مراجعات كتب

رؤية دبلوماسي غربي للحرب في سورية: تدمير أمة/ رضوان زيادة

 

 

كاتب هذا الكتاب، نيكولاس فاندام، دبلوماسي هولندي يكتب في شؤون الشرق الأوسط. كان سفير هولندا إلى كل من العراق، ومصر وألمانيا وإندونيسيا. يعرف سورية جيداً، فقد كتب سابقا كتاباً ذاع صيته وتحول إلى مرجع لابد من المرور به عند الحديث عن السياسات الطائفية والإقليمية والعشائرية التي رافقت صعود حزب البعث إلى السلطة في عام 1963 واستقرت بوصفها لب وجوهر السياسة السورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، على الأقل على مستوى السياسة الداخلية.

ولذلك يخصص أكثر من ربع الكتاب الأول للحديث عن نشوء حزب البعث والصراعات الطائفية التي نشأت ضمنه، ويحيل باستمرار إلى كتابه الأول.

كتابه هذا يمكن اعتباره رؤية من الداخل والخارج لدبلوماسي غربي مهتم بسورية، وصحيح أنه كان متقاعداً عندما بدأت الحرب بسورية لكن الخارجية الهولندية طلبت منه أن يكون سفيرها للمعارضة السورية من إسطنبول مدة عامين لمساعدتها على فهم ما يجري في سورية بحكم خبرته الكبيرة، ولذلك فهذا الكتاب في معظمه هو ملاحظاته حول كيف تطورت الحرب في سورية من خلال لقاءاته في هذين العامين.

وصف فاندام نقاط التحول الحاسمة في الصراع السوري، حيث اعتبر أن الثورة السورية (مارس/آذار 2011) ، كسرت جدار الصمت والخوف بين قطاعات كبيرة من الشعب السوري، كما أن خروج المظاهرات السلمية في ظل نظام الأسد يعد معجزة، والمعجزة الأخرى في أنها بقيت سلمية جدا لفترة طويلة نسبيا، مع الأخذ في الاعتبار القمع الشديد والفظائع التي ارتكبها النظام ضد المتظاهرين المسالمين. لكنه يقر أنه وبالتزامن مع سلمية المظاهرات، كان هناك بالفعل أعمال مسلحة ضد النظام خلال المراحل المبكرة من الثورة، دون أن يوثق هذه الأعمال أو حتى يشير إليها.

وهذه إحدى المآخذ على الكتاب: فهو اعتمد على السرد على نحو مستفيض وغاب عنه البحث الأكاديمي الرصين الذي تميز به فاندام في كتابه الأول، حيث يشير إلى أن العديد من الضباط والجنود قد بدأوا في الانشقاق، وشكلوا معارضة عسكرية كانت صغيرة في البداية، ولكن في وقت لاحق، وعلى نطاق أوسع، اتسعت بما يكفي لتهديد النظام. وبحلول يونيو / حزيران 2011، ازداد العنف وأصبح الحوار بين النظام والمعارضة “صعباً للغاية”، وكأنه يقول إن النظام السوري فتح حواراً جاداً مع المعارضة، أو إن النظام خلال المراحل المختلفة من الثورة كان جاداً في تحقيق إصلاحات سياسية ذات مصداقية ومقنعة للسوريين.

يضيف أنه عند هذه النقطة، كانت الثورة السورية بالفعل، وإلى حد ما، سلمية وعلمانية قبل أن يطغى عليها الإسلاميون المتطرفون. الذين رأوا ما يسمى بتطورات الربيع العربي في المنطقة كفرصة ممتازة لتقديم أنفسهم كبدائل قابلة للتطبيق وفي جهودهم لنشر حكم الإسلام، وأراد كثيرون تصفية الحسابات مع النظام الذي كان قد عرضهم للقمع الشديد في وقت سابق، خاصة خلال فترة الثمانينات.

يعتبر فاندام أن زيارات التضامن للسفير الأمركي روبرت فورد ونظيره الفرنسي إيريك شوفالييه لحركة المعارضة في حماة في يوليو/تموز 2011، يعني نهاية إمكانية لعب أي دور وسيط في الصراع بالنسبة للولايات المتحدة وفرنسا أو دول أخرى. فزياراتهم خلقت آمالا كاذبة بين المعارضة  توحي أن الدعم الغربي الأساسي كان وشيكا – ولكن في النهاية تبين أنه وكما كان متوقعا لم يتعد سوى مطالبة الرئيس الأميركي أوباما للرئيس الأسد بأن يتنحى، بعده حذت العديد من البلدان الأخرى حذوه وطالبت بالشيء نفسه، دون وجود النية، أو الإرادة، أو القدرة العسكرية لمواجهة الأسد ​​ونظامه. ادعت معظم البلدان التي انقلبت ضد النظام كما يقول فاندام أنها كانت تريد حلا سياسيا. لكن في الواقع، هذه الدول أرادت فقط النظر في حل ينطوي على تغيير النظام. بالرغم من أنه كان غير واقعي، ومع ذلك، أن نتوقع أن يكون النظام مستعدًا للتخلي طواعية عن موقفه الخاص، وأن الرئيس بشار الأسد كان على استعداد لتوقيع مذكرة الوفاة الخاصة به يعد ضربا من الخيال. مختلف البلدان خلقت توقعات خاطئة بين جماعات المعارضة السورية بأن التدخل العسكري كان قادمًا، وهو أمر لم يكن كذلك. وبدأت الولايات المتحدة، تركيا، المملكة العربية السعودية، قطر، وغيرها، في تقديم مساعدات مالية وعسكرية للمعارضة العسكرية، مع عدم وجود تنسيق فعال مما تسبب في عدم كفاية هذه المساعدة للفوز في الحرب.

هذا الدعم العسكري المحدود للمعارضة أثار تدخلاً عسكرياً روسيا على نطاق واسع في سبتمبر/أيلول 2015 وإذا اضيف إلى الدعم العسكري المقدم من قبل إيران و “حزب الله” اللبناني تكون هذه الأطراف جميعها قد نجحت في حماية حليفها الاستراتيجي للبقاء في السلطة.

وعلى الرغم أن هذه الدول كانت تتشدق دوماً بأنها مع الحل السياسي المبني على بيان جنيف الذي لم يذكر أي شيء عن دور الرئيس السوري، أصبح موقف بشار الأسد نقطة نزاع رئيسية. فاقترحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الرئيس الأسد يجب أن لا يشارك في مثل هذه الهيئة الحاكمة الانتقالية، في حين أن وزير الخارجية الروسي لافروف رفض هذا الموقف، كما أن المعارضة السورية، بشكل عام، رفضت بشدة أي دور للرئيس الأسد في “الفترة الانتقالية”.

يصعّد هنا، فاندام من نقده للدول الغربية وموقفها القائم على دعم تحالف المعارضة السورية وتأييد مطلبها بعدم وجود أي دور في المستقبل لبشار الأسد ومؤيديه بعد أن تلطخت أيديهم بالدماء، وأنه يجب تقديمهم إلى العدالة. فمعظم الدول العربية والغربية دعمت هذه المطالب لكن دون توفير الوسائل لتنفيذها. وبالتالي تحولت هذه المطالب إلى أن تكون مجرد تمنيات، لأنه لا توجد إرادة حقيقية لأي تدخل عسكري غربي أو عربي مباشر في سورية.

بعدها تطورت الحرب في سورية بشكل واضح إلى حرب بالوكالة، مع مختلف البلدان (ولا سيما الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر) أصبحت تتدخل في الشؤون الداخلية لسورية من خلال دعم مختلف الجماعات المسلحة وغيرها من جماعات المعارضة. كما أرادت كل من روسيا وإيران الحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية في سورية دون أن تفقد حليفها السوري. وبعد توسع الدولة الإسلامية (داعش) من العراق إلى سورية في عام 2013، تحولت الحرب ضد النظام السوري إلى القتال ضد داعش بسبب التهديدات الإرهابية في الدول الغربية.

لذلك تقلص الدعم ضد النظام تدريجيا. ونتيجة لذلك، شعرت المعارضة بأن الدول الغربية تركتها وخانتها، لكن بقيت مع عدد قليل من البدائل. ومع التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في سبتمبر 2015 تحولت خيارات المعارضة إلى أكثر أسوأ. فدعم قوات المعارضة العسكرية أدى إلى تكثيف وتمديد الحرب، ولكنها ليست كافية لهزيمة النظام.

ينتهي فاندام إلى القول إنه إذا كان الساسة الغربيون يتساءلون عن السبب في أنهم حققوا القليل جداً من أهدافهم في الحرب الأهلية السورية، فإنهم يجب أن يبدأوا بمراجعة قراراتهم الخاصة. وقد هيمنت على النهج الغربي تجاه الانتفاضة السورية من البداية الأولى جرعة زائدة من التفكير الرغبوي. ويبدو أن الساسة أقاموا مواقفهم يوماً بيوم على ردود الفعل السياسية المحلية، بدلاً من التركيز على رؤية بعيدة الأمد وبراغماتية موجهة نحو تحقيق النتائج، والتي كانت مطلوبة للعمل في اتجاه المساعدة الحقيقية على حل الصراع.

لكن الصادم هو أنه ينحاز إلى سؤال ما يعتقد أنه الأمن على حساب العدالة، دون إدراك أن الاستقرار والأمن على المدى الطويل لا يمكن أن يتحققا بغياب العدالة، فلا سلام بدون عدالة، وتجربة سورية أكبر مثال على ذلك، فهو يقول ” كان السؤال الرئيسي الذي دار طوال المناقشات حول الأزمة السورية هو: هل يجب تحقيق العدالة؟ وكان الجواب: نعم، بالطبع، ولكن بأي ثمن؟ وكان من السهل القول، على سبيل المثال، أنه ينبغي محاكمة الأسد على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”. ويضيف “ولكن هذا لم يساعد على إيجاد حل. وكانت الفكرة القائلة إن الأسد يمكن أن يكون قادراً على مغادرة سورية حياً لمواجهة مثل هذه القضية في المحكمة غير واقعية إلى حد بعيد؛ حتى أن بعض الناس تخيلوا أن الأسد سيبدأ في التصرف والتفكير بشكل مختلف عندما يصبح أكثر وعياً بإمكانية محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية. لكن كل ذلك كان في باب التمني على ما يبدو” من دون الادراك  أن الأسد ونظامه لا يعيران اهتماماً للمحكمة الجنائية الدولية أو العدالة بأي شكل كانت.

إنه نظام إبادة ولا عجب أن لا يتوقف كثيراً فاندام عند ممارسات نظام الأسد واستخدامه السلاح الكيميائي من باب الواقعية السياسية وأنه الأقوى ويجب التعامل معه، تماماً كما كان هتلر في الحرب العالمية الثانية، فمشكلة فاندام أن الأسد انتصر لأنه تفوق بالعنف ويجب مكافأته على ذلك.

تلك هي الخلاصة التي تكشف حجم الفراغ الأخلاقي الذي وصل إليه الغربيون في دفاعهم عن ما يسمى الواقعية السياسية على حساب دماء وأرواح مئات الآلاف من السوريين.

……

Destroying a Nation: The Civil war in Syria

Nikolaos Van Dam

London; New York: I.B Tauris, 2017

تدمير أمة: الحرب الأهلية في سورية

نيقولاس فاندام

لندن ونيويورك 2017

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى