وجها لوجه

أرونداتي روي.. صوت جميل يرن على الأرض الخراب


نوال العلي

الخامسة بتوقيت دلهي، الثلاثاء 22 كانون الثاني/ يناير 2019… تفتح أرونداتي روي الكاميرا، فأراها جالسة على الصوفا تنظر وتبتسم، قرط “الموكوتي” الذهبي الصغير يلمع على أنفها، خصلات شعرها الرمادية والمجعدة تمرّدت على قبعتها الصوفية المنزلية، أما الشال الأحمر والبرتقالي الكبير فظل مكانه يلفّ عنقها وصدرها كطفل محضون بامتنان.

تكشف الكاميرا خلف روي صالة مفتوحة وواسعة، تتوسطها آلة رياضية على شكل دراجة هوائية، يقف كلبها الأول “ماتي كي لال” (حبيب الأرض) ينظر نحونا بفضول، ينبح قليلاً ثم يركض منبهاً كلباً آخر، “بيغوم فيلثي جان” (الست جان الوسخة)، لكن هذا لن يشاركه الاهتمام، الذي لا أدري إن كان متعلقاً بنا. وراء الكلبين والآلة واجهة زجاجية كبيرة لا تحول دون النهار أو المساء، أرى أشجاراً باسقة تحجب قطعة صغيرة من دلهي، ينتهي عندها أفق ما أتيح لي التلصص عليه عبر الشاشة.

أفكر في النسور والغربان والبوم التي تحلّق في “وزارة السعادة القصوى” (روايتها الثانية)، بعضها يموت مسموماً، وبعضها يُصْلَب في الهواء، وبعضها يواصل عيشه في حذر. أفكر لو أن نظرتي تتحول إلى غراب افتراضي يخترق زجاج الشاشة، ويطير إلى ما وراء أشجار بيت روي، إلى دلهي، يزور “الخواب جاه” (بيت الأحلام)، ثم ينعق في مقبرة “جنة” قبل أن يقطع 566 كيلومتراً في طريقه من المدينة المزدحمة إلى كشمير، حيث عشت كقارئة في صحبة أنجم وتلوتاما وموسى وجبين وعارفة وآزاد بهارتيا. خفت حين خافوا وضحكت حين ضحكوا وتألمت حين جُرحوا ومت بموتهم.

أعدت تركيز بصري على وجه روي، تلعثمت ولم أعرف بما أبدأ، وجدتني أقول: “انتظرت “وزارة السعادة القصوى” لعشرين عاماً”، تضحك معلّقة: “تعلمين، لم أكن أعرف أن روايتي الأولى قد تُرجمت إلى العربية إطلاقاً، عرفت بالصدفة العام الماضي حين أُبلغت بحصولي على جائزة محمود درويش، كانت مفاجأة”.

أُخبرها أنني قرأت الترجمة العربية للرواية التي أنجزها الشاعر والمترجم أحمد شافعي وصدرت مؤخراً عن دار “كتب خان” في القاهرة. نظَرت شبه متسائلة عن وقع الرواية بالعربية، فوصفت الترجمة كما تلقيتها “مخلصة وممتعة”… “أوووه، هذا خبر جميل فعلاً”، تضحك بطفولة تملأ ملامحها وحركتها العفوية. “صدرت ترجمة الرواية إلى الأوردو مؤخراً، أشرفتُ عليها بنفسي. تبدو الترجمة إلى الأوردو كما لو كانت عودة روايتي إلى لغتها الأم” (معظم شخصيات الرواية تتحدّث الأردية).

الوصول إلى اللحظة الخطرة

حين انتهيتُ من قراءة “وزارة السعادة القصوى” أسميتها بـ”الصحن الطائر”، ينطلق من لحظةٍ ما في القرن العشرين ويعود إلى لحظة التقسيم مع باكستان عام 1947، يلتف إلى أربعة آلاف سنة من سيرة “الهيجرا”، يحوم في قرون من الحياة واللهو والحرب والسلام، يتربص بفظائع الثمانينيات والتسعينيات، ثم يصل إلى عصرنا، ممتلئاً بالتاريخ والوقائع اليومية والتصورات المستقبلية والفنتازيا لمكانٍ ما أشد تعقيده! فكيف انتقلت روي من قرية “إيمانام” في “إله الأشياء الصغيرة” إلى طبقات من الجغرافيا والتاريخ؛ عنيفة وفاتنة وممتدة؟

“روايتي الأولى كانت عن عائلة لديها جرحها الذي تحاول العيش معه وبعده ومن خلاله، وكيف يحدث هذا في السياق الاجتماعي والسياسي الذي يحيط بها، أما “وزارة السعادة القصوى” فمحاولة لفهم كيفية وصولنا إلى اللحظة الخطرة التي نعيشها اليوم. منذ عشرين عاماً وأنا أبحث وأدرس تاريخي وجذوري، ثم بدأتُ في كتابتها منذ عشرة أعوام – وتجاوزت مسودتها الألفي صفحة – في حالةٍ هي أقرب إلى الجنون، أعانني عليه أنني أعيش وحدي وانصرافي بالكامل لهذه العصابة التي استولت على حياتي”.

تكمل روي حديثها إلى “العربي الجديد”: “حين كان يطلب بعض الأصدقاء زيارتي كل ما كنت أفعله هو أن أنظر إليهم محاولةً التصرُّف بشكل طبيعي. لم أكن أسمع معظم ما يقولون، أجلس معهم بينما أنا مع شخصياتي التي صرت مهووسة بها وغارقة في حياتها بالكامل، ثمة شيء مجنون في مشروع “وزارة السعادة القصوى”؛ حتى إنني قرّرت تسجيله “أوديو” بصوتي، وفي الاستوديو كان بإمكاني رؤية تعابير مهندس الصوت وهو يحملق بي، وقلت لنفسي: “يا إلهي إنه يعتقد حقاً أنني مجنونة”.

يغصّ تاريخ الأدب بالشخصيات التي ابتكرها الروائيون، بعضها بات جزءاً من المخيلة الجمعية والتاريخ الثقافي والذاكرة الشعبية، تبدو “أنجم” واحدة من تلك الشخصيات التي يصعب بناؤها ثم يصعب بعد ذلك نسيانها، تبدأ الحكاية من لحظة ولادتها في بداية الخمسينيات في دلهي القديمة حين كان اسمها أفتاب، إذ ظنت القابلة أن المولود ذكر، لتكتشف والدته في اليوم التالي أنه ليس ولداً ولا بنتاً، فتخفي سره إلى أن يصبح مراهقاً ويترك العائلة وعالم الذكور والإناث ملتحقاً بالهيجرا في “الخواب جاه”، وهناك يتحول اسمه إلى أنجم. نعرف شكلها وملابسها وإكسسواراتها وصوتها الذي تغير وأصبح صوتين متعاركين مع حبوب الهرمونات، نعرف ذوقها في الملابس والموسيقى وتقلبات مزاجها وعيوبها وأجمل ما فيها، ونعرف شيخوختها وجسدها الأمومي العاجز عن الإنجاب، فلِم اختارت روي الدخول إلى روايتها، والهند التي فيها، من خلال شخصية الهيجرا؟

تحتج على السؤال: “لا، لا يمكن أن أختصرها في جندرها أو في أنها هيجرا، هذه “أنجم”…. إنها “ملتقى الجميع ولا أحد”، بكلّ قصتها وتعقيداتها ووعيها وفهمها وظرفها الاجتماعي والطبقي، وكل خروجها الاستثنائي على العالم أو “الدنيا” وبنائها ذلك المكان الموازي في المقبرة، التي دفنت فيها المنبوذين والمهمّشين والفقراء والمتروكين بلا قبور، وأسكنت فيها التائهين والمشردين والهاربين والخائفين. أنجم المسلمة عندما اعتُقلت في أحداث 2002، كانت ستقتل وتسحل مثل بقية المسلمين الذين كانوا يُذبحون حرفياً في الشوارع آنذاك، ثم تُركت تعيش لأنها هيجرا وقتلها يجلب سوء الطالع وفق منطق الجلاد، وكونها هيجرا فهي بالنتيجة منبوذة اجتماعياً. انظري مدى التباس الهويات، أن تحمل في ذاتك ما يمكن أن تقتل بسببه وأن تحمل ما قد تنجو بفضله، دون أن يكون هناك تناقض بالضرورة بين الأمرين”.

أرض زلقة من الطبقات المضطهدة

تقصد روي بما وقع عام 2002 مجزرة “غوجارات” التي ارتُكبت ضد مسلمين، ويشكّل وقوعها لحظة تنقلب معها حياة أنجم وتتخلّى عن ذاتها السابقة وحياتها في “بيت الأحلام”، لتنتقل الرواية بكل عوالمها من أحياء المدينة القديمة إلى المقبرة المهجورة. لماذا هذه الواقعة بالذات، لا سيما أن الرواية تقف على أرض سبخة وزلقة من الطبقات المضطهدة، وتوثق لعشرات لكي لا نقول مئات المجازر التي وقعت في حق فئات مختلفة منذ تقسيم الهند وباكستان إلى اليوم؟

“حتى اللحظة لم يجر الاعتراف بالجرائم التي وقعت، ليس بمعنى أن نقول فقط بأن بعض الأشخاص قتلوا بعض الأشخاص، لكن أن نكون قادرين على رواية الأحداث بالشكل الذي يجعل احتمالات تكرارها أقل وحدودها أضيق، ما حدث بعد غوجارات أننا سمعنا من يقول إن الضحايا يستحقون ذلك، وشيئاً فشيئاً أصبحت المجزرة حملة انتخابية، أصبحت منتجاً جديداً يجرى تسويقه، ووصل إلى أعلى السلطة اليوم مَن كان مسؤولاً في 2002، ومن رفض ويرفض إلى الآن الاعتراف بحقيقة أن ما وقع كان كارثة. لا نستطيع القول إن عنفاً وقع بين الهندوس والمسلمين وكفى. إن ما حدث ويحدث اليوم يستحيل إلى منهج تفكير، يصبح مانفيستو الكراهية”.

تعرف الهند المعاصرة توجُّهاً حثيثاً ومثابراً يسعى إلى إعادة تعريف كل شيء؛ بحيث يصير “هندوسياً”، هذا هو ما تنادي به السلطة اليمينية التي تمسك زمام السلطة اليوم وعلى رأسها رئيس الوزراء منذ 2014 ناريندرا مودي الذي يمثل الحزب السياسي القومي في البلاد “بهاراتيا جاناتا.”

نعرف أن الانتخابات قريبة، ما بين نيسان/ إبريل وأيار/ مايو المقبلين، فنسأل روي التي لا تنتمي لأي حزب: كثيراً ما يبدو الشخص المتفائل ساذجاً، لكن ما زال جزءٌ كبير من العالم – الذي عاش خلال السنوات الماضية صعود اليمين في كل مكان ووصوله إلى السلطة وزيادة ممارسات التطرف على المستوى الشعبي – يعقد الأمل على ألّا تكون الجولات المقبلة لا لترامب ولا مودي، وأن تكون الأعوام القليلة الماضية درساً تعلّمنا منه شيئاً. ما تعليقك؟

“الأمر محزن، ثمة أنظمة يمين فاشية وصلت إلى الحكم، بل وانتُخبت بشكل ديمقراطي لأسباب اقتصادية، حدث هذا مع هتلر سابقاً، لكن هنا في الهند الاقتصاد دُمّر تماماً، وحتى أولئك الذين كانوا يتطلّعون إلى لحظةِ ولادةِ ما يعتقدون أنه الأمة الهندية، تحطّمت آمالهم؛ لذلك قد يدفع هذا الإحباط الاقتصادي إلى أن لا تكون الانتخابات لصالح هذا الطرف. لكن كمية ما حُقِن في المجتمع طيلة الفترة الماضية يجعل الأمر يبدو كما لو أنه الطرف الرابح حتى وإن خسر. ما أخشاه ويقلقني الآن هو وقوع التفجيرات الإرهابية وتزايد أعمال العنف الهوياتية في الفترة المقبلة بهدف أخذ الانتخابات في هذا الاتجاه أو ذاك”.

في بلاد كل من فيها أقلية

أما تصاعد الشعبوية فتقول عنه “في الهند مثلاً الجميع بشكل أو بآخر أقلية، لكن التعصب إلى الأقلية يتأجج ويستعر مع عوامل كثيرة، في نظري أن الفقر والتفاوت الرهيب في توزيع الثروات أكثرها قوة. 10% من مجموع سكان الهند يملكون أكثر من 80% من الثروة في البلاد. البشر يبحثون عن ملاذ ما أو أي وسيلة للحماية، قد يجدونها في التعصب أكثر إلى الجماعة، وهذا بات يحدث في كل مكان من العالم، في غياب العدالة واستشراء الخوف وتكاثر المقابر وعدم وجود بارقة أمل بفرص عادلة للعيش”.

وتضيف إن “ملايين الشباب بلا عمل حقيقي، بينما ندخل إلى عصر جديد يقوم على الذكاء الصناعي وتوظيف الآلة، أي أن المزيد سيجدون أنفسهم بلا عمل، وهذا بات يحدث فعلاً في بعض البلدان، إنه ليس مستقبلاً بعيداً، أتساءل ماذا سيفعل يسار المستقبل بلا عمّال يعقد عليهم نضالاته”.

البقعة الصغيرة تحت قدميّ

أعرف أنها تكره كلمة “ناشطة”، فأتحاشى الكلمة قدر المستطاع قبل أن أزل بها، تتحدثين عن الفقر والعمل والتعصب والذكاء الصناعي، تتحدثين عن التفاوت الفاحش بين القلة الثرية والجماهير التي تكافح من أجل الوجبة التالية، تتحدثين عن الفشل الأخلاقي في مكافحة الفقر، ولكن ماذا يمكن للكاتب أن يفعل في خضم كل هذا؟ أنت مثلاً دافعت عن أنهار وغابات وحيوانات وقرى وبشر وكائنات، فماذا يفترض بالكاتب أن يفعل اليوم وماذا في إمكانه؟

“ليس في وسعي أن أجيب عن هذا السؤال. الكاتب إنسان حر وهو من يختار دوره، وليس لأنه يدافع عن حقوق ويتحدث عن قضايا جوهرية يصبح ناشطاً، هو يفعل ذلك لأنه كاتب، وهذا ما يفعله الكاتب، صفة “ناشط” هذه ظهرت حديثاً وهي ليست إلا محاولة لوضع حدود وتعريف للكاتب ومهماته في هذا العالم. ثمّة من هو مشغول بوضع الناس في فئات ومصنفات وصناديق. من واجب الكاتب أن يقول ما لا تقوله الأغلبية، من واجبه ألا يكون محبوباً متوافَقاً عليه”.

بالقطع لا يمكن القول إن روي ليست محبوبة، لكن القول إنها مصدر للمتاعب هو قاطع بالدرجة نفسها، وهو أحد أسباب كونها محبوبة. تلقت التهديدات وأُطلقت عليها صفات “معادية للوطن” تضعها في مصاف خيانة “الأمة الهندوسية” المرتقب سطوع نجمها تحت شعار “هندي، هندو، هندوستان”. في 2017، يكتب الممثل البوليودي باريش راؤول على حسابه في تويتر: “لِمَ لا نربط أرونداتي روي في مقدّمة جيب عسكري بدلاً من ربط قاذفي الحجارة؟” (يقصد الشباب المتظاهرين ضد الجيش في كشمير)، لافتاً إلى موقفها من عنف السلطات الهندية في تلك البقعة التعسة، ووقوفها الصريح مع حقوق الكشميريّين، ستلقى تغريدته التأييد الهمجي من “الذباب” الذي يتابعه، نسألها: هل خفتِ؟ هل فكّرتِ أن تتركي الهند؟

تقول لـ”العربي الجديد”: “طبعاً، ما لم تكن غبياً فلا بدّ أن تخاف. ليس من الحكمة ألّا تخاف، لكني لست مشلولة أو هائبة لأنني خائفة، أولاً أؤمن بالقضية التي أدافع عنها، ولا أعتمد على أن أكون استفزازية على نحو غبي، تعلّمت، مثل محارب، متى أنحني ومتى أقول ما ينبغي قوله ومتى أصمت، ومتى عليّ أن أنسحب لبعض الوقت، لكن في هذه المرة تحديداً، خفت بشكل كبير، كنتُ قد انتهيت للتو من الرواية وأرسلتها إلى الطباعة، وكانت هناك أخبار كاذبة جرى تداولها عني، واتُّهمتُ بتحريض الطلبة وأصبح الناس يطالبون بي كدرع بشري، كنتُ خائفةً أكثر لأنني أعمل منذ سنوات طويلة على الرواية وأوشكت أن أنشرها، وبدأ اعتقال الطلبة من الجامعات، والمحلّلون في الشاشات يقولون إن هؤلاء مجرّد شباب وإن هذه المرأة هي التي تحرّضهم. وبالفعل، سافرت وأنا في حالة فزع، لكنني عدت بعد ستة أيام، لم أستطع الابتعاد كثيراً ولا مطولاً”.

“لم أعد من قبيل الشجاعة، لكن كما يمكنك أن تخمّني من الرواية، فعلى قدر ما لديَّ الكثير من الانتقادات والمآخذ والاحتجاجات الكبرى لما يحدث في الهند، إلا أنني في حالة من العشق العميق معها، مع الكثير الكثير من تفاصيلها، فالهند لي ككاتبة هي المكان الذي أفهمه، واللغة التي أعرفها، والأرض التي أستقر عليها. هذا المكان القليل، هذه البقعة الصغيرة التي تحت قدميّ بالضبط لن يكون لي مثلها في أي موضع آخر في العالم”.

عبقرية الازدحام

يصعب تصوُّر الهند من دون “الكثير الكثير من تفاصيلها”. ما فعلته روي في وزارتها السعيدة هو الكشف عن عبقرية الازدحام، تسيّر آلاف التفاصيل، تعلّمها التحرّك دون أن يرتطم أي منها بالآخر، أو يضيع حقّه في الظهور: حيوانات وطيور، ملابس وألوان وبشر وأديان وطوائف وأحزاب، تضحيات وخيانات وفساد، حوائط إعلان ووظائف حقيقية وأخرى شبه وهمية، عساكر جائعون ومتظاهرون أصابهم اليأس، سيارات ودرّاجات، ملايين الهموم اليومية، بيوت تموت وأجساد تسحق ومقابر تزدهر، أطفال لقطاء، ولقطاء راشدون أضاعوا طريقهم إلى ماضيهم، تقارير إخبارية، تقارير أمنية، وقائع وخيالات، تسجيلات يوتيوب، وصور من الثمانينيات، أغانٍ وموسيقى بوليوود وقوالي، ماذا أبقيتِ يا سيدة روي خارج هذه الصورة؟ حقاً كيف أدرتِ أدبياً وروائياً كل هذا الازدحام؟

“هذه الرواية عن كل شيء، هي ضد كل منتجات ما يسمى بمدارس الكتابة الإبداعية، مرحلة اللاكتابة أساسية لدي، أشعر كما لو أنها تفلتر نفسها، أو تقتبس من تلقاء ذاتها وتعدّ للمرحلة التالية، أحياناً حين أنظر إلى أرفف المكتبة أتساءل إن كنت أنظر إليها أم أنني أكتبها، صحيح أنني درست العمارة لكنني أعتبر نفسي تلميذة المدينة ومهندستها. بالنسبة إلي، أن أفهم كيف تعمل المدينة، وكيف أصبحت ما هي عليه، فهو أمر قضيت حياتي أفكر فيه وأتعلمه، وهذا ينطبق على النهر والريف وكشمير أو أي مكان آخر. أتعرّف إلى التضاريس وأجدني فيها جزءاً صغيراً، مخلوقاً يحتاج أن ينجو، ولفعل ذلك لا بد أن يفهمها. معظم الروائيين حين يكتبون عن مدينة كبيرة يركّزون على شخصيات محدّدة، البقية هم خلفية، لكني كنت أريد أن أورط هؤلاء كلهم في القصة وأقول إنهم أيضاً قادمون من مكان ما، الله في المدينة ليس هو الله وحسب، والعامل ليس مجرد عامل، أود أن أقول للقارئ: “آسفة” ستكون القراءة صعبة ولكن عليك أن تتجاوزها، لأن هذه هي القصة التي أحاول أن أحكيها، لا أحد يُغني عن أحد أو يحل محل أحد في روايتي، كل شخص موجود وله اسم وماضٍ وطريقة كلام وآلام، لن أتركك أيها القارئ تمرّ عليه مروراً”.

ما أنا إلا كتابتي

السابعة مساء بتوقيت دلهي، الأربعاء، 23 كانون الثاني/ يناير 2019، تفتح روي الكاميرا، متدثرة بمعطف أسود وشال حريري أحمر على رأسها، بدت لي مريضة، لكنها نفت ذلك “متعبة فقط”. تقول: “كنت أفكر اليوم في كتبي، لم أفكر من قبل هكذا، تذكرت أنني كطفلة كنت أحضر الكاتيكالي في كيرالا، نوع من الرقص الذي يؤدي فيه الراقص حكاية ما، كتبت عنه في “إله الأشياء الصغيرة”، يمكن للممثّل أن يتغير طيلة القصة، فتارة يصبح هو الغابة ثم الغزال الذي يجري فيها، ثم القرد النائم في الشارع ثم الماعز التي تمر بمحاذاته. بالنسبة إلي فإن مهارات القوى التي يمارسها الراوي هي قدرته على التحول إلى أي شيء، وأن يتغير من أقصى درجات اللغة شعريةً إلى أكثرها سوقية، وأن يكسر قواعده كل مرة، وأن يكون شعرياً وجدّياً ساخراً ومهرّجاً، قادراً على النظر إلى الحب والحرب والحميمية والوحشية دون أن يرف له جفن، مثل لاعب الرياضة لا بد أن تكون لديه لياقة سردية تمكّنه من تغيير الصوت والنغمة والالتفاف عند أي نقطة، وأن يأخذ القارئ إلى مكان، وقد يتركه هناك ليحمله لاحقاً إلى مكان آخر”.

في “وزارة السعادة القصوى” ما لا يمكن مقاومته من الألم، قد تبكي وأنت تقرأ، قد تختنق وأنت تستمع إلى رجال الأمن، قد تضحك على بذاءات أنجم وصبايا الهيجرا. لكن ماذا تشعرين أنت تجاه شخصياتك والمصائر المتفرّقة التي اتخذتها؟ الجميلة والبغيضة منها؟

“لا أعرف. أفكر بنفسي ككائن مصنوع من عبارات وفواصل. أنا كتابتي، وليس لدي مشاعر منفصلة عمّا أكتب، أعني أنني هذا الذي كتبتُ، لذلك ولمدة عشرة أعوام وأنا أشتغل على هذه العمل كنت مجنونة تماماً”.

هذه البيئات المختلفة وشديدة الخصوصية، عليك أن تدخلي إليها وأن تألفيها لكي تكتبي عنها بهذا الصدق، مثل الحياة مع الهيجرا أو العيش في المقابر.

“كنتُ أزور المقابر وأنا أكتب الرواية وما زلت، والحقيقة أنني أرتدي هذا الشال الأحمر لأنني سأذهب مع صديق إلى هناك بعد قليل، نجلس ونتحدث وننظر إلى الليل، إنه مكان مليء بالهدوء والطمأنينة حيث لا أحس بالخوف، هناك أشعر أنني في البيت”.

باب موارب بين الحياة والموت

دخلت أنجم المقبرة وتركت الباب موارباً بين الموت والحياة، وأصبح يفد إليها هاربون آخرون من جحيم الدنيا طمعاً في الاقتراب من نموذج عالم الموتى، حيث المساواة المطلقة، عالم أطلقت عليه “فندق الجنة”. تظهر شخصيات أخرى، كل واحدة عاشت التروما التي قادتها إلى المقبرة، تلوتاما معمارية يسارية قبض عليها في كشمير، فتأخذ حياتها تالياً مسارات واهية، شاب يسمّي نفسه صدام حسين بعد أن هجم الجموع على والده وانتزعوا روحه بزعم أنه قتل بقرة، موسى يصبح مقاوماً كشميرياً مطلوباً بعد أن يقتل الجيش زوجته وابنته، أخبار تعذيب وقصص وفظائع عالقة في الجو كما لو كانت رائحة حساء طُهي لوقت طويل، ثمّة قصة حب صغيرة وطفلة تحبو بين الأضرحة، الرضيعة اللقيطة التي خطط المهمشون لتربيتها خائفين عليها من الدولة. الأمومة لديك لا علاقة لها بالجنس، إنها حالة فردية، بطريقتك يمكن للرجل أن يكون أمّاً؟

“أجل، تعرفين أنا لست أمّاً بيولوجية لأحد، لكنني أم لكثيرين، خذي تلوتاما في القصة مثلاً، الشابة التي يمكنها بيولوجياً أن تكون أمّاً، لكنها لا تريد، في المقابل هناك أنجم التي لا يمكنها بيولوجياً أن تصير أمّاً لكنها أمّ الجميع، بل إنها أكثر الأمهات خصوبة. أعتقد أن الأدب لطالما كان تقليدياً في ما يخص صورة الأمّ، أحياناً أسخر من شخصيات الأمّهات والجدّات والبنات في الأدب الهندي وأقول لو أخذتهن وبدلت الشخصيات لن يشعر أحد بذلك، وهذا ينطبق على الأدب الروسي والبريطاني، مسألة الجندر والأمومة ظلّت تقليدية”.

تحب روي أن تمرح وتغيّر مسار الحديث بمزحة: “أرسلت لي صديقتي رسالة نصية من أيام، تقول إنها في حافلة في بومبي وأن شاباً وصبية يجلسان أمامها والشاب يقول للفتاة: “أقصى أحلام حياتي أن أكون زوجة لأرونداتي روي”… روتها مثل نكتة تسعدها وضحكنا عليها.

يبدو الأمر كما لو أن هناك ميثولوجيا أرونداتية، تحرّك الطبيعة على هواها وتُعطي كلّ شيء قدرات جديدة، تكتب بنفس القرب من الشعر والسرد.

“بطريقة ما، كان طموحي دائماً أن أكتب رواية بلغة تبدو كما لو كانت شعراً، لكن ما يحدث أن الشاعر يحتاج إلى أن يستجمع نفسه، وأن يقبض عليها في نصه الذي يصبح متماهياً مع ذاته، بخلاف حالي كروائية أقوم بعكس ما يفعله الشاعر، أفرض ذاتي ونفسي على شخصيات مختلفة داخل النص بل وعلى كائنات متعددة. الأمر سيان في “إله الأشياء الصغيرة” وفي “وزارة السعادة القصوى”، كل التفاصيل من حيوانات وطيور وأرض ونباتات ومدينة وتفاصيلها الحيوية والمعيشية تهمني وتحمل جزءاً مني، حتى في كتاباتي السياسية ستجدين أنني لست مهتمة بالأشياء التي لا يهم فيها إلا الإنسان وحده، ذلك أنني أعتقد أن غباء الإنسان يتجاوز ما يمكن تصديقه أحياناً”.

استعادة المحبوب بالغناء

مرة قرأت أنه ليكون الكاتب عالمياً عليه أن يكون مغرقاً في المحلية، في ذلك الوقت بدت لي عبارة بلا معنى؛ لكنني أمسكت نفسي أتدرّب بصوت عالٍ على نطق العبارات التي تركتها روي بالأردية أو الهندية، حضرت فيلمين وثائقيين، الأول عن الهيجرا والثاني عن كشمير، وشاهدت عشرات التسجيلات على يوتيوب، واحتلت الموسيقى الهندية منزلي؛ فما إن تذكر إحدى الشخصيات أغنية حتى أفتش عنها وأتركها تصدح في الغرفة، باحثة عن عقد اللؤلؤ الذي انقطع من فرط الحب في أغنية رسولان باي الإيروتيكية. في كتابها عشرات الأغاني والخلفيات الموسيقية، رأيت لها فيديو تتعلم الرقص، فماذا عن الموسيقى الهندية وهذا التراث الفسيح منها، وما علاقتها بالرواية؟

“في الذاكرة الهندية الموسيقية ثمة كل هذا الأرشيف من الموسيقى البوليودوية التي كبرنا عليها، والحلوة طبعاً، لكن الموسيقى التي أذكرها في الكتاب هي من الكلاسيكيات الهندية الثقيلة، إنها عالم بحد ذاتها، وقد بدأتُ مؤخّراً دراسة الغناء الكلاسيكي، وتاريخ الموسيقى الهندية، يبدو الأمر مستحيلاً وصعباً، فلا يمكن لأحد القول بأنه يعرف كل الموسيقى الكلاسيكية الهندية. يمكنك أن تقضي عمرك تتعلم مقاماً واحداً. وحتى الآن وأنا معك أفكر في لحظات معينة من الكتاب، حينما كان الأستاذ حميد يتردد على المقبرة ويحاول استعادة أنجم إلى العالم الذي جاءت منه، فيجلس على القبور ويغني لها”.

تكلّمني روي بالأردية كما لو كنت أفهمها: “توم بين كون خبريا موري ليت؟ إنه يقول: “من لي سواك يسأل عن أخباري؟”، يا لها من حالة عظيمة، الخضوع للمحبوب بلا حذر، إنه لأمر بديع حتى وإن لم يكن واقعياً، حتى وإن كان موجوداً فقط في الموسيقى والشعر”، يتغير صوت روي، يرقص ببطء مع حركة خفيفة من يدها: “حولهما (أنجم وأستاذ حميد) يتحلق السكارى والمدمنون والمشردون يطربون على الغناء وهذا الصوت الجميل يرن على الأرض الخراب، في أرض الموتى والواقعين من الدنيا”… تصمت… “أتعلمين؟ أشعر الآن، وأنا أفكر في ذلك المشهد، أننا حين نتخيل عالماً فإنه حقيقي”.

أين يحدث التفكير؟

تتحدثين كثيراً عن “عصرنا” المحفوف بالرقمية، وعن المجهول منه وعن العالم الافتراضي، بالأمس قلت لي: “وحده الأدب ما يمنحك الطريقة الراديكالية للفهم”، وقلت: “علينا اليوم أن نقاوم جهلنا”، واليوم يا سيدة روي، نسمع أن الذكاء الصناعي كتب قصيدة ونعرف أن الآلة هيمنت على الإنسان وانتهى الأمر، فما الأدب؟ وهل يمكنك تخيّل العالم بلا أدب؟

“لدي شعور مختلط إزاء ذلك، لا أحسب أن العالم سيصبح بلا أدب، ولكن كيف سيكون الأدب؟ من ينظر إلى الشعر والموسيقى والرواية كمنتج لا بد من استهلاكه، فإنه لا ينظر إلى هذه الأمور مثلما أفعل أنا. فعملية الكتابة نفسها، وما حدث داخل جسدي وعقلي وأنا أكتب طيلة الأعوام الماضية لا بد أنه يصل أيضاً إلى من يقرأ، لذلك لا أقبل اعتبار الأدب منتجاً وبضاعة علينا تسهيل تصنيعها، لأن هذا ينسف كل ما نمرّ به لخلق الأدب، وهو جزء جوهري من إنسانيتنا. حين أكتب فأنا أقص القصة لنفسي وأبني ذاتي خلال ذلك. لا يمكن لأحد أن يأكل طعامي نيابة عنّي فأتغذى أنا. الأسبوع الماضي كنت في شمال كيرالا، في مهرجان أدبي محلي، ليس من تلك التي تمولها المؤسّسات الضخمة فأنا أقاطعها، كان ثمة آلاف الشباب أعمارهم أقل من 25 عاماً، إنه شيء جنوني، حتى إنني اضطررت إلى المشي بحماية، الشباب يعرفون العالم الافتراضي والذكاء الصناعي، ولكن ما الذي جلب كل هذا؟ في نهاية الأمر أين يحدث التفكير فعلاً إن لم يكن في الكتابة والأدب؟”.

انتهى كلامنا. قالت إنها ستذهب إلى المقبرة، شكرتها، واحتفظت بوجودها، المنسدل والأنيق مثل “الساري”، بأن أدرت أستاذ رشيد يغني الراغا لاليت، بعد ساعات تنبهت إلى نقطة حمراء على الهاتف، فتحته ووجدت صوراً من المقبرة حيث تجلس روي مع صديقها تنظر إلى الليل، ثمة فيديو أيضاً؛ ست دقائق من التجوال بين مدافن “وزارة السعادة القصوى”.

كتب وسيرة

وُلدت أرونداتي روي (1961) في شيلونغ ميغالايا شمال الهند، لأم عُرفت بنشاطها في حقوق النساء، درست العمارة في دلهي، وجربت التمثيل وكتبت للسينما والتلفزيون.

حازت روايتها الأولى “إله الأشياء الصغيرة” جائزة “البوكر” عام 1997 وأصدرت كتباً تضمنت آراءها السياسية، من بينها “نهاية المخيلة” و”الإصغاء إلى الجنادب” و”الرأسمالية: قصة شبح” و”المشي مع الرفاق” وغيرها، وفي 2017 أصدرت “وزارة السعادة القصوى”.

فتحت الاستطراداتُ في “وزارة السعادة القصوى” أفق الروايةَ على مراكز مختلفة، أخرجت ما تجمّد تحت سطح الحياة اليومية القاسية. تجوّلت بين المآسي الوطنية التي تسميها “سوبر ماركت الحزن”، استعادت كارثة الغاز السام في بوبال (1984) ومجزرة غوجارات (2002)، وجمعت الحكايات التي تنتهي أو تبدأ بالقتل والاغتصاب والتشويه، وتلك الكفاحات التي صارت قديمة ولم تعد صالحة لتصدر الأخبار.

انتُقدت لأن روايتها هكذا واسعة بلا مركز وتبدو كما لو أنها تتحرك في كل اتجاه، وردت بأنها رواية الجميع وأنها رواية القصص المفزعة التي لا تتصدر العناوين.

نقرأ في روايتها إحدى هذه القصص: “تمركز ﺟﻨﻮﺩ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ الخاصة في ﺍﻟﺒﻨﺎﻳﺔ المجاورة. ﻗﺎﻟﻮﺍ ﺇنهم ﻳﺮﻭﻥ ﺷﺨصاً في المصرف. ﻣﻌﻘﻮﻝ؟ ﻛﺎﻥ ﺍلمكان مظلماً ﻟﻠﻐﺎﻳﺔ، ﻓﻜﻴﻒ ﺮأﻭﺍ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ المسافة؟ ﻭجهت ﺍﻟﻜﺸﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﻟﻮعة. ﺭﺃﻳﺖ ﺭﺃﺱ ﺭﺟﻞ. ﻛﻨﺖ في ﻏﺎﻳﺔ الخوﻑ. ﻇﻨﻨﺖ ﺃﻥ ﻣﻌﻪ ﺑﻨﺪﻗﻴﺔ، ﺗﺮﺍﺟﻌﺖ.

ﻃﻠﺐ الجنود ﺃﻥ ﺃﻃﻠﺐ ﻣﻨﻪ الخروج. ﻃﻠﺒﺖ. لم ﻳﺮﺩ. ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﺃﻧﻪ كشميري ﻭﻟﻴﺲ ﺃﻓﻐﺎﻧﻴﺎً، ﻓﺎﻛﺘﻔﻰ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إلي. لم ﻳﻜﻦ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻼﻡ. ﻭﻗﻔﻨﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻣﻌﻨﺎ ﻛﺸﺎﻑ ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ الخاصة. ربما مرت ﺳﺎﻋﺔ ﻭﻧﺼﻒ. ﻣﺎﻝ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺮﺟﻞ إلى ﺃﺣﺪ ﺟﺎﻧﺒﻴﻪ. ﻣﺎﺕ. ﻣﺪﻓﻮﻧﺎً في الخراء.

ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺟﺬﺑﻨﺎ الجثة ﺗﺒﻴن ﺃﻥﱠ ﺳﺎﻗﻴﻪ ﻣﻘﻴﺪﺗﺎﻥ ﻣﻌﺎً ﻭﻣﺜﻘﻠﺘﺎﻥ بحجر. ﺍﻟﻌﻴﻨﺎﻥ ﺍﻟﻠﺘﺎﻥ ﺑﻘﻴﺘﺎ ﺗﻨﻈﺮﺍﻥ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺳﺎﻋﺔ ﻭﻧﺼﻒ ﻛﺎﻧﺘﺎ ﻋيني ﻏﻔﺮﺍﻥ ﻭتفهم. نحن ﺍﻟﻜﺸميريون لم ﻧﻌﺪ بحاﺟﺔ إلى الحديث ﻟﻴﻔﻬﻢ ﺃﺣﺪﻧﺎ ﺍﻵﺧﺮ”. العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى