أبحاث

عن تمويل الصحافة السورية البديلة -مقالات مختارة

=========================

——————————-

كيف ساهم فساد التمويل بتخريب الصحافة السورية البديلة؟/ علي سفر

ملفان مهمان تم نشرهما خلال الشهور الثلاثة الماضية يتحدثان عن واقع الإعلام السوري الجديد الذي اصطلح على تسميته بالإعلام البديل.

الأول تقرير

نشره موقع مركز (ميدل إيست إي MEE) في شباط الماضي يتحدث عن مراجعة لعمل الحكومة البريطانية في مجال تمويل الوسائل الإعلامية السورية المناهضة لنظام الأسد والمعادية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تتضمن الإشارة إلى وقوع أخطاء قد ترقى إلى مخالفات للقوانين البريطانية!

أما الثاني فهو دراسة مسحية

أصدرها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير حملت عنوان: “الإعلام السوري.. خارطة الوسائل الفاعلة وتقييم الواقع المؤسساتي للناشئ منها بعد 2011” هدفت إلى “رسم خريطة شاملة للإعلام السوري تتضمن إحصاء كافة وسائل الإعلام السورية الفاعلة والعاملة، بما فيها الوسائل المؤسسة قبل الثورة السورية، وتقسيمها تبعا لنوعها الإعلامي وانتشارها الجغرافي وطبيعة ملكيتها وتاريخ تأسيسها واللغات التي تستخدمها”. وأيضاً “إجراء تقييم عام للواقع المؤسساتي لوسائل الإعلام الناشئة بعد العام 2011 واحتياجاتها، وصولاً إلى معرفة دقيقة حول واقعها المؤسساتي (إداري، تنظيمي، قانوني، مالي،) واحتياجاتها لتكون قادرة على خلق نمط إعلامي جديد في سوريا”. وكذلك “توثيق هذه المرحلة المهمة والخطيرة من تاريخ الإعلام السوري بشكل موضوعي ومنهجي يشكل مرجعاً تاريخياً للمهتمين والباحثين في هذا المجال”. فضلاً عن “خلق قاعدة بيانات شاملة وتفصيلية لوسائل الإعلام السورية الفاعلة، تساعد المنظمات الدولية الداعمة للإعلام على توجيه الدعم وفقاً للاحتياجات الحقيقية، كما تساعد وسائل الإعلام ذاتها على وضع برامج تطوير أدائها وتنمية قدراتها التنافسية فيما بينها”.

فعلياً وضمن سياق السنوات الأربع الماضية، كان موضوع هذا القطاع والبحث في شؤونه ومشاكله والبحث عن نجاحاته هو المادة الأثيرة والمحببة لكل من تضيق به دنيا الأخبار والأحداث ولا يجد مواضيع صحفية مهمة أمامه، إذ بعد أن يفرد أوراق هذا الملف على الطاولة، سرعان ما سيجد حيثيات جديدة وتفاصيل إضافية، يمكن لذكرها، ووضع علامات التعجب والاستفهام حولها، أن يسود صفحات الجرائد بالكلمات ويرصفَ باكتظاظٍ سطورَ المقالات على المواقع الإلكترونية!

يمكن لأي مستغرب لما نذكره هنا أن يكتب في خانة البحث على المتصفحات عبارة ” الإعلام البديل” لتنسدل أمامه نتائج عارمة من المقالات والأبحاث، كثيرٌ منها غث وغير ذي فائدة يلوك ما تم قوله في الأمر منذ سنوات، وقليل منها توخى الدقة في عمله، وجعل من المصداقية في البحث هدفاً له، وبما يؤرخ بصدقٍ لواحدٍ من أهم منجزات الثورة السورية!

على المستوى الشخصي، في المجلد الخاص بهذا الأمر على حاسوبي الشخصي تتجمع عشرات المقالات والأبحاث، شاركت في عدد منها، عبر شهادات تحدثت فيها عن عملي في هذا الإعلام، منذ انشقاقي عن إعلام النظام. في العدد الأكبر منها كنت منتقداً قاسياً، وبما كفل لي أن يعاديني عدد من القائمين على بعض الوسائل الإعلامية!

ولكنني ورغم رأيي المتحفظ على غياب المهنية، وسمة الخفة التي تلتف على عمل الكثيرين في هذا المجال، فإنني كنت أدافع وبشراسة وقسوة عن المنجز برمته أمام هجمات بعض الإعلاميين المحترفين، الذين لم يجدوا طريقة لإثبات حضورهم سوى مهاجمة التجربة والقائمين عليها! كما أنني لم أوفر طاقتي في الدفاع عن كل ما أصدره الصحفيون الشباب، أمام هجمات الإعلام الآخر الذي يعمل ضمن أجندات الدفاع عن النظام.

كنت أرى وما زلت أن حمولة الثورة السورية بوصفها فعل تغيير جذري، ستلقي بحضورها على كل مناحي الحياة السورية، وبالتأكيد في مقدمتها الإعلام، وبالتالي فإن الدفاع عن التجربة والامتثال لفشلها، والحديث عنه قبل التحدث عن نجاحاتها والإشادة بها، هو أهم ما يفعله الصحفي الذي ينتمي لتيار التغيير.

الملفان اللذان نتحدث عنهما أعلاه مرتبطان ببعضهما رغم عدم وجود رابط بين الجهتين اللتين قامتا بإعدادهما، حيث سنلاحظ أن قائمة أهداف الثاني تنتهي عند النقطة التي يعمل عليها الأول، فمسألة التمويل وكذلك الجهات الفاعلة في دعم الإعلام البديل كانت ومنذ البداية نقطة إشكالية طيلة سنوات عمل الوسائل الإعلامية الجديدة، ومن الطبيعي أن تبقى مسألة كهذه عالقة ومثيرة للاهتمام، وهي حقيقة لم تبدأ مع وجود هذه المؤسسات بل إن عمرها هو من عمر الصحافة ذاتها، فبدون المال لا تقوم للإعلام قائمة، ورغم وجود الإعلام الممول من قبل دافعي الضرائب في كل بلدان العالم، إلا أن وجود إعلام يتلقى التمويل من جهات غير حكومية ظلت مسألة حيوية في تاريخ الصحافة.

ويذكر تاريخ المهنة أن المؤسسات الإعلامية المستقلة عن الدولة وغير المملوكة من القطاع الخاص، كانت دائماً تتلقى التمويلات ضمن مشاريع وخطط تقوم بها مؤسسات دولية، أو مؤسسات حكومية غربية أو شرقية، تهدف من وراء ذلك إلى دعم أجندات معينة، عملت في غالبيتها تحت عناوين مهمة كدعم الديموقراطية أو الإعلام الذي يستجيب أو الحساس للقضايا الخاصة كالجندرة وقضايا المرأة وغير ذلك.

يبحث الملف الذي نشره موقع مركز (ميدل إيست إي MEE) في عملية مراجعة تم إجراؤها في صيف عام 2016  لخطط التمويل الذي بذلته الحكومة البريطانية، وبحسب ملخص ترجمته

الذي نشره موقع نون بوست،

يبدو السياق غير مرحب بتجربة دعم الوسائل الإعلامية السورية البديلة، فكثيرٌ من المسؤولين في الحكومة البريطانية “لم يتضح لديهم ما الذي يمكن أن تحققه أو لا تحققه الاتصالات الاستراتيجية”، وقيل إن أوساط المسؤولين في الحكومة سادها “شح في فهم ما الذي يحتاجه بالفعل الجمهور السوري أو ما الذي يفكر فيه”.

ورغم وجود التباينات في تقييم النتائج التي حصل البرنامج عليها، بقيت أصابع الخلل في السياق تشير إلى أن الأخطاء التي ارتكبت هنا تعود للشركات التي تولت تنفيذ خططه، والتي سميت بالمتعهدين.

فهؤلاء وبحسب تجارب أعرفها شخصياً، ويعرفها كل مسؤولي الصحافة البديلة كانوا مهتمين بالربح، أكثر من اهتمامهم بتأسيس وسائل إعلامية راسخة، فهم ورغم كونهم يستولون على ما يتجاوز 50% من قيمة التمويل تحت مسمى المصاريف الإدارية والتقنية (شككت المراجعة في تكاليف البرنامج، ورأت بأن جميع شركات الاتصالات كانت قد تلكأت وتأخرت كثيراً في إخضاع حساباتها المالية لتدقيق خارجي)، كانوا يتدخلون بطريقة غير احترافية في سياق عمل الصحفيين، ويفرضون على المؤسسات التي يتولون عملية دعمها خططاً مبنية على الكم وليس على النوع، وهذا ما تلاحظه المراجعة، فـ”المشاريع دفعت باتجاه مكاسب سريعة وسطحية ونتائج مدفوعة بالأرقام”.

كما أن الغرض كان “تضخيم العمل الصحفي للمواطنين السوريين”! فضلاً عن ارتباط بعض هؤلاء المتعهدين بأعمال لا تنتمي للحقل الإعلامي، وضمن غايات بعيدة عنه كل البعد، لا سيما مسألة تحويل المراسلين المحليين (المواطنين الصحفيين) إلى جامعي معلومات يتم تزويد الأجهزة الاستخباراتية بها!

وهذا الأمر يبدو غير مستغرب حين نعلم وكما تذكر المراجعة أن البرامج التي تتقاسمها وزارتا الدفاع والخارجية “كُلفت بها شركات اتصالات بريطانية، بعضها تدار من قبل ضباط سابقين في الجيش أو المخابرات”. إذ “أقامت هذه الشركات لنفسها مكاتب في إسطنبول وعمان، حيث كانت تجند السوريين للقيام بمجمل المهام اليومية”.

لكن وبالبحث في نتائج فعالية البرامج والتي لا بد ستكون مرتبطة بنتائج دراسة خريطة تلقي هذه الوسائل الإذاعية والصحفية الورقية والإلكترونية، تذهب المراجعة التي احتفت بها بعض وسائل إعلام النظام

إلى أن أوساط المسؤولين في الحكومة سادها “شح في فهم ما الذي يحتاجه بالفعل الجمهور السوري أو ما الذي يفكر فيه”. ولكنها تذكر أن “نقاشات المجموعات وما ورد من حكايات واستطلاعات يشير إلى أن الجماهير المستهدفة التأمت مع المنتجات وتلقفت الرسائل المقصودة، بما يثبت أن المشروع كان فعالاً”.

وحول هذه المسألة يتذكر كثيرون ممن عملوا في الإذاعات السورية، كيف أن عملية تقييم المنتجات التي كانوا يصنعونها كانت تخضع لاستبيانات رأي يتولاها وكلاء محليون، كانوا في معظم الأحيان يقومون بتعبئة مئات الأوراق بأنفسهم وليس توزيعها على العينات المستهدفة، ما يحول فعلياً دون اعتبارها استبيانات حقيقية يمكن اعتمادها للتقييم، ما أثر على استمرار الدعم للكثير من هذه المؤسسات بحجة عدم وصولوها للجمهور أو عدم رضى الجمهور عن منتجاتها!

إضافة إلى تحكم العلاقات الشخصية و”الولائم والعزائم” بين مديري الشركات (المتعهدين) وبين بعض مديري المؤسسات الإعلامية، بتقدير قيمة الدعم، وطبيعته، والتوجهات العامة للوسيلة الإعلامية!

غير أن ربط كل المعطيات التي انتهت إليها المراجعة بالسياق الحكومي البريطاني، يظهر أن المراجعة لم تفصح عن التقييم الفاعل والمقرر لاستمرار المشروع تاركة النتائج النهائية سرية وغير متاحة للعموم!

وفي الجهة المقابلة -إذا جاز لنا أن نصنع تقابلاً بين الملفين-نرى كيف أن رؤية البحث الذي يقدمه المركز السوري للإعلام وحرية التعبير تحاول أن تبني عتبة مستقبلية للقطاع الإعلامي السوري برمته، فهي تنظر إلى المشهد بأكمله ولا تقصر معالجتها للإعلام البديل، بل هي تدفع بمجسات عملها صوب الإعلام العامل في مناطق النظام، لا سيما الإعلام الحكومي، والاحتمالات المستقبلية لسيرورة العمل الصحفي في سوريا ككل.

فبحسب الدراسة جرى تقسيم موارد المؤسسات إلى مجموعة تعتمد على دعم تيار سياسي، وإلى أخرى ذات تمويل حكومي (جهة السيطرة: معارضة أو إدارة ذاتية أو حكومة النظام) وأيضاً مجموعة تعتمد في تمويلها على دعم رجال الأعمال، وتلك التي تعتمد على أكثر من مصدر للتمويل، وأخيراً المجموعة التي تعتمد على المنظمات الدولية الداعمة للإعلام.

وإزاء النتائج التي خرجت بها الدراسة، فإن أهم التوصيات التي انبثقت عنها هي تلك التي أشارت إلى الإشـكاليات الخطيرة التي قد تهـدد وجود المؤسسات الإعلامية بشـكل عام، “خاصـة تلـك المتعلقـة بالتمويـل وطبيعتـه وارتباطه بشـكل كبيـر بجهات غير مسـتقرة وبظـروف متغيرة، الأمر الـذي يؤكـد… بـأن خريطة الإعلام السـوري ما تـزال قلقة وقابلـة للتغييـر وفـق عـدة عوامـل ومتغيـرات، على رأسـها التمويل وارتباطه بالظرف السياسـي والعسـكري المتغّير للملف السـوري، ما يرتب على وسـائل ومؤسسـات الإعلام السـورية السـعي لتنويع مصادر الدعـم ومحاولـة خلـق مصـادر بديلـة مسـتدامة تضمن اسـتمراريتها واسـتقلاليتها على المـدى الطويل”  

هذه التوصية تعيد إلى الواجهة جزءاً من النقاشات التي جرت في اجتماعات الإعلام البديل، وعلى وجه الخصوص منه الإذاعات (اجتماع غازي عينتاب في أيلول عام 2015)، حيال ما يمكن أن يحدث في المرحلة القادمة التي ستلي سقوط الديكتاتورية، حين سيتلاشى تمويل المشاريع الأجنبية، وستجد المؤسسات الإعلامية نفسها في مواجهة استحقاقات علاقات السوق الإعلامية ذاتها، حين لا ينفع العمل الصحفي دون وجود سوق إعلانية، توفر للمؤسسات التمويل المناسب أو جزءاً منه!

هنا لابأس من أن يقوم المعنيون بدراسة تجارب مشابهة في بلدان عربية وأجنبية عاشت ظروفاً مماثلة للحالة السورية، إذ يحتاج السوق الإعلامي إلى التخلص من نمط العلاقات التي يفرضها النظام على الفاعلين فيه، لا سيما لجهة سيطرته على الموارد الإعلانية وتوزيعه لها على المؤسسات بناءً على علاقات الترابط المصلحية (البطانة المحيطة برأس النظام) وبناء على الولاء له.

ولهذا لا بد لهذا البحث من أن يستكمل عبر دراسات أخرى تحلل واقع السوق الإعلاني في سوريا، وخاصة التفكير بآليات تحريره وبما يعزز من استقلالية الإعلام السوري مستقبلاً!

تلفزيون سوريا

—————————–

إعلام الثورة محمولًا على الدم/ خضر الآغا

بقي السوريون منذ استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، خاصة بعد انقضاض حافظ الأسد على البلد، بلا صحافة ولا إعلام! كان صوتهم مخنوقًا، مبحوحًا، مقتولًا أكثر من نصف قرن. التلفزيون الرسمي والراديو الرسمي والصحف الرسمية كانت صوت النظام فقط، بل صوت القائد الملهم، الحكيم. الشعب الذي كان يُصدر صحفًا صباحية وأخرى مسائية في مرحلة ما قبل البعث، وكانت الصحافة وسيلته للقول والكتابة والتفكير والنقد والسخرية والتهكم وإسقاط الحكومات وتقويم اعوجاجها وفضحها، وكانت وسيلته للتسلية أيضًا، بقي أكثر من نصف قرن بلا صحافة!

كيف يمكن أن يتحقق ذلك لشعب من شعوب الأرض؟ ذلك هو سر الاستبداد التاريخي، سر استبداد من نوع خاص، استبداد غير مُغطّى بأية بهرجة، بأية زخارف، بأية خدائع، استبداد معلن ومكشوف على نحو صفيق، استبداد يعتقل معارضيه ويسجنهم لمدة خمس وعشرين عامًا، وأحيانًا أكثر، على مرأى من الجميع؛ شعبه وشعوب العالم وحكامه أيضًا! ذلك فقط ما يفسر بقاء شعب منتج للصحافة والإعلام بلا صحافة وإعلام طيلة تلك المدة.

خلال الثورة، في عامها الأول فقط، أسّس شباب الثورة وصباياها عددًا كبيرًا من الصحف والمواقع والصفحات التي تنقل أخبار الثورة وتطوراتها ومجرياتها، وتعرض لآراء المشاركين فيها. بعض الصحف كانت تصدر ورقيًّا أيضًا، لكن ليس دائمًا لتعذر ذلك داخل سوريا، وللتكلفة المرتفعة للطباعة في الخارج. بالإضافة إلى ذلك أنشئت شبكات إخبارية كانت تنقل الحدث بعد تصويره بكاميرا موبايل غالبًا، منها، كمثال، شبكة شام الإخبارية -وهي قد تكون أول شبكة إعلام سورية بدأت بنقل أخبار ونشاطات الثورة- التي تأسست منذ شباط/فبراير 2011 أي قبل انطلاقة الثورة بأيام! ربما كعمل استباقي، فقد كانت كافة الدلائل في هذه الفترة تشير إلى إمكانية قيام ثورة في سوريا. وقد استطاع بعض إعلاميي الثورة بث الفيديوهات مباشرة عبر بعض القنوات التلفزيونية: أورينت، العربية، والجزيرة كمثال. عدا الصفحات الإعلامية التي أنشئت على موقع الفيسبوك، وعدا الفيديوهات التي كان ينشرها بعضهم على موقع يوتيوب بمبادرة فردية أحيانًا. أظهرت هذه الصحف والمواقع وباقي الوسائل قدرات الشباب والصبايا الإعلامية التي كانت غائبة غيابًا شبه كامل عن العمل الإعلامي ما قبل الثورة، سواء في الصحف الثلاث أو في صحافة المنطقة والصحافة العربية!

قد يكون سبب هذه الثورة الإعلامية إضافة إلى الرغبة التي فرضها الواقع لرصد مجريات الثورة ونقل أخبارها إلى العالم، هو، أيضًا، إحياء النزعة السورية التاريخية في إنتاج الصحافة والإعلام التي اندثرت خلال حكم الاستبداد منذ أكثر من نصف قرن من جانب، وإرضاء شوق مقموع في العمل الصحافي والإعلامي من جانب آخر. تنوعت هذه الصحف والمواقع وباقي الوسائل بين العمل الإخباري والسياسي وبين العمل الثقافي، كما ظهرت صحف ومواقع  وصفحات فيسبوك وشبكات إخبارية، أيضًا، لنقل مجريات المعارك بين الجيش الحر بداية والنظام منذ أن عبرت الثورة ذلك العبور المرير نحو التسلح. ثمة صحف بقيت لفترة مواظبة على الصدور من داخل سوريا منذ نشأتها، وبعضها توقف لأسباب عديدة سواء في الداخل أو في الخارج. توقفها في الخارج كان غالبًا لأسباب مالية، أما في الداخل، فبالإضافة للأسباب المالية، ثمة أسباب أمنية، وجودية: بعض الإعلاميين استشهد، فقد سُجّل استشهاد عدد كبير من إعلاميي الثورة الذين بدأ نشاطهم مع انطلاقة الثورة ولم يكن لهم وجود على أي وسيلة إعلامية قبلها، وبعضهم اعتُقل، وبعضهم هُجِّر أو نزح… لكن الثابت أن طاقات السوري في العمل الإعلامي تفجرت دفعة واحدة، وتطورت على نحو احترافي يومًا إثر يوم بلا دورات تدريبية ولا شهادات خبرة ولا معلمين ولا أكاديميات! الميدان، الشجاعة، الثورية، الرغبة التي لا تُردّ ولا تزول في إسقاط النظام… ذلك هو ما حفّز العمل الإعلامي وطوره.

وبالاستناد على نتائج العمل الصحفي في سنوات الثورة الأولى المتمثل في إيصال صوت الثورة إلى العالم، وكشف الملابسات التي انطوت عليها مجريات العمل الميداني، بالإضافة إلى كشف الكذب والتضليل اللذين لم تنفك الثورة المضادة تروج لهما، وغير ذلك… نستطيع القول إنه كان عملًا ناجحًا إلى حد كبير على الرغم من حملات التشويه التي طالته سواء من أنصار الثورة أو من خصومها وأعدائها، وعلى الرغم من التهديد بالموت الذي كان النظام يواجههم به، وعلى الرغم، أيضًا، من أن منظمة “مراسلون بلا حدود” صنفت سوريا كأخطر بلد في العالم على الصحفيين خلال عامي 2013 – 2014، بالإضافة إلى المخاطر الأخرى التي تهدد الجميع، وليس الإعلاميين فحسب، كالاشتباكات وسقوط القذائف هنا وهناك وتدمير البيوت والقصف الجوي وخطر الاعتقال وغيرها.

رافق تلك الثورة الإعلامية جهد نقدي من مثقفين ومن إعلاميين. تناول هذا الجهد النقدي عمل وأداء الوسائل الإعلامية. بعضهم اعتبر أن لا استراتيجية واضحة لدى بعض هذه الوسائل، وبعضهم اعتبر أن لا خبرة لدى إعلامييها، وبعضهم عاب على بعضهم (انعدام الموضوعية) التي يجب أن يتسم بها الإعلامي كما الوسيلة الإعلامية من حيث وجوب (الحياد) في نقل الخبر. وكان المقترح الأكثر أهمية لديهم للخروج من حالة (الفوضى) الإعلامية تلك هو الذهاب نحو مأسسة العمل الإعلامي الثوري أو البديل ليستطيع الاستمرار وفق أسس منهجية وعملية، ووفق استراتيجية واضحة في نقل الخبر والتعليق عليه، إلى ما هنالك مما يتيحه العمل المؤسساتي ولا يتيحه العمل الفردي أو غير المنظم.

لكن الانتقاد الأكثر حدة والذي وُجه للعديد من هذه الوسائل الإعلامية، وإلى العديد من هؤلاء الإعلاميين هو تنفيذ أجندات الجهات الداعمة الإقليمية أو المحلية أو حتى الدولية واتخاذ بعضهم العمل الإعلامي كنوع من الارتزاق والمتاجرة بالثورة! أو باب لترويج بعض الأفكار المتطرفة والطائفية!

ومع أن استمرار أي فكرة أو عمل مرتبط بنقده، إلا أن أي نقد يوجه للإعلام البديل لا ينبغي أن يكون بمعزل عن تطورات الثورة ومنعراجاتها، أو بمعزل عن رؤية الطحالب والإشنيات الكثيرة التي نمت على جسدها.

لقد انبثق هذا الإعلام انبثق كتلبية ضرورية جدًا لحاجة الثورة، وبالتالي فإن استمراره وتطوره وتراجعه مرتبط بتطورات الثورة والمنعرجات التي مرت بها. لم يكن الخط البياني للثورة السورية في سنواتها الأولى في تصاعد دائمًا، بل كان ينحني كثيرًا، ويهبط كثيرًا… وهكذا. وكان الإعلام الثوري يتخذ هذا المنحنى ذاته. وحيث إن الثورة اتخذت هذا المنحنى فإن الإعلام قد اتخذه كذلك. إن الكلام عن واجبات الإعلام في استباق الثورة واستشراف آفاقها وتصويبها وغير ذلك يأتي من باب الحرص غالبًا، ولكن، أيضًا، من باب عدم رؤية الواقع كما هو. علينا أن ندرك أن هذا الإعلام كان يتحرك بين البيوت المهدمة، وتحت قذائف الطائرات وصواريخ سكود، وكذلك ضمن التهديد بالاعتقال من جهة أو بالذبح بالسكين من جهة أخرى! وأنا هنا أتحدث عن إعلام الداخل السوري، ما يعني أن أي تفكير لا يأخذ بعين الاعتبار هذه الأهوال التي عاشها الإعلامي هو تفكير قاس وغير واقعي (بجانبه البريء من الشبهات). إذ كيف كان لنا أن نطلب من هؤلاء ما نطلبه من وسائل إعلامية مستقرة، وذات دعم مالي كبير، وتعمل في ظروف من الحرية والحماية، ولها باع طويل في العمل الإعلامي؟!

ضمن تلك الظروف كلها كان لإعلام الثورة أو الإعلام البديل خلال السنوات الأولى نجاحات رأيناها بأم أعيننا، إذ لولاه كيف عرف العالم الثورة وأدرك ما يحدث في سوريا! وانطلاقًا من هذا المعطى لا بد من التذكّر والامتنان والعرفان لأولئك الصحفيين الأوائل.

——————————-

مساعي بريطانيا الدعائية في سوريا ربما انتهكت أحكام القانون البريطاني/ إيان كوباين

كانت برامج الدعاية السرية البريطانية داخل سوريا التي مزقتها الحرب سيئة التخطيط، وربما كانت غير قانونية، ولعلها تسببت في فقد أرواح، بحسب ما جاء في تقرير داخلي شديد الانتقاد للمبادرة، اطلع عليه موقع ميدل إيست آي.

فباستخدام وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي وحملات الدعاية عبر الملصقات بل وحتى مجلات الأطفال الهزلية، سعت شركات اتصالات تعمل بموجب عقد أبرمته مع الحكومة البريطانية إلى تقويض حكومة الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية مقابل تعزيز عناصر معينة داخل المعارضة السورية.

بدأت بريطانيا جهودها الدعائية داخل البلد في عام 2012 وصعدتها بشكل دراماتيكي في السنة التالية بينما كانت الحكومة تسعى للحفاظ على موطئ قدم استراتيجي بعد أن صوت البرلمان ضد التدخل العسكري البريطاني في الصراع.

حملت سلسلة البرامج اسم “عملية الحلزون”، ولم يكن المشاركون فيها يتحدثون عن الدعاية وإنما عن “الاتصالات الاستراتيجية” أو “إس سي”.

إلا أن مراجعة تم إجراؤها في صيف عام 2016 خلصت إلى وجود “عيوب أساسية” في المبادرة بما في ذلك “عدم وجود تحليل للصراع ولا تحليل للجمهور المستهدف”.

كما كشفت المراجعة عن وجود قلق في أوساط الحكومة بشأن الحاجة للبرامج التي كانت تدفع بها بحماسة شديدة وزارة الدفاع من 2013 فصاعداً بسبب “القيود المتضمنة في السياسة المتبعة” والتي فرضها تصويت البرلمان ضد اتخاذ إجراء عسكري.

وجاء في التقرير إن “المشاريع دفعت باتجاه مكاسب سريعة وسطحية ونتائج مدفوعة بالأرقام”.

وخلص إلى أن الأمر كان ينضوي على “مجازفة كبيرة” لأن بعض نشاطات متعهدي الحكومة كانت “منتهكة للقانون البريطاني”، رغم أن محرري التقرير لم يشرحوا كيف خلصوا إلى أن تلك النشاطات ربما كانت مخالفة للقانون.

بالإضافة إلى ذلك، كان يتم إنتاج كم هائل من المواد من قبل الدعائيين لدرجة أنهم أوجدوا “كوكبة من المنصات الإعلامية” كان من أثرها أن “الجماهير والنشطاء في سوريا تاهوا وتحيروا” ولم يعد الناس يعرفون من وماذا يصدقون.

شح في الفهم

دققت المراجعة في برنامجين كانت تديرهما وحدة داخل وزارة الدفاع تسمى “الآثار الاستراتيجية العسكرية” وفي برنامجين آخرين كانا يداران من قبل مجموعة داخل وزارة الخارجية البريطانية تسمى “خلية الاتصالات المناهضة لداعش”.

وكان هناك برنامج خامس يدار من قبل هيئة مشتركة من عدة دوائر حكومية تسمى “صندوق الصراع والاستقرار والأمن”، الغاية منها التعامل مع الصراعات التي تهدد المصالح البريطانية.

أربعة من تلك البرامج كلفت بها شركات اتصالات بريطانية، بعضها تدار من قبل ضباط سابقين في الجيش أو المخابرات. أقامت هذه الشركات لنفسها مكاتب في إسطنبول وعمان، حيث كانت تجند السوريين للقيام بمجمل المهام اليومية. وأما البرنامج الخامس فكلفت به شركة استطلاعات رأي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.

كان الغرض من البرامج الخمسة هو تضخيم العمل الصحفي للمواطنين السوريين، وتعزيز المجموعات التي كان البريطانيون يعتبرونها جزءاً مما أطلقوا عليه اسم “المعارضة المسلحة المعتدلة”، ومواجهة التطرف العنيف، وتشجيع الانشقاق والتمرد داخل المجتمع العلوي في سوريا، والذي تنحدر منه عائلة الأسد التي تحكم البلاد.

وكان الموظفون السوريون يقومون بتوظيف المزيد من العاملين السوريين، والذين كانوا يستخدمون كمراسلين محليين داخل البلد. كثيرون من هؤلاء لم يكونوا يدركون أن المشاريع التي جندوا للعمل فيها كانت تمول وتدار من قبل الحكومة البريطانية.

على الأقل ثلاثة من البرامج الخمسة تم وضعها من قبل متخصص في الأنثروبولوجيا يعمل في مكافحة الإرهاب داخل وزارة الخارجية البريطانية في لندن.

كانت الميزانية الكلية للبرامج الخمسة تصل إلى 9.6 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل حوالي 11.9 مليون دولار) في الفترة من 2015 إلى 2016، مع تخصيص مبالغ إضافي للسنوات التالية. لاحظت المراجعة أن البرامج كان يراد لها أن توجه من قبل استراتيجية يضعها مجلس الأمن القومي التابع للحكومة، ولكنها خلصت إلى أن تلك الاستراتيجية كانت ضعيفة وغير شفافة.

كما وجدت المراجعة أن كثيراً من المسؤولين في الحكومة البريطانية لم يتضح لديهم ما الذي يمكن أن تحققه أو لا تحققه الاتصالات الاستراتيجية، وقيل إن أوساط المسؤولين في الحكومة سادها “شح في فهم ما الذي يحتاجه بالفعل الجمهور السوري أو ما الذي يفكر فيه.”

وقيل أيضاً إن توتراً كان قائماً بين التغيرات السلوكية التي كانت تتصورها برامج الاتصالات الاستراتيجية والأهداف الانتهازية قصيرة المدى لبرنامج صندوق الصراع والاستقرار والأمن.

إضرار بالسمعة

تنتقد المراجعة ما وصفته بالتهافت وعدم الانسجام بين المكونات المختلفة للبرنامج وما رأت أنه تكرار للجهود. كما تسلط الضوء على مدى التعقيد الذي يكتنف العمل مع قوات المعارضة السورية المتقلبة على الدوام، محذرة من احتمال التسبب في إلحاق أضرار بالغة بمصداقية وسمعة حكومة صاحبة الجلالة فيما لو تسربت تقارير معينة حول تمويل حكومة صاحبة الجلالة في بريطانيا للمجموعات المسلحة المعتدلة في سوريا.

وتطرقت المراجعة إلى موت بعض الموظفين السوريين، ولكنها لم تنتقد هذا الجانب من العمل.

ورد فيها النص على أن بعض الشركاء التنفيذيين فقدوا عدداً من موظفهم. بل قيل إن أحد المتعهدين فقد من الموظفين الأساسيين لديه ما نجم عنه إلحاق أضرار جسيمة بشركته.

وجاء فيها أن إحدى شركات الاتصالات التي كانت تقوم بتنفيذ برامج الدعاية التي طلبتها الحكومة البريطانية كانت فيما يبدو “منظمة تجارية مقدامة” لم تتوان عن ركوب المخاطر سواء فيما يتعلق بموظفيها أو فيما يتعلق بالتداعيات السياسية.

ووجدت المراجعة أن بعض المتعهدين كانوا يبالغون في الاندفاع ويجازفون لدرجة كانت تؤثر سلباً على من يعملون معهم، مضيفة أنه كان ثمة حاجة ملحة إلى كبح جماح المتعهدين.

كما خلصت المراجعة إلى أن المراسلين المحليين العاملين في البرنامج وكذلك “المعارضة المسلحة المعتدلة” التي كانوا يرسلون تقارير عن نشاطاتها تسببوا أيضاً في بعض الأذى، حيث نصت المراجعة على ما يلي: “يعمل المراسلون المحليون أو المعارضة المسلحة المعتدلة في بيئة تهيمن عليها جماعات مسلحة تقوم بأعمال من شأنها أن تسبب (ولقد سببت فعلاً) أذى ينجم عما تمارسه من نشاطات.”

حماسة العسكر

وتقر المراجعة بأن ثمة من كان يعرب عن قلقه من داخل البرنامج ومن خارجه.

وقالت إنه في عام 2013، كان وزراء الحكومة البريطانية الوحيدون الذين أعربوا عن التزام تام بإطلاق برامج الاتصالات الاستراتيجية الجديدة في سوريا – في غياب أي نشاط عسكري بريطاني على الأرض داخلها – هم الوزراء في وزارة الدفاع.

إلا أن بعض المسؤولين في الحكومة البريطانية ظلوا يتساءلون فيما إذا كانت أموال دافعي الضرائب يجوز إنفاقها على بعض نشاطات البرنامج، بينما كانت تحوم كما قيل شكوك كبيرة حول نجاعة البرنامج في أوساط بعض شركاء حكومة صاحبة الجلالة.

إلا أن وزارة الدفاع البريطانية ظلت متحمسة، كما تقول المراجعة، ليس على الأقل “لأن التكلفة السنوية للبرنامج (أي الاستهداف غير الحركي) تمثل قيمة كبيرة جداً مقابل ما يتم دفعه من مال أخذاً بالاعتبار القيود الحالية التي تفرضها السياسة المتبعة.”

ومع ذلك فقد شككت المراجعة في تكاليف البرنامج، ورأت بأن جميع شركات الاتصالات كانت قد تلكأت وتأخرت كثيراً في إخضاع حساباتها المالية لتدقيق خارجي.

ولاحظت المراجعة أن بعض البرامج لم تكن فقط تستهدف تحقيق تغيير سلوكي لدي الجماهير السورية، ولكن أيضاً جمع المعلومات الاستخباراتية “المفيدة جداً” وخاصة حول التحالفات والتكتيكات والنشاطات التي تمارسها قوى المعرضة.

كانت إحدى شركات الاتصالات تقدم المعلومات الاستخباراتية للقوات العسكرية الدولية بناء على معلومات توفرها لها شبكة من 240 مراسلاً محلياً يعملون في واحد من منتديات الأونلاين.

وقد اعتبرت المراجعة أن إحدى الفوائد الأساسية من برامج الدعاية تلك حسبما تم تقييمه كان التواصل بين الحكومة البريطانية ومختلف الشبكات (المسلحة وغير المسلحة).

إلا أن المراجعة مع ذلك خلصت إلى أنه كان ينبغي التفكير ملياً بالموازنة بين احتياجات الحكومة البريطانية واحتياجات الشعب السوري.

وقالت إن أفضل سبيل لتحقيق ذلك هو ضمان أن الكيانات التي تؤكد على جمع المعلومات الاستخباراتية تكون مفصولة عن كيانات الاتصالات التي تستهدف الجمهور السوري.

لا تثير المراجعة شكوكاً حول قرار الحكومة البريطانية إطلاق برامج الدعاية في سوريا وتقول إن “نقاشات المجموعات وما ورد من حكايات واستطلاعات يشير إلى أن الجماهير المستهدفة التأمت مع المنتجات وتلقفت الرسائل المقصودة، بما يثبت أن المشروع كان فعالاً.”

وكان مقاتلو المعارضة قد تلقوا تدريباً في القانون الإنسان الدولي كجزء من أحد البرامج، وقيل إن إحدى الحملات “أسفرت عن تغير سلوكي في أوساط أنصار النظام”، وأنها نجحت في تشجيعهم على الحديث علانية حول عدد الناس المعتقلين لدى حكومة الأسد.

رفضت وزارة الخارجية البريطانية الإجابة على سلسلة من الأسئلة حول المراجعة الداخلية بشأن عملياتها الدعائية داخل سوريا.

ورفضت الوزارة القول ما إذا كانت الآثار المأمولة تستحق ما حصل من مخاطرة بحياة الناس، ولم تفصح عن عدد الذين ماتوا، وحول ما إذا كانت بريطانيا ترعى من كانوا يعيلون.

كما رفضت الإجابة على أسئلة حول المجازفة بأن تكون عمليات الدعاية البريطانية قد انتهكت القانون البريطاني، ولم تقل ما إذا كان وزراء الحكومة قد قرأوا المراجعة.

بالمجمل، اعتبر الذي قاموا بعملية المراجعة أن برامج الدعاية البريطانية كانت فاشلة. ولما طلب منهم منحها علامة من العلامات التالية A* أو A أو B أو C كانت العلامة التي اختاروها هي B وذلك في إشارة إلى أن ما خلصوا إليه هو أن “الناتج لم يحقق المأمول.”

المصدر: ميدل إيست آي

إيان كوباين

—————————–

ما حقيقة برنامج الدعم الغربي السري لإعلام “المعارضة”..من المتورطون.. ومن هي الجهات التي موّلت وما الهدف؟!!

دمشق الآن

كشف موقع “ميديل إيست آي” في تقرير مطول عن حجم الدعم الغربي السري لوسائل اعلام موالية لما يسمى بالمعارضة السورية منذ عام 2011، متضمناً وثائق واعترافات تثبت حصول صحفيين متورطين في تلك المشاريع السرية على مبالغ كبيرة لتقديم تقارير هدفها فقط تقديم صورة مغاير ة للواقع الذي كان يعرض على الإعلام الرسمي في سورية.

وقد اعترف هؤلاء الصحفيون والناشطون بتلقيهم التمويل من الحكومات الغربية، بحسب ما أخبروا “ميدل إيست آي”، مقابل رفع التقارير عن مجريات الحرب في سورية، مؤكدين أن الدعم الغربي قد ساعدهم في مواجهة الاعلام الوطني السوري ووسائل الاعلام التي تقف معه، كما ساعدهم في “تأمين أوضاعهم المادية” الخاصة.

لكن بعض المتورطين قالوا إنهم شعروا بالخداع بعد معرفة مدى الدعم الغربي للنشاط الإعلامي الشعبي، والذي كان غالباً ما يتم إخفاؤه عن المشاركين في العمل على أرض الواقع، ووصفوا العواقب بأنها “كارثية” على البلاد.

ونقل الموقع عن أحد النشطاء، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن حملة الدعاية التي كانوا يقومون بها أدت لنتائج عكسية، وبعد أن تم تصوير مقاتلي ما يسمى بـ “الجيش السوري الحر” في وسائل الإعلام والذي كـ”أبطال”، كان الواقع عكس ذلك، فيما قال ناشط آخر ممن شاركوا في تنظيم الاحتجاجات في دمشق في عام 2011 إن الفساد الذي انتشر بين صفوف هؤلاء المقاتلين، ورغم استمرار محاولات تصويرهم كأبطال، كان متناقضا مع الواقع، وهذا التناقض أدى إلى فقدان الثقة من قبل السكان المحليين.

وأوضح موقع ” ميدل إيست آي” إلى أنه اتصل بصحفيين وناشطين سوريين للتعليق بعد الحصول على وثائق مسربة تكشف كيف أنشأت الحكومة البريطانية شبكة إعلامية سرية داخل سورية، ومعظمهم كانوا يتحدثون بشرط عدم الكشف عن هويتهم أو يرفضون التحدث بسبب الحساسية والسرية المحيطة بهذا العمل.

أما وثائق المشروع، التي يعود تاريخها إلى عام 2014، فتشمل “اختيار وتدريب ودعم وتوجيه نشطاء الإعلام السوري المعارضين”، فيما تكشف وثائق أخرى أن المقاولين البريطانيين كانوا متورطين في تدريب المتحدثين وإدارة المكاتب الإعلامية لجماعات المعارضة.

ووفقًاً للصحفيين الذين تحدث إليهم الموقع، فقد قدمت حكومتا الولايات المتحدة وكندا أيضاً تمويلاً لهذه المشاريع، بينما شاركت دول غربية أخرى في دعم وسائل الإعلام المتحالفة مع المعارضة.

وأفاد أحد مدراء الشركات الإعلامية التنفيذية، أن الولايات المتحدة كانت تموله وتمول عمله، وأنه كان يلتقي في بعض الأحيان مع دبلوماسيين أمريكيين لمناقشة العمل. وقال “إنهم يدفعون الكثير، ومن الطبيعي أن يعرفوا أين تذهب أموالهم”.

واعترفت إحدى الصحفيات – التي كانت تعمل مراسلة في إدلب لمحطة إذاعية تدعمها الولايات المتحدة – أن المراسلين الذين عملوا في الغوطة الشرقية حتى أوائل عام 2018، كانوا يتقاضون نحو 800 دولار شهرياً.

مديرة وكالة أنباء أخرى قالت للموقع أنها تلقت تمويلاً أمريكياً في الغوطة الشرقية وأن العديد من المشاركين في العمل الإعلامي أصبحوا يعتمدون على الأجور المتضخمة حتى مع عدم معرفتهم بالجهة التي تدفع لهم لأن “التمويل يجعلك ثرياً”!

ومن التفاصيل الأخرى التي كشف عنها تقرير “ميدل إيست آي” أن الدعم الغربي قد انخفض بعد عام 2015، لأن ميزان القوى مال لصالح الحكومة السورية بعد دخول روسيا الحرب إلى جانبها، هذا إلى جانب التراجع الكبير في الثقة تجاه المشاريع الإعلامية بعد أن قوضتها تقارير عن الفساد وسوء الإدارة، حيث قال أحد مدراء المشاريع الممولة غريبا والذي يعمل في إسطنبول: “حصلت شركتي على تدريب من أكاديميين بريطانيين. وعملنا بشكل جيد، لكن وجود وسائل إعلام محلية مزيفة أهدرت التمويل، قد قوّض ثقة الممولين بنا”، شاكيا من استمرار تقلص الدعم الدولي، الذي “خلق فراغاً عزّز دور روسيا. فنحن نواجه منافذ إعلامية ضخمة، حكومية وروسية وإيرانية” على حد تعبيره. وقد أكد أنه كان على علم بوجود ما لا يقل عن 10 وسائل إعلام محلية في سورية لا تزال تستفيد من التمويل الأمريكي، حيث “يتم حاليا إعداد مشاريع تستهدف الدور الإيراني في الشرق الأوسط”.

وقال أحد الصحفيين في درعا في جنوب سورية لــ “ميدل إيست آي” إنه كان يعمل لمدة عامين مع معدات اشتراها لنفسه لأن الوكالة المدعومة من الغرب والتي كان يعمل لصالحها لم تزوده بالأدوات

من جهة أخرى، أقرّ بعض الصحفيين إن تنامي النشاط الإعلامي قد غذى الصراع، لأنه شجع الناس على نشر مواد على وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق مما إذا كانت دقيقة أم لا، فضلاً عن توفير منصة لوجهات نظر طائفية ومسببة للشقاق والخلاف، فيما قال صحفي سوري من مدينة السويداء: “يأتي شخص ما ويلتقط الصور وينشر الأخبار دون وعي ودون أدنى معايير للمسؤولية… صحافة المواطن هي واحدة من أكبر الكوارث التي ضربت البلاد”.

تلفزيون سوريا

========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى