بهذه التراتيل كان جلياً، إذ أن شيئاً ما فيها يلامس حياتهم الديرانية. فراحوا أثناء غسل الصحون وحلب الماعز وتنجير الأثاث يرتلون مزاميرهم ويُتبعونها بآية قرآنية. كما علّقوا كثيراً على محاولات تجويد بعضهم البعض. «يوسف! اتلُ علينا سورة الفاتحة مرة أخرى! تبدو شيخاً حقيقياً!»، وهكذا راح الدير يرتج جرّاء فرقعة ضحكاتهم.

الأخ نبيل هو الوحيد الذي اضطر لبلع ريقه قبل أن يتعوّد على هذه المشاركة الجديدة في حياة الدير. «عندما أخذ الشيخ عماد يتلو تلك الآيات القرآنية بصوتٍ عالٍ، انتابني رعبٌ شديد. تساءلت من أين جاءني ذلك الرعب، واستنتجت بأنه ما برحني منذ طفولتي. كانت الآيات القرآنية التي تصلنا من المآذن عبر المكبّرات، تمثّل لي صوت أولئك الذين يضمرون الشرّ لنا». بعد بضعة أيام تمّ إقصاء ذلك الشيطان أيضاً، وراح نبيل يرتّل آية قرآنية ببسمة عريضة.

أُعجِب الجميع بمقدار المعرفة الكبيرة التي يتمتع الشيخ الشاب بها. فمن دون عناءٍ شرع يقتبس من القرآن والأحاديث النبوية والشعر، ذلك أن حفظ النصوص – وبالأخص النصّ القرآني – يحتلّ مكانة مهمة في التقليد الإسلامي. وتصل تلك الأهمية في العالم الإسلامي إلى درجة لا يقتصر الحفظ فيها على دراسة الإسلام، بل يتعدّاه إلى شتى أنواع المعرفة. ولقد عانيت كثيراً جرّاء ذلك أثناء دروسي القليلة عند الأساتذة العرب. كنتُ شديد التعوّد على التعبير عن محتوى النصوص بلغتي الخاصة، إلى درجة عجزتُ معها عن حفظ الدروس عن ظهر قلب. لذا فأنا طالب كسول من وجهة نظر أولئك المدرّسين.

سألتُ الأخ يعقوب إن كان حفظ النصوص والتدريس المبكر من التقاليد المتعارف عليها عند المسيحيين أيضاً. هزّ رأسه متأسفاً: «لا، درسنا المسيحية في المنزل وفي المدرسة. ولم نقرأ النصوص أبداً بهدف حفظها عن ظهر قلب». أخبرته عن تجاربي السلبية مع المدرّسين العرب، فضحك: «نعم، حصل هذا معي أيضاً. رسبتُ في الامتحانات الجامعية، لأني لم أكتب ما قاله المدرّس حرفياً. مع أن فحوى أجوبتي صحيح تماماً!».

في عصر اليوم الثاني من إقامة الشيخ عماد، جلستُ مع الأخ يعقوب في المطبخ. كانت المملكة لنا وحدنا، بعد ذهاب الجميع لنوم القيلولة. شربنا المتّة، وهو شرابُ أعشاب جلبه السوريون المهاجرون من الأرجنتين. عندما رأيتها للمرّة الأولى، تذكرت لفّة الحشيش: فالمتة تُشرب عادة جماعة، يتناوب الواحد تلو الآخر على كوب السائل الأخضر ليشفطه عبر قصبة فضية ويمرره للتالي بعد ملئه بالماء الساخن. بيد أني سرعان ما اكتشفتُ أن كلّ هذا مجرد طقس من الطقوس حول كوب من شراب الأعشاب. أضفت المتةُ الأُنسَ على المطبخ البارد، في حين فرش القيظ في الخارج غطاءه على الدير.

«ما رأيك الآن يا يعقوب؟» سألته بين رشفتين، «منذ بضعة أيام كنت لا تزال سلبياً جداً حول كل هذا اللغط بخصوص الحوار مع المسلمين».

«آه، ولكن هذا تغيّر. أشعرُ بأني أشارك عماد بعض الروحانيات. ثمة قاسم مشترك بيننا. ولكني لا أميلُ إلى الإسلام كعقيدة. على فكرة، إن ما يدور خلال هذين اليومين ليس بحوار، بل تعليم. وهذا أفضل بكثير».

رفعتُ حاجبيّ مستغرباً. ليس حواراً، بل تعليماً؟ ألم يدر الحديث مع الشيخ عماد، ألم يتم تبادل التجارب؟ رشفتُ آخر القطرات من راسب الأعشاب السميك، بينما راح يعقوب يصبّ وجبة جديدة من الماء. أدركتُ أني أواجه سوء فهم آخر للمصطلحات. غالباً ما تحمل كلمة «حوار» في العربية معنى أن المتحدثين يحاولون إقناع بعضهم بعضاً. أما «التعليم» فيعني تلقي المعلومات. مجرد الكلام حول «حوار» بين المسيحيين والمسلمين قد يصيب الناس بالتوتر ويجعلهم حذرين، لأنهم يتصورون حديثاً يتوجب عليك فيه إقناع الآخر بصواب وجهة نظرك.

وبما أن يعقوب أطلق تسمية «التعليم»، فهذا يعني أنه يُفضّلُ تبادل المعلومات.

«سبب آخر جعلني لا أحبّذ هذه المبادرة نحو الحوار»، تابع الأخ يعقوب وهو يرشف حذراً من قصبته الفضية. «وهو أنها مدعومة من قبل أوروبا. المسيحيون الأوروبيون يرغبون دائماً بمحاورة المسلمين. غير أنهم لا يعيشون هنا كأقلية بين المسلمين، ولا يتقاسمون تاريخ أربعة عشر قرناً مع الإسلام. أما نحن فنعم. وإذا كان لا بدّ من إجراء حوار، فيجب أن تكون المبادرة والتنظيم بأيدينا». راح يلتقط مشمئزاً بعض الأعشاب عن لسانه. «ينبغي أن يجري ذلك الحوار ببطء وصبر شديدين. لأننا آذينا بعضنا خلال القرون الأربعة عشر الماضية، ولن تشفى جروحنا بين عشية وضحاها».

تنهّد وقال: «في بلدان أخرى، كالهند مثلاً، لم تتفاقم التناقضات كما هو الحال هنا، ومن الأيسر إجراء الحوار. علينا إذن بذل مجهود أكبر». تضايقت من إشفاقه على نفسه، إنه وهم الضحية الذي طالما واجهته في الشرق الأوسط: نحن مساكين، الجميع ضدنا، لا أحد يفهمنا. المسلمون والمسيحيون، الدروز والشيعة، السوريون والشركس، الإسرائيليون والعرب، كلهم يعانون من المرض نفسه. عضضتُ على لساني كي لا أذكر شيئاً عن المواجهات بين المسلمين والهندوس في الهند، والتي تفوق ما يحدث في سوريا دموية وبؤساً. ولكن من يده في الماء ليس كمن يده في النار، فضلاً عن أنه من السهل محو الألم بألم أعظم.

أليس الأهم، سألتُ يعقوب، أن يعترف المسيحيون والمسلمون بالآخر، بدل أن يكتفوا بتبادل المعلومات والأحاديث؟ فَشِلَت محادثتي مع الشيخ برهاني لهذا السبب، فأنا لم أعترف برسوله محمد، ولم يعترف هو بموقفي من الإسلام. أكبر عائق هو الأحكام المسبقة عند الطرفين. غالباً ما يكون مفهوم المسيحيين والغربيين حول الإسلام سلبياً سلفاً. نسارع إلى ربط كلمة «الإسلام» بالتعصّب والحجاب وبتر الأيادي. أما العالم العربي الإسلامي فلديه بدوره أحكامه المسبقة حول الغرب والمسيحية: الانحطاط والإباحية والعنف.

كان يعقوب يعرف سبب التصوّر السلبي للمسلم والمسيحي حول الآخر. «لأن ثمة قواسم مشتركة كثيرة فيما بيننا. ليس فقط من ناحية التاريخ والحروب وما إلى ذلك، ولكن من ناحية المعتقدات أيضاً. هذان الدينان متشابهان إلى حد بعيد. ألم تثبت اليهودية والمسيحية أنهما غير قادرتين على التعايش في أوروبا؟ وآه…»، قالها الأخ يعقوب دونما اكتراث، وقام لغسل الفناجين. «الحوار فيما بين المسيحيين بعضهم البعض يواجه مشاكل الحوار بين المسيحيين والمسلمين نفسها. وكما تعلم فالرهبان في هذا الدير ينتمون إلى كنائس مختلفة: الروم الكاثوليك، الروم الأرثوذوكس والأرمن الكاثوليك. أنا شخصياً من السريان الأرثوذوكس. لا يهمنا هذا هنا، لا، بل إن العيش المختلط هو هدفنا. ولكن عندما ذهبت إلى البطريرك في بيروت كي أتكلم معه عن تحفظاتي حول الحوار المسيحيّ الإسلامي، شرع يتذمّر من تواجدي في الدير. أرثوذوكسي بين الكاثوليك، لم يعجبه ذلك على الإطلاق. أنت تقدّر طبعاً أني رجعتُ من هناك خائبَ الأمل».

تفرّغنا في الصباح الثالث والأخير لطرح الأسئلة على عماد. تحلّقنا حوله في نصف دائرة في أكثر الغرف طراوة وبرودة. رحتُ أكتبُ بصعوبة على ورقة أسندتها إلى ركبتي، فأعطتني الأخت ماريا كتاباً أضع ورقتي عليه. غير أني اكتشفت في اللحظة الأخيرة أنه قرآن، فأسندته إلى الحائط متذكراً تعليمات دروس الشيخ حمداني. رمقتني ماريا بنظرة متسائلة: لم يعجبك؟ همست: «إنه قرآن!» ولكنها لم تفهمني.

تعاقبَ الرهبان على طرح أسئلتهم. معظمها يدور عمّا إذا كان الإسلام يتضمّن عقائدَ حول المحبة والتسامح. الإسلام برأيهم عقيدة صارمة وقاسية. تذكرتُ الحديث الذي جرى بيني وبين فائز بعد جلستي مع الشيخ برهاني: «أنتم المسيحيون تتكلمون دائماً عن محبّة الرب. أمّا نحن المسلمون فلا نتكلم عن المحبّة. إنها كلمة رومانسية تستخدم للتعبير عن المشاعر تجاه خطيبتك أو أطفالك. أما أحاسيسك تجاه الله فهي أعظم وأسمى، بحيث تكون مقصّراً بحق الله جلّ جلاله إن اكتفيت بتعبير المحبّة. لذا نصمت، نحن المسلمين، ولا نقول شيئاً».

حاول عماد شرح ذلك الإحساس بالكلمات والقصص. لعب دوره كشيخ، وراح يرفق شرحه بأمثلة من القرآن وسيرة النبي. وأنهى حديثه بالقصة التالية: «كان ثمة خليفة يدعى عبد الملك على رأس الدولة الأموية عندما كانت في أوج عظمتها. امتدت الدولة من الأندلس إلى الصين. ولم يكن عبد الملك مجرد خليفة قوي، بل كان طيباً وعادلاً أيضاً. تدركون طبعاً مدى احترام الناس لخليفة قوي كهذا». تسمّرَ الجميع في أمكنتهم بانتظار بقية القصة. «كما عاش في تلك الدولة الواسعة رجلٌ متصوّف يدعى علي بن حسين. هو ليس رجل علم، بل كان مؤمناً تقياً. عاش وحده حياة بسيطة في منزل صغير. بابه مفتوح للجميع ويتقاسم زاده القليل مع الزائرين. زوّاره كثر، فالناس يحبونه ويقدّرونه ويقصدونه للاستشارة. يأتون لزيارته من كل حدب وصوب، ويمكث الكثيرون عنده بضعة أيام. كان علي بن حسين محبوباً إلى درجة كبيرة، فاستمرّ تردّد الناس على داره الصغيرة. ولقد صادف أن قرّر كلّ من الخليفة والمتصوّف أن يحجّا إلى مكة في السنة نفسها. وصل الخليفة مرتدياً أفضل حِلّته، مصطحباً حاشيته الكبيرة، ووصل علي راجلاً. هل تعرفون بأن الحجاج يطوفون أولاً حول الكعبة، حجر ابراهيم المقدس؟ الجميع يتوق طبعاً لمُلامسة هذا الحجر، غير أن هذا ليس بالأمر السهل نظراً لاكتظاظ المكان بآلاف الناس يطوفون حول الكعبة. الخليفة عبد الملك والمتصوّف علي بن حسين أرادا ملامسة الكعبة أيضاً. حاول الخليفة، ولكن حشداً من الناس حال دون ذلك. وما إن همّ علي بن حسين بالمحاولة، حتى تراجعت الكتل البشرية أمامه. الجميع يعرفونه ويحبونه إلى درجة فتحوا له الطريق عن طيب خاطر. وهكذا تمكّنَ علي بن حسين من الوصول إلى الكعبة وملامستها بدون عراقيل. ذُهِل الخليفة: من هذا الرجل؟ كيف لا يبتعد أحد لأقوى رجل في الدولة، ويفتحون الطريق جميعاً أمام رجلٍ غريب؟».

«هذه هي محبّة الله»، ختمَ عماد قصته. أومأ الرهبان بالإيجاب، فكلامه يدخل القلب فعلاً.

واصلَ عماد كلامه: «وهناك متصوّف آخر، محيّ الدين بن عربي، إنه مدفون في دمشق. كتب هذا المتصوّف قصائد عن محبة الله، وكان مفهومه عنها واسعاً. من بعض أشعاره الأبيات التالية: ولقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة، فمرعى لغزلان ودير لرهبان/ وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن/ أدينُ بدين الحبّ أنى توجهت ركائبه فالحبّ ديني وإيماني».

انشرح صدر عماد على الكلام. وراح يتلو الآيات القرآنية، ويتبعها سريعاً بأمثال من سيرة النبي وقصص من تاريخ المسلمين والشعر، كي يشرح للرهبان ماذا يقصد الإسلام بالمشاعر تجاه الله. أصغى الرهبان بتأثرٍ بادٍ وراحوا يطلقون أصواتاً تؤكد بين الحين والآخر على تأييدهم: «الله، الله! طبعاً، يا سلام!».

«وما هو دور الرسول محمد بالنسبة للمسلمين؟» استفسر راهبٌ عن موضوع شائك آخر. المسيح، كإنسان محبّ ولطيف ومتسامح، يتناقض تماماً مع تصوّرهم عن محمد كقائد جيش وقاض صارم. بيد أن العالمين لم يكونا متباعدين من هذه الناحية أيضاً، إذ قال عماد: «كان محمد أولاً وآخراً إنساناً متواضعاً. نحاول، نحن المسلمين، الاقتداء به قدر الإمكان. فالرسول لن يجلس أبداً في المكان الذي أجلس فيه الآن، بل هناك عند الباب». كان يقصد طبعاً ذلك التقليد العربي الذي يملي بإفساح صدر الدار للضيف، ليجلس الأشخاص الأقل أهمية – في الغالب أولئك الذين يجلبون الطعام والشراب – عند الباب. «هذا يعني أني لست بدرجة تواضع محمد، غير أنه يمثّل التواضع الذي أسعى للاقتداء به». أومأَ الرهبان موافقين: يفهمون هذا تماماً، فهو يتوافق مع مبادئ حياتهم في الدير.

«وإذا جاءك مسيحي يريد اعتناق الإسلام، ماذا تقول له؟»، وهنا سادَ الصمت. الارتدادُ عن الدين محرّم عند المسيحية والإسلام على حدّ سواء. ولكن في سوريا، كما في معظم البلدان المسلمة، تسري مصلحة الأكثرية: لا يُعتَرَف باعتناق مسلم للمسيحية، أما المسيحي الذي يرتد عن دينه إلى الإسلام، فيُرحَّبُ به أحسن ترحيب. قد لا يطبّق في سوريا نصّ الشريعة الذي يحكم بالموت على المرتد المسلم، إلا أن المرتد شخصٌ منبوذٌ اجتماعياً ولا يتمكن من العيش الهادئ والعمل إلا ضمن الجماعة المسيحية الصغيرة. فضلاً عن أنه يبقى مسلماً في بطاقته الشخصية. أما في حالة اعتناق مسيحي الإسلام، فستغيّر مصلحة الأحوال الشخصية دينه على الفور. ومع أن المسيحي المرتد شخص منبوذ عن جماعته أيضاً، إلا أن العواقب أقل سوءاً مقارنة بالمسلم المرتدّ. يشكّلُ هذا مصدر ضيق وحقد عند المسيحيين في الشرق الأوسط، وأذكر كيف تذمّرت صديقتي مُنى مرّة: «لماذا يحقّ للمسلمين كسب أشخاص جدد في صفوفهم، على عكسنا نحن؟».

أجاب عماد بتأنٍ: «إن قال مسيحي إنه يريد اعتناق الإسلام، أقول له إنه من الأفضل أن يبقى مسيحياً». نظر الجميع باستغراب: مسلمٌ ويقول إنه من الأفضل ألّا تعتنق الإسلام! أُصيبَ عماد بالخجل قليلاً: «كان النبي محمد متردداً بخصوص هذه القضية. من جهة كان يسُرّه طبعاً أن تشتد عزيمة الإسلام بتزايد عدد المسلمين، ولكنه من جهة أخرى كان يدرك بأن عليه ترك المسيحيين واليهود بحالهم كي يمارسوا دينهم بحرية».

وطرحت الأخت ماريا آخر سؤال. لمدّة ساعة كاملة كانت تتحرّق لطرح سؤالها عن الحجاب: هل الحجاب مذكور في القرآن أم لا؟ لم يتردد عماد: نعم، قال الله تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين وكان الله غفوراً رحيماً». ولقد اعترف عماد بأن النصّ ليس واضحاً تماماً، وشرح أنه مثالُ الآية القرآنية التي تحتاج إلى تأويل، وقد يختلف هذا التأويل حسب المذهب الذي ينتمي إليه المسلم. يقول المذهب الأول بأن على المرأة تغطية وجهها بأكمله، ويقول المذهب الآخر بأن عليها تغطية شعر رأسها فقط، بينما يكتفي المذهب الثالث بتغطية شعرة واحدة.

بعد تناول الغداء وقبل مغادرته، قام عماد بصلاة العصر. وفي تلك الأثناء اجتمعنا كي نودّعه. وبعد انتهائه راح يصافحنا فرداً فرداً، غير أنه أدار وجهه خجلاً عندما توجهت الأخت ماريا إليه رافعة يدها لمصافحته. احمرَّ وجه الأخت ماريا وترددت: ألا يمكنه مصافحتها؟ ألم يكمل صلاته لتوّه؟ سارع الرجل الذي جاء من النبك لاصطحاب عماد في طريق العودة بالقول إنهما سيصليان ثانية أثناء الطريق. وبما أنه لا يوجد ماء للوضوء في الطريق إلى النبك، فعلى عماد أن يكتفي بوضوئه الذي قام به منذ ربع ساعة. وقد تضطره مصافحة سيدة إلى غسل يديه مجدداً. أومأت الأخت ماريا مُتفهّمة، ولكنها خرجت بعد مغادرتهما وهي تهزّ رأسها ذات اليمين وذات اليسار.

الديراني باولو والمفتي
إنه اليوم الأخير من «اجتماع الحوار» في الدير. لم يأت من المدعوين المسلمين سوى الشيخ عماد. هل تقاعسوا بسبب بعد المكان، هل وافقوا على الحضور من باب المجاملة فقط، أم أنهم كانوا خائفين من المشاركة في اجتماع لا بدّ أن يكون مشبوهاً بالنسبة للحكومة السورية؟ لم يكن الرهبان والمشاركون الآخرون يعرفون السبب، ولكنهم لم يستغربوا تغيّب محاوريهم المسلمين.

بيد أن الأب باولو تمكّن من تدبير اجتماع آخر، مع مفتي النبك. كان المفتي عجوزاً وقد منعه طبيبه عن قطع تلك المسافة في الوادي مشياً على الأقدام. لذا عُقِدَ الاجتماع صباحاً في مبنى صغير في أعلى الوادي. أخذنا الفطور والشاي معنا. كان المفتي يلبس جلابية سوداء ضيقة تظهر تفاصيل بطنه المدوّر وتشبه قفطان القساوسة الكاثوليك كثيراً، ولكن ينقصها القبّة. غطاء رأسه أبيض، وكذلك سرواله الطويل الذي يظهر كلّما فتح ساقيه أثناء الجلوس. كان المفتي هَرماً جداً، غير أن عينيه الزرقاوين ترمقان العالم بحدة.

جلسنا على كراسٍ صغيرة متحلّقين في نصف دائرة حول المفتي. وفي حين رحنا نعبث قليلاً بالخبز والشاي، صبَّ أحد الرهبان الماء في كوب وقدّمه إلى المفتي. نظر من زاوية عينه إلى رفيقه مستفسراً بما معنى: «هل يمكنني فعل ذلك؟». فوجئتُ بارتباكهم في التعامل مع المفتي الذي يشبه إلى حدٍ كبير ارتباكي أثناء احتكاكي الأول مع العلماء المسلمين. كنتُ جالساً بجوار الأب باولو الذي بدا وكأنه يقرأ أفكاري، لأنه همس في أذني: «الرهبان يخافون من السلطات المسلمة، ولكن لا داع لذلك الآن. منذ إعادة بناء ديرنا وأنا أواظب على زيارته. أخبرني بأن مسلمي النبك سألوه منذ بضع سنوات إن كان يجوز للمسيحيين عبادة إبهام القديس موسى الحبشي، شفيع ديرنا، إبهامه موجود في إحدى الكنائس في النبك. ولقد أفتى يومها بألّا حرج في ذلك».

بادر المفتي بالكلام: «نحن في النبك سعداء بديركم، لأننا نرى أنكم أناس طيبون ومجدّون. ولكني بصراحة لا أعرف على الإطلاق كيف تفكرون وتتكلمون أو ماذا تفعلون، لذا سأضع نفسي رهن إشارتكم. اسألوا ما تريدون معرفته مني». بعد هذه البداية المريحة للاجتماع، أخذ الرهبان يطرحون الأسئلة بِحرية. بدأت الجلسة على الطريقة التقليدية المعروفة: يُطرَح السؤال فيأتي الجواب متنقلاً من موضوع إلى آخر عبر آيات قرآنية وأحاديث نبوية ونوادر من تاريخ الإسلام، ويستمر ذلك إلى أن تضيع الخطوط العريضة في الكلام.

انتقل المفتي إلى محاجّة تاريخية حول تعايش المسلمين والمسيحيين. «عليكم أن تفهموا جيداً أن المسلمين أثناء فتوحاتهم للشرق الأوسط قاتلوا الكفار ولم يقاتلوا المسيحيين أو اليهود. أنتم المسيحيون لكم دينكم ولنا نحن ديننا. لا عداوة بيننا ولا خلاف. قال الله تعالى: وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». وتحدث المفتي عن الأوامر التي تلقتها جيوش الإسلام بأن يتعاملوا مع المسيحيين المهزومين وممتلكاتهم باحترام.

لفتَ انتباهي مدى تشبّث الرهبان بإطار المرجعية المسيحي. كان من الصعب على بعضهم فهم أن القرآن هو كلمة الله، وليس – كالإنجيل – تسجيلاً للأحداث التي مرّ بها النبي محمد. وعندما استفسر الأخ يوسف عن «كتاب النبي المقدس»، ضربَ الأب باولو على رأسه يائساً: «أخ يوسف، لقد شرحها لك الشيخ عماد لمدّة يومين متواصلين! عندك القرآن الكريم والسنة. هما نصّان مختلفان. كم مرّة سنشرح لك ذلك؟».

وراح شخص آخر يقارن بين حياة عيسى ومحمد، فدخل متاهة لا مخرج منها. لم يستوعب أن محمد لم يتلق نداء النبوة إلا في سنّ الأربعين: «ولكن ماذا كان يفعل قبل سن الأربعين؟ هل كان يدرس مع الفقهاء في المعبد؟». فروى المفتي بصبر وبالتفصيل الممل كيف كان محمد يكسب ماله بالتجارة. كما تطرّق إلى حياة المؤمن المسلم: «إنها حياة يتوجب عليك ممارستها. ثمّة أناس في أمريكا وانكلترا وفرنسا يعتنقون الإسلام لأنهم قرؤوا كتباً عن الإسلام من دون أن يعرفوا كيف يعيشون كمسلمين. لا يمكنك تعلّم الإسلام، عليك أن تحياه». أومأ الرهبان موافقين. هذا هو بالضبط ما يفعلونه في الدير: لا يدرسون المسيحية، بل يحيونها.

نظرتُ من حولي. بدا المفتي والرهبان، وهم يقضمون التمر، كأنهم خرجوا لتوّهم من القرآن أو الإنجيل. بالكاد تغيّرت الشخصيات في تلك الكتب. يفيض الماضي في الحاضر دونما انقطاع، ويتشابه هؤلاء الناس في لباسهم ولغتهم وعاداتهم. الفروق بين المسيحيين الأوروبيين والمسيحيين العرب أكبر منها بين العرب المسيحيين والمسلمين. بدأتُ أفهم انزعاج المسيحيين في الشرق الأوسط عندما يتكلمون عن المبشّرين الغربيين. تذكرتُ استياء مُنى: «ماذا يريد هؤلاء منا؟ أيعتقدون أن بإمكانهم تلقيننا المسيحية؟ نحن مسيحيون قبلكم بمئات السنين! ماذا جئتم تعلموننا إذن؟».

انفضَّ الاجتماع بعد ثلاث ساعات. كان انطباعي بأن الجوّ مع الشيخ عماد أكثر أريحية. ولكن الرهبان كانوا، على عكس ما توقعت، راضين جداً عن المفتي. قال الأخ إلياس: «عماد علميٌ جداً وواضح، ولكنه يتكلم بلغة العقل. أما المفتي يتكلم بقلبه. على الأقل ثمة قاسم مشترك بيني وبين هذا الرجل».

تكلمتُ مع بعض الرهبان عن صدامي مع الشيخ برهاني. ربتوا على كتفي متعاطفين: «نعم، ماذا نفعل بهؤلاء المسلمين. تتلاطف معهم وتحاول تفهّمهم، فإذا بهم ينتقلون مباشرة إلى هدايتك!». واضحٌ أن نيّتهم حسنة، ولكن ما الفائدة من التأكيد على كلامي. نصحوني أن أتكلم مع الديراني، الأب باولو.

الأب باولو يسوعي إيطالي ويعيش منذ سنين في الشرق الأوسط. يتكلم العربية بطلاقة، ويعرف الكثير عن الإسلام كما لو كان شيخاً. في عصر ذلك اليوم، وبعد تفرّق الجميع من أجل القيلولة، انسحبنا سوية إلى غرفة باردة في الدير حاملين معنا الشاي. ولقد ضحك الأب باولو كثيراً عندما أخبرته بما جرى بين وبين الشيخ برهاني. قال مبتسماً: «هذه تجربة جيدة، ولطالما مررتُ في مثل تلك المواقف».

«لقد حصل ما يلي»، بدأ باولو يشرح لي. «شخص من مستوى برهاني قام بتقييمك، إنه لشيء يُفتخر به. إن استدعاءهم لرجل من ثقل برهاني، يعبّر عن رأيهم بك. وفي جلسات كهذه يكون شخص ثالث موجوداً، كشاهد. إنه ذاك الرجل الذي دبّر لك اللقاء مع برهاني».

شعرتُ ببعض الارتياح. ليس صحيحاً إذن أني «حرّضتهم» على جلسة الهداية بموقفي المضطرب والأخرق. ولكني ما زلتُ مستاءً، لأن برهاني لم يُتعب نفسه بتفهم شخصي ومعتقداتي.

قال باولو: «يأتي هذا لاحقاً، ولكن هل طرح عليك أسئلة؟». حكيتُ له عن الأسئلة التي طرحها برهاني بطريقة بلاغية أحرجتني لأنها تدفعني بشكل واضح نحو جواب محدد.

«لا، ليست هذه هي الأسئلة الجوهرية»، قاطعني باولو. «في لحظة ما – ولكن غالباً ما يستغرق ذلك عدة جلسات – تطرح عليك أسئلة حول رأيك ببعض القضايا، وما هي معتقداتك الحقيقية. يبدو أنكم لم تصلوا إلى تلك المرحلة بعد».

أخبرته عن الحماقة التي ارتكبتُها عندما قلتُ بأني لا أعترف بالنبي محمد. «هل تعرف ماذا أفعل عادةً عندما تُطرح عليّ أسئلة من هذا القبيل؟»، سأل باولو. «أقول مباشرة بأني في حقيقة الأمر مسلم. وليس قصدي طبعاً تخريب شغلهم، أو تملّقهم، بل هي نتيجة منطقهم. فأنا أؤمن بالإله الواحد، وأعترف بمحمد كنبي مهمّ أرسله الله. وبنظرهم أكون قد صرتُ مسلماً، فتنتهي الفذلكة العقائدية حول الثالوث وعيسى كابنٍ للرب وما إلى ذلك، ونستطيع البدء بالكلام عن أشياء حقيقية». وهنا عَلَت قهقهاتنا النابعة عن القلب.

انشرحَ صدري للكلام مع شخص مرّ بالتجارب نفسها، كما ارتحتُ لمقابلة شخص مأخوذ مثلي بالإسلام. ليس كعالِم، وليس كباحث عن الحقيقة، ولكن في منزلة بين المنزلتين. الفرق هو أن لباولو برنامجاً واضحاً. يحاول كرومي كاثوليكي مؤمن أن يبني جسراً إلى الإسلام. أما دوافعي فقد كانت غائمة، هذا ما اكتشفتُهُ مؤخراً. استسهلتُ الأمر بوضع نفسي في خانة «المسيحي» كي أكون مفهوماً بالنسبة للمسلمين. ولكن إذا كان موقف كهذا غير واضح بالنسبة لي شخصياً، فلا عجب إذن أن يجدني المسلمون متذبذباً.

أحسَ الأب باولو بترددي. «دعني أطرح عليك سؤالاً. ما هي علاقتك باللغز المسيح؟»، نظرتُ إليه مذعوراً. كان في غاية الجدية. بالكاد استطعت منع نفسي عن التبسم، يبدو أني انتقلت من جلسة هداية إلى أخرى. يا إلهي، في أية مغامرة دينية رميتُ نفسي عندما جئت إلى سوريا؟ بيد أن الأب باولو ليس شخصية تبشيرية. إنه يعرف الشكّ، ولن يحاكم أحداً على هذا الأساس. لذا أخبرتُهُ بأني من أصول كاثوليكية، وككل الهولنديين متأثرٌ قليلاً بالكلفينية2. أفسحُ مجالاً للأمور الدينية، وعندي وقت لسهرة شربٍ وسكر. أؤمنُ بقوة عليا نستسهل تسميتها بالرب، غير أني لا أميلُ إلى الجانب العقائدي من الإيمان. أوافقُ المسلمين على أن أموراً كالثالوث المقدس وشخصية عيسى بالكاد تكون مفهومة، ولكني أتضايق في الوقت نفسه من أساليبهم المتحذلقة. ما همّهم إن كان المسيحيون يفكرون بشكل مختلف؟
2. إحدى التيارات البروتستانتية المنسوبة لـ «كالفين»، والتي تتميز بالعمل الجاد والتقشف.

أصغى الأب باولو بتأنٍ. رفع بصره إليّ واعترفَ بأنه حسبني أقوم برحلة بحث روحية.

«هراء»، أجبته متأكداً. «لماذا يريد الجميع دفعي نحو الدين مع أن كلّ اهتمامي هو القانون».

هزَّ الأب باولو رأسه نافياً. «كيف تفسر إذن اهتمامك بالإسلام، لماذا أتيت إلى الشرق الأوسط؟». هززتُ كتفيّ، إنه السؤال نفسه الذي طرحه الشيخ برهاني، وما زلتُ لا أملك الجواب.

«سأقول لك لماذا»، تابع الأب باولو. «لأنك لا تهتم بفصل الدين عن القانون، وإنما بتضافر الإثنين. وليس من الغريب وقتئذ أن تكون مأخوذاً بالإسلام. الإسلام أكبر تحدٍ للمسيحية وللقيم المسيحية. إنه أهمّ مرآة تعكس المسيحية والعالم الغربي».

دار الإسلام
لا بدّ من أن الاضطراب كان بادياً على وجهي عندما خرجتُ من غرفة الأب باولو. «هل تعرف ماذا عليك أن تفعل؟»، قال الأخ جورج بلطف واضعاً يده الثقيلة على كتفي. «اذهب إلى الأعلى لتهدأ قليلاً»، وأشار إلى سفح الجبل الذي يرتفع بجوار الدير. «أثثنا هناك مغارة للتأمل. ثمّة سرير وماء وشاي. ولقد صنعنا للمغارة باباً لدرء الحيوانات. هذا هو المفتاح».

جلستُ على الصخرة بجانب المغارة المطلة على الوادي. كان القمر ينشر ظلاله المتقلبة في كل مكان. بالرغم من كلمات الأب باولو المطمئنة، إلا أن جلسة الهداية مع برهاني ما زالت تشغل تفكيري. هل أنا الذي «شجعتهم» على ذلك؟ لا، لطالما كنتُ واضحاً حول قصدي: في كل مرّة أعرّفُ فيها عن نفسي أذكرُ أني هولندي غير مسلم يقوم ببحث حول الشريعة. وفي الدرس الأول قدّمت لحمداني أسباباً عملية لاهتمامي وعرّفتُ عن نفسي كمحام غير مسلم يحتك كثيراً بالقوانين الإسلامية في هولندا. أعترفُ بأني جئتُ إلى هنا بكامل سذاجتي، كمن يقول «دعوني أرى ماذا يحصل هنا». كنتُ أتوقُ لملامسة لبّ الشريعة بحضوري خطب الجمعة والدروس والمحاضرات، بدلاً عن تلقيمي إياها من الكتب. هكذا دخلت «دار الإسلام»، لو صحّ استخدام مصطلح الشيخ برهاني. ولكن ثمة غرفاً كثيرة في تلك الدار، وكلّ غرفة منها تؤدي إلى قاعات جديدة. وسرعان ما تهتُ كالأعمى بين الممرات والغرف والسلالم.

«ماذا تريد من الإسلام؟»، سألني برهاني. ما زلتُ لا أملك جواباً واضحاً. كلّ ما أريده هو تبادل الأفكار معه ومع كل المسلمين الآخرين الذين قابلتهم. عن الإسلام، الشريعة، الغرب، عنهم وعنّا، وعن الفوارق ووجوه الشبه. ولكن هذا أربكَ الشيخ برهاني والآخرين. هل أنا منشغلٌ في بحثٍ علمي، أم أني أنقّبُ عن الدين الحق؟ أصدقكم القول: لا هذا ولا ذاك. كنتُ أرغب بمعرفة كيف ينظر المسلمون إلى الإسلام، وكيف ينظمون حياتهم كمسلمين. عندي فضول أن أكتشف رأيهم بالشريعة، مخطط المجتمع الإسلامي المثالي. أما عقائد الإسلام وتعليمات الشريعة، فهي ذات أهمية ثانوية بالنسبة لي.

وهذا بالذات هو عجزي الأكبر. فأنا لم أحسب حساب طريقة تفكيري الشخصية بالدين والإيمان. «هل أنت مسيحي؟» كم من مرّة طُرح هذا السؤال عليّ. دائماً بلطفٍ وبشكل عرضي وبلا مبالاة تقريباً. في السابق كان هذا النوع من الأسئلة يذهلني ويشعرني ببعض الإهانة. غرباء لا تعرف عنهم شيئاً ولم تتبادل معهم سوى ثلاث كلمات، يسألونك عن دينك. ولكنه سؤال عادي جداً في الشرق الأوسط ولقد تعودته مع مرور الوقت. الدين هوية لا تزن الكثير بالنسبة لغالبية الهولنديين. قد أقدّم نفسي في الخارج كـ «هولندي»، ولكن لن يخطر على بالي أبداً تقديم نفسي كـ «مسيحي». أنا بصراحة لست متأكداً إن كنتُ أستطيع فعل ذلك بشكل مقنع. أجوبتي بأني «لست مؤمناً» لم تكن مقبولة في العالم العربي، أما أني «مؤمن إلى حد ما» فهذا أمرٌ غير مفهوم. إن لم يكن دينك هو مرجعيتك – هكذا يفكرون – فما هي بحق الإله هويتك، من أنت، أين تُموضِعُ نفسك؟

كيف يتم تعريف شخصيات كعيسى ومحمد، ما هي الطقوس اللازمة، ما مغزى كلّ فعل، كلها أمور لا تعنيني. لم أنتبه جيداً إلى كونها أموراً جوهرية بالنسبة للمؤمن المحافظ – ليس المسلم فقط، بل المسيحي واليهودي أيضاً. وبما أني رحتُ أسرح بينهم دون أن أحدد معتقداتي، صار انطباعهم عني غامضاً ومربكاً. باتوا مترددين تجاهي: ماذا تريد منّا بالضبط؟ أي نعم: ماذا أريد منهم؟ لمَ تراني أتفرّجُ عليهم وأراقبهم؟ وهل سيهتم الهولندي الوسطي بحضور شخص نيجري، مثلاً، لقدّاسهم من أجل «فهم» بعض الأمور؟

أذهبُ لأستلقي على السرير الخشبي القاسي في المغارة وأطفئ الشمعة. «ماذا تريد من الإسلام؟» أطرحُ هذا السؤال على نفسي بصوتٍ عال. أترك الكلمات تنزلق من بين شفتيّ وأكررها. أكررها متمنياً أن يهبط الجواب من تلقاء نفسه. أجبر نفسي على التفكير. هل ثمة شيء في أعماقي يبحث عن الروحانيات دون أن أدري، كما زعمَ الأب باولو؟ لطالما تساءلتُ لمَ لا أعتنق الإسلام إن كنت منجذباً إليه إلى هذه الدرجة؟ بيد أن هذا من الأمور القليلة التي سرعان ما تيقنت منها: اعتناق الإسلام أمرٌ ليس مطروحاً بالنسبة لي. ليس لأني ضد هذا الدين، وإنما لأني لست مسلماً. لست كصديقتي فاطمة المضطرة أن تعترف متنهدة بأنها مسلمة فعلاً. أنا بكل بساطة لم أتربَّ على الآيات القرآنية عبر الراديو ولا على قصص الشيوخ والجنّ أو صوت الأذان. عالمي هو الموسيقي «باخ» وأجراس يوم الأحد، والقصص المثيرة حول الأقزام والتنانين، محاكم التفتيش الإسبانية وأكل السندويشات تحت ظل كنائس رومانية أثناء رحلات الدراجة على ضفاف نهر الفال. خلفيتي الثقافية، بكل قصصها وقيمها، مسيحية المنشأ ولا مهرب منها. لن ينفع تبديلها بشيء آخر. غير أن كلّ شيء استوعبته من الإسلام، وكل شيء أعجبني فيه – وما أكثره – بات يشكل جزءاً من خلفيتي تلك. اعتناق الإسلام ليس ممكناً، ولا داع له أيضاً.

جاذبية الإسلام ليست في دينه، وإنما في عالمِ صوره المنعكسة. الأب باولو محق عندما قال بأن العالم الإسلامي أهمّ مرآة تعكس الغرب. ولكنها مرآة تغيّرُ شكل ما تعكسه فتتسبب في سوء الفهم. تبدو أشياء كثيرة مشابهة للغرب، غير أنك تكتشف لاحقاً بأنها تختلف بعض الشيء. كنتُ في بادئ الأمر مراقباً يتساءل فقط كيف تجري الأمور في الإسلام. أما بعد حصولي على جواب، بدأ السؤال التالي يطرح نفسه: «إذا كانوا يفعلون هذا، فلماذا نفعل ذاك إذن؟» هل نحن الغربيون مختلفون إلى هذه الدرجة؟

خذ الدين مثلاً. كنتُ أحسبُ في البداية بأن الدين يشغل المسلمين أكثر مما يشغلنا. وبأننا أهملنا ديننا أو حتى تخلّينا عنه في بعض الأحيان. أما هم فلا. ولكننا ما زلنا مع ذلك واثقين مثلهم من شتى القيم والمعايير. مع الفرق بأننا لا نسميها معايير دينية، بل ليبرالية أو عالمية. فأنا لا أفهم مثلاً أن يشكك شخص بعالمية بعض حقوق الإنسان. كالمسلم الذي لا يفهم كيف يشكك شخص بألوهية الشريعة. حقوق الإنسان والشريعة تمثلان قيماً ومعاييرَ لتنظيم مجتمعي عادل. وكلاهما نابعٌ عن مصدرٍ لا يمكن تحديده بالضبط: «عالمي» أو «رباني». إنها مجرد تسميات، بيد أننا جميعاً ندافع عنها بتعصب في حال اضطررنا إلى ذلك. ولفترة ظننت بأن المسلمين أكثر تعصباً منا وأكثر أصولية. هذا لقلة المسلمين القادرين على التكلم عن الدين بعين ناقدة. ولكن تصوّري هذا كان تبسيطاً للأمور أيضاً. ففي الشرق الأوسط يندمج الدين بالهوية إلى درجة يصعب عندها التكلم عنه بطريقة السؤال. يتساوى هذا مع الشك بهويتك وبحقك في الوجود. وينطبق هذا أيضاً على المسيحيين والدروز والعلويين بالدرجة نفسها. أو خذ الشريعة. عندما كنتُ يوماً جالساً في مقهى مع محمد، طالب كلية الشريعة، طلب كأساً من البيرة بعد محاجّة طويلة عريضة حول تطبيق الشريعة. «حديث كهذا يصيبني بالعطش»، قال بغمزة من عينه. وعندما قلت له بأني أعتبرُ هذا نفاقاً، رفع كتفيه غير مهتم. كان يدرك أنه تجاوز حداً، ولكن هذا لا يشكل قضية يقف عندها طويلاً. إنها كالقوانين المنزلية التي يضعها ربّ الأسرة. ثمة حاجة للأب وإلى قوانين يسنّها، ولكن ما من مشكلة إن جئت مرّة متأخراً من حفلة ما أو دخنت سيجارة في البيت الصيفي. هذا لا يعني طبعاً بأنه يجب إلغاء قوانين الأب، فهي لا تزال ضرورية ومفيدة. أما وضع الجيران الأوروبيين، حيث لا أب في الدار والأطفال يسنّون قوانينهم بأنفسهم، فهو وضعٌ غير مطروح أساساً.

أضف إلى ذلك بأن الدين والإيمان لا يمثلان كل شيء في دار الإسلام. من المهمّ أيضاً أسلوب عيشك في تلك الدار، موقفك من الحياة. كنت قد تأقلمت عن غير وعي مع طريقة العيش هذه. ولا يقتصر ذلك على المسجد وبيت المسلم الوَرِع. فقد كانت فاطمة تضحك عندما أنبهها إلى تنانيرها القصيرة أو أمتنع عن تقبيلها عند التحية في الأماكن العمومية، كما يفعل الفرنسيون مثلاً. يبدو أني كيّفت نفسي مع ديكور دار الإسلام وهندستها. أنا هنا منذ فترة طويلة، بحيث بدأت أشعر بأن البيت بيتي. غير أن إحساساً مفاجئاً انتابني الآن بأن ثمة ضوءاً مسلّطاً نحوي في ممرات الدار، وصوتاً مجوّفاً يسألني: «السلام عليكم، ولكن من أنت؟ وهل تسكن هنا؟».

أقرّرُ مغادرة سوريا. ليس لأني لم أعد أحتملها، أو لأنه لم يعد لي مكان هنا. على العكس، أشعرُ بأني بدأت لتوّي. ولكن عليّ أن أبتعد قليلاً. أهبط الجبل في اليوم التالي، أودّع الرهبان وأعود إلى دمشق. أتصل هناك ببترا وأعلمها بقراري. تخبرني بأنها ستصل على متن أول طائرة كي ترافقني. وتهبط بعد يومين في مطار دمشق. تسعدني زيارتها. لا نتكلم مطولاً في شقتي هذه المرّة، بل نخرج لنسوح في دمشق. آخُذُها معي إلى السوق والجامع الأموي والمقهى من خلفه. أُريها الأماكن التي قضيتُ فيها وقتاً طويلاً. ولمرة واحدة نركب الباص خارجين من المدينة لزيارة آثار الصليبيين وقلاعهم التي لم يسبق لي أن زرتها أثناء إقامتي.

بيد أن المواجهة مع الإسلام ما لبثت تلاحقني. في إحدى نزهاتنا وبعد يوم حار حافل بالأعمدة والقلاع والمعابد، استطعنا بالكاد اللحاق بآخر باصٍ صغير إلى دمشق. هزّات الباص جعلتني أغطّ بالنوم مسنداً رأسي على كتف بترا. رجل من الخلف راح ينادي: «عيب، عيب!». أنظرُ من بين جفنيّ فأرى المسافرين الجالسين أمامنا يلتفتون ليستمتعوا بمشهد من خلفهم، بينما يستمر النداء القادم من الخلف: «عيب، عيب!». أفهم شيئاً فشيئاً بأن هذا التنبيه موجّه إلينا. جاري الخلفي متضايقٌ من رأسي على كتف بترا. ولكننا نتجاهل ذلك المتزمّت فيبتسم المسافرون الآخرون لنا مُشجعين، مبدين استنكارهم من هذا الاضطراب الذي سببته غفوة بريئة.

بشيء من التلذذ يدخل بضعة مسافرين جدالاً مع المقعد الخلفي. لا أستطيع كبح فضولي أكثر من ذلك، فأتظاهر بأني أصحو لتوّي وأستدير بعينيّ الناعستين إلى الشخص المتذمّر منا. فأتفاجأ بأنه ليس متعصباً ملتحياً ذا عينين براقتين يحمل القرآن بيده، وإنما ولدٌ لم يتجاوز سن السادسة عشرة. يبدو أن الفكرة نفسها خطرت على بال المسافرين الآخرين الذين التفتوا موجهين كلامهم إلى الخلف: «أنت غيران!». ويهمسون لنا: «يبدو أنه لم يصاحب فتاة من قبل فأصيب بالإحباط عندما رآكما».

سيدة جالسة إلى جانب الولد تخرج ثديها الكبير لترضع صغيرها بدون خجل، ما من أحد ينتبه إليها. ويحتدم النقاش في الباص حول ما هي أصول الأدب. فيشير أحدهم إلى قميص الولد: «كيف تتكلم عن أصول الأدب وتترك قميصك يتدلى مفتوحاً إلى سرّتك؟». ويضيع دفاع الولد الحائر بين قهقهات المسافرين الآخرين. بعد ذلك وقبل أن ينزل الولد من الباص ينظر إلينا لتتلاقى أعيننا لأول مرة، نحييه فيرد التحية ببسمة خجلى. «أتمنى أن أراكما مرة أخرى في هذا الباص»، يقولها بلطف وينزل.

في اليوم الذي يسبق مغادرتي لسوريا أدعو أصدقائي إلى وليمة وداع مسائية على الشرفة في منزلي. أرى بأن على عالمَيّ، دارَيّ، أن يلتقيا قبل مغادرتي سوريا. ليلتغي هذا الفاصل على الأقل في حال عودتي إلى سوريا مرة ثانية.

أشتري بعد الظهر خضاراً وفاكهة من السوق السوداء الصباحية، وبهارات وقهوة وسكر من عند صاحبي العطار الذي لا ينسى أن يدردش أبداً. يستفسر عن مكان سكني: «أرغب بزيارتك والتكلم مع مسلم أجنبي». يبدو أن الحيّ كان يحسبني مسلماً طوال فترة إقامتي هنا. «ولكني لست مسلماً؟» أقول له مذهولاً.

«ماذا؟! ألا تدرس الشريعة الإسلامية؟»

«بلى، ولكن هذا لا يجعلني مسلماً!»

ويبقى مذهولاً: «نعم، ولكن كيف تدرس الإسلام دون أن تشعر تجاهه بشيء أو أن تنجذب نحوه؟».

أشعرُ بغيظ الأسابيع الماضية يعود. لم تبق عندي رغبة في مناقشة هذا الموضوع بأدبٍ وحذر. يبدو أن كلّ غضبي سينصب على رأس هذا العطار المسكين. «أدرس الشريعة الإسلامية لأنها تهمّني، أريد فهم أفكار المسلمين ودينهم. ألا يكفي هذا؟ أرى بأن المسلمين والمسيحيين لا يعرفون إلا القليل جداً عن الآخر. من المهم إذن أن يتعرّفوا على بعضهم بعضاً. وهل من طريقة أخرى لفعل ذلك؟».

«مممم، يحصل هذا إن عملوا مع بعضهم في الدكان أو المعمل نفسه. ولا يحتاج الأمر أن يطلعوا مباشرة على دين الآخر».

قاطعت: «كلام فارغ، العمل سوية! أعرف كثيراً من المسلمين والمسيحيين الذين يداومون سوية في المكتب نفسه، غير أنهم ما زالوا يخافون بعضهم بعضاً أو يحملون على الأقل أشدّ الأفكار غرابة حول الآخر. والسبب الوحيد هو جهلهم التام بدين الآخر. مجرد الوقوف في مكان العمل نفسه لا يغير شيئاً في ذلك».

بيد أن العطار لا يستسلم بسهولة، فهو لا يستوعب أن يدرس شخص ديناً آخر بدون دافع. إما أن تؤمن بشيء أو لا تؤمن به، والأشياء التي لا تؤمن بها لا حاجة لك بمعرفتها.

أسأله بتحدٍ: «ولمَ لا يحاول المسلمون التعمّق في المسيحية؟».

«ولكن هذا ليس ممكناً! أنتم المسيحيون، اعذرني إن قلت هذا، عندكم معتقدات كثيرة خاطئة. أنتم أولاً لا تعترفون بنبينا، بينما نعترف نحن بالمسيح، ولكنه ليس ابن الله طبعاً، وأشياء كثيرة من هذا القبيل. لماذا يتوجب علينا تعلم أشياء خاطئة؟».

أبحث عن طريقة لدحض كلامه، ولكني لا أجد شيئاً على وجه السرعة. كثير من المسلمين الذين قابلتهم يتكلمون مثله: إنهم يمتلكون الحقيقة، وليس ثمة حقائق أخرى. ولمَ التعمق بشيء ليس صحيحاً؟ أترك النقاش وأدفع الحساب. نتبادل دعوات «إن شاء الله خير»، ونودّع بعضنا.

لم يغضب العطار مني ولم يسبق أن غضب أحد من محاوريَّ الكُثُر. كانوا فقط أقرب للذهول: كيف لشخص يتعمق إلى هذه الدرجة في الإسلام ألّا يهتدي؟ غير أني فقدتُ أهميتي بالنسبة للعطار. كان يحسب أني واحد «منهم»، واكتشف الآن أني أنتمي إلى «الآخرين». لستُ مقيماً، بل مجرد ضيف في دار الإسلام. لا مشكلة عندي، فقد اكتشفتُ مؤخراً بأني لا أريد العيش في هذه الدار. ولكني أزورها بكل سرور.
الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى