سياسة

ألا من نهاية لهذا الجحيم؟/ علي سفر

تترنح حياة السوريين اليومية في مناطق سيطرة النظام مرات ومرات، فتصبح مثل مريض لا يخرج من أزمة صحية حتى تعاجله أخرى، وما إن يشفى حتى ينتكس مرة جديدة، فتتعدد الأمراض، ولا ينفع في الجسد المعتل أي دواء!

ومن تفاصيل هذا الابتلاء اللامتناهي بالعطب أن المريض يعرف أنه مريض، وأن لا فائدة من كل العلاجات التي يحملها له مطببوه، لكنه يستيقظ من جديد في إيابه إلى الحياة بعد كل موت يومي يموته! فيبذل مع كل عودة جهوده ليحاول البقاء راهناً ومستعداً لحدث أو معجزة تجعله يحيا حياة البشر، بعد أن شاءت الأقدار وكذلك الظروف أن تجعله أسيراً تحكمه عصابة دمرت بلداً وسجنت مئات الآلاف، وقتلت أكثر منهم، وهجرت ملاييناً بين الجغرافية المحلية والإقليمية والدولية!

يعاني السوريون في كل الأمكنة التي قادتهم إليها تغريبتهم، لكن أقسى معاناة يمكن أن تحصل لأي بشري يعيش في الألفية الجديدة هي تلك التي تحدث مع أولئك الذين بقوا رهائن العصابة الحاكمة في دمشق!

أي كلام سنسمعه أو سنقرأه عن الوجع لا يماثل ما يجري هناك في الداخل!

لقد تحول الناس من شعب ثار ليحصل على كرامته إلى كتلة بشرية يحاول حكامها أن يذلوها على مدار الساعة! لم يعد أمر الحاجيات الأساسية المفقودة مجرد أزمة كما يدعي إعلام النظام الذي يدرك العاملون فيه عدم تصديق الناس لهم! بل صار سياسة إذلال مغلفة بحلوى الانتصارات!

ولعل الرداءة فيما يجري أن صُناع هذه المشهدية القاتلة لأرواح البشر يظنون أنهم أذكياء وبما يكفي لأن

مذ استولى البعثيون على السلطة، ومنذ جاء الأسد الأب بالكوارث لسوريا الراهنة بانقلابه على رفاقه، نسأل متى كنا بلا أزمات معيشية يومية؟

يراوغوا مرات ومرات عقول ضحاياهم، فيدعون أن ما يجري هو نتيجة “الأزمة” و”الحصار” وكذلك ثمن “انتصارات الجيش”! ولكن أظن هؤلاء أن السوريين بلا ذاكرة؟!

أم أن مرض الإنكار يجعلهم الزمن منسجمين مع ذواتهم، فينكرون بدورهم أن تاريخ ذكاء النظام في تعاطيه مع محكوميه ظل تاريخياً رهين سياسة التجويع ونهب المقدرات وإشغال المواطن بالبحث عن حاجياته اليومية!

مذ استولى البعثيون على السلطة، ومنذ جاء الأسد الأب بالكوارث لسوريا الراهنة بانقلابه على رفاقه، نسأل متى كنا بلا أزمات معيشية يومية؟ أجزمُ أن البلاد عاشت النصف قرن الأخير تحت أسوأ ما يمكن أن يحصل لأي مجموعة بشرية! هل ثمة من يتفوق على السوريين في هدر الحيوات وراء البحث عن لقمة العيش وما حولها من تفاصيل؟!

إنها حياة كاملة لملايين البشر تم صرفها مع البطاقات التموينية في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي على أبواب المؤسسات الاستهلاكية، وفي الجري وراء الباصات المزدحمة! وكذلك في خفض الرؤوس في التسعينيات لركوب السرافيس البيضاء التي نهب موردوها جيوب السوريين بأثمانها فلوثت هواء المدن بعوادمها، التي استحالات سرطانات قاتلة كانت تعالج في مشافى الدولة بأدوية مغشوشة!

وهي ذاتها الحياة التي نُهبت فيها الموارد الاقتصادية في العقد الأول من الألفية الجديدة، على يد (ضباع) الأسد الذين سرقوا ما بقي من أموال الدولة، واستولوا على ما يتوفر في أيدي رعاياها، حتى صارت البلد مملوكة لهؤلاء وصار الشعار الذي يُتداول في السر وفي العلن “يا خالف يا مخلوف” كناية عن تحول البلد مزرعة مملوكة لعائلة الأسد ولآل مخلوف، وخلاصة لسياسة تاريخية لا تقيم وزناً لحق الناس بالعيش الكريم، تجلت بأبشع صورها حين قررت لجنة الحكومة الاقتصادية سحب دعم المحروقات فأودت بالزراعة في خبر كان، وحكمت على المواطنين بالوقوف أذلاء بانتظار منحهم بطاقات المازوت، وشكلت كارثة هجرة أكثر من مليون ونصف عامل زراعي إلى حلب ودمشق، عاملا إضافيا بجعل السوريين ينتفضون في 15 من آذار 2011 ثأراً لكرامتهم المهدورة على يد الحثالة الأسدية، وبحثا عن أمانهم الاقتصادي المفقود.

هل كان ثمة حياة في سوريا طيلة نصف قرن؟ وقد تحولت سوريا إلى بلد طارد لأبنائها، حتى صار السوريون لاجئين في مشرق الأرض ومغربها قبل أن تتفجر ثورتهم ضد هؤلاء؟

ينحدر مستوى معيشة السوريين يوماً بعد يوم حتى لتخال أنهم قد وصلوا إلى حافة النهاية من كل شيء، إذ كيف يمكن للرمق الأخير أن ينفع المواطن المغلوب على أمره، وقد زاد انهيار صرف الليرة أمام الدولار من سعار موت الحياة اليومية، فبات

حوّل الأسديون حياة السوريين إلى جهنم أرضية! وفي الوقت نفسه صنع أشباه الأسديين في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام نماذج الخراب الخاصة بهم

يطوق أي انفراجة أو إمكانية للمضي قدماً في التنفس؟! كيف سيكون الحال وقد بات كل شيء يدار ببطاقة ذكية، تفتقت عبقرية موظفي الفساد اليومي فانتجوها وسوقوها بوصفها الحل السحري لغياب العدالة في توزيع المحروقات، وهاهم يمضون في جعلها عنواناً لمرحلة بيع البلاد كلها للمحتلين من إيرانيين وروس!

حوّل الأسديون حياة السوريين إلى جهنم أرضية! وفي الوقت نفسه صنع أشباه الأسديين في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام نماذج الخراب الخاصة بهم، فكانت الفصائل التي حملت السلاح لتدافع عن الثائرين أول من فتك بهم وأول من قام بالتجارة بهم! وفي إقطاعة كل فصيل كانت حاجيات النازحين هي البضاعة وتحتها يندرج سكنهم وتأمين الغذاء لهم، وحتى رغبتهم بأن يغادروا هذا الجحيم باتت جزءاً من تجارة الموت!  فصار السوريون وعلى مقلبي الموت هنا وهناك وجوهاً متشابهة!

لا يكتفي النظام باستعباد السوريين وسرقة أعمارهم وثرواتهم، وإنما يجعلهم رهائن ليقايض بهم مقابل امتيازات ليس أقلها بقاؤه واستمرار شروره!

كيف ينجو السوري من مصيره؟

ألم يحن الوقت لقليل من احتمالات النجاة؟

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى