سياسة

عن زيارة لافروف الأخيرة لسورية وخمسة سنوات على الاحتلال الروسي -تحليلات ومقالات تناولت الحدث- متجدد

==========================

——————————————-

ماكرون الروسي في دمشق/ عمر قدور

مساء الأحد وصل إلى دمشق نائب رئيس الوزراء الروسي، المسؤول عن الملف الاقتصادي يوري بوريسوف، واستقبله في المطار معاون وزير الخارجية. هذا خبر باهت جداً، كذلك هي الطريقة التي أوردته فيها وكالة الأنباء التابعة للأسد “سانا”، بخلاف ما سرّبته الأوساط الرسمية الروسية للإعلام عن الزيارة ذات الطابع الاستثنائي لوفدها المتكامل، بقيادة وزير الخارجية سياسياً، مع وجود بوريسوف للجانب الاقتصادي ومستشارين عسكريين يعوّضون تخلف وزير الدفاع عن الزيارة.

بحسب التسريبات الروسية، سيكون هناك ماكرون روسي في دمشق هو سيرغي لافروف الذي مضى على آخر زيارة له إليها ثماني سنوات، وكما أذنت زيارته تلك عام 2012 بتعميق التدخل الروسي فإن نظيرتها الأخيرة ستضع خريطة للفترة المقبلة. وعلى نحو خاص، ستضع بشار الأسد أمام استحقاقات خريطة الطريق الروسية. مثلما فعل ماكرون في بيروت، عندما اجتمع بالطبقة السياسية الحاكمة ووضعها أمام مسؤولياتها، سيضع لافروف الأسد أمام مسؤولياته حاملاً إليه تصوراً متكاملاً للإنقاذ!

لا نعلم ما إذا كانت الاعتبارات البروتوكولية الروسية قد أجّلت وصول لافروف إلى اليوم التالي “الاثنين”، وربما جعلت وزير الدفاع يتخلّف عنها كي لا يكون تحت قيادة زميله في الخارجية، لكن ما يلفت الأنظار بروتوكولياً أن معاون وزير خارجية الأسد هو الذي كان أيضاً في استقبال لافروف، وغياب الوزير وليد المعلم ليس لسبب طارئ أو قاهر إذ سيشارك لافروف المؤتمر الصحافي لاحقاً، ليعلن ألا علاقة بين الانتخابات الرئاسية المقبلة وأعمال اللجنة الدستورية لأن الانتخابات ستجري في موعدها العام المقبل، مع ترك الدستور الجديد لمناقشات اللجنة بلا أي التزام زمني. لنا أن نتذكر، في مناسبات سابقة، كيف كشف الإعلام الروسي عمّا هو نقيض بروتوكولياً، مثل منع بشار الأسد من المشي إلى جوار بوتين في مطار حميميم، أو استدعائه بل أخذه في طائرة شحن إلى روسيا، أو مثوله إلى جانب بوتين مع وجود العلم الروسي فقط. بينما الآن، في زيارة يُفترض أنها استثنائية وشاملة، لم يُستقبل الوفد الروسي في المطار بنظرائه.

لسنا نحن من يقسر الوقائع لتشبيه زيارة لافروف بزيارة ماكرون، فالتسريبات الروسية هي التي اقتبست من زيارة الأول إلى بيروت، ومنحتها أهمية بخلاف العادية “إذا لم نقل البرود” الذي تعاطى  معها الإعلام الأسدي. قد يُقال أن عدم الاحتفاء الأسدي بها دلالة إضافية على الامتعاض منها، وهو مشابه للامتعاض الذي كظمه المسؤولون اللبنانيون وهم يتلقون التقريع من ماكرون. الاحتمال الأخير لا يقوم على التسريبات الروسية فقط، بل ساهمت فيه المعارضة السورية التي أشاعت أجواء من “الإيجابية” إثر لقاء المبعوث الروسي بممثليها في هيئة التفاوض في جنيف، ونقلت عنه نصيحته لهم بالمضي في المفاوضات وتجاوز تعنت الوفد الأسدي الذي أتى إليها مرغماً بضغط من موسكو.

في العديد من المناسبات السابقة أبرزت موسكو سطوتها على سلطة الأسد، بما يفوق الواقع أحياناً، والجانب الأهم في ذلك هو القرار العسكري الذي أخضعته لتفاهماتها الإقليمية أو النكوص عنها، ثم ما شاع قبل أشهر عن ضغطها على بشار في الجوانب المتعلقة بالفساد. الجانب السياسي بقي في منأى نسبياً، والتسويف الذي أظهرته وفود بشار إلى جنيف “في الجولات الأولى ثم مفاوضات اللجنة الدستورية” كان مسنوداً بدعم روسي يلقي باللوم على المعارضة، ومدعوماً بمحاولات تهرب روسية عبر مسار أستانة، والمحاولة الفاشلة لابتداع مسار للمفاوضات في سوتشي، مع الأخذ في الحسبان التفسير المتطابق بين الجانبين للقرار 2254، تحديداً الإشارة إلى كون العملية السياسية بقيادة سورية.

عموماً كانت تفاصيل الضغوط الروسية غير معلنة، غايتها إظهار السطوة من دون البناء عليها بالتزامات روسية واضحة، بخلاف ماكرون الذي أتى ليعرض على المسؤولين اللبنانيين صفقة فيها التزامات متبادلة. لذا، في التمهيد لزيارة الوفد الروسي الأخيرة، بدت موسكو كأنها تقرأ من كتاب باريس في الترويج لدور روسي مشابه في سوريا، ولصفقة واضحة ومتكاملة مع بشار الأسد بعد سنوات من التركيز على المستوى العسكري، سواء لاستعادة المزيد من المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد أو لاكتساب قواعد عسكرية روسية وتوسيعها.

وجه التشابه الأهم بين الزيارتين وجود بلد منهار وسلطة محلية غير مبالية، مع حفظ الفوارق بين التركيبة اللبنانية الفاسدة والتركيبة الأسدية الفاسدة والدموية معاً. من أهم أوجه الاختلاف أن موسكو تدخل عصراً من الاستعمار انقضى أوروبياً، بينما تتشبه اليوم بباريس كقوة وصاية بائدة، وسيتحدث لافروف في المؤتمر الصحافي نهاية الزيارة عن انتصار يشبه انتصارات ذلك الزمن الاستعماري، ويكرر النفاق المعتاد حول سيادة البلد الذي خرج منه زميله بوريسوف بسلة من الاتفاقيات الاقتصادية لصالح حكومته.

جدير بالذكر أن أقوالاً للمبعوث الأمريكي جيمس جيفري لوفد المعارضة في اللجنة الدستورية، تطالب الوفد بالنظر إلى ما بعد بشار، ساهمت أيضاً في إشاعة أجواء إيجابية حول زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، وانتظار أن تكون زيارة تأسيسية تحت الإيحاء بوجود تفاهم روسي أمريكي. إلا أن الموسم الانتخابي الأمريكي لا يشجع على الظن بنضوج صفقة ما، فسوريا ليست في قائمة أولويات الناخب الأمريكي ليسعى ترامب إلى إبرامها بأي ثمن، وإيران “الشريك الأساسي في سوريا” تنتظر رحيله لتتنعم مع بايدن بما يمكن تسميته بعهد أوباما2.

إذاً، حدثت الزيارة وانتهت على النحو المعتاد روسياً وأسدياً. لم يقدّم لافروف ذلك الـ”ماكرون” المقلّد الذي وعدت التسريبات به، ولا عزاء خاصة للواقعين تحت سيطرة الأسد، واليائسين منه مع قليل من العشم بالأوصياء عليه. من جهتها، يبدو أن اللعبة قد استهوت موسكو لترمي كل مدة حجراً في بركة الحديث عن التغيير في سوريا، عبر تصريح على شاكلة عدم التمسك بأشخاص أو تسريب عن ضغوط تمارسها وراء الكواليس، لتنتعش بورصة التكهنات بقرب تخليها عن بشار، وليخرج كل مرة لافروف ضاحكاً كلافروف الذي نعرفه لا أكثر ولا أقل. 

المدن

——————————

4 نصائح روسية إلى «الحليف السوري الصعب»/ إبراهيم حميدي

قبل أسابيع، قال مسؤول أميركي، إنه على الرئيس فلاديمير بوتين أن يسأل نفسه بعد مرور خمس سنوات على التدخل المباشر لجيشه: هل يريد أن تكون سوريا في 2025 كما كانت في 2020؟

لا شك أن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، تأتي انطلاقاً من هذا السؤال، حيث حمل معه إغراءات اقتصادية ونصائح دبلوماسية إلى «حليفنا الصعب»، على أمل الوصول إلى إجابات مختلفة عما يريده بعض المسؤولين السوريين. عليه، كما كانت زيارة وزير الخارجية سيرغي لافروف ومسؤولين استخباراتيين في بداية 2012، بداية حماية «الحلفاء» في دمشق بالوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وكما كان التدخل في نهاية سبتمبر (أيلول) 2015، بداية التدخل العسكري لـ«إنقاذ النظام» ودمشق، فإن «الزيارة المفصلية» الراهنة أمس، هي بداية الانتقال من العمل العسكري في الأطراف السورية إلى السياسة والاقتصاد والدبلوماسية في قلب دمشق وتمهيد الطريق إلى مخرجات مختلفة في سوريا.

قبل أن يغادر الوفد الروسي بلاده، أجرى في الأيام والأسابيع الأخيرة سلسلة مشاورات للوقوف على حصيلة الموقف من الملف السوري؛ كي يحمل معه أربع نصائح روسية إلى «الحليف الصعب»:

«سيف أميركي»

بداية، أظهرت الاتصالات مع الجانب الأميركي نقاطاً عدة. دخلت واشنطن في مرحلة الثبات الانتخابي، وهي بصدد مرحلة معقدة بسبب الانتخابات الرئاسية في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن ليست هناك مؤشرات جدية إلى انسحاب الجيش الأميركي من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك لو فاز جو بايدن بالانتخابات.

كل المؤشرات الآتية إلى موسكو، تدل إلى أن الأسابيع المقبلة ستشهد صدور قوائم جديدة من العقوبات الأميركية بموجب «قانون قيصر». كانت شملت الرئيس بشار الأسد وزوجته وابنه وكبار مساعديه ورجال الأعمال، وستشمل رجال أعمال ونواباً ومسؤولين عسكريين في قوائم ستصدر قريباً وفق ما بات يعرف بـ«سيف قيصر». أيضاً، «قانون قيصر» هو قانون تشريعي وعليه إجماع من الكونغرس والمؤسسات السياسية والعسكرية في واشنطن. أي، أن العقوبات هي أمر واقع في الفترة المقبلة. لذلك؛ فإن التنسيق بين موسكو ودمشق ضروري لمواجهتها. هنا، تشير معلومات إلى أن الجانب الروسي حمل في جعبته إغراءات مالية واقتصادية، بينها قروض أو منح بمليارات الدولارات الأميركية لإعطاء أوكسجين إلى دمشق يساعدها في الفترة المقبلة، ويخفف عبء الأزمة الاقتصادية وسعر صرف الليرة السورية.

«هلال إيراني»

مقابل هذه الإغراءات، «نصحت» موسكو دمشق بضرورة «مساعدتنا كي نساعدكم» بكسر العزلة الدبلوماسية – السياسية وبدء عملية إعادة الأعمار. كيف؟ الإقدام على بعض الخطوات الملموسة المتعلقة بترتيب البيت الداخلي وإجراء إصلاح دستوري وفق القرار 2254. لكن أيضاً، إعادة تموضع جيو – سياسي يتعلق بالعلاقة مع إيران وتخفيف دور سوريا في «الهلال الإيراني» الذي يمتد من طهران إلى بغداد، ودمشق وبيروت ويتعرض لضربات إسرائيلية بموافقة أميركية وصمت روسي. بين ذلك، ضمان تنفيذ الاتفاق الروسي – الأميركي الذي تضمن إبعاد إيران عن جنوب سوريا. كل هذا، يمهد الطريق أمام دول عربية وأوروبية لـ«تطبيع» العلاقات والمساهمة في إعمار سوريا.

أيضاً، يتضمن ذلك، أن تقبل دمشق التفاهمات بين موسكو وواشنطن حول شرق الفرات وبين موسكو وأنقرة حول شمال غربي سوريا. أي، أن ترضخ الرغبات السورية لسقف التفاهمات الاستراتيجية الكبرى بين تركيا وروسيا، التي تخص ملفات أكبر بكثير من خطوط التماس في شمال غربي سوريا. أغلب الظن، بمجرد فتح طريق حلب – اللاذقية وطريق حلب – دمشق، بفضل الدوريات العسكرية الروسية – التركية والتدريبات المشتركة، فإن الجمود سيستمر في «مثلث الشمال» على الأقل، هذا ما تريده موسكو. هي كانت استعدت لزيارة لافروف السورية، بأن استقبلت وفداً تركياً للوقوف على آخر مستجدات هذا الملف وتطبيق اتفاق موسكو الذي أبرم في بداية مارس (آذار) الماضي.

اللامركزية

ضمن جمع أدوات «الإقناع» إلى «الحليف الصعب»، استضافت موسكو توقيع اتفاق بين إلهام أحمد، رئيسة «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا، وقدري جميل، رئيس «حزب الإرادة الشعبية» المدعوم من موسكو. بعد الاتفاق التقى لافروف أحمد وجميل. اللافت، أن الاتفاق نص على أن «سوريا الجديدة… دستورها ديمقراطي يحقق صيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية (…) والمركزية في الشؤون الأساسية (الخارجية، الدفاع، الاقتصاد)»، والتأكيد على «حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية». كما نص على أن «الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية العامة التي ينحصر بها حمل السلاح ولا تتدخل بالسياسة. وينبغي على أن تكون (قوات سوريا الديمقراطية) منخرطة ضمن هذه المؤسسة على أساس صيغ وآليات يتم التوافق عليها».

هذا الاتفاق، الذي تضمن عنصري «اللامركزية» وعلاقة «قوات سوريا الديمقراطية» بالجيش السوري، أبلغ لافروف، أحمد وجميل دعمه الكامل له، وأنه سينقل مضمونه إلى دمشق.

سوريا الجديدة

«سوريا الجديدة» التي تحدث عنها الاتفاق بين حليفي موسكو وواشنطن، تريد روسيا الوصول إليها عبر تنفيذ القرار 2254. بوابة تنفيذ هذا القرار، هي اللجنة الدستورية. لكن الواضح، أن دمشق لم تكن بصدد الانخراط الجدي في هذا المسار. في الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة في جنيف قبل أسبوعين، غيّر وفد الحكومة من شكليات ممارساته، لكنه لم يغيّر من جوهرها. الوفد، رفض أن يسمّي نفسه بـ«وفد الحكومة» أو «المدعومة من الحكومة»، بل إنه انقلب على الاتفاق السابق مع «هيئة التفاوض» المعارضة حول «القواعد الاجرائية»، وأكد أنه «كيان مستقل»، ضمن سياسة ترمي إلى شراء الوقت وصولاً إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في منتصف 2021. دمشق تريد أن تجرى الانتخابات وفق الدستور الحالي، لتؤجل النقاش حول الدستور إلى ما بعدها. كما أنها متمسكة بعرض نتائج عمل اللجنة على استفتاء عام.

المبعوث الأممي غير بيدرسن ذهب إلى موسكو بعد الجولة الثالثة وأطلع لافروف ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على نتائج اجتماعات اللجنة التي كان شاهداً على عملها مستشار روسي من داخل القاعة، على أسلوب عمل وفد الحكومة السورية. أيضاً، وعد لافروف بنقل ذلك إلى «حليفنا الصعب» في دمشق. ويُعتقد أن «النصيحة الروسية» ستكون بتغيير أسلوب التعاطي مع اجتماعات اللجنة الدستورية وتسريع عملها لتحقيق اختراقات قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

عليه، ستكون الأيام والأسابيع المقبلة اختباراً لمدى استماع دمشق إلى «النصائح» الروسية وما إذا كان سلوكها سيكون مختلفاً عما قاله دبلوماسي روسي سابق «دمشق تأخذ منا كل شيء إلا النصيحة».

الشرق الأوسط

———————————

موسكو والنظام السوري: ملفات القلق ونفاد الصبر

رأي القدس

استقبلت العاصمة السورية وفداً حكومياً روسياً ترأسه يوري بوريسوف نائب رئيس مجلس الوزراء وانضم إليه لاحقاً وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يعود إلى سوريا بعد غياب دام ثماني سنوات. وأعلنت سانا وكالة أنباء النظام الرسمية أن هدف الزيارة هو متابعة مباحثات اللجنة السورية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي، التي كانت قد انعقدت في موسكو وترأسها عن الجانب السوري وزير خارجية النظام وليد المعلم.

لكن حضور بوريسوف يشير إلى مغزى أعمق من مجرد متابعة تلك الجولة الأولى، ذلك لأنه رجل الكرملين بصدد مشروعات الاستثمار الاقتصادي للوجود العسكري الروسي في سوريا، الذي كان قد بدأ في خريف العام 2015 واتخذ صيغة عمليات قصف جوية وبحرية وإقامة قاعدة جوية في حميميم قرب اللاذقية على الساحل السوري، وأسهم بأشكال متعددة في إنقاذ النظام السوري من هزائم مريرة على جبهات عديدة، ومنع سقوط دمشق باعتراف لافروف نفسه.

وكان بوريسوف قد زار دمشق أواخر العام الماضي واجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وأعلن توسيع الاستثمارات الروسية في سوريا لتشمل 500 مليون دولار في ميادين متعددة، بينها تطوير مرفأ طرطوس الذي حصلت موسكو على حقوق استثماره لمدة 49 سنة، ومدّ خط نقل حديدي يربط موانئ الساحل السوري بموانئ البصرة في العراق، وإقامة صوامع حبوب تتيح تخزين الحبوب الروسية وتصديرها. كذلك كانت زيارة بوريسوف قد مهدت الطريق أمام شركة سترويترسانغاز الروسية التي يرأسها غينادي تيمشنكو صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للبدء في أعمال التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري ومناطق أخرى، حيث بدأت عمليات الاستكشاف فعلياً.

على الجانب السياسي تؤكد مشاركة لافروف في الوفد، إلى جانب مساعده ميخائيل بوغدانوف المختص بالملف السوري تحديداً، أن موسكو ترى ضرورة عاجلة في بحث جملة من القضايا السياسية، مثل موضوع الدخول الأمريكي على خط الحوارات الكردية الكردية، وترتيبات الشمال السوري لجهة استثمار النفط خصوصاً، وأوضاع شرق الفرات عموماً. كذلك سوف ينقل لافروف مقترحات تركية جديدة بصدد منطقة إدلب كما تردد في الصحافة الروسية، وسيحمل تصورات المبعوث الأممي غير بيدرسن حول أعمال اللجان الدستورية، بعد اجتماع عقده في موسكو مع لافروف وزميله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.

ومن الواضح أن هذا الوفد الحكومي الروسي هو الأرفع منذ زيارة بوتين القصيرة إلى دمشق مطلع هذا العام، مما يعني أن موسكو تعلق عليها أهمية خاصة في الظروف الراهنة تحديداً، سواء لجهة مشهد الاستثمارات الروسية في سوريا، أو التسخين الميداني الإسرائيلي الإيراني عبر الغارات الإسرائيلية المتعاقبة في مختلف الأراضي السورية، أو التوتر السائد شرق المتوسط والتي تتعلق أيضاً بمستقبل تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا. وقد يكون المحتوى الأهم هو أن موسكو أخذت تضيق ذرعاً بابتعاد آجال استثمارها الأكبر، أي فوز الشركات الروسية بحصة الأسد في المليارات التي سوف تخصصها الجهات الدولية المانحة على سبيل إعادة إعمار سوريا.

وليس اختلاط كبار ممثلي الاقتصاد والسياسة الخارجية في تركيبة الوفد الحكومي الروسي الذي زار دمشق سوى الدليل الأحدث على حساسية الملفات التي تقلق موسكو، وأما الزمن القصير الذي استغرقته الزيارة فهو المؤشر على نفاد صبر الكرملين خاصة في أجواء الاحتقان المحلية والإقليمية والدولية.

القدس العربي

——————————–

لافروف في دمشق وسوريا تحترق/ بكر صدقي

حمّلت وسائل الإعلام زيارة الوفد الروسي إلى دمشق برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف الكثير من التوقعات غير الواقعية، خلاصتها أن موسكو تريد أن تمارس ضغوطاً «جدية» على نظام الأسد الكيماوي من أجل تحقيق تقدم في المسار السياسي، وتحقيق استقرار في الوضع الأمني في شمال غرب سوريا (محافظة إدلب والمناطق المجاورة). غريبة هي الأسباب التي استندت إليها تلك التوقعات الغريبة بدورها، ويمكن حصرها في أنها أول زيارة للافروف إلى دمشق منذ العام 2012، وأنه يرأس وفداً متعدد الاختصاصات، سياسي واقتصادي وعسكري. وفي غياب أي إعلان أو تسريبات عما دار في لقاءات تلك الوفود، لا يبقى أمامنا سوى المؤتمر الصحافي الذي أعاد الأمور إلى نصابها حين اتفق كل من وليد المعلم ولافروف على أن «الانتخابات الرئاسية هي شأن سيادي سوري»! وأنها ستجري في موعدها في منتصف العام القادم، مع تأكيد الوزيرين على أنه لا سقف زمنياً لعمل اللجنة الدستورية الذي يعرقل وفد النظام غير الممثل للنظام تحقيق أي تقدم فيه.

على رغم هذه الخلاصة غير المفاجئة يبقى أنها زيارة مهمة، ليس لأن لافروف «نزل إلى دمشق» بكل ثقله بعد غياب طويل، ولا لأن الوفد متعدد الاختصاصات، بل لمجرد أنها حدثت. فقد جرت العادة أن يتم شحن السفاح السوري بشار الأسد إلى موسكو إذا أراد صاحب القرار فلاديمير بوتين أن يملي عليه تعليمات مهمة، أو أن يستدعيه إلى إحدى القواعد العسكرية الروسية على الأراضي السورية ليهينه بروتوكولياً ويملي عليه ما يريد. بعكس التوقعات فزيارة لافروف إلى دمشق ما كان لها أن تنطوي على تغييرات كبيرة من نوع ممارسة الضغط على الحليف التابع، بل وضع خطط عمل تنفيذية ومراقبة التنفيذ لقرارات سبق واتخذها سيد الكرملين. من المحتمل، بالنظر إلى تركيبة الوفد الروسي، أن الجانب الاقتصادي كانت له أولوية على غيره من الجوانب، فالمأزق الكبير الذي يغرق فيه الاقتصاد منذ سنة على الأقل، وازداد قتامةً بعد بدء تطبيق العقوبات الأمريكية في إطار قانون قيصر، وتلاشي الأمل باستعادة السيطرة على حقول النفط في الشمال الشرقي بعد توقيع الاتفاق بشأنها بين الإدارة الذاتية وإحدى الشركات الأمريكية، يرغم المحتل الروسي على البحث عن مخارج من هذا المأزق.

سياسياً، قد يكون الأمر الواقع الموجود في الشمال الشرقي تحت المظلة الأمريكية هو ما شكل الموضوع الرئيسي في مباحثات الوفد الروسي، وبصورة خاصة الاتفاق الذي تم توقيعه في موسكو بين مجلس سوريا الديمقراطية ومنصة موسكو لصاحبها قدري جميل، وتضمن نقاطاً لا يمكن للنظام أن يقبل بها إلا بإرغام روسي.

فهذا الاتفاق المفاجئ الذي يمكن قراءته كاتفاق أمريكي ـ روسي بالوكالة، يعني أن المنطقة المذكورة ستبقى خارج سيطرة النظام لفترة غير محددة، وتشكل نوعاً من ورشة عمل دائمة لتغيير طبيعة النظام انطلاقاً من جزء من الأراضي السورية. بكلمات أخرى، وبشرط أخذ البنود المعلنة للاتفاق على محمل الجد، تتشكل «سوريا أخرى» في شرقي الفرات قد تكون نموذجاً للنظام في سوريا بكاملها، وذلك بصرف النظر عن رأي مختلف الأطراف المعنية بتلك السوريا الأخرى وموقفهم منها، ونعرف أنها موضوع جدلي بين مختلف جماعات السوريين، وليس فقط القوى السياسية أو العسكرية أو الدول المنخرطة. من نافل القول أن هذا التثبيت لا ينطوي على أي تفاؤل بشأن «المشروع» المشار إليه، بل يكتفي بقراءة مجردة للاتفاق بين «مسد» وقدري.

من السابق لأوانه الحديث عن توافق أمريكي ـ روسي بشأن مصير سوريا، انطلاقاً من اتفاق موسكو المذكور بين وكلائهما، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باتت على الأبواب، ولا يمكن توقع اتفاق روسي ـ أمريكي شامل بشأن سوريا، قبل انتهاء الانتخابات، وقد يستمر الانتظار إلى ما بعد الشهر الأول في حال فاز جو بايدن بمنصب الرئاسة، وهو ما ترجحه استطلاعات الرأي إلى الآن. أي أن الاستنقاع في المسار السياسي مستمر لبضعة أشهر قادمة، هذا إذا كان له أن يشهد تحريكاً بعدها، ومن غير أن يعني أن توافقاً أمريكياً روسياً محتملاً، بعد أشهر، سوف يحقق تطلعات السوريين، بل سيحقق مصالح الأطراف المتوافقة.

في غضون ذلك تستمر المعاناة الرهيبة للسوريين، سواء في مناطق سيطرة النظام وسجونه ومعتقلاته الفظيعة، أو في المخيمات داخل الأراضي السورية وخارجها، أو في مناطق سيطرة «قسد» أو الميليشيات المدعومة من تركيا، أو في مناطق سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام وأمثالها، معاناة مركبة تشمل تجبر قوى الأمر الواقع، وانخفاض القدرة الشرائية لعموم السوريين إلى مستويات مرعبة، وتسارع انتشار وباء كورونا، لتنضاف إليها أخيراً حرائق الغابات.

كل ذلك ليس في وارد تفكير الدول المنخرطة في الصراع السوري، ولا في وارد قوى التسلط التي تحكم بقوة السلاح. ولن تكون زيارة الوفد الروسي، بصورة مخصوصة، معنية به.

كاتب سوري

القدس العربي

————————————-

حرائق اللاذقية..هدية الأسد للوفد الروسي؟/ عقيل حسين

“بعد كل زيارة يقوم بها بوريسوف إلى دمشق نكون بانتظار تخلي النظام عن جزء من الوطن لصالح روسيا”. هكذا علق أحد السوريين على وصول نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف إلى دمشق مساء الأحد، مستقباً الوفد السياسي والعسكري والاقتصادي الروسي الذي حط في مطار العاصمة السورية صباح الاثنين، بقيادة وزير الخارجية سيرغي لافروف.

ورغم الأبعاد السياسية الواضحة لزيارة هذا الوفد الكبير، إلا أن الجانب الاقتصادي يحضر بقوة، سواء من حيث تركيبة الوفد، حيث يتواجد فيه مسؤولون اقتصاديون كبار، على رأسهم بوريسوف بطبيعة الحال، الذي يعتبر مساعد رئيس الحكومة الروسية لشؤون الاقتصاد، أو من حيث الملفات المجدولة على برنامج عمل الوفد، والتي تم الكشف عنها من خلال تصريحات الجانبين الروسي والسوري.

وبحسب وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا”، فإن الوفد الروسي سيجري مباحثات اقتصادية مع المسؤولين في دمشق “بهدف استكمال مباحثات اللجنة السورية-الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين”.

الحضور القوي للملف الاقتصادي في هذه الزيارة عادت وأكدت عليه صحيفة “الوطن” التي تصدر في دمشق، التي قالت “إن الزيارة تأخذ طابعاً اقتصادياً وسياسياً، إذ ترفض موسكو العقوبات المفروضة على سوريا، وتعمل على إلغائها أو التخفيف منها، من خلال مساعدات واتفاقيات توقعها مع الجانب السوري”.

وكانت اللجنة الروسية-السورية المشتركة قد عقدت اجتماعها السابق، وهو الثاني عشر لها، في موسكو نهاية العام الماضي، برئاسة كل من وليد المعلم وبوريسوف ذاته. ورغم أنها رفعت  الشعارات نفسها ، “التخفيف من العقوبات الاقتصادية وتقديم المساعدات للشعب السوري” إلا أن أياً من ذلك لم يحصل، فاستمر تدهور الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وواصلت الليرة انخفاضها، ما أدى لارتفاع مستويات التضخم ومعدلات الفقر والبطالة وغير ذلك من مظاهر الانهيار المتواصل في الاقتصاد السوري.

وقبل الاجتماع الأخير لهذه اللجنة في كانون الأول/ديسمبر 2019، كان يوري بوريسوف قد زار دمشق والتقى برئيس النظام بشار الأسد، حيث ناقش الاثنان “بعض المواضيع المهمة، وعلى رأسها الملفات المتعلقة بتحقيق المشاريع الكبرى التي ستستخدم في إعادة بناء الاقتصاد السوري، بما فيها مشاريع إعادة البنى التحتية للمطارات السورية والسكك الحديدية والطرق العامة” حسب تصريح أدلى به بوريسوف عقب ذلك اللقاء.

وبالطبع لم يشاهد السوريون أياً من هذه المشاريع التي أعلن عنها المسؤول الروسي، لكن الشيء الوحيد الذي تمت ترجمته عملياً من كل نقاشات اللجنة المشتركة هو تنازل النظام لاحقاً عن مساحات إضافية للروس، من أجل توسيع قاعدة حميميم في ريف اللاذقية.

ورغم أن الكشف عن هذا التنازل جرى في شهر آب/اغسطس الماضي، إلا أن كل المعطيات تؤكد أن الإعلان عنه جاء تتويجاً لخطوات عديدة سبقت وضعه حيز التنفيذ.

ففي 21 تموز/يوليو، تم التوقيع رسمياً بين الجانبين على اتفاق تنازل حكومة النظام عن ثمانية هكتارات من الأراضي ومساحات غير محددة من المياه في البحر المتوسط لصالح روسيا “من أجل توسيع قاعدة حميميم العسكرية”.

لكن هذا الاتفاق لم يكن سوى الإجراء العملي للمرسوم الصادر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نهاية أيار/مايو الماضي، وفيه فوّض وزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية، بغية تسليم العسكريين الروس منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا.

وحسب المعطيات، فإن هذا المرسوم لم يأتِ إلا بعد إنجاز موسكو دراسة معمقة للموقع الجغرافي والمساحة المطلوبة لتنفيذ هذه “التوسعة” المعلنة للقاعدة العسكرية، بعد أن كان الاتفاق على منح الروس ما يريدونه على هذا الصعيد قد جرى خلال الاجتماع الثاني عشر للجنة الروسية-السورية المشتركة، في الشهر الأخير من العام الماضي.

هذه هي النتيجة الوحيدة إذاً التي خرج بها السوريون من اجتماعات تلك اللجنة، التي يفترض أنها شكلت لتحقيق انجازات اقتصادية وتنموية تنعكس ايجاباً على واقع المواطن السوري في مناطق سيطرة النظام. ولذا فإن الكثيرين من حاضنة النظام الشعبية، بمن فيهم العلويون في الساحل السوري، لا يبدون أي اهتمام بزيارة الوفد الروسي، بينما يتخوف من يهتم منهم بهذه الزيارة من أن تكون مقدمة لتنازل جديد يقدمه النظام لحليفته روسيا.

وما يجعل هذه الخشية أكثر واقعية، هو اندلاع الحرائق في غابات سوريا الساحلية، منذ خمسة أيام، وهي مناطق يسكنها العلويون، وسط اتهامات للنظام وروسيا بعدم التحرك الجدي لاحتواء الكارثة، ما جعل الكثيرين يتكهنون بأن الحريق مُفتعل، وأنه يأتي لخدمة مصالح موسكو في هذه المنطقة، وأن النتيجة القادمة لاجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة هو تنازل حكومة النظام عن المساحات التي التهمها الحريق الأخير لصالح روسيا.

والواقع أن هذه النظرية لا تبدو واردة فحسب، بل وعليها من القرائن ما يجعلها ممكنة جداً، وأهم هذه القرائن بالطبع أن الحرائق طالت غابات في مناطق محيطة وقريبة من قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية في ريف اللاذقية الشمالي، وهي منطقة اصطياف وسياحة محلية سورية بامتياز، تتسم بطبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل، وكانت وجهة رئيسية للسوريين من مختلف أنحاء البلاد خلال فترات الصيف، ما قبل أعوام الحرب، بالإضافة إلى السياح العرب والخليجيين تحديداً.

وما لا يمكن تجاوزه هنا هو الاهتمام الروسي الشديد بالاستثمار في قطاع السياحة والاصطياف، الذي لطالما عبر عنه المسؤولون ورجال الأعمال الروس منذ تدخّل بلادهم العسكري في سوريا عام 2015، حيث اعتُبر الاستحواذ على هذا القطاع إحدى المكافآت المهمة التي تنتظر شركات الاستثمار الروسية مع انتهاء الحرب (المفترض) في سوريا بفضل هذا التدخل.

وعليه، لا يستبعد السوريون بمختلف توجهاتهم السياسية، وبمن فيهم مؤيدو النظام، أن يكون الحريق الذي اندلع في الغابات الساحلية وفي منطقة مصياف (حماة) وجبال حمص تمهيداً لدخول شركات السياحة الروسية إلى هذه المناطق، خاصة وأن القوات الروسية المتمركزة هناك لم تتحرك لمساعدة الدفاع المدني السوري في السيطرة على الحريق، بينما كانت موسكو قد عرضت خدماتها على اسرائيل خلال حرائق الغابات التي وقعت في الأراضي المحتلة عام 2016، وأن كل ما حدث هو النتيجة المسبقة للاجتماع المنتظر لهذه اللجنة.

———————————————-

ما لم يقله لافروف/ عقيل حسين

غادر الوفد الروسي دمشق مخلفاً وراءه الكثير من الأسئلة والتحليلات والتكهنات حول نتائج لقاءاته مع مسؤولي النظام السوري، خصوصاً على الصعيد السياسي، بعد أن سبق وصوله كثير من التوقعات أيضاً.

وبالنظر إلى تصريحات الجانبين في المؤتمر الصحافي الذي عُقد الاثنين، فإن معظم التوقعات التي استبقت وصول الوفد الروسي لم تكن صائبة، وخاصة تلك التي صدرت عن المعارضة، التي كانت تنتظر نتائج مغايرة تماماً لما تم الإعلان عنه في هذا المؤتمر.

فمع الإعلان المفاجئ عن توجه نائب رئيس الحكومة الروسية ووزير خارجيتها إلى دمشق، توقع الكثير من المعارضين أن يكون في جعبة الضيوف الروس رسائل حازمة ومطالب صريحة يضعونها أمام النظام، لجهة الانخراط الجدي في مفاوضات الحل السياسي، بما يتجاوز حتى اللجنة الدستورية إلى البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.

اعتمد المعارضون الذين كانوا يتوقعون ذلك على ما رافق الجولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية من أجواء ايجابية واهتمام روسي بالغ بها. كما منحت تصريحات المبعوثين الأميركيين على هامش جنيف، جرعة أمل إضافية للمعارضة.

وعليه، توقع جزء كبير من المعارضة أن يقول سيرغي لافروف للأسد في دمشق أنه لم يعد بالإمكان حمايته سياسياً أكثر من ذلك، وأن موسكو لن تستطيع انتشاله من أزمته الاقتصادية المتفاقمة .. لكن ما حدث أن الروس كانوا ملكيين أكثر من الملك، عندما باركوا للنظام فوز قائمته بانتخابات مجلس الشعب، وأكدوا على حق النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية القادمة منتصف العام المقبل، مشددين على أنه لا يمكن وضع جدول زمني لانتهاء أعمال اللجنة الدستورية، التي اعتبرها لافروف بالنهاية بديلاً عن هيئة الحكم الانتقالي.

لكن الصدمة لم تتوقف هنا، بل امتدت لتشمل الملف الاقتصادي الذي كان حاضراً وبقوة على طاولة البحث بين النظام والوفد الروسي، وأنتج أربعين اتفاقية.

ورغم أن الطرفين اكتفيا بالكشف عن جانب وحيد منها، ويتعلق باستخراج واستثمار النفط والغاز من المياه الاقليمية السورية في البحر المتوسط، إلا أن الحديث يدور أيضاً عن حزمة مساعدات واسعة وسخية وعدت موسكو النظام بها لمساعدته على تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة.

لا يعرف أحد حتى الآن ما الذي طلبته روسيا مقابل ذلك، لكن ما يثق به الجميع أن النظام سيكون موافقاً على كل الشروط والمطالب الروسية، طالما أنها لا تشمل إلزامه بتقديم تنازلات سياسية للمعارضة، إذ يمكن لموسكو أن تستحوذ على الثروات الباطنية والموارد الطبيعية والمنشآت والبنى التحتية، من مطارات وموانئ ومنتجعات سياحية وامتيازات بلاحدود، هي في النهاية كل ما تريده روسيا من سوريا، ولا يمكن أن تتصور أن المعارضة ستقدم لها عرضاً أفضل لو تسلمت دفة الحكم في البلاد.

لكن هل تستطيع موسكو بالفعل ترجمة كل هذا المكاسب عملياً في ظل التشدد الأميركي الواضح في تطبيق “قانون قيصر” ومجمل العقوبات المفروضة على النظام؟

سؤال لا تبدو الإجابة عنه بهذه السهولة، وقد لا تكون هناك إجابة واحدة عليه، فمن المحتمل أن هناك جوانب يمكن للروس أن يستفيدوا منها بالفعل، وجوانب أخرى لن يكونوا قادرين على تجاوزها، خاصة مع سيطرة قوات التحالف الدولي التي تقودها أميركا على مساحات واسعة من الأراضي السورية، تضم موارد الطاقة والثروة الزراعية، وبيد واشنطن وحدها سيكون تقرير ما إذا كان بامكان الإدارة الذاتية التي تدير هذه المناطق تنفيذ اتفاقاتها المبدئية التي وقعتها مع الروس في موسكو الأسبوع الماضي، والتي لا يوجد شك في أنها كانت أحد أسباب الزيارة المفاجئة للوفد الروسي إلى دمشق.

لكن ما الذي جعل الكرملين يوفد وزير خارجيته إلى سوريا بعد انقطاع ل8 سنوات لولا أن هناك ما يستدعي ذلك؟

كل ما قيل في المؤتمر الصحافي الذي عقده مسؤلو النظام وضيوفهم الروس في دمشق لا يعني شيئاً مهماً، فالمهم هو ما لم يُقل في هذا المؤتمر، وزيارة رئيس الديبلوماسية الروسية الأولى إلى دمشق لا شك أنها تحمل رسالة واضحة للجميع مفادها أن المرحلة العسكرية في الملف السوري انتهت، وأنه الآن، وفقط الآن بدأت وبشكل جدي مرحلة العمل السياسي، وعليه يجب على المعارضة أن تعدّ نفسها لمفاوضات حقيقية قد تطول أو تقصر، لكنها في النهاية ستحمل ما هو جديد، حسب أصحاب هذه الرؤية.

المدن

——————————–

لافروف السوري/ بسام مقداد

قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى سوريا ، سربت مصادر دبلوماسية روسية إلى مراسلين عرب في موسكو نبأ الزيارة ، وحرصت على الا تنشر في المواقع الرسمية الروسية أية إشارة إليها . والتسريبات الروسية لم تكن تسبق لا زيارات بوتين ولا زيارات وزير الدفاع سيرغي شويغو ، بل كان يتم الإعلان عنها بعد حصولها . طبعاً ، لا يمكن القول بغياب الهاجس الأمني لزيارة لافروف ، وهو ما يستحيل في سوريا ، حتى للمواطن العادي ، لكن التسريبات بشأن زيارة لافروف كانت تهدف ، كما يبدو ، إلى لفت انتباه الجمهور العربي إلى أن الزيارة قد تكون المرحلة الأولى في انتقال الملف السوري من وزارة الدفاع ومخابراتها إلى وزارة الخارجية . وكانت التسريبات الأولى تشير إلى مشاركة وزير الدفاع سيرغي شويغو في الزيارة ، لكنه عاد وسقط إسمه من عداد الوفد ، من دون اي تفسير رسمي ، واقتصر على المستويين السياسي والإقتصادي .

الإعلام الروسي الرسمي من جهته ، لم يولِ الزيارة إهتماماً يُذكر ، ما عدا ذكر أخبارها ، وذلك على العكس من الإعلام العربي ، حتى أن وكالة نوفوستي لم تلجأ ، كعادتها ، إلى خبراء وكتاب سياسيين ومستشرقين للتعليق على الزيارة . ومن بين الصحف الفيدرالية المركزية قامت صحيفتا الإزفستيا ، التي كانت مشهورة يوماً ما ، وصحيفة كومسومولسكايا برافدا ، التي توصف بالصفراء ، بنشر مقالتين مقتضبتين حول الزيارة ، في حين نشرت صحيفة القوميين الروس “SP” مقالة لأحد السوريين ، الذي يبدو أنه من المعارضة ، بعنوان “سوريا : متى يحل السلام” ، لا تضيف للقارئ السوري أو العربي شيئاً جديداً يستحق التوقف عنده.

صحيفة الإزفستيا نشرت يوم الزيارة في 7 من الجاري بعنوان “لماذا سافر سيرغي لافروف إلى سوريا” ، أتبعته بعنوان إضافي : هي الزيارة الأولى إلى سوريا  لوزير الخارجية الروسي خلال السنوات الثماني المنصرمة . وترى الصحيفة  ، إستناداً إلى خبراء استضافتهم ، أن الزيارة كانت مهمة وفي وقتها ، وتقول بأنها جاءت في اللحظة ، التي أصبح فيها الإنتقال السياسي في سوريا واقعياً للغاية . وتناول لافروف في محادثاته مع القيادة السورية المسائل الإشكالية ، مثل تنظيف محافظة إدلب من الإرهابيين ، وعمل اللجنة الدستورية في جنيف . ولفت لافروف إلى أن الوضع في سوريا يتجه إلى الهدوء تدريجياً ، مما يعني أن الأولوية ، التي تتقدم المشهد هي إعادة إعمار ما بعد الحرب ، مع استنفار المساعدات الدولية . وتتطرق الصحيفة إلى موقف لافروف من عمل اللجنة الدستورية في جنيف ، التي اعتبر أن لا مواعيد زمنية محددة لعملها و”لا يمكن أن يكون” ، وإلى موقفه من الإنتخابات الرئاسية القادمة ، التي اعتبر بأنها مسألة تخص الحكومة السورية .

وتنقل الصحيقة عن مستشرق روسي تأكيده ، بأنه قد حان الوقت لضبط الساعة السورية على الساعة الروسية ، ولذا نضجت ضرورة ذهاب لافروف بنفسه إلى سوريا . ويقول المستشرق ، أن المحادثات تطرقت إلى الوضع في إدلب ، وإلى عمل اللجنة الدستورية والإقتصاد السوري ، ويرى من المهم أن لافروف أكد بشأن إدلب الإلتزام بعملية أستانة ، وأشار إلى نجاح التعاون بين أطرافها الثلاثة ـــــــــ إيران وروسيا وتركياـ ــــــــــ بغض النظر عن الفروقات في مقاربتها للوضع السوري . ويرى هذا المستشرق أن من المهم أن موسكو أكدت على أن عمل اللجنة الدستورية غير مرتبط “بأي شكل من الأشكال” بإجراء الإنتخابات الرئاسية السورية في العام القادم .

الخبير الآخر ، الذي تستشيره الإزفستيا ، هو فيتشسلاف ماتوزوف ، المعروف بتعدد الأوصاف ، والذي تسميه الصحيفة الآن “المستشرق والدبلوماسي السابق . يقول ماتوزوف ، أن زيارة وزير الخارجية الروسي جاءت في وقتها ، مختتمة الصراع الرئيسي مع الإرهاب . ويعتبر أن سوريا اصطدمت بعدم استقرار يهدد وحدة اراضيها ، ولذا برزت الحاجة إلى تطبيق الإتفاقات ، التي تم التوصل إليها في كل من أستانة وسوتشي وأنقرة وموسكو بشأن التسوية السورية .

صحيفة كومسومولسكايا برافدا المخضرمة والباقية بدورها من الحقبة السوفياتية كما  الإزفستيا ، اعتبرت الزيارة “مفاجئة” ، وقالت بأنها أحدثت ضجة في السياسة الدولية ، وبأنها أتت بعد ثماني سنوات على آخر زيارة للوزير لافروف إلى دمشق ، ولذا هي “حدث مميز” . لكنها قالت ، بأن تصريحات  وزير الخارجية في ختام اللقاء مع الأسد كانت عادية ، اتسمت باقصى الدبلوماسية ، ولم تحمل أية مفاجآت . وتقول بأن لافروف أصر على الإلترام بسيادة سوريا ، وبأن موسكو  ، تفليدياً ، تمنح جميع المشاركين في العملية السياسية في سوريا مساحة للحوار ، أي أنها التزمت الخط نفسه ، الذي تلتزمه منذ العام 2015 ، لحظة قيام القوات الروسية “بتقديم المساعدة للشعب السوري الشقيق” في صراعه مع الإرهاب الدولي.

لكن زيارة لافروف تحمل بدون شك ، بعداً حيوسياسياً، براي الصحيفة .  فمنذ شهر ، في 4آب/أغسطس تحديداً ، حصلت شركة نفط أميركية كببرة على حق استخراج النفط من شمال شرق سوريا ، الذي يقع تحت سيطرة الأكراد ، الذين لا يعترفون بسلطة دمشق ، وينحازون إلى الولايات المتحدة . وتنقل الصحيفة عن الصحافي الدولي والخبير في شؤون الشرق الأوسط ، على قولها، عباس جمعة (سوري من اللاذقية وخريج جامعة الصداقة الشهيرة) بأن العقد مع الشركة الأميركية تمت مناقشته ، على الأرجح ، في لقاء لافروف الأسد .

ويأتي جمعة على ذكر المحادثات ، التي جرت في موسكو منذ مدة قريبة ، بين “مجلس سوريا الديموقراطية” (مسد) ، وحزب قدري جميل “الإرادة الشعبية” ، يأسف لأن الحدث نال القليل من الإهتمام . والطرفان على توجه روسي وليس أميركياً ، والمحادثات بينهما ، برأي جمعة ، كان يمكن أن تضع نقطة الختام للصراع السوري المديد ، إذا لم تتصلب دمشق في موقفها.

ويذهب جمعة في فرضياته حول الموضوعات ، التي تطرق إليها لقاء الأسد لافروف ، إلى القول بأن اللقاء قد يكون تطرق إلى الصراع التركي اليوناني حول الغاز في شرق المتوسط ، وبأن الجانبين قد نسقا ، على الأرجح ن موقف كل من سوريا وروسيا من هذا النزاع ، علماً أن روسيا لا تنحاز فيه لا  إلى تـركيا ولا إلى اليونان . ويفترض جمعة أنه إذا وقفت سوريا إلى جانب تركيا في مسالة الغاز البحري هذه ، فستصبح تركيا أكتر نشاطاً في العملية السلمية السورية ، وبالدرجة الأولى في إدلب .

الذين تابعوا الإنتقادات الحادة ، التي وجهتها مواقع “طباخ بوتين” الإعلامية أواسط نيسان/أبريل الماضي إلى النظام السوري ، والذين يتابعون شكوى الكرملين الدائمة من تعنت الأسد في الإنتقال إلى العملية السلمية في سوريا ، وما تفترضه من تنازلات سياسية ، لا بد أنهم فوجئوا بما انتهت إليه زيارة لافروف إلى دمشق . فلم يكن يتوقع أحد من هؤلاء ومن سواهم أن يعترف الكرملين مسبقاً بشرعية إعادة إنتخاب الأسد الحتمية العام المقبل ، ولا أن تضرب موسكو بعرض الحائط  بأي مهل زمنية لعمل اللجنة الدستورية في جنيف ، ولا أن تعترف بشرعية الإنتخابات البرلمانية السورية  الأخيرة وتهنئ الأسد بنجاحها . وتذكّر النتائج المفاجئة لما تمخضت عنه زيارة لافروف “المفاجئة” ايضاً إلى دمشق ،  بما كتبه  الصحافي الروسي المستقل والمعارض ألكسي روشين في مدونته على الفايسبوك ، في 2 الشهر الجاري ، وتقلها موقع “kasparov” المعارض أيضاً ، تحت عنوان “العار السوري يتواصل” ، حيث يقول بأن لا أحد (من الروس ، طبعاً) بوسعه أن يفهم ما الذي يفعله بوتين في سوريا .

المدن

———————————-

دمشق ماضية بـ«غطاء روسي» في الانتخابات الرئاسية… بدستورها/ إبراهيم حميدي

بعثت دمشق أوضح رسالة علنية، بأن الإصلاح الدستوري، الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف، لن يحصل قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام المقبل، ما يعني أن هذه الانتخابات ستحصل بموجب دستور عام 2012، كما أن موسكو بعثت بأوضح رسالة علنية، بموافقتها على ذلك، لدى قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد لقائه الرئيس بشار الأسد أول من أمس، إنه «لا جدول زمنياً» للإصلاح الدستوري، وإن «الانتخابات الرئاسية شأن سيادي سوري».

وعُقدت قبل أسبوعين اجتماعات الجولة الثالثة للجنة الدستورية في جنيف بـ«تسهيل» من المبعوث الأممي غير بيدرسن، وحضور ممثلي الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني. وغيّر «وفد الحكومة» من ممارساته، لكن جوهر موقفه بقي على حاله لجهة رفض أي اتفاقات كانت قد أُبرمت بين الحكومة و«هيئة التفاوض» المعارضة حول «القواعد الإجرائية» لعمل اللجنة، وتمسك الوفد بوصفه اللجنة «كياناً سيادياً مستقلاً» وأن أي اتفاق تصل إليه سيُعرض على استفتاء عام.

وفُسر موقف «الوفد المدعوم من الحكومة» (الذي يسمى نفسه «الوفد الوطني») برئاسة أحمد كزبري، بأن القرار الضمني في دمشق، هو عدم حصول أي إصلاح دستوري قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف العام المقبل، بحيث تجري بموجب دستور عام 2012، الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ويدشن ولاية ثالثة للرئيس الأسد، ويحدد معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، بينها: الإقامة عشر سنوات متواصلة قبل التقدم للترشح، الحصول على موافقة 35 نائباً في البرلمان.

كانت «الجبهة الوطنية التقدمية» التي تضم تحالف أحزاب مرخصة بقيادة «البعث» الحاكم قد فازت بـ183 مقعداً (بينهم 166 بعثياً) من 250 مقعداً في انتخابات يوليو (تموز) الماضي، ما يعني أن قرار الترشح الرئاسي بأيدي الحزب الحاكم وتحالف الأحزاب المرخصة. وكان لافتاً أن الوفد الروسي الزائر لدمشق هنّأ المسؤولين السوريين بـ«الفوز بالانتخابات البرلمانية».

كما فُسر الأسلوب التفاوضي لـ«وفد الحكومة» في الجولة الأخيرة في جنيف، بأن الإصلاح الدستوري مُرجأ إلى بعد 2021، أي بعد فوز الرئيس الأسد بولاية جديدة مدتها سبع سنوات، على أن يطبق الإصلاح في أول انتخابات برلمانية مقبلة في 2024، ما لم يقدم موعدها.

ولجأ بيدرسن إلى موسكو والتقى وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو، على أمل تقديم «نصيحة» لدمشق كي تُبدي بعض المرونة في اجتماعات اللجنة في نقاط محددة: التزام اتفاق «القواعد الإجرائية» وأن يكون الوفد ممثلاً للحكومة وأن ينخرط في مفاوضات جدية، إضافة إلى التزام العمل التراكمي، بما في ذلك المبادئ السياسية الـ12 التي أُقرت في ختام «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي بداية 2018. بالفعل، وعد الجانب الروسي بذلك، لكن المؤتمر الصحافي للافروف ونظيره السوري وليد المعلم تضمن إشارات واضحة لـ«الرد السوري على النصائح الروسية» ومضمون موقف دمشق – موسكو.

أغلب الظن، أنه لم تكن صدفة أن صحافية روسية سألت المعلم عن شرط توفر عشر سنوات لأي مرشح رئاسي سوري وعن موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، كان قد التقى رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض السابق معاذ الخطيب، ولمح إلى رغبة موسكو في أن يرشح الخطيب نفسه في الانتخابات المقبلة. لكنّ جواب المعلم، كان واضحاً: «طبعاً ستجري انتخابات رئاسية حرة ونزيهة (في موعدها). أما ما يتعلق بإلغاء شرط الإقامة (10 سنوات في سوريا)، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات، لكن من حيث المبدأ كل من تتوفر له شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح». للعلم إن شروط الترشح هي شأن دستوري وليس من صلاحية اللجنة العليا للانتخابات. وأضاف المعلم أنه لا علاقة لموضوع الدستور بالانتخابات الرئاسية، مؤكداً أنها ستجري في موعدها العام القادم.

وفيما يتعلق بـ«تعجيل» عمل اللجنة الدستورية، فإن الجواب السوري، أيضاً جاء حاسماً: «لا يوجد جدول زمني لإنجاز الدستور فهو يحتل أهمية خاصة وقدسية شعبية ولا يمكن سلقه (صوغه بسرعة) أو إنجازه باللغط… هذا يجب أن يُنجز بما يحقق طموحات الشعب السوري».

كما أنه أغلق الباب أمام احتمال «تعديل» الدستور الحالي لفتح الطريق أمام انتخابات بشروط جديدة، لأن أي تعديل يتضمن آلية دستورية معقدة، أضيف إليها شرط الاستفتاء العام، إذ قال المعلم: «الدستور القادم هو شأن ما يتوصل إليه أعضاء اللجنة الدستورية، إن كانوا يريدون تعجيل الدستور القديم أو إنتاج دستور جديد… في كلا الحالين سيتم عرضه للاستفتاء الشعبي، كي يضمن أوسع تمثيل شعبي».

مواقف المعلم، جاءت بحضور الوفد الروسي وبعد اللقاء مع الأسد، بل إن لافروف قال إنه «لا جدول زمنياً» لعمل اللجنة الدستورية و«موضوع الانتخابات الرئاسية، قرار سيادي لسوريا».

الشرق الأوسط

————————————-

اللهاث الروسي في الفضاء السوري/ غازي دحمان

لم يكن على الأرض ما يثبت هبوب عاصفة روسية على صحراء سورية المكشوفة ذات المخارج العديدة، ويبدو أنه جزء من سياق التخبط الاستراتيجي التي تخوض فيه روسيا في سورية، وعدا عن أن سورية لا توجد فيها صحارى بيضاء، بل مجرد بواد بألوان داكنة كان الرومان يسمّونها “سورية الفارغة”.

دقّ مقتل الجنرال فيتشسلاف غلادكيخ، نائب كبير المستشارين في سورية، ناقوس الخطر لدى قيادات روسيا من احتمالية تحوّل سورية إلى أفغانستان ثانية، فالاحتمال الذي لطالما بقي رهاناً لدى خصوم روسيا بدأ يتحوّل حقيقة ملموسة، إذ إن غلادكيخ هو الجنرال الرابع الذي تخسره في سورية منذ تدخلها قبل خمس سنوات، وهو العدد الذي خسرته في أفغانستان، ولكن طوال عشر سنوات، فهل دخلت روسيا مرحلة الاستنزاف التي ترعبها؟

يكشف السلوك والخطاب الروسيان، اللذان امتازا بالانفعال والتسرع، المخاوف الروسية من مأزق سوري بدأت تظهر مؤشّراته بتواتر مريب، ذلك أن استهداف الجنرال جاء في سياق عمليات عديدة طاولت عناصر وضباطا روسيين، جديدها استهداف مقر اجتماع للضباط الروس وضباط نظام الأسد في الحسكة بطائرات مسيرة، وعملية أخرى في ريف اللاذقية، فضلاً عن عمليات ضد قاعدة حميميم، وفي الغالب تخفي روسيا حجم خسائرها في هذه العمليات.

ولافتٌ أن الإعلان الروسي عن عملية “الصحراء البيضاء” جاء ملتبساً، فالعملية، حسب ما أعلن عنها المتحدث باسم قاعدة حميميم، ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأميركية إلى حين القضاء عليها بشكل كامل؟ ومعلوم أنه ليست للقوات الأميركية ارتباطات في مناطق شرق سورية سوى مع مجموعتين: قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومجموعات صغيرة قرب التنف، وهؤلاء وأولئك تحت أعين وكالات الأنباء التي لم تذكر شيئا عن العملية. ثم إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هو الذي أعلن مسؤوليته عن العملية، ولا يوجد طرف عسكري عاقل يمكنه القيام بعملية عسكرية لأيام ضد التنظيم المذكور بوضعه الحالي، بعدما فقد هياكله ولم يعد له مناطق استقرار واضحة، ولا مواقع عسكرية ظاهرة، وإنما مجرد أشباح تائهة في الصحارى. وكان الأميركيون والأكراد، وحتى الحشد الشعبي العراقي، قد توقفوا عن قتال مسلحي “داعش” لأن ملاحقتهم في صحراء شاسعة بين العراق وسورية تتجاوز مساحتها مائة ألف كيلومتر مربع، فكيف لروسيا التي لا تملك على الأرض سوى طائرات من الجيل الخامس، وبعض المرتزقة من “فاغنر”، الدخول في معركةٍ كهذه؟

الحقيقة التي لا تريد روسيا رؤيتها، أو الإقرار بها، أنها تقف عاجزة أمام استراتيجية اصطياد ضباطها ومستشاريها في سورية، وأنها باتت أمام إعادة إنتاج مأساتها في أفغانستان، ولكن بطريقةٍ تناسب الأوضاع السورية، مرّة عبر تلغيم جوانب طرق الدوريات، ومرّة عبر قذيفة موجّهة أو بالطائرات المسيّرة، لكن الضحايا دائما بمنزلة صيد ثمين لأعداء روسيا، ومؤلم بشكل كبير لها.

تحاول روسيا تجاوز وقائعها المؤلمة في سورية، باختراع سرديات ومعارك لا يوجد على الأرض ما يؤيدها، فكيف يمكن لعقل أن يصدّق الأرقام التي تصدرها قاعدة حميميم عن حجم إنجازات القوات الروسية في عملية “الصحراء البيضاء”، والتي أدت إلى “تصفية 327 مسلحا وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة وسبعة مخازن عتاد وخمسة مخازن تحت الأرض للأسلحة والذخيرة”. هذه معطيات لخصم كلاسيكي له هياكل واضحة ومعسكرات مستقرّة، وهذا ما لا ينطبق على “داعش” في هذه المرحلة، والذي بات خلايا صغيرة منتشرة في مناطق شاسعة، وتستخدم وسائل لوجستية بدائية، وتسلك طرقات ومعابر لا يعرفها سوى أبناء تلك البوادي، ولا تستطيع وسائل الاستطلاع والرصد الحديثة كشفها.

ويبدو أن الوعود الأميركية بتحويل سورية إلى مستنقع لروسيا بدأت تتحقّق على الأرض، فالمتابع للسياسات الروسية سيكتشف على الفور حجم تخبّط روسيا في مجمل المناطق السورية، من الشمال إلى الشرق والجنوب، إذ لا تفعل أكثر من مراكمة الخصوم لها، وانتظار تفجّر برميل البارود السوري في وجهها. غير أن ذلك يعكس حجم التباينات في التقديرات داخل المطبخ السياسي الروسي، فلم يعد خافياً وجود انقسامات وتيارات متباينة حول استراتيجية التعامل مع الأوضاع السورية، ما بين طرفٍ يصرّ على استمرار السياسة التي بدأتها روسيا، والقائمة على فرض رؤاها وتصوراتها للحل على جميع اللاعبيين الداخليين والخارجيين، باعتبار أن سورية تشكّل مختبراً للصعود الروسي في النظام العالمي، وبين فريق يدعو إلى اتباع نهج أكثر واقعية، يأخذ بالاعتبار توازنات القوى القائمة في سورية، ويذهب إلى صياغة تفاهماتٍ على هذا الأساس، مع أن الكفة تميل لصالح الفريق الأول الذي تشكّل القوى العسكرية والأجهزة الأمنية نواته الأساسية.

ما تتحدّث به البروباغندا الروسية ليس له مطابق على الأرض السورية، بل هو مجرّد أحلام قادة عسكريين وسياسيين واستخباراتيين لم يعرفوا النجاح يوماً إلا عبر قتلهم المدنيين بأسلحة توصف بأنها غبية. لذلك هم يسيرون، بأعين مفتوحة، صوب كارثة متنقلة من الصحراء في الشرق إلى الجبال في الشمال والسهول في الجنوب، تجرّهم إليها أياد أميركية.

العربي الجديد

—————————

روسيا وكيل سورية في غاز المتوسط/ بشير البكر

باتت روسيا الممثل الفعلي للمصالح السورية النفطية والغازية في شرق المتوسط، ودخلت موسكو اليوم بقوة إلى ميدان النزاع المفتوح حول الثروات في هذه المنطقة، والذي يشكّل التوتر اليوناني التركي عنوانه العريض. وفي ختام زيارة الوفد الروسي رفيع المستوى إلى دمشق يوم الإثنين الماضي، تم الإعلان عن توقيع 40 اتفاقية، حسب رئيس الوفد نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، تشمل “إعادة بناء البنية التحية لقطاع الطاقة، بعد أن تم التوقيع على عقد عمل لشركة روسية للتنقيب واستخراج النفط والغاز قبالة الشواطئ السورية”.

وتدل تركيبة الوفد الروسي الذي ضم إلى بوريسوف وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعده ميخائيل بوغدانوف وخبراء اقتصاديين وأمنيين، على خصوصية هذه الزيارة بالنسبة لروسيا، والتي أعطت للشأن الاقتصادي أهمية خاصة. وبموجب الاتفاقية، صار في وسع روسيا أن تدفع بسفنها للتنقيب في السواحل السورية، الأمر الذي يعيد خلط الأوراق في منطقةٍ يرتفع فيها منسوب التوتر كلما نقترب من استغلال الثروات الغازية المقدّرة بـ 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. ومعروفٌ هنا أن سورية بقيت خارج كل الحسابات والشراكات القائمة في المنطقة حتى الآن، وهي ليست عضوا في “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي تم تأسيسه في القاهرة في يناير/ كانون الثاني من العام المنصرم، والذي يعدّ أحد أهم أشكال التحالفات حتى اللحظة، وهو يضم إسرائيل ومصر والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا والمناطق الفلسطينية، فيما تم إقصاء سورية ولبنان وتركيا من المعادلة. وسعت تركيا إلى تحدّي هذا الوضع، وعملت على عقد اتفاق مع ليبيا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قوبل برفض يوناني وقبرصي ومصري، وأثار توترا كبيرا في المنطقة. وتحرّكت تركيا منذ حوالي شهرين من أجل إسماع كلمتها والحصول على حقوقها وحصتها من غاز المتوسط، وبدأت عمليات المسح الزلزالي بالقرب من الشواطئ في الشطر القبرصي التركي، الأمر الذي استدعى أزمةً دوليةً كبرى بين أنقرة وأثينا، ومن ورائها فرنسا وإسرائيل ومصر.

والجديد في الأمر اليوم هو الدخول الروسي على الخط، والذي جاء بعد زيارة الوفد الروسي إلى دمشق. وعلى الرغم من أن الروس اعلنوا عن توقيع 40 اتفاقية مع دمشق، فإن الاتفاقية التي تعتبر موضوع الزيارة وذات القيمة الفعلية هي اتفاقية الغاز والنفط، وهي تتيح لروسيا التنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية السورية، وهذا يضع سورية في قلب المعادلة من جهة، ومن جهةٍ ثانيةٍ يمكنه أن يعوّض روسيا عن الاستثمار الكبير الذي وظفته في سورية من أجل الحفاظ على النظام السوري. ومن شأن دخول روسيا على خط المعادلة الحالية، المتمثلة في منتدى غاز المتوسط، أن يخلق واقعا جديدا، ويشكّل تعزيزا لموقف تركيا التي عملت أطراف المنتدى على إقصائها وعزلها، وهذا سوف يقود إلى اتفاقيةٍ جديدةٍ من أجل استثمار ثروات شرق المتوسط على أسس واضحة، وفق القانون الدولي الخاص باستغلال الثروات البحرية المشتركة بين دول منطقة حوض المتوسط.

وعلى المقلب الآخر، يبدو من زيارات المسؤولين الروس والإيرانيين المكوكية إلى دمشق أن موسم تسديد فواتير تدخل الدولتين إلى جانب الرئيس السوري قد بدأ بقوة، وهناك معارك ضارية تدور في الكواليس بين موسكو وطهران من حول الثروات ومناطق الاستثمار البحرية والبرية. وتفصح المعلومات التي تم نشرها بعد زيارة الوفد الروسي دمشق عن جانبٍ من مخططات روسيا لاستعادة المبالغ التي صرفتها في سورية عشر سنوات، ولكنها تكشف عن تصميم روسيا على الاستئثار بالثروات والموانئ وقطع طريق إيران إلى مياه المتوسط.

العربي الجديد

————————-

3 أسباب دفعت موسكو لإرسال وفدٍ “رفيع” إلى دمشق..تحريك المياه الراكدة؟

بزيارة خاطفة لم تتعدى ساعات، حركّ الوفد الروسي الذي زار دمشق الإثنين الماضي، مياه الملف السوري الراكدة، إن كان على الصعيد الاقتصادي، أو السياسي الذي تتصدره حالياً ” اللجنة الدستورية”، مع توجهٍ يعتبرها منطلق الحل السياسي في سورية.

التحركات الأخيرة لموسكو، جاءت من خلال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فالتصريحات التي أدلى بها مع الوفد المرافق له، كان لها عدة أبعاد؛ أبرزها البعد الاقتصادي، والذي تم التركيز عليه من كلا الطرفين، وبينما أعلنت موسكو عن أكثر من 40 مشروعاً اقتصادياً لإعادة تأهيل البنى التحتية في سورية، أشارت خارجية نظام الأسد إلى أن المرحلة المقبلة “ستشهد انعاشاً اقتصادياً”، في كسرٍ للعقوبات المفروضة، الأوروبية منها والأمريكية.

وكانت روسيا قد وقعت مع نظام الأسد عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من المناجم في تدمر، فضلاً عن توريدها القمح لسورية، و الاتفاق مع نظام الأسد على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، بمعنى أنها باتت تتحكم في هذه المواد الاستراتيجية.

صفحة جديدة

وأثناء المؤتمر الصحفي يوم 7 سبتمبر/أيلول في دمشق، كان لافتاً إعلان نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف ،عن تسليم موسكو لحكومة الأسد مشروعاً اقتصادياً، يشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية.

وقال بوريسوف: “سلمنا الجانب السوري مشروعاً روسياً للاتفاقية الاقتصادية الجديدة، لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو حالياً قيد الدراسة، وهو عند السوريين”، معرباً عن أمله بتوقيع الاتفاقية، التي وصفها بـ “المهمة”، خلال زيارته المقبلة إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وأشار إلى أن الاتفاقية “ستضع الأطر الجديدة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في السنوات المقبلة”، مؤكداً العمل لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية، وأن هنالك أكثر من 40 مشروعاً، فيما يتعلق بإعادة الإعمار قيد الدراسة في مجالات الطاقة والبنية التحتية ومحطات الطاقة الكهرومائية.

وفي سياق ما سبق نشرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية مقالاً تحليلاً، ترجمُ فريق “السورية.نت” عن أسباب زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، قبل أيام، مشيرةً إلى أن “روسيا فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع سورية (…) الاقتصاد، في مقدمتها”.

وحسب الصحيفة، فإنه وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها سورية، لا يمكن لنظام الأسد أن يكون له أدنى أمل “في استعادة الحوار مع الغرب ورفع العقوبات، ما يعني أنه سيكون هناك نقص في الأموال لإعادة إعمار سورية”.

وسبق أن أوضحت روسيا أن ليس لديها الرغبة ولا القدرة على تحمل هذا العبء بمفردها.

ولا تنفصل الملفات الاقتصادية في سورية عن السياسية، فالخروج من العزلة الاقتصادية، لا بد أن يترافق معه دفع في العملية السياسية من جانب نظام الأسد، وخاصةً اللجنة الدستورية، والتي عقدت آخر جلساتها، قبل أيام من زيارة الوفد الروسي إلى دمشق.

ونقلت “كوميرسانت” عن مصدر روسي، قوله: “إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا مال، وفقط مع جزء من سورية (…) سيكون هذا قراره، لكن في الوقت نفسه، يعتمد الكثير في سورية على ما ستكون عليه سياسة أمريكا المستقبلية، وما سيحدث هناك بعد الانتخابات”.

وفي الوقت نفسه، اعتبر المصدر الروسي أن “الوقت قد حان لتتخذ روسيا قراراً بشأن استراتيجية وجودها في سورية في جميع الظروف، وبصيغة أدق، وفق أي شروط ستبقى في هذا البلد (…) انطلاقاً من تصريحات يوري بوريسوف وسيرغي لافروف، فقد اتخذت روسيا قرارها”.

ثلاثة أسباب

إلى جانب ما سبق لا يمكن فصل التحرك الروسي في الأيام الماضية، عن السياق العام للتطورات السورية، وخاصةً أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية، قد بدأ العداد الزمني لبدئها، دون وضوح المعالم والتفاصيل التي ستجري فيها.

المسؤولون الروس ووزير خارجية الأسد، تطرقوا خلال مؤتمرهم الصحفي الأخير إلى التسوية السياسية لسورية، وكان اللافت فيها هي فصل مسار اللجنة الدستورية عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فوزير خارجية النظام، وليد المعلم كان قد قال إن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ليس مرتبطاً بنشاط اللجنة الدستورية في جنيف، مضيفاً أن “الانتخابات الرئاسية في سورية ستقعد في موعدها في عام 2021 (…) أي مواطن لا يتعارض ترشيحه مع مقتضيات الدستور يمكنه المشاركة”.

الإعلامي المختص بالشأن الروسي، نصر اليوسف، حدد في حديثه لـ”السورية.نت” ثلاثة أسباب تقف وراء الزيارة العاجلة للوفد الروسي إلى دمشق، في الأيام الماضية.

أولى الأسباب، حسب اليوسف هي أن “الأمور قد نضجت بشكل تام في سورية، ولم يعد هناك أي شيء قد يطرأ (…) كل المقدمات اللازمة في سير العملية السياسية نضجت تماماً”.

ما سبق ربطه اليوسف بالتطورات الميدانية على الأرَض، والتي تشهد ركوداً، منذ أشهر، دون أي تبدل في خرائط السيطرة، وهو ظرف لافت، لم تمر به سورية، منذ مطلع عام 2011، ولاسيما في مناطق شرق الفرات، التي تحرم أمريكا على نظام الأسد دخولها، وإدلب أيضاً التي يغيب أي وضوح بشأن مستقبلها القريب.

وخلال المؤتمر الصحفي الأخير في دمشق، ألمح الروس بشكل أو بآخر إلى نقطة تتعلق بتثبيت الوضع الميداني على الأرض، وخاصةً في إدلب، والتي تعتبر حجر الأساس في أي عملية عسكرية مقبلة في سورية.

ويقول اليوسف: “الأمور في سورية وصلت إلى مرحلة الركود على صعيد التطورات الميدانية، وأصبحت الحركة السياسية مطلباً ملحاً”.

ويوضح أن “إدخال عنصر عقوبات قيصر عقّد الأمر بالنسبة للروس في سورية، وفهموا أن إعادة الإعمار لن تسهم فيها أي من الدول، خشية أن تقع تحت العقوبات (..) بالتالي العمليات الميدانية انتهت، والتطورات الاقتصادية وعجلة الاقتصاد لن تتحرك أو تدور، ولم يبقى سوى الحل السياسي”.

السبب الثاني للزيارة الروسية، حسب ذات المتحدث، يرتبط برغبة روسيا في “تقديم ورقة رابحة بيد ترامب مقابل منافسه جون بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.

ويرى اليوسف أنه “ثمة شك أن روسيا تفضل أن ينجح ترامب، خاصةً وأن منافسه جو بايدن، أحد الشخصيات المكروهة في روسيا، لأن موسكو تعتبره أحد عرابي الثورة في أوكرانيا على حليفهم فيكتور يوشنكا، الرئيس الأوكراني”.

و يشير إلى أن التحركات الروسية في دمشق ترتبط بالنفس الإيجابي للولايات المتحدة الأمريكية، بشأن مسار اللجنة الدستورية السورية، إذ يقول: “تصريحات المسؤولين الأمريكان الأخيرة تشي بأنهم يريدون للروس بأن يتحركوا بشكل إيجابي للضغط على النظام لكي يقارب المسألة بشكل جدي”، معتبراً “التصريحات الأمريكية في الأيام الماضية تشي بأن هناك تنسيقاً مع الروس، ويريدون أن يحققوا تقدماً، لكي يستخدمه ترامب في السباق إلى كرسي الرئاسة”.

——————————-

طريقنا المظلم بين زيارة الوفد الروسي والانتخابات الأميركية!/ عقيل حسين

حدثان فرضا نفسيهما على المعارضة مؤخراً، وكان واضحاً تباين الآراء والتقديرات حولهما، وعدم وجود رؤية موحدة لطريقة التعامل مع آثارهما المحتملة.

الحدث الأول، وهو الأكثر الحاحاً، كان زيارة الوفد الروسي يوم الإثنين إلى دمشق ولقاءه رئيس النظام وكبار المسؤولين في حكومته، لبحث ملفات سياسية واقتصادية على درجة عالية من الخطورة والأهمية بالنسبة لحاضر المسألة السورية ومستقبل الوطن بشكل عام.

لكن اللافت وكما هي العادة، أن المعارضة لم تتمكن من الوصول إلى تصور واضح لمآلات هذه الزيارة ولم تستطع الحصول على معلومات أو إنتاج تقديرات منطقية حولها، بل ترك الحدث رهناً لآراء الأفراد المختلفة واستنتاجاتهم المتباينة، الأمر الذي يزيد من تشتت الجمهور وحيرته، ولا يفيد مؤسسات المعارضة في تحديد موقفها من هذا الحدث الخطير، الذي قد لا أكون مبالغاً إن قلت إنه سيحدد، أو على الأقل سيكون أحد محددات مستقبل سوريا السياسي.

الحدث الآخر الذي تواجهه المعارضة دون القدرة أيضاً على إنجاز رؤية موحدة حوله حتى الآن، هو الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، في تشرين الثاني من هذا العام، الاستحقاق الذي يتعامل معه العالم كله بدرجة بالغة من الاهتمام، بما في ذلك الدول الأقل تأثراً بنتائج هذه الانتخابات، فكيف بسوريا التي توجد فيها الجيوش الأميركية ويتوقف مصيرها السياسي بالدرجة الأولى على موقف زعيم البيت الأبيض في واشنطن؟

هذا الانقسام في موقف المعارضة غير الرسمي، على صعيد الأشخاص والإعلام، وعدم وضوح الرؤية على الصعيد الرسمي، بدليل عدم تمكن الائتلاف الوطني أو أي من مؤسساته من بلورة موقف محدد مبني على معطيات واضحة ومعلومات حقيقية، إنما يؤكد حاجة المعارضة بشكل عام، والائتلاف الوطني بشكل خاص، ضمن ما يحتاج، إلى مركز دراسات وأبحاث سياسي يكون على درجة عالية من الاحترافية، للمساعدة في اتخاذ القرارات الصحيحة، وهو حاجة بديهية وأمر لا يحتاج إلى نقاش بالنسبة لجميع القوى السياسية في مختلف أنحاء العالم.

فحتى الأحزاب الصغيرة تعتمد على مراكز أبحاث تساعدها في جمع المعلومات الدقيقة واتخاذ القرارات الصحيحة بناء على تقديرات علمية وفهم الأحداث واستيعاب المتغيرات وملاحقة التطورات، بشكل يسهم في نجاح هذه الأحزاب في الانتخابات والوصول بها إلى مراكز صنع القرار، فكيف إذن بالنسبة للمعارضة السورية التي تتصدى لواحدة من أعقد وأخطر القضايا السياسية والإنسانية في العالم اليوم.

يسجل التاريخ أن القضية الفلسطينية ظلت متوهجة وتفرض نفسها على طاولات السياسة العالمية كضيف حاضر بقوة عندما تلازمت بندقية فصائلها مع دراسات مراكز الأبحاث التي كانت تابعة لهذه الفصائل أو تلك المستقلة عنها لكن المتعاونة معها، والتي كان يشرف عليها ويقوم بها رجالات فكر وعلم ومختصون من مختلف التوجهات السياسية والفكرية، وأن هذه الفصائل باتت مجرد ذكرى وأسماء من التاريخ فقط عندما تخلت عن الأكاديميين والمفكرين، فسقطت بندقيتها وخسرت تاريخها والكثير من أحقية قضيتها.

يمكن ذكر مئات الأمثلة للتأكيد على أهمية امتلاك الائتلاف الوطني وغيره من مؤسسات الثورة والمعارضة مراكز أبحاث مختصة، وبالمقابل يمكن أن يقول لنا القائمون على هذه المؤسسات أن المعارضة لديها بالفعل العديد من هذه المراكز، وهو صحيح، لكنها على الأغلب مراكز تابعة لقوى سياسية محددة، أو ممولة من قبل دول معينة من أجل الترويج لسياسات هذه الدول وأجندتها، بينما المطلوب مؤسسات بحث احترافية تكون مستقلة فكرياً حتى وإن كانت ممولة من الائتلاف.

يوجد في المعارضة مئات الباحثين والمفكرين والأكاديميين من مختلف التخصصات السياسية والاقتصادية، ومن علماء الاجتماع والتاريخ والعلاقات الدولية والإعلام والطاقة والثروات الطبيعية والقانون الدولي الخ، لكن معظم هذه الأدمغة مهمل يا للأسف، يعاني أكثرها البطالة ويعيش في الظل بدول اللجوء التي لولا قوانينها التي توفر للمقيمين على أراضيها المساعدة لما وجدوا ما يقيم أودهم بعد أن انشقوا عن النظام وهجروا وظائفهم لديه تأييداً للثورة.

اليوم ومع إقرار الائتلاف بضرورة إصلاح مؤسساته ومعالجة مكامن الخلل والقصور فيه، يعتبر تأسيس مراكز أبحاث ودراسات مختصة ووفق أعلى المعايير، أولوية قصوى بالنسبة له، فمن الكارثي فعلاً أن تسير المعارضة بلا نور وأن تكون عاجزة عن الحصول على معلومات دقيقة وإنتاج تصورات موحدة ودقيقة حول حدثين على هذه الدرجة من الخطورة، الانتخابات الأميركية وزيارة الوفد الروسي إلى دمشق.

——————————-

خرائط اقتصادية روسية وتحديات التمويل والسياسة في سوريا/ أسامة قاضي

لعل نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف شعر بالملل من الزيارة الأخيرة فقد قام بنفس الزيارة في مارس 2018 وعلى رأس فريق “رفيع المستوى” وها قد مضى عشرون شهراً (أو 634 يوماً) على زيارته السابقة وكان وقتها محملاً بـ 30 مشروعاً، والفرق الوحيد أنه في الزيارة الأخيرة يوم أمس الإثنين، أصبح لديه أربعون بدل ثلاثين، بمعدل زيادة خمسة مشاريع كل سنة، والتي لم ينفذ منها أي مشروع يذكر تقريباً، فقد وضعوا في يناير 2018 خريطة طريق للطاقة والكهرباء التي تُقطع في كل المحافظات السورية ساعات كثيرة، وكذلك وضعوا في 26 آذار 2018 خريطة طريق في مجال الطاقة والنفط والغاز، ونقص البنزين والمازوت وغلائه في كل المحافظات.

في آخر زيارة لوزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك 2018، قال إنه وضع مع نظيره في النظام علي سليمان غانم، “خريطة طريق” لتسريع التعاون في مجال الطاقة والنفط والغاز، وصرح تصريحاً مهماً حيث قال إنه توصل مع الجانب السوري إلى اتفاق فيما يتعلق بتطوير وإعادة إعمار محطات توليد الكهرباء، لكن المشكلة تكمن في تمويل تلك المشاريع، وأضاف “الزملاء السوريون يعملون حالياً على حل مسألة تمويل هذه المشاريع”.

إذاً المشكلة في تمويل تلك المشاريع التي لا يمكن للروس الذين تحملوا الكلفة العسكرية للحفاظ على النظام على مدى خمس سنوات؛ أن يضيفوا للفاتورة البليونية للديون السورية ديناً جديداً لإعمار البنية التحتية، والحل بالطبع هو البحث عن ممول، وكانت وقتها خطة الوزير طموحة حيث تحدث وزير الطاقة الروسي عن اتفاق مماثل لإعادة إعمار البنية التحتية في مجالي النفط والغاز، وتشمل مستودعات تحت الأرض وإنتاج النفط والغاز ومصانع التكرير، ولكن العقوبات الاقتصادية، وخاصة قانون قيصر بات عقبة أمام تمويل أي مشروع لأي نوع من إعادة الإعمار، ودونه الحل السياسي وإعادة اللاجئين والنازحين، ووقف قصف المدنيين وإخراج المعتقلين، ومحاسبة المجرمين، وقد اعتذرت الصين ودول أخرى كثيرة عن تمويل أي مشروع في سوريا لأن عواقب العقوبات على الشركات مميتة لأية شركة عالمية بسبب ارتفاع المخاطر في الشروع بالتورط في إعادة الإعمار.

هنا يأتي الفارق الوحيد بين زيارة بوريسوف الأولى عام 2018، وزيارته الأخيرة 2020، حيث أتى معه وزير الخارجية الروسي الذي لم يزر سوريا منذ ثماني سنوات ليوصل رسالة قوية للأسد مفادها أن الانتخابات الأميركية على الأبواب خلال أقل من ستين يوماً، وقد لا نحظى بصديق أفضل من ساكن البيت الأبيض الحالي فعلينا الإسراع بالتعاون مع اللجنة الدستورية وإظهار المرونة السياسية، رغم الضغط الإيراني الذي ينبغي على الأسد تجاهله لأنه “دعمنا الحاسم” (الروسي) هو الذي كان سبباً في استتباب الحكم للنظام كما قال لافروف، بمعنى أن الأسد مدين للروس فقط وليس للإيرانيين بسيطرته على أكثر من 60 بالمائة من الأراضي السورية.

شعر الروس أنهم انتظروا كثيراً على الكعكة الاقتصادية السورية منذ أن وقعوا مع النظام السوري “عقد عمريت” عام 2013، وهو اتفاق ضخم مع شركة روسية، ويعتبر الأول من نوعه من أجل التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، لكن هنالك 400 جندي أميركي يحكمون السلة الغذائية والثروة النفطية السورية، وكاد الروس بعد خمس سنوات – منذ دخولهم في سبتمبر 2015 – أن يفقدوا الأمل بالحصول حتى على تكاليف ما أنفقوه عسكرياً وخاصة عندما وقع قائد “قسد” مظلوم عبدي مع شركة دليتا كريسنت إينيرجي الأميركية في الأول من آب الفائت اتفاقاً لتحديث حقول النفط في شمال شرقي سوريا وبمباركة من وزير الخارجية الأميركي، بمعنى أن حلم السيطرة على ثلث ناتج الدخل القومي السوري على الأقل قد تبدد، ولذا وجب الإسراع بالحل السياسي لأسباب اقتصادية، وأن نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزينسيكون سيكون محرَجاً بعد مضي ثلاث سنوات على تصريحه في ديسمبر2017 “أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة في سوريا” دون أن يضع الروس يدهم على الثروة النفطية السورية.

إن روسيا تريد وضع يدها على آخر ميناء سوري وهو ميناء اللاذقية وستمنع وضع يد الإيرانيين عليه رغم توقيع الإيرانيين اتفاقية مع النظام، ولن يتوانى الروس عن طردهم كما تم طردهم من شركة الفوسفات، وسيكون على الأغلب ضمن المشاريع الأربعين التي سيوقعها الجانب الروسي في كانون الأول ديسمبر 2020، وسيكون مصير ميناء اللاذقية نفس مصير مينائي طرطوس وبانياس.

إضافة إلى أن حزمة المشاريع الروسية تتضمن 8 مشاريع في القطاع الصناعي، وخمسة مشاريع مياه، وثلاثة مشاريع مطاحن وصوامع، بينها مشروع لزيادة الطاقة الإنتاجية في مطحنة الفداء في حماة لتصل إلى 400 طن يوميا، وكذلك مشروع لإعادة تأهيل وزيادة الطاقة الإنتاجية لمطحنة غرز في درعا لتصل إلى 100 ألف طن، إضافة إلى مشروعين في قطاع الصحة، وكذلك سبعة مشاريع أشغال عامة، وثلاثة مشاريع في قطاع النقل منها مشروع لإعادة تأهيل وتطوير الخط الحديدي من مناجم الفوسفات حتى مرفأ طرطوس، إضافة إلى مشروع لإنشاء مطار في طرطوس مكان المطار الزراعي الحالي ومشروع تدريب مهني ومشاريع أخرى.

يبقى سؤال بريء للمواطن السوري المسكين: ماذا بقي إذن من الاقتصاد السوري فيما لو قُدّرَ حدوث “معجزة الصفقة سياسية”؟

وفي ظل مناطق النفوذ الثلاثة الروسية والأميركية والتركية ومئات القواعد العسكرية التي واضح أنها لن تغادر الأراضي السورية بل أنها تتقاسم سوريا جغرافياً واقتصادياً وادّعاء تمسك الأطراف الفاعلة بـ “وحدة سوريا”… عملياً وبدون شعارات وبعقول باردة… ماذا تعني “وحدة سوريا” بعد حدوث”معجزة الصفقة السياسية”؟

———————————————

 توافق روسي ـ سوري ضد العقوبات… وتباين حول الأكراد

الأسد يعد لافروف بـ«مرونة» سياسية والمعلم يتمسك بالدستور

رائد جبر

أسفرت مباحثات الوفد الروسي برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف في دمشق، عن توافقات بين الجانبين لمواجهة العقوبات الأميركية والأوروبية، وسط تباين حول كيفية التعاطي مع الملف الكردي في سوريا.

وقال الرئيس بشار الأسد خلال استقباله الوفد الروسي، إن دمشق وموسكو «نجحتا في إحراز تقدم في تحقيق حل مقبول للطرفين في العديد من القضايا»، مشدداً على أن سوريا «تولي أهمية كبيرة لنجاح الاستثمارات الروسية في البلاد». وأشاد بـ«الدعم الروسي المتواصل» على صعيد مكافحة الإرهاب وسياسياً واقتصادياً، وأشار إلى أن هذا يطال بشكل خاص «المسائل المتعلقة بالعقوبات التي فرضت على الشركات الروسية العاملة في سوريا». ووعد بتقديم «مرونة سياسية».

وفي مؤتمر صحافي مشترك، أكد بوريسوف أن الطرفين توصلا إلى اتفاقات للتعاون في إعادة تأهيل نحو أربعين منشأة سورية مهمة. وقال إن الطرفين ناقشا دفع «خريطة الطريق» لتطوير التعاون الاقتصادي التجاري الموقعة في عام 2018.

وفي الشق السياسي، لفت لافروف الذي يزور سوريا للمرة الأولى منذ عام 2012 إلى أن الزيارة الحالية «مكرسة لمناقشة الآفاق المستقبلية للعلاقة بعدما تم تحقيق كثير من الأهداف المشتركة».

وبرز تباين في مواقف الطرفين عندما سئل وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن موقفه من اتفاق الإدارة الكردية مع «منصة موسكو» أخيراً، إذ قال إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه» فيما دافع لافروف عن الاتفاق.

——————————

ورطة روسيا السورية:الأسد يلتف نحو الغرب/ مصطفى محمد

تزداد مخاوف روسيا من احتمالية نجاح النظام السوري بتحقيق تحوّل في علاقته مع دول أوروبية، تعطيه حيزاً جديداً للمناورة، كتلك التي اعتاد عليها  بين روسيا وإيران طوال السنوات الأخيرة، بعد أنباء متناقلة تشير إلى تحول سياسي فرنسي نحو دول المنطقة، يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون، انطلاقاً من لبنان.

ارتفاع منسوب المخاوف الروسية، تعبر عنه الانتقادات التي تُنشر في الصحف الروسية لأداء رأس النظام السوري بشار الأسد، وتحديداً محاولته مغازلة حكومات خليجية وأوروبية، لأهداف اقتصادية، متعلقة بإعادة الإعمار.

وتنطوي تصريحات أدلى بها المدير العام ل”مجلس الشؤون الدولية الروسي” أندريه كورتونوف، لصحيفة “إزفسيتا” الروسية، ترجمتها قناة “روسيا اليوم”، على هواجس روسية ناجمة عن ضعف قدراتها الاقتصادية، مقارنة بالعسكرية.

يقول كورتونوف: “يُظهر التاريخ أن روسيا تفوز أحياناً بالحرب، لكنها تخسر السلم، وهذا يعني أن روسيا تساعد على الانتصار، ولكن عندما يتعلق الأمر بتطوير الاقتصاد، يأتي شركاء آخرون ويفوزون بالبلاد. بشار الأسد، يحاول مغازلة كل من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج”.

وقرأ الكاتب الصحافي المختص بالشأن الروسي سامر إلياس، في حديث كورتونوف هذا، تأكيداً على أن روسيا لا زالت تنظر إلى الأسد كحليف غير مأمون الجانب لديها. وقال ل”المدن”: “تستحضر روسيا بدايات الأسد في السلطة، حيث كان التوجه لديه نحو الغرب طاغياً، فحينها لم يأتِ إلى موسكو إلا في العام 2005، أي بعد خمس سنوات من توليه الحكم، وتذكر جيداً أن الأسد زار باريس في العام 2001”.

وأضاف أن “روسيا تدرك أنها غير قادرة وإيران، على تحمل تكلفة إعادة إعمار سوريا، وتعلم أن إطلاق هذه العملية بحاجة إلى الأموال الأوروبية والخليجية، وحتى ذلك الوقت تركز روسيا، على دفع النظام لإنقاذ ذاته من الانهيار الاقتصادي”.

وحسب إلياس، فإن الحسابات السابقة، كانت أحد أبرز الأسباب لقدوم الوفد الروسي الرفيع إلى دمشق، فمن جهة تحاول روسيا أن لا تجد نفسها مضطرة لدفع الأموال لتدارك الوضع الاقتصادي شبه المنهار للنظام، ومن جهة أخرى تريد تثبيت حصتها الاقتصادية، حتى تضمن الشراكة في كل العقود الاستثمارية المستقبلية، من خلال تأمين دور مع الدول الأخرى في إعادة الإعمار.

الرأي السائد لدى الروس، أن الأسد لن ينجح -على الأقل مرحلياً- في تحقيق أي اختراق سياسي أو اقتصادي نحو الغرب، فالمزاج الغربي ليس بهذا الاتجاه، والظروف غير مواتية، بسبب عقوبات “قيصر” الأميركية، والعقوبات الأوروبية.

وهذا ما عبر عنه المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، الذي لا يرى أن على روسيا أن تخشى -على الأقل في هذه المرحلة- أي تقارب بين سوريا والدول الأوروبية، “بسبب السياسات المعادية لدمشق من قبل بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة”.

وقال أونتيكوف ل”المدن”، إن “قيصر يقطع كل الطرق على إعادة العلاقات بين دمشق والدول الغربية، علماً بأن روسيا تشجع الدول الغربية رسمياً على المشاركة في بدء إعادة الإعمار، ودعتهم أكثر من مرة إلى تحريك ملف إعادة اللاجئين”. وأضاف أن “روسيا تدرك تماماً، أنها لن تستطيع بمفردها وإيران، أن تقوم بإعمار سوريا، وصحيح أن هناك العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة الروسية-السورية، لكن الاقتصاد السوري بحاجة إلى أموال ضخمة”.

وحول الانتقادات للأسد، التي تُنشر من وقت لآخر في الصحف الروسية، يوضح أونتيكوف: “لا تعبر هذه الكتابات عن التوجه السياسي الرسمي الروسي”، منهياً بقوله: “لا توجد لدى روسيا حالياً أي مخاوف، وهي تدعو كل الأطراف للمشاركة في إعادة إعمار سوريا”.

أما رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” الدكتور أسامة قاضي، فقال ل”المدن”: “تعتقد روسيا أنه حان الوقت لجني المكاسب الاقتصادية من وراء حربها المستمرة على الشعب السوري، منذ 5 سنوات، وهي تتطلع إلى جعل سوريا ثمناً لصفقة مع الغرب، صفقة شاملة تتجاوز الملف السوري، إلى شبه جزيرة القرم، والعقوبات الاقتصادية الغربية عليها”.

وأضاف أنه “في المقابل، فإن الإدارة الأميركية غير مستعجلة لعقد مثل هذه الصفقة، وخصوصاً بعد أن وضعت يدها على النفط السوري”. وقال: “مشكلة روسيا في سوريا، أنها مكبلة ومشاريعها بالمحاذير والخطوط الأميركية، ولذلك كل ما تتمناه روسيا اقتصادياً في سوريا، لن يتم دون الحل السياسي”.

وحسب قاضي، فإن من كل ما بقي بحوزة الروس في سوريا، الموانئ التي تحتاج إلى أموال ضخمة لتجديدها وتوسعتها، ولا يمكن لروسيا أن تنفق هذه الأموال بسبب وضعها الاقتصادي الهش، وارتدادات كورونا عليه، ولذلك تدرك روسيا صعوبة جني المكاسب الاقتصادية من سوريا.

وحتى ذلك الوقت، تعمل روسيا بجهد على تثبيت حصتها من الاقتصاد السوري، من خلال المزيد من الاتفاقيات الاقتصادية التي يوقعها النظام السوري مرغماً، من دون النظر إلى تبعاتها الكارثية على ما تبقى من اقتصاد البلاد.

المدن

—————————————————-

الجيش السوري بعد التدخل الروسي: أهداف عملية التحكم وإعادة الهيكلة

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد السابع من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتحاول استكشاف الأهداف التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من عملية التحكُّم والسيطرة وإعادة هيكلة مؤسسة الجيش في سوريا بعد تدخلها العسكري المباشر عام 2015، مُبَيِّنَة الاستراتيجية التي اتبعها الروس لتحقيق عملية السيطرة.

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015 شرعت روسيا بعملية الضبط وإعادة التشكيل داخل المؤسسة العسكرية السورية لترسيخ مصالحها على الأرض (رويترز)

تبين الدراسة كيف بادرت روسيا، منذ تدخلها العسكري المباشر عام 2015، إلى توطيد نفوذها في سوريا عبر تأسيس قواعد عسكرية استراتيجية في العديد من المناطق الحيوية في البلاد، إلى جانب تشكيل بعض الوحدات العسكرية الجديدة كالفيلق الرابع والفيلق الخامس والفيلق السادس، وعملت في نفس الوقت على إجراء بعض التغييرات التي طالت هيكل وتنظيم مؤسسة الجيش، وإعادة تأهيل مجموعة من الضباط والعناصر من خلال إلحاقهم بدورات تدريبية في روسيا، وفي قاعدتها العسكرية في حميميم، بالإضافة إلى الإمساك بأَزِمَّة القرار العسكري في وزارة الدفاع ورئاسة الأركان، ترافق كل ذلك مع جهدها المكثف لتحقيق الاعتراف الدولي بدورها في تثبيت الاستقرار، من خلال مناطق “خفض التصعيد” و”اتفاقيات التهدئة” التي عُقدت مع فصائل المعارضة في العديد من المناطق السورية.

وتحاول الدراسة، التي أعدَّها الدكتور بشار نرش، باحث متخصص في العلاقات الدولية، مقاربة طبيعة العلاقة الروسية مع النظام في سوريا، لتحديد دور روسيا في البلاد بعد تدخلها العسكري المباشر، وذلك من خلال رصد سياقات هذا التدخل ومراحله وتطوراته وما أحدثه من تغيير في موازين القوى على الأرض بعد قيادة روسيا للعديد من المعارك العسكرية وإنشاء أكثر من ستين نقطة عسكرية روسية في سوريا، إلى جانب استكشاف أهم التغييرات العسكرية التي أحدثها الروس في مؤسسة الجيش سواء في التكوين الاجتماعي لهذه المؤسسة، أو في مراكز القوة والفاعلين فيها، أو على مستوى التشكيلات وإعادة الضبط؛ وذلك من خلال معالجة ثلاث نقاط أساسية توضح المساعي الروسية لإعادة تشكيل مؤسسة الجيش في سوريا، وهي السيطرة على وزارة الدفاع السورية، وتشكيل هياكل عسكرية جديدة في مؤسسة الجيش كالفيالق الرابع والخامس والسادس، وحل القوات الرديفة، وما رافق ذلك من إجراءات وممارسات أكدت سيطرة روسيا على مؤسسة الجيش وتحكُّمَها في كامل مفاصلها وقراراتها، وذلك في سبيل تحقيق أهدافها بعيدة المدى التي لا تزال تواجه بعض التحديات؛ تنبع بشكل أساسي من تَوَزُّع موازين القوى على الأرض السورية بين مجموعة من القوى الفاعلة سواء أكانت محلية أو إقليمية.

وتكمن إشكالية الدراسة في بحث متغير فاعل في الأزمة السورية، وهو التدخل العسكري الروسي الذي بدأ عام 2015 واستمر إلى وقت إعداد هذه الدراسة، وما أحدثه هذا التدخل من تغيير كبير في طبيعة وشكل الأزمة السورية وتعقيداتها من حيث الانعكاسات الحالية والمستقبلية في ضوء التحكُّم الروسي شبه الكامل بمؤسسة الجيش السوري وقرارات نظامه، بالشكل الذي يجعل من روسيا فاعلًا رئيسًا في أية تسوية مستقبلية سياسية كانت أو عسكرية في سوريا بما يتماشى مع أهدافها ومخططاتها.

وتحاول الدراسة الإجابة على سؤال محوري:

– ما رؤية روسيا لإعادة هيكلة مؤسسة الجيش في سوريا بعد تدخلها العسكري المباشر عام 2015؟ وما أبعاد وأهداف هذه الرؤية؟

إلى جانب مجموعة من التساؤلات الفرعية، منها:

– ما مراحل التدخل العسكري الروسي في سوريا؟

– ما الخطوات التي اتبعها الروس من أجل السيطرة على مؤسسة الجيش في سوريا؟

– ما أبرز التشكيلات العسكرية والتغييرات التي فرضها الروس على بنية وهيكل وعمل مؤسسة الجيش؟ وما الهدف منها؟

– ما أهم التحديات التي تواجه روسيا في عملية إعادة هيكلة مؤسسة الجيش في سوريا؟

وفي سياق هذا الحقل الاستفهامي، تفترض الدراسة أن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء في إطار الرؤية الروسية لإعادة ضبط وتشكيل مؤسسة الجيش في سوريا بما يتوافق مع أهدافها المستقبلية، بعد أن أدركت روسيا أن هذه المؤسسة وفق بنيتها وهيكليتها السابقة لن تلقى قبولًا في الحل السياسي، لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي، لذا بدأ الروس يعملون على إعادة تشكيل نظام جديد في سوريا؛ بوضع اليد على مؤسسة الجيش، لإعادة هيكلتها بالطريقة التي تحافظ على مكتسباتهم ومصالحهم مستقبلًا.

التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية وتطوراته

تقسم الدراسة التدخل العسكري الروسي في سوريا إلى عدة مراحل، كان الدور الروسي يتطور فيها بين كل مرحلة وأخرى، ويشمل:

أولًا: مرحلة التدخل النشط

بدأت هذه المرحلة بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سبتمبر/أيلول 2015، واستمرت قرابة أربعة أشهر، وفيها استخدمت روسيا القوة النارية المكثفة من خلال سلاح الجو، وشهدت هذه المرحلة استخدام القاذفات الاستراتيجية الروسية العملاقة تو-95، تو-22، التي كانت تقوم بما يقارب 100 طلعة جوية في اليوم الواحد؛ حيث شهدت هذا المرحلة ذروة الطلعات الجوية الروسية، والتي بلغت 139 طلعة جوية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015، كما تميَّزت هذه المرحلة بمشاركة الغواصات والسفن الحربية الروسية؛ حيث تم اطلاق صواريخ كاليبر المجنحة بعيدة المدى من بحر قزوين، إلى جانب إطلاق الصواريخ من الغواصات في البحر المتوسط.

ثانيًا: مرحلة الإسناد والحسم

بدأت هذه المرحلة في فبراير/شباط 2016 واستمرت طيلة العام، وتميَّزت بالاعتماد على الطيران الحربي إلى جانب أنظمة المدفعية التي تم نشرها على الأرض. وفي هذه المرحلة تمكنت روسيا من تثبيت مواقع النظام السوري، وانتقالها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، والبدء باستعادة المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة قوات المعارضة التي خسرت الكثير من المعاقل بدأتها بحلب، في ديسمبر/كانون الأول 2016، كأكبر خسارة لقوات المعارضة بعد التدخل الروسي.

كما شهدت هذه المرحلة مساعي روسية لإعادة تنظيم المؤسسة العسكرية في سوريا، من خلال التدخل في التعيينات، وإحداث هياكل جديدة، كالفيلقين الرابع والخامس-اقتحام، وإعادة هيكلة عدد من الميليشيات المحلية؛ حيث مثَّلت هذه المرحلة فترة جديدة تميَّزت بأسبقية الأمن على السياسة، على الرغم من العمل على المسار السياسي بالتوازي مع المسار الأمني، إلا أن الأولوية كانت للمسار الأمني.

ثالثًا: مرحلة التحكُّم

بدأت هذه المرحلة مع بداية عام 2017، وتحديدًا في يناير/كانون الثاني؛ حيث تمكَّنت روسيا خلالها من إطلاق “مسار أستانا”، الذي أسَّس لما يُعرَف بـ”مناطق خفض التصعيد”، كما استطاعت روسيا في هذه المرحلة اختراق المعارضة السياسية السورية، من خلال تكتيك المنصات السياسية (منصة موسكو، منصة القاهرة)، ودمجها في الهيئة العليا للمفاوضات، كذلك دخل الروس على مسار ما يُسمَّى بالمصالحات؛ إذ تم إحداث مكتب خاص بالمصالحات في قاعدة حميميم، كان ضباطه طرفًا رئيسًا في جميع المفاوضات مع المناطق المحاصرة بدمشق وريفها وريف حمص؛ ترافق كل ذلك مع الانتصارات التي حققتها روسيا على قوات المعارضة، والتي استطاعت من خلالها فرض رؤيتها للحل في المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام، وذلك من خلال تسليم المناطق بعد توقيع الهدن.

وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي مكَّنت روسيا -إلى جانب فرض رؤيتها داخليًّا- من تعزيز حضورها خارجيًّا، ومحاولة إيجاد حل سياسي يتماشى مع رؤيتها، من خلال “مسار أستانا” الذي عُدَّ فرصة كبيرة لروسيا لإعادة تموضعها في الساحة الدولية، وتأكيد دورها بوصفها قوة عظمى، انطلاقًا من البوابة السورية، التي سمحت لها بتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية، وخاصة في منطقة الساحل السوري التي تضم أكبر قاعدتين روسيتين في طرطوس وفي حميميم باللاذقية.

وبالتالي، ونتيجة العلاقة القوية والراسخة التي كانت قائمة بين النظام السوري وروسيا قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2011، قامت روسيا مع اندلاع الانتفاضة بدعم النظام السوري ومؤسسة الجيش فيه عبر إمداده بالأسلحة والذخيرة والمستشارين العسكريين الروس، ومع بدء التدخل العسكري المباشر في سوريا، اتخذ هذا الدعم شكلًا مغايرًا وفَّر لقوات النظام السوري الغطاء الجوي الكثيف، والقوة النارية المدمرة؛ الأمر الذي أسهم في قلب موازين المعارك لصالح قوات النظام السوري والميليشيات المساندة لها، وجعل من روسيا أحد أهم اللاعبين في الساحة السورية، وأحد المتحكِّمين في مصير سوريا ونظامها من خلال فرض رؤيتها العسكرية والسياسية. 

المساعي الروسية لإعادة تشكيل مؤسسة الجيش

تحدد الدراسة ثلاثة مجالات شكَّلت منطلقًا للمساعي الروسية لإعادة تشكيل مؤسسة الجيش في سوريا، وهي: السيطرة على وزارة الدفاع السورية، وتشكيل هياكل عسكرية جديدة في مؤسسة الجيش، وحل القوات الرديفة.

أ- السيطرة على وزارة الدفاع السورية وهيئة الأركان

منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا، حرصت روسيا على إنشاء شبكتها داخل مؤسسة الجيش، من خلال تأسيس علاقات مع الضباط الأمراء والقادة في الجيش والمخابرات العسكرية، ولتحقيق ذلك، بدأت روسيا بانتداب الضباط إلى قاعدة حميميم الروسية لتدريبهم، ليكونوا بذلك تابعين لها ويأتمرون بأمرها، كما قامت بإرسال عشرات الضباط إلى روسيا لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوي والآليات والمشاة، وتسليمهم مناصب رفيعة لدى عودتهم، وعملت كذلك على استقطاب شخصيات عسكرية موثوقة من قِبلها من الذين تخرَّجوا في مدارسها العسكرية، وبدأت بإظهارهم وتوسيع دائرة سيطرتهم داخل مؤسسة الجيش.

كما كان من اللافت للانتباه، حجم التغير الذي طال أبرز التشكيلات العسكرية والأكثر محورية في الجيش السوري، كالحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة، والفيلق الخامس، علمًا بأن التنقلات قد جاءت عقب تغير رئاسة الفرعين (291) الفرع الإداري، و(293) شؤون الضباط، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ حيث شملت عمليات التعيين والعزل: تعيين قائد الحرس الجمهوري اللواء، طلال مخلوف، قائدًا للفيلق الثاني، وتعيين العميد مالك عليا، الذي كان يرأس منصب رئيس لجنة حلب الأمنية، بدلًا عنه، وهو أحد أبرز الموالين للروس، وكذلك اللواء مراد خير بيك، الذي تم تعيينه رئيسًا لأركان الفيلق الخامس، كما تم إبعاد مدير مكتب ماهر الأسد، العميد غسان بلال، في الفرقة الرابعة، وذلك من خلال تسليمه قيادة أركان المنطقة الجنوبية، لكن التغيير الأكثر أهمية كان ترقية اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي، الذي أصبح نائب الرئيس للشؤون الأمنية، وطالت عملية التصفية كذلك غرفة العمليات العسكرية بهيئة الأركان، والفيلق الأول، وكلية الحرب الإلكترونية، وبعض أفواج الدفاع الجوي، والمحاكم العسكرية، والخدمات الطبية.

وأخذ الدور الروسي يتطور من خلال تدخله في أدق تفاصيل المؤسسة العسكرية للنظام السوري حتى أصبح اليوم يأخذ مهمة الرقابة والتفتيش على مختلف القطع العسكرية والإدارات بدعوى محاربة الفساد المتفشي داخلها، وخاصة في ظل تردي أداء قوات النظام وولوغ ضباطه في الفساد. وتتولى قاعدة حميميم في اللاذقية هذه المهمات من خلال لجان التفتيش والرقابة التي تتحكَّم بالمحاسبة والتعيين والمكافآت داخل المؤسسة العسكرية فضلًا عن التحكُّم في كل القطع العسكرية للنظام.

وبالمحصلة، وصلت روسيا في الوقت الراهن إلى درجة التحكُّم شبه المطلق بكل مفاصل عمل هذه المؤسسة، كما تمكَّنت من فرض كل الإملاءات على رأس النظام السوري والقيادات العسكرية العليا في مؤسسة الجيش؛ الأمر الذي أسهم أكثر فأكثر بتوسيع دائرة النفوذ الروسي داخل وحدات الجيش، وأكسبها ثقة الكثير من العناصر الذين باتوا يرون فيهم القوة الأقوى والمتحكِّم الأكبر بمفاصل تلك الوحدات.

ب- تشكيل هياكل عسكرية جديدة

جلب التدخل العسكري الروسي متغيرات عديدة في هيكلية مؤسسة الجيش السوري عن طريق تشكيل وحدات عسكرية جديدة رافدة للجيش، وبإشراف وتدريب وإدارة روسية، بالإضافة إلى تجهيز هذه الوحدات بمعدات عسكرية، وذلك بهدف ربط هذه التشكيلات بالقيادة الروسية في سوريا، لتأتمر بأمرها بعيدًا عن التركيبة الطائفية التي صبغت الجيش قبل وخلال الأزمة، إلى جانب محاولة إبعاد الميليشيات التابعة لإيران من هذه التركيبة.

ويُعَدُّ تشكيل الفيلقين الرابع والخامس-اقتحام من أهم هذه التشكيلات، وبذلك ارتفع عدد فيالق مؤسسة الجيش في سوريا من ثلاثة فيالق إلى خمسة، يضاف لها الفيلق السادس الذي تسعى روسيا لبنائه بعيدًا عن أماكن وجود الميليشيات الإيرانية.

ج- حل القوات الرديفة

عند بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا نهاية سبتمبر/أيلول 2015، كانت الحالة الميليشياوية متفشية بشكل كبير بديلًا عن الوحدات العسكرية النظامية؛ الأمر الذي أزعج روسيا، ودفعها فور تدخلها للملمة هذه الميليشيات، بهدف ضبط السلاح، وتحقيق فاعلية عسكرية أكبر، فعملت روسيا على محاولة إنهاء كل المظاهر الميليشياوية، وحصر الميليشيات الأجنبية التي تُشرف عليها إيران في مناطق محددة، وإلغاء مظاهرها ووجودها خارج هذه الأماكن، إلى جانب تفكيك وحل القوات الرديفة، وبعض الميليشيات المموَّلة من قبل إيران. وفي إطار هذه الجهود حُلَّ الكثير من الميليشيات الموالية في الأحياء المُؤمَّنة في دمشق وضواحيها، كبرزة وعش الورور وضاحية الأسد وقدسيا، وخصوصًا تلك الميليشيات التابعة لقوات الدفاع الوطني وكتائب البعث، وبالمثل حُلَّ العديد من الميليشيات في محافظة حماة كان أبرزها ميليشيا “علي الشلِّي” في ريف حماة الغربي، وميليشيا “أحمد درويش” في قرية أبو دالي، إلى جانب حل ثلاث ميليشيات صغيرة في مدينة حمص.

وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على التدخل العسكري الروسي في سوريا، حلَّت روسيا العديد من الميليشيات الصغيرة، والتي كانت تابعة لرجال الأعمال، كما اختفت معظم الميليشيات المسلحة التي كانت تملأ الساحل السوري، في حين أدمجت العديد من الميليشيات الأخرى في الأجهزة الأمنية أو الوحدات المسلحة التابعة للنظام السوري.

ويرى الباحث أن روسيا وبعد تدخلها العسكري المباشر في سوريا، عملت بثلاثة اتجاهات فيما يتعلق ببسط سيطرتها على مؤسسة الجيش ومواجهة النفوذ الإيراني في هذه المؤسسة؛ إذ كان الاتجاه الأول: بإنشاء شبكتها داخل مؤسسة الجيش للسيطرة على وزارة الدفاع وهيئة الأركان، وذلك من خلال شراء ولاءات الضباط الكبار في جيش النظام، والتحكُّم بحركة التعيينات والتنقلات والإعفاءات والاعتقالات. في حين كان الاتجاه الثاني: عن طريق بناء جسم عسكري ضمن مؤسسة الجيش تابع لروسيا مجهز بأحدث أنواع الأسلحة، ومحاولة جعله يسيطر على مناطق واسعة من الأرض السورية من أجل ضمان الجغرافيا لصالحهم. أما الاتجاه الثالث: فركَّز على إضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا من خلال التضييق على الضباط الموالين لإيران، وحل القوات الرديفة والميليشيات ذات الولاء الإيراني، وحصر ما بقي منها في مناطق جغرافية محددة، وطردهم من مناطق وجود القوات ذات الولاء الروسي.

خلاصة

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، ونجاحه في تغيير كفة موازين الصراع لصالح النظام السوري، شرعت روسيا بعملية الضبط، وإعادة التشكيل داخل المؤسسة العسكرية السورية، التي شهدت خلال السنوات الماضية تحولات مهمة. فبعد أن أدرك الروس جيدًا أن الاستحقاق التاريخي في سوريا لا مفرَّ منه، وأن نظام الأسد وفق بنيته وهيكليته السابقة لن يلقى قبولًا في الحل السياسي، لا على الصعيد الداخلي ولا الخارجي، وخاصة في ظل طائفية العديد من مؤسساته، كمؤسسة الجيش، بدأ الروس يعملون على إعادة تشكيل نظام جديد في سوريا، بدؤوه بوضع اليد على مؤسسة الجيش، وعملوا على إعادة تشكيلها، ليشارك فيها عناصر من كافة المناطق السورية، بما فيها المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام السوري كدرعا وحمص وريف حلب والقلمون، لجعلها مقبولة من قبل السوريين، وليضمنوا لأنفسهم السيطرة على الأرض. كما قاموا بتغيير دور الميليشيات وشكلها من خلال دمجها في الهياكل الجديدة في مؤسسة الجيش، وشرعوا في نفس الوقت بمحاولة لإضعاف النفوذ الإيراني في مؤسسة الجيش، وذلك من خلال دعم شبكة الضباط الموالين لهم، واستبعاد الضباط الموالين لإيران، وكذلك من خلال تفكيك وحلِّ القوات الرديفة، والميليشيات المموَّلة من قبل إيران، ودمج عناصر المصالحات في الجنوب السوري ووسط وشمال سوريا، في التشكيلات العسكرية التابعة لروسيا، وهو ما نجحت فيه روسيا إلى حدٍّ ما؛ حيث وصلت روسيا في الوقت الحالي إلى درجة التحكُّم شبه المطلق بكل مفاصل عمل مؤسسة الجيش في سوريا، وتمكَّنت من فرض جميع إملاءاتها على رأس النظام السوري، وعلى القيادات العسكرية العليا في مؤسسة الجيش؛ الأمر الذي مكَّن الروس إلى جانب فرض رؤيتهم داخليًّا من تعزيز حضورهم خارجيًّا.

فالروس أدركوا جيدًا أن السيطرة العسكرية الروسية على الأرض، وفرض الأمر الواقع عسكريًّا، سيجعل الأرض مهيأة أكثر لفرض واقع سياسي يفتح المجال أمام حل سياسي، يتماشى مع رؤيتهم ويرسخ كافة المصالح الروسية على الأرض السورية، ويعترف بسيادتها عليها.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

https://drive.google.com/file/d/1Dh0z9kR5wdVU_aiXYTsHadl01N0O3Lk8/view

د. بشار نرش، باحث متخصص في العلاقات الدولية.

————————

———————————————

الالتفاف على العقوبات الأمريكية محور زيارة وفد الكرملين لبشار الأسد

طالب رئيس النظام السوري بشار الأسد موسكو بزيادة الاستثمارات في مناطق سيطرته  من أجل مساعدته في مواجهة العقوبات الأمريكية المشددة المفروضة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين، والتي استهدفت ما لا يقل على 39 فردًا وكيانًا من الدائرة المقربة من الأسد في قطاعات الاقتصاد والسياسة والجيش. بما في ذلك زوجته أسماء الأسد، ونجله الأكبر حافظ بشار الأسد الذي أدرج على قائمة العقوبات المعنية خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وجاءت تصريحات الأسد المقتضبة التي تداولتها وسائل إعلام سورية محلية على خلفية زيارة وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف، إلى جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يزور دمشق لأول مرة منذ عام 2012. في معرض زيارته  تلك لدمشق  شدد لافروف حينها على أن مصير الأسد يجب أن يقرره “السوريون أنفسهم” في مفاوضات بين السلطة والمعارضة، دون أن يظهر أي بوادر على محاولة تخلي موسكو عن دعم  الأسد، كما  وصف لافروف وقتها سحب الدول لسفرائها من دمشق أنه قرار “غير منطقي”.

أما بحسب ما أشارت إليه  وكالة سانا الرسمية التابعة للنظام السوري فإن الأسد ناقش مع الوفد الروسي الجانب الاقتصادي، عبر بحث آلية تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الأسد وموسكو، للتخفيف من تداعيات عقوبات قيصر الأمريكية المشددة. هذا إلى جانب تأكيد الوفد الروسي استمرار الكرملين بتقديم الدعم لنظام الأسد لمساعدته في إدارة العملية السياسية التي تدعو إليها الأمم المتحدة في مختلف المسارات.

كما أضافت الوكالة الرسمية السورية أن الأسد أعرب خلال اجتماعه بالوفد الروسي عن “تقدير السوريين جميعًا” لما قدمته موسكو من مساعدة على مختلف الأصعدة. وتابع الأسد مؤكدًا على عزم نظامه  “مواصلة العمل مع الحلفاء الروس بغية تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين بما في ذلك إنجاح الاستثمارات الروسية في سوريا”.

بينما على الجانب الروسي أوضح بوريسوف في أعقاب اللقاء مع الأسد على أن موسكو تعمل بالاشتراك مع النظام السوري على صياغة اتفاقات حول إعادة إعمار نحو 40 منشأة في سوريا، خاصًا بالذكر قطاع الطاقة، بما في ذلك حقول النفط البحرية. وأضاف نائب رئيس الوزراء الروسي مشيرًا إلى أن موسكو أعدت نسخة محدثة لاتفاق التعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني والثقافي بين الطرفين، وقامت بإرساله للنظام السوري في تموز/يوليو 2020، دون أن يوضح  إن كان  قد تم نقاش الاتفاقيات التي أرسلتها موسكو أو قد تم التوقيع عليها فعلًا.

في سياق متصل اعتبر بوريسوف أن قانون قيصر منع  “جذب الاستثمار الأجنبي إلى الاقتصاد السوري” في المناطق الخاضعة لنفوذ نظام الأسد، واصفًا العقوبات الاقتصادية على أنها “حصار”، وأنها “موقف هدام من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية”، لافتًا إلى “الجهود المشتركة” التي تبذلها موسكو “لكسره”، ومشددًا على أن بلاده ستستمر في دعم نظام الأسد على كافة الأصعدة.

من جهته وصف وزير الخارجية في حكومة النظام السوري وليد المعلم المحادثات مع الوفد الروسي أنها “بناءة ومثمرة”، مشيرًا إلى أن مستقبل العلاقات بين النظام السوري والكرملين “واعد للغاية”. كما  شدد المعلم على أن انتخابات الرئاسة السورية ستجري في موعدها المحدد منتصف 2021، لافتًا إلى أن الانتخابات “ستكون حرة ونزيهة”، وأنه يمكن لأي شخص يستوفي الشروط القانونية الترشح للانتخابات، على حد تعبيره.

في حين أعاد لافروف تكرار تصريحاته التي أطلقها في آخر زيارة إلى دمشق قبل 8 أعوام، بعدما شدد على أن السوريين هم “من يقررون مصيرهم بأنفسهم”. لافتًا إلى مواصلة موسكو “بذل قصارى جهدها للدفاع عن مبدأ الالتزام بسيادة سوريا ووحدة أراضيها”، على الرغم من الخلافات التي تسيطر على الأطراف الدولية الفاعلة بالشأن السوري (تركيا، إيران، روسيا) ضمن مسار أستانا لإنهاء الأزمة السورية.

يجدر الذكر أن موقع روسيا اليوم كان قد نقل على لسان مصدر في وزارة النفط التابعة لحكومة النظام السوري عن تخفيض مخصصات محطات الوقود في المحافظات السورية من البنزين، وذلك لضمان كفاية المخزون الموجود حاليًا لأطول فترة ممكنة. لافتًا إلى أن هذه الخطوة اتخذت ريثما تصل توريدات جديدة متوقعة خلال أسبوع، دون أن يشير للجهة التي من قد تزود النظام السوري بالمادة النفطية متجاهلة بذلك العقوبات الأمريكية.

كما يشار إلى أن زيارة الوفد الروسي تأتي مع ما اشتملته من توقيع المزيد من الاتفاقيات البحرية بعد قرابة شهر على إعلان شركة دلتا كريسنت انرجي (Delta Crescent Energy LLC) الأمريكية للطاقة توقيعها اتفاقية مع ممثلة مناطق “الإدارة الذاتية” في واشنطن سينام محمد لتحديث حقول النفط في مناطق الإدارة الذاتية في مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من التحالف الدولي. الأمر الذي يمنع النظام السوري من الاستفادة من مبيعات النفط لدعم اقتصاده المنهار، لا سيما أن غالبية حقول النفط والغاز الطبيعي تخضع لسيطرة قسد.

——————————–

مؤتمر صحفي لوليد المعلم ولافروف وبوريسوف.. أبرز ما جاء فيه

عقد وزير الخارجية في حكومة نظام الأسد، وليد المعلم مؤتمراً صحفياً مع نظيره الروسي، سيرغي لافورف ونائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف في دمشق، وذلك في إطار الزيارة التي بدأت، صباح اليوم.

وتطرق المعلم ولافروف وبوريسوف إلى عدة ملفات في أثناء المؤتمر الصحفي، أبرزها المسار السياسي الخاص باللجنة الدستورية السورية، بالإضافة إلى وضع محافظة إدلب، ووضع مناطق شرق الفرات، والانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية عام 2021.

كما ناقش القائمون على المؤتمر مذكرة التفاهم الأخيرة التي أعلن عنها “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) و”حزب الإدارة الشعبية”، الذي يرأسه قدري جميل.

اللجنة الدستورية.. لا زمن لها

فيما يخص مسار اللجنة الدستورية السورية قال وليد المعلم: “ستجري الانتخابات الرئاسية في سورية وستكون نزيهة، وفيما يتعلق بشرط الإقامة لمن يريد الترشح، فهذا شأن اللجنة العليا للانتخابات”.

وأضاف المعلم: “كل من تتوفر فيه شروط الترشيح بإمكانه أن يترشح، أما فيما يتعلق بالدستور السوري القادم فإن هذا سيكون نتاج ما يتوصل إليه أعضاء اللجنة الدستورية، وأي نتائج تتوصل إليها هذه اللجنة فستعرض على الاستفتاء الشعبي”.

من جانبه قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف إنه يستحيل أن “يوضع برنامج زمني فيما يخص عمل اللجنة الدستورية”.

وأضاف: “زيارتنا الحالية مكرسة لمناقشة الأفق المستقبلية لتطوير العلاقات السورية الروسية”.

وتأتي زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، بعد أيام من انتهاء الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، والتي يعوّل عليها وضع دستور جديد لسورية.

وكان المبعوث الأممي إلى سورية, غير بيدرسون قد زار العاصمة الروسية، موسكو، الأسبوع الماضي، والتقى بوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف ووزير الدفاع، سيرغي شويغو.

وحسب ما ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيانٍ لها فإن شويغو شدد وفي حديثه مع بيدرسون على “التأثير السلبي للعقوبات الغربية على ملفي التسوية السياسية ومكافحة الإرهاب في سورية”.

وأشار إلى أن “تغييرات كبيرة وقعت في سورية، تتعلق بكل مجالات العملية السياسية تقريباً، والوضع الإنساني وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب”.

إدلب.. التفاهمات حتى النهاية

الملف الثاني الذي تم التركيز عليه في المؤتمر الصحفي هو وضع محافظة إدلب، والتي تشهد سرياناً لاتفاق وقف إطلاق نار، بين روسيا وتركيا.

وقال لافروف: “تم التوصل لاتفاقيات ملموسة ويتم تنفيذها بشكل متتابع، ومن أهم الاتفاقيات الفصل بين المعارضة المعتدلة وبين المتطرفين، وتأمين طريق إم فور، وخلق المنطقة الأمنية على طول الطريق”.

وأضاف: “ولو ببطئ يتم تنفيذ الاتفاقيات، فأنا على يقين أننا سنستكمل تنفيذها بكل نجاح”.

وكانت روسيا وتركيا قد أتمتا تسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية، وذلك أكد بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من إتمام تسيير الدوريات، إلا أنها ما تزال مستمرة حتى اليوم، وكانت قد تعرضت لاستهدافات من قبل مجموعات “مجهولة”، عرّفت نفسها بأنها “كتائب خطاب الشيشياني”.

الاقتصاد وخطط إعادة الإعمار

إلى جانب ما الملفين السابقين، تطرق لافروف والمعلم إلى وضع الاقتصاد السوري العام، والأزمة التي يعيشها مع العقوبات المفروضة على نظام الأسد.

وليد المعلم قال: “علاقتنا الاقتصادية تنمو وتتطور بما يحقق مصلحة الشعبين الروسي والسوري، وأنا متفائل بالوضع الاقتصادي العام وشعبنا سيشعر بالتحسن القادم”.

وأضاف: “متفائل وأبشر شعبنا بأن الوضع الاقتصادي العام سيشهد تحسناً خلال الأشهر القادمة”.

في حين أشار نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف إلى أن موسكو “ستواصل خطة إعادة الإعمار ضمن خارطة الطريق في مجالات عدة بينها الطاقة”.

وأضاف بوريسوف: “أجرينا محادثات بناءة ومفيدة مع رئيس الوزراء الجديد وبحثنا معه سبل ترسيخ التعاون في مختلف المجالات -نسعى لتعزيز التعاون الروسي – السوري في مختلف المجالات”.

ووقعت روسيا مع نظام الأسد عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر.

كما تدخلت روسيا في الجانب الغذائي السوري، وأصبحت الدولة الأولى في تصدير مادة القمح، إضافة إلى الاتفاق مع نظام الأسد على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني محاولة الروسي إخضاع أي حكومة مقبلة من خلال السيطرة على مادة القمح الاستراتيجية.

كما وقعت شركة ستروي ترانس غاز (CTG) الروسية الخاصة، مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً مقبلة.

——————————-

موارد “المتوسط” الهيدروكربونية… كيف حجزت روسيا نصيبها من حصة دمشق؟

مصطفى السيد، علي عيد، محمد أبو الغيط

أواخر العام الجاري ينتهي عقد للتنقيب عن الموارد الهيدروكربونية في مياه المتوسط السورية أبرمه النظام مع شركة روسية تلاعبت باسمها وجنسيتها مرات عدة، رغم كونها غير مؤهلة فنيا للصفقة، التي تدار بطريقة غير شفافة وفق ما توصل إليه تحقيق “العربي الجديد”.

– هل تحتوي المياه الإقليمية السورية على كميات من النفط أو الغاز القابل للاستثمار؟ سؤال أجابت عن نصفه دراسات متخصصة، ففي عام 2005، أجرت شركة INSEIS النرويجية عمليات المسح السيزمي، وأظهر التقرير الذي نشرته شركة CGGVertitas الفرنسية عام 2011 بعد استحواذها على الشركة النرويجية “نتائج مشجعة” لوجود مكامن للنفط والغاز.

كما يتحدث تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية الصادر في مارس/آذار 2010 عن احتياطي لحوض شرق البحر المتوسط بنحو 1.7 مليار برميل من النفط، و122 تريليون متر مكعب من الغاز، ويشمل حوض المشرق، قبالة سواحل سورية ولبنان و”إسرائيل”.

ولا تقدم وزارة النفط السورية أي معلومات حول الاحتياطات المؤكدة، إلا أن صحيفة “الثورة” الحكومية، أوردت في 2013 معلومات مصدرها الوزارة، تقول إن الجزء السوري يقدر “بنحو 6.5 % من إجمالي مساحة حوض المشرق”.

كيف ظهر الروس؟

في مايو/أيار 2007 طرحت وزارة النفط السورية 4 قطاعات بحرية للتنقيب، ولم تتقدم وقتها سوى شركة Dove Energy البريطانية، وتم تجاهل عرضها لكونه وحيداً بلا منافسين، وفي 24 مارس/آذار عام 2011، تم طرح مناقصة في أربعة قطاعات، بمساحة تصل إلى 7750 كيلومتراً مربعاً، ولم تتقدم أي شركة رغم تمديد المهلة.

عقب العرض قابل اثنان من معدي التحقيق وزير النفط السابق سفيان علاو في إبريل/نيسان 2011، ليعزو ضعف الإقبال إلى ظروف سياسية معقدة ترافق الطرح.

بعد عامين وفي 26 ديسمبر/كانون الأول 2013 وقعت وزارة النفط عقد “عمريت البحري” في “البلوك” II، بالتراضي مع شركة “سيوز نفتغاز إيست ميد” وينص على إجراء عمليات المسح والتنقيب جنوب شاطئ طرطوس إلى محاذاة بانياس، وبمساحة 2977 كيلومتراً مربعاً، بكلفة 100 مليون دولار، على أن تقتصر فترة التنقيب على 60 شهراً.

شركة غير مؤهلة فنياً

رغم أن “سيوز” وقعت عقودا للتنقيب في العراق وسورية منذ عام 2003، إلا أنها كانت برية فقط، ولم تحفر بئرا بحرية منذ تأسيسها.

مؤهلات الشركة تتحدث عنها وثيقة رسمية مسربة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 وصادرة عن وزارة النفط السورية، وتم التأكد من صحتها عبر مسؤول رفيع في الوزارة، أي قبل توقيع العقد بنحو شهرين، تفيد بأن الشركة لا تتمتع بالأهلية للاستكشاف البحري العميق.

مدى أهلية الشركة يقيّمها الخبير الدولي محمود سلامة الباحث المتخصص في شؤون الطاقة لدى جهات عدة، من بينها أوبك والبنك الدولي وجامعات كبرى، قائلا إنه رغم مشاركة “سيوز” في إدارة مشاريع طاقة داخل روسيا وحول العالم، إلا أنها “شركة خدمات مثل Haliburton أو Schlumberger وأيضًا مدير استثمار، وعندما يتعلق الأمر بالتنقيب عن النفط والغاز في المياه السورية، سيكون لها دور استشاري فقط”، مرجحا أن “الحكومة الروسية ستطلب من شركات النفط والغاز الروسية الكبرى مثل Rosneft و Gazprom القيام بالتنقيب والحفر الحقيقيين في مرحلة لاحقة”.

وتواصل فريق التحقيق أيضا مع مسؤول احتل موقعا اقتصاديا مهما في الحكومة السورية أثناء فترة توقيع العقد للاستيضاح حول أهلية الشركة وجديّة العقد، غير أنه اشترط عدم الكشف عن هويته حفاظا على أمنه الشخصي، ويؤكد المسؤول أن استثمار الغاز البحري مع الشريك الروسي خارج المنطق العلمي، مؤكداً فرضية أن الملف يجري استخدامه بطريقة سياسية أكثر منها اقتصادية.

الهروب من العقوبات

في يوليو/تموز 2014، نشرت الجريدة الرسمية السورية المرسوم التشريعي الخاص بتصديق العقد الموقع عام 2013، بعنوان “تصديق العقد بين سورية وشركة سيوز بنما للتنقيب عن البترول”.

وفي أغسطس/آب 2017 نشر موقع رئاسة الوزراء القانون رقم 27 الذي يصادق على ملحق لعقد التنقيب مع “سيوز”، إلا أن التصديق جاء باسم شركة جديدة وهي “أيست ميد عمريت إس أي”.

كما ينص القانون الملحق الجديد على تسمية مختلفة للشركة “سيوز” الأم، مضيفا لها صفة “الروسية” بدل “البنمية”.

المسؤول الاقتصادي السوري والذي تابع تفاصيل تتعلق بتأخير التصديق بحكم مسؤوليته المباشرة، قال إن التأخير يتعلق بخلاف حول عجز “سيوز” عن تنفيذ التزاماتها لضعف خبرتها، وأشار إلى أن تغيير الأسماء يتعلق بصورة وثيقة بالعقوبات الأميركية المفروضة على سورية، إذ تحاول الشركة الروسية إيجاد بديل يجنبها العقوبات الجديدة التي فرضها قانون “قيصر”، خصوصا أن نص القرار يؤكد على معاقبة المتعاونين الخارجيين ويشير صراحة إلى روسيا.

الفرضية المتعلقة بالعقوبات الأميركية يؤكدها الخبير الدولي ممدوح سلامة الذي يرى أن روسيا لن تخاطر بإخضاع شركتيها الكُبريين “روسنفت” و”غازبروم” للعقوبات، ويرى أن الشركتين الأخيرتين ستباشران التنقيب، ربما، بموجب نصيحة من “سيوز” بعد انتهاء العقوبات.

ويتابع بأن التدخل العسكري الروسي في سورية كلفها مليارات الدولارات، وأنها قامت بتوقيع العقود لهذا السبب لاسترداد أموالها من أي غاز ونفط مكتشفين مستقبلا.

ولم تجب وزارة النفط السورية عن الأسئلة الموجهة إليها في سبتمبر 2019 ويوليو 2020 حول سبب التغيير في اسم الشركة الموقعة للعقد من سيوز البنمية، إلى الروسية ثم عمريت، ومدى وطبيعة ارتباطها جميعا بالشركة الأم سيوز نفتغاز الروسية (SNG). بدورها أيضا لم تستجب “سيوز” لرسالة رسمية على بريدها تم إرسالها في يونيو/حزيران الماضي.

النفط مقابل الغذاء

يرجع إنشاء شركة “سيوز نفتغاز” إلى عام 2000، علي يد رئيس مجلس إدارتها الحالي، يوري شفرانيك، والذي تكشف سيرته المهنية علاقاته الحكومية الوثيقة، إذ شغل منصب وزير الطاقة في روسيا بين عامي 1993 و1996، كما يشغل حاليا منصب رئيس اتحاد منتجي النفط والغاز في روسيا.

ومن خلال مراجعة تقرير لجنة التحقيق المستقلة حول الفساد في برنامج “النفط مقابل الغذاء”، والتي شكلتها الأمم المتحدة في مارس/آذار 2004، وبناء على تقرير “فولكر” الذي صدر في سبتمبر/أيلول 2005، يتبين أن “سيوز” متورطة في تلك الفضيحة، إذ حصلت عبر رئيسها شافرانيك على 25.5 مليون برميل من النفط العراقي، وهو جزء من كمية أعادت شركات روسية تسويقها وبيعها في السوق الأوروبية.

وبخلاف شركة “سيوز” التي تتوافر عنها معلومات وتاريخ سابق، فإن شركة “عمريت إس إي”، لا تملك موقعا على الإنترنت أو أية بيانات رسمية معلنة.

حصل معدو التحقيق على وثائق تسجيل الشركة، والتي ظهر أنها مسجلة في بنما وليس روسيا، وأن تاريخ إنشائها يعود إلى 11 سبتمبر 2013، أي قبل نحو 3 أشهر فقط من ظهورها في الوثائق السورية، وحملت الاسم الرسمي SNG East Med S.A.

كما يظهر بالوثائق أن الشركة غيرت اسمها لاحقا في أكتوبر/تشرين الأول  2015 إلى EAST MED AMRIT S.A، كما تم تعديل نظامها بنفس العام لينص على تكوينها من 100 سهم كل منها بقيمة ألف دولار، ليصبح رأس مال الشركة 100 ألف دولار.

لا يظهر بوثائق الشركة في بنما مطلقا أسماء رئيس مجلس إدارة الشركة الأم يوري شفرانيك، أو المدير المفوض بالتوقيع في سورية غيسى غوتشتيل، بينما تظهر أسماء ممثلين قانونيين من بنما، وهي وسيلة تُستخدم لصالح المُلاك الراغبين في إخفاء هوياتهم.

مدير الشركة وقت تأسيسها هو حامل الجنسية البنمية فيرنون إيمانويل سالازار زيوريتا، والذي ظهر اسمه بعد تسريبات “أوراق بنما”، متورطا في فضيحة فساد، حيث تم القبض عليه في إطار التحقيقات بقضية استيلاء نائب عمدة بنما العاصمة على أموال عامة.

مدير آخر للشركة تورط باتهامات شبيهة، هو دليو خوسيه دي ليون ميلا، والذي تم إدراجه في 2018، وظهر أنه نائب المدير وشريك بشركة Quijano y Asociados للمحاماة، والتي أنشأت أكثر من 15 ألف شركة ظهرت ضمن تسريب “أوراق بنما”. وفي ديسمبر 2019 خضع خوسيه للتحقيق القضائي لتورط شركته في فضيحة فساد في كولومبيا.

تاريخ من الفساد

لكن من هو المدير التنفيذي الذي وقع على عقد الغاز البحري في سورية ممثلا للجانب الروسي؟ اسمه غيسى غوتشتيل Gissa Guchtel، ويعرفه معهد الدراسات الشرقية للأكاديمية الروسية للعلوم بأنه يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ، وليس في الإدارة أو علوم الطاقة، كما هو متوقع من شخص بمنصبه.

عبر مزيد من البحث ظهر اسم غوتشتيل في وثائق “أوف شور ليكس”، ووثائق “بنما”، المتعلقة بالشركات المسجلة في ملاذات ضريبية، والتي تستخدم السرية لجذب التدفقات المالية، بما فيها غير المشروعة أو المرتبطة بشخصيات سياسية، وفق ما جاء في بيان صادر عن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين الذي نشر وثائق بنما في 2016 منددا بنظام التهرب الضريبي العالمي.

وورد اسم غوتشتيل كمالك ومدير لشركة “ديكسوود  (Dexwood Global Investment Limited) والتي كانت تستثمر في قطاعات استثمارية متعددة ونشطت في جزر العذراء البريطانية وجمهورية لاتفيا. وتُظهر البيانات أن شركة “ديكسوود” لم تعد عاملة حاليا، إلا أن هناك شركتين متفرعتين عنها تنشطان في لاتفيا.

ويظهر اسم آخر كشريك ومدير مع غوتشيل بهذه الشركة وهو رجل الأعمال البريطاني إيان تايلور (توفي في يونيو الماضي)، والذي حفل تاريخه بدوره بنقاط مثيرة للجدل، كاتهامه بالتعامل مع أحد مجرمي الحرب الصرب إبان حرب البوسنة، وكذلك تورطت شركته “فيتول” في فضيحة فساد برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي، وصدر ضدها حكم من محكمة نيويورك عام 2007 بدفع غرامة قيمتها 17.5 مليون دولار، وهي نقطة أخرى تشترك فيها الشركة مع “سيوز نفط غاز” الروسية.

زيادة مدة التنقيب بلا نتيجة

بعد نحو 18 شهرا من حصولها على الترخيص أعلنت “سيوز” الروسية أنها لن تستطيع تنفيذ التزاماتها التعاقدية في سورية، حيث أعلن يوري شافرانيك في سبتمبر 2015 أن القرار جاء “بسبب الصراع” كاشفا عن أن المشروع سيحال إلى شركة روسية أخرى لم يذكر اسمها، لتظهر بعدها “أيست ميد عمريت إس أي”.

ما سبق يتقاطع مع تناقض آخر جاء من داخل سورية، حيث تسرب تقرير من وزير النفط علي سليمان غانم إلى رئيس الوزراء السابق عماد خميس يشير إلى أن الشركة توقفت تحت ظرف القوة القاهرة، وأنها نفذت التزاماتها العقدية للعديد من الأعمال خلال عامي 2013 – 2014.

مضمون التقرير الذي نشرته صحيفة البعث الرسمية يتناقض مع القانون 31 لعام 2011 والذي تم تعديله عام 2013، وينص على أنه لا يجوز للوزير المختص التصديق على العقود الاستثمارية التي تتجاوز قيمتها 200 مليون ليرة سورية، والتي تتطلب تصديقا من رئيس الجمهورية أو البرلمان، وهو التصديق الذي صدر بالفعل منتصف 2014 في حالة سيوز، لذلك من غير القانوني أن تكون قد بدأت العمل في 2013، ما يعني أن الوزير قدم تبريرات غير صحيحة أو أن العمل قد بدأ بالفعل قبل التصديق بالمخالفة للقانون.

لاحقا صدر القانون 27 بتاريخ 3 أغسطس 2017، وينص على تعديل الاسم وتعديل المادة الثالثة “منح الحقوق والمدة” التي تنص على أن مدة التنقيب الكلية هي 60 شهرا من تاريخ نفاذ العقد وليس من تاريخ توقيعه، قبل صدور مرسوم تشريعي بالتصديق عليه. كما تم تمديد العقد 20 شهرا لتصبح الفترة الكلية للتنقيب 80 شهرا.

وبالرغم من التعديل السابق وفي منتصف إبريل 2019 انقضت السنوات الخمس لاستكشاف حقول النفط والغاز والتنقيب من دون نتيجة معلنة، ونهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 ينتهي التمديد الإضافي، من دون أية معلومة عن عمليات حفر تمت خلال الفترة.

تم إنتاج التحقيق بموجب تعاون بين العربي الجديد ومشروع S

———————————————-

رسائل موسكو ودمشق/ حسين عبد العزيز

أن يقول بشار الأسد، خلال استقباله الوفد الروسي برئاسة يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء، إن الفريقين، الروسي والحكومي السوري نجحا في تحقيق حل مقبول للطرفين، في قضايا عديدة، فهذا يعني أن ثمّة تنازلات كبيرة، قدّمها النظام لروسيا في الشق الاقتصادي، لا السياسي. والبعد الاقتصادي هو الذي هيمن على اللقاءات، مهما حاولت زيارة وزير الخارجية الروسي، لافروف، إضفاء أبعاد سياسية عليها، فالتصريحات الروسية، أخيرا، تعكس الاهتمام الاستراتيجي الروسي بضرورة التحرّك لإعادة إحياء الاقتصاد السوري، وفق آليات عمل جديدة، حرص الطرفان على جعلها طي الكتمان.

وبخلاف محاولات النظام السوري خلال السنوات الماضية في ربط المستويين، العسكري والسياسي، فإن النجاحات العسكرية يجب أن تستثمر سياسيا، رفض النظام السوري ربط المستوى الاقتصادي بالمستوى السياسي، وفق تصريح وزير الخارجية، وليد المعلم علنا، فيما يبدو رسالة إلى موسكو، تلقفها لافروف بروية وهدوء، حين أكد على رواية المعلم بعدم وجود رابط بين الملفين، ما ينبئ بأن الجدار السياسي الذي يضعه النظام في وجه تقديم أية تنازلات سياسية جدّية ما يزال صلبا أمام الروس.

غير أن الرسالة السورية الأهم كانت في مطار دمشق، حين أرسل النظام معاون وزير الخارجية، أيمن سوسان، لا وليد المعلم، لاستقبال رأس الدبلوماسية الروسية، ما دفع لافروف إلى السلام على السفير الروسي وسوسان، من دون أن يسلم على باقي الوفد السوري، في خرقٍ واضح للبروتوكول الرسمي الذي يقوم بموجبه المسؤول الضيف بالسلام على مسؤولي الدولة المضيفة، قبل السلام على سفير بلاده.

وافق لافروف على كلام المعلم إنه لا مهلة محددة للجنة الدستورية، وأيضا في عدم ربط الملفين، الاقتصادي والسياسي، مع بعضهما، وفي أن انتخابات الرئاسة المقبلة شأن سوري داخلي، وأن إجراء هذه الانتخابات ليس مرتبطا بنشاط اللجنة الدستورية. لماذا جاء لافروف إذا إلى دمشق؟ واضح أنها زيارة دعم، مع ما فيها من رسائل سياسية إلى الولايات المتحدة، مفادها بأن روسيا حدّدت خياراتها بالمضي في استمرار دعمها النظام السوري اقتصاديا، ومنعه من الانهيار، والحيلولة دون فرض شروط سياسية تهدّد كينونته.

وإذا كان المسؤولون الروس، بحكم مواقعهم، لا يستطيعون قول ذلك مباشرة لأغراض الدبلوماسية، فإن وسائل إعلام روسية عبرت عن ذلك مباشرة، مثل صحيفة “كوميرسانت” التي قالت إن موسكو اتخذت قرارها بفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع النظام السوري، والاقتصاد في مقدمتها.

ولم يكن تصريح المعلم عبثيا، إن الوضع الاقتصادي العام سوف يجد تحسّنا خلال الأيام والأشهر المقبلة، غير أن ذلك لا يعني أن لافروف عاد خالي الوفاض سياسيا، فقد حصل على تنازلين مهمين بالنسبة لموسكو: موافقة النظام على المطلب الروسي تثبيت الوضع في إدلب، والاهتمام بالوضع الداخلي خلال المرحلة المقبلة. حصول تنازل ما فيما يتعلق بالعلاقة بين النظام و”الإدارة الذاتية” الكردية. صحيحٌ أن كلام المعلم إن أي اتفاق لا يتوافق مع الدستور السوري لن يقبل به النظام، لكن الصحيح أيضا أن هذه العبارة فضفاضة، ولا توضح المعنى الدقيق منها، فالدستور السوري لعام 2012 يتحدّث عن نوع من اللامركزية والإدارة المحلية في الحكم.

أغلب الظن أن زيارة لافروف جاءت لهذه النقطة بالذات، والمقاربة الروسية القديمة ـ الجديدة هي أن حل الأزمة السورية لن يتم عبر المسار الأممي (جنيف)، وإنما عبر مسارات ضيقة وفرعية كمساري أستانة وسوتشي، وما جنيف إلا محطة أخيرة توضع فيها الحلول المتفق عليها مسبقا.

من هنا، تعول روسيا على إدخال “الإدارة الذاتية” في ملف التسوية السورية، بما يحقق لها ثلاثة أهداف: منح روسيا قدرة على التحرك السياسي على المستوى الدولي افتقدته في الآونة الأخيرة، بعدما انتهى عمليا مسار أستانة، وأصبحت اجتماعاته مجرد بروتوكول شكلي. إحداث خرق في جدار العلاقة الكردية ـ الأميركية، وتوجيه رسائل استرضاء إلى الأميركيين إن حليفكم المحلي سيصبح جزءا من اللعبة السياسية. تمهيد الطريق لحصول تسوية سياسية بين النظام و”الإدارة الذاتية” تنعكس بشكل مباشر على الاقتصاد، بعدما توقفت أو خففت الإدارة الكردية بيعها الثروات النفطية للنظام.

وقد كشفت زيارة الوفد الروسي، ثم المؤتمر الصحافي المشترك بين المعلم ولافروف، أوهاما كثيرة في أوساط المعارضة ممن قرأت هذه الزيارة وفق الرغبات السياسية، لا وفق الإمكان السياسي. لا شك أن الروس في مأزق، ودخلوا في طريق مسدود لعدم قدرتهم على تحويل نجاحاتهم العسكرية إلى عقود سياسية قابلة للتسويق، وهم يبحثون عن مخرج سياسي للأزمة، بما ينهي حالة الاستنزاف الاقتصادية والعسكرية لموسكو. ولكن الشروط الأميركية المتاحة من جهة، وشروط النظام من جهة ثانية، أعدمت الخيارات الروسية، فإما أن تذهب مع واشنطن للضغط على النظام، أو تتخذ جانب النظام بكل حمولاته الثقيلة لمواجهة الأميركيين.. لقد اختارت الخيار الثاني، فهو وحده الذي يحفظ مصالحها البعيدة، طالما لا يوجد تغيير في أفق السياسة الأميركية.

العربي الجديد

——————————-

ما الرسائل الروسية إلى نظام الأسد؟/ عمر كوش

لا تخفي روسيا طموحها في بسط نفوذها على كل الأراضي السورية، تحت يافطة مساعدة نظام الأسد، لذلك تركز جهودها في المرحلة الراهنة على مناطق الشمال السوري، بشقيها الغربي، الذي تسيطر عليه فصائل متشدة وأخرى من المعارضة السورية المدعومة تركياً إلى جانب وجود قوات تركية، والشرقي الذي تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أميركياً وتوجد فيها قوات أميركية.

 وإذا كانت روسيا تعتبر أن وجود كل القوات الأجنبية على الأرض السورية غير شرعي، مستثنية وجود قواتها العسكرية الذي تعتبره شرعياً، فإنها باتت، في المرحلة الراهنة، تقرّ بعدم قدرتها على إعادة “كل شبر من الأراضي السورية إلى سيطرة الحكومة الشرعية”، مثلما كانت تردد منذ بداية تدخلها العسكري المباشر إلى جانب نظام الأسد، وقادها ذلك إلى الإقرار بواقع وجود القوات التركية والأميركية في مناطق الشمال السوري، والانطلاق من التسليم بعدم صلاحية الحل العسكري في تلك المناطق التي ما زالت خارجة عن سيطرة نظام الأسد، لذلك راحت تبحث عن كيفية التغلغل في تلك المناطق، سواء عبر التفاهمات مع تركيا وفق مسار أستانة الذي استفادت منه كثيراً في بسط نفوذها في مناطق الشمال الغربي السوري، أو عبر بناء تفاهمات مع حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، وأخيراً رعت الاتفاق بين حزب الإرادة الشعبية السوري التابع لها ومجلس سوريا الديمقراطي.

وتشي زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى دمشق أن روسيا أرادت من خلالها توجيه رسائل عديدة إلى نظام الأسد، غايتها استثمار ما صرفته عسكرياً، خلال السنوات الخمس الماضية، في مشاريع واستثمارات اقتصادية وترتيبات سياسية، لذلك أبلغت نظام الأسد، وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، رسالة تفيد بضرورة الإبقاء على الوضع الراهن في الشمال السوري، والإقرار بالاتفاق الذي أبرم بين الحزب الموالي لها ومجلس سوريا الديمقراطية، وبحث ممكنات إيجاد صيغة لدمج القوى الكردية في مسارات اللجنة الدستورية وإشراكها في التسويات المقبلة للوضع السوري.

ولعل موضوعات سياسية عديدة تناولها الوفد الروسي خلال زيارته إلى دمشق، طاولت اللجنة الدستورية، وتفاهمات الروس مع مختلف الأطراف، والوضع في الشمال السوري وترتيباته ومستجداته، في وقت سربت فيه بعض المصادر الروسية ما قيل إنها مقترحات تركية تخص الوضع في إدلب، لذلك أشاد لافروف بالاتفاقات الروسية التركية فيها. كما طاولت الأوضاع في الجزيرة السورية، وخاصة السعي الأميركي إلى بناء تفاهمات بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقوات سوريا الديمقراطية وبين أحزاب المجلس الوطني الكردي، إلى جانب موضوع سيطرة القوات الأميركية على حقول النفط فيها.

وإن كانت موسكو قد ضمنت لها نفوذاً متزايداً في مناطق الشمال الغربي من سوريا، عبر التفاهمات مع تركيا، حيث باتت تسيّر درويات مشتركة معها على الطريق إم 4، فإنها ضمنت أيضاً نفوذها في مناطق شرقي نهر الفرات، عبر وجود قواتها في بعض المناطق ومزاحمتها للقوات الأميركية، إلى جانب سعيها إلى منافسة الإدارة الأميركية على الورقة الكردية، من خلال فتح أبواب الحوار مع قواها المسيطرة على الأرض، وبذلها جهوداً سياسية مع أجل إيجاد مخرج لإشراك القوى الكردية في اللجنة الدستورية، لكنها تصطدم بمعارضة تركيا، لذلك تحاول إيجاد صيغة لا تثير معارضة تركيا لها، بينما لا يبدو أن منافسة الروس للأميركيين على الورقة الكردية السورية، هدفها إشراك ممثلين عن القوى الكردية في اجتماعات اللجنة الدستورية، ومحاولة الالتفاف على الرفض التركي، ولا محاولة إبعادهم عن الأميركيين فقط، بل تحقيق اتفاقيات اقتصادية معها، خاصة أن المنطقة التي تسيطر عليها غنية بحقول النفط والغاز، بغية الالتفاف والتملص من عقوبات قانون قيصر.

غير أن تركيا تتخوف من أن محاولات روسيا في إشراك القوى الكردية المسيطرة على مناطق في شرقي الفرات، مثل محاولات الجانب الأميركي، تصب في خانة إيجاد شرعنة سياسية للقوى الكردية الانفصالية والمعادية لها، ويشكل ذلك تهديداً مباشراً لأمنها، كونها تعتبر أن كلاً من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وقوات سورية الديمقراطية، مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي، وجميعها منظمات إرهابية حسب تصنيفها.

ويبدو أن ساسة الكرملين يريدون هندسة تسوية للوضع السوري على مقاسهم، يضمنون فيها نفوذ بلادهم ومصالحهم قبل كل شيء، مع مراعاة التفاهمات مع نظرائهم الأتراك في مناطق إدلب وسواها من المناطق التي توجد فيها قوات تركيا، لذلك راحوا يسلكون طريقاً قديماً للتسوية ينهض على إحياء اتفاق أضنة، المبرم في 1998 مع تركيا، في محاولة منهم لتطبيع علاقات نظام الأسد مع تركيا على أساسه، لكن الساسة الأتراك ما زالوا يرفضون فتح أي حوار سياسي معه.

ولعل الأهم بالنسبة إلى الروس هو عدم عرقلة النظام خطواتهم الرامية إلى هندسة الوضع السوري، بما فيها تفاهماتهم مع الأتراك، ومع الأطراف السورية في الشمال السوري وغيره من المناطق، إلى جانب صراعهم مع الأميركيين لاستمالة القوى الكردية نحو أجندتهم السورية، التي يضعونها تحت يافطة “السيادة ووحدة الأراضي السورية”، لكن كل ذلك يدخل في الإطار المرحلي والاستباقي في انتظار ما سيفسر عنه السباق الانتخابي الرئاسي الأميركي.

ويحاول ساسة موسكو الظهور أمام المجتمع الدولي على أنهم باتوا اللاعب الأساسي في الملف السوري، والوسيط والضامن الوحيد لالتزام مختلف الأطراف بالتوافقات والاتفاقات التي عقدوها مع جميع الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، لذلك ربطوا المساعدات والمشاريع الاقتصادية التي سيقدمونها لنظام الأسد بحصول تغيير سياسي في مواقف النظام السوري، لكن ليس – كما يدعون – باتجاه تطبيق القرار الأممي 2254 المتعلق بالوصول إلى حل سياسي متوافق عليه، بل في إطار تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، الذي حققته القوى الخائضة في الصراع عليها، مع إضافة بُعد متوسطي للصراع على خلفية الصراع الدولي والإقليمي على مصادر الطاقة في منطقة شرقي البحر المتوسط، الذي يريد الروس دخوله من البوابة السورية.

 تلفزيون سوريا

————————-

روسيا تستملك الساحل السوري وتمدّد للأسد/ عبدالوهاب بدرخان

طوال الأزمة السورية، وبالأخص منذ 2015 الى اليوم أكّد ديبلوماسيون غربيون مطّلعون تكراراً أن موسكو لا تتخلّى عن بشار الأسد إلا لقاء صفقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الملفات غير السورية، وأهمها رفع أي عقوبات مفروضة على روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا وغيرها. لكن جلّ ما نالته من واشنطن الاعتراف بدورها في سوريا، أي أنها تعطيها من رصيدها، كما أن هذا الاعتراف انطوى على منحى توريطي ظهرت مؤشراته في مستويين: الأول، كلفة الوجود الروسي الذي أقرض النظام السوري نحو ثمانية مليارات دولار أسلحةً ومساعدات، عدا تكاليف قاعدة حميميم والعمليات العسكرية. والآخر، تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية وبروز خطر الانهيار المالي للنظام نفسه.

 بعد صدور “قانون قيصر” والتلويح بعقوبات على شركات روسية وغير روسية (بينها مؤسسات عربية) تتعامل مع نظام الأسد، احتجّت موسكو بأن الإجراءات المرتقبة تناقض الاعتراف بدورها بل تتعمّد تقييده. ثم أن التشدّد في منع الإدارة الكردية (شمال شرقي سوريا) من بيع النفط أو تهريبه الى دمشق لا يتوافق مع تفاهم روسي – أميركي سابق على “تخفيف” الحصار على مناطق سيطرة النظام. وأشارت تحرّشات روسية بدوريات أميركية أخيراً الى أن موسكو تبحث عن تفاهم جديد تبدي فيه واشنطن بعض المرونة حيال اقتراحات عرضتها عليها.

ثلاثة أحداث عكست تغييراً ما في التعامل الأميركي الراهن مع الأزمة السورية: 1) ترحيب واشنطن بـ “إيجابية” الاجتماع الأخير للجنة الدستورية في جنيف. 2) عدم ممانعة أميركية لتوقيع مذكرة تفاهم في موسكو بين إلهام أحمد الرئيسة التنفيذية للإدارة الذاتية (تحت الهيمنة الكردية في شمال شرقي سوريا) وقدري جميل رئيس “حزب الإرادة الشعبية” رئيس “منصة موسكو” للمعارضة القريبة من النظام. و3) المسارعة بإرسال وفد روسي رفيع المستوى الى دمشق محمّلاً أولوية توسيع “التعاون” الاقتصادي بين روسيا ونظام الأسد… لكن “الإيجابية” في جنيف خلت من أي مضمون جوهري أو تقدّم في الحل السياسي. أما “مذكرة التفاهم” فتوحي باختراق روسي مع الاكراد، سواء بإبداء “قوات سوريا الديموقراطية” استعداداً للاندماج بالجيش السوري، أو بمباشرة الحديث عن فيديرالية أو لامركزية موسّعة في سوريا. وأما “التعاون” الاقتصادي فيشبه استحواذاً وتملّكاً روسيين لمناطق وقطاعات في سوريا… لقاء عملية “انقاذ” جديدة للأسد ونظامه.

 لم يصدر تأكيد أو نفي أميركي لوجود “تفاهم” مستجد مع موسكو، لكن الصفة العاجلة للتحرك الروسي طرحت فرضيتين: إمّا أن الروس توصّلوا إلى اقناع الاميركيين بإرجاء العقوبات لتمكينهم من العمل، أو أنهم حصلوا على استثناء من العقوبات لأي مشاريع يقيمونها بمعزل عن النظام. في الحالين، تبلور في موسكو قرار بالاستثمار في سوريا. ويقول مصدر واسع الاطلاع أن الاتفاقات، التي تحدّث نائب رئيس الحكومة الروسية يوري بوريسوف عن امكان توقيعها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، تنص على نقل مساحات شاسعة على الساحل السوري الى مؤسسة روسية لتتولّى استثمارها والتصرّف بها، وقد تشمل تطويراً لميناء اللاذقية الذي كانت إيران انتزعت من الأسد موافقةً على ادارته لكن موسكو منعت ذلك. وأوضح مصدر آخر أن “الاستثناء الأميركي” سيسري أيضاً على شركات من جنسيات أخرى، شرط أن تعود مداخيل المشاريع الى المؤسسة الروسية وليس الى النظام.

 لا تضمن المبادرة الروسية النفاذ من العقوبات الأميركية فحسب، بل أيضاً منح الشركات الراغبة (تردّد أنها عربية وتركية وأوروبية)، عقوداً لاستخراج واستثمار النفط والغاز في المياه الإقليمية لسوريا. من جانب آخر، يُفترض أن يسمح التفاهم مع الاكراد بحلحلة أزمتي الوقود والكهرباء في مناطق النظام، ولذلك تبدي موسكو استعداداً للإنفاق على تصليح أربعين منشأة نفطية ومحطتي كهرباء رئيسيتين من جهة، ولتوفير ضمانات ائتمانية للنظام لمساعدته في أزمته المالية والاقتصادية من جهة أخرى. إذاً، ثمّة معادلة في صدد التكريس، قوامها أن روسيا تعتبر أن الحرب انتهت وعلى الأسد أن يكتفي بخريطة سيطرته الحالية في انتظار التسوية النهائية، وفي المقابل على الأسد أن يملّك أصولاً لروسيا ليضمن بقاءه ونظامه وعدم الضغط عليه لتقديم تنازلات في الحل السياسي.

 لذلك استوجب الأمر حضور سيرغي لافروف بعدما صار شائعاً أنه والخارجية لا يطيقان نظام دمشق بل يحتقرانه. لكن لافروف يمثّل سياسة الكرملين التي تقلّبت حاجتها الى الأسد وحاجته اليها على مرّ الأعوام، ولافروف هو أيضاً أحد صانعَي القرار 2254 (مع جون كيري) وقد راعى شخصياً أهداف الكرملين في صوغ البنود الأكثر حساسية وتعقيداً، تحديداً ما يتعلّق منها بـ “الانتقال السياسي” الذي داوم فلاديمير بوتين على إحباطه واستبعاده، وها هي التطوّرات تثبت له “صواب” رفضه أي تغيير في موقع رئيس النظام، إذ يمكن انتزاع أي شيء من الأسد طالما أنه تحت رحمة الحماية الروسية، وليس مهمّاً أن يكون منتخباً زيفاً أو متهالكاً شرعيةً، لأن أي حكومة انتقالية أو منتخبة وذات شرعية حقيقية لا يمكن أن تمنح روسيا الامتيازات التي يوفّرها لها الأسد.

 حين تحدّث لافروف عن أولويات “جديدة” في سوريا كان يعني أن الحرب انتهت رغم استمرار المواجهة مع الإرهاب، وأن الوقت حان لإعادة الإعمار. هذا خبر سيء بالنسبة الى الأسد، إذ يشي بأن موسكو قررت تفعيل الحل السياسي، وهو ما داوم على محاربته.

  لكن لافروف الحاضر لتزكية الاتفاقات الاقتصادية جاءه بالخبر الجيّد: الحل السياسي هو ما تصنعه موسكو ولا تعوّل فيه على عمل بلا “أجَل زمني” للجنة الدستورية. فهم الأسد بالتالي أن لا قيود على ترشحّه لولاية رابعة في انتخابات منتصف 2021، كما أن لافروف أحاطه علماً بأن موسكو تحاول نسج صيغة تحمل في ظاهرها شيئاً من “تغيير سياسي” وتريده أن يلعب اللعبة معها بـ “تنازلات” ظاهرية أيضاً، كأن يشكّل حكومة فيها “معارضون” وأن يفرج عن أعداد من المعتقلين، أو أن يصدر عفواً عن “معارضين” لتشجيعهم على العودة وحتى على الترشّح للرئاسة… هذا هو نوع الحل الذي رسمته موسكو منذ رحلة لافروف الأولى الى دمشق، وما انفكّت تلوكه وتعيد انتاجه، مع علمها أن الاميركيين والأوروبيين لن يعترفوا به.   

النهار

———————————-

==========================

========================

تحديث 20 أيلول 2020

——————————-

أردوغان بين فكي بوتين مجدداً/ عمر قدور

واكبت الآلة العسكرية الروسية الجولة الجديدة من اجتماعات الوفدين الروسي والتركي، الجولة التي انعقدت في أنقرة منتصف الأسبوع الماضي. لأول مرة، ومن دون ذريعة مستجدة، نفذ الطيران الحربي الروسي حوالى عشرين غارة على مناطق في إدلب، ولم يتوقف تحليق طائرات الاستطلاع التي ترصد أهدافاً جديدة، بينما أتى الوفد الروسي إلى طاولة المفاوضات ليطالب نظيره التركي أولاً بتخفيض عدد نقاط المراقبة التركية في محيط إدلب، وبعد رفض الطلب سيضغط من أجل سحب الآليات الثقيلة التركية من المنطقة، الطلب “الذي بحسب العديد من المصادر” وافقت عليه أنقرة.

ما سبق يكاد يشرح نفسه بنفسه، فالقوات الروسية وحلفاؤها من ميليشيات الأسد وإيران لا يتعرضون لأي اعتداء مصدره إدلب. بل، على العكس، تلك الميليشيات تتأهب بمساندة روسية لمهاجمة المنطقة واجتياح قسم منها على الأقل. الإذعان التركي لمطلب الوفد الروسي بسحب الاليات الثقيلة هو تمهيد للمعركة المقبلة، فنقاط المراقبة التركية لن تساعد في صدّ الهجوم المرتقب، وقد رأيناها في الجولة السابقة وقد بقيت بشكل غرائبي ضمن مناطق أصبحت بأكملها تحت سيطرة الأسد، من دون أن يُعلَن لاحقاً عن مصيرها.

كانت قد انقضت ستة أشهر على آخر جولة من المعارك، سيطرت من خلالها قوات الأسد بإشراف روسي على مدن ومواقع شديدة الأهمية ومساحات واسعة، والأهم أن تلك الجولة تسببت في نزوح مئات ألوف الذين باتوا مشردين في العراء، وهم حتى الآن ضمن مخيمات بالغة الاكتظاظ. الهدوء الذي ساد لستة أشهر أحيا قليلاً من الأمل بأن يكون الصراع على النفوذ شارف على نهايته، وهو أمل في المقام الأول من أجل أن يلتقط المدنيون أنفاسهم، مع تراجع الآمال المتعلقة بحل نهائي يضمن كرامة السوريين جميعاً.

لسوء حظ السوريين تفاقمت الصراعات في المنطقة، وأتت مجدداً فرصة بوتين ليكسب من وقوع أردوغان بين فكيه جراء النزاع بين الأخير وأوروبا، أو على الأقل جزء أوروبي لا يُستهان به بقيادة المتحمس ماكرون. لقد وصلت المهاترات الشخصية بين أردوغان وماكرون إلى حد غير مسبوق، ولا يخفى أن العلاقة بينهما لم تكن يوماً على ما يرام بخلاف العلاقة الدافئة بين ماكرون وبوتين. مع ذلك كان لأردوغان تأثير على مواقف الاتحاد الأوروبي يتعلق بتخويفه من تدفق اللاجئين، وبتفهم ألماني للموقف التركي، إلا أن الحملة التي يقودها ماكرون ضمن الاتحاد تلغي قدرة أردوغان على الضغط في موضوع اللاجئين خاصة مع التشدد على الحدود بسبب كورونا، وهي أكثر من ذلك تنذر بمواجهة أوروبية-تركية بسبب الخلاف التركي-اليوناني على حقوق التنقيب عن النفط في مياه المتوسط.

معلوم أنه ليس لماكرون سياسة خاصة بسوريا، والإشارة الأهم التي أطلقها كانت عندما صرح بأن الأسد خطر على “شعبه” بينما داعش خطر على العالم، أي أن التوجه الفرنسي المتوسطي المستجد يتجاهل سوريا كلياً، ولا يتعارض فيها سوى مع النفوذ التركي المتصاعد في المنطقة. لقد رأينا أيضاً تخويف ماكرون من نفوذ تركي في لبنان، رغم عدم وجود مؤشرات عليه، بينما ثمة صمت ومن ثم مفاوضات وتعويم للنفوذ الإيراني هناك، بما ينسجم مع الموقف الفرنسي من الاستمرار في الاتفاق النووي مع طهران وعدم التوقف جدياً عند ميليشياتها التي تنشط في المنطقة. ومن الملاحظ أيضاً ذلك الصمت الروسي التام عمّا يحدث في لبنان، والذي لا يتوافق مع محاولة التمدد في المنطقة، ويجوز تأويله على أنه نوع من الرضا على سياسة ماكرون المستجدة في المنطقة.

الموسم الانتخابي الأمريكي يساعد في تقديم الفرصة لبوتين كي يسجل انتصاراً صغيراً جديداً في سوريا، فاهتمام ترامب منصبٌ على جر المزيد من دول المنطقة لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لعلها تستدرك تراجعه في استطلاعات الرأي باستقطاب أصوات اليهود ومؤيديهم، أو على الأقل تقرّبه من جائزة نوبل للسلام التي سبق أن نالها سلفه اللدود باراك أوباما. لا ننسى أن ترامب متهم من خصومه الديموقراطيين بمحاباة أردوغان، ولا يرغب في منحهم فرصة للنيل منه من هذه الجهة فيما لو قدّم له دعماً ملموساً، فضلاً عن أنه في موقع حساس بين بوتين وأردوغان اللذين يؤخذ عليه إعجابه بهما، ما يضطره إلى التعاطي بحذر شديد في حال نشوب نزاع بينهما. من جهتهما، لاعتبارات متباينة، قد يفضّل بوتين وأردوغان إعادة انتخاب ترامب، لكن في الشأن السوري تحديداً لا يخسر بوتين بانتخاب بايدن، بل قد يكسب سياسة أكثر ملاءمة له بفضل عودة الديموقراطيين إلى الاتفاق مع طهران، بخلاف أردوغان الموعود بسياسة ديموقراطية صارمة تجاهه، سياسة لعلها تذكّر بتخلي واشنطن عنه ودفعه إلى أحضان بوتين مع اعتذاره الشهير عن إسقاط طائرة روسية على الحدود بين بلاده وسوريا.

من المتوقع أن يكون موقع كلّ من الطرفين ماثلاً في أذهان الوفدين، التركي والروسي عندما تفاوضا في أنقرة، لذا لم يغامر الأول بإفشال المفاوضات وقبِل بمقايضة تنص على انسحاب الجانب الروسي من سرت الليبية مقابل سحب الأسلحة الثقيلة من إدلب. المفارقة هي أن التفاهم الجديد يبدو مقلوباً في طرفيه، إذ يستثني اتفاق سرت منظومة الدفاع الجوي الروسية في منطقة القرضابية، ما يعكس ميزان القوى الراجح لصالح موسكو.

الخبر السيء على المقلب السوري أن تنفيذ التفاهم سيمر على الأغلب بسياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها موسكو والميليشيات الأسدية والإيرانية في كافة المناطق من قبل، وإذا كان الهدف من الهجوم السيطرة على محيط الطريق “إم-4” فهو لن يستثني من وحشيته مناطق أوسع، لإيقاع المزيد من الأذى وتفريغ المناطق من سكانها، ولتشتيت إمكانيات المقاومين وإجبارهم على التراجع. لقد صار هذا السيناريو مألوفاً جداً، وواحد من أوجه إجرامه أن التفاهمات لا تُنفذ مع تجنيب المدنيين الكارثة قدر الإمكان، بل من المعتاد أن يجبروا على دفع الثمن الأضخم. ربما على وقع ذلك نشهد تصعيداً شخصياً إضافياً بين أردوغان وماكرون، ليقدّما للعالم فرجة أكثر جاذبية من مشاهد الدم والخراب.  

المدن

——————–

طريق موسكو للعبور إلى الجزيرة السورية

استطاعت روسيا عبر تحالفها الثلاثي مع إيران وتركيا، المُنبثق من اجتماعات أستانا خلال الأعوام الماضية، السماحَ لحليفها في دمشق بالسيطرة العسكرية على مساحاتٍ واسعة من سوريا، في حين أصبحت باقي المساحات، خصوصاً الواقعة تحت السيطرة التركية المباشرة، وبشكلٍ تدريجي، خارج أيّ إطارٍ يُهدّد نفوذ النظام أو استقرار قواته على الصعيد العسكري، لا سيما في شمال البلاد.

ويبدو أنّ اتفاق موسكو الذي وقّعه الرئيسان الروسي والتركي، في شهر آذار (مارس) الماضي، سيقود بطريقةٍ أو بأخرى إلى تحويل إدلب تدريجياً إلى منطقةٍ تقع ضمن النفوذ الكامل لتركيا؛ بحيث لا تُشكّل أيّ تهديدٍ لحدود سيطرة النظام وقواعد روسيا العسكرية في البلاد، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بشكلٍ واضح من التفكيك غير المُعلن لتنظيم «حراس الدين»، بعد معارك مع «هيئة تحرير الشام»، وذلك عقاباً لتنظيم «حراس الدين» على فتحه معركةً مع قوات النظام في سهل الغاب، وتوجيهه ضرباتٍ بصواريخ الغراد نحو قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري.

بموازاة  تلك اللحظات التي عمّقت فيها روسيا هيمنتها المطلقة على البلاد، عبر استكمال الوصاية على النظام السوري والتحالف مع تركيا وإيران، كان من الواضح أنّ الولايات المتحدة لم تُظهر أيّ معارضةٍ علنيّةٍ للنفوذ الروسي في البلاد. وعلى العكس من ذلك، ذكرت واشنطن على لسان مسؤوليها، أكثر من مرّة، أنّها ترى الوجود الروسي في البلاد مقبولاً، وسيظلّ كذلك حتّى بعد الانسحاب العسكري لجميع القوى الدولية المتواجدة في البلاد.

لكنّ واشنطن لم تمنح الروس مفاتيح السلطة والنفوذ في سوريا بشكلٍ نهائي، بل اشترطت تطبيق حلّ سياسي يقود إلى تغييرٍ جذري في بنية النظام، وهو ما كان غير قابلٍ للتنفيذ من وجهة نظر موسكو السياسية؛ لاعتباراتٍ قد تكون مرتبطةً بقدرة موسكو على إجراء هذا التغيير الفعلي أو ربما برغبتها في إجرائه أصلاً. وكانت هذه الرؤية الأميركية واضحةً في إعلان البدء بتنفيذ قانون قيصر والشروط الواضحة لإيقاف هذا القانون، وكذلك في الإبقاء على ملف شرق البلاد (الجزيرة السورية) بيد واشنطن وتحت إدارتها المباشرة. يُضاف إلى ذلك أنّ دعم الولايات المتحدة، بالاشتراك مع فرنسا، للحوار بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، كان مؤشّراً واضحاً على عملها الهادف إلى إجراء تغييراتٍ بنيوية في إدارة المنطقة بغية ضمان الاستقرار فيها، وكذلك حتى تبقى تحت قيادة نفس المظلة العسكرية والسياسية التي تأسّست منذ صيف عام 2014 بجهودٍ أميركية.

وبهذا تصبح ملفات إعادة الإعمار ورفع العقوبات، فضلاً عن إدارة منطقة الجزيرة السورية، المسرح الأهم للتنافس بين موسكو وواشنطن؛ باعتبارها آخر أوراق الضغط الأمريكية على موسكو لتحقيق مطالبها في تغيير شكل نظام الأسد بصورةٍ واسعة، وهو ما يمكن أن يكون عصيّاً على موسكو تنفيذه. أو لعلّ هذا ما توحي به تصرفاتها حتى اللحظة، لا سيّما عقب انقطاع أخبار مساعي روسيا السياسية مع شخصيات وأطراف من المعارضة السورية، والتي كانت قد بدأت الظهور بالتوازي مع الإعلان عن قانون قصير قبل أشهر قليلة من اليوم.

في هذا الاتجاه سيكون من المفيد لموسكو بالتأكيد الحصول على دورٍ هام في منطقة الجزيرة السورية، من بوابة حصول الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ومن ورائها مجلس سوريا الديموقراطية وقوات سوريا الديموقراطية، على الشرعية القانونية من النظام في دمشق. وفي هذا الإطار، لن تُعطي مذكرة التفاهم المُوقّعة بين قدري جميل، رئيس منصة موسكو وحزب الإرادة الشعبية، والرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد الشرعيةَ المطلوبة، لكنّ الصورة التذكارية التي التُقطت بعد توقيع المذكرة بين جميل وأحمد يتوسطهما وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تعني أنّ موسكو ستدعم مطالب تلك المذكّرة، التي ضمّت مطالب مسد حول آلية حكمٍ تسمح للإدارة الذاتية بالإشراف على مناطق نفوذها الحالية شمال شرق البلاد.

توقيع المذكرة، بالإضافة إلى التسريبات الصحفية التي تحدثت عن إثارة موضوعها خلال زيارة لافروف إلى دمشق ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، تعني أنّ روسيا تحاول التغلغل مجدداً في ملفٍّ أميركي حيوي في سوريا، من أجل الحصول على نفوذٍ في منطقة جديدةٍ، علّه يسمح لها مستقبلاً بفرض أجندتها على واشنطن، والتي لم تمانع بدورها حتى اللحظة زيارة وفدٍ من مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) إلى موسكو واتفاقها المُعلن مع قدري جميل.

في المقابل، جاء الاعتراض السريع للخارجية التركية، التي ذكّرتْ في بيان نُشِر عقب توقيع المذكرة بتفاهمات أستانا ورفضها القاطع لإعطاء أيّ دور لمسد، المحسوب تركياً ككيان مُرتبط بحزب العمّال الكردستاني. يدل الاعتراض التركي، العلني والسريع، على أنّ موسكو قد لا تكون قادرةً على إمساك العصا من المنتصف بين طرفين شديدي العداء؛ هما أنقرة من طرف، وحزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية من طرفٍ آخر.

في هذا الإطار، يعطي الحراك الأخير مؤشراً على اتجاه موسكو نحو محاولة تجاوز الشروط الأميركية من خلال السعي للسيطرة على ملف الجزيرة السورية. ما يعني عملياً إخراج واشنطن من سوريا وفقدانها أحد أهم أوراق الضغط والنفوذ، اللذين تمارِسهما على موسكو والنظام في سبيل تحقيق مسعاها لإجراءِ تغييرٍ في نظام الحكم، وهو المسعى الذي لا يبدو أنّ موسكو تُبدي أيّ إيجابيةٍ تجاهه، خصوصاً بعد أن صرّح وزير الخارجية الروسي من دمشق أنّ أعمال اللجنة الدستورية غير مرتبطة بجدولٍ زمنيٍّ مُحدد، وأنّ الانتخابات الرئاسية ستُجرى في موعدها العام القادم، وهي تصريحاتٌ تفضي عملياً إلى إفراغ المسار الدستوري من أيّ معنىً تبقّى له، وذلك بعد حلقاتٍ من مماطلة النظام وتمييعه لتلك المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف.

يعتقد بوتين أنّ امتلاكه للنفوذ الأكبر في ملف شمال شرق سوريا، بالإضافة إلى سيطرة قواته وقوات النظام على المساحات الأوسع من البلاد، سيقود الدول الفاعلة في الملف السوري إلى تقديم تنازلاتٍ له في سبيل تثبيت نفوذه بشكلٍ نهائي في البلاد وفرض حلّه الخاص عليها. وإزاء غياب أيّ فاعليةٍ أميركيةٍ واضحة قبيل الانتخابات الرئاسية المُنتظرة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فإنّ الساحة أصبحت فارغةً أمام مناوراتٍ روسيّةٍ جديدة على درب تحقيق السطوة المطلقة والكاملة على البلاد ومصيرها.

بهذا، يكون التفاهم الذي وُقّع في موسكو، وبين طرفين سوريين، مناسبةً جديدةً للحديث عن النفوذ الدولي في البلاد؛ تفاهمٌ يُطلّ منه النفوذ الروسي نحو منطقةٍ لطالما اُعتبرت تحت حماية الولايات المتحدة من الناحيتين السياسية والعسكرية.

موقع الجمهورية

—————————

الأسد من الإزاحة إلى التعويم/ محمود الوهب

بغض النظر عن السياسة الخارجية للإتحاد السوفييتي السابق، وعلاقتها بالبلدان النامية وربطها أو عدمه بالإيديولوجيا، وعما آل إليه الإتحاد السوفييتي .. تبدو السياسة الروسية وريثة تلك الحمولة، وكأنها تسعى إلى التعويض عما افتقدته خلال تلك السنين الطويلة، أو عما أفقدتها إياه الإيديولوجيا، إذ تظهر روسيا اليوم أشد توحشّاً مما فعله الغرب وأميركا خلال الحرب الباردة أو قبلها. وبعد حربين عالميتين، أفقدتا البشرية قرابة مائة مليون من البشر .. فروسيا التي فعلت ما فعلته، خلال السنوات الخمس الماضية في سورية، تبدو في سياستها أشد وحشيةً من كل الذين تعاطوا مع الشأن السوري، وهي في السياسة أكثر خشونةً من سواها، هذا ما كشفته زيارة الوفد الروسي إلى دمشق قبل أيام. ومن هذه الزاوية بالذات، يمكن فهم زيارات الوفود الروسية التي تتوالى إلى دمشق، فقد وجد الروس ضالتهم في ابتزاز بشار الأسد، ما دام كرسيه فوق كل اعتبار، وما دامت مصالحهم تقتضي ذلك.. ولهذا، تحاول أن تمكّن لنفسها عبر هذا المشروع الاقتصادي أو ذاك، وكذلك عبر توسعها العسكري، وترى أنها أحقّ من غيرها، طالما نجحت في منع إسقاط بشار الأسد.

في نهاية شهر مايو/ أيار الماضي، عين الرئيس الروسي، بوتين، ألكسندر يفيموف مبعوثًا خاصًا له، وصفته تقارير بأنه المندوب السامي الروسي على سورية، ولم تعترض، آنذاك، الحكومة السورية. وقبل أيام، زار وفد روسي رفيع المستوى برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء، يوري بوريسوف، يرافقه مواطنه وزير الخارجية، لافروف، وكان النائب نفسه قد زار سورية قبل عامين، ومعه حزمة المشاريع التي عاد بها بعد أن أضاف إليها مشاريع جديدة، تمنح دولته مكاسب جديدة، وتوسع لها في البقاء والاستثمار والاستمرار.

ولعلَّ أهم ما طرحه الوفد هو تعويم بشار الأسد! إذ قال وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، في المباحثات، إن استحقاق الانتخابات الرئاسية السورية قائمة عام 2021 في موعدها، وبغض النظر عن مسار أعمال اللجنة الدستورية، وقد ردَّ نظيره سيرغي لافروف: “هذا قرار سيادي سوري”، ما يعني أن بشار الأسد مستمر، وخصوصاً إذا عرفنا أنَّ دستور 2012 يشترط على المرشّح إلى رئاسة الجمهورية أن تكون إقامته في سورية قبيل الترشح مباشرة عشر سنوات متتالية، إضافة إلى تزكية 30 عضواً من أعضاء مجلس الشعب الحالي، البالغ 250 عضواً، بينهم 166 بعثياً و17 جبهوياً (كان عددهم 32 عضواً).

ما الذي تطلبه روسيا مقابل هذه التقدمة التي هي غاية ما يطمح إليها النظام؟ يجيب بوريسوف: “سلمنا الجانب السوري مشروعًا روسيًا للاتفاقية الاقتصادية الجديدة، لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو حاليًا قيد الدراسة عند السوريين”. وأعرب عن أمله بتوقيع الاتفاقية، خلال زيارته المقبلة إلى دمشق في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. أهم ما يطمح إليه الروس حيازة مشاريع الطاقة بكاملها. وفي هذا الصدد، نذكِّر بتصريح سابق لنائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، عام 2017، يعلن فيه أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي سوف تعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآتها.

ويقترح الروس على الأسد تقديم تنازلاتٍ تسهيلاً للحل السياسي (تفاهمات غير عسكرية في شمال سورية وشرقها، بحسب الصحافية الروسية ماريانا بيلينكايا المتخصصة في سورية والمنطقة)، ومن ذلك إجراء مصالحة مع تركيا “يغدو معها بشار الأسد لاعباً أساسياً أو شريكا في استثمار الغاز الموجود بكميات هائلة في المياه الإقليمية لسورية شرق المتوسط. وبالتالي، ووفق تصريح روغوزين، سوف يكون الروس أنفسهم اللاعبين الرئيسين عن الجانب السوري، وربما عن غيره في هذا الزحام الدولي الشديد.

كما يقترح الروس، وفي ضوء ما وقّعه أمين حزب الإرادة الشعبية، قدري جميل، مع رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، قبل فترة قريبة في موسكو، وبرعاية الخارجية الروسية، إجراء حوارات بين النظام وهذا المجلس حول نمط ما من الحكم يعطي حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) بعضاً من حقوق (فيدرالية، حكم ذاتي) أو لإقليم شرق سورية. وفي هذا، يدخل الروس أنفسهم مدخلاً عويصاً، إذ يزاحمون الأميركان الذين كانوا قد رتبوا منطقة الجزيرة على مهل.

تأتي توجهات الروس هذه، والوضع السوري منهار كلياً، سواء على مستوى الاقتصاد أم على المستوى المعيشي المتردّي للأغلبية الساحقة من المواطنين السوريين، إذ بلغت نسبة الفقر بينهم 90%، فالشعب السوري اليوم يتقلب على صفيح ساخن .. تارة على نار الأسعار، وأخرى على تفشّي فيروس كورونا الذي أخذ يحصد الناس بالجملة، والأطباء منهم خصوصا، وتارة ثالثة على وجع حرائق الغابات لغاية سرقة الأراضي ورابعة وخامسة .. إلخ. ذلك كله والفساد وحش منفلت من عقاله في مفاصل الدولة كلها، وخارجها أيضاً. كما أن الشرخ الذي حدث في “العائلة المالكة” لم يلتئم تماماً، بل يصعب أن يلتئم. وخصوصاً إذا أضفنا إليه تململ الشعب في الداخل، وضعف الصوت المؤيد للنظام، إذ انشغل الناس بهمومهم المشار إليها، وبقهر محاصرتهم بالقوى المتدخلة شمالاً وشرقاً. جنوباً وغرباً ووسطاً. ما يفيد بأن ما فعله الروس، في النهاية، لم يكن إلا المحافظة على النظام، وتمزيق سورية..

وها هم أولاء، وبعد أن ارتكبوا الفظائع كلها ضد الشعب السوري، فيما أسموها حرباً على “الإرهاب”، يسعون اليوم إلى الاستثمار بما فعلوه، وعلى نحو أفظع، فلا حديث لديهم عن ملايين المهجّرين، إلا من إشارة (بحسب الصحافية الروسية) إلى “تشكيل لجنة خاصة بالنازحين واللاجئين السوريين داخل وخارج سورية، يتم العمل عليها بين الحكومتين الروسية والسورية” (تثير هذه اللجنة إشارات استفهام كثيرة، إذ تذكّر بمصطلح “التجانس” وبتوطين عناصر المليشيات الأجانب)، بينما لا كلمة عن عشرات ألوف المعتقلين والمغيبين. همّ الروس تثبيت ما هو واقع على الأرض السورية بالسياسة الخاطئة التي اتبعوها، وتجاهلهم قرار مجلس الأمن 2254 الذي أنجزه المجتمع الدولي تلبية لحاجة سورية، وشعبها، إذ ينطلق من الاحتجاجات الشعبية العارمة في العام 2011.

يتجاهل الروس ذلك كله، فلا يفكّرون بغير مصالحهم، ويعلمون جيداً أن هذه الحلول لا تقوم على أسسٍ واقعية، بل تنطلق من وصايتهم على الشعب السوري، فمؤدّاها إلى انتزاع استقلال سورية، ووضعها تحت وصايات دولية تحت إشرافهم. ولكن ما يسير به الروس إنما يعبر عن مأزقهم الذي بدأوه منذ خمس سنوات، وأراد لهم الأميركان الغرق فيه.

العربي الجديد

————————-

إدلب ومغامرات روسية جديدة/ فاطمة ياسين

تدرك روسيا أن فتح جبهة مواجهة مرة أخرى في إدلب أمر صعب في المدى المنظور، وذلك بعد أن خاضت الأطراف عدة مواجهات قصيرة ومحدودة، حقّقت قوات النظام فيها بعض التقدم، وصولا إلى لحظة الاتفاق حول طريقي دمشق حلب وحلب اللاذقية، الذي قاد إلى عدة تفاهمات بشأن المنطقة، رسخت وضعية مستقرّة إلى حد ما، ثم ظهرت متغيراتٌ في ملفات ليبيا وشرق المتوسط، تتداخل فيها كل من روسيا وتركيا بأكثر من شكل، ما يجعل لخرق الاتفاقيات المبرمة بخصوص إدلب تأثيراً على ملفات أخرى. ويزيد من صعوبة التقدّم الروسي التصريحُ الأميركي الذي قال إنه سيقف إلى جانب تركيا في أي مواجهة مقبلة. تترك هذه الوضعية السياسية العسكرية المعقدة ملف إدلب في حالة مراوحة، وقد تكرّس هذا مع عدم الحاجة الفعلية إلى طريقي M4 وM5 اللذين جرى، في السابق، التنازع حولهما، لعدم وجود سلع يمكن أن تنتقل عبرهما، فسكَنَ الإسفلتُ مع خواء الأسواق الذي تعكسه الطوابير الطويلة عند منافذ بيع أي سلعة. كانت ظروف التجمد هذه مثاليةً لتستنزف الأطراف بعضها بعضا، من دون أن تقوم بشكل فعلي بنقض ما تم التفاهم حوله، مع طموح روسي لمعاودة التقدّم ظهرت بوادره قبل فترة، بتكرار قصف النظام مناطق ريف إدلب، وأيضا مع أخبار زرع عبوات ناسفة على الطرق التي تعتمدها القوات التركية، فقبل أيام انفجرت إحدى هذه العبوات في سيارةٍ تحمل مترجما لصالح القوات الجوية التركية، وتم تفكيك أخرى، قبل أن تنفجر في نقطة تفتيش للجيش التركي في حي الأشرفية في حلب، وفُجرت شاحنةٌ مفخخةٌ قرب مسجد فاطمة الزهراء، وانفجرت واحدةٌ في إحدى نقاط التفتيش التي يعتمدها الجيش التركي للمراقبة والسيطرة، ومن الصعب استبعاد الأصابع الروسية عن هذه العمليات، إن لم يكن بشكل مباشر فعن طريق عملاء رسميين.

استعاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نغمة تخليص إدلب من الإرهابيين، في تصريح بدا جزءا من سلسلة التفجيرات ذاتها التي استهدفت القوات التركية، فحتى مع احتمال أنه ليس ثمة يد لروسيا في تلك التفجيرات، وإنما يتم استثمارها واختيار توقيت متزامن معها، لبدء حملة سياسية توّجها لافروف بالدعوة إلى تنفيذ اتفاقياتٍ عُقدت سابقا مع تركيا، لوضع حد للإرهابيين في إدلب، ودعمت تصريحات لافروف مواكبة عسكرية بقصف جوي نفذه طيران النظام على أطراف الريف الجنوبي لإدلب، على الرغم من أن البند الرئيسي في اتفاق مارس/ آذار بين تركيا وروسيا يصر على وقف التصعيد العسكري. يرغب النظام، وروسيا بالطبع، أن تزيل تركيا نقاط التفتيش المنتشرة حول إدلب، وقد جعلت التطوّرات العسكرية أخيرا هذه النقاط مواقع متقدمة للجيش التركي، يمكن أن تشكل عوائق تزعج تحرّكات النظام والروس، وتركيا ترفض تحريك هذه النقاط التي وُجدت بعد تفاهماتٍ ضمن اتفاق وقف العنف.

تشعر روسيا بأنها تمسك بأكثر أوراق الملف السوري، ولديها الكلمة العليا، لتقرّر ما يمكن أن يستقر عليه الحال، وهي تعتقد، في الوقت نفسه، أن تركيا أصبحت في موقفٍ أضعف سياسياً، بعد إتمام اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل التي عارضتها وحذّرت منها تركيا، إلى جانب موقف تركيا شرق المتوسط الذي بدأ يستنفر قوى إقليمية ضدها، كمصر واليونان وفرنسا، وتريد روسيا أن تستثمر في هذه الملفات، لتربح مزيدا من الأراضي في سورية، وهي تعتقد أن الوقت ملائم جدا لذلك، ولكن طريقها لا يبدو مفروشا بالورود، بعد أن فشل الإجتماع الذي عقد بين عسكريين روس وأتراك، وألمح بعده وزير الخارجية التركي بوجوب تثبيت وقف إطلاق النار، تحت مخاطر إنهاء الاتفاقيات الأمنية، وتم إدخال تعزيزات تركية إلى سورية، في سياق تسجيل اعتراض في وجه الروس على استمرار الوضع القلق، وإذا لم تفهم روسيا هذه الإشارات، فإنها تعيد إدخال المنطقة في مغامراتها.

العربي الجديد

——————————–

محنة “سيزيف” الروسي في سورية/ علي العبدالله

اتسمت زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، بالاستعراضية، إن لجهة تركيبة الوفد، وفد سياسي وعسكري واقتصادي كبير، أو لجهة إيقاعه، وصول الوفد على دفعتين، ومدة الزيارة، ساعات قليلة، إذ وصفت وسائل إعلام روسية الزيارة بـ “التاريخية”، وشخصيات الوفد بـ “البارزة”. من دون تقديم صورة واضحة عن أهداف الزيارة المباشرة ونتائجها الفعلية، فما قدّمه الأعضاء الاقتصاديون في الوفد اقتراحات مشاريع في مجالات الطاقة والبنية التحتية وتحسين الوضع المالي والاقتصادي للنظام السوري، تم الحديث عن 40 مشروعا أساسيا، في حين بقيت الأهداف السياسية للزيارة طي الكتمان، في انتظار رد النظام السوري عليها، طلب مهلة لدراسة العرض.

عكست الزيارة، على الرغم من الاستعراضية العالية، قلقا روسيا متناميا على حصاد سنواتها الخمس في الصراع في سورية وعليها؛ في ضوء الجمود السياسي الذي ميّع “انتصاراتها” العسكرية، واستنزف قدراتها الدبلوماسية، وأثار سحب شك على المآل الأخير للتدخل العسكري في الصراع، معيدا إلى الأذهان تحذير الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لها من الغرق في “المستنقع السوري”، وقد زاد في حساسية موقفها الخسائر البشرية التي ترتبت على انتشارها العسكري في مناطق غرب الفرات وسعيها إلى السيطرة على حقول النفط والغاز في بوادي دير الزور وحمص، ما جعلها عرضةً لهجمات خلايا الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المنتشرة في هذه البوادي، وتكبيدها خسائر بشرية، بما في ذلك رتبا كبيرة. اللحظة السياسية دقيقة، وتستدعي تحرّكا كثيفا لتعديل الاختلال في المعادلة السياسية والدبلوماسية، والضغط على جهات محلية وإقليمية ودولية، على أمل تحقيق اختراق سياسي، يفتح طريق الحل، أو يخفف من كلفة الغرق في مستنقع مجهول الأعماق.

روسيا في موقف حساس وخطير؛ فهي تواجه تحديات وعقبات صلبة، لعل أولها وأهمها غياب تطابق سياسي بينها وبين حلفائها، فالنظام السوري الذي تصفه دوائر روسية بـ”الحليف الصعب”، غير موافق على توجهها لتثبيت الخريطة العسكرية الراهنة مع الولايات المتحدة شرق الفرات، ومع تركيا في شمال البلاد وغربها. موقف التثبيت كرّره لافروف في المؤتمر الصحافي المشترك مع وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في دمشق، والتي تمنعه من التحرّك لاستعادة محافظة إدلب وإلحاق “هزيمة” بالنظام التركي هناك، يراها أولوية مصيرية، كما لا يوافق على التلميحات حول مستقبل النظام، كما عكسته الوثيقة التي وقعتها الرئيسة المشتركة لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، مع أمين عام حزب الإرادة الشعبية، قدري جميل، في موسكو: نظام ديمقراطي، اللامركزية، حل ديمقراطي للقضية الكردية، ابتعاد الجيش عن السياسة. موقف تشاركه فيه إيران، ما جعله يوسّع في انتهاكاته الاتفاق الروسي التركي بشأن المحافظة؛ ويحاول تغيير خطوط التماس فيها بالقضم، عبر التسلل والهجمات المباغتة، موقف فيه إحراج لروسيا التي وجدت نفسها مضطرّة لتثبيت الخريطة العسكرية، في إطار المساومات مع تركيا في أكثر من ملف، بما في ذلك الوضع في ليبيا، من جهة، والاستجابة للضغط الأميركي الذي أعلن تأييده تركيا في إدلب، من جهة ثانية، في تناقضٍ صارخ مع إعلانها المتكرّر أن هدفها المركزي بسط سيطرة النظام على جميع الأراضي السورية، كما لا يوافق (النظام) على تحرّكها السياسي قبل حسم الموقف العسكري.

الحليف الثاني: إيران، هو الآخر ليس على الموجة نفسها، لا يوافق على إعطاء أولوية للحل السياسي؛ لأنه يعتقد أنه مستهدف؛ وأن إخراجه من سورية جزء من التصورات المطروحة، لذا هو يدفع إلى توتير الأجواء باللعب داخل الخطوط الحمراء شرق الفرات ومحافظة إدلب، وينافس القوات الروسية والتابعة لها في الاستحواذ على المناطق، والسعي إلى استقطاب موالين، وتجنيد مقاتلين من أبناء المناطق، خصوصا من العشائر العربية شرق الفرات، كما يرى أن من حقه الحصول على حصّةٍ مجزيةٍ من الكعكة السورية، نظير خدماته العسكرية، والأموال التي قدمها للنظام، ما وضعه في تنافس حاد مع الشركات الروسية، خصوصا على القطاعات الاقتصادية الرئيسة، ووضعه في مواجهة التمدّد العسكري والاقتصادي الروسي في سورية.

لتركيا، حليف الضرورة، أهداف وتوجهات تتعارض مع الأهداف والتوجهات الروسية المرحلية والبعيدة. صحيح أنها مع تثبيت الخريطة العسكرية على الأرض السورية، لكنها تطالب بعودة النظام إلى حدود ما قبل الهجوم أخيرا من أجل عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم، ولا تتفق مع روسيا على صيغة الحل النهائي ومصير النظام، وقد كثفت حضورها العسكري على الأرض السورية، بصورةٍ أخلت بتوازن القوى، وجعلت أي مواجهة بينها وبين النظام خطيرة ومكلفة، وقد رفعت تحدّيها روسيا بالتحرك في أكثر من ملف بشكل يتعارض مع مصالح الأخيرة، من ليبيا إلى لبنان والعراق وأذربيجان، مرورا بالاشتباك مع اليونان وقبرص اليونانية، اللتين تربطهما بروسيا روابط عرقية وكنسية، حول المياه الإقتصادية والتنقيب عن الغاز شرق المتوسط.

أما جبهة الخصوم، فالمواجهة فيها أكثر صعوبة وحدّة، خصوم من وزن الولايات المتحدة التي أفشلت محاولات روسية متكرّرة لتعزيز حضورها وانتشارها شرق الفرات، الاحتكاك مع الدوريات الروسية وقطع الطرق ومنع إقامة قواعد ثابتة في ريف القامشلي، في ضوء حديث المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، عن طبيعة مهمة القوات الأميركية في سورية: جعل طريق الحرب مسدودا أمام روسيا، ومنعها من التسلل إلى عالم الطاقة شرق الفرات: النفط والغاز، بقطع طرق تفاهمها مع “الإدارة الذاتية”، وعقد صفقات معها، لم تكتف بذلك، بل وأصدرت قانون قيصر لمعاقبة النظام السوري وداعميه، ما زاد في حراجة موقف روسيا، وهي تتابع وضع النظام الاقتصادي المتآكل، وحاجته الماسّة لكل أنواع الدعم، وخطورة تركه ينهار على مصالحها وخططها، وخطورة دعمه في ضوء فحوى قانون قيصر إزاء التعاطي معه، ما يضعها تحت طائلة العقوبات الأميركية، فلم تجد مخرجا من ورطتها سوى دعوة واشنطن إلى فتح حوار شامل حول الملفات السياسية، بما في ذلك الحل في سورية، ومحاولة إقناع النظام بتليين مواقفه إزاء قضايا الحل السياسي، بالاستجابة لبعض مطالب واشنطن والمعارضة السورية، من دون نجاح يذكر.

جاء الوفد العتيد، وفي جعبته تصوّر لإرضاء الحلفاء والخصوم في آن، فعلى جبهة الحلفاء، النظام، خطة دعم اقتصادية شاملة لمجالات الطاقة والكهرباء والبنى التحتية وخط ائتمان بمليارات الدولارات، على أن تكون جزءا من توجه يغطي مجالي الاقتصاد والسياسة، دعم اقتصادي واسع مقابل دفع المسار السياسي إلى الأمام، بما يتقاطع مع المطالب الأميركية، بما في ذلك تقليص دور إيران في سورية، بحيث يتحوّل المسار إلى ورقة في المساومات مع الولايات المتحدة، ورقة لإغواء واشنطن واستدراجها للتفاوض على ملفات سياسية عالقة، بما في ذلك قانون قيصر.

أدرك النظام طبيعة الصفقة التي لا تنسجم مع توجهه العام، فعمل على إحباطها بتأجيل قراره، بحجة دراسة الخطة الاقتصادية، من جهة، ورفض ربطها بالحل السياسي، من جهة ثانية، وهذا دفع وزير الخارجية، سيرغي لافروف، إلى تحاشي إظهار التباين السياسي بين الطرفين، فقدّم، في المؤتمر الصحافي مع وزير خارجية النظام، وليد المعلم، أجوبة دبلوماسية عن بعض الأسئلة، وأجوبة غير مباشرة عن أخرى؛ والبدء بتوتير الأجواء في محافظتي إدلب واللاذقية، جبال الأكراد، بقصفهما بالصواريخ شديدة الانفجار، مع استهداف مواقع تركية، ما اضطر روسيا لمجاراته كي تضبط تحرّكه، من جهة، وتحدّد سقف التحرّك، من جهة ثانية، كي تمنع تطور التحرّك إلى مواجهة مباشرة بينه وبين القوات التركية.

لم تؤتِ الزيارة أكلها، فلا هي نجحت في إرضاء الحلفاء، ولا هي نجحت في إرضاء الخصوم، حيث اشتد الجدل بينها وبين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في الأمم المتحدة بشأن ملف السلاح الكيماوي في سورية. وكان لسوء الطالع دوره بتزامن الجلسة مع انكشاف تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني بمادة كيميائية: نوفيتشوك. “سيزيف” الروسي في محنة، فقد نصب له “العم سام” فخّا تقليديا، فتح له الطريق ليتمدّد ويستنزف ويغرق في أكثر من مستنقع.

العربي الجديد

———————————-

مخاوف سكان إدلب/ عبسي سميسم

يعيش سكان محافظة إدلب شمال غربي سورية حالة من الترقب والتوجس لما ستؤول إليه التفاهمات الروسية التركية بشأن محافظة إدلب، وبشكل خاص الريف الجنوبي منها الواقع جنوب الطريق الدولي أم 4. فبعد طلب موسكو من أنقرة تقليص قواتها في سورية ونقاط المراقبة الواقعة جنوب الطريق أم 4، والرد التركي على هذا الطلب بإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة، بدأت تظهر بوادر خلافات جديدة بين موسكو وأنقرة حول إدلب، وتبرز إلى العلن من خلال تصريحات مسؤولي الدولتين، الذين أكدوا أن اجتماعاتهم الأخيرة لم تفض إلى نتائج إيجابية، ومن خلال استهداف قوات النظام للتعزيزات التركية، وهو أمر يستحيل أن يتم من دون توجيهات روسية. كما انعكست الخلافات في اتهامات روسية لتركيا بعدم الالتزام بتفاهماتها معها التي تم التوصل إليها في الخامس من مارس/آذار الماضي. وكل ذلك ينذر بتسخين الأوضاع في المنطقة، واحتمال ذهابها إلى حلول صعبة ليست في صالح سكان المنطقة. ويبدو أن روسيا تسعى لاستئناف عملية قضم ما تبقى من مناطق جنوب الطريق الدولي أم 4 وتمكين النظام من السيطرة على كامل منطقة جبل الزاوية. كما تسعى إلى تحقيق هذا الهدف من خلال إقناع الجانب التركي بتقليص قواته في المنطقة. في المقابل أكدت تركيا مراراً عدم تخليها عن المنطقة أو عن وعودها للسكان بإعادتهم إلى منازلهم بعد أن تم تهجير نحو مليون مواطن منهم، نتيجة الحملة الأخيرة للنظام بداية العام الحالي على ريف إدلب الجنوبي. وكانت تصريحات المسؤولين الأتراك واضحة بأن أي محاولة تقدم جدية للنظام سترد عليها تركيا بشكل مباشر، بالإضافة إلى تقديم دعم للجيش الوطني في أية مواجهة مع النظام. لكن على الرغم من كل ذلك، يوجد مخاوف لدى سكان محافظة إدلب وريفها الجنوبي بشكل خاص، من تفاهمات تركية روسية تُفضي إلى التخلي عن المنطقة لصالح النظام، مقابل مكاسب ميدانية في مناطق أخرى مثل تل رفعت ومنبج. كما تبرز مخاوف من إعادة تفجر الوضع العسكري من جديد في المنطقة وتسببه بمزيد من القتل والدمار والتهجير لسكان المنطقة. هذا الوضع يجعل مصير جنوب إدلب معلقاً بمدى الصمود التركي في وجه المناورات الروسية التي لا تزال موسكو تنجح، من خلالها، بقضم مناطق جديدة لصالح النظام على حساب انحسار مناطق المعارضة.

العربي الجديد


—————————

إدلب..النظام يريد معركة لا يستطيع الانتصار فيها

خسرت قوات النظام والمليشيات الموالية لها أكثر من 10 مقاتلين بينهم ثلاثة ضباط على الأقل في قصف بري نفذته المعارضة السورية على مواقعهم المتقدمة في جبهات ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي.

في حين واصلت قوات النظام الأحد، قصفها لقرى جبل الزاوية بالمدفعية والصواريخ وسط تحليق مكثف لطيران الاستطلاع الروسي في سماء المنطقة التي يسودها التوتر العسكري منذ الجمعة الماضي.

وبدأت قوات النظام الترويج لانطلاق جولة جديدة من المعارك ضد المعارضة في ادلب، ودفعت بمزيد من التعزيزات العسكرية إلى جبهات جبل الزاوية وريف معرة النعمان الغربي والمناطق الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي، وتناقلت شبكات موالية في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للتعزيزات التي ضمت المئات من العناصر، والمدرعات والآليات العسكرية الثقيلة. بعض الصور التي تداولتها الشبكات يعود تاريخها إلى بداية العام 2020، والقسم الأكبر من الصور حديثة بالفعل وتظهر التحركات العسكرية وعمليات الانتشار.

الترويج للمعركة المفترضة بدأ بعد فشل الاجتماعات الروسية-التركية التي أجريت في أنقرة في 16 أيلول/سبتمبر بين وفدين عسكريين من الجانبين. ومن المحتمل استمرار التصعيد العسكري من جانب النظام إلى أن تستجيب تركيا للمطالب الروسية المفترضة والتي تم تسريبها من الاجتماعات الأخيرة، وفي قائمتها سحب النقاط التركية المتواجدة في مناطق النظام، وأهمها نقاط مورك والصرمان والعيس، وعدد آخر من النقاط التي تم إنشاؤها لعرقلة تقدم قوات النظام أثناء العمليات العسكرية أواخر 2019، أهمها نقاط أطراف سراقب، ونقطة معر حطاط على الطريق “إم-5”.

وفي حال تحققت المطالب الروسية في سحب النقاط التركية الرئيسية فسيكون الحديث عن عودة المهجرين إلى مناطقهم برعاية مشتركة وانسحاب قوات النظام إلى حدود ما قبل أيار/مايو 2019 حديثاً من الماضي. ويسمح الانسحاب المفترض بنزع الصفة العسكرية عن المنطقة والتي ما تزال مجمّدة وشبه خالية من السكان منذ أن سيطرت عليها قوات النظام، وبالتالي سيكون بإمكان روسيا الإعلان لاحقاً عن فتح المنطقة لعودة المهجرين والنازحين في مناطق المعارضة، والادعاء بأنها ستعمل على ضمان عودة آمنة لهم، وهذا السيناريو تكرر أكثر من مرة منذ العام 2017 خلال العمليات العسكرية التي بدأت من شرقي سكة حديد الحجاز شمال شرقي حماة وشرق إدلب.

للمليشيات الإيرانية مصلحة أيضاَ في الانسحاب العسكري التركي من داخل مناطق النظام، وبشكل خاص من نقاط طوق حلب، في العيس والراشدين وعندان والشيخ عقيل. هذه النقاط تعرقل عملياً توسع نفوذ المليشيات الإيرانية بالشكل الذي ترغب به. وعلى ضوء الخلافات الروسية-التركية في الاجتماعات الأخيرة والحديث عن صفقة بين الجانبين تضمن انسحاب النقاط التركية من محيط إدلب مقابل دخولها منطقتي تل رفعت شمالي حلب ومنبج شرقها، قامت المليشيات الإيرانية بتعزيز تواجدها العسكري في محيط نبل والزهراء شمالاً تعبيراً عن رفضها المسبق لأي صفقة من هذا النوع تهدد منطقة نفوذها.

في الميدان لا يبدو الجيش التركي موافقاً على سحب نقاطه المتمركزة داخل مناطق النظام، بدا ذلك واضحاً من إجراءات التحصين التي قامت بها عدد من القواعد والنقاط العسكرية التركية. ولا تعني زيادة تحصينات نقاط المراقبة التمسك بمواقعها ووجودها فحسب، بل تعبر عن خشية حقيقة من استهداف قد يطاولها خلال الفترة القادمة كجزء من التصعيد العسكري المتوقع.

التصعيد الروسي الذي يسير بشكل تصاعدي قد ينحو باتجاه كثافة يومية أكبر في خروق وقف إطلاق النار براً وجواً، وضرب أهداف في مناطق عمق سيطرة المعارضة، كذلك تنفيذ عمليات برية محدودة بهدف الاستطلاع بالقوة وزيادة الضغط.

وفي الغالب لن يتطور التصعيد في وقت قريب على الأقل إلى مواجهة مفتوحة لأسباب عديدة، أهمها تصلّب الموقف التركي الرافض حتى الآن لتقديم أي تنازلات، وتعزيز الخط الدفاعي جنوبي الطريق “إم-4” في جبل الزاوية بعد أن دخل المزيد من الأرتال العسكرية التركية خلال اليومين الماضيين إلى منطقة العمليات المهددة بالاجتياح، بالإضافة لعدم كفاية تعزيزات النظام المتجمعة في جبهات إدلب لخوض مواجهة مفتوحة مع المعارضة لأن العدد الأكبر من المليشيات الروسية (قوات النمر والفيلق الخامس) قد تمّ نقله إلى ليبيا، ومن المفترض أن يتم الاعتماد على الفرق العسكرية النظامية (الفرقة التاسعة والفرقة 11 والفرقة السابعة والحرس الجمهوري) وهي قوات ذات جاهزية أقل من القوات التي تدربها وتدعمها روسيا بشكل مباشر.

————————–

هل تبدأ الاشتباكات في إدلب من جديد؟/ مروة شبنم أوروج

مع استمرار عملية وقف إطلاق النار في إدلب، المتفق عليها من قبل روسيا وتركيا، تردنا أخبار عن خروقات تجري بأوقات منتظمة، كان آخرها في الأسبوع الفائت، حيث قصفت قوات النظام قرًى في جبل الزاوية جنوب إدلب. وإن استهداف النظام لتلك المنطقة على وجه الخصوص يجعلنا نتساءل: “هل سينتهي اتفاق وقف إطلاق النار؟”.

إن الاشتباكات بين النظام والمعارضة، وقد ازدادت مع بداية عام 2020، دخلت مرحلة جديدة، نتيجة التدخل التركي الفعّال، عقب استشهاد 33 جنديًا تركيًا على يد النظام السوري. في نهاية العملية التركية العنيفة التي حوّلت معاقل النظام إلى رماد، أبرمت روسيا اتفاقًا جديدًا مع تركيا، في 5 آذار/ مارس، حول مواضيع عديدة، على رأسها وقف إطلاق النار، وقد كان اللقاء الذي جمع الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين طويلًا جدًا، إذ استمرّ 6 ساعات كاملة.

 وبحسب هذا الاتفاق الذي عُدَّ إضافةً إلى اتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين في أيلول/ سبتمبر 2018، تمت عملية وقف إطلاق النار في إدلب بدءًا من 6 آذار/ مارس، إضافة إلى إنشاء ممر آمن شمال وجنوب الطريق الدولي M4، بعمق 6 كيلومتر لكل جهة، وتسيير دوريات تركية وروسية على الطريق الممتد من قرية الترنبة حتى قرية عين الحور.

بينما كانت أولوية النظام السوري، في فترة الاشتباكات المكثفة، هي السيطرة على طريق M5 الدولي الذي يربط دمشق بحلب، لفت انتباهنا سعي روسيا لإجراء اتفاق مع تركيا بخصوص الطريق الدولي M4. وكان من الواضح أن روسيا -على عكس دمشق- تولي اهتمامًا للطريق الدولي M4 الذي يربط حلب باللاذقية، كما تعطي الأولوية لأمن اللاذقية التي تكاد أن تكون تحت سيطرة الروس، مقارنة بمناطق أمن النظام.

إن اتفاق سوتشي الموقع في 2018 كان يحتوي على مادة تتعلق بتأمين طريقي M4 وM5، لكنه لم يكن كافيًا، أو بمعنى آخر: لم يحتوِ على خطط تطبيق تلك المادة، ولذلك كان عقد اتفاقات جديدة متوقعًا مسبقًا.

إن أنقرة وموسكو مستمرتان في تسيير دوريات مشتركة على طريق M4، بالرغم من المعوقات التي تواجههما، ومن المعروف أن بعض المجموعات الراديكالية المستقلة تقف وراء تلك المعوقات، وقد استهدفت هذه المجموعات، التي تعارض الاتفاق التركي-الروسي، الدوريات المشتركة ثلاث مرات، كما استهدفت في الأيام الماضية نقطة انتشار جنود أتراك. وإن محافظة تركيا وروسيا على اتفاق وقف إطلاق النار، بالرغم من كل المعوقات، يؤكد التزام الطرفين بها، في المقابل تواصل تركيا تعزيز قواتها في إدلب، ومن المعروف أن رتلًا عسكريًا تركيًا مؤلفًا من 25 آلية قد دخل الأراضي السورية، يوم الأربعاء الماضي.

إن اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، كما هو معلوم لدى الجميع، أقيم على أرضية هشة، ولن يستمر على المدى الطويل، لكن ذلك الاتفاق، على الرغم من الاستفزازات المختلفة، وعلى رأسها استفزازات نظام الأسد، بقي مستمرًا أكثر من المتوقع.

من ناحية أخرى، بالنظر إلى الميدان، يتبيّن أن النظام ليس جاهزًا، أو أنه لم يجهز نفسه، لشن عملية جديدة وشاملة ضد إدلب. ومن هنا يمكننا القول إن روسيا، التي تدعم قوات النظام بقصف مدفعي صغير نسبيًا وببعض الغارات الجوية، تقيّد نظام دمشق، ولا تعطيه (حتى الآن) الضوء الأخضر لهجوم جديد. وإن النظام الذي لا يستطيع التحرك خطوة دون إذن من روسيا، لن يطلق حملة عسكرية (حاليًا)، وذلك بعد مواجهة تركيا له مباشرةً وإلحاقها الهزيمة به.

من جهة أخرى، على الرغم من استمرار اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة في 5 آذار/ مارس، لم يتوقف العنف تمامًا، وإنشاء الممر الآمن على طريق M4 الذي هو من أهم بنود الاتفاقية لم يُنفّذ بالشكل المطلوب. فهل تتخلى روسيا -على المدى المتوسط- عن عملية وقف إطلاق النار، تحت ذريعة استمرار وجود هيئة تحرير الشام؟

في حال انتهاء عملية وقف إطلاق النار، ترى روسيا أن النظام لن يواجه القوات المسلحة التركية، دون دعم من روسيا، وبناء على ذلك؛ إذا لم تكن لدى روسيا نيّة في مواجهة تركيا، وهذا شبه مؤكد في ظل توازنات الدولية، فإننا نستطيع القول إن الوضع في إدلب لن يتغير في المرحلة المقبلة.

من جهة أخرى، يجدر بنا القول إن للتطورات الساخنة في ليبيا وشرق المتوسط تأثيرًا في “وضع الانتظار” في إدلب. إن تركيا وروسيا ليستا على حال واحدة، فهما تارةً خصمان، وتارةً تتقاطع مصالحهما في مناطق حساسة، كـ ليبيا وشرق المتوسط. وبينما تدعم الدولتان أطرافًا مختلفة في ليبيا، تعدّ الاكتشافات الجديدة المحتملة للغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​من العوائق الرئيسية لروسيا، التي يعتمد اقتصادها على صادرات الطاقة. وإن استخراج أي من الطرفين للطاقة من شرق المتوسط سينعكس سلبًا على روسيا، حيث إن عثور تركيا على الغاز أو وصول الدول المتخاصمة معها، كـ اليونان ومصر وقبرص اليونانية وإسرائيل، إلى موضع استخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا عبر منصة EastMed، سيجعل هيمنة روسيا على الغاز المُصدّر لأوروبا في موقف صعب. ولذلك تراقب روسيا عن كثب التطورات الجارية في شرق المتوسط، ولا تبدي ردات فعل عنيفة ضد نجاح تركيا في فرض نفسها في ليبيا، وتتحرك بحذر.

ومن القضايا التي لها أهمية فائقة، بالنسبة إلى تركيا، مسألة وجود حزب العمال الكردستاني PKK في شمال سورية، فبينما تدعم الولايات المتحدة الأميركية PYD الذراع السوري لـ  PKK، وتسعى لمنحها مكانًا واسعًا في مستقبل سورية، تقوم روسيا ببعض التحركات لتقريب PYD منها. إضافة إلى أن روسيا، التي تدعم المساعي الأميركية لتوحيد PYD مع المجموعات الكردية السورية المعارضة، لا تعارض مشاركة PYD في المفاوضات التي تحدد مستقبل سورية. وقد استضاف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبل أسبوعين، قادة التنظيم الإرهابي PKK/YPG، وهذا يؤكد أن روسيا لم تتخلّ عن جهود الوساطة في نظام الأسد والتنظيم الإرهابي.

وعلى رأس الأمور التي تزعج أنقرة، الدعم الكبير من روسيا ودول غربية، كـ الولايات المتحدة وفرنسا، للتنظيم الإرهابي. حيث إن تركيا لن تسمح لـ PYD بأن يكون جزءًا من مستقبل سورية، ويُنتظر أن تكون لها ردات فعل في هذا الصدد.

باختصار: إذا أردنا معرفة ما سيحصل في إدلب، فلا يجب النظر إلى صورة الأوضاع في إدلب فقط، لأنها مرتبطة بشكل مباشر مع الأوضاع في شمال العراق وليبيا. وعندما نراقب التفاصيل في إدلب، لا ينبغي الوصول إلى نتيجة، دون التمعّن في الصورة الكبيرة المعقدة.

ترجمة فارس جاسم

—————————– ========================

========================

تحديث 09 تشرين الأول 2020

———————————-

سنة خامسة احتلال روسي -مقالات مختارة-

—————————————

سوريا كخطة خمسية روسية/ عمر قدور

لمرور خمس سنوات على التدخل العسكري في سوريا وقعٌ احتفالي في موسكو لم يتردد صداه خارجها. ربما يعود احتفاء الإعلام الروسي البارز إلى دلالة الرقم خمسة المستمدة من الإرث البيروقراطي السوفيتي وخططه الخمسية، الإرث الذي لا يُستبعد أن يكون وزير الدفاع سيرغي شويغو قد تشرّبه، هو الشيوعي السابق وابن مسؤول شيوعي سابق. ففي تصريحات شويغو لصحيفة النجم الأحمر “التابعة لوزارته” تبرز عقلية الحرب الباردة إذ يتحدث عن نصر ضخم تحقق عبر سوريا، الطرف الخاسر هو الغرب المستهين بالقدرات الروسية، ولتحدي الغرب وخسارته المزعومة مكانة تفوق الرواية الرسمية الروسية عن قتال “الإرهابيين”.

من طرائف الحوار المنشور مع شويغو حديثه عن عملية تمويه ضخمة جداً واكبت التحضير للتدخل العسكري الروسي، لتظهر القوة العسكرية الضخمة على نحو مفاجئ. ما يهمنا التوقف عنده ليس التفاخر بعملية تمويه ناجحة في زمن أجهزة الرصد والتجسس التي تغطي الكوكب، ولا شك في أن سوريا كانت ولا تزال ضمن دائرة الاهتمام الدولية، فالأولى هو التوقف عند رد فعل واشنطن والعواصم الغربية، ردّ الفعل الذي يخلو من عنصر المفاجأة والغضب معاً. لعل من أصدق عناوين التعاطي الدولي مع التدخل الروسي مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى زيارة بوتين والتنسيق معه، بينما تأخرت أنقرة في الفهم حتى اختبرت ردّ فعل “الحلفاء المتخاذل” على إسقاطها مقاتلة روسية.

في الذكرى الخامسة للتدخل، وفي مناسبات عديدة سابقة، يحرص المسؤولون الروس على تأكيد أن سوريا ليست أفغانستان، وهذا صحيح جداً حتى إشعار آخر، لا لأن القيادة الروسية تجنبت أخطاء التدخل السابق وإنما لأن وجودها الحالي في سوريا يحظى بمباركة دولية وإقليمية مؤثرة. بل إن التدخل، الذي أتى شكلياً بطلب من بشار الأسد، حظي برضا طوعي سريع من شخصيات تحسب نفسها على المعارضة المعتدلة، ثم برضا قسري ممن يحسبون أنفسهم على صقورها. بالمقارنة مع تفاخر مسؤول إيراني بأنها أصبحت المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، لم يكن يعزّ على كثر “على جانبي الصراع السوري” أن تصبح سوريا مقاطعة روسية، مع الأمل بأن تثبت موسكو فارقاً ملموساً بين الحالتين. مجمل الظروف التي واكبت التدخل تشجع موسكو على التعاطي مع المرحلة المنقضية منه كخطة خمسية داخلية بالمعنى الحقيقي، لا بالانتقائية التي تعاطت معها الآلة الإعلامية التابعة للكرملين.

في جردة الحساب، الموجهة أساساً للجمهور الروسي، تظهر سوريا مجرد أرض، مكاناً ما للانتصارات الروسية على أكثر من صعيد. بل لا يندر تصويرها كحقل رماية تدربت فيه القوات الروسية، والأهم أنها اختبرت أسلحة وذخائر لم تختبرها من قبل في الحرب. على هذا الصعيد، تستطيع موسكو التباهي بأن جرائم الحرب تدرّ دخلاً، ففي عام 2017 أعلنت شركة روزوبورون إكسبورت الحكومية عن عقود بقيمة 15 مليار دولار بفضل الأسلحة التي اختبرتها في سوريا، ومن المرجح أن يتعلق قسم كبير من العقود بذخائر محرمة دولياً، عنقودية وفراغية وفوسفورية، كانت المقاتلات الروسية قد استخدمتها بكثافة في حلب والغوطة آنذاك. لقد وجدت القوات الروسية في جرائم الحرب التي سبق لقوات الأسد ارتكابها أفضل استثمار، لأن استخدام الأسلحة المحرمة دولياً سيُحسب على تلك القوات، سواء بالتواطؤ بين الجانبين أو بتواطؤ المجتمع الدولي الذي لا يرصد جرائم الحرب الروسية.

بحسب وزير الخارجية لافروف، أُنجزت المهمة الروسية ولم يتبقّ سوى بؤرتي توتر في إدلب وشرق الفرات، والأولى منهما متروكة للتجاذبات التركية-الروسية، بينما الثانية خاضعة للقرار الأمريكي بلا منازع. للوصول إلى هذه النتيجة، بحسب زميله وزير الدفاع، نجحت العملية الروسية في تصفية أكثر من 133 ألف مسلح، وهذا رقم مهول من المرجح أنه يحتسب المدنيين ضحايا سياسة الأرض المحروقة، لضخامته من جهة ولأننا من جهة أخرى شهدنا اتفاقيات مصالحة أو ترحيلاً للفصائل يفنّدان وقوع هذه الخسائر في صفوفها. يراهن المسؤولون على أن جمهورهم قليل الدراية بما يحدث بعيداً، وعلى أن الأهم هو تقديم نتائج ناجحة لخطة الخمس سنوات الماضية، وملخصها الحصول على قاعدتين “جوية وبحرية” وتعزيز القوة الروسية الجيوسياسية من دون كلفة على الإطلاق، فالكلفة البشرية للقتال دفعتها ميليشيات الأسد ونظيرتها الإيرانية، والكلفة المالية هي من ميزانية التدريب فضلاً عن الأرباح الآتية من بيع الذخائر والأسلحة المختبرة.

لا حضور لسوريا خارج ميزان الأرباح هذا، الإشارات إلى الانهيار الاقتصادي لسلطة الأسد تأتي إما لتلقي باللوم على العقوبات الاقتصادية الغربية أو لتلقي ببعض اللوم على فساد السلطة، وأحياناً على الوجود الأمريكي “غير الشرعي” في أماكن الثروة النفطية. لا ترى موسكو نفسها معنية بذلك الانهيار الذي لا يمس أرباحها الجيوسياسية، وللخروج من مأزق “لا تراه مأزقها” تعرض سبيلاً وحيداً أشبه بخطة خمسية “سوفيتية” أخرى هو المدخل الدستوري، بل حتى أنها تتحاشى وضع سقف زمني عالٍ لعمل اللجنة الدستورية التي تريد لها العمل وحدها ومن دون أجل محدد. لا يخالف السلوك الروسي في ذلك ما هو معروف عن نهج بوتين الديكتاتوري الثابت، إلا أنه يخالف الآمال المعقودة عليه.

تصلح الاحتفالية الروسية بمرور خمس سنوات على احتلال سوريا للنظر إلى الوجود الروسي كما يراه أصحابه، أي خارج التمنيات والتكهنات والتوقعات التي خابت مراراً خلال المدة ذاتها. نعم، ستكتسب السياسة الروسية سمعة حسنة فيما لو اكترثت بمحكومي الأسد وبعموم السوريين، وفيما لو سارت في تسوية تقتضي تغييراً ولو متدرجاً نحو الديموقراطية. هو دور مطلوب ومأمول من قوى تخشى التغيير، ومن قوى تخشى الفوضى التي تعقب سقوطاً غير محسوب لسلطة الأسد. بل “نظرياً” هو دور مطلوب غربياً، لعله يكون مدخلاً لتسويات أخرى مع موسكو في أوكرانيا وبيلاروسيا وسواهما، فضلاً عن تجارب أخرى قد لا يكون موعدها بعيداً جداً في أفريقيا.

لكن ما يُرى مصلحة روسية بعيدة المدى قد لا يُنظر إليه كذلك وفق المنظور الروسي، وعلينا ألا نفترض وجود غباء روسي خاص، فالتجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق مثلاً لم تقدّم نموذجاً جيداً عن إدارة النصر أو الاكتراث بمصائر السكان. أما التواطؤ الغربي مع التدخل الروسي، كما هو فعلاً وبلا شروط عليه، فلا تٌلام موسكو بفهمه تفويضاً لها بالأدوار القذرة التي يتحاشاها الغرب. أبعد من الاحتفالية الروسية، كل القوى الخارجية الفاعلة الآن في سوريا ترى نفسها منتصرة بأقل الأثمان وبلا مسؤوليات يرتبها النصر، ولعل ذلك يشرح حال السوريين الآن وفي المدى المنظور. 

المدن

——————————-

روسيا ترحّل المسألة السورية/ بشير البكر

يبدو أن روسيا عازمة على ترحيل المسألة السورية من جديد، بسبب استحقاقين أساسيين: الانتخابات الرئاسية الأميركية والانتخابات الرئاسية السورية. وبدأت الآلة الروسية العمل على هذا الأساس، حيث ظهرت، في الآونة الأخيرة، بوادر إلى وقف عملية جنيف الخاصة باللجنة الدستورية، في وقتٍ كان من المنتظر أن تبدأ العمل على مشروع الدستور بعد قرابة سنةٍ ضاعت بالمناكفات والتعطيل المدروس الذي مارسه وفد النظام السوري بتغطيةٍ روسية، وعقدت الوفود حتى الآن ثلاث جولات، كي تتفق على نقاط أساسية على جدول الأعمال للجولة التي كانت مقرّرة في الخامس من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ولكن موسكو تحرّكت في النصف الثاني من الشهر الماضي، وبادرت إلى إطلاق تصريحاتٍ تفيد بأن أصل العملية السياسية ليس اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف برعاية الأمم المتحدة، بل هو مسار أستانة الذي ترعاه كل من روسيا وتركيا وإيران، وحتى ما قبل أستانة، في إشارة إلى المؤتمر السوري الموسع الذي انعقد في سوتشي مطلع عام 2018.

وتبلغت المعارضة السورية الرسالة من أوساط دولية، قبل أن يصرّح المبعوث الأممي، غير بيدرسون، والذي تحدّث عن صعوبة عقد الجولة الجديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، على الرغم من أن موعد الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول كان متفقا عليه، وكذلك الأمر بالنسبة لجدول الأعمال الذي جرى تحديده في اجتماع اللجنة أخيرا في جنيف.

والسؤال، ما هو سر تراجع روسيا عن مسار جنيف، في حين أنها بدت متحمسةً له منذ أول اجتماع للجنة الدستورية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي؟ يكمن السبب الأول في انتخابات الرئاسة الأميركية. وبناء على شخصية الرئيس الأميركي المقبل، سوف يحدّد الروس موقفهم من الوضع في سورية، وهذا أمر لن يتضح قبل نوفمبر المقبل، فالانتخابات مقرّرة في الثالث منه، ولكن الرئيس لن يمارس مهامه الدستورية قبل نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل، ويحتاج عادة إلى مائة يوم للنظر في الوضع الداخلي وترتيب فريق الإدارة الجديدة وشؤونها، وبالتالي لا تبدو روسيا في عجلةٍ من أمرها، ولن تُقدم على خطوةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ في سورية قبل أن تعرف كيف تستطيع تسويقها أميركيا، وخصوصا لجهة إطلاق مشاريع إعادة الإعمار التي تحتاج إلى تمويل أميركي أوروبي، ومن المعروف أن الأطراف كافة تربط ذلك بإطلاق عملية سياسية جادّة تسمح بالعودة الطوعية للاجئين.

أما السبب الثاني فهو الانتخابات الرئاسية السورية المقرّرة في الصيف المقبل. وحسب أوساط على معرفة بالكواليس الروسية، ليست موسكو في وارد التخلي عن الرئيس بشار الأسد. ونقل بعضهم عن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قوله “ليأخذوا كل شيء، وليتركوا لنا الأسد”. وهنا نقطة الخلاف الرئيسية التي لا يبدو أن تجاوزها سهل، فالحل السياسي بوجود الأسد وجهازه لا يمكن أن يسير به أحد من المعارضة التي من الصعب أن تتنازل عن سقف محاكمة الأسد وأركان حكمه، وإلا فإنها لن تجد من يسير معها من السوريين، وخصوصا المتضرّرين المباشرين من المهجّرين في الخارج والداخل، والذين تجاوز عددهم عشرة ملايين نسمة. ومن غير الواضح هنا الطريقة التي سوف يصوّت بها اللاجئون في الخارج. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، لن يختلف الأمر عن الدورة السابقة التي كان التصويت فيها شكليا حسب طريقة الاستفتاء المعهودة في سورية منذ عهد الأسد الأب.

بقاء الموقف في سورية على ما هو عليه قد يلائم روسيا مرحليا، ولكنه قد لايأتي في صالحها مع مرور الوقت، خصوصا أن فاتورة حضورها العسكري باتت عاليةً، من دون أن تتمكّن من استرداد بعض الأموال التي صرفتها منذ تدخلها العسكري قبل خمس سنوات.

العربي الجديد

—————————–

سنة خامسة احتلال روسي/ ميشيل كيلو

يغلط من يعتقد أن أهداف روسيا والأسد بقيت هي نفسها التي كانت تجمعهما عام 2015، عندما طلب الأسد من موسكو غزو سورية. اليوم، لم تعد أهداف الطرفين متطابقة، بعد دور روسيا في إنقاذه، وتعيين دوره، منذئذ، بإرادة من أنقذوه بأوامر كان قد أصدرها الرئيس بوتين إلى جنرالاته، بحيث يمكن القول إن احتلال سورية بقوات روسية لم يعد مرتبطا بإرادة الأسد ووجوده في السلطة، بما أن علاقة المحتلين به لم تعد علاقة مركزٍ بمحيط، فهو كمحيط تلاشي أو مرشّح للتلاشي، إذا ما تطلبت مصالح الروس التخلي عنه، أو تحويله إلى هيكل فارغ لا وظيفة له.

ما الذي حققه الروس بعد خمسة أعوام غير هذا “الإنجاز”؟. وضعت روسيا لنفسها هدفا استراتيجيا، الانفراد بالسيطرة على سورية، وانتفاء أي طرفٍ منافسٍ لها، لاستخدامها نقطةً ينطلق الكرملين منها إلى الوطن العربي، واستعادة ما كان للاتحاد السوفياتي من نفوذ وحضور فيها.

لم يتحقّق هذا الهدف، فالروس يحتلون بمفردهم أقلّ من نصف مساحة سورية، فلم ينجحوا إذن في الانفراد بها، لأن الولايات المتحدة وإيران وتركيا تحتل مناطق سورية لا تستطيع موسكو تخطّي الخطوط الحمراء التي تحميها. إلى هذا، وضعت موسكو أيضا خطةً سياسيةً لحل روسي من بندين: تشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد. وفي حال رفضت المعارضة، يكون البديل حربا شاملة تشنّ على السوريين، لإرغامهم على الانصياع للأسد. بفشل البند الأول، سقطت رغبة الغزاة في إحلال بشار الأسد مرجعية بديلة لمرجعية الهيئة الحاكمة الانتقالية بقوة بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، فقرّرت الالتفاف عليهما ومنع تطبيقهما، لأنهما يزيحان الأسد عن السلطة. بينما حققت البند الثاني بأن دمّرت أكثر من نصف سورية، وهجرت وقتلت وجرحت مئات آلاف من مواطنيها.

هذان الإنجازان: السيطرة على النظام الأسدي، وتدمير الشعب السوري، يطرحان السؤال: هل تستطيع موسكو استثمار “إنجازيها” لفرض حل يتكافأ مع استراتيجيتها في الانفراد بسورية والانتشار منها إلى العالم العربي؟. وهل حسّن احتلال سورية وضعها الدولي الذي كان تحسينه من أهم أهداف مغامرة موسكو السورية التي أريد بها أيضا الضغط على واشنطن، وإجبارها على بناء علاقة تتسم بالندّية مع أميركا. لم يتحقق هذا الهدف، ولذلك يبدو أن موسكو قرّرت استبدال الورقة السورية الضعيفة بورقة إيران القوية، المهمة بالنسبة لأميركا، وصولا إلى ما رسمه لعلاقاتها مع الغرب عامة، وواشنطن خاصة، من أهداف.

بعد خمسة أعوام من احتلال سورية، تبدو موسكو عاجزةً عن تحويل إنجازيها إلى حل سياسي يحقق أهدافها السورية والعربية والدولية. في هذا الظرف، أقلقتها اتفاقية عسكرية عقدها الأسد مع إيران يوم 8 يوليو/ تموز الماضي، ورأت فيها محاولةً من الطرفين للإفلات من سيطرتها علي السلطة وعليه شخصيا، ردّت عليها بتعيين ممثل شخصي للرئيس بوتين، بصفة مندوب سام، مهمته الإشراف المباشر على الرئاسة، وتعيين رئيس أركان روسي للجيش السوري، ومحافظين روس في مختلف مناطق سورية، بينما عقد نائب رئيس وزراء روسيا اتفاقاتٍ اقتصادية بالعشرات، لإحكام قبضة روسيا على ثروات البلاد ومواردها الوطنية، في نقلةٍ نوعيةٍ لفصل وجود موسكو في سورية عن الأسد، واستكمال سيطرتهم على سلطته، ما دام فشلهم في الإنفراد بالسيطرة عليها يمكن أن يزجّهم في مآزق تضعفهم، بما سيترتب على ذلك من نتائج خطيرة في موسكو.

بعد خمسة أعوام من احتلال سورية، تجد روسيا نفسها أمام نجاحٍ عسكريٍّ نسبيٍّ، وفشل سياسي متحد، قيّد قدرتها على الانفراد بسورية، وفرض حلها عليها. لذلك، سيكون خيارها تجميد السعي إلى حل، وتشديد قبضتها على مستعمرتها.

العربي الجديد

——————————-

تركيا تضيق هامش المناورة الروسية في إدلب/ محمد شيخ يوسف

أجلت التطورات العسكرية المتواصلة بين أرمينيا وأذربيجان والمعارك المحتدمة في إقليم قره باغ، اللقاءات التقنية التركية الروسية المتعلقة بإدلب، والتي كان من المفروض إجراؤها في الأيام السابقة، بعد التوافق التركي الروسي على استمرار المفاوضات للوصول إلى التوافق الشامل في إدلب، ينهي معها التوترات المستمرة، ويؤدي إلى الاستقرار النهائي، رغم أن الطرفين رفعا من سقف مطالبها قبيل أي اجتماع مقبل، إلا أنهما اعتادا على التفاهم والتلاقي وتحييد التصادم الذي لن يؤدي سوى إلى الانزلاق إلى متاهات جدية هما بغنى عنها، ومع ذلك فإن احتمالات التلاقي قائمة وقريبة، خاصة أن وزيري خارجية البلدين التركي مولود جاويش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، يتبادلان الاتصالات للتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان، في مسعى لفصل الملفات وعدم ترابطهما وحل كل ملف على حدة.

ورغم التطورات الجارية والمحاولات الروسية الواضحة للضغط والتأثير على المواقف التركية، لإجبار أنقرة على الرضوخ وتقديم التنازلات في الملف السوري بعد التطورات المفاجئة في أذربيجان، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جدد في كلمة له أمام البرلمان الخميس، تمسك تركيا بإدلب وعدم التخلي عنها لعدة أسباب منها حماية حدود البلاد من تسلل الإرهابيين، وتوفير الأمن للمدنيين السوريين الموجودين في المنطقة والنازحين إليها، عبر تحويل المنطقة إلى منطقة آمنة، ووقف الهجمات على المدنيين والخطر المتواصل عليهم بالقصف البري والجوي، والقضاء على التهديدات الإرهابية، وهو ما يعني ويؤكد أن تركيا باستراتيجياتها الأخيرة، عملت على تقوية موقفها بشكل كبير جدا، أجبر روسيا على التراجع قليلا، وقلل من فرص المناورة وهامشها في إدلب، بفرض الانتشار والتوسع العسكري التركي، ورغم كل الضغوط الروسية والمطالب بسحب السلاح، والتصعيد الإعلامي، والخروقات المستمرة بالقصف، إلا أن تركيا وسعت وجودها العسكري في إدلب، وأدخلت ولا تزال تدخل يوميا التعزيزات العسكرية دون توقف.

تضييق هامش المناورة للروس في إدلب منبعه الأساسي فكرة الحسم العسكري الميداني من قبل تركيا، بعد أن ثبت خداع الجانب الروسي وعدم التزامه بالتعهدات والاتفاقيات، ولهذا يأتي الضغط الروسي حاليا من جبهة قره باغ، وأيضا محاولة ربط ملف شرق المتوسط بملف إدلب، حيث استطاعت تركيا عبر تفاهمات عسكرية مع الجانب اليوناني برعاية الناتو، وتحييد التوتر مع الاتحاد الأوروبي بالحوار، فصل ملف شرق المتوسط وسحب هذه الورقة أيضا من روسيا، وبالتالي حققت الفصل بين الملفات، مع تقدم الحوار في ليبيا أيضا بين الأطراف المتصارعة، ومع الوجود العسكري التركي الميداني في إدلب، يمكن القول أن هامش المناورة بات ضيقا جدا للروس، فالانتشار العسكري التركي وتصريحات الرئيس أردوغان، وتصريحات مشابهة سابقا له ولوزير الخارجية جاويش أوغلو، بتشكيل منطقة آمنة في إدلب أسوة ببقية المناطق، ومع انخفاض احتمالات حصول التصعيد الشامل بالمنطقة، فإن روسيا ربما تلجأ إلى بدائل للضغط على تركيا، سياسيا وعسكريا وميدانيا.

ورغم كل التفوق التركي الميداني الحالي، والنجاح في فصل الملفات، ووضوح الرؤية بالنسبة لها، وضيق هامش المناورة الروسية، فإن هذا لن يضعف موسكو بالضرورة، لأن الأخيرة تستغل الوضع الجيوسياسي في المنطقة والعالم، ولهذا لا تزال مصرة بالحصول على كامل جنوب الطريق الدولية إم4، وحتى شماله في بعض المناطق، ضمن المثلث الغربي القريب من جسر الشعور، كما أنهم سيظلون مصرين على الطلب من الجانب التركي بسحب السلاح الثقيل من المنطقة، وسحب نقاط المراقبة المحاصرة، وسيقابل ذلك ضبط نفس وصبر من قبل تركيا التي تراقب التطورات في الملفات الدولية من جهة، والتطورات داخل إدلب من جهة أخرى، وتضبط النفس وتصبر أمام السقف العالي الروسي المطروح دائما من جهة ثالثة.

روسيا وإن أظهرت عدم ضعف واستمرت بالتصعيد الدبلوماسي والإعلامي، وحتى الميداني فإنها لن تحقق تلك المكاسب الكبرى، ليكون مصير إدلب شبه محسوم من قبل تركيا، ولن تبعدها أي قوة عن إدلب لأهميتها الاستراتيجية للأسباب المذكورة سابقا، والتي رددها وكررها أردوغان، والمهم بالنسبة لتركيا بعد ضمان الاتفاقية النهائية، وفرض وقف إطلاق النار، إعادة ترتيب وضع الفصائل العسكرية المعارضة، ومصير هيئة تحرير الشام سيكون حاضرا بقوة، حيث أن إيجاد حل للهيئة لن يكون بالسهولة المتوقعة، لهذا تراقب تركيا التغييرات التي تجري في بنية الهيئة وسلوكها في المنطقة، وتقييد اليد الروسية في إدلب بسبب التطورات الميدانية، قد يدفعها عبر هذه الخاصرة النازفة للمعارضة وتركيا وهي التنظيمات الراديكالية، بخلق الفوضى العسكرية والميدانية داخل إدلب لتحقيق المكاسب التي قلت بالنسبة إليها، وربما تتطور لاحقا إلى هجمات ممنهجة تستهدف نقاطا عسكرية تركية مستقبلا.

تركيا تراقب عن كثب التغيرات الجارية في هيكلية هيئة تحرير الشام، والهدف الأساسي هو إبعاد العناصر المتشددة، ويرافق ذلك تكثيف الاستهداف من قبل القوات الأميركية لقياديي تنظيم حراس الدين المتشدد عبر المسيرات، كما أن تركيا كثفت في الداخل التركي من ملاحقة عناصر هيئة تحرير الشام، وربما يكون هناك سعي لدمج عناصر الهيئة من السوريين في المعارضة، في ظل رفض لدمج العناصر الأجنبية المتشددة، كما تشهد الهيئة أيضا انشقاقات باتجاه التنظيمات المتشددة الأخرى، وكل ذلك بالنهاية يصب في خانة تذويب تلك العناصر والقضاء عليها وسهولة إخضاعها، وتحاول بذلك تركيا سحب ورقة العناصر الراديكالية من روسيا من جهة، ومن جانب آخر تأمن أي خرق لهذه التنظيمات من قبل النظام وروسيا، لحثهم على استهداف القوات التركية مع الوجود العسكري الكبير في المنطقة، حيث سبق أن شنت هذه العناصر هجمات مشابهة على القوات التركية ونقاط تمركزها.

وخلاصة الكلام فإن تركيا عملت على عدة مسارات لتخليص وسحب أوراق الضغط من أيدي روسيا، ففصلت الملفات الدولية عن بعضها بعضا، دون أن تتداخل ويتم تبادل التنازلات عبرها كما تسعى دائما، وخاصة في أزمة شرق المتوسط وليبيا، وتسعى لتحييد أزمة أذربيجان وأرمينيا، كما عملت على تقوية يدها في الميدان عسكريا عبر تمركزات استراتيجية، وتمكنت من تشكيل حاجز أمام أي محاولات للتقدم العسكري من قبل النظام بدعم روسي، كما أنها تراقب وتعمل على استرضاء روسيا في مساعي تغيير هيئة تحرير الشام سلوكها، ومحاولات دمج فصائل المعارضة وتوحيدها، وكل هذا بالنهاية بهدف فرض اتفاقية وقف إطلاق نار شاملة تعمل تركيا عبرها على حل جميع المشاكل العالقة في إدلب بشكل كامل يريحها في ترتيب الأوضاع فيها، وبذلك ضيقت تركيا هامش المناورة الروسية في المنطقة، وكل ما سبق ورغم الرهان التركي، لا يعني الرضوخ الروسي أو التراجع، حيث إن روسيا اعتادت دائما على عدم وضع أي حساب لحياة المدنيين والسوريين، فلا يأمن لها جانب وربما تواصل انحدارها بالتصعيد، يقابله صبر تركي يسايرها حتى الوصول إلى الهدف المنشود.

————————–

روسيا لم تنتصر ولم تهزم في سوريا/ ساطع نور الدين

طوال السنوات الخمس الماضية، وعد الاشقاء السوريون ، المعارضون طبعا، الذين لا ينتمون الى جبهة النصرة وأخواتها، بشن حرب تحرير شعبية لطرد الاحتلالين الروسي والايراني من أرضهم، لكنهم لم يفوا بوعدهم. فتحول الروس الى مقيمين دائمين في سوريا، وتجذر الايرانيون في المجتمع السوري، وباتت الصعوبات التي تواجه روسيا وإيران تقتصر فقط على ما تفرضه أميركا من عقوبات مالية على البلدين وعلى شركائهما السوريين واللبنانيين.

لمناسبة الذكرى الخامسة للتدخل العسكري الروسي، والذكرى التاسعة للتدخل الامني الايراني، لم يعد بالامكان تصور موعد خروج آخر جندي روسي، وآخر أمني إيراني من الاراضي السورية.. وهو شأن لم يعد يرتبط ببقاء نظام الرئيس بشار الاسد، الذي يخضع الآن لتنافس حاد بين الروس والايرانيين على إنتزاع الحد الاقصى من المكاسب والصفقات والمغانم من سوريا، وبسرعة شديدة توحي بان الجانبين في سباق محموم مع الزمن.

حفلت بداية السنوات الخمس الماضية بالكثير من الالتباسات، أهمها أن الغرب وافق بتحفظ على التدخل الروسي، متوقعاً أن يؤدي ذلك الى إخراج إيران من سوريا. حصل العكس. وتبين مع الوقت ، أن الحلف المقدس الذي أرساه الرئيس حافظ الاسد قبل أربعين عاماً مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، كان وسيبقى واحداً من أهم الثوابت الاستراتيجية السورية، وواحداً من أقوى الروابط السياسية بين البلدين. وقد سبق لكثيرين من العرب والغربيين أن إستخدموا مختلف أنواع الضغوط والمغريات لفضه، من دون جدوى.

قبل التدخل الروسي، كان الجيش السوري “في وضع خطر جداً”، حسب الاعتراف الاخير لبشار في مقابلة مع إحدى محطات التلفزة الروسية بثت ليل الاحد. وهو لا يزال في ذلك الوضع. فالسنوات الخمس الماضية لم تشهد نجاحات روسية تذكر في إعادة بناء ذلك الجيش، ولا في إعادة بناء الدولة السورية. كما لم تشهد أي جهود إيرانية في هذا الاتجاه، وإستمر اعتماد النهج الذي يبحث عن بدائل للجيش وللدولة في سوريا، وفي كل مكان يدخله الايرانيون.

لا حرب في سوريا، الآن سوى تلك التي تخوضها تركيا دفاعاً عن حدودها الجنوبية، في مواجهة مشروع الانفصال الكردي، وفي مواجهة إحتمال أن تقرر روسيا دفع نحو مليون لاجىء سوري جديد الى داخل الاراضي السورية. الادوات السورية التي يستخدمها الاتراك لا تصلح لأي مشروع بديل في الشمال السوري، وفي تلك المنطقة الحدودية، التي كان يفترض ان تظل معبراً لعلاقات متينة بين البلدين والشعبين. العرض الوحيد الذي يناقش الآن على اي طاولة تفاوض تعني بالشأن السوري، يقوم على مبادلة الانفصاليين الاكراد بالاسلاميين السوريين.

عدا ذلك لا يمكن العثور على أي بحث جدي في مستقبل سوريا. روسيا ليست مؤهلة لمثل هذا البحث، وهي لا تدعي حتى أنها تسعى الى حل سياسي في سوريا، أو الى نظام  مختلف مستقر ومتطور ، كما يتوهم بعض المعارضين السوريين. بقاء النظام الحالي كان وسيبقى شرطاً لبقاء الاحتلال الروسي، ولحصول الروس على الحد الاقصى من الغنائم. والانتخابات الرئاسية المقررة في صيف العام 2021، ستجري في موعدها، بغض النظر عن مسار التفاوض المتعثر في اللجنة الدستورية السورية، حسب تأكيد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في زيارته الاخيرة الى دمشق. وبشار الاسد يمكن ان يكون مرشحاً وحيداً.

لم تحتفل روسيا في مناسبة إنتهاء حملتها الخمسية الاولى، بالنصر في سوريا. كما لم تشهد إيران أي إحتفال.  كانت العقوبات الاميركية مصممة منذ البداية لمنع مثل هذه الاحتفالات. لكنها لا تزال مصحوبة بنوايا وخطط أميركية للانسحاب من سوريا ومن العراق ومن المنطقة العربية كلها، وتكليف الاسرائيليين بسد الفراغ.. وتغطية المأزق الذي يواجهه الجميع في تحديد وجهة السنوات الخمس المقبلة، التي قد تشهد بعض التوسع الروسي نحو لبنان والعراق، لكنها لن تمهد لأي مخرج سوري.. طالما أن الوعد الأول، لم يحترم حتى الآن. 

المدن

——————————-

كيف تحوّل جنوب سورية إلى برميل بارود إقليمي/ أرميناك توكماجيان

أرميناك توكماجيان

ملخّص

حوّل النزاع السوري المنطقة الحدودية الجنوبية في البلاد إلى مُعترك للصراع الإقليمي. راهناً، تهدف ترتيبات الوضع القائم هناك، والتي شكّلتها أساساً روسيا وصانتها منذ العام 2018، إلى منع تمدّد مناطق سيطرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد والقوات الإيرانية والفصائل المسلحة الموالية لها، لأن ذلك قد يُشعل إوار مجابهة إقليمية. وبالتالي، لايزال الجنوب منطقة ملتهبة، وربما سيبقى كذلك لسنوات، وسيكون مصيره رهناً بالسياسات الإقليمية لا بإرادة الحكومة السورية.

أفكار رئيسة

    أثّر الموقع الجغرافي لمحافظتي درعا والقنيطرة في جنوب سورية قرب الحدود مع الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، بقوة على الطريقة التي عادت بموجبها قوات نظام الأسد إلى هناك العام 2018.

    يخشى كلٌّ من الأردن وإسرائيل أن تُسهّل عودة النظام إلى الجنوب تموضع القوات الإيرانية والقوات الحليفة لها قرب الأراضي التي تسيطران عليها.

    لمنع إسرائيل والأردن ولاعبين آخرين من عرقلة عودة النظام، عمدت روسيا إلى وضع استراتيجية استبعدت فيها مشاركة إيران وسهّلت ولادة مسارات الحوار النسبي، والقوة الناعمة، والتسويات.

    أدّت طبيعة العملية التي قادتها روسيا إلى منع استعادة سيطرة النظام الكاملة على الجنوب السوري، وأحلّت مكان التمرّد المفتوح صراعاً منخفض الوتيرة.

    ارتدت ديناميكيات المنطقة الحدودية حلّة المضاعفات الإقليمية. وبالتالي، أي تطور يطرأ هناك ستكون له تبعات أبعد من هذه البقعة بكثير.

خلاصات

    حتى الآن، منع الوضع القائم في جنوب سورية، على الرغم من أوجه قصوره، اندلاع تصعيد إقليمي خطير، ما يجعل استمراره أمراً مرغوباً فيه.

    على الرغم من الجهود الروسية للحد من عودة إيران إلى الجنوب، تبدو قدرتها على ذلك محدودة. وثمة دلائل على أن القوات المسلحة الموالية لإيران ومعها وحدات أمنية من الجيش السوري، تبحث عن وسائل لتوسيع نطاق تواجدها في الجنوب.

    السياسات المحلية في محافظة درعا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باعتبارات إقليمية ولاعبين خارجيين. كما أن مصير الشخصيات المعارضة السابقة يرتبط بالتزامات روسيا في المنطقة، مايوجب على هذه الشخصيات اتخاذ الحيطة والحذر.

    للتعويض عن سلطته المحدودة في المناطق التي استعاد السيطرة عليها في الجنوب، سعى النظام إلى إحياء دور الدولة كمزوّد للسلع والخدمات في مقابل الولاء. بيد أن موارد الدولة الشحيحة تعرقل هذا المنحى.

    لا يبدو حتى الآن أن إيران تريد تقويض الوضع الراهن في الجنوب. لكن هذا لا يعني أنها سعيدة بالقيود المفروضة على سلوكها هناك. وهذا يضيف عاملاً آخر إلى طبيعة علاقاتها مع روسيا في مجال بلورة المحصلات والخواتيم في سورية. الاحتمال يبقى مفتوحاً أن تقوم إيران يوماً ما بتحدي الواقع الحالي، ماقد يفاقم آفاق المجابهة الإقليمية.

مقدّمة

أدى النزاع في سورية إلى تحويل المنطقة الجنوبية من البلاد إلى ساحة صراع إقليمي. والآن، وفي خضم هذا النزاع، بات ثمة معنى آخر لكلٍ من خط وقف إطلاق النار الذي يفصل سورية عن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، والحدود بين الأردن وسورية. يمثّل هذان الخطّان إطاراً لمنطقة طَرْفية ملتهبة احتلت موقع الصدارة غداة الانتفاضة السورية العام 2011، بفعل انخراط مروحة من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في تشكيل المحصلات السياسية هناك. هذه الحقيقة المعقّدة تحكّمت بالطريقة التي عاد بموجبها نظام الرئيس بشار الأسد، بدعم من روسيا، عسكرياً إلى الجنوب العام 2018. فمن خلال تقدّمه على نحو حذر بسبب المضاعفات الإقليمية لمثل هذه الخطوة، أنشأ هو وروسيا وضعاً تبدو فيه سيطرته ضعيفة وظرفية، من دون أن ينجحا في حل صراعات القوى الإقليمية.

اندلعت شرارة الانتفاضة السورية في محافظة درعا الجنوبية في آذار/مارس 2011. وفي طول البلاد وعرضها، جابه النظام الحراك، الذي كان غير عنفي في بدايته، بالقوة، فانقلب الصراع إلى تمردٍ مسلّح جرّ في ركابه لاعبين أجانب. ففي العام 2015 تدخّلت روسيا عسكرياً وعكست موازين القوى لصالح النظام. وفي الفترة بين 2016 و2018، استعادت قوات الأسد، بغطاء جوي روسي وفي العديد من الحالات بدعم من إيران والقوات الحليفة لها، عشرات المناطق التي كانت في حوزة المعارضة، بما في ذلك محافظتي درعا والقنيطرة.

كان من الضروري وضع استراتيجية مُغايرة في تلك المنطقة، لأن درعا والقنيطرة جزءٌ من منطقة حسّاسة قرب مرتفعات الجولان المحتلة والأردن. القلق الرئيس لإسرائيل كَمَنَ في أن عودة قوات النظام قد تترافق مع تموضع واسع النطاق للقوات الإيرانية وحلفائها قرب الجولان، ما قد يقود إلى فتح جبهة جديدة ضدها. كذلك، شاطرت الولايات المتحدة، التي كانت منذ العام 2013 طرفاً في غرفة العمليات المشتركة في الأردن التي تدعم جماعات المعارضة السورية، إسرائيل هذا القلق. فأدركت روسيا ونظام الأسد أن إسرائيل والولايات المتحدة والأردن قادرة على تقويض عودة الجيش السوري. لذا، ضغطت موسكو لتنفيذ استراتيجية استبعدت منها مشاركة إيران أو الفصائل التابعة لها في معركة السيطرة على الجنوب، ما سهّل عودة قوات النظام عبر مسارات الحوار، والقوة الناعمة، والتسويات. وهذه مقاربة لم تُطبّق في مناطق أخرى.

أسفر هذا التكتيك عن سيطرة ضعيفة للنظام على الجنوب، خاصة في محافظة درعا. وعمدت روسيا، بدلاً من مساعدة النظام على إعادة فرض نظامه الأمني والعسكري، إلى التفاوض على اتفاقية تهدئة، حفظت فيها دوراً لبعض المجموعات المسلحة والمعارضة المدنية. أما دمشق، من جهتها، فكانت تجهد لاستعادة سيادتها على المنطقة الحدودية منذ عودة قواتها إلى هناك. فهي انخرطت في صراع منخفض الوتيرة مع بقايا المعارضة المسلحة التي قاومت بشدة عودة النظام، كما سعت إلى توكيد سلطتها، من خلال بذل جهود لإحياء دورها السابق كمزوّد للسلع والخدمات، على الرغم من أن هذه المحاولات واجهت عقبات كأداء بفعل تدهور الاقتصاد السوري.

كل هذه العوامل، أي الموقع الاستراتيجي للجنوب وعجز النظام عن إعادة فرض سيادته الكاملة على المنطقة وانخراط لاعبين جدداً كإيران وروسيا في النزاع، منح هذه المنطقة التي كانت طرْفية سابقاً دوراً حاسماً في الشؤون الإقليمية. وهذا ما يولّد الآن وضعاً متفجراً ويكشف عن مدى تبدّل الأوضاع في الجنوب السوري منذ العام 2011.

عودة قوات النظام السوري إلى الجنوب

بدأ الهجوم العسكري الذي شنّه النظام في الجنوب بدعم من روسيا في حزيران/يونيو 2018 ووصل إلى خواتيمه في أوائل آب/أغسطس. وقد دشّنت هذه القوات عملياتها باستهداف الأجزاء الشمالية الشرقية من محافظة درعا، وسرعان ما سيطرت على هذه المنطقة قبل أن تنطلق باتجاه الحدود مع الأردن.1 مع نهاية الحملة، كانت هناك مستويات سيطرة متباينة لنظام الأسد على المنطقة، بفعل مسارين متوازيين تحكّما بعملية عودة النظام، أحدهما قادته روسيا، والآخر النظام.

خلال التقدّم العسكري، كانت المفاوضات التي تقودها روسيا بين النظام وبين ممثلي المعارضة تُعقد في مدينة بصرى الشام في محافظة درعا. هذه العملية، التي انطوت على أكثر من الحوار والتسويات، تمخّضت عن إقامة مناطق كان وجود الأجهزة الأمنية فيها إما ضعيفاً أو منعدماً. أما مسار النظام، فتمثّل في مساعي الحصول على اتفاقات استسلام من المتمردين، كي يتمكّن من بسط وجود أمني أقوى.

قبل الهجوم العسكري وأيضاً خلال المراحل الأولية من عملية التفاوض في بصرى الشام، سعت روسيا إلى تطبيق مقاربة أنعم نسبياً في كلٍ من محافظتي درعا والقنيطرة.2 بيد أن المفاوضات مع المتمردين جرت في سياق أوضاع متقلّبة على الأرض. ما تلا ذلك كان خريطة أكثر تعقيداً تتضمّن ثلاثة أنواع من المناطق: الأول شمل بصرى الشام وأجزاء من مدينة درعا التي كانت تحت سيطرة المتمردين (تُعرف باسم درعا البلد) وطفس وأيضاً بعض المناطق المحيطة بالمدينتين. تميّزت هذه المناطق بعودة مؤسسات الدولة، إنما ليس الجيش السوري والأجهزة الأمنية، وواصلت روسيا التزامها بالاتفاق الذي تم التوصّل إليه مع المتمردين في هذه المناطق. في النوع الثاني من المناطق، الذي شمل مناطق درعا الريفية الشمالية والغربية، عمل مسارا روسيا والنظام على نحو متزامن، ما سمح بعودة جيش النظام وأجهزته الأمنية، وإن لم تكن سيطرتهما مُطلقة. أما في النوع الثالث، حيث استعاد النظام الأراضي بنفسه، فكانت سيطرته الأمنية أكثر حزماً.3

كانت مجموعة معارضة في بصرى الشام تعرف باسم “قوات شباب السنّة” بقيادة أحمد العودة، أول فصيل يقبل بشروط روسيا في تموز/يوليو 2018. هذا في حين عارض آخرون، ومن ضمنهم فصائل مُتمركزة في مدينة درعا وطفس وبعض الممثلين المدنيين الذين شاركوا في المفاوضات، الصفقة في البداية ووصفوها بأنها “مُهينة”.4 لكن، في كل مرة كانت تنفضّ فيها هذه الفصائل عن طاولة المفاوضات، كانت روسيا والنظام يصعدان هجماتهما ضدها وينجحان في السيطرة على مناطق جديدة.5 وهكذا، خضع المتمردون وممثلو المعارضة المدنية في نهاية المطاف إلى شروط موسكو.

نصّ أحد أهم بنود التسوية في بصرى الشام ومدينة درعا وطفس، على أن أجهزة النظام الأمنية وقواته العسكرية المُتمركزة خارج هذه المناطق، لن تقوم بعمليات كبرى، على غرار الاعتقالات، داخل نطاق هذه البقعة. لكن التسوية سمحت بعودة مؤسسات الدولة المدنية والناظمة، كالمجالس البلدية. استناداً إلى هذه التسوية، وبفضل التسهيلات الروسية، استطاع أعضاء المجموعات المتمردة تسوية وضعهم الأمني. فعلى سبيل المثال، انضم العودة إلى صفوف الفيلق الخامس في الجيش السوري الذي ترعاه روسيا، وأصبح قائداً للواء الثامن منه، الذي شكّل رفاقه المتمرّدون عموده الفقري .6 وعلى الرغم من أن هؤلاء المتمردين الذين أصبحوا جنوداً هم اسمياً جزءٌ من الجيش السوري، إلا أنهم في الواقع على طرفي نقيض مع النظام وتُناط بهم مهمة إدارة الشؤون الأمنية المحلية في بصرى الشام والمناطق المحيطة بها التي شملتها الصفقة. لقد أصبح العودة رجل روسيا في الجنوب.

كذلك، سوّت المجموعات المعارضة في مدينة درعا القضايا الأمنية مع النظام من خلال تسهيلات روسية. وهي الآن لاتزال مسؤولة عن المنطقة المُحددة في الاتفاق، وتواصل امتشاق أسلحتها الخفيفة، ومعظمها غير مرتبط بأي من مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية.7

بيد أن الوضع أكثر تعقيداً في طفس. هناك، سوّى العديد من المتمردين السابقين قضاياهم الأمنية وانضموا إلى أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، خاصة منها مديرية المخابرات العسكرية، ما مكّنهم من مواصلة حمل أسلحتهم الخفيفة والبقاء في مناطقهم المحلية.8 وفيما أُعيد دمجهم اسمياً في الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلا أنهم حافظوا على شبكاتهم القديمة مع مجموعتهم المتمردة . يقول مواطن يعيش في طفس:

“بعد الاتفاقية، بدأ الشباب [المتمردون] العمل في وظائفهم الجديدة في الفرقة الرابعة والمخابرات العسكرية وغيرهما. لكن ولاءهم كان لايزال لفصيلهم المسلّح. وحين كان هناك تهديد من النظام [مثلاً، محاولة اعتقال شخص] كان شملهم يلتئم في بلداتهم للشروع في القتال”.9

في أواسط تموز/يوليو 2018، احتوت روسيا والنظام محافظة درعا الشرقية ومدينة درعا ومعظم المناطق على طول الحدود مع الأردن بالقوة أو من خلال اتفاقات مُتفاوض عليها. ثم تقدما لاستعادة السيطرة على أجزاء من درعا الشمالية الغربية ومناطقها الريفية. هناك أيضاً، توسّطت روسيا في اتفاقات في بعض المناطق المحلية، ودخلت بلدتا نوى وجاسم في اتفاقات مع النظام بضمانات روسية. بيد أن هذه الاتفاقات كانت أكثر صعوبة وإجهاداً بكثير من تلك التي تم التوصل إليها في بصرى الشام ومدينة درعا وطفس، لأن قوات النظام كانت في صدد استعادة هذه المناطق، فيما المفاوضات تجري على قدم وساق. لقد سُمح للقوات العسكرية والأمنية بالعودة، لكنها لاتزال تُواجه مقاومة متواصلة خلال قيامها بعمليات أمنية.10 تنخرط روسيا بين الفينة والأخرى في قضايا محلية، مثل تسوية المشاكل التي تبرز بسبب الاعتقالات التعسفية أو إدارة التوترات بين قوات النظام وبين مجموعات المعارضة السابقة.

انتهت العمليات العسكرية في الجنوب في الفاتح من آب/أغسطس 2018، حين استعادت قوات النظام السيطرة على محافظة القنيطرة. تلا ذلك إخلاء ضخم وحيد شهده الجنوب، إذ غادر بموجبه 10 آلاف مقاتل مع عائلاتهم، فضلاً عن مدنيين آخرين إلى محافظة إدلب.11 وقد تضّمنت المعركة الأخيرة مجابهة بين مجموعة خالد بن الوليد، وهي فرع من تنظيم الدولة الإسلامية، وبين النظام، في وادي اليرموك.12

مع أن روسيا والنظام كانا ينسّقان جهودهما العسكرية والتفاوضية، إلا أن هذا الأخير كانت له استراتيجيته وأقنيته التفاوضية الخاصة مع مجموعات المعارضة. وهذا تجلّى بوضوح في بلدتَي إنخل وداعل اللتين تربضان على خط دمشق- مدينة درعا، وأيضاً في معظم أشطار محافظة القنيطرة. وواقع أن النظام عاد من دون الدعم الروسي، سمح له بتعزيز وجوده الأمني والعسكري الكثيف، إذ بات في وسعه شن حملات اعتقال من دون مقاومة تُذكر.13 في هذه المناطق، يبدو الانخراط الروسي محدوداً نسبياً.

مهّد النظام الطريق أمام عودته إلى الجنوب السوري، من خلال تعزيز اتصالاته، قبل أشهر من إطلاق حملته، مع المتمردين والمدنيين الذين يقطنون في مناطق تُسيطر عليها المعارضة. وهو اعتمد في ذلك على وسطاء، معظمهم كانوا أعضاء في حزب البعث، وجنرالات متقاعدين، وأعيان محليين، ومخاتير، وموظفي دولة كالمحافظين السابقين. وكان الهدف النهائي تأمين صفقات استسلام، أو “مصالحة” إذا أردنا استخدام مصطلحات النظام.

هؤلاء الوسطاء لهم مداخل إلى كبار المسؤولين المدنيين والأمنيين الإقليميين في النظام، ويتمتعون بنفوذ في النواحي الواقعة تحت سيطرة المتمردين، والتي غالباً ما كانت مسقط رأسهم.14 والواقع أن بعض هؤلاء قطنوا في درعا التي كانت في حوزة المعارضة وكانوا أحياناً موالين علناً للنظام. وعلى الرغم من أنه جرت محاولات من قبل المتمردين لاستهدافهم،15 إلا أن روابطهم العائلية والعشائرية وفرّت لهم الأمان والحصانة في غالب الأحيان.16 إحدى الحوادث ذات الدلالة في هذا الصدد تمثّلت في شخصين عاشا في منطقة للمعارضة وشاركا في مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد برعاية روسية في سوتشي في كانون الثاني/يناير 2018. بعد الاجتماع، عاد هذان الشخصان إلى منزليهما، تسبقهما مذكرة اعتقال أصدرتها ما يسمّى دار العدل في حوران. لكن، وبفضل الحماية القَبَلية، لم يمثُل هذان قط أمام محكمة المتمردين.17

استخدم النظام هذه الشبكة من الوسطاء على نحو منهجي. فهو شكّل لجان مصالحة محلّية قبل أشهر من هجومه العسكري، تكوّنت من وسطاء في البلدات كانت مهمتهم تمهيد الأرضية لعودة قوات النظام.18 شملت إجراءات النظام وعوداً بأن تستأنف الدولة خدماتها، وتوفّر المساعدات الإنسانية، وتُسقط مذكرات الاعتقال العشوائية بحق المتهمين بارتكاب جرائم سياسية، وتتجنّب إراقة الدماء عبر وقف استهداف البلدات عسكرياً.19 وغالباً ما أبرم النظام مثل هذه الصفقات من دون تنسيق مع روسيا، ما أتاح له نشر عناصره الأمنية والعسكرية.

لكن، كان ثمة استثناء واحد على الأقل لذلك: فبعد انتهاء العمليات العسكرية في الجنوب، بقي جزء من الصنمين، وهي بلدة مُهمة في محافظة شمال درعا، في قبضة مجموعة مسلحة احتفظت بأسلحتها الخفيفة وغالباً ما اشتبكت مع النظام أو المقاتلين الموالين له.20 وبالتالي، لم تُشمَل هذه البقعة لا في الاتفاقية التي رعتها روسيا، ولا جرت استعادتها بالكامل.21 وقد قاومت هذه الجيوب عودة النظام حتى آذار/مارس 2020، حين استعاد هذا الأخير منطقة المتمردين بالقوة العسكرية. أدّى ذلك إلى مضاعفات في شتى أرجاء محافظة درعا، وسلّط الضوء على مدى تعقّد وهشاشة عودة النظام إلى المنطقة.

لايزال نظام الأسد غير راضٍ عن الوضع في الجنوب. فالدولة، كما يقول أحد المسؤولين، لا تقبل بقاء مناطق خارج سيطرتها ليستغّلها “الإرهابيون”.22 وفي أوائل أيار/مايو 2020، أماط النظام اللثام عن نواياه حين استغّل قتل تسعة عناصر من الشرطة المحلية على يد مُتمرد سابق لتعزيز مواقعه في الأجزاء الجنوبية الغربية من محافظة درعا.23 ومع أن الأعيان المحليين أدانوا بشدة هذه الجريمة،24 إلا أن النظام أرسل وحدات عسكرية لترقية وجوده في المنطقة التي كانت سيطرته فيها حتى ذلك الحين محدودة.25

شكّل نشر النظام وحدات عسكرية، بخاصة منها تلك المعروف أنها مرتبطة بإيران، تحدياً للترتيب الذي نسجته روسيا وحافظت عليه في أجزاء من الجنوب. وتشي جهود موسكو المتواصلة لنزع فتيل التصعيد بأنها لا تزال ملتزمة بديمومة الوضع الراهن. بيد أن مجرد حصول هذا التصعيد أثبت أن ثمة حدوداً لما يمكن لروسيا أن تفعل.

معركة النظام لفرض السيطرة

على الرغم من الحملة الناجحة لاستعادة الجنوب السوري، لاتزال القوات العسكرية للنظام عُرضة للخطر حتى في معاقلها الخاصة. وقد أدّت الاستراتيجية الروسية لعملية العودة، والقاضية بمنح مجموعات المتمردين السابقة هامشاً للمناورة، إلى تحويل النزاع في الجنوب من تمردٍ مفتوح إلى مقاومة مُنخفضة الوتيرة اتخذت أشكالاً عنيفة وغير عنيفة على السواء. كذلك، تضمّنت جهود النظام لإعادة توكيد سلطته وسائل غير عنيفة، مثل استعادة دور الدولة في مجالات توفير الحاجات الأساسية في مقابل الولاء. لكن، وحتى عندما كانت هذه الجهود فعّالة، إلا أنها ارتطمت بتقلّص وانكماش قدرات الدولة.

روسيا، من جهتها، اعتبرت هذا الوضع الأمني الاستثنائي بمثابة ثمن ضروري يجب دفعه لضمان الاستقرار في المنطقة الحدودية، ولتجنّب أي رد فعل من إسرائيل أو الأردن. ومن خلال منعها العودة القوية للأجهزة الأمنية للنظام، قلّصت موسكو احتمالات نشر قوات كبيرة إيرانية أو وحدات حليفة لها قرب مرتفعات الجولان والحدود مع الأردن.

يكشف الوضع في الصنمين عن مروحة العقبات التي انتصبت في وجه النظام منذ عودته إلى الجنوب. الديناميكيات هناك تشبه تلك الموجودة في أجزاء من محافظة درعا. ففي أوائل آذار /مارس 2020، شنّ النظام عملية لفرض سلطته على أشطار من الصنمين كانت لاتزال تحت سيطرة المتمردين. ووفقاً لمصادر رسمية، أطلق النظام هذا الهجوم استجابةً لدعوات السكان المطالبين باستعادة الأمن والنظام.26 لكن الأهم أن هذا كان بمثابة رسالة مفادها أن دمشق لن تقبل ببقاء مناطق خارج سيطرتها في المنطقة. بيد أن هذه العملية أثارت ردود فعل في طول محافظة درعا وعرضها، واستنفرت الناس ضد إجراءات النظام.27 ثم ما لبث رد الفعل هذا أن انقلب عنفاً حين تبادل مسلحون إطلاق النار مع عناصر النظام الأمنية والعسكرية وهاجموا مواقعهم، لابل أخذوا أسرى أيضاً.28 لم تنته عملية الصنمين إلا بفضل حل تفاوضي بوساطة رجل موسكو أحمد العودة، اتُفق بموجبه على انتقال المسلحين الرافضين للعيش تحت سطوة النظام إلى مناطق أخرى يسيطر عليها المتمردون. وتلت ذلك استعادة النظام سيطرته بالكامل على الصنمين.

ردود الفعل الكثيفة في كل أنحاء محافظة درعا حيال التطورات في الصنمين لم يكن لها مثيل. فالاحتجاجات اندلعت خاصة في مناطق لم يمتلك فيها النظام الوسائل للإطباق على المتظاهرين. ووفق أحد التقارير، جرت بين تشرين الثاني/نوفمبر 2019 وكانون الثاني/يناير 2020، 11 تظاهرة على الأقل، و15 اعتصاماً، و15 حالة كتابة شعارات مناوئة للنظام في المحافظة.29

الأكثر أهمية هنا كانت حالات المقاومة العنيفة التي ارتدت طابعاً منهجياً ومتكرراً منذ عودة النظام. فالعديد من الناس، بما في ذلك متمردون سابقين وأيضاً أفراد النظام وحتى عناصر روسية، كانوا هدفاً للاغتيال.30 وكما يقول أحد المراقبين: “الكل كان يغتال الكل”.31 الأطراف التي تقف وراء هذه الاغتيالات أو دوافعها كانت مجهولة، لكن الحرب خلّفت وراءها إرثاً متراكماً من العداوات السياسية والاقتصادية والشخصية والعائلية التي لاتزال معلّقة بلا حلول، وهي التي تُشعل على الأرجح إوار عمليات القتل. مع ذلك، كان عناصر النظام الأمنيون والعسكريون والمدنيون، بما في ذلك أولئك الذين توسّطوا بين النظام وبين القرى والقصبات، هم الذين تعرضوا إلى هجمات منتظمة. ووفق هيئة مراقبة معارضة، خسر النظام منذ عودته إلى الجنوب نحو 90 عنصراً عسكرياً بينهم ضابط كبير برتبة عقيد.32 وفيما بدا أن المهاجمين لم يتمكّنوا على ما يبدو من توجيه ضربات مؤلمة، إلا أن مثل هذه الهجمات لم تحدث في أجزاء أخرى من سورية، ما يؤكد هشاشة سيطرة النظام، خاصة على درعا.

محصلة أخرى لحادثة الصنمين وردود الفعل على استيلاء النظام على مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، هي أن توسّط روسيا في الاتفاقات (بصرى الشام، ومدينة درعا، ووطفس) يُبقي احتمال نشوب مقاومة مسلّحة منظّمة قائماً. ففي العديد من الحالات، أدّى اعتقال متمردين سابقين أو مدنيين من طفس ومدينة درعا على حواجز للنظام منصوبة خارج المناطق التي تغطيها الاتفاقات الروسية، إلى اندلاع أعمال تصعيد. فقد استنفر متمردون سابقون شبكاتهم وهددوا بزعزعة الاستقرار ما لم يُطلَق سراح المعتقلين. أدّى بعض هذه التهديدات إلى مجابهات مسلحة فيما خمد بعضها الآخر، لكن الحقيقة هي أن مجموعات المعارضة لاتزال قادرة على الدفاع عن نفسها ضد خروقات النظام.

في بصرى الشام، كان الوضع أكثر تعقيداً، واتّسم بمزيج من ضبط النفس والتحدي. فالنظام أكثر حذراً إزاء الفيلق الخامس الذي يقود العودة لواءً فيه، لأنه يحظى بحماية روسيا. في الواقع، وفي حالات عدة، أثار العودة ورفاقه حنق العناصر الأمنية والعسكرية من دون التعرّض إلى عواقب. وفي إحدى هذه الحالات، هاجم هؤلاء ضباطاً أمنيين ذُكر أنهم نصبوا حاجزاً في جنوب غرب محافظة درعا وكانوا يسيؤون معاملة العابرين، ومع ذلك لم يتعرضوا إلى أي عقوبة.33

بالمثل، في آب/أغسطس 2019، انهال رجال العودة بالضرب على صحافي موالٍ للنظام عقب دخوله بصرى الشام. كان هذا الصحافي قد نشر مقالاً على فايسبوك أهان فيه عبد الباسط الساروت، وهو لاعب كرة سابق انضمّ إلى المتمردين وأضحى أحد رموز الانتفاضة السورية. وحين سُئل الجاني عما إذا كان خائفاً من انتقام النظام، أجاب: “أعرف أن النظام يريد الانتقام، لا بل أنا تلقيت بالفعل تهديدات غير مباشرة. لكن في وسعي الذهاب إلى دمشق من دون مشاكل لأن أحمد [العودة] يساندني”.34

خارج بصرى الشام وطفس ومدينة درعا، يتمتع النظام بسيطرة أكبر مع أنه لايزال يواجه مشاكل خطيرة. فقد جرت محاولة اغتيال في آذار/مارس 2020 ضد محافظ إنخل – وهذا معقل أمني للنظام – ما يشي بأن قوات النظام لاتزال عرضة إلى الخطر حتى في هذه المناطق.35 وفي جاسم، حيث استعاد النظام وجوده الأمني، لكن ليس بقوة كما في إنخل، تبدو التحديات أكثر وضوحاً. فعلى سبيل المثال، حاول الفرع المحلي لمديرية المخابرات العامة اعتقال قائد فصيل عسكري سابق، لكن بعد أن وصلت إلى مسامع هذا القائد خطة تنفيذ هذه العملية، استدعى رفاقه الذين امتشقوا السلاح وحالوا دون اعتقاله.36 وتم تجريد الجنود العشرين الذين أُرسلوا لاعتقاله من أسلحتهم وأُخذوا رهائن.

على الرغم من أن العنف طغى على الروايات المنطلقة من محافظة درعا، إلا أن سمة أخرى للوضع هناك منذ عودة النظام هي أن المفاوضات وجهود نزع فتيل النزاع كانت متكررة ومتواترة. المثل هنا هو أحمد العودة نفسه، الذي غالباً ما عمل كوسيط لخفض التوترات، كما حدث في واقعة الصنمين. ولأنه يستمد نفوذه من روسيا، في مقدروه مخاطبة كلٍ من النظام وأعضاء المعارضة السابقين.

بيد أن العودة ليس الوحيد في هذا المجال. فاللجنة المركزية في درعا تلعب دوراً مماثلاً في مدينة درعا وفي أشطار أخرى من المحافظة، وتلم شمل قادة معارضين سابقين مدنيين وعسكريين وأعياناً محليين. ولأن هذه اللجنة تتمتع بدعم موسكو ولها روابط في داخل النظام، وتحظى أيضاً بمساندة متمردين سابقين، والرأي العام، وعشائر قبلية كبرى، فهي في موقع جيّد يسهّل لها سُبُل تسوية النزاعات. وقد انخرطت اللجنة في قضايا تتراوح بين الرد على عمليات السرقة والخطف، وإطلاق سراح المعتقلين، وتقليص وتائر العنف المسلح بين الجهات غير التابعة للدولة وكذلك بين المتمردين السابقين والنظام.37 وقد تمدّدت مداخل اللجنة إلى مسؤولي النظام، بتسهيل من روسيا، إلى ما بعد منطقة الجنوب السوري، وشملت مسؤولين كباراً مثل علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني لحزب البعث.38 صحيحٌ أن جهود اللجنة لم تتكلّل دوماً بنتائج إيجابية، لكنها وفق أحد المراقبين: “أفادت درعا، بغض النظر عن كيفية تقييمنا لعملها”.39

أخيراً، ثمة سمة إضافية لعودة النظام إلى المنطقة الحدودية الجنوبية، وهي ضعف وعجز المتمردين السابقين الذين لا يحظون، أو لم يعودوا يحظون، بحماية روسيا. وجاء استيلاء قوات النظام على مناطق المتمردين في الصنمين ليُبرز مدى هشاشة وضعف مواقع هذه المجموعات. فقد أظهر أن دمشق، وعلى الرغم من عدم قدرتها على فرض سطوتها على كل أنحاء درعا، إلا أنها تستطيع ممارسة ذلك عبر تركيز طاقاتها في مناطق محلية مُحددة. في هذه الأيام، من الصعب تصوّر أن يكون في مقدور النظام تطبيق ما فعل في الصنمين على بصرى الشام ومدينة درعا وطفس، لأن المتمردين هناك أفضل تسليحاً ويحافظون على هياكلهم التنظيمية ويستطيعون خوض المعارك. لكن، إذا ما تبخّرت تعهدات روسيا بالحفاظ على شروط الاتفاق مع المتمردين، سيكون النظام في موقع أقوى لإخضاع هذه المناطق مجدداً إلى سيطرته العسكرية والأمنية التامة.

لكن روسيا ملتزمة حتى الآن في الحفاظ على الوضع القائم. كذلك، وإدراكاً منها أن إيران وحلفاءها قد تتصدّى للنظام التي أرسته في أجزاء من جنوب سورية، يُحتمل أن تسعى موسكو إلى توطيد نفوذها هناك من خلال تعبئة المتمردين السابقين، وحتى إعادة بعض قادة المعارضة السابقين من الأردن، حيث يقيمون راهناً، إلى درعا.40 في الواقع، ثمة تقارير متواترة في درعا والأردن عن أن هذا الأمر يحدث فعلاً، لكن من المتعذّر إثبات ذلك. مع ذلك، وجّه بعض الأعضاء البارزين في المعارضة في درعا انتقادات إلى روسيا لأنها لم تلعب دوراً استباقياً فاعلاً في التصدّي إلى انتهاكات النظام لاتفاق التسوية.41 ويبدو أن مستويات الالتزام الروسي تختلف من بلدة إلى أخرى. ففي بعض المناطق الخاضعة بإحكام إلى سيطرة النظام، يكاد الالتزام الروسي يكون معدوماً. وقد جادل البعض بأن التزام روسيا الحازم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مدينة بصرى الشام يختلف عن اتفاق طفس ومدينة درعا، الذي غالباً ما ينتهكه النظام.42

كل هذا قد يكون صحيحاً، لكن روسيا بقيت في الواقع ملتزمة بجوهر الاتفاق، أي الحرص على أن يظلّ الوجود العسكري والأمني للنظام محدوداً. وهذا من شأنه أن يحدّ بشكل كبير من قدرة إيران والقوات الموالية لها على توسيع نفوذها في المنطقة الحدودية الجنوبية. وفي إطار مساعيها الرامية إلى الحفاظ على الاتفاق، تدخّلت روسيا مراراً وتكراراً في طفس ومدينة درعا من أجل تخفيف حدة النزاعات بين المتمردين السابقين والنظام، والتي كان من شأنها تقويض الاتفاق.43 وعلى حد تعبير صحافي من درعا ملمّ بالواقع الميداني: “على عكس أحمد العودة، لايزال المتمردون في طفس يتصرفون باعتبارهم قوة معارضة. وهم لم يكونوا ليصمدوا لولا حماية روسيا”.44 صحيحٌ أن الضمانات الروسية منحت المتمردين السابقين هامشاً للمناورة، بيد أن ذلك ربط مصيرهم بالوجود الروسي، ما جعلهم أكثر ميلاً لترقية مصالح موسكو في الجنوب السوري.

بعيداً عن لعبة الاغتيالات والتصعيد العسكري الخطيرة، سعى النظام إلى توفير الخدمات والحاجات الأساسية إلى المجتمعات المحلية التي استعاد نفوذه فيها من أجل استتباعها. إذ يبدو أن دمشق تحاول إعادة إحياء العقد الاجتماعي الذي كان سائداً ما قبل انتفاضة العام 2011، والذي كانت الدولة بموجبه توفّر الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية مقابل الولاء المحلي والسلم الاجتماعي.45 ساعد هذا الأمر في ضمان بقاء أسعار السلع الأساسية ضمن الحدود التي يمكن تحمّلها، لكنه أعطى النظام أداة قوية لإحكام سيطرته على المجتمع. وبعد حوالى عقدٍ من النزاع، يبدو أن القيادة السورية لا تزال تعتقد أن هذه الآلية قد تكون فعّالة.

قال الأسد في مقابلة أُجريت معه في أواخر العام 2019: “ما نزال اشتراكيين ]في سورية[. ما يزال لدينا قطاع عام كبير جدّاً”.46 هذا منطقٌ لم يتخلّ النظام عنه تماماً طيلة فترة الحرب، إذ واصل دفع الرواتب لموظّفي الدولة المقيمين في الكثير من المناطق الخاضعة إلى سيطرة المعارضة، بما في ذلك في الجنوب السوري، مع أن التضخم أدّى إلى تدنّي قيمة الرواتب،47 وعلى الرغم من أن ذهاب الأشخاص إلى المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام للحصول على الرواتب، أو على أيٍّ من الخدمات المدعومة من الدولة، كان محفوفاً بالمخاطر الأمنية. لكن النظام أراد الحفاظ على روابطه مع الشرائح السكانية الموالية له أو تلك التي لا تُعتبر مسيّسة. فعلى حدّ تعبير محامٍ من درعا واصلت أسرته تلقّي المعاش التقاعدي، كان النظام يعمل وفق “منطق الدولة”.48

أصبحت إعادة إحياء عملية توفير السلع والخدمات إلى سكان الجنوب السوري أداة أساسية في أيدي مسؤولي النظام ووسطائهم لحشد الدعم في فترة ما قبل الحملة العسكرية وفي أثنائها.49 ويُعزى جزء من جاذبية هذه العملية إلى فشل المعارضة في تقديم بدائل عن الدولة. وهكذا، باتت شبكة المنتفعين من الحرب، والتي نجمت عن تقديم الخدمات والمجالس المحلية وجماعات المعارضة المسلحة، بمثابة تجسيد للإحباط الذي شعر به السكان المحليون حيال مؤسسات المعارضة. وفي هذا الصدد، تحدّث ناشط وصحافي عن حادثة اختطاف شقيقه الذي كان يعمل مراقباً محلياً

لدى منظمة تُعنى بالمساعدات الخارجية:

“كان شقيقي يراقب توزيع المساعدات من قِبل المجلس المحلي للبلدة [في محافظة درعا[ حين لاحظ فقدان 150 سلة غذائية. فرفع تقريراً حول هذا الموضوع. ثم أُبلغتُ باختطافه بعد بضعة أيام. لكننا عثرنا عليه وأُفرج عنه بمساعدة الفصيل المسلّح الذي كان يسيطر على بلدتي، إضافةً إلى قائد معارض نبيل من مدينة نوى. كان شقيقي تعرّض إلى التعذيب الشديد بتهمة أنه أحد عملاء النظام، لكنه اختُطف في الواقع بسبب السلال الغذائية الـ150. فقد اتّضح أن الجماعة المسلحة التي اختطفته كانت مُتفقة مع كلٍّ من المنظمة المعنية بتوزيع المساعدات والمجلس المحلي على سرقة المساعدات. ثمة المئات من القصص المماثلة التي لم تتداولها وسائل الإعلام”.50

حاول النظام بعد عودته إلى المنطقة توفير السلع والخدمات المدعومة كما في السابق. على سبيل المثال، أعاد تزويد المنطقة بالموادّ المدعومة مثل غاز الطبخ، والوقود، والقمح، والتي اعتمد مدى توافرها بشكل أساسي على نية النظام في توزيعها أم لا.51 كانت هذه السلع متوافرة أيضاً في ظل حكم المعارضة، على الرغم من أن الضرائب التي فُرضت عند نقاط التفتيش التابعة للنظام والمتمردين على السواء جعلت أسعار غاز الطبخ وسلع أخرى أغلى مما هي عليه في المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام.52 ومؤخراً، حاولت الحكومة أيضاً التحكّم بأسعار المواد الغذائية غير المدعومة.53

لكن ثمة تفاوت في مدى توفير السلع والخدمات. كانت الحال كذلك في السابق، لكن الحرب فاقمت هذا الوضع. فالسياسات الأمنية التي ينتهجها النظام تقصي بعض الفئات السكانية من الحصول على المنافع؛ على سبيل المثال، أُقصي بعض موظفي الدولة لأنهم كانت لديهم ارتباطات مع المعارضة. فقد أعلن نقيب المحامين عن شطب وإغفال قيد أكثر من 250 محامياً من أصل 700 خلال الحملة العسكرية في تموز/يوليو 2018، وبالتالي لم يعد بإمكانهم مزاولة المهنة.54 تضمّنت مطالب المعارضة بموجب الاتفاق مع روسيا والنظام إعادة جميع موظفي الدولة إلى مناصبهم.55 تراجعت الدولة جزئياً فقط عن هذا القرار، إذ أُعيد بعض المحامين مثلاً إلى النقابة. لكن آخرين يُرجّح أنهم أكثر انخراطاً في المعارضة لازالوا ينتظرون الحصول على تصريح أمني.56

كذلك ساعدت الشبكات والعلاقات الشخصية والنزعة المحلية في إحداث هذه التفاوتات. إذ إن الأشخاص الذين يتولّون مواقع نافذة في المناطق المحلية، أو الذين تربطهم معارف وعلاقات مع أشخاص نافذين، يستطيعون في الكثير من الأحيان تحديد ما يتم توزيعه في بلدة محددة ومن المستفيد، بغضّ النظر عن الطريقة التي استعاد بها النظام السيطرة على المنطقة أو عن قوة وجوده فيها. وحتى قبل النزاع، كانت العلاقات أو العداوات الشخصية قادرة إما على إنجاز المشاريع أو دفنها.57

هذا الواقع لايزال ينطبق اليوم على محافظة درعا. إذ تشي حالات بصر الحرير وطفس وإنخل (ولكلٍّ منها علاقة مختلفة جدّاً مع النظام) بأن العلاقات الشخصية تؤثّر في طريقة توفير الخدمات في منطقة ما، بغضّ النظر عن مدى ضراوة المعارك التي خاضتها ضد النظام. فبصر الحرير، التي

كانت أولى البلدات الكبرى التي استعاد النظام سيطرته عليها، خاضت معركة شرسة ضدّه، ما اضطرّه إلى استخدام القوة العسكرية. لكن رئيس البلدية، وهو من التكنوقراط إنما يُعتبر موالياً للنظام وتربطه علاقات جيدة مع محافظ درعا، واصل تزويد المدينة بالخدمات.58 أما إنخل، وعلى العكس بصر الحرير، فسرعان ما استسلمت لدمشق.59 لكن رئيس البلدية الجديد الموالي للنظام لعب دوراً أساسياً في جذب موارد الدولة الشحيحة إلى البلدة.60 وفي طفس أيضاً، أسهمت العلاقات الشخصية في جذب الخدمات إلى البلدة، على الرغم من أنها كانت معقلاً للأنشطة المناهضة للنظام.61

يُعتبر نقص موارد الدولة عاملاً أساسياً آخر يسهم في مسار الأحداث في الجنوب السوري، وبدا ذلك جلياً من خلال عودة التيار الكهربائي إلى المدينة. روى أحد السكان أنه خلال فترة سيطرة المتمردين على المدينة، تمت سرقة مستودعات مديرية الكهرباء، بما في ذلك الأبراج الكهربائية والتجهيزات والكابلات.62 واقع الحال أن نقص الموارد يحمّل السكان أنفسهم عبء إعادة التأهيل، ما يتسبّب بتفاوتات اجتماعية. ففي وادي اليرموك مثلاً، باتت الدولة تزوّد بلدات عدة بالتيار الكهربائي، وأحياناً لمدة اثنتي عشرة ساعة في اليوم. لكن قرية سحم الجولان زُوّدَت بالتيار الكهربائي قبل حوالى ستة أشهر من غيرها. وقد دفع أبناء البلدة من جيوبهم تكاليف إعادة التأهيل، ما سرّع هذه العملية.63 وشهدت الصنمين أمراً مماثلاً، إذ يقال إن مسؤولين في مديرية الكهرباء اتّخذوا زمام المبادرة وعرضوا على سكان أحد الأحياء تأمين الكهرباء شرط أن يدفع السكان ثمن الأبراج الكهربائية.64

أما على صعيد السلع، فقد بات أصعب على النظام باطّراد الحفاظ على المستويات الحالية من الدعم، أو حتى زيادته، نظراً إلى المشقات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. لم يعد الفلاحون، الذين يُفترض أن يكونوا المستفيدين الأساسيين من حكم البعث الاشتراكي، يحصلون سوى على النزر القليل من المساعدة. فأسعار الأسمدة المهمة، مثل سماد اليوريا 46، ونترات الأمونيوم 30، والسوبر فوسفات الثلاثي 46، ازدادت بنسبة 91 في المئة، و190 في المئة، و154 في المئة على التوالي بين عامَي 2017 و2020.65 وقال رئيس اتحاد فلاحي دمشق إن أثر قرار الحكومة القاضي بزيادة أسعار بيع أسمدة أساسية سيكون شديد السوء على الفلاحين، لجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج وبالتالي تراجع معدلات الإنتاج الزراعي.66

بما أن الاقتصاد لن يولّد على الأرجح مداخيل كافية للخزينة كي يواصل النظام مساعداته، سعى إلى توجيه المساعدات الإنسانية والإنمائية الآتية من الخارج لدعم مؤسساته والمواد الأساسية. مثلاً، تعمد منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، بدعم من وزارة التنمية الدولية البريطانية، إلى مساعدة الحكومة لتوفير بذور عالية الجودة للفلاحين في جميع أرجاء سورية من أجل التعويض عن النقص الحاصل والحفاظ على الأمن الغذائي. وقبل النزاع، زوّدت المؤسسة العامة لإكثار البذور، وهي مؤسسة تابعة للدولة تؤمّن بذوراً عالية الجودة بأسعار مدعومة، الفلاحين بحوالى 300 ألف طن من البذور سنوياً. وتراجعت قدرتها في العام 2019 إلى 35 ألف طن.67 مثل هذه البرامج قد تسمح للنظام بالحفاظ على بعض برامج الدعم، لكن المسؤولين غير قادرين على إنعاش الاقتصاد القائم على إعادة توزيع الموارد، ما لم يتلقّوا مساعدات خارجية ضخمة. وهذا يُعدّ ببساطة أمراً بعيد المنال في الوقت الراهن.

حقيقة الوضع هي أن سورية مُفلسة. وأبرز دليل على ذلك تراجع قيمة عملتها، منذ عودة النظام إلى الجنوب، من 450 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد إلى 2400 ليرة في حزيران/يونيو 2020.68 وقال أحد سكان طفس: “أعتقد أن الدولة لاتملك القدرة على توفير الخدمات. وإلا لكانت فعلت ذلك لإسكات الناس. أشعر في بعض الأحيان أن منطقتنا تصلها الخدمات بشكل أفضل من مناطق النظام. أعتقد أن النظام يريد استرضاء الشعب”.69

من المرجح أن يستمر انعدام الاستقرار السائد في الجنوب في المستقبل المنظور. وسيواصل النظام معركته للاستيلاء على جميع الأراضي التي بقيت خارج سيطرته. مع ذلك، يُرجح أن تُواجه جهوده برفض من روسيا والدول المجاورة لأن عودة النظام إلى السلطة قد تسهّل توسّع دور إيران وحزب الله في المنطقة الحدودية. في الوقت نفسه، ستقوّض موارد الدولة المتضائلة ما تبقى من قدراتها على حشد الدعم، ما يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. وسينجم عن هذه الظروف حالة من اللااستقرار، وبالنظر إلى التداعيات الإقليمية لما يحصل في جنوب سورية، سيبقى خطر اندلاع أزمة أوسع وارداً.

من منطقة حدودية إلى منطقة خلاف إقليمي

حوّلت الحرب في سورية جنوب البلاد من منطقة حدودية، تمتلك جبهة غير نشطة مع إسرائيل واقتصاداً حيوياً عابراً الحدود مع الأردن، إلى منطقة مضطربة باتت نقطة محورية للتنافسات الإقليمية. ومن شأن التطوّرات هناك، التي توجّهها جهات فاعلة محلية وإقليمية ودولية، أن يكون لها تداعيات تصل إلى أبعد من هذه المنطقة.

لا يملك الجيل الشاب في الجنوب ذكريات مباشرة عن الحرب السورية-الإسرائيلية الأخيرة في العام 1973، أي قبل حوالى أربعة عقود من الانتفاضة. مع ذلك، فقد أثّر هذا النزاع المعلّق على الحياة اليومية لسكان المنطقة الحدودية بطرق عديدة. ينطبق هذا خصوصاً على الترتيبات الأمنية في الجنوب، التي تمّ تبريرها على أنها ضرورية على ضوء الصراع مع إسرائيل. على سبيل المثال، نصّ القانون 41/2004، وهو أحدث نسخة من سلسلة قوانين مشابهة، على جعل المعاملات العقارية في المناطق الحدودية – من بناء أو نقل ملكية أو تأجير عقار لأكثر من ثلاث سنوات – رهناً بموافقة مسبقة من الأجهزة الأمنية. وقد برز مطلب إلغاء هذا القانون كأحد المطالب الأولى للمتظاهرين في درعا في آذار/مارس 2011.70 السبب في ذلك هو أن المسؤولين الأمنيين أساؤوا استخدامه لانتزاع الأموال من السكان المحليين. وقد تذكّر أحد الأعيان في درعا حادثة حصلت معه قبل الانتفاضة: “أردت نقل ملكية قطعة صغيرة من الأرض إلى ابني. واستغرق الحصول على الموافقة الأمنية عامين. وفي نهاية المطاف، لجأت إلى صديق تمكّن من التعجيل في المسألة”.71

هذه التعقيدات الحاصلة اليوم في ما يتعلق بإسرائيل تقزّم تلك التي كانت موجودة سابقاً. فقد بات الوجود الإيراني نقطة الخلاف الرئيسة. في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، قبل أن تعاود قوات النظام السيطرة على الجنوب، وقّعت الأردن وروسيا والولايات المتحدة اتفاقاً ينصّ على عدم السماح للمقاتلين والقوات الأجنبية بالدخول إلى منطقة تغطي معظم محافظتيْ درعا والقنيطرة.72 رسمياً، لم تكن إسرائيل من الأطراف الموقّعة، بيد أن هذا الشرط بالتحديد رسم صراحةً خطاً إسرائيلياً أحمر مهماً في المنطقة. على هذا الأساس، يُمنع على إيران والقوات المدعومة منها، مثل حزب الله اللبناني، الانتشار في مناطق واسعة من الجنوب بالقرب من مرتفعات الجولان المحتلة، ووضع أسلحة موّجهة هناك، وبناء قواعد ثابتة أو أي نوع من البنى التحتية التي تسمح بشنّ هجمات ضد إسرائيل.73

الأمر عينه بالنسبة إلى الأردن أيضاً، فوجود إيران على مقربة من حدوده يسبّب له مشكلة. في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، عبّر الملك عبد الله الثاني عن مخاوفه وتعهّد بالدفاع عن حدود بلاده الشمالية ضدّ “الميليشيات الأجنبية”، في إشارة إلى القوات الموالية لإيران،74 التي خشيت عمان من أن قربها قد يمنحها القدرة على زعزعة استقرار المملكة.75 فالأثر المحتمل المزعزع للاستقرار للوجود الإيراني، وبخاصة في درعا، يشكّل مصدر قلق أيضاً بسبب التأثير الذي قد يخلّفه على اللاجئين السوريين. الجدير ذكره هنا هو أن الأردن يستضيف أكثر من مليون لاجئ ولا يمكنه استيعاب المزيد، ومعلوم أيضاً أن الاستقرار في جنوب سورية ضروري لضمان عودتهم.76

نتيجة لهذه المخاوف الإسرائيلية والأردنية، من المرجح أن ترّد الدولتان على أيّ محاولة من إيران وحلفائها للعودة إلى الحدود. وهذا قد يفسح المجال أمام جهود الوساطة الروسية لتمهيد الطريق أمام عودة النظام إلى الجنوب. من جهتها، أعلنت إيران أنها لن تشارك في أي عمليات عسكرية في جنوب سورية.77 وعلى الرغم من صدور بعض التقارير التي تفيد عن تدخّل بعض الميليشيات المدعومة من إيران، لم تلعب طهران ووكلاؤها دوراً مهماً.78

يبقى التواجد الإيراني، سواء تمّ التعبير عنه مباشرةً أو عبر مجموعات مسلحة محلية وأجنبية، والحجم الفعلي لقوات إيران ووكلائها، موضع جدل. الواقع أن إيران تمتلك موطئ قدم لها في جنوب سورية. فحزب الله متواجد في محافظة القنيطرة قبل هجوم النظام في 2018،79 ووسّع على الأرجح وجوده منذ ذلك الحين. أما التظاهرات المندلعة في الجنوب في مناطق غير خاضعة إلى سيطرة النظام العسكرية والأمنية، فغالباً ما تُطالب برحيل ما يسمى بـ”الميليشيات الإيرانية”، في إشارة إلى حزب الله والجهات الفاعلة المحلية الأخرى التي يُنظر إليها على أنها تعمل بالوكالة لحساب إيران.80 وقد قدّمت بعض منصات المعارضة تفاصيل حول هذا الوجود، زاعمةً أنه لا ينفكّ يترسخ.81 بيد أن مثل هذه الحسابات مبالغ فيها ولا يشاطرها جميع المراقبين هذا الرأي.82

الأساليب التي تنشط فيها إيران في الجنوب تجعل من تقييم عدد قواتها المتموضعة هناك أمراً صعباً. وبحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية الأخيرة، لدى إيران 800 عنصر منتشرين في جميع أنحاء سورية، وهي تعمل من خلال جماعات متحالفة معها.83 من المعروف على نطاق واسع أن لدى الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري وإدارة المخابرات الجوية علاقات وثيقة مع إيران. هذا لا يعني التبعية الكاملة، لكن العلاقات قائمة.84 قد تلعب هذه القوات السورية اللعبة الإيرانية، إلا أن هؤلاء ليسوا جنودًا متطرفين يدعمون أجندة إيرانية، وغالباً ما تنطوي دوافعهم على رفع دخلهم أو تعزيز أمنهم الشخصي. أحد المقيمين سابقاً في بلدة في درعا طرح مثل هذا الرأي:

“بعد هجوم [حزيران/يونيو 2018]، قامت الفرقة الرابعة بتجنيد ثلاثين شخصاً من مدينتي. كانوا جزءاً من جيش اليرموك. يمكنني أن أؤكد لك أن هؤلاء الرجال لا يعرفون حصيلة ثلاثة زائد ثلاثة، لكن توجب عليهم حماية أنفسهم. لم يعرفوا أي طرف ينتمي إلى أي قوة دولية. كانوا بحاجة لحماية أنفسهم”.85

بحلول كانون الأول/ديسمبر 2017، أفادت إسرائيل أنها نفذّت حوالي 100 غارة جوية في سورية، والهجمات متواصلة منذ ذلك الحين. بيد أن عدداً قليلاً منها فقط أصاب أهدافاً في الجنوب.86 هذا الجزء الضئيل منها الذي استهدف محافظة درعا دليل على أن خطوط إسرائيل الحمراء لم يتمّ تجاوزها هناك. وقد وفّر تدخّل روسيا في الجنوب وتأثيرها على سورية وإيران ضمانات إضافية لإسرائيل والأردن ضد تمدّد الوجود الإيراني. حتى الآن، تمكّنت موسكو من الالتزام بتعهّدها وحافظت على الوضع السائد كما هو، مقيّدة بذلك نطاق عودة النظام. كما عزّزت مكانتها كضامن لتوازن القوى الهشّ وليس كحليف للنظام.

غيّر هذا الواقع الجديد معالم الحدود بين سورية وإسرائيل. فإذا كان اتفاق فك الاشتباك للعام 1974 يحدّد خط المواجهة السوري – الإسرائيلي قبل انتفاضة العام 2011، فهذا الخط اليوم يحمل خصائص مختلفة تماماً. إذ تمّ تحديده من خلال وجود مروحة متنوّعة من القوات، ومناطق سيطرة دائمة التغيُّر، ومنطقة عمليات عسكرية إسرائيلية تصل على الأرجح إلى عمق الأراضي السورية. بعبارة أخرى، لا يمكن أن تعيد الدولة بسط سيطرتها على الجنوب من دون الأخذ في الحسبان تأثير ذلك على إسرائيل وبدرجة أقل على الأردن. كذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، التي لا تستطيع تجاهل المخاوف الإسرائيلية أو الأردنية، أو تخاطر بإشعال مواجهة.

هذه الوقائع الجديدة في الجنوب تشير أيضاً إلى أن خط المواجهة الإيراني مع إسرائيل لم يعد محصوراً بالجنوب اللبناني. هذا لا يعني فوراً أن الحرب وشيكة على الجبهة السورية- الإسرائيلية. بل يعني أن إيران يمكنها راهناً أن تستخدم الأراضي السورية لمقاومة إسرائيل، على عكس الوضع قبل العام 2011. هذا ولا بدّ من فهم ذلك على أنه خطوة تكتيكية لإثبات أهمية الحضور الإيراني على الحدود، أكثر منه كمحاولة كسر التوازن الراهن. لكن، بينما يبدو أن إيران لا تريد تصعيد الوضع في جنوب سورية الآن، يمكن لذلك أن يتغيّر.

خاتمة

ستبقى التقلبات هي السمّة المحدّدة لجنوب سورية في المستقبل المنظور. وستستمر جهود النظام لفرض سيطرة أكبر من خلال اللجوء إلى أعمال العنف، كما ستتواصل مقاومة هذا النهج في الجنوب. في الوقت نفسه، ستعمل روسيا وإيران على تعزيز نفوذهما في المحافظات الجنوبية. وطالما أن خطواتهما لا تتسبب بإحداث تغييرات جوهرية في الوضع السائد الذي اتفقت عليه الأردن وروسيا والولايات المتحدة وضمنياً إسرائيل في 2018، ما يعني فعلياً الحدّ من وجود إيران ووكلائها في الجنوب، سيكون لهذه الخطوات تداعيات إقليمية محدودة نسبياً.

مع ذلك، هذا لا يعني أن حدوث تصعيد خطير أمر مستحيل، أو حتى مستبعد. لا يمكن أن ترضى إيران بأن يكون هامش مناورتها مقيّداً من روسيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تُعتبران عدوتيها الأساسيتين في الشرق الأوسط. علاوةً على ذلك، يجب النظر إلى الوضع وفهمه في سياق التنافس بين روسيا وإيران في سورية وتأثيرهما على النتائج السياسية في البلاد. ففي حالت تحدّت طهران الوضع القائم حالياً، فقد يكون لذلك تداعيات عابرة للحدود وقد تتسبّب على الأرجح بازدياد الضربات الجوية الإسرائيلية ضدّها وضدّ قوّاتها بالوكالة في جنوب سورية وخارجها. وما قد تؤول إليه الأمور مجرد احتمالات لانهاية لها، وقد ترتبط بقدرة إيران على ردع إسرائيل. ومع أن مثل هذا السيناريو قد لا يكون وشيكاً، إنما لا يمكن استبعاده.

شُكر

أُنتجت هذه الدراسة بدعم من شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية (X-Border Local Research Network) التي تشكّل جزءاً من برنامج الصراعات العابرة للحدود – الأدلة والسياسات والاتجاهات (X-Border Conflict Evidence, Policy and Trends)التابع لوزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، والمموّل من الحكومة البريطانية من خلال مشروعUK Aid.

ملاحظة حول منهجية العمل

نظراً إلى أن الوضع الأمني في جنوب سورية منع المؤلّف من إجراء العمل الميداني، تستند هذه الدراسة في الدرجة الأولى إلى 35 مقابلة أُجريت عن بُعد أو إلى الدراسات الميدانية الثلاث التي قام بها المؤلّف في الأردن في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وكانون الأول/ديسمبر 2019 وآذار/مارس 2020. معظم الذين حاورهم المؤلّف كانوا من السوريين الذين يقيمون في الأردن وجنوب سورية، إضافةً إلى العديد من الأردنيين أو الدبلوماسيين الأجانب أو الخبراء المتخصصين في القضايا التي تطرّقت إليها الدراسة. وقد تمّ اللجوء إلى قاعدة التثليث (Triangulation) لربط المصادر الأولية المباشرة بالمعلومات مفتوحة المصدر حيث أمكن ذلك.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

1 Walid al-Nofal and Justin Clark, “Advancing Damascus-Led Forces Bisect Eastern Daraa Countryside in Battle for Syria’s Southwest,” Syria Direct, June 26, 2018, https://bit.ly/2VpL691.

2 قبل الحملة العسكرية في حزيران/يونيو 2018، شاركت روسيا في عدة اجتماعات مع ممثلين عن المتمردين تضمنت مناقشات حول إيجاد صيغة تسمح للدولة بالعودة إلى الجنوب. مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد المشاركين في المفاوضات مع الممثلين الروس، إربد، الأردن، 14 آذار/مارس 2020.

3 للمزيد من الوصف المفصّل، انظر: Humanitarian Access Team, “Southern Syria Reconciliation Agreement Update,” January 2019, https://www.humanitarianaccessteam.org/reports/situation-reports/situation-report-southern-syria-reconciliation-agreement-update.

4 “بشار الزعبي عضو هيئة التفاوض السورية يرفض الشروط الروسية بشأن درعا”، فيديو على يوتيوب، 0:40، نشر بواسطة Eldorar Elshamia، 30 حزيران/يونيو 2018، تمّت زيارة الصفحة في 13 نيسان/أبريل 2020، https://www.youtube.com/watch?v=BhgSOX6ZmfA

5 في إحدى المرات، قامت روسيا والنظام بتنفيذ أكثر من 600 غارة جوية خلال خمس عشرة ساعة عقب جولة فاشلة من المفاوضات. انظر: “More Than 600 Airstrikes Target Daraa Governorate in 15 Hours of the Return of the Hysterical Shelling,” Syrian Observatory for Human Rights, July 5, 2018, https://bit.ly/34yF4XK.

6 Abdullah al-Jabassini, “From Insurgents to Soldiers: The Fifth Assault Corps in Daraa, Southern Syria,” Robert Schuman Centre for Advanced Studies, May 14, 2019, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/62964/RR_2019_09_EN.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

7 على سبيل المثال، في حادثة أخيرة لم يسمح الخصوم حتى لقائد الشرطة بالدخول إلى منطقة سيطرتهم. انظر: “أهالي درعا البلد يرفضون دخول قائد شرطة النظام”، زمان الوصل، 7 نيسان/أبريل 2020،

https://www.zamanalwsl.net/news/article/122703/; انظر أيضاً: مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الناشطين في درعا، سورية (عبر سكايب)، 11 نيسان/أبريل 2020. ثمة أيضاً مجموعة يقودها مصطفى المسالمة (المعروف بلقب الكسم) ، يعمل في مديرية المخابرات العسكرية التابعة للنظام، لكن طبيعة تبعيته الرسمية غير واضحة.

8 Ayman Jawad al-Tamimi, “Tensions in West Deraa Countryside: Interview,” May 21, 2020, http://www.aymennjawad.org/2020/05/tensions-in-west-deraa-countryside-interview.

9 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان طفس، درعا، سورية (عبر سكايب)، 12 نيسان/أبريل 2020.

10 مقابلة أجراها المؤلّف مع عضوين في تجمّع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري، عمان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع ناشط وصحافي سوري من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول سابق في بلدية درعا، إربد، الأردن، 10 آذار/مارس 2020.

11 “الجمهورية العربية السورية: الحالة الإنسانية في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، تقرير الحالة رقم 6″، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، 18 آب/أغسطس 2018،

https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/South%20West%20Syria%20Sitrep%20No.6%20-%2017%20August%202018_ara.pdf

12 “The Rapid Collapses of Jaysh Khaled Ibn Al-Waleed Decrease Its Scope of Control in Daraa to 2% and the Regime Forces Continue Their Military Operations in Yarmouk Basin in Seeking for Ending Its Presence [sic],” Syrian Observatory for Human Rights, July 26, 2018, http://www.syriahr.com/en/?p=98935.

13 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول سابق في بلدية درعا، إربد، الأردن، 10 آذار/مارس 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري، عمان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع أحد المشاركين في المفاوضات مع روسيا، إربد، الأردن، 14 آذار/مارس 2020.

14 من بين المسؤولين البارزين المعنيين نذكر لؤي العلي، الذي يشغل حالياً منصب رئيس المخابرات العسكرية في الجنوب، وخالد الهنوس، محافظ درعا السابق. لاطلاع على المزيد من المعلومات حول مفهوم الوسطاء. انظر:

Kheder Khaddour and Kevin Mazur (Eds), Local Intermediaries in Post-2011 Syria: Transformation and Continuity (Friedrich Ebert Stiftung, June 2019), http://library.fes.de/pdf-files/bueros/beirut/15547.pdf.

15 حصلت محاولة فاشلة لاغتيال مختار بلدة الكرك الشرقي الذي دعم النظام علناً. من مقابلة أجراها المؤلّف مع مقاتل سابق أصبح ناشطاً، عمّان، الأردن، 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

16 قال أحد سكان اليادودة السابقين: “مختار بلدة اليادودة، وهو من عائلة القدسي، تحدّث علناً عن دعمه للنظام [قبل 2018]، ولم يؤذه أحد. كان لديه منزل في دمشق وآخر في درعا ويتنقل بينهما. كان يدعو إلى عودة مؤسسات الدولة. عندما سيطرت قوات النظام على المدينة، رحّب بها. وهذا ينطبق على رئيس بلدية المسيفرة عبد الإله الزعبي الذي رحب بالنظام عند وصوله”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان منطقة قريبة من اليادودة سابقاً، يقيم راهناً في عمان، الأردن، (عبر سكايب)، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وقال أحد سكان إنخل سابقاً: “في إنخل، كان ثمة أناس يدعمون النظام علناً من دون أن يستهدفهم أحد بسبب انتمائهم القبلي”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان إنخل سابقاً، عمان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

17 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الشخصيات البارزة في مدينة نوى، إربد، الأردن، 15 كانون الأول/ديسمبر 2019. للاطلاع على المزيد من المعلومات حول القصة، انظر: وليد النوفل، “درعا: “قوى عشائرية” تعيق محاكمة مشاركين في سوتشي”، المدن، 2 تموز/يوليو 2018، https://bit.ly/34A324M

18 أوضح أحد الناشطين: “قبل الهجوم، التقى بعثيون من بلدتي بالقرب من خربة غزالة مع المحافظ الذي قال لهم أن يخبروا الناس أن الدولة ستعيد الخدمات إذا تصالحوا”، مقابلة أجراها المؤلّف مع عضوين في تجمّع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020. وأضاف أحد سكان درعا، “قبل أشهر قليلة من الهجوم، تكثّفت اتصالات النظام بشكل كبير مع لجان المصالحة، التي كانت موجودة في كل مدينة. كانت هذه اللجان حلقة الوصل بين المعارضة والنظام، وجزءًا من حزب البعث. [قبل الحرب] كان لديها أساساً علاقات مع المخابرات السورية”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع ناشط وصحافي سوري من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. كما أشار أحد سكان السهوة إلى أنه “بعد قصف مكثّف، تواصل النظام مع الوجهاء في السهوة، بمن فيهم رئيس بلدية البلدة وأعضاء حزب البعث، وغيرهم، وعبرهم تواصلوا مع الفصائل لتسوية الوضع”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان السهوة، وهو يقيم راهناً في دولة أوروبية، (عبر سكايب)، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

19 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الشخصيات البارزة في مدينة نوى، إربد، الأردن، 15 كانون الأول/ديسمبر 2019.

20 “الوضع في محافظة درعا بعد سيطرة النظام عليها”، المنصة المدنية السورية، 3 حزيران/يونيو 2019، https://bit.ly/3crC2HL

21 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا، سورية (عبر سكايب)، 11 نيسان/أبريل 2020.

22 سيلفا رزوق، “الزعبي لـ“الوطن”: الإرهابي “الصبيحي” قيد الملاحقة والدولة لن تترك المناطق التي يستغلها الإرهابيون في درعا بهذا الشكل”، الوطن، 7 أيار/مايو 2020، https://www.alwatanonline.com/الزعبي-لـ-الوطن-الإرهابي-الصبيحي-ق/

23 Ammar al-Ali, “Gunmen kill 9 Assad regime policemen in SW Syria,” Anadolu Agency, May 4, 2020, https://www.aa.com.tr/en/middle-east/gunmen-kill-9-assad-regime-policemen-in-sw-syria/1828591.

24 وليد النوفل، منشور على تويتر، 5 أيار/مايو 2020، 3:42 فجراً، https://twitter.com/walid_ALnofal/status/1257485672467836929

25 “استنفار وتخوف لأهالي درعا بعد تحرك وحدات عسكرية لقوات النظام في ريف المحافظة”، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 6 أيار/مايو 2020،

https://bit.ly/31ekIDu

26 “الجهات المختصة وقوات حفظ النظام تنهي حالة الفلتان الأمني في الصنمين”، الوكالة العربية السورية للأنباء، 3 آذار/مارس 2020، https://sana.sy/?p=1116936

27 انظر على سبيل المثال، “مظاهرات في بصرى الشام بدرعا للتضامن مع إدلب والصنمين”، عنب بلدي، 1 آذار/مارس 2020، https://enabbaladi.net/archives/366976

28 قال أحد المراقبين، “خلال مشاكل الصنمين، اعتقلت المعارضة 54 من العاملين لدى النظام. وأُطلقت سراحهم في ما بعد”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في تجمّع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020؛ انظر أيضاً: وليد النوفل، “الصنمين تعيد محافظة درعا إلى بدايات الثورة السورية”، سوريا على طول، 2 آذار/مارس 2020، https://syriadirect.org/news/clashes-in-daraa-evoke-memories-of-the-start-of-the-syrian-revolution-1/

29 وليد النوفل، “احتجاجات درعا: الروس مغيبون ودمشق تشهر سلاح “الفتن العشائرية””، سوريا على طول، 5 شباط/فبراير 2020، https://syriadirect.org/news/protests-in-daraa-russia-absent-as-damascus-weaponizes-%E2%80%98tribal-schisms%E2%80%99/

30 “على أنقاض التسوية، التقرير الكامل لعام 2019″، مكتب توثيق الشهداء في درعا، 21 كانون الثاني/يناير 2020، http://daraamartyrs.org/?p=19390

31 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري، عمان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

32 مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في تجمّع أحرار حوران، يقيم راهناً في إربد، الأردن (عبر سكايب)، 30 آذار/مارس 2020.

33 مقابلة أجراها المؤلّف مع شخص مقرّب من أحمد العودة، الذي طلب عدم الكشف عن المدينة الأردنية التي أُجريت فيها المقابلة، 9 آذار/مارس 2020.

34 مقابلة أجراها المؤلّف مع عضوين في تجمّع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020.

35 “درعا.. مجهولون يغتالون مدنياً في “طفس” ويحاولون اغتيال رئيس بلدية “انخل””، زمان الوصل، 25 آذار/مارس 2020،

https://www.zamanalwsl.net/news/article/122309/

وأيضاً مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من إنخل يقيم راهناً في عمان، الأردن (عبر سكايب)، 13 آذار/مارس 2020.

36 مقابلة أجراها المؤلّف مع عضوين في تجمّع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020.

37 شرح أحد الناشطين قائلاً: “عندما تحدث مشكلة، يميل الناس إلى الشكوى إلى اللجنة المركزية. أتابع قصة شخص سُرقت دراجته النارية في مدينة درعا، واشتكى إلى اللجنة وليس إلى الشرطة”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع مقاتل سابق أصبح ناشطاً، عمّان، الأردن، 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019. انظر أيضاً: “اجتماع بين “لجنة تفاوض” درعا مع وزير الدفاع وضباط بارزين للنظام بدمشق”، وكالة سمارت للأنباء، 15 نيسان/أبريل 2019، https://bit.ly/3fVJa0B

38 “اجتماع بين “لجنة تفاوض” درعا مع وزير الدفاع وضباط بارزين للنظام بدمشق”، وكالة سمارت للأنباء، 15 نيسان/أبريل 2019، https://bit.ly/3fVJa0B

39 علّق أحد السوريين قائلاً: “يمكنك الوثوق باللجنة. عندما يكون هناك اعتقال يتدخلون. ينجحون في بعض الأحيان. وفي أحيان أخرى يقولون “تم نقل الشخص المعني إلى دمشق، لا يمكننا فعل أي شيء””، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد العاملين سابقاً في مجال المساعدة الإنسانية، طفس، سورية (عبر سكايب)، 12 نيسان/أبريل 2020. وقال أحد المسؤولين في المجتمع المدني: “عندما اجتمعت اللجنة مع علي مملوك، طلبت إسقاط التهم [الموجهة ضد أعضاء في المعارضة] بشكل نهائي، لكنها لم تفلح سوى في تمديد التسوية مؤقتاً”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول في المجتمع المدني طلب عدم الكشف عن المدينة الأردنية التي أُجريت فيها المقابلة، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

40 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان طفس، سورية (عبر سكايب)، 22 أيار/مايو 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول في المجتمع المدني يقيم حالياً في إربد، الأردن (عبر سكايب)، 1 حزيران/يونيو 2020.

41 النوفل، “احتجاجات درعا: الروس مغيبون ودمشق تشهر سلاح “الفتن العشائرية””.

42 انظر على سبيل المثال: Abdullah al-Jabassini, “From Rebel Rule to a Post-Capitulation Era in Daraa Southern Syria,” Robert Schuman Centre for Advanced Studies, June 2019, https://cadmus.eui.eu/bitstream/handle/1814/60664/RSCAS_2019_06.pdf?sequence=1&isAllowed=y.

43 من مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول في المجتمع المدني طلب عدم الكشف عن المدينة الأردنية التي أُجريت فيها المقابلة، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع مواطن من طفس، سورية (عبر سكايب)، 22 أيار/مايو 2020. انظر أيضاً على سبيل المثال: “مضمون اجتماع لجان درعا المركزية مع الجانب الروسي”، درعا 24، 15 أيار/مايو 2020، https://daraa24.org/مضمون-اجتماع-لجان-درعا-المركزية-مع-الج/

44 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

45 Asef Bayat, Life as Politics: How Ordinary People Change the Middle East (Stanford University Press, 2009), 76; انظر أيضاً: Laura Ruiz de Elvira, Christoph H. Shwarz, and Irene Weipert-Fenner, “Introduction: Networks of Dependency, a Research Perspective” in Laura Ruiz de Elvira, Christoph H. Shwarz, and Irene Weipert-Fenner (eds), Clientelism and Patronage in the Middle East and North Africa Networks of Dependency (New York: Routledge, 2019), 1.

46 “حوار خاص: الرئيس السوري بشار الأسد”، فيديو على يوتيوب، 24:07، برامج الميادين، 9 كانون الأول/ديسمبر 2019، تمت زيارة الصفحة في 13 نيسان/أبريل 2020، https://www.youtube.com/watch?v=HahlZhzXtuk&feature=youtu.be

47 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان درعا السابقين، وهو يقيم راهناً في دولة أوروبية (عبر سكايب)، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول سابق في بلدية درعا، إربد، الأردن، 10 آذار/مارس 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات مع الممثلين الروس، إربد، الأردن، 14 آذار/مارس 2020.

48 مقابلة أجراها المؤلّف مع محامٍ من درعا، عمّان، الأردن، 15 كانون الأول/ديسمبر 2020.

49 ذكر محامٍ أن “النظام وعد بتوفير الخدمات… معظم الأشخاص الذين أعرفهم سمعوا بذلك من مسؤولين سوريين”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع محامٍ من درعا، عمّان، الأردن، 15 كانون الأول/ديسمبر 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع عضوين في تجمع أحرار حوران، إربد، الأردن، 13 آذار/مارس 2020.

50 مقابلة أجراها المؤلّف مع ناشط وصحافي سوري من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وقال متحدّث آخر: “كانت الجماعات المسلحة الطرف الأقوى على الأرض. ومارسوا نفوذهم قوياً على المجلس المحلي في بلدتي السهوة”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان السهوة (درعا) السابقين، وهو يقيم راهناً في دولة أوروبية (عبر سكايب)، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

51 أشار أحد مواطني درعا إلى أن “خدمات الدولة كالماء والخبز والكهرباء لم تعُد بشكلٍ متكافئ إلى كل أجزاء درعا. لكن عموماً، تحسّن الوضع فيها كلها”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع مقاتل سابق أصبح ناشطاً، عمّان، الأردن، 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019. وفقاً لهذا المصدر المعارض على سبيل المثال، أعاد النظام تزويد المخابز بالوقود والقمح بعد عودته إلى المنطقة. انظر “التسوية تفتح موردًا ماليًا لخزينة النظام في درعا”، عنب بلدي، 19 أيلول/سبتمبر 2018،

https://www.enabbaladi.net/archives/252391#ixzz6EKO0Q0Wr زعمت الدولة أنها تزوّد المخابز يومياً بـ230000 إلى 300000 طن من الطحين، لكن هذا لم يكن كافياً لتلبية الحاجات المحلية. انظر وليد الزغبي، “مشكلة تأمين رغيف الخبز في درعا تتفاقم ولا حلول في الأفق تخفف من معاناة الناس”، تشرين، 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، http://tishreen.news.sy/?p=256867 انظر “العودة الله: توزيع/87215/ ليتراً من المازوت على مدارس محافظة درعا”، وزارة التربية، 15 شباط/فبراير 2020، https://bit.ly/34A6ax

52 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات مع الممثلين الروس، إربد، الأردن، 14 آذار/مارس 2020.

53 “البندورة بعد أن تجاوزتْ 1000 ليرة، ربّما تعود إلى 100!”، درعا 24، 8 أيار/مايو 2020، https://daraa24.org/tomato/

54 محمد حميجو، “محامون لجؤوا لبيع الدخان والعمل في المزارع لعدم وجود مورد لهم”، الوطن أونلاين، 22 تموز/يوليو 2018، https://www.alwatanonline.com/محامون-لجؤوا-لبيع-الدخان-والعمل-في-الم/

55 “خلافاً لاتفاق التسوية الحكومة السورية ترفض إعادة موظفين مفصولين في ريف حمص الشمالي”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، https://stj-sy.org/ar/943/

56 مقابلة أجراها المؤلّف مع محامٍ من درعا، عمّان، الأردن، 15 كانون الأول/ديسمبر 2020. يشير هذا المصدر إلى أن 80 محامياً أُعيد إدراجهم في النقابة، فيما لم تتم إعادة الـ120 المتبقين. انظر “سوريا: نقابة المحامين تمنع قرابة 170 محام من مزاولة المهنة في محافظة درعا”، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، https://stj-sy.org/en/syria-the-bar-association-disbarred-170-lawyers-in-daraa/

57 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول سابق في بلدية درعا، إربد، الأردن، 10 آذار/مارس 2020.

58 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد الأشخاص المشاركين في المفاوضات مع الممثلين الروس، إربد، 14 آذار/مارس 2020.

59 قال أحد المقيمين: “في إنخل، ذهب وجهاء إلى الفرقة التاسعة في الصنمين واتفقا على تفاصيل الاستسلام للنظام. لم يتحدثوا حتى عن وضع المقاتلين”. مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان إنخل السابقين، عمّان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

60 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا يقيم راهناً في عمّان، الأردن (عبر سكايب)، 11 نيسان/أبريل 2019.

61 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول سابق في بلدية درعا، إربد، الأردن، 10 آذار/مارس 2020.

62 مقابلة أجراها المؤلّف مع محامٍ من درعا، إربد، الأردن، 12 آذار/مارس 2020.

63 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان وادي اليرموك، طلب عدم الكشف عن المدينة الأردنية التي أُجريت فيها المقابلة، 12 آذار/مارس 2020.

64 مقابلة أجراها المؤلّف مع محامٍ من درعا، عمّان، الأردن، 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

65 The Syria Report, “Government Raises Again Fertilizers Prices, Endangering Agricultural Production,” February 27, 2018, https://www.syria-report.com/news/food-agriculture/government-raises-again-fertilisers-prices-endangering-agricultural-production; انظر أيضاً: The Syria Report, “Fertilizer Price Hike to Hit Agricultural Production,” March 11, 2020, https://www.syria-report.com/news/food-agriculture/fertiliser-price-hike-hit-agricultural-production.

66 عبد الهادي شباط، “اتحاد الفلاحين يعترض.. وخلوف: مخالف لما أعلنته سابقاً… الحكومة ترفع أسعار أسمدة أساسية 100 بالمئة!”، الوطن، 3 آذار/مارس 2020، https://alwatan.sy/archives/234828

67 “FAO and DFID Collaboration to Recover the Seed Multiplication System in the Syrian Arab Republic,” FAO, July 25, 2019, http://www.fao.org/resilience/news-events/detail/ar/c/1201280/. على سبيل المثال، تولّى الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر إعادة تأهيل مخبز مدينة درعا الأول. انظر محافظة درعا _الإدارة المحلية، منشور على فايسبوك، 29 كانون الثاني/يناير 2020، https://bit.ly/3bdDEVg

68 انظر: “دولار/ليرة سورية”، موقع الليرة اليوم، 14 حزيران/يونيو 2020، https://sp-today.com/currency/us_dollar

69 شرح أحد الناشطين: “ثمة شريحة كبيرة في المجتمع غير سياسية. تريد فقط تأمين دخل، وتوفير الأمان، والبقاء على قيد الحياة. لا يمكن للنظام التعامل معهم بالطرق الأمنية. البديل هو تقديم الخدمات مقابل الطاعة”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع ناشط وصحافي من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وقال أحد سكان اليرموك: “على صعيد الخدمات أنا مندهش من أن النظام يستثمر، هو يحاول كسب الشرعية من خلال الخدمات. ويريد أن يظهر أن حكمه أفضل من حكم المعارضة”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان وادي اليرموك الأصليين، إربد، الأردن، 12 آذار/مارس 2020؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان طفس، سورية (عبر سكايب)، 12 نيسان/أبريل 2020.

70 “القانون 41 لعام 2004 تحديد المناطق الحدودية”، الجمهورية العربية السورية – مجلس الشعب، http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5595&cat=16133; للاطلاع على لائحة المطالب انظر: “الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط: انتحار النظام السوري على إيقاع بطيء”، مجموعة الأزمات الدولية، 13 تموز/يوليو 2011، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/popular-protest-north-africa-and-middle-east-vii-syrian-regime-s-slow-motion-suicide

71 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد أعيان درعا، إربد، الأردن، 9 آذار/مارس 2020.

72 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول أمني بارز سابق مطّلع على المفاوضات، وقد طلب عدم الكشف عن اسمه، (عبر سكايب)، 12 نيسان/أبريل 2020.

73 “إسرائيل، وحزب الله وإيران: منع حرب سورية أخرى”، مجموعة الأزمات الدولية، 8 شباط/فبراير 2018، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/182-israel-hizbollah-and-iran-preventing-another-war-syria

74 Z. Harel, “Concern in Jordan Over Pro-Iranian Forces on Border,” Middle East Media Research Institute, Inquiry & Analysis Series No. 1359, November 16, 2017, https://www.memri.org/reports/concern-jordan-over-pro-iranian-forces-border#_edn1.

75 مقابلة أجراها المؤلّف مع محلل سياسي أردني، عمان، الأردن (عبر سكايب)، 11 نيسان/أبريل 2020.

76 المصدر السابق. انظر أيضاً: Mohammad Ghazal, “Jordan Cannot Take Any More Syrian Refugees—Officials,” June 25, 2018, http://www.jordantimes.com/news/local/jordan-cannot-take-any-more-syrian-refugees-%E2%80%94-officials.

77 “السفير الإيراني في عمان ينفي وجود قوات إيرانية في جنوب سوريا”، سبوتنيك، 23 أيار/مايو 2018، https://sptnkne.ws/h9G8

78 Caleb Weiss, “Confirmed: First Evidence of Iranian-Controlled Militia Involvement in Southern Syria,” The Long War Journal, June 27, 2018, https://www.longwarjournal.org/archives/2018/06/confirmed-first-evidence-of-iranian-controlled-militia-involvement-in-southern-syria.php.

79 Suleiman al-Khalidi, “Syrian, Iranian Backed Forces Advance in Border Area Near Israel,” Reuters, December 25, 2017, https://reut.rs/2yMDNks.

80 كان إطلاق سراح المعتقلين ورحيل الميليشيات الموالية لإيران أكثر المطالب شيوعاً بين المتظاهرين. من مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

81 “Presence of Iranian-Backed Militias in South Syria,” ETANA Syria, June 22, 2019, https://etanasyria.org/presence-of-iranian-backed-militias-in-south-syria-22-6-2019/; ومن مقابلة أجراها المؤلّف مع شخصية معارضة بارزة سابقاً، عمان، الأردن (عبر سكايب)، 9 آذار/مارس 2020.

82 مقابلة أجراها المؤلّف مع دبلوماسي غربي، عمان، الأردن، آذار/مارس 2020.

83 “IDF Recommendation: Intensify Attacks Against Iran in Syria,” Israel Defense, January 14, 2020, https://www.israeldefense.co.il/he/node/41611.

84 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري، بيروت، لبنان، 7 آذار/مارس 2020.

85 مقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان السهوة، وهو يقيم راهناً في دولة أوروبية (عبر سكايب)، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019؛ ومقابلة أجراها المؤلّف مع أحد سكان طفس، سورية (عبر سكايب)، 12 نيسان/أبريل 2020. بعد عودة النظام، أشار أحد المقيمين سابقاً: “من أجل الصمود، تحالف الناس مع الأقوى. لا يهم من: الفيلق الخامس، الفرقة الرابعة المدرعة، المخابرات الجوية، المخابرات العسكرية، وغيرها”، من مقابلة أجراها المؤلّف مع ناشط وصحافي من درعا يقيم راهناً في باريس، فرنسا (عبر سكايب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

86 “Israeli Missiles Hit Military Post Near Damascus: Syrian State TV,” Reuters, December 2, 2017, https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-syria-attack/israeli-missiles-hit-military-post-near-damascus-syrian-state-tv-idUSKBN1DW081.

أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية.

مركز كلرنيغي للشرق الأوسط

———————————-

درعا والسويداء.. روليت روسية/ بشير البكر

يستدعي القتال الذي دار الأسبوع الماضي بين محافظتي السويداء ودرعا مزيدا من التأمل في تداعيات الوضع السوري التي لا تتوقف عند حد. وهناك أكثر من مسألة تستحق التوقف أمامها، ولكن يمكن الاكتفاء باثنتين. الأولى هي التعبئة العالية من أجل القتال بين المحافظتين في نزاع على مساحة من الأرض تعود لبلدة القريا التابعة لمحافظة السويداء. وهذه الجولة من القتال ليست الأولى، ولكنها اتسمت بالضراوة، وسقط من جرائها عدد كبير من القتلى والجرحى بين الطرفين، كان العدد الأكبر من طرف رجال الكرامة الذين برزوا خلال الحراك الشعبي في حماية المحافظة من مخططات النظام، وحيدوها عن المشاركة في حروبه ضد الشعب السوري في المحافظات الأخرى، وذلك من خلال رعاية حملة رافضي التجنيد في قوات الأسد، وعاقبهم النظام باغتيال قائدهم الشيخ وحيد البلعوس. والمسألة الثانية هي أن طرفي القتال لهما مرجعية سياسية وراعي واحد هو روسيا. فمن جانب السويداء، إن من قام بتحريك الموقف وإعلان الحرب هي ميليشيات الدفاع الوطني التابعة للأجهزة السورية، ومن جهة درعا كان الطرف الذي شارك في القتال هو الفيلق الخامس التابع للروس ويقوده أحمد العودة. وهذا يعني أن القتال كان يمكن تلافيه لو أراد الروس، ولكن يبدو أن هناك مصلحة في ترسيم الحدود بالدم بين السويداء ودرعا.

وما حصل بين درعا والسويداء ينسحب على كامل سوريا التي باتت مقسمة إلى مناطق نفوذ تتوزعها أطراف دولية، تحل روسيا في مقدمتها، حيث تسيطر على قرابة 60 في المئة من الجغرافيا السورية، وتأتي بعدها الولايات المتحدة الموجودة في شرق الفرات، وتركيا في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام وإدلب، وإيران الموجودة بقوة على مساحات واسعة ويتداخل وجودها مع السيطرة الروسية في درعا ودمشق وحلب ودير الزور، وتؤكد شهادات من السويداء ودرعا أنها متورطة في كل تفاصيل الموقف، ويلعب حزب الله دورا أساسيا، ومن بين أهدافه إفشال مخطط إبعاد إيران من المنطقة وفق تفاهمات روسية إسرائيلية.

ولم تعد سوريا موزعة بين مناطق نفوذ ومشاريع دولية، وإنما هناك توجه لدى عدة أطراف إلى تفتيت المقسم، وتعميق الخلافات الثانوية بين المكونات بما يخدم مصالح الأطراف الدولية المتنافسة، وتحويلها إلى خلافات أساسية وحروب، وهذا نلحظه في المحافظات كافة. في منطقة شرق الفرات نجد أن لهناك مصلحة أميركية روسية في تعميق الخلافات العربية الكردية حتى تتطور إلى حروب دائمة. ومن الواضح أنه ليس هناك مصلحة في حصول استقرار في هذه المنطقة لروسيا والولايات المتحدة، لأنه يعني تفاهما بين مكونات المنطقة، وهذا يعني انتفاء الحاجة للجيوش الأميركية والروسية، والتي تتزايد وتتوسع رقعة انتشارها رغم أن الهدف التي جاءت من أجله تم تحقيقه، وهو القضاء على داعش.

ويتحمل نظام الأسد المسؤولية عن تدمير السيادة، والذي أدى لوصول سوريا إلى ما هي عليه من تقسيم واحتلالات أجنبية، ولكن في الوقت ذاته هناك أطراف محلية تلعب لعبة الاحتلال وتشارك فيها بقوة حتى إنها تتحول إلى ذراع للاحتلال، وهذا ينطبق على قسد والفيلق الخامس. وتعمل قسد منذ تأسيسها على تقديم خدمات للولايات المتحدة على حساب المكون العربي الذي يشكل أغلبية مطلقة في منطقة شرق الفرات، وتحولت مع الوقت إلى أداة للوجود الأميركي، ولكنها تتشغل أيضا لحسابها ومصلحتها ومشروعها الخاص بتحويل المنطقة إلى إدارة ذاتية تسيطر عليها. والأمر ذاته يعمل عليه قائد الفيلق الخامس أحمد العودة الذي كان من أوائل قادة الجيش الحر الذين انخرطوا في المصالحات مع الروس في تموز 2018.

الاقتتال بين أهل درعا والسويداء درس بليغ، والتقط أهل السويداء الرسالة سريعا، ولذلك منعوا النظام من المشاركة في عملية الدفن، وتم طلاء صور الأسد بالأحمر كناية عن دوره في الفتنة. ويبقى على أهل درعا التحرك من أجل منع الفيلق الخامس من التورط في مشروع ضرب الوحدة الوطنية السورية.

تلفزيون سوريا

——————————-

انتقادات روسية لمحاولة الأسد «التهرب من استحقاقات سياسية»

بالتزامن مع وجود وفد حكومي سوري لطلب مساعدات عاجلة

موسكو: رائد جبر

أثارت تصريحات أدلى بها الرئيس السوري بشار الأسد في إطار مقابلة مع وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية نشرت أمس، انتقادات أوساط روسية رأت فيها «محاولة للتهرب من الاستحقاقات السياسية والأولويات الأساسية على الصعيد الداخلي».

وبدت عبارات الأسد لافتة، وهو يتحدث عن مسار الحرب السورية والمنعطفات الأساسية فيها، متجاهلا أهمية التدخل الروسي في سوريا في العام 2015 فضلا عن تعليقه على موضوع الوجود الإيراني، وإشاراته إلى أن الحرب في سوريا سوف تتواصل في اتجاهي شرق الفرات وإدلب. هذه التصريحات التي حملت تباينا واضحا مع القراءة الروسية المعلنة للموقف الحالي في سوريا، تزامنت مع تقليل الأسد من أهمية العمل على مسار اللجنة الدستورية الذي توليه موسكو اهتماما خاصا.

ورد الأسد على سؤال حول الدور الروسي في سوريا وأبرز المنعطفات التي مرت بها الحرب السورية، بالإشارة إلى أن «هناك العديد من نقاط التحول التي يمكنني ذكرها، وليس نقطة واحدة». مؤكدا أن المنعطف الأول كان في عام 2013. «عندما بدأنا بتحرير العديد من المناطق، خصوصا في وسط سوريا» وزاد أن العام التالي شهد ظهور «داعش» بدعم أميركي.

وفيما بدا أنه تقليل لأهمية التدخل الروسي، زاد أن «إحدى النقاط الأخرى كانت مع قدوم الروس، وبدأنا معا تحرير العديد من المناطق، في تلك المرحلة بعد قدوم الروس لدعم الجيش السوري، تمثلت نقطة التحول في تحرير الجزء الشرقي من حلب. وهنا بدأ تحرير مناطق أخرى من سوريا ابتداء من هذه النقطة».

وفي نقطة تباين أخرى مع القراءة الروسية للتطورات السورية، قال الأسد ردا على سؤال حول انتهاء الحرب في بلاده: «لا، بالتأكيد لا. طالما أنه يوجد إرهابيون يحتلون بعض مناطق بلادنا ويرتكبون مختلف أنواع الجرائم والاغتيالات والجرائم الأخرى فإن الحرب لم تنته، وأعتقد أن مشغليهم حريصون على جعلها تستمر لوقت طويل. هذا ما نعتقده». وتحدث عن «إطلاق مقاومة شعبية لمواجهة الاحتلالين الأميركي والتركي»، علما بأن وزير الخارجية سيرغي لافروف كان بين مسؤولين روس بارزين أكدوا في الفترة الأخيرة أن «المواجهة بين الحكومة والمعارضة انتهت في سوريا» وتحدث عن وجود «بؤرتي توتر في شمال شرقي البلاد وفي إدلب»، لكنه أكد على أنه «لا حل عسكريا» للصراع فيهما.

والأبرز في حديث الأسد حول الوضع في إدلب، أنه رأى أن «الاتفاقات الروسية – التركية ليست فعالة». وقال إنه «لو كان اتفاق موسكو وأنقرة فعالا، لما اضطررنا إلى تنفيذ أعمال قتالية مؤخرا في العديد من مناطق حلب وإدلب، لأن النظام التركي كان عليه إقناع الإرهابيين بمغادرة المنطقة وتمكين الجيش السوري والحكومة والمؤسسات السورية من السيطرة عليها، لكنهم لم يفعلوا ذلك».

وشكل ملف الإصلاح الدستوري عنصرا خلافيا آخر في حديث الأسد، وفي وقت تولي موسكو أهمية خاصة لهذا المسار، قال: «لقد غيرنا الدستور عام 2012. والآن نناقش الدستور في محادثات جنيف. (…) في النهاية، فإن مفاوضات جنيف هي عبارة عن لعبة سياسية، وهي ليست ما يركز عليه عموم السوريين، فالشعب السوري لا يفكر بالدستور، ولا أحد يتحدث عنه، اهتماماته تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي علينا القيام بها والسياسات التي نحن بحاجة لتغييرها لضمان تلبية احتياجاتهم، هذا ما نركز عليه حاليا».

ونفى الأسد وجود أي قوات إيرانية في سوريا في نقطة تباين أخرى مع موسكو، خصوصا أنه قلل من أهمية اتفاق إبعاد الإيرانيين عن الجنوب السوري قبل عامين، ورأى أنه كان مجرد «إبلاغ من الجانب الأميركي للروس»، موضحا أنه «ليس لدينا قوات إيرانية، إنهم يدعمون سوريا، يرسلون الخبراء العسكريين ويعملون مع قواتنا على الأرض، ويتواجدون مع الجيش السوري».

وزاد: «قبل نحو عام، أخبر الأميركيون الروس لإقناع الإيرانيين أنهم يجب أن يكونوا على مسافة 80 كيلومترا عن الحدود مع مرتفعات الجولان المحتلة من قبل الإسرائيليين، ورغم أنه لم يكن هناك جنود إيرانيون، لكن الإيرانيين كانوا مرنين جدا». وشدد الأسد على أن قضية «الوجود الإيراني» بالنسبة للأميركيين هي مجرد ذريعة لاحتلال الأراضي السورية ودعم الإرهابيين، ويتم استخدامها «للتغطية على نواياهم الحقيقية».

ورأت مصادر روسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن حديث الأسد حمل «ردا عمليا» على الرؤية الروسية التي قدمت لدمشق خلال الزيارة التي قام بها وفد روسي إلى سوريا الشهر الماضي وأنه دلل على أن «القيادة السورية ليست مستعدة للتقدم بأي خطوالشرق الأوسطت لدفع مسار التسوية السياسية وتسهيل مهمة موسكو في هذا البلد».

في حين قال مصدر آخر، أن حديث الأسد أظهر محاولته «التهرب من الأزمة الداخلية وتقديم تطمينات إلى مؤيديه بأنه متمسك بمواقفه». ورأى أن «محاولة الأسد لقلب بعض الحقائق غير مطمئنة لأنها تظهر مجددا عدم رغبته في الإقرار بحجم وجوهر المشكلة الداخلية في بلاده، فضلا عن عدم استعداده للسير في مسار الحل السياسي».

وأعاد المصدر التذكير بأن الأسد كان قبل يومين قال إن «اللجنة الدستورية مشكلة من قبل تركيا» مشيرا إلى أن «الزعيم السوري يحاول أن يعطي انطباعا دائما بأنه ليس مهتما بدفع عمل اللجنة الدستورية خلافا للموقف الروسي.

وبشكل عام أشار المصدر إلى الموقف الروسي القائم على ضرورة دفع العمل لإنقاذ الوضع الاقتصادي في سوريا مشيرا إلى أن هذا كان محور مناقشات وفد حكومي سوري بارز زار موسكو أخيرا. لكنه شدد على أنه «من دون خطوات سياسية محددة من جانب الحكومة السورية لا يمكن الحديث عن إحراز نتائج ملموسة على الصعيد الاقتصادي أو على أي صعيد آخر».

وكان وفد حكومي سوري بارز أجرى خلال اليومين الماضيين محادثات ركزت على الملف الاقتصادي وحاجة دمشق لدعم سريع وقوي في مواجهة الوضع المعيشي والاقتصادي المتردي. وركز عنوان المحادثات على سُبل تعزيز التعاون الاقتصادي ورفع حجم التبادل التجاري بين دمشق وموسكو، فضلا عن تخفيف الآثار السلبية التي فرضتها الحرب والحصار الاقتصادي على الأوضاع المعيشية، بما في ذلك في إطار مواجهة «قانون قيصر» الأميركي، لكن يبدو أن التركيز الأساسي انصب على حاجة دمشق للحصول على قرض عاجل من روسيا.

وكانت أوساط دبلوماسية قريبة من الخارجية قالت في وقت سابق أن دمشق سعت خلال الشهرين الماضيين لإقناع الروس بتقديم قرض عاجل وأن موسكو تريثت في دراسة هذا الموضوع، لأنها رغبت في أن يرتبط تحسين المناخ الاقتصادي ومواجهة الموقف الداخلي الحالي في سوريا مع تسريع المسار السياسي الذي من شأنه إذا تم تنشيطه أن يؤسس لضم أطراف إقليمية ودولية إلى مسار تقديم المساعدات. وأن هذا الموضوع تم التطرق إليه خلال زيارة الوفد الروسي إلى دمشق الشهر الماضي.

الشرق الأوسط

——————————-

«ارتباك» أممي وغربي إزاء مؤتمر روسي للاجئين السوريين

دمشق «غير مرتاحة» لحديث موسكو عن انتهاء العمليات العسكرية

إبراهيم حميدي

قوبل قرار وزارة الدفاع الروسية عقد مؤتمر دولي للاجئين السوريين في دمشق بين 10 و14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بـ«برود» من الخارجية الروسية و«عدم ارتياح» من الجانب السوري و«ارتباك» من المنظمات الدولية وسط انقسام غربي إزاء كيفية التعاطي مع بنوده خصوصاً ما يخص شروط العودة والمسار السياسي والأعمار.

وكان لافتا أن الخطة التي تنفذها قاعدة حميميم، جاءت بعد تردد أنباء عن سعي وزارة الخارجية الروسية للإمساك بـ«الملف السوري» مع دخول التدخل العسكري عامه السادس. واستند أصحاب هذا الرأي إلى مشاركة وزير الخارجية سيرغي لافروف بزيارة الوفد الروسي رفيع المستوى إلى العاصمة السورية الشهر الماضي وإجراء تغييرات في المسؤولين عن الملف في الخارجية عبر «تراجع» دور المبعوث سيرغي فيرشنين «المحسوب عن وزارة الدفاع» وزيادة دور مدير إدارة العالم العربي السفير السابق في دمشق ألكسندر كنشاك.

المفاجأة، كانت بتسلم مسؤولين غربيين ودوليين دعوة من الجانب الروسي تلبية لمبادرة الجيش، لعقد مؤتمر دولي في العاصمة السورية لبحث «عودة اللاجئين والمشردين في مختلف أنحاء العالم إلى وطنهم».

وحسب إحصاءات «المفوضية لشؤون اللاجئين»، وصل عدد اللاجئين السوريين، في تركيا ولبنان والعراق والأردن ومصر، إلى 5.637.050 لاجئا، بينهم 3.594.232 في تركيا (63.8 في المائة) و952.562 في لبنان و673.414 في الأردن. يضاف إلى ذلك، نحو سبعة ملايين نازح داخل البلاد. وتضمنت الدعوة أنه نظرا لأن الأزمة السورية «استقرت نسبيا» وزادت الأعباء على الدول المضيفة للاجئين، على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لتقديم «دعم شامل لجميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم وإيجاد الظروف المناسبة لمعيشتهم خصوصا ما يخص البنية التحتية والمرافق المعيشية والدعم الإنساني».

وقوبلت عناصر هذه المقاربة بـ«تحفظ» من دمشق خصوصاً ما يخص الحديث الروسي عن «استقرار الوضع» و«انتهاء العمليات العسكرية» حسب قول لافروف قبل أيام، لأن الحكومة السورية «غير راضية» عن التفاهمات بين موسكو وأنقرة إزاء إدلب وبين موسكو وواشنطن إزاء شرق الفرات. وهما منطقتان تشكلان أكثر من ثلث سوريا البالغ إجمالي مساحتها 185 ألف كلم مربع. وإذ تتضمن الخطة الروسية «مناقشة تقديم الدعم للاجئين في العالم وإحلال السلام في سوريا»، فإن دبلوماسيين غربين أعربوا عن تحفظ بلادهم على الحديث عن الحل السياسي خارج مسار عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254، ذلك أن الدول الغربية تعلن أنها تدعم إجراء إصلاح وأعمال اللجنة الدستورية لتنفيذ 2254 الذي يتضمن توفير «بيئة محايدة» وعودة طوعية لللاجئين وانتخابات بإدارة من المنظمة الدولية.

لكن في الوقت نفسه، «شك» دبلوماسيون بإمكانية نجاح وزارة الدفاع الروسية في هذا «المسار السياسي»، كما حصل في «الإنجازات المتواضعة» لها لدى طرح «المسودة الروسية» للدستور في مسار آستانة وتنظيم «مؤتمر الحوار الوطني» في سوتشي بداية 2018.

كما أبدى مسؤول غربي رفيع «تحفظات» على الحديث الخاص بـ«إعمار البنية التحتية»، ذلك أن موقف الدول الأوروبية وأميركا يقوم على ربط المساهمة بالإعمار بـ«تنفيذ عملية سياسية ذات صدقية، في وقت قدر خبراء سوريون خسائر الاقتصاد السوري خلال تسع سنوات من الحرب بنحو نصف تريليون دولار أميركي. وتم التعبير عن هذا الموقف في بيانات مؤتمر المانحين في بروكسل الذي يعقد في ربيع كل عام. في المقابل، ظهر انقسام بين ممثلي المؤسسات التابعة للأمم المتحدة التي وجهت موسكو الدعوة لها لحضور المؤتمر. واذ أبدى مسؤولون أمميون في دمشق الرغبة بحضور «المؤتمر الروسي»، أشار آخرون إلى ضرورة «احترام معايير الأمم المتحدة» التي تخص شروط عودة اللاجئين. وحسب وثيقة من «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين»، فإنه «يجب أن تتم عودة اللاجئين فقط كنتيجة لقرارهم الحر والمُعلن عنه بشكل فردي، على أساس المعرفة ذات الصلة والموثوقة فيما يتعلق بالظروف في سوريا بشكل عام وفي مناطق العودة المقصودة بشكل خاص». كما ذكر بعض المسؤولين، في اجتماع داخلي، بضرورة تجديد المطالبة بإلغاء القانون رقم 10 الذي يخص ممتلكات المهجرين والشرط الأخير الذي تضمن ضرورة تصريف السوري مائة دولار أميركي بالسعر الرسمي، لدى عودته إلى البلاد، إضافة إلى «ضمانات عدم الملاحقة وتوفر البيئة الآمنة».

مولم تظهر مؤشرات إلى نية جماعية من الدول الغربية الدخول في مفاوضات مع الجانب الروسي إزاء كيفية التعاطي مع «مؤتمر اللاجئين» المقبل، في وقت تتداخل ملفات إقليمية ودولية قد تحول دون رغبة بعض الدول في «إغضاب» روسيا.

الشرق الأوسط

——————–

ما الذي جنته روسيا من تدخلها العسكري في سوريا؟/ عمر كوش

انقضت خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام الأسد، الذي بدأ مع نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، وقدم الساسة الروس في ذلك الوقت حججاً مختلفة وذرائع واهية لتبرير تدخلهم، لكنه جاء في حقيقة الأمر على خلفية طلب من نظام الملالي الإيراني، بعد أن فشلت قواته وميليشياته المتعددة الجنسيات في الدفاع عن رصيفه نظام الأسد، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لكن هجمات الآلة العسكرية الروسية العمياء على مناطق سيطرة فصائل المعارضة وحاضنتها الاجتماعية احدثت الفرق على الأرض، وتمكنت من تغيير موازين القوى لصالح النظام.

    يحاول الساسة الروس، في أيامنا هذه، البحث عن ممكنات وكيفيات استثمار ما حققته آلتهم العسكرية على المستويين الاقتصادي والسياسي، لكنهم وصلوا إلى طريق مسدود.

  وبعد انقصاء سنوات خمس على التدخل العسكري الروسي، فإن أي جردة حساب تظهر أن ما جناه الروس يتلخص في تحولهم إلى قوة احتلال في سوريا، بعد أن تحول نصف شعبها ما بين نازح ولاجئ، وقُتل منهم مئات الآلاف، وأصبح 12 مليون سوري على الأقل بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، فضلاً عن تخريب وتدمير مدن وبلدات وقرى سورية عديدة، حيث تقدر الأمم المتحدة خسائر سوريا بـ 442 مليار دولار.

  ربما تكون روسيا قد حققت ما كان حلماً قديماً لدى ساستها، والمتمثل في الوصول إلى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، حيث باتت تملك قاعدتين عسكريتين بحريتين في سوريا، واختبرت أكثر من 316 طرازاً من الأسلحة فيها على حساب دماء السوريين، إلى جانب تعلم جيشها القتال بطريقة مختلفة، حسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. كما تمكنت من بسط سيطرتها على مجمل الأراضي السورية على حساب تعميق مأساة الشعب السوري، وليس على حساب تنظيم “داعش” أو “جبهة النصرة” وسواهما، ولم تتوانَ عن ارتكاب الجرائم ضد المدنيين وضد الفصائل السورية المقاتلة، ووفرت غطاء سياسياً وعسكرياً لجرائم النظام وللحربه الشاملة، التي يخوضها إلى جانب الميليشيات الإيرانية ضد غالبية السوريين منذ انطلاقة ثورتهم.

    ولا شك في أن روسيا بات لها دور حاسم قرارات الحرب والسلم، وفي مختلف تفاصيل القضية السورية، وأبرمت صفقات اقتصادية مهمة مع نظام الأسد، إلا أنها مع ذلك ليست اللاعب الوحيد على الأرض السورية، إذ تقاسمها النفود كل من الولايات المتحدة الأميركية التي توجد عسكرياً قرب حقول النفط والغاز في الجزيرة السورية وفي قاعدة “التنف”، وإيران التي تمتلك عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات، ونفوذها المتغلغل في نسيج وثنايا المجتمع السوري، فضلاً عن إقامتها قواعد عسكرية عديدة، وتركيا التي توجد قواتها في مناطق إدلب وما حولها والمنطقة الممتدة من تل أبيض إلى رأس العين إلى جانب فصائل سورية مدعومة من طرفها، وإسرائيل التي لها اليد الطولى في ضرب ما تشاء من مواقع وجود الميليشيات الإيرانية.

   ويحاول الساسة الروس، في أيامنا هذه، البحث عن ممكنات وكيفيات استثمار ما حققته آلتهم العسكرية على المستويين الاقتصادي والسياسي، لكنهم وصلوا إلى طريق مسدود، وباتوا مهددين بأن يتحول ما جنوه من مكاسب إلى خسائر إن لم ينجحوا في التوصل إلى تسوية سياسية، خاصة أنهم أسهموا في إخراج القضية السورية من أيدي السوريين أنفسهم، وصارت تتحكم فيها القوى الدولية والإقليمية الخائضة في الصراع على بلدهم. والأهم هو عدم قدرتهم على ابتكار ممكنات سياسية، تنهض على التفاوض والتوافق من خلال ابتكار مخارج وحلول تتوافق عليها جميع الأطراف، لذلك فإن نهاية الخيار العسكري بالنسبة إليهم، لا تعني البحث الجاد عن نهاية سياسية حقيقية للكارثة السورية، في ظل مواصلتهم تقديم كل سبل الدعم لنظام الأسد، الذي يرى بأن الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254 يعني العودة إلى الوضع في سوريا إلى ما كان عليه قبل انطلاق الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس 2011، وهذا ما لا يمكن تحقيقه.

  وبالرغم من حديث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن نهاية المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة، وأنه بقيت فقط بؤرتان للتوتر في سوريا، هما منطقة إدلب التي توجد فيها قوات تركية وفصائل معارضة، ومنطقة شرقي نهر الفرات التي توجد فيها قوات أميركية وقوات سوريا الديمقراطية، وأن لا حل عسكري فيهما، إلا أن الساسة الروس ليسوا في وراد حثّ نظام الأسد على الدخول الجاد في العملية السياسية، إذ حتى اللجنة الدستورية التي اجترحها الروس أنفسهم حولوا اجتماعاتها إلى متاهة في سياقات مراوغات النظام وتسويفاته، بالرغم من اعترافهم بأنها ليست بديلاً عن المسار السياسي التفاوضي في جنيف في إطار تطبيق القرار 2254، الذي حوّروه حسبما يريدون، وأفرغوه من محتواه.    

    وتظهر التحركات السياسية الروسية الأخيرة باتجاه عقد لقاءات واجتماعات مع شخصيات وقوى محلية سورية، أن الروس يحاولون سحب الأوراق من يد الولايات المتحدة في سياق التنافس معها في منطقة الجزيرة السورية.

   وتظهر التحركات السياسية الروسية الأخيرة باتجاه عقد لقاءات واجتماعات مع شخصيات وقوى محلية سورية، أن الروس يحاولون سحب الأوراق من يد الولايات المتحدة في سياق التنافس معها في منطقة الجزيرة السورية، وخاصة الورقة الكردية، ولا يخرج ذلك عن نهجهم القديم في إيجاد توافقات بين قوى ومكونات سياسية تتسق مع الرؤية الروسية في سوريا، وعن إطار محاولاتهم استقطابها، وخلق منصات وأطراف “معارضة” جديدة، وفرض رؤيتهم من خلالها، كي تتناثر منصات المعارضة السورية، وتُميّع مواقفها.

 ولا شك في أن موسكو تريد الحفاظ على ما جنته عسكرياً في سوريا، لذلك يسعى ساسة الكرملين إلى هندسة تسوية للوضع السوري على مقاسهم، يستثمرون فيها ما صرفوه عبر بوابات متعددة، ويضمنون فيها نفوذ بلادهم ومصالحهم قبل كل شيء، شريطة أن لا تفضي إلى تغيير نظام الأسد. وبالرغم من إقرارهم أحياناً بعدم قدرتهم على إيجاد هكذا تسوية، إلا أنهم لا يبذلون مساعيَ كافية من أجل التوصل إلى تفاهمات دولية على تسوية سياسية للوضع السوري، وبالتالي لا يمكن لروسيا أن تقبض ثمن تدخلها العسكري حتى وإن طال الزمن.

تلفزيون سوريا

——————————–

حصيلة خمسة أعوام من “السلام الروسي” في سوريا/ وليد النوفل

عمّان – بحلول اليوم، تكتمل خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، بذريعة إحلال “السلام” الذي يتخذ غالباً مسمى حماية الدولة السورية التي كان حافظ الأسد قد ألحقها بعائلته باعتبارها “سوريا الأسد”، ثم مزقها وريثه بشار بآلة حربه التي لم تكفه، فأضاف إليها مليشيات طائفية إيرانية أساساً.

لكن باستثناء تمكين الأسد والمليشيات المدافعة عنه من السيطرة على مساحات واسعة من الأرض السورية، لم يعن التدخل العسكري الروسي إلا مفاقمة المأساة السورية؛ بحيث لا تقتصر على المناطق الخاضعة للمعارضة السورية أو كانت خاضعة لها، بل يزداد تدهوراً الوضع الإنساني وحتى الأمني، ضمن مؤشرات أخرى، حتى في المحافظات التي تعد معاقل النظام وحاضنته الاجتماعية.

تغير الخريطة العسكرية

شكل التدخل العسكري الروسي المباشر، كما هو معروف، نقطة تحول في الصراع في سوريا، إذ ارتفعت نسبة سيطرة نظام الأسد الجغرافية من حدود 25% من الأرض السورية عشية تدخل روسيا إلى جانبه في أيلول/سبتمبر 2015، إلى ما يقدر بحوالي 63.38% من سوريا حالياً.

وقد جاء ذلك بفعل تولي الروس، منذ تدخلهم، زمام العمليات العسكرية، ولربما أهم من ذلك انتهاج سياسة “الأرض المحروقة” ضد مناطق المعارضة السورية، وصولاً إلى استخدام الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار أو “خفض التصعيد” لقضم مناطق المعارضة تدريجياً.

ففي أيار/مايو 2017، توصلت روسيا وإيران وتركيا، في مباحثات أستانة، إلى إنشاء ثلاث مما يسمى “مناطق خفض التصعيد”، هي: إدلب، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية بريف دمشق، بينما تم إنشاء منطقة خفض تصعيد رابعة في جنوب سوريا، في تموز/يوليو من العام ذاته، بموجب اتفاق روسي-أميركي.

لكن، سرعان ما بدأ الروس بقضم مناطق خفض التصعيد تدريجياً، وبحلول تموز/يوليو 2018، أصبحت ثلاث من مناطق خفض التصعيد الأربعة تحت سيطرة دمشق، بينما تكافح منطقة إدلب، بدعم تركي، لأجل البقاء، مع قضم الروس وقوات النظام أجزاء كبيرة منها.

ملف المعتقلين

منذ اليوم للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في آذار/مارس 2011 من محافظة درعا تحديداً، استخدم النظام السوري “الاختفاء القسري” و”الاعتقال” سلاحاً لقمع معارضيه وإسكات صوتهم. وفي عام التدخل الروسي المباشر، 2015، كان قد بلغ مجموع عدد المعتقلين لدى القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها 6,909 معتقلاً، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ليرتفع هذا العدد إلى 130,758 معتقلاً مع نهاية آب/أغسطس الماضي، بينهم 3,584 طفلاً و7,789 سيدة.

وعدا عن امتناع روسيا عن التدخل لإيقاف اعتقالات قوات الأسد، فإنها لم تلتزم فوق ذلك بوعودها الإفراج عن المعتقلين، لاسيما من أبناء محافظة درعا التي كانت موسكو عرابة “التسوية” فيها. إذ تضمن اتفاق التسوية الذي تم التوصل إليه برعاية القوات الروسية في تموز/يوليو 2018، بنداً ينص على الكشف العاجل عن مصير المعتقلين في سجون النظام.

المرتزقة

وفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر أمس، في ذكرى التدخل الروسي في سوريا، عرفت نهاية العام 2018 “توسعاً في نشر قوات روسية برية. ولم تعد تقتصر على الهجمات الجوية، بل شاركت في بعض العمليات العسكرية البرية واستخدمت سلاح المدفعية والدبابات”.

إضافة إلى ذلك، قامت روسيا، وفقاً للتقرير ذاته، بـ”استجلاب شركات أمنية ومرتزقة يقاتلون مقابل دخل مادي إلى جانب قواتها الأرضية، وفي الصفوف الأمامية، ويقومون بتدريب قوات النظام السوري ويعملون على حماية المنشآت النفطية والاقتصادية”، من بينها شركة فاغنر، وفيغاسي (فيغا)، وشيت (الدرع).

في الوقت ذاته، تحوّل روسيا سوريين إلى مرتزقة يخوضون حروبها بالوكالة، لاسيما إرسال سوريين للقتال إلى جانب قوات خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في ليبيا. في أمر مشابهة لما تقوم به تركيا من عمليات نقل مقاتلين سوريين من المعارضة للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

النازحون واللاجئون

لعب التدخل العسكري الروسي، من خلال سياسة الأرض المحروقة ومن ثم التهجير الذي يشكل أحد ركائز ما تسميه موسكو “تسويات” في مناطق سيطرة المعارضة السابقة، دوراً حاسماً في زيادة وتيرة عمليات النزوح خصوصاً. في الوقت الذي عنى استعادة النظام السيطرة على مساحات جديدة من الجغرافية السورية حرمان الغالبية العظمى من اللاجئين من فرصة العودة إلى وطنهم في الأمد المنظور على الأقل.

إذ بلغ عدد النازحين في العام 2015 ما يزيد عن 1.2 مليون نازح، بينما وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) نزوح 960 ألف سوري خلال الربع الأول فقط من العام 2020 نتيجة العمليات العسكرية التي نفذتها روسيا وقوات النظام على مناطق شمال غرب سوريا.

أما على صعيد اللاجئين، فما تزال أرقام العائدين منهم إلى سوريا ضئيلة، لاسيما مع الخشية من الاعتقالات التعسفية للعائدين من قبل قوات النظام، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال ما لا يقل عن 62 شخصاً عادوا من لبنان وحده، منذ مطلع العام الحالي وحتى أيلول/سبتمبر.

يضاف إلى المخاوف الأمنية تدهور الوضع الاقتصادي والفلتان الأمني في البلاد عموماً. كما قامت الحكومة السورية، في تموز/يوليو الماضي، بإصدار تعليمات تلزم جميع السوريين العائدين إلى سوريا بتصريف 100 دولار  أميركي أو ما يعادلها من العملات الأجنبية، وفقاً لأسعار الصرف المعتمدة من قبل الجمارك والطيران السوري.

أزمات اقتصادية

تشهد البلاد مع كل يوم تراجعاً في القدرة الشرائية نتيجة تدهور سعر صرف الليرة السورية، إضافة إلى المشكلات العديدة التي تواجه الاقتصاد من قبيل نقص القطع الأجنبي، وهيمنة أمراء الحرب، والصراع بين تيارات النظام الاقتصادية المختلفة، ومشاكل الاستيراد وما ينتج عنها من نقص في المواد الأساسية والخدمات.

إذ انهار سعر الصرف من 323 ليرة للدولار الأميركي الواحد مع بداية التدخل العسكري الروسي المباشر، إلى 2,250 ليرة اليوم.

في الوقت ذاته، سعت روسيا منذ تدخلها في سوريا إلى الحصول على استثمارات وامتيازات عدة في مختلف القطاعات الاقتصادية على شكل هبات اقتصادية لقاء إنقاذها نظام الأسد.

الملف السياسي

على امتداد السنوات الخمس الماضية، “غالباً ما يترافق الحراك السياسي الروسي مع القوة والأرهاب”. بدا ذلك جلياً، وعلى سبيل المثال فحسب، انعقاد جلسات اللجنة الدستورية السورية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2019، ثم اجتماع اللجنة المصغرة في الأسبوع الأول من الشهر التالي. إذ استمرت عمليات القصف العنيف من قبل القوات الروسية، على مناطق شمال غرب سوريا، “سعياً نحو فرض أمر واقع على الأرض، وتحقيقاً للهدف النهائي وهو الحسم العسكري، وإنهاء أي حلٍّ سياسي وبقاء حكم نظام عائلة الأسد”، بحسب ما جاء في تقرير الشبكة السورية.

كما هيمنت روسيا وتركيا على المشهد السياسي هذا العام في إدلب، عبر فرضهما عدة اتفاقات ثنائية بشأن مستقبل المنطقة والتهدئة، ومحاربة الأرهاب، والتي دائماً ما كان ينتج عنها زيادة في مساحة الأراضي لصالح النظام السوري، وانحسار مناطق المعارضة.

وعلى صعيد المفاوضات السياسية، ففي 20 كانون الأول/ديسمبر 2016، أعلنت الدول الضامنة لما يعرف بـ”محادثات أستانا”، وهي: روسيا وتركيا وإيران، التوصل إلى مبادئ تسوية سياسية للصراع في سوريا، سيعرف لاحقاً بـ”مسار أستانة”.

تالياً، في 21 كانون الأول/ديسمبر 2017، شهدت الجولة الثامنة من أستانة ولادة فكرة “مؤتمر الحوار السوري”، أو ما يعرف بـ”مؤتمر سوتشي”. وفي 30 كانون الثاني/يناير 2018، عقد مؤتمر “سوتشي 1″، بغياب المعارضة السورية الرسمية، نتيجة استمرار عمليات القصف على المدنيين ورفع أعلام النظام في مكان المؤتمر وتضمينها في شعارات اللقاء.

في ختام اجتماع زعماء الدول الضامنة لـ”محادثات أستانة”، روسيا وتركيا وإيران، في العاصمة التركية أنقرة، في 16 أيلول/سبتمبر 2019، أعلن الزعماء الثلاثة قرب انطلاق عمل لجنة صياغة الدستور في سوريا، التي ستعرف لاحقاً “اللجنة الدستورية”. وبذلك هيمنة روسيا أيضاً على الملف السياسي، وكتابة دستور البلاد.

لكن، كما بشأن كل القضايا غير العسكرية التي تعهدتها روسيا، ما يزال عمل اللجنة الدستورية مقتصراً على مناكفات وفد نظام الأسد واستنزاف أي لقاء بجدل حول مفاهيم مجردة،

سوريا على طول

——————————-

موسكو تتغنى بأستانة.. وتتبنى اللجنة الدستورية السورية

شدد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف على “أهمية” منصة أستانة للتسوية السورية. وقال إن الدول الضامنة لها لعبت “دوراً بارزاً” في تشكيل اللجنة الدستورية السورية، معتبراً أن اللجنة الدستورية العاملة في جنيف ليست بديلاً عنها.

وأضاف في مؤتمر صحاي عقب مباحثات في موسكو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أنه “تم تشكيل منصة أستانة للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه محاولات زملائنا الأمميين لإطلاق حوار سوري-سوري في جنيف”.

وقال: “بعد تأجيل المفاوضين الأمميين اللقاءات بين الحكومة والمعارضة دون بروز أي أفق لحل هذا الوضع، اتفقت روسيا وتركيا وإيران على الاستفادة من الفرص المتوفرة وتسخير اتصالاتها مع مختلف القوى السياسية في سوريا لتجاوز هذا المأزق”.

وقال إن ثلاثية أستانة هي صاحبة مبادرة مؤتمر “الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي الذي تُوّج ببيانات أعربت فيها الحكومة والمعارضة عن التزامهما بتشكيل اللجنة الدستورية وإصلاح دستوري في سوريا.

وتابع: “متابعتنا باستمرار وعن كثب لعمل اللجنة الدستورية بالتنسيق الوثيق مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسن، تعود بالنفع على القضية، وهذا ما أكدته اتصالاتنا مع الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة”.

من جانبه، أشار ظريف إلى أن أجندة أستانة تبحث قضايا مختلفة ولا تمثل بأي شكل بديلاً عن اللجنة الدستورية السورية.

وكان بيدرسن، قال قبل أيام، إن المفاوضات الأخيرة للجنة الدستورية، لم تسفر عن اتفاق بشأن جدول أعمال الجولة المقبلة. وأوضح أنه “كانت هناك اختلافات حقيقية للغاية من حيث الجوهر، ولم يتمكن رئيسا الوفدين من الاتفاق على جدول أعمال الجولة المقبلة”.

لكن مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة غينادي غاتيلوف خالف كلام بيدرسن، قائلاً إن “انعقاد الجولة الجديدة للجنة الدستورية السورية في جنيف سيتم في أقرب وقت”، مؤكداً أن “جدول أعمال الجولة المقبلة موجود بالفعل”.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية، عن غاتيلوف أن الجولة الأخيرة لمحادثات اللجنة كانت “ناجحة جداً”، حيث “تم إجراء الاتصالات، وناقشت الأطراف بنود جدول الأعمال ذات الصلة، وكان من المقرر عقد الجولة التالية مبدئياً في تشرين الأول، والآن يجري تحديد المواعيد”.

وأضاف أن “تأخير تحديد موعد الجلسات يعود إلى ظروف كثيرة، من بينها الوضع الوبائي في جنيف، حيث تجري المفاوضات”. وقال إن هناك جدول أعمال لاجتماع اللجنة، فضلاً عن عدد من القضايا المتفق عليها للمناقشة في الجولة المقبلة.

وأعرب غاتيلوف عن أمله في أن تنعقد الجولة دون تأخير، مشيراً إلى أن بيدرسن على اتصال بجميع الأطراف، وروسيا تدعم ذلك بكل الوسائل الممكنة.

المدن

—————————

بوتين نال كل ما يريده في سوريا

“بعيداً عن التعلم من أخطاء الآخرين، يستمر الجميع في تكرارها”. هكذا جادل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيلول/سبتمبر 2015 ، قبل يومين من إصدار الأوامر لجيش بلاده بالدخول إلى سوريا لدعم جهود الدكتاتور بشار الأسد اليائسة للتشبث بالسلطة.

وتقول مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في مقال لتشارلز ميلر: “لقد مررنا للتو في العام الخامس منذ أن شنّت روسيا أولى الضربات الجوية في الحرب السورية حول مدينة حمص”. مع دخول التدخل الروسي في سوريا نصف العقد الثاني، ماذا يمكننا أن نقول عن الصراع حتى الآن؟

يبدأ ميلر مقاله الذي حمل عنوان: “بعد خمس سنوات من الصراع في سوريا بوتين حصل على ما يريده”، بمنطق الكرملين للحرب. لتبرير التدخل الروسي، أشار بوتين بإصبع الاتهام إلى الولايات المتحدة، التي ليست غريبة عن حروب الشرق الأوسط، والتي عارضتها روسيا في معظمها.

“كيف انتهى الأمر بالفعل؟” سأل بوتين. “بدلاً من إجراء إصلاحات، أدى التدخل الأجنبي العدواني إلى تدمير صارخ للمؤسسات الوطنية… بدلاً من انتصار الديمقراطية والتقدم، حصلنا على العنف والفقر والكارثة الاجتماعية. لا أحد يهتم ولو قليلاً بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة “. ولمنع حدوث الأمر نفسه في سوريا، كانت حجته، على روسيا أن تدخل المعركة.

بعد مرور خمس سنوات، يبدو انتقاد بوتين للتدخل الأميركي في الشرق الأوسط ثرياً بعض الشيء. “كيف انتهى الأمر بالفعل؟” هو سؤال يمكن للمرء أن يسأله عن حرب روسيا في سوريا. كان هناك الكثير من “الدمار الصادم”، لا سيما في الهجوم الوحشي على حلب. لا يزال “العنف والفقر والكوارث الاجتماعية” بلاء الشعب السوري. أما بالنسبة لحقوق الإنسان، فإن النظام الذي أدى تعذيبه للمتظاهرين إلى اندلاع الحرب الأهلية، ما زال راسخاً في السلطة.

ويضيف ميلر “علاوة على ذلك، فإن الاستقرار السياسي، فضلاً عن التعافي الاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط الذي وعد به بوتين يبدو بعيداً كما كان دائماً. الحرب الأهلية السورية لم تنته بعد. القتال مستمر حول إدلب شمال غرب سوريا. وفي آب/أغسطس، أصيب جنود أميركيون في مواجهة مع القوات الروسية في شمال شرق سوريا”.

في غضون ذلك ، تظل إعادة الإعمار حلماً بعيد المنال. على الرغم من الوعود الروسية المستمرة بالمساعدة الاقتصادية، لا يزال المواطنون السوريون يعانون بشدة. ولم تخصص روسيا سوى القليل من المال لإعادة بناء البلاد، على أمل أن يدفع الغرب في النهاية الفاتورة لتجنب المزيد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

امتدت الحرب الأهلية في سوريا عبر المنطقة أيضاً، ولم تؤثر فقط على لبنان وتركيا المجاورتين ولكن أيضاً على ليبيا. يوجد الآن قوس من الصراع يعبر شرق البحر الأبيض المتوسط. نشرت روسيا مرتزقة في ليبيا، وشحنت تركيا الميليشيات السورية إلى هناك رداً على ذلك. بعيداً عن تحقيق الاستقرار في المنطقة، كان لتدخل روسيا تأثير معاكس.

لكن من منظور موسكو، فإن مثل هذه الانتقادات لا تهم كثيراً. ويرى ميلر أن الهدف من التدخل العسكري الروسي “كان تأكيد وجود الكرملين في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. من الواضح أن بوتين قد نجح في ذلك”. إذا انتهت الحرب في سوريا، فلن تحدث إلا بموافقة روسية. لقد جعل الكرملين نفسه لاعباً رئيسياً في النزاعات الإقليمية الأخرى أيضاً، بما في ذلك حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي ليبيا.

إضافة إلى ذلك، كانت سوريا أرضية نموذجية للجيش الروسي في أولى عملياته الواسعة النطاق منذ الحرب مع جورجيا في عام 2008. سارت العمليات العسكرية بسلاسة أكبر مما توقعه معظم المحللين، روس أو أجانب، مما يدلّ على أن روسيا يمكن أن تتدخل خارج حدودها بسهولة نسبية. لا تزال هناك حدود جدية لإسقاط القوة الروسية، لكن الكرملين ابتكر أهدافه العسكرية مع وضع هذه القيود في الاعتبار.

عندما دخلت روسيا الحرب في سوريا لأول مرة، تساءل بعض المراقبين الغربيين عما إذا ستكون “أفغانستان بوتين”. لا يبدو الأمر كذلك من موسكو. يرى الجيش الروسي أن سوريا “حرب جيدة”، كما وصفها المحلل العسكري مايكل كوفمان.

ويقول ميلر: “يجب أن يخدم الضباط الروس في سوريا حتى تتم ترقيتهم. إنهم يتعاملون مع عملياتهم في سوريا كدراسات حالة لتحسين الأداء في المستقبل. لذلك تبرز سوريا بالمقارنة مع الحروب الروسية الأخيرة. لا يزال من غير الممكن مناقشة الإجراءات الروسية المستمرة في دونباس الأوكرانية بشكل علني، وتعرضّ أداء الجيش في جورجيا في عام 2008 لانتقادات واسعة النطاق بسبب عدم الكفاءة التشغيلية. ومع ذلك، تُعتبر سوريا نجاحاً مثالياً.

ما الذي نجحت فيه روسيا بالضبط؟ يجيب ميلر: “بالتأكيد ليس إقامة السلام. لم تسفر محادثات السلام التي توسطت فيها روسيا بين الحكومة السورية ومختلف جماعات المعارضة عن أي شيء، على الرغم من سنوات من الجهود. ولا حتى عند إنهاء القتال المستمر، لا سيما في شمال شرق سوريا. أعلن بوتين علناً أن روسيا تنسحب من سوريا، أولاً في عام 2016 ومرة أخرى في عام 2017. لكن روسيا لم تبدِ أي علامات على الرحيل”.

يمكن مقارنة ذلك بموقف الولايات المتحدة في سوريا، والذي يتضمن مثل روسيا وحدة برية صغيرة ولكنها تعتمد على القوات المحلية لتحمل وطأة القتال. تناقش واشنطن استراتيجيتها للخروج منذ اليوم الذي بدأت فيه الحرب السورية، وهي عالقة بين الرغبة في الانسحاب من حرب أبدية والقلق من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار البلاد.

ليس لدى الكرملين مثل هذا التناقض بشأن حربه في سوريا. لا يمكن ترجمة “استراتيجية الخروج” إلى التفكير الاستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط. كانت النقطة هي عدم الفوز والمغادرة. كان الهدف هو البقاء – جعل روسيا لاعباً رئيسياً في المنطقة، ثم الدفاع عن هذا الدور الجديد. يرى الكرملين أن الذكرى السنوية الخامسة للتدخل الروسي في سوريا ليس وقتاً للتفكير في حرب بلا نهاية، ولكن كفرصة لشرب نخب النجاح، والأمل في أن تستمر حتى نصف عقدها الثاني.

المدن

———————————————-

=====================

=============================

تحديث 12 تشرين الأول 2020

———————————-

خمس سنوات على التدخل العسكري الروسي/ عروة خليفة

في الثلاثين من أيلول (سبتمبر) 2015، طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من البرلمان تفويضاً لاستخدام القوات الجوية في دعم النظام السوري. قبل ذلك بحوالي الشهرين، كان قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (قتل في غارة أميركية على العراق بداية عام 2020) يجلس مع بوتين في موسكو، لطلب الدعم والمساعدة للنظام السوري الذي تراجعت سيطرته العسكرية إلى ما لا يتجاوز العشرين بالمئة من مساحة البلاد.

كانت القوات الإيرانية في سوريا قد تعرضت لعدة هزائم كبيرة، من بينها المعارك الدامية في ريف حلب الجنوبي، التي انتهت بانسحاب القوات الإيرانية، على الرغم من استدعاء قوات النخبة في الجيش الإيراني الملقبين بـ «القبعات الخضر». لم تتأخر موسكو بتقديم الدعم، الذي بدأ بالوصول مع بداية شهر آب عام 2015، بالتوازي مع توقيع اتفاقية عسكرية بين موسكو والنظام السوري في دمشق، تبعتها زيارة قام بها بشار الأسد إلى موسكو في العشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 2015.

أصبح كل شيء جاهزاً إذاً من أجل مستوى جديد من التلاعب الروسي في الملف السوري. كانت موسكو، طوال أربعة سنوات قبل هذا القرار، قد قدمت دعماً سياسياً واسعاً للنظام في المحافل الدولية، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارات تدين النظام السوري حتى تلك اللحظة ست مرات (استخدمته لصالح النظام 11 مرة حتى اليوم)، فيما حرص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على إفراغ أي قرارات أخرى صدرت بخصوص سوريا من مضمونها. وهو ما تلاقى مع تراجع غربي في الضغط على النظام في دمشق منذ توقيع صفقة تسليم الأسلحة الكيميائية في مقابل تجنيب نظام الأسد عقاباً عسكرياً من واشنطن نتيجة استخدامه السلاح الكيميائي في ضرب الغوطة، ما تسبّب بمجزرة هائلة في آب 2013.

تمّ تجهيز قاعدة حميم لتستقبل الطائرات الروسية، فيما أعيد ترتيب قاعدة طرطوس البحرية لاستقبال السفن والمقاتلين. ولم يمضِ شهرٌ على إعلان التدخل الروسي في سوريا، حتى اندلعت معارك في ريف حماه الشمالي بدعم جوي وبري من موسكو لقوات النظام، التي حاولت التقدم على محاور مناطق سيطرة المعارضة هناك.

تعرضت العملية لفشلٍ ذريع في وقتها، وقد سجلّت اعداد كبيرة من الإصابات لدبابات ومدرعات النظام وموسكو، التي قالت تقارير صحفية محلية أنها استخدمت أحدث أنواع دباباتها في تلك المعركة. لم تنجُ دبابات T70 الشهيرة من مضاد الدروع المعروف اختصاراً باسم «تاو» الذي قدمته واشنطن لقوات المعارضة السورية، ليصبح التاو منذ ذلك الوقت أحد رموز وقف عدوان النظام على المدنيين، ويصبح عدد من رماة التاو أشخاصاً معروفين بين جميع السوريين. يبدو أن تلك اللحظة أثّرت كثيراً على اندفاع موسكو المتسرع في معارك سوريا.

خلال أشهر من إعلان التدخل الروسي لصالح النظام، لم تستطع موسكو تحقيق انتصارات واضحة، لكنّها استطاعت عكس تقدم المعارضة إلى دفاع، ووقف العمليات التي كانت قد انتهت بسيطرة تحالف لفصائل معارضة وجهاديين، من بينهم جبهة النصرة، على كامل محافظة إدلب عام 2015.

فجأةً، في 14 آذار (مارس) عام 2016، أعلن الرئيس الروسي انسحاب بلاده من سوريا. لم يحقق الروس نصراً، وكان الإعلان مفاجئاً للجميع، بما فيهم النظام الذي ارتبك إعلامه عند تعامله مع الموضوع. كان الأمر مناورة جديدة من بوتين لعلّها للضغط على نظام الأسد وتحصيل نفوذ أكبر في دولته المنهارة. لكنّ التدخل العسكري استمر، وإن بإستراتيجية مختلفة.

بحلول منتصف عام 2016، بدأت الجهود العسكرية الروسية، بتنسيق كامل مع الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري، التركيز على مدينة حلب، التي أصبحت أحياؤها الشرقية محاصرة بعد سيطرة قوات النظام على المنافذ الأساسية مع العالم الخارجي. ضيّق القصف والحصار الأوضاع على فصائل المعارضة هناك وعلى المدنيين. قبل حلول نهاية العام كانت الدفاعات المتبقية قد انهارت أمام عمليات قصف وحشية نفذتها الطائرات الروسية، لم تعد العمليات الأرضية من اختصاص الروس بعد ذلك. كانت الميليشيات الإيرانية، التي تمتلك القدرة على تحمل خسائر بشرية عالية، هي التي تنفذ العمليات على الأرض تحت غطاء طائرات Su-34 التي حولت بلداتٍ وأحياءً بكاملها إلى أنقاض.

كان الانتصار الذي قدمه الروس للنظام في حلب عنواناً لتحوّل رئيسي في مسار الأحداث في البلاد. اندفعت تركيا إلى الحوار مع موسكو، التي أصبحت على حدودها الجنوبية؛ وإيران التي سيطرت ميليشياتها على حلب، وتمّ إطلاق مسار أستانا الذي اعتبرته موسكو بديلها الخاص عن المسار السياسي الذي كان يجري في جنيف برعاية دولية وغربية.

وفي هذه الفترة، أجبرت موسكو -عبر أنقرة- قوات المعارضة في مختلف المناطق السورية على المشاركة في هذا المسار، باعتباره مساراً ضامناً لاستقرار خطوط التماس في البلاد. لم تجر عمليات واسعة خلال الفترة الأولى، لكنّ توجه موسكو إلى محيط دمشق لم يكن لمجرد تأمين الأحياء الرئيسية، فقد جرت محاصرة حي القابون، الذي كان يعد شريان الحياة الأساسي للغوطة الشرقية من خلال الأنفاق المحفورة بين المنطقتين. ونجم عن سحق المقاومة هناك خروج فصائل المعارِضة من الحي إلى الشمال أو إلى الغوطة، التي أصبحت تعيش تحت رحمة قوافل رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، مثل محي الدين المنفوش وهو رجل أعمال يمتلك مصانع للألبان والأجبان في الغوطة، أشار عدد من التقارير أنه يعمل كواجهة لماهر الأسد. كان ذلك يعني عودة ذكريات عام 2014، عندما توفي الناس بسبب سوء التغذية في مخيم اليرموك ومضايا وفي الغوطة الشرقية، وجميعها مناطق محاصرة في ذلك الوقت.

حاولت فصائل معارضة  فتح ثغرات في هذا الحصار عدة مرات، أو تحويل أنظار النظام إلى جبهات أخرى من خلال معارك الكراجات ومن ثم معركة إدارة المركبات في حرستا، لكن الأمتار القليلة في إدارة المركبات التي لم تسيطر عليها حركة أحرار الشام كانت كفيلة بإنهاء هذا الهجوم، الذي كان واعداً، وبانقلاب الأدوار.

أسابيع من القصف على حرستا ومن ثم كلّ الغوطة، تخلله استخدام للسلاح الكيميائي على نطاق محدود في عدة بلدات، ومن ثمّ بدأت المعركة التي دمرت ما تبقى واقفاً من أبنية مدن وبلدات الغوطة، إذ خرجت مدينة حرستا من هذه المعركة مدمرةً بنسبة 80%، على سبيل المثال. (هنا تسجيل هو صورة صوتية من شارع في مدينة دوما في أحد أيام القصف العادية التي سبقت المعركة، خلال المعركة كان القصف أضعاف المسجل هنا).

هجّر أهل الغوطة، باتفاق وقّع سريعاً مع الفصائل في القطاع الأوسط الذي يضم بلدات عربين وعين ترما وكفربطنا وغيرها من البلدات، وباتفاق مع فصائل حرستا. لم يهجّر أهل دوما قبل قصفهم بالكيماوي في السابع من نيسان عام 2018. كانت الشهادات والصور القادمة من الغوطة في تلك الفترة تعبّر عن أعمال وحشية لم يجرِ اختبارها من قبل، حتى مع كل المجازر التي ارتكبها النظام. كان بوتين قد قرّر الذهاب إلى النهاية في القتل الجماعي للسوريين، لم يكن يريد الخروج إلّا منتصراً على جثثنا.

تحت وطأة المجازر في الغوطة الشرقية واستخدام السلاح الكيميائي، كانت التهديدات الروسية كفيلة بدفع قوات المعارضة في ريف حمص الشمالي إلى توقيع اتفاق تسوية مع الروس، يقضي بخروجهم إلى الشمال وتسليم المنطقة إلى موسكو والنظام.

الحكاية اختلفت في درعا، وفي عموم الجنوب، إذ كانت فصائل المنطقة تعوّل على دعمِ أميركي وأردني لها في مواجهة العمليات التي بدأتها موسكو في نفس العام الأسود 2018. لكن على العكس من ذلك، جرى تسريب بنود اتفاق سري ثلاثي بين موسكو وواشنطن وتل أبيب، يقضي بضمان روسيا ابتعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود مع الجولان السوري المحتل، مقابل سماح إسرائيل بتقدم قوات النظام المدعومة من موسكو. جرى توقيع اتفاق مصالحة في درعا أيضاً وتحول أحد أبرز قادة المعارضة هناك، أحمد العودة، إلى رجل روسيا الأول في جنوب سوريا. بات العودة يقود عناصر الفيلق الخامس في درعا، وأصبح ممثل الجرائم الروسية في محافظته (يحاول اليوم نقلها إلى جيرانه من خلال اعتداءات تقودها قواته مع أهالي بلدة القريّا في السويداء).

مع نهاية عام 2018، كانت موسكو قد حقّقت انتصارات أوسع من تلك التي حقّقتها قبيل نهاية عام 2016، إذ كانت النسبة الأكبر من مساحات البلاد قد أصبحت تحت سيطرة النظام، خاصةً مع تراجع تنظيم داعش تحت تأثير الضربات الأميركية، ما سمح لقوات النظام المدعومة روسيا بالسيطرة على مدن محافظة دير الزور التي تقع على الضفة الجنوبية الغربية للنهر (دير الزور، الميادين، البوكمال) بعد اتفاق روسي-أميركي يقضي بتقاسم السيطرة بناءً على خط النهر، ما أطلق في الصحافة العالمية وضمن مراكز الأبحاث مصطلح «شرق الفرات» للتعبير عن المناطق التي تقع ضمن الغطاء الأميركي (كان بالإمكان استخدام اسم المنطقة الأصلي، الجزيرة السورية) في تمثيل ساطع لتجاهل التقسيمات الجيوسياسية لحياة الناس وتعبيراتهم في مناطق التنافس المحتدم.

مع بداية شهر شباط (فبراير) عام 2019، بدأت قوات النظام والميليشيات الإيرانية المساندة لها بعمليات قصف مدفعي عنيف على قرى ريف حماة الشمالي، وريف إدلب الجنوبي. كانت تلك العمليات، التي تسبّبت بتهجير ما يقارب المئتي ألف مدني حسب أرقام فريق منسقو الاستجابة، مجرد بداية لاجتياح بري واسع بدأ في نيسان من ذات العام. وشمل الاجتياح معظم جبهات ريف حماة وإدلب مع النظام الذي حاول مراراً التقدم على محور اللطامنة وكفر زيتا وصولاً إلى خان شيخون. لم يفلح النظام إلّا بعد أن سوّى تلك القرى بالأرض، لتتوقف المعارك لشهرين مؤقتاً على حدود محافظة إدلب هذه المرة.

تجدّدت المعارك نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر). كان عدد النازحين بسببها قد تجاوز 800 ألف نسمة، وقد أصبحت الأوضاع الإنسانية بالغة المأساوية على أكثر من ثلاثة ملايين نسمة من الأهالي والمهجرين والنازحين، يعيش جزء كبير منهم بالأصل في ظروف لا إنسانية. مع حلول عام 2020 استطاعت قوات النظام والميليشيات الإيرانية التقدم تحت غطاء القصف الروسي العنيف إلى مدن خان شيخون ومن ثم معرة النعمان ومن ثمّ سراقب حتى حدود الأتارب في ريف حلب الغربي، وكان هناك 1.1 مليون نازح في إدلب وريف حلب. توقفت المعارك باتفاق تركي روسي في منتصف آذار، لكن الخسائر البشرية، والمدن التي هجّر أهلها بالكامل، لا يمكن تعويضها.

تعيش إدلب منذ اتفاق موسكو، توتراً مضبوطاً، تخللته معارك صغيرة لم تغير الواقع كثيراً ولم تساهم في انهيار الهدنة. كانت إدلب، التي دخلها عشرة آلاف جندي تركي في سبيل وقف تقدم النظام، قد أصبحت ضمن أوضاع تسير ببطء نحو نسخ تجربة السيطرة التركية على ريف حلب الشمالي، لا معارك في الأفق القريب، لكن أنقرة من يحدد ما الذي يجب فعله في المنطقة.

طوال السنوات السابقة، حاولت موسكو بشكل دائم التهرب من الانخراط الجدّي في المسار السياسي، وقامت باختراع مسارِ سياسي مضحك شحنت إليه المئات من شخصيات رشحها النظام وجمعتهم في سوتشي. ضغطت انقرة على وفد يمثل قوات المعارضة للذهاب، لكنّ الوفد لم يشارك في الاجتماعات بعد أن أعلن أحمد طعمة رئيس الوفد تفويض أنقرة بالتحدّث باسم المعارضة!

مهزلة واضحة، لا تستدعي الكثير من التحليلات، قبل نهايتها استطاع الأمين العام للأمم المتحدة انتزاع تعهد من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بتسهيل روسيا إنشاء مسار خاص بالدستور السوري، لكنّ هذا الوعد احتاج إلى قرابة الاثني وعشرين شهراً وتهديدات متكررة من المبعوث الأميركي جيمس جيفري ليتحقّق بصورة مشوهة في جنيف خريف العام الماضي.

تعود موسكو للسياسة هذه السنة. كانت هناك مؤشرات حول هذا التوجه على الأقل، عندما قابل نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب. لم يحدث شيء منذ ذلك الوقت سوى ترفيع سفير موسكو في دمشق إلى رتبة مبعوث رئاسي خاص.

تحاول روسيا الآن الدخول إلى المسار السياسي من بوابة شرق البلاد، من خلال مزيجِ لوعود وتهديدات قدمتها لقوات سوريا الديمقراطية، التي أصبحت بعض مناطقها ضمن الحماية الروسية بعد الاجتياح التركي لشمال الجزيرة السورية، في عملية خلّفت الكثير من الضحايا وآلاف النازحين، وسيطرت أنقرة بنتيجتها على المساحة الممتدة بين رأس العين في محافظة الحسكة وتل أبيض في محافظة الرقّة.

بعد كل ذلك، تواجه موسكو اليوم، بعد خمس سنوات من بدء تدخلها العسكري المباشر في سوريا، تحديّاً لا يبدو أن باستطاعة طائرات السوخوي وراجمات الصواريخ حلّه. تواجه موسكو مزيجاً من الانهيار الاقتصادي في مناطق النظام، مضافاً إليه عقوبات دولية وأميركية مشدّدة، كان آخرها إقرار قانون قيصر للعقوبات، وهو ما يقود اليوم وبشكل متسارع إلى انهيار تام في اقتصاد المناطق التي سيطر عليها النظام برعاية روسية. وفيما تسيطر إيران، عبر فيلق «المدافعين عن حلب»، على مدينة حلب التي كان الدعم العسكري الروسي السبب الأساسي في سيطرتهم عليها؛ وتسيطر ميليشيا حزب الله اللبنانية على مناطق واسعة من ريفي حمص ودمشق. تستطيع موسكو قول أن لها النفوذ السياسي الأكبر على نظام الأسد، لكن كيف يمكن ترجمة نفوذٍ واسعٍ على نظام إجرامي منهار اقتصادي، بعد أن ارتكب جرائم ضد الإنسانية؟ في الحقيقة، تصعب تلك الترجمة، وهو ما يبدو أنّه سيحير بوتين لفترة طويلة: كيف لم تفلح القوة الباطشة لطائراته بتغيير كل المعادلات؟

يبدو أنّه يحتاج إلى مساعدة في تحليل ذلك.

موقع الجمهورية

———————————

صراخ الأسد في روسيا/ سميرة المسالمة

بينما غيّبت أجواء ما قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية و”كورونا” التغريدات المثيرة للجدل للرئيس دونالد ترامب، رداً على وقائع الأحداث في منطقتنا العربية، بدا صوت الرئيس السوري، بشار الأسد، حاضراً لإعلان مواقف حادّة، ليس فقط تجاه ما تم تداوله عن رغبة ترامب في قتله، ولكن ضمناً عن مجمل الاتفاقات الدولية التي عقدها حلفاؤه، وغيبته طرفا، بينما ناقشته باعتباره موضوعا، وقسمت بلاده بوصفها غنيمة. وفي وقتٍ بدا الأسد فيه مستاءً من الإتفاقات الروسية – التركية غير الفعالة، وقلّل من أهمية مسار جنيف، واصفاً إياه “باللعبة”، إلا أنه وعلى الرغم من محاولاته ردّ أزمات سورية الاقتصادية إلى عوامل خارجية، في مقدمتها عقوبات قانون قيصر الأميركي، متجاهلاً سببها الرئيسي، وهو خيار الحرب على الشعب السوري المطالب بالحرية، فهو لم يخفِ في ردوده حاجة البلاد إلى عملية إصلاحية “ينبغي علينا القيام بها”. أي أن الأسد، في حديثه لوكالة أنباء نوفوستي الحكومية الروسية، يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يعرف حدّة الإنهيار الإقتصادي الذي يعاني منه الشعب السوري، ويعرف بالتالي أنه وصل إلى النقطة التي وضعها هدفا له من خلال حرب طويلة، وحصار مدن السوريين وتجويعهم وتدمير إمكاناتهم، وصولاً إلى سلب قدرتهم على الإستمرار بمطالب الحرية والحياة الكريمة، مقابل فتات الخبز الذي أصبح تأمينه بمثابة انتصار لإرادة الحياة على الجوع.

لا يمكن إنكار أن الأسد قارئ ومستثمر جيد لمآلات سياساته في إدارة الصراع مع معارضيه، ومع خصومه الخارجيين. وفي الآن نفسه، يعرف كيف يستثمر في طموحات حلفائه وأطماعهم، وهو لا يمشي خبط عشواء، كما يحلو لنا نحن معارضيه أن نصفه، فتلك السياسات أبقته في منصبه الذي كان منذ ما قبل توليه له، أي منذ تولي الأسد الأب الحكم قبل خمسة عقود، الهدف الحقيقي للنظام. واستمر في نجاحاته عاما بعد آخر، وأزمةً تلو اغتيال، ونحن نعد عليه عثراته التي خطّط لها، واستخدم أقصى ما لديه لتنفيذها، بل ونخترع القصص والحكايات عن خلافاته مع داعميه، ونضع سيناريوهات النهايات السعيدة لنا على طريقة حكايات الجدّات التي تنهي الصواعق فيها على الأشرار، وينقذ مصباح علاء الدين الأخيار.

الأسد ومن منصة حكومية روسية يخالف كل ادّعاءات الحلول السياسية المتوقعة، والسيناريوهات المتداولة، ويسمّي الأشياء بمسمّياتها “جنيف لعبة سياسية، والدستور هو آخر ما يفكّر فيه المواطن السوري، والاتفاقات الروسية – التركية غير فعّالة، وما يحدث في الشمال في مناطق حلب وإدلب أعمال قتالية”. يعني لا سلام ولا وقف إطلاق نار ولا حلول سياسية، وهو بذلك يردّ على روسيا قبل غيرها، لنزع مصداقية تصريحاتها، ومن على صفحات إعلامها، ويغازل بطريقة مواربة إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، أن السلام مع إسرائيل ممكن، ولكن عبر صفقةٍ سياسيةٍ معه، وليست مع غيره.

هل هذه رسالة إلى روسيا لمنعها من تعهدات مستقبلية، أم رسالة إلى الولايات المتحدة أن القرار لا يزال سورياً في هذه القضية تحديداً، وأن باب المزايدات مفتوح؟ كانت التصريحات السورية ولا تزال ضد السلوك الأميركي حاضرةً في كل وقت، على الرغم من أن الموقف الأميركي من الثورة السورية تغير وتبدل، من دافع إلى مزيد من النقمة الشعبية على النظام إلى عدم الوضوح، والإفتقاد إلى الحسم، وترك الصراع الجاري في سورية للقوى الأخرى، أي روسيا وإيران وتركيا وبعض الدول العربية، إما تعبيرا عن اللامبالاة، باعتبار أن سورية لم تكن يوما في دائرة النفوذ الأميركي المباشر، أو لتوريط هذه الأطراف في هذا البلد، ما يطيل أمد الصراع، ويزيده تعقيداً، الأمر الذي دفع السوريون ثمنه باهظاً، وهو ما حصل. استراتيجية اللامبالاة التي كان البيت الأبيض قد اعتمدها في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، وتمثلت بالحفاظ على ديمومة الصراع في واقعٍ لا غالب فيه ولا مغلوب، لا من جهة المعارضة ولا من جهة النظام، هي ذاتها في عهد ترامب، وستبقى بقي ترامب رئيسا أم خالفه الحظ، وهي التي تشجع النظام السوري اليوم على رفع صوته، حتى في وجه حلفائه، لتوسيع مكان له على طاولة مفاوضاتهم. لهذا، ما يأخذه الروس عليه من تمادٍ في تجاهل الإستحقاقات التي يفرضها الحل الروسي للصراع في سورية، والتي قدّمتها موسكو عبر وعود واتفاقات مع الدول، هو تماد له توقيت سياسي ورسائل خارجية، وأيد مفتوحة للسلام مع أي “عدو” لها، مهما كانت مسمّياته، من إسرائيل حتى الولايات المتحدة إلى تركيا، باستثناء الشعب السوري.

أنهى الأسد بتصريحاته محاولات المعارضة الرقص على كلمات التشجيع الروسي، وأن الحلول السياسية التي يتوهمونها، ورافقت وفودهم إلى موسكو وآستانة وسوتشي، تمكن صناعتها في مسار آستانة لتمريرها في قاعات جنيف، فحيث قلّل من أهمية اتفاقات آستانة هزئ، في الوقت نفسه، من استحقاقات جنيف، وأعاد تمرير برنامجه الانتخابي “الإصلاحي” الذي وعد به السوريين عام 2000 في خطاب القسم، وثم كرّره عام 2007، وإذا كان قد تجاهله عام 2014، لأنه اعتمد على خطاب الحرب، فهو اليوم يعود إليه ليؤكّد انتصاره لحاضنته الشعبية، والتفاتته إلى الوضع الداخلي، في وقتٍ تتشتت فيه قيادات المعارضة بين داعميها المتحاربين داخل سورية وخارجها، وتتجاهل هذه “القيادات” حتى تمثيل اهتمامها بمآلات السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وهي تغرق بالتساوي تحت خط الفقر، وتشتعل بنيران أسعار الغلاء، ما يجعل سوريين كثيرين على الطرف الآخر من الصراع ليس فقط غير مهتمين بالدستور، بل ويسحبون ثقتهم من كل من يشارك بصناعته المغشوشة.

العربي الجديد

————————————

هل انتهت الحرب في سوريا؟!/ يحيى العريضي

“لم تنتهِ الحرب في سوريا”؛ عبارة وردت على لسان رأس النظام في مقابلة له مع الإعلام الروسي مؤخراً. وقبلها بأسبوع، قال رأس الدبلوماسية الروسية “لافروف” إن “الحرب انتهت في سوريا”. الإشكالية بالتناقض هذا لا تكمن بأيهما “الصادق”، بل بملامح الشرخ الحاصل بينهما، رغم محاولاتهما إخفاءه عبر الإشادات المتبادلة. فأين يلتقيان ويفترقان في فهميهما وأهدافهما من الحرب في سوريا أو عليها؟

عندما يعيد الأسد تشغيل الأسطوانة المشروخة بشأن “الحرب الكونية” على سوريا، وقَدَرِ سوريا في مواجهة الإرهاب تاريخيا -حسب قوله- فهكذا حرب لا تنتهي. ولكن واقع ما حدث في سوريا يثبت أن الأمر ليس كذلك، بل تم استخدام سردية “الحرب الكونية” على سوريا، أو “الحرب على الإرهاب” كشماعة يعلّق النظام عليها ارتكاباته بحق شعب ثار عليه. فأي حرب كونية هذه، إذا كان هذا الكون يطلب من النظام وقف الحرب على شعبه، ووقف إطلاق النار، ورفع الحصار، وإطلاق سراح المعتقلين، والدخول في العملية السياسية؛ كي تنتهي الحرب، وتستقر سوريا، وتعود إلى الحياة؟!

الحرب التي لم تنته هي حرب النظام على الشعب؛ ببساطة لأنها شريان حياته. كيف له أن يتحكم بالملايين، التي بقيت تحت سيطرته، إن لم يجعل اهتمامات تلك الملايين محصورة ببقائهم فقط؟! كيف يمكن أن يزيح صور أكثر من مليون فلذّة كبد قضوا بحرب عبثية من أجل بقائه في السلطة، إذا انتهى شبح كابوس الحرب “الكونية”؟! أليس

من الضرورة بالنسبة لهذه السلطة الاستبدادية أن تكون لقمة العيش والمحروقات والكهرباء والأمان هاجس هؤلاء الرهائن تحت سيطرتها كي يسهل استعبادهم؟! أليس اتهام المواطن بالإرهاب بداية، ثم لاحقاً باللاوطنية حرباً لا تنتهي؟!

لم تنته الحرب بالنسبة للنظام، لأن التوتر المجتمعي يعني بقاءه كقراد يمتص ما بقي من دماء هذا الشعب. أوليس الخنق الاقتصادي نوعاً من الحرب! أوليس الإذلال والخطف والفتن ونشر المخدرات والاعتقالات المستمرة حرباً لا تنته؟!

من جانب آخر، وكما أن مقولة “الحرب لم تنته” هي إكسير الحياة والاستمرار لمنظومة الأسد، فإنها المبرر الأساس لاستمرار وجود إيران وميليشياتها في سوريا؛ فهل يجرؤ رأس النظام على سحب ذلك البساط من تحت أقدام الاحتلال الإيراني؟! أليست إيران مصدر تحريض مستمر للحؤول دون دخول النظام في أي عملية سياسية، والتظاهر بقبولها فقط؟!

في سردية لافروف بأن “الحرب انتهت”، الرجل معذور بالتحدث عن ذلك، ربما بدافع الحرج بعد مضي خمس سنوات على الدخول الروسي العسكري الثقيل في سوريا من أجل “وقف الاٍرهاب”-حيث كان مقررا أن ثلاثة أشهر كفيلة بإنهاء المسألة، كما قال بوتين ذاته- ولكن الخيبة كانت النتيجة؛ فلا السلام تحقق، ولا الأمان حل، ولا الإرهاب هُزم، ولا المصالح تحققت. والسبب في كل ذلك هو أن غاية الدخول أساساً لم تكن كما أُعلن، بل لحماية إرهاب النظام ذاته وتغطيته سياسياً في وجه من ثاروا على الاستبداد؛ فكان تدمير المنازل والمدارس والمشافي والأسواق، وكان التشريد، وكان إجهاض القرارات الدولية المتعلقة بوقف الحرب في سوريا بإفراغها من مضمونها.

لا يعني غياب براميل النظام وصواريخ طائرات السوخوي الروسية من الأجواء السورية نهاية حرب النظام وداعميه على الشعب السوري؛ حيث لم يعد هناك مشاف ومدارس وأسواق لتُقصَف. ربما أطلق السيد لافروف تلك العبارة في “نهاية الحرب” لممارسة الضغط على الحليف وشريكه الإيراني للانطلاق إلى الجنى السياسي والاقتصادي المتعثرين.

حرب النظام ومَن يدعمه على سوريا والسوريين لم تنته؛ لكن القائلين يتفقان بالهدف النهائي في طرحيهما، ويختلفان بتمريره بالغاية والوسيلة لإنجاز الهدف. رئيس النظام يقول باستمرارها ويريده من أجل البقاء، والروسي يقول بنهايتها- رغم علمه بأنها لم تنته- كي يثبّت “سلطة فيشي الأسدية” في دمشق، ليتسنى له وضع اليد وإنجاز الأهداف المتعثرة دون أن يوُصَف بالاحتلال.

تنتهي الحرب في سوريا بالتوقف الروسي عن “التكتكة” والمناورات، وبالتوقف عن العمل بعقل المحتل الذي لا يريد الاعتراف باحتلاله لبلاد الآخرين، وبالتيقن من أن المنظومة التي يحميها عبارة عن عصابة ستنقلب عليه عند تحقيقها مآربها بالتعاون مع ملالي طهران. تنتهي الحرب بتطبيق القرارات الدولية، ونهاية الاستبداد، وخروج الاحتلالات، وتقرير السوريين مصيرهم في بناء بلد حر سيد كريم. وأقول في النهاية ليس للسوري إلا السوري؛ وأدعو من لازال مع النظام خوفاً أو مصلحة أو لأي سبب آخر؛ آن الأوان أن ننقذ بلدنا من الاستبداد وكل الاحتلالات التي تحميه. ولنا في حريق بلدنا الدرس الأكبر.

———————————

الناس عم تطلع من الجوع”… روسيا تستثمر في أرواح السوريين خارج بلادهم/ آدم أفرام

بدأت القصة من تَلْكَلَخ، في أواسط عام 2018. من تلك المدينة السورية بدأت الحكاية، حكاية سوريين موالين للحكومة “اشتراهم” الروس وأرسلوهم للقتال في ليبيا، دون أن يكبدوا أنفسهم عناء الاعتراف بإرسالهم.

تلكلخ التي تتبع إدارياً لمحافظة حمص، وتقع على كتف سهل عكار، على الحدود السورية اللبنانية، خرجت عن سيطرة النظام بعد الثورة، وظلت هكذا حتى حزيران/ يونيو 2013، عندما استعادتها القوات الحكومية، إثر عملية مصالحة شاملة.

بدأت القصة من هناك مع افتتاح شركة فاغنر مكتباً رسمياً لها، يديره في الواجهة شباب سوريون من المنطقة. وأعلن هذا المكتب عن بدء تطويع/ استقطاب سوريين بين عمر 16 و58 عاماً، للقتال تحت جناح القوات الروسية المتواجدة في ليبيا.

لم يمض وقت طويل حتى بدأ يتوافد شباب من مناطق عدة، ومن أكثر من طائفة، لتسجيل طلباتهم بالالتحاق بالحرب الليبية.

بطبيعة الحال، حظي هذا المركز الوليد بدعم أمني سوري غير معلن. الكل رسمياً تنصّل من عمله ولا زال. في زيارته الأخيرة إلى دمشق، في أيلول/ سبتمبر الماضي، نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن يكون لدى بلاده أي علم بتوجه سوريين للقتال في ليبيا، باستثناء المرتزقة الذين ترسلهم تركيا.

ولكن السوريين يعرفون. يعرفون كثيراً عن ارتزاق شبانهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والأسوأ أن الذهاب طوعي تماماً، بلا أي ضغوط من أي نوع، لا بل هناك امتيازات للمتوجهين لخوض حروب “المشترين”.

الأسماء المسجلة لدى المكتب المذكور وغيره كانت، ولا تزال، تُرسَل إلى الأمن السوري الذي يطلع عليها ثم يقرر مَن يسمح له بالسفر ومَن لا. وبالطبع، فإن خيار السفر متاح للجميع، حتى أولئك الذي كانوا مسلحين ينشطون ضد القوات الحكومية قبل أن يجروا تسويات عسكرية. الشرط الوحيد لقبول طالب الالتحاق ألا يكون متخلفاً عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية.

سمسرات على الأرواح

عموم المكاتب التي افتتحت، وبينها مكتب الصايد في قرية الصايد شرق حمص، تتقاضى عن إرسالها لكل مقاتل إلى ليبيا مئة دولار من المقاتل ومئة أخرى من القيادة الروسية المرابطة في مطار حميميم العسكري.

مكتب الصايد هذا تفرّد في تقديم خدمة أخرى. افتتح مركزاً لتدريب المقاتلين بقيادة أحد مشايخ العشائر العربية، الشيخ تركي البوحمد، شيخ عشائر البوحمد. يصار إلى إخضاع الملتحقين لدورة لمدة أسبوعين على استخدام الأسلحة والتعامل معها.

ولأن الوقت بين إقلاع طائرة روسية وأخرى إلى ليبيا قد يطول قليلاً، يجري نقل هؤلاء المقاتلين للخدمة في صفوف العشائر في الرقة ودير الزور، مقابل بدل مادي هو 300 دولار، ريثما يحين موعد التحاق المقاتل بطائرته، وهو موعد يبلغ به قبل وقت قصير جداً.

قبل أسبوعين، انتشر على موقع يوتيوب تسجيل صوتي لشخص أطلق على نفسه اسم وسيم الدمشقي، قال فيه: “أنا باخد من العالم لما وصّلهم للمطار، هني بيستفيدوا وأنا كمان… بيتصل فيي من جرمانا الشيخ سليمان الشواخ قائد تشكيل بيقلي تعا يا وسيم ضروري في موضوع بدي إحكيه معك، بيكون عندو شخص درزي منّا وفينا، بدهم يعرفوا شو عندي أعداد. قلتلن عندي 700 شخص بدن يسافروا ع ليبيا، فقلي بدي إحكي مع الأمن الوطني وأمن الروس وجيب موافقات للكل يطلع”.

ويضيف: “جمعنا العالم وطلعنا، وصلنا على اللادقية 2 الصبح بالليل، قال أنت ممنوع تفوت وسيم، قلي بدي فوّت بس 100 عنصر طيارتن هلأ فوراً، البقية لبكرا”.

ويروي الدمشقي الذي يقول إنه من محافظة السويداء السورية كيف أن الشواخ استغله للحصول على المقاتلين الذين لديه، دون منحه أمواله الموعود بها.

كلام الدمشقي جاء ليشرح للمقاتلين المنتظِرين لماذا لم يتم إرسالهم، في ظل اعتقادهم بأنه قبض عليهم عمولة. ويقول: “ما سحبت سلاح ع حدا ليروح. كلن راحوا بكيفن، واللي ناطرين ناطرين بكيفن، ويسألوني شو الوضع قلن ع ذمة اللي راح ورجع أنو منيح. الناس عم تطلع من الجوع وأنا متلن، وأنا ما قبضت علين ولا ليرة وحدة”.

رحلة السفر

يُبلّغ المقاتل بموعد طائرته قبل ثماني ساعات من الالتحاق بها فقط، ويمنع عليه اصطحاب هاتفه الخلوي، أو الأموال، أو أي شيء مهما كان، باستثناء هويته الشخصية التي تُسحَب منه في المطار.

تُجَمَّع الدفعة وتُرسَل إلى ليبيا، وهناك أيضاً يُمنع أفرادها من امتلاك أي جهاز هاتف أو التقاط أي صورة، أو التواصل مع أي شخص ليبي، مهما كان الأمر مهماً. بمعنى آخر، يحيطونهم بعزلة لا يمكن اختراقها إطلاقاً، وأي محاولة لخرقها تعرّض المقاتل لعقوبات قاسية منها حرمانه من الراتب وتسليمه ليسجن لدى الأمن السوري.

روسيا التي خسرت ليبيا لصالح حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع سقوط نظام الزعيم الليبي معمّر القذافي، تسعى إلى استعادة نفوذها هنالك. اكتشفت خطأها الاستراتيجي الكبير في الموافقة على تدخّل التحالف الغربي فقررت التدخل. والآن، تجد نفسها في مواجهة عدوها القديم، تركيا ورئيسها رجب طيّب أردوغان الباحث عن إحياء إرث السلطنة العثمانية.

يقضي المقاتل ثلاثة أشهر في ليبيا، ثم ينال شهر استراحة يعود خلاله إلى سوريا، قبل أن يُرسَل مجدداً إلى ليبيا. لا يُجبَر أي عائد على الالتحاق بالجبهة الليبية مجدداً. العرض أكبر من الطلب. تُترك له حرية اتخاذ القرار.

كل مقاتل يتقاضى راتباً يبلغ ألف دولار أمريكي شهرياً، حتى عن شهر الاستراحة، أي يحصل على أربعة آلاف دولار عن كل مهمة. وبطبيعة الحال، الجميع يسمّون مقاتلين، ولكن مهمة مَن يتقاضى ألف دولار هو “التثبيت”، أي تثبيت نقاط حراسة في مناطق متفرقة، وجلها تقع على طرق إمداد النفط الواقعة تحت سيطرة المشير خليفة حفتر. أما المقاتل الذي يختار تنفيذ مهمات اقتحام، فيتقاضى ثلاثة آلاف دولار شهرياً.

وكانت روسيا قد أعادت جثامين عدد من المقاتلين السوريين الذي قضوا في اشتباكات ليبيا إلى سوريا، ومنحت أهلهم تعويضات بلغت خمسة آلاف دولار عن كل قتيل، إلى جانب راتب المهمة. ولكن يُسجَّل أن غالبية من ذهبوا عادوا أحياء.

الانتشار والرفض المناطقي

مكاتب تطويع كثيرة ظهرت إلى جانب مكتب تلكلخ، فهناك ثلاثة مكاتب في طرطوس، ومثلها في حمص واللاذقية ودمشق ومراكز أخرى في بقية المحافظات، مثل السويداء التي تشهد غضباً شعبياً على إرسال الروس شبابهم إلى الموت، حسبما يتّضح من تعابير ينشرها أبناء المحافظة على وسائل التواصل الاجتماعي في أكثر من مناسبة.

بالعموم، ترفض المجتمعات المحلية ومعظم رجال الدين والأعيان فكرة إرسال شبابهم للقتال في ليبيا كمرتزقة، ولكن أموال الروس صادرت الرأي المجتمعي وأغرت الشباب العاطلين عن العمل. لغة المال تفوّقت على أدبيات المناطق السورية.

قبلستة أشهر تقريباً، وعلى إثر حالة سخط محلية، صدر قرار داخلي في مطار حميميم المسؤول عن أمر إعطاء الرواتب وتسفير المقاتلين، يقضي بمنع التحاق أي شاب من طرطوس أو اللاذقية في جبهات القتال في ليبيا.

أتى ذلك بعد حالة هياج عاشتها مناطق عدة، إثر عودة بعض الشباب قتلى، فضلاً عن خصوصية هذه المناطق التي تشكل خزاناً بشرياً استراتيجياً للحكومة السورية، ما يوضح أن البلدين، روسيا وسوريا، ينسّقان حول المسألة.

هكذا، صار تجنيد المقاتلين يقتصر على بقية المحافظات. لا يعني القرار الجديد أن العلوي لا يجب إرساله، فعلويو الداخل، بين حمص وحماة، لا زال السفر مسموحاً لهم.

تشير مصادر إلى أنه كان يُنقَل بين ثلاثة وخمسة آلاف مقاتل سوري إلى ليبيا شهرياً. وأعداد الشباب الراغبين في الالتحاق تزداد باطراد. فالعائدون أحياء يعبّرون عن رضاهم عن تجربتهم ورجعوا حاملين ملايين الليرات السورية.

هؤلاء العائدون حمّسوا آخرين، وصار كل واحد منهم يجنّد أشخاصاً، إذ فتح الروس باب تشكيل الجماعات، أي أن كل فرد يستطيع أن يجمع ثلاثين اسماً ليتوجّهوا كمجموعة إلى ليبيا، ويزيد راتب هذا “المنظّم” بمقدار 25%، ويُعيّن قائداً للمجموعة، وبالتالي يمنحه المزيد من الرضا عن النفس والشعور بالإنجاز.

بالمبدأ، لا ضرورة على الإطلاق لأن يكون الشخص مدرَّباً بشكل جيّد. أي شخص يرغب يمكنه أن يذهب.

وتنقسم ليبيا بين معسكرين، معسكر خليفة حفتر المدعوم من روسيا، ومعسكر حكومة الوفاق الليبية المدعومة من تركيا. لا تزجّ روسيا بكتائب من قواتها الرسمية في الحرب على الأرض. لديها مستشارون عسكريون، ولكنها تعتمد لتنفيذ المهمات على شركة فاغنر الروسية، والأخيرة باتت تعتمد كثيراً على المرتزقة السوريين.

من ليبيا إلى أرمينيا

حوالي مئة ألف سوري ذهبوا إلى ليبيا، على مراحل، للقتال هناك. بعضهم عاد إلى بلده وقرر عدم التوجه إلى ليبيا مرةً أخرى. الأكيد أن غالبيتهم عادوا.

وعلم رصيف22 من مصادر داخل مطار حميميم بوجود أسماء 45 ألف سوري مسجّلين للذهاب إلى ليبيا، وحصلوا على الموافقات المطلوبة، إلا أن الروس أوقفوا في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الرحلات مع الاحتفاظ ببياناتهم.

حالياً، يفكّر الروس في تحويل هؤلاء الشباب للقتال في إقليم ناغورنو كاراباخ، براتب شهري قدره 2500 دولار شهرياً. لكنّ الأمر يبدو مقلقاً هذه المرة، فالذهاب إلى ليبيا كان أكثر أمناً على اعتبار أن الهدنة هي التي تسيطر غالباً هناك، ولكن في ناغورنو كاراباخ، تصل أنباء من المرتزقة السوريين الذين جندتهم تركيا من شمال سوريا للقتال بجانب قوات أذربيجان عن معاناتهم وكيف أن أعداداً كبيرةً في صفوفهم وقعوا قتلى.

هذا يعني أن السوري سيفكّر كثيراً قبل الموافقة على الذهاب إلى ساحة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، ولكن إذا استمرت الحرب هنالك، يرجّح أن كثيرين سيذهبون في النهاية، فمبلغ 2500 دولار رقم لا يحلم به السوري، في بلد متوسط رواتب موظفيه خمسون ألف ليرة سورية (25 دولاراً).

رصيف 22

——————————

“عم يستهدفوا الحياة بإدلب”… استراتيجية الضربات السورية – الروسية استهدفت البنى التحتية المدنية
هيومن رايتس واتش
هجمات غير قانونية على المستشفيات، والمدارس، والأسواق هجّرت سكان إدلب
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن الهجمات المتكررة للقوات المسلحة السورية والروسية على البنى التحتية المدنية في إدلب شمال غربي سوريا شكلت جرائم حرب على ما يبدو وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. قتلت عشرات الضربات الجوية والبرية غير القانونية على المستشفيات، والمدارس، والأسواق من أبريل/نيسان 2019 إلى مارس/آذار 2020 مئات المدنيين. كما أضرّت الهجمات بشكل خطير بالحق في الصحة، والتعليم، والغذاء، والماء، والمأوى، فتسببت بنزوح جماعي.
تقرير “عم يستهدفوا الحياة بإدلب: الضربات السورية-الروسية على البُنى التحتية المدنية”، الصادر في 167 صفحة، يفّصل الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة السورية والروسية خلال الحملة العسكرية التي استمرت 11 شهراً لاستعادة محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، إحدى آخر المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة المعارضة للحكومة. يدرس التقرير الاستراتيجية العسكرية القائمة على الانتهاكات، التي خرق فيها التحالف السوري-الروسي قوانين الحرب مراراً وتكراراً ضد 3 ملايين مدني هناك، العديد منهم كانوا قد هُجِّروا بسبب القتال في أماكن أخرى في البلاد.
يسمّي التقرير عشرة من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين السوريين والروس المرجح تورطهم في جرائم حرب بحكم مسؤوليتهم القيادية: كانوا يعرفون أو كان ينبغي أن يعرفوا بالانتهاكات ولم يتخذوا أي خطوات فعالة لوقفها أو معاقبة المسؤولين عنها.
قال كينيث روث، المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش: “ضربات التحالف السوري-الروسي على المستشفيات، والمدارس، والأسواق في إدلب أظهرت استخفافاً صارخاً بالحياة المدنية. تبدو الهجمات غير القانونية المتكررة جزءاً من استراتيجية عسكرية متعمدة لتدمير البنية التحتية المدنية وطرد السكان، ما يسهل على الحكومة السورية استعادة السيطرة”.
وثّقت هيومن رايتس ووتش 46 هجوماً جوياً وبرياً، شملت استخدام الذخائرالعنقودية، أصابت مباشرة أو ألحقت أضراراً بالمدنيين والبنى التحتية في إدلب، في انتهاك لقوانين الحرب. قتلت الغارات على الأقل 212 مدنيا وجرحت 560. لم تكن هذه سوى جزء بسيط من إجمالي الهجمات خلال تلك الفترة في إدلب والمناطق المحيطة بها. أدت الحملة إلى نزوح 1.4 مليون شخص، معظمهم في الأشهر الأخيرة من العملية.
قابلت هيومن رايتس ووتش أكثر من 100 ضحية وشاهد على الهجمات الـ 46، فضلا عن عمال رعاية صحية وإنقاذ، ومعلمين، وسلطات محلية، وخبراء في الجيشين السوري والروسي. كما راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات صور الأقمار الصناعية وأكثر من 550 صورة ومقطع فيديو التُقطت في مواقع الهجمات، وكذلك سجلات مراقبي الطيران. قدمت هيومن رايتس ووتش ملخصاً لنتائجها وأسئلتها إلى الحكومتين السورية والروسية، لكنها لم تتلق رداً.
الضربات الموثقة، ومعظمها في أربع مدن ومحيطها – أريحا، ومدينة إدلب، وجسر الشغور، ومعرة النعمان – ألحقت أضراراً بـ 12 منشأة صحية وعشر مدارس، ما أجبرها على الإغلاق في بعض الحالات بشكل دائم. كما أضرت الهجمات بما لا يقل عن خمسة أسواق، وأربع مخيمات للنازحين، وأربعة أحياء سكنية، ومنطقتين تجاريتين، وسجن، وكنيسة، وملعب، ومقر لمنظمة غير حكومية.
وفقاً لتقريرها، لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود أهداف عسكرية من أفراد أو عتاد في المنطقة المجاورة وقت وقوع أي من الهجمات، ولم يكن أي من السكان الذين تمت مقابلتهم على علم بأي تحذير مسبق. كانت الغالبية العظمى من الهجمات بعيدة عن القتال النشط بين القوات الحكومية السورية والجماعات المسلحة المناهضة للحكومة.
الهجمات المتكررة على البنى التحتية المدنية في المناطق المأهولة التي لا يبدو أن فيها أي هدف عسكري تشير أن هذه الهجمات غير القانونية كانت متعمدة. قالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات تهدف على ما يبدو إلى حرمان المدنيين من وسائل إعالة أنفسهم وإجبارهم على الفرار، أو بث الرعب في نفوس السكان.
وصف أيمن أسد، من سكان مدينة إدلب، تأثير الضربات الجوية قائلاً: “نحن مرعوبون. لا أشعر بالأمان في مكان عملي، وفي نفس الوقت أشعر بالقلق باستمرار على عائلتي وخاصة طفليّ اللذين يذهبان إلى المدرسة كل يوم. المدارس والأسواق والمنازل والمستشفيات، كل شيء هو هدف. إنهم يستهدفون الحياة في إدلب”.
يبدو أن معظم الهجمات الموثقة انطوت على أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق في مناطق مأهولة بالسكان. يمكن أن يؤدي استخدام هذه الأسلحة في مناطق مأهولة إلى قتل وجرح أعداد كبيرة من المدنيين عشوائياً، وإلحاق الضرر بالأعيان والبنية التحتية المدنية وتدميرها. كما أن آثارها لها بدورها نتائج أخرى – تعطيل الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية، والتعليم، والحصول على الغذاء والمأوى. أما الآثار طويلة المدى، فتشمل الضرر النفسي الجسيم بالأشخاص المتضررين. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الأطراف المتحاربة تجنب استخدام هذه الأسلحة في المناطق المأهولة.
قبل وقف إطلاق النار في مارس/آذار، استعادت القوات الحكومية سيطرتها على ما يقارب نصف الأراضي في إدلب وما حولها، بما في ذلك مئات البلدات والقرى المهجورة. منذ ذلك الحين، عاد بعض الأشخاص إلى المناطق التي لا تزال تسيطر عليها الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة حيث وجدوا بنية تحتية مدمرة وإمكانية محدودة للحصول على الغذاء، والمياه، والمأوى، والرعاية الصحية، والتعليم. وضع تفشي فيروس كورونا نظام الرعاية الصحية المدمر في المنطقة تحت ضغط هائل، ما زاد الخطر على المدنيين.
لعبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون دورا أساسيا في دفع تركيا، وروسيا، وسوريا إلى الموافقة على وقف لإطلاق النار.
أي استئناف للقتال سيعرض المدنيين لهجمات متجددة بالأسلحة المتفجرة وخطر إضافي بسبب فيروس كورونا، ما قد يؤدي إلى نزوح جماعي مع عواقب إنسانية كارثية. قالت هيومن رايتس ووتش إن النازحين قد يسعون إلى عبور حدود سوريا الشمالية، إلا أن القوات التركية قد صدت سابقا طالبي اللجوء،وأطلقت النار عليهم، وأعادتهم قسرا.
يُلزم القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، جميع الأطراف المتحاربة بتوجيه هجماتها على أهداف عسكرية وتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين أو الأعيان المدنية، وعدم تنفيذ هجمات تتسبب في أضرار مدنية عشوائية أو غير متناسبة. كما يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان السكان، بما في ذلك “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الذي يحمي الحق في الصحة، والتعليم، ومستوى معيشي لائق.
نظراً إلى الطريق المسدود في مجلس الأمن، على “الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة” تبني قرار أو بيان يدعو دولها الأعضاء إلى فرض عقوبات محددة الهدف على القادة العسكريين والمدنيين الضالعين بشكل موثوق في جرائم الحرب والجرائم المحتملة ضد الإنسانية والتجاوزات الخطيرة الأخرى. على الحكومات المعنية متابعة القضايا الجنائية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية وفرض عقوبات محددة الهدف من جانب واحد ضد القادة والمسؤولين المتورطين في جرائم حرب، بما يشمل مسؤولية القيادة.
لمعالجة الوضع الإنساني، لا سيما في فترة الوباء، على مجلس الأمن إعادة التصريح بتسليم المساعدات عبر الحدود من خلال جميع المعابر الحدودية الثلاثة المصرح بها سابقاً في الشمال الغربي والشمال الشرقي. إذا ثبت أن مجلس الأمن غير قادر على إعادة ترخيص عمليات التسليم عبر الحدود بسبب تهديد روسيا باستخدام حق النقض، فعلى الجمعية العامة إصدار قرار لدعم استمرار الأمم المتحدة في عمليات التسليم عبر الحدود إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية.
قال روث: “يجب أن تتضافر الجهود الدولية لإثبات أن الهجمات غير القانونية لها عواقب، وردع الهجمات المستقبلية، وإظهار أنه لا يمكن لأي أحد الإفلات من المساءلة عن الجرائم الجسيمة بسبب رتبته أو منصبه. فطالما استمر الإفلات من العقاب، سيستمر كذلك شبح تجدد الهجمات غير القانونية والخسائر البشرية المدمرة”.
رصيف 22


هل بدأت استخبارات الأسد في سوريا تنفيذ تهديداتها لروسيا ؟

يدرك أي عاقل أن كل ما يتفوه به أحمد شلاش أو خالد العبود (عضوان بمجلس الشعب لدى النظام ) وأمثالهم كثر، ما هو إلا إملاءات من الأفرع الأمنية المسؤولة والمتقاسمة فيما بينها متابعة وتحريك أعضاء مجلس الشعب والوزراء أيضا.

مؤخرا، أطلق عضو اللجنة الدستورية خالد العبود تهديداً مباشراً ضد موسكو، في منشور طرح نظريات حول احتمالية تخلي الروس عن رئيس النظام بشار الأسد، مؤكداً في ختامه أن الأخير قادر على الوقوف في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “سراً وعلانية” وقادر على “حرق الأرض تحت الروس في حال فكروا بالتخلي عن الأسد”.

ولعل الروس تلقوا الرسائل وامتنعوا عن المشاركة في إطفاء الحرائق في المناطق المجاروة والقريبة من قاعدة حميميم، رغم وجود الطائرة “بي 200” في القاعدة الروسية، والتي تعتبر رائدة في إطفاء الحرائق حيث ساهمت بإخماد حرائق دول مجاورة مثل تركيا وإسرائيل.

ولعل حرائق الساحل أتت كترجمة حقيقية لما كتبه العبود قبل وقوعها، حيث كتب: “ماذا لو أنّ الرئيس الأسد أغرق بوتين في حريق طويل في جبال اللاذقية؟!! ماذا لو أنّه جرّه إلى حربٍ سرّية لم تخطر في باله؟!! ماذا لو أنّ الاستخبارات السوريّة فخّخت هذه الجبال بعشرات الآلاف من المقاتلين الذين رفعوا شعار المقاومة للاحتلال الروسيّ”، ومن بين تلك التساؤلات التي طرحها العبود تبدو هذه الجملة الأكثر جدية: “ماذا لو خرج الرئيس الأسد على الشعب السوريّ، ليقول له إنّ بوتين يمارس دور المحتلّ لبلادنا، وما على السوريين إلا مواجهة هذا المحتل”.

وجاء منشور العبود بعد يومين على تأكيد موقع “ميدل إيست مونيتور” أن مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC)، يتوقع وصول الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران إلى اتفاق معني بالإطاحة ببشار الأسد، وتشكيل حكومة انتقالية تضم كافة الأطراف المتنازعة في المنطقة.

وبحسب الموقع فإن “منظمة روسية تتبع الأجهزة الأمنية الروسية ومكتب الرئيس بوتين، أجرت استطلاعاً للرأي في سوريا، حول رغبة الشعب في بقاء الأسد رئيساً على الدولة، وهذه رسالة سياسية واضحة، وأن الشعب السوري سيقرر من سيبقى في السلطة. وحماية الأسد أصبحت عبئاً على روسيا، وهناك مساعٍ روسية جدية بخصوص إجراء تغييرات في سوريا، لأن هناك تخوفا روسيا من جرها نحو السيناريو الأفغاني بسبب دعم الأسد، وأن الأخير لم يعد بإمكانه قيادة البلاد”.

وفي متابعة لجريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية لتطورات الامور حيث قال العبود وهو من الطائفة السنّية في منشور له مدافعاً عن رئيسه “لم يكن الأسد بحاجة لبوتين كي يدافع عنه أمام أداة الفوضى، أو في هزيمة الإرهاب الذي غزا سوريا، ولو أنّ شيئاً من هذا القبيل قيل في أكثر من إطلالة للرئيس الأسد ذاته، لكنّ جوهر الحاجة لـبوتين تكمن في أنّ الرئيس الأسد كان يدرك تماماً أنّ هزيمته المؤكّدة لأداة الفوضى، سوف تمنح الأطراف الرئيسيّة للعدوان إمكانية تطوير شكل العدوان عليه، من خلال دخول هذه الأطراف المباشر على خطّ المواجهة، وتحديداً دخول الولايات المتحدة… لكنّ الرئيس الأسد لم يقدم على هذا الأمر إلا بعد أن أعدّ العدّة جيّداً لخارطة حضور حلفائه التقليديين، ونعني بهم (حزب الله) وإيران، والعمل على تثبيت قواعد خرائط ميدانيّة شكّلت بنية تحتيّة رئيسيّة لصدّ العدوان ذاته”.

وأضاف رجل نظام الأسد خالد العبود “لقد قيّد الرئيس الأسد الوجود الروسيّ في سوريا، بفضل معادلة سياسيّة طالما أكدنا لكم عليها، وهي: (امنع عن عدوك ما يريد.. ..وامنح حليفك ما تريد!!). تذكّروا جيّداً هذه المعادلة السياسيّة، فبفضلها أدار الرئيس الأسد معركته بكفاءة عالية جدّاً، وعلى أساسها خطف النصر من حلق أعدائه ورضى حلفائه! وعلى ذلك، لم يعد بمقدور بوتين أن يمليَ شيئاً على الرئيس الأسد”، على حد وصفه.

وبعد أن سرد العبود فرضيات عديدة حول قوة الأسد، أطلق تهديدات واضحة لموسكو، عبر عدة أسئلة، تقدم بعضها هنا جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية حيث كتب يقول “ماذا لو أنّ الرئيس الأسد غضب من بوتين في سوريا؟!. -ماذا لو أنّه شعر أنّ بوتين يريد أن يفرض عليه خارطة طريق لا تتناسب مع مصالحه؟! ماذا لو أنّ خلافاً دبّ بين الرئيس الأسد وبوتين في سوريا، وتناقضت مصالح الطرفين؟! ماذا لو أنّ الرئيس الأسد اليوم شعر بأنّ بوتين يعمل عكس مصالحه في سوريا؟! ماذا لو حصل ذلك، وماذا يمكن أن يحصل لبوتين في سوريا؟”.

وكان الكاتب والنائب من الطائفة العلوية في مجلس الشعب نبيل صالح قد شبّه زميله خالد العبود بالفرزدق الذي زعم أنه سيقتل مربَعاً، في إشارة من صالح إلى أن خالد العبود يهدد الرئيس الروسي بوتين في مقالتين متتاليتين على حسابه على فيسبوك.

وفي مقالة ثانية نشرها على حسابه الرسمي على فيسبوك جدد العبود هجومه وانتقاده لروسيا، مؤكداً أنه لا فضل لروسيا وبوتين على سوريا ولا على الرئيس الأسد، وأن بإمكان الأسد أن يغضب من بوتين. معتَبراً أن استعمال روسيا للفيتو أكثر من 10 مرات في مجلس الأمن لم يكن دفاعاً عن سوريا، وإنّما هو دفاع عن مصالح روسيا في سوريا والمنطقة.

الناس نيوز ————————————-

============================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى