مقالات

الموسم الأدبي في فرنسا: أزمة الهوية وشبح الحرب و… مجنون البيت الأبيض/ محمد ناصر الدين

 

 

 

ها قد تم رمي النرد! أكثر من 600 رواية قد تم ضخها في المكتبات الفرنسية والمتاجر الكبرى من Fnac وغيره ما بين منتصف آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر) الحالي، وستكون متوافرة عبر «أمازون»، في ما يعرف في فرنسا كل سنة بروايات بداية الموسم. تتنوع هذه الأعمال بين روايات فرنسية وأجنبية في بلد يتلقف بسرعة بواسطة الترجمة ما ينتجه مركز العالم وأطرافه من نتاج أدبي وروائي ممتد من نيويورك إلى المغرب مروراً بالصقيع الإيسلندي. كتّاب يقدمون روايتهم الأولى كالمغربية مريم علوي، وآخرون اشتد مراسهم في الرواية كجيروم فيراري وماتياس اينار وكريستين آنغو، وآخرون لا يكفون عن إثارة الغبار كسلمان رشدي وبوعلام صنصال. أي رواية ستصل إلى أبواب الجوائز الأدبية المرموقة؟ وأيها سيكون على قائمة الأكثر مبيعاً في «فناك» و«أمازون»؟ أيها سيكون طي النسيان أو محطة تمهيدية لعمل قادم أفضل؟ وكم من الوقت سننتظر لتنتقل بعض هذه الروايات إلى العربية؟ «كلمات» رصدت روايات بداية الموسم في فرنسا التي لم يغادرها شبح الحروب الباردة والساخنة، من الحرب الأهلية الإسبانية مروراً بيوغسلافيا ووصولاً إلى انتخاب «الجوكر»، دونالد ترامب، سيداً للبيت الأبيض. بانفتاحهم على آداب الآخرين، يستذكر الفرنسيون ما قاله أبوهم الروحي فيكتور هوغو ذات مرة: «حول هذه المدينة، قضت الملكية وقتها ببناء الأسوار، وقضت الفلسفة وقتها بهدم الأسوار ذاتها. كيف؟ بالإشعاع البسيط للفكر. شعاع الفكر أقوى من سور الحجارة»

 

جيروم فيراري

«على صورته» (A son image)

 

تَقرأ رواية جيروم فيراري الجديدة كمن يتصفح متتالية من الصور: خلف كل شخصية تقريباً، يتخفى مصوّر وتتجلى صورة عن الحرب. م. ريستا، المولود في صربيا عام ١٨٨٥ يعيش حروباً أربعاً، ويحتفظ بصور الفظاعات التي هي نفسها في كل الأماكن. أنتونيا، العمود الفقري للنص، تغطي اليوميات الدامية للقوميين الكورسيكيين، وأيضاً الحرب في يوغسلافيا. في هذا البلد الذي يحتضر، يقوم د. دراغان بتأدية الخدمة العسكرية، محاولاً أن يلتقط لحظات التفكك لبلاد الماريشال تيتو. هناك أيضاً صور لضحايا ملتقطة من قِبل جلاديهم. من الفوتوغرافيا، الفن غير الشفهي الذي يحاول أن يثبت العالم في هُوَّتِه، يحاول جيروم فيراري أن يصنع محرّكاً روائياً وموضوعاً للتفكير: كيف يمكن الخلاص من الكارثة بتسليط الضوء عليها؟ ما هو القاسم المشترك الأصغر من القيم أو القاسم التاريخي الذي يسمح لمجموعة بشرية أن تبقى متحدة؟ بالنسبة إلى أنتونيا، «في العمق، هناك نوعان من الصور الفوتوغرافية في الحروب، تلك التي لا يجب أن توجد أصلاً، وتلك التي تستحق أن تختفي»

(منشورات آكت سود، ٢٢٤ صفحة، ١٩ يورو).

 

مايليس دو كيرانغال

«عالم في متناول اليد» (un monde à portée de main)

 

تُفتَتح الرواية بصف الرسم، في الجو الحيوي والجدي لبداية الفصل الدراسي في مدرسة الفنون. «أريد أن أتعلم تقنيات الخداع البصري، فن الوهم». من الورشة البيتية ـ رسم سماء في سقف غرفة للأولادـ إلى ترميم رسومات كهف لاسكو، تكتشف باولا خفايا مهنة الرسام، بعد سنة دراسية في المعهد العالي في بروكسيل. تطبق دو كيرانغال التي عُرفت بروايتيها «ترميم الأحياء» و«كورنيش كينيدي» على الكتابة تقنيات تضعها في متناول شخصياتها التي هي قيد التعَلم. تقنيات قادرة على خلق تراكيب وهندسة معقدة بفعل تمرسهم في فن الخداع البصري. على صورة رسومات كهف لاسكو التي تتآكل بفعل أنفاس البشر في زياراتهم المتكررة لها، تكشف الرواية هشاشة العلاقات البشرية وذكريات الماضي التي لا تتكيف بالضرورة مع الحاضر. «عالم في متناول اليد» رواية تتستر بأجواء ورشات الرسم لتطرح في العمق سؤالاً أساسياً حول ما تعنيه كتابة أي مؤلَّف. تنطلق الروائية من الزمن القديم لماـ قبل التاريخ، حيث كان البشر ينصتون للحكايات متحلقين حول النار، إلى الأسلحة الخرافية عند هوميروس أو حتى رسومات لاسكو لإشباع حاجتنا الملحة إلى الخيال.

(دار فيرتيكال، ٢٨٨ صفحة، ٢٠ يورو).

 

خافيير سيركاس

«ملك الظلال» (Le monarque des ombres)

 

لم يستنفد الروائي الإسباني مخزون الحرب الأهلية في بلاده بعد، هو الذي استقى شهرته من رواية «جنود سالامينا»، حيث ينقذ جندي جمهوري حياة أحد إيديولوجيي ومسؤولي كتائب فرانكو. ها هو في «ملك الظلال»، يسلط الضوء على مانويل مينا، الذي قتل بعمر ١٩ عاماً في معركة إيبر عام ١٩٣٨، المعركة الفاصلة بالنسبة إلى الكتائب الفرانكية. مانويل هو عم والد سيركاس، ولوقت طويل طرد الكاتب فكرة الكتابة حول البطل الأسود للعائلة المولود كما هو في استرامادورا، والذي يحتفظ له بصورة باللباس العسكري لطالما تأمّلها في مكتبه في برشلونة. من أجل المعرفة والفهم وبلا أحكام مسبقة، يحاول سيركاس أن يفهم الدوافع التي حدت بالعم مانولو، الذي توقع له الجميع مستقبلاً جامعياً باهراً، أن يأخذ خياراً سياسياً يمينياً يقوده إلى الذهاب إلى الجبهة ليتحول إلى «جندي متعطش للنصر والمعارك عطش الملازم دروغو في صحراء التتار». يشارك بعدها مع فرقة الرماة في ارتكاب أبشع الفظاعات ويصاب بجراح مرات عدة ليلقى حتفه من بعدها. سفر سيركاس على خطوات مينا الذي أراد أن يتماهى مع أخيل في الإلياذة هي قمة جديدة من أعمال الروائي الإسباني المبهرة.

مترجمة عن الإسبانية

 

كريستين آنغو

«مفترق في الحياة» (un tournant de la vie)

 

على مهارتها في صياغة الحوارات، لا يشذ كتاب آنغو الجديد عن السياق. نذهب في عمق قصة الراوية، التائهة بين رَجُلَين. فنسان، الذي هجرته من أعوام تسعة، يعاود الظهور. آلكس، الذي تعيش معه منذ انفصالها عن فنسان والذي له من الفضائل ما يميزه عن هذا الأخير: اللطف، الحضور الدائم. ومن أجل أن تتعقد الأمور أكثر، تجتمع الراوية وحبيبها السابق من جديد في مكان عمل واحد. من المشهد الأول، نقرأ ما يلي: «كنت أقطع الشارع… يمر فينسون على الرصيف المقابل. توقفت في منتصف مفترق الطرق. كنت هنا، مسمّرة في مكاني […]، كان يمكنني أن أركض وأوافيه. بقيت واقفة، بأرجل مقطوعة. الأعين مثبتة في الاتجاه الذي أخَذَه»، مما يعطينا انطباعاً أولياً بأننا سنجد كل ما يجعل من صوت كريستين آنغو مميزاً في الرواية: التظهير الدقيق للنوبات العصبية، وهذه الكتابة التي تقطع الأنفاس. باقي الرواية هي القصص التي يمكن أن تحصل في أي تريو بكل التعقيدات الممكنة، مما قد يجلب بعضاً من خيبة الأمل إذا ما قورن هذا الكتاب برائعة آنغو «أسبوع عطلة». كما يقول فنسان في أحد مقاطع الكتاب بأن غيابه لمدة سنوات تسع كان نوعاً من الفاصل الموسيقي في مسلسل ما. قد يعتبر كثيرون من محبي كريستين آنغو أن «مفترق» في الحياة هو بالأحرى فاصل يمهد لكتاب أفضل.

(دار فلاماريون، ٢٢٤ صفحة، ١٨ يورو).

 

بوعلام صنصال

«قطار إيرلينغن» (Le train d›Erlingen)

 

بين الحياة والموت، واحدة من ضحايا اعتداء الثالث عشر من سبتمر عام ٢٠١٥ تروي قصة: قصة العالم المعاصر الذي يرزح تحت نير الظلمات الدينية والمالية والوحشية. في رسائل خيالية موجهة إلى ابنتها، مثل حلم يمتد على أكثر من مئتي صفحة، تصف الراوية بلداً قريباً، ألمانيا، تحت سيطرة محتل بلا اسم قد أخضع البلاد للقانون الحديدي لإله أوحد. مثل كل المواطنين، تنتظر الأم قطاراً يخلي المسافرين من محطة ايريلنغن. في مكان أبعد في الكتاب، تجيب الابنة على رسائل الأم. هذه المراسلة عبر الحياة والموت وأحياناً عبر أسلوب معقد، يندس الراوي تحت جلد شخصياته العديدة ويغير في الحبكة ليقدم لنا رواية غامضة حول مجتمع قد استسلم مواطنوه أمام التعصب. يبث بوعلام صنصال رسائله تلميحاً في «قطار ايرلينغن» حول علاقة الإنسان بالكون، من زوايا الطبيعة والسياسة والثقافة مما يثبت أن روايته السابقة 2048 لم تكن فلتة شوط، بل إن الروايتين يغذيهما الغضب نفسه الذي يسلطه الكاتب الجزائري ضد مثالب التحجر والدوغمائية.

(دار غاليمار، ٢٥٦ صفحة، ٢٠ يورو).

 

زادي سميث

«وقت التأرجح» (Swing Time)

 

هذه التحفة الروائية تحكي قصة فتاتين خلاسيتين يجمعهما شغف مشترك بالرقص. الأولى تبرع على المسرح، لكنها تفشل في حياتها المدرسية والعاطفية، والأخرى وهي الراوية، التي لا تصيب نجاحاً كبيراً ولكنها تنجح في أن تكون مساعدة لإحدى نجمات الغناء ترافقها في جولة إنسانية في أفريقيا. العلاقة بين البطلتين تعيدنا إلى أجواء «الصديقة المذهلة» لإيلينا فيرانتي، التي تعشقها سميث بشدة. أهمية رواية زادي سميث أنها ترسم عالماً يختلف فيه مفهوم الهوية والسعادة حسب المكان الذي نتواجد فيه، في غرب لندن أو في غرب أفريقيا عبر كتابة تفيض حيوية كأنها هي الأخرى تتأرجح راقصة بين الحقبات الزمنية والقارات وتعالج قضايا مثل الشهرة والالتزام، الخلاسية، تبني الأطفال، التعليم، عدم التكافؤ في الحب والهويات الجنسية. وجهان لطفلتين تحلمان وتضعان أولى خطواتهما في هذا العالم بحسب اللحن الذي تضج به الأمكنة والأزمنة هو ما سنحتفظ به من الروائية التي يُتوقَّع منها الكثير . حول زادي سميث، نضيف أنها تنحدر من والدة مناضلة نسوية، تأثرت أيضاً بسيمون دوبوفوار وهيلين سيكسو. تعيش زادي بين نيويورك ولندن مع زوجها الشاعر نيك ليرد وطفليهما، وهي لا تمتلك هاتفاً خليوياً لأنها متفرغة بالكامل للقراءة والكتابة.

مترجمة عن الإنكليزية / (دار غاليمارـ ٤٨٠ صفحة، ٢٣.٥٠ يورو).

 

جان هاتسفيلد

«متران وعشرة» (Deux Mètres Dix)

 

يعالج هاتسفيلد في هذا الكتاب قصة بطلتين أولمبيتين في القفز: الأولى هي الأميركية سوزان باكستر الملقبة بـ «سو» والثانية تلتيانا آليمكول أو تاتيانا ايزفيتكايا التي كانت تقفز لصالح الفريق السوفياتي. تقابلت الفتاتان في الألعاب الأولمبية في هلسنكي عام ١٩٨٢، خلال الدورة التي توسطت دورة موسكو التي قاطعتها الولايات المتحدة عام ١٩٨٠، ودورة لوس انجلس التي قاطعها الاتحاد السوفياتي عام ١٩٨٤. متران وعشرة هو رقم أبعد بسنتمتر واحد من الرقم القياسي التي تم تسجيله في اولمبياد روما عام ١٩٨٧ باسم ستيفكا كوستادينوفا. لا ينتمي كتاب هاتسفيلد إلى أدب الرياضة، خاصة حين نعلم أن البطلتين من محض الخيال، بل هو رواية حول الطبيعة الإنسانية المتناقضة. يتبع الراوي مصائر البطلتين المتوجتين بالميدالية الذهبية في حينها: لم تعد «سو» النجمة التي كانتها في السابق وإن حفظت لها الميدالية بعضاً من ماء الوجه وسط حياة مليئة بالخيبات العاطفية والصحية، لتتلقى رسالة من تاتيانا بعد عقدين من الزمن، تدعوها فيها لزيارتها في قيرغيستان وتلبي «سو» الدعوة. بين النظرة الثاقبة للحقيقة الجيوسياسية لحقبة الثمانينيات، وأجواء الحرب الباردة وحروب القوقاز وعالم الظل والمنشطات الذي يدور في كواليس الرياضة، والتي يصف ألعابها هاتسفيلد بدقة كونه اشتغل محللاً رياضياً في «ليبيراسيون» في فترة السبعينيات، نحن أمام عمل روائي مميز.

(دار غاليمار، ٢٠٨ صفحة، ١٨.٥٠ يورو).

 

مريم علوي

«الحقيقة تخرج من فم الحصان» (La vérité sort de la bouche du cheval)

 

بعد ليلى سليماني ورواياتها التي استقبلت بحفاوة في فرنسا، نحن أمام روائية مغربية شابة من الطراز الرفيع: مريم علوي، التي تغوص في خفايا الواجهة المحجوبة من نظام قمع الحريات الذي تعاني منه النساء في المغرب. عبر يوميات فتاة ليل في الدار البيضاء، تروي علوي هشاشة ومرارة الحيوات التي يتم التضحية بها، ونبذها وتركها في الظلام، حيث تقبع المآسي التي يطردها المجتمع ويفضل أن تبقى متخفية. البطلة «جميعة» التي يهاجر زوجها من دون سابق إنذار وتنزلق للبغاء، تروي هنا ماضيها ومستقبلها، أحلامها ونوبات غضبها: اليوميات في الحي، الغراميات الصغيرة، الشجارات، التضامن مع الفتيات الأخريات، تأنيبات الوالدة الحريصة على التقاليد. القسم الثاني من الرواية، يحمل تحولاً مهماً حين تتاح للبطلة أن تلعب الدور الرئيسي في فيلم سينمائي يدور حول المصير العنيف والفوضوي لإحدى ساكنات الحي. تنقلب حياة «جميعة» رأساً على عقب في حبكة لا ينقصها التشويق الشهرزادي الذي يجد في المغرب أرضاً لا تنضب للحكايات الجديدة.

(دار غاليمار-٢٧٢ صفحة، ٢١ يورو).

 

سلمان رشدي

«بيت غولدن» (La maison Golden)

 

عشية تنصيب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، يأتي ملياردير هندي يطلق على نفسه اسم «نيرون غولدن» للسكن في حدائق ماكدوغال سوليفان، المكان الأسطوري في «غرين بيتش فيلادج» في نيويورك، مع زوجته الروسية فازيليا وبناته الثلاث. تتعرف العائلة على متدرب سينمائي من نيويورك، رونيه انترليندن، الراوي، والباحث عن سيناريو، ليقوم بالتحقيق في ماضي العائلة. بينما تتضح هوية آل غولدن شيئاً فشيئاً ويستحضر إلى نيويورك شبح المافيا الهندية والتمويل السري للتنظيمات الجهادية، فإن المدينة ذاتها ستقع قريباً فريسة للحمى الهوياتية والتمزقات الإيديولوجية. في خضم فوضى العولمة التي تعصف بالمدينة الكوزموبوليتانية، يتقدم رجل يسمى بـ«الجوكر» إلى البيت الأبيض منذراً البلاد بالفوضى. هذا هو المحور الروائي للكتاب الذي ألفه رشدي في منتصف ولاية أوباما وفي بداية حملة دونالد ترامب الرئاسية. قد يعاب على الكتاب استطرادات الراوي الكثيرة حول السينما والثقافة عموماً، مما يهدد بتحويل النص إلى قائمة بالكتب والأفلام التي يحبها رشدي نفسه وتتخبط خلفها شخصيات الرواية في محاولة للوجود. إذا نجحت «بيت غولدن» في إثارة ضجة، فللأسباب ذاتها: قوة سلمان رشدي في الحفر في ضباب العولمة وما يسميه الراوي بـ «مسألة الشر»، وتقديم مشهدية يمتزج فيها اليأس بإرادة المقاومة كلما اقترب كابوس ترامب أو الجوكر من النصر ومن هدم كل ما يؤمن به الراوي نفسه.

مترجمة عن الإنكليزية / (آكت سود، ٤١٦ صفحة، ٢٣ يورو).

 

ماتياس اينار وزينة أبي راشد

«الاحتماء» (Prendre refuge)

 

السحر المشترك لزينة أبي راشد (غرافيكس) وماتياس اينار (سيناريو/ الصورة) سيتجلى في أبهى معانيه في هذه الرواية الغرافيكية بالأبيض والأسود حيث سيُنسج لقاءان بين الشرق والغرب، على بعد ٨٤ عاماً. اللقاء الأول تم في باميان في أفغانستان عام ١٩٣٩ تحت تماثيل بوذا التي حطمتها «طالبان» في العقد الماضي. يجمع اللقاء عالم الآثار جوزيف هاكيم ومجموعة من الحجاج ممن يقصدون «دار الكفر» بتلك التماثيل العظيمة «التي تحرس الزمن». والقصة الثانية تجمع شاباً ألمانياً، كارستن، باللاجئة السورية نايلا في باريس عام ٢٠١٨. قصائد الحب المستلهمة من الموروث العربي، دخان النار في سماء المدن، السماء المفقودة فوق حلب، كل ذلك يجعل من التجربة المشتركة بين إينار الذي عرفناه في «شارع اللصوص» و«البوصلة» والفنانة اللبنانية زينة أبي راشد فضاء للاحترام والرقة وتبادل القيم بين الحضارات والشخصيات. لقاء تدمغه مفارقات حزينة كتلك الصور لتماثيل بوذا عام ١٩٣٩ والفؤوس التي تفتك بها عام ٢٠٠١.

(دار كاسترمان، ٣٤٤ صفحة، ٢٤ يورو).

 

جون كالمان ستيفانسون

«آستا» (Asta)

 

ما زالت روايات الإيسلندي تسحر الفرنسيين منذ بداية ترجمته إلى الفرنسية منذ تسع سنوات. «فلنبدأ من البداية. نحن في ويسترباور، الحي الغربي من ريغجافيك، في بداية خمسينيات القرن الماضي، بمقدوري أن أخبركم عن أصل اسم «آستا»، بعدها لا يمكنني التحكم بشيء من الحكاية». ما سنكتشفه بعد صفحات هو كيف سيلتقي «سيغفالدي» الثلاثيني بـ «ايلدا» في علاقة مجنونة تثمر عن ابنتين: سيسيليا وآستا. مستقبل واعد كان لينتظر الفتاتين. يكسر ستيفانسون إيقاع الرواية ليقذفنا 20 عاماً إلى الأمام، حيث نرى آستا في فيينا تتابع دراسات مسرحية وتخضع لعلاج نفسي. يقع سيغفالدي عن سلم أثناء عمله في النرويج. مسمراً في الأرض وبلا قدرة على النهوض، يشرع في رواية ذكرياته التي تشكل جزءاً من الرواية. هناك أيضاً موت سيسيليا والأم التي تقع في إدمان الكحول والأب الذي يتزوج ثانية قبل الحادثة. المميز في الرواية هو القفز عبر عيون آستا في التواريخ والأماكن الذي يجيده ستيفانسون في الرواية وتجميع لوحة عائلية مبعثرة. يغوص في روح الأماكن: من التخطيط المدني في ريغجافيك، إلى الموج الذي يضرب قرب الحي الغربي «مكتوب في مكان ما أن الموج هو صرخة الهاوية»، إضافة إلى مقاربته بذكاء تاريخ أوروبا الحديث: الحرب الباردة، الليبرالية المتوحشة وصولاً إلى انتخاب دونالد ترامب.

مترجمة عن الايسلندية / (دار غراسيه، ٤٩٦ صفحة، ٢٣ يورو).

 

نانسي هيوستن

«شفاه من حجر» (Lèvres de pierre)

 

هل هناك نقاط مشتركة بين أديبة كندية وديكتاتور كمبودي ارتكب مجازر بحق ما يقرب المليون من بني جلدته؟ في هذا النص المزدوج، تروي نانسي هيوستن بالتوازي فترة الشباب لشخصين يفرقهما في الظاهر كل شيء: الأول، فتى يافع، على حافة المراهقة، بشخصية غامضة سيسمّي نفسه فيما بعد «بول بوت»؛ الشخص الثاني روائية شابة تسمى دوريت، وهي القرين الأدبي للكاتبة منذ روايتها «الفتاة السيئة» (٢٠١٤). عبر مجموعة من التماثلات في مساري الشابين، تنحت هيوستن في البورتريه المشوش للشخصيتين «بالحواف الهشة والملتهمة بالخوف ثم بالغضب. سالوث سار (الاسم الحقيقي لبوت)، الصبي الكتوم الذي كبر في الريف في ظلّ والده، ومن ثم دخل درب الإيمان البوذي ليسافر إلى باريس ويختلط بالانتلجنسيا الماركسية المساة بالخمير الحمر ممن سيتزعمهم لاحقاً. بعدها بسنوات، ستختبر دوريت بدورها الماركسية في باريس وجاذبية طروحات العمل المسلح. تلتقي أشباح الشخصيتين والطفلين المعذبين في دواخلهما في تفكير حول الدروب المكلفة التي تقود إلى الالتزام السياسي، وحيث أحياناً تكون المسافة بين الكاتب ـ المناضل والديكتاتور الدامي درجة واحدة، أو مسافة صغيرة تملؤها نانسي هيوستن بحبكة يعوزها الإقناع بعض الشيء.

(آكت سود، ٢٤٠ صفحة، ١٩.٨٠ يورو).

ملحق كلمات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى