منوعات

كيف تحوّل زيت جوز الهند من طعام صحّي إلى “سُم”؟

 

 

طوال السنوات العشر الماضية أو ما يقرب من ذلك، أصبح زيت جوز الهند مكوناً أساسياً في كل من الطعام ومنتجات العناية الشخصية. فقد ذكره موقع شركة Goop، في ما لا يقل عن 168 مقالة، بل وصل الأمر إلى حدِّ التوصية به كمزلق دهني أثناء الممارسة الجنسية. كما يوصى باستخدامه في وسائل الإعلام الرئيسية في كلِّ شيءٍ، بدءاً من الطهو وحتى العناية بالبشرة، بل وأوصي باستخدامه في السحب بالزيت لتبييض الأسنان والحفاظ على الصحة، وهي عملية تتضمن تحريك الزيت داخل الفم، تماماً مثل غسول الفم، من أجل تطهيره. كما أصبح زيت جوز الهند منتجاً مفضلاً لدى ما يُسمى حركة “الأكل النظيف”.

لكنَّ أستاذة جامعية أعلنت أخيراً أنَّ “زيت جوز الهند هو سُم خالص” وأنَّه “أحد أسوأ الأطعمة التي يُمكن تناولها على الإطلاق”. فقد أدلت كارين ميتشيلز، أستاذة علم الأوبئة في كلية هارفارد تشان للصحة العامة، ومديرة معهد الوقاية ووباء السرطان Institute for Prevention and Tumor Epidemiology في جامعة فرايبورغ بألمانيا، بهذا التصريح أثناء محاضرة ألقتها باللغة الألمانية في شهر تموز/ يوليو.

(ولكي نكون واضحين، كانت الأستاذة تتحدث عن تناوله، وليس عن استخدامه كحمام زيت للشعر. وحتى الآن، لم يُشر أحدٌ بعد إلى أنَّ استخدامه قد يتسبب في تساقط الشعر أو أي شيء من هذا القبيل).

ويبدو أنَّ موقع مجلة “بيزنس إنسايدر” هو أول منفذ إعلامي يعلن عن هذا التصريح؛ وقد وصلت مشاهدات مقطع الفيديو الخاص بالمحاضرة على موقع “يوتيوب” إلى نحو مليون مشاهدة.

هذه ليست المرة الأولى التي تخضع فيها فوائد زيت جوز الهند الصحية للتشكيك، لكنَّ ميتشيلز نظرت بشكل أساسي إلى ما هو أبعد من مجرد كراهية جوز الهند، وقالت، “لقد قبلت التحدي”، قبل أن تُصدر ذلك الوصف المبالغ فيه بشدة. ميتشيلز ليست سوى الحلقة الأخيرة في حرب طويلة الأمد حول مدى صحة جوز الهند على وجه الخصوص، والدهون المُشبعة على وجه العموم.

هذا كله يعيدنا إلى النقاش الدائر حول الدهون المُشبعة

يحتوي زيت جوز الهند على الكثير من الدهون المشبعة، وهي الدهون التي لطالما ارتبطت تاريخياً بأمراض القلب. وفي حزيران/ يونيو عام 2017، أثارت جمعية القلب الأميركية غضب عشاق جوز الهند وعلماء التغذية، عندما أصدرت بياناً إرشادياً حذّرت فيه من الدهون المشبعة. فقد كرَّر البيان تأكيده الموقف الذي اتخذته الجمعية منذ زمن طويل، بأنَّ على البشر أن يقلّلوا من استهلاك هذه الدهون لأنَّها تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وقد انتقدت الجمعية في البيان زيت جوز الهند على وجه الخصوص، مشيرةً إلى ما يلي: “لأن زيت جوز الهند يرفع من نسبة الكوليسترول (الضار) التي ينقلها البروتين الدهني منخفض الكثافة، وهو أحد مسببات أمراض القلب والأوعية الدموية، وليس له أي آثار إيجابية معروفة على الصحة، ولذلك نحن ننصح بعدم استخدام زيت جوز الهند”.

عارض كثر من الخبراء الموقف الذي اتخذته جمعية القلب الأميركية. إذ إنَّ الضرر الذي قد تسببه الدهون المشبعة على الصحة، والذي يؤكده العلماء منذ زمن طويل، هو موضع جدل محتدم ومعلومات غير واضحة في المجتمع العلمي، وفق ما ذكرت على نطاق واسع جوليا بيلوز، كاتبة المقالات الصحية في موقع Vox. لكنَّ قد لا تكون الدهون المشبعة بذلك القدر من السوء كما ظننا دائماً، غير أنَّ البيانات تدعم الحقيقة القائلة بأنَّ الدهون غير المشبعة، مثل تلك الموجودة في الأسماك والزيوت النباتية، أفضل بكلِّ تأكيد، كما أنَّها يُمكن أن تقلِّل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

كيف أصبح زيت جوز الهند شائعاً في الأساس؟

لقد استُخدم زيت جوز الهند منذ آلاف السنين في المناطق الاستوائية مثل الهند والقارة الأسترالية وما حولها من جزر بولنيزيا. تعرَّف التُجار الأوربيون إليه لأول مرة في القرن التاسع عشر، وأنشأوا مزارع كبيرة في منطقة الكاريبي وجنوب المحيط الهادي وجنوب شرقي آسيا. وقد كان يستخدم على نطاق واسع في الطهو في جميع أنحاء العالم الغربي، إلا أن استيراده انقطع أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي خمسينات القرن الماضي، لم يعد زيت جوز الهند مرغوباً بعد تقديم أول النظريات بشأن ارتباط الدهون المشبعة بأمراض القلب، وفقاً للجمعية الأميركية للكيماويين المتخصصين في الزيوت، وهي مجموعة تجارية صناعية.

وعام 1994، نشر مركز توفير العلوم للصالح العام تحليلاً للفُشار الذي يباع في السينما. وزعم أنَّ علبة فُشار من دون زبدة من الحجم الكبير تحتوي على كمية من الدهون المشبعة تعادل تلك الموجودة في ست شطائر هامبرغر (بيغ ماك)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيت جوز الهند الذي يُستخدم أثناء تحضيره. وبقي زيت جوز الهند منبوذاً حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، حين بدأ يظهر في متاجر الطعام الصحي.

زعم كاتب عمود غذائي في “نيويورك تايمز” عام 2011 أنَّ الزيت قد “سحر” المُهتمين بالطعام الصحي، وقد أرجع سبب شعبيته المُتزايدة إلى النباتيين الذين يستخدموه بديلاً من الزبدة، والعلماء الذين كانوا يعيدون التفكير في الدليل الذي تسبب بوصف الدهون المشبعة بغير الصحية، كما أشرنا أعلاه. وقال ممثل عن متاجر Whole Foods، في المقال أنَّ مبيعات زيت جوز الهند تضاعفت “عشرات المرات” في السنوات الخمس التي سبقت نشر المقال.

وقد زاد محبو زيت جوز الهند من شعبيته بالفعل بعد البيانات التي أفصحت عنها دراسة أجريت عام 2008، فقد أشارت إلى أنَّ الأشخاص الذين تناولوا زيتاً يحتوي على دهون ثلاثية متوسطة الحلقات، فقدوا وزناً أكبر مقارنة بمجموعة من الأشخاص الذين تناولوا زيت الزيتون.

يحتوي زيت جوز الهند على الغليسريدات الثلاثية متوسطة الحلقات، ولكن ليس بالكمية التي استخدمت في الدراسة. لكنَّ قُدرة زيت جوز الهند على إنقاص الوزن هي واحدة من الادعاءات التي أدت إلى شُهرته. وقال أحد العلماء المشاركين في الدراسة لموقع Stat News، “أعتقد أنَّ البيانات التي عرضناها في ما يتعلق بالأحماض الدهنية متوسطة السلسلة لم تُقرأ بشكل حرفي. أنا لم أجر قط دراسة واحدة حول زيت جوز الهند”.

وبعد فترة قصيرة، اكتسب زيت جوز الهند هالة من الشُهرة المبنية على دلائل غامضة، وهي الهالة ذاتها التي نراها اليوم في مجال الأطعمة الصحية. وإضافة إلى كونه زيتاً مفضلاً في مقالات Goop، تحدث دكتور أوز عن قدرة زيت جوز الهند على “مساعدة أجسامنا على زيادة مقاومتها للفيروسات والبكتيريا التي يُمكن أن تسبب الأمراض”.

وقد أصبح شائعاً كذلك في أنظمة غذائية مشكوك في أمرها. فقد كتب توم برادي في كتابه The TB12 Method أنَّه لم يكن يطبخ إلا به. وهو طعام أساسي في نظام Bulletproof الغذائي، والذي يقترح أن تشرب القهوة مع الزبدة والزيت. وقد ظهر فجأة باعتباره مكوناً موصى به في حمية الكيتو، وحمية رجل الكهف Paleo، وحمية Whole30. يوصي مستخدمو زيت الهند المتعصبون باستخدامه غير مكررٍ، قائلين إنَّ عملية التكرير تقضي على الفوائد المحتملة لمضادات الأكسدة والالتهابات التي يحتويها.

ووسط هذا كله، بدأ عددٌ متزايد من الناس استخدامه على جميع أنحاء جسدهم، من طريق حمام زيت للشعر ومرطب للجلد… ويدخل كذلك ضمن مكونات المنتجات التجارية للعناية بالجمال التي تدعي أنَّها “طبيعية”، بل إنَّ هناك مجموعة راقية من منتجات زيت جوز الهند تصنعها شركة سيفورا لمستحضرات التجميل، وتُدعى “كوباري Kopari”. ويُذكر أن جاريد ليتو وعدداً من المشاهير الآخرين يستثمرون في هذه العلامة التجارية.

إذاً هل سيقتلني زيت جوز الهند؟

يبدو أنَّ كلَّ هذا التشويش والأخبار السلبية تؤثر في شعبية زيت جوز الهند. فقد بدأت المبيعات بالتقلص عام 2015، وفقاً لصحيفة “واشنطون بوست”.

ومثل جميع الدهون الأخرى، زيت جوز الهند غني بالسعرات الحرارية. إنَّ الحقيقة البديهية التي تتعلَّق بأغلب ما يرتبط بالأنظمة الغذائية تبقى صحيحةً هنا: الدهون المشبعة بشكل عام، وزيت جوز الهند بشكل خاص، ليست سيئة على الأرجح إذا ما استخدمت باعتدال.

إنَّ وصف شيء ما بـ “السُم” هو طريقة ممتازة لحصد مشاهدات على “يوتيوب”، لكن ما لم تستخدم زيت جوز الهند لقلي بعض الزرنيخ، فإنَّ ذلك الوصف مبالغٌ فيه.

 

هذا المقال مترجم عن موقع vox.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي.

https://www.vox.com/science-and-health/2018/8/23/17773494/coconut-oil-poison-saturated-fat

 

درج

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى