سياسة

التنف.. النقطة التي لن ينسحب الأميركان منها في سوريا/ عبد الرحمن السراج


في آذار 2016 سيطرت فصائل من المعارضة السورية على معبر حدودي بين سوريا والعراق والأردن، واستولت على مبنىً كان يُسيطر عليه تنظيم داعش. أطلقت هذه الفصائل قناةً على موقع يوتيوب تحت عنوان “جيش سوريا الجديد” الذي يُحارب تنظيم داعش. ظهر أفرادُ هذا الجيش في فيديوهات القناة يحملون أسلحة أمريكية، ووراء الكواليس كان التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة يُدرّبهم على الوسيلة الأفضل لتقديم أنفسهم للعالم. ومع مرور الوقت تحوّل هذا المبنى إلى قاعدة التّنف العسكرية.

كانت القاعدة موضوعًا لتحقيق مُصوّر نشرتهُ صحيفة نيويورك تايمز على موقعها الإلكتروني مطلع هذا الأسبوع. وكانت تدريبات قوات التحالف لفصائل المُعارضة جُزءًا من برنامج التدريب والتجهيز الذي أطلقته إدارة الرئيس أوباما. لكنّ قاعدة التّنف البعيدة جغرافيًا عن بقية قواعد التحالف في سوريا، اكتسبت بُعدًا جوهريًا للوجود الأمريكي في البلاد الذي كان يهدف في البداية للقضاء على داعش.

بعد إنشاء القاعدة قرب المعبر الحدودي بين ثلاث دول، نشرت فصائل المعارضة طوقًا من نقاط المراقبة على طرق العبور حولها لتتمكن من رصد التحركات المحتملة لعناصر داعش بين سوريا والعراق والأردن، لكنّ عينها ظلّت نُصبَ التّوسع شمالًا واستعادة المناطق من أيدي التنظيم. تمكّنت المعارضة بدعم من القوات الأمريكية من تحقيق ذلك، رغم تعرضها لخسائر في عدد من المعارك. لكنّ ذلك وضعها في منافسة مباشرة مع قوات النظام السوري والقوات الإيرانية التي كانت تسعى أيضًا لاستعادة السيطرة على هذه المناطق.

يمتدُّ الطريق الرئيسي العابرُ من قاعدة التنف إلى وسط العراق شرقًا، وإلى دمشق فبيروت غربًا، ممّا يجعلهُ طريقًا حيويًا لمساعي إيران للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط. في ربيع 2017 شنّت قوات النظام السوري وميليشيات إيرانية هجومًا من جهة الشمال الشرقي للوصول إلى الحدود العراقية والأردنية عبر قاعدة التنف. كانت القوات الأمريكية في حينها قد أنشأت منطقة فض اشتباك (Deconfliction zone) بنصف قطر 35 ميلًا حول القاعدة، وألقت منشورات تبلغ القوات المُهاجمة بضرورة العودة إلى “نقطة تفتيش ظاظا” والبقاء بعيدًا عن القاعدة. لم تستجب قوات النظام وميليشيات إيران، وتعرضت لغارات أمريكية وصفها وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس بأنّها كانت ضرورية للرد على هجوم قوات تُديرها إيران.

أثارت الغارات الأمريكية على هدف غير داعش أسئلة جديدةً عن الغاية من الوجود الأمريكي، وأظهرت صور أقمار صناعية في تموز 2017 توسّع تأسيسات قاعدة التنف بشكل ملحوظ خلال عام مرّ على تأسيسها. تجنّب مسؤولو الإدارة الأمريكية مرارًا تأكيد توسيع أهداف وجودها العسكري في سوريا. في كانون الثاني 2018، أرجأ مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالوكالة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الإجابة عن سؤال “ماذا ستفعل القوات الأمريكية في سوريا عند هزيمة داعش؟”، وتحت ضغط من رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كوركر أجاب ساترفيلد بأنّ “الإدارة تشعر بقلق عميق تجاه أنشطة إيران وقدرتها على توسيع قدراتها لنقل مواد إلى داخل سوريا، وأفضل إنهاء النقاش عند هذه النقطة”.

يكمن بُعدٌ آخر لقاعدة التّنف في مخيم الركبان جنوبًا على الحدود السورية الأردنية ضمن منطقة فض الاشتباك، الذي يضمّ خمسين ألف لاجئٍ فرّوا من النظام وداعش، والذي قصدهُ المتحدث باسم التحالف الدولي بريت ماكغورك بقوله إنّ هدف التحالف هو التأكد من عدم عودة داعش وإدارة الوضع الإنساني الصعب، رغم عدم قيام التحالف بدور حقيقي إزاء المعاناةِ الإنسانية لسكّان المخيم. تشير نيويورك تايمز إلى أنّ وسائل إعلام روسية تواصل تصوير مخيم الرّكبان وقاعدة التنف على أنّهما مقرّين لعصابات إرهابية مدعومة أمريكيًا، وقد قام طرفٌ روسي بتحرير الصفحة الأصلية لقاعدة التنف وأدرج هذه المعلومات عليها قبل أن يتم تعديلها لاحقًا.

في أيلول 2018 أرسلت الولايات المتحدة قوات بحرية (مارينز) إلى التنف لاستعراض عسكري ردعي. وأظهرت صور أقمار صناعية في الشهر نفسه توسُّع القاعدة أكثر وأكثر، وزارها لاحقًا قائد القيادة المركزية الأمريكية جوزيف فوتيل ليؤكد دعم واشنطن للقاعدة.

ذكرت الصحيفة الأمريكية أنّ أعمال بناء توسيعية للقاعدة قد بدأت في تشرين الأول 2018، لكنّ الرئيس ترامب ظهر عكس التيار ليُعلن نيته الانسحاب من سوريا، ليبدأ نقاشٌ حولَ إمكانية استثناء قاعدة التّنف من هذا الانسحاب حتّى بعد مغادرة بقية القوات الأمريكية. أثار إعلان ترامب نيته الانسحاب ردود فعل إقليمية استوجبت جولات لمسؤولين في الإدارة، من المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، أكّدت فيها الإدارة التزامها بدعم حلفائها في المنطقة، هذا إلى جانب لقاء بومبيو بدبلوماسيين من سبعين دولة في الأسبوع الماضي، وإعلانه يوم الخميس الفائت التزام بلاده بالتصدي لتنظيم داعش ومواجهة أنشطة إيران في الشرق الأوسط.

كل ذلك أكسب قاعدة التّنف دورًا حيويًا في سياسة واشنطن في المنطقة يُرجّح أنّها لن تتخلى عنه على المدى المنظور، بغض النظر عن نية ترامب الانسحاب من سوريا.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى