سياسة

من مخيم المية ومية إلى مخيم اليرموك.. مرتزقة فلسطين/ يوسف بزي

 

 

شاب فلسطيني اسمه جمال سليمان، انتمى إلى “حركة فتح” خلال الحروب اللبنانية، التي باتت على امتدادها الزمني نمطاً في العيش والتفكير والارتزاق، وفيها تحول الكثير من المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين إلى “محترفي” بندقية. وهذه “مهنة” وأسلوب حياة، تستدعي دوام الحرب والمعارك حتى ما بعد انتفاء أي سبب للقتال.

وسليمان هذا، كما أجيال عديدة من شبان المشرق العربي ومغربه، يرطنون بلا كلل بعبارات المقاومة وتحرير فلسطين ومقارعة الإمبريالية وشرف العروبة أو الإسلام..إلخ، بمناسبة أو من دونها. ويخال نفسه أنه منذور للتاريخ والبطولة والمجد.

وفي الأثناء، أي على امتداد عمره، يكون جمال سليمان وأشباهه وهم “سائرون نحو فلسطين”، قد ابتدؤوا حرباً أهلية سمتها الأساسية المذابح الطائفية، ويومياتها عبارة عن نهب وتشبيح واعتداء على البشر والحجر. ومن رحم هذه الحال، تتناسل الانشقاقات و”حروب الأخوة” حيث العدو الذي يجب إفناءه هو جار أو ابن عم أو مجرد مواطن تعس الحظ، في المكان الخطأ بالوقت الخاطئ.

أما البندقية، وهي مهنة مجزية، فبوسعها وفق ميزان الربح والخسارة، أن تنتقل من جهة إلى أخرى، وقد تتطوع أيضاً لصالح جهاز استخبارات، يسيّرها بأوامر خفية وسرية، ويستخدمها في اغتيالات أو في افتعال اضطراب أمني أو في إنشاء “جيب مسلح” يتمرد على دولة أو على فصيل عسكري منافس..إلخ.

وصاحبنا الفلسطيني هذا، سرعان ما سيتخلى عن فتح، ويدخل تحت جناح “حزب الله” في وقت مبكر ليقاتل ضد “حركة أمل” الشيعية بأواخر الثمانينات. وسيتحول إلى رجل “حزب الله” داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بجوار مدينة صيدا.

سرعان ما سيستخدم الحزب احترافية جمال سليمان، فيمده بالمال والسلاح من أجل تأسيس عصابة مسلحة باسم “أنصار الله”. وكما تلاحظون فإن اسم الرب كثيراً ما ابتذلته حركات وجماعات تمتهن القتل والسلاح المأجور وتتحرك بأوامر أجهزة المخابرات وضباطها.

وعلى هذا، أصبح للحزب مجموعة مسلحة تنازع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في النفوذ على المخيم وسكانه، بل وتقض مضاجع “فتح” أمنياً وسياسياً في تلك البقع الصغيرة المحشورة بسكان البؤس والضيق والتعاسة، المسماة “مخيمات”.

وكان دوره وعصابته التسبب بالوجع الأمني والسياسي كلما أراد الحزب (أو الحرس الثوري الإيراني، أو المخابرات الأسدية) توجيه رسالة إلى السلطة الفلسطينية أو حركة فتح أو منظمة التحرير. وهذا النمط من “الدبلوماسية” و”العلاقات” (الأخوية) مدمن عليه كل ما سبق وتلا “منظومة الممانعة” من أحزاب وميليشيات ودول تتشدق كالعادة بشعارات “تحرير فلسطين” وما شابه أو ترطن باسم الله والإسلام. فالتفجير والاغتيال والخطف وشن الغارات وتقاتل الزواريب والتصارع على الموارد والنفوذ هي حياة كاملة ونموذج عيش، تظنه الجماعات والشعوب الرازحة تحتها أنها من متطلبات مواجهة المؤامرات الصهيونية والإمبريالية.

وجمال سليمان مع عصابته، كما “فتح الإسلام” وزعيمها شاكر العبسي في مخيم نهر البارد (2006- 2007)، من صنيعة “الجهاز” المشترك الحزبلاهي الأسدي، وله دور أساسي دوماً: افتعال الحرب أو تفجير الأمن بما يصدّع بلداً أو يقوض دولة ويرهب مجتمعاً.

منذ أسابيع اندلعت الاشتباكات المسلحة بين عصابة “أنصار الله” بقيادة سليمان ومسلحي حركة فتح داخل مخيم المية والمية، وعلى امتداد أيام من الهدنات والمعارك المتفرقة، ولما بدا أن جمال سليمان ومرتزقته قد يلاقون مصيراً مشابهاً لشاكر العبسي، تدخلت “حركة أمل” (وهي صاحبة نفوذ في جوار صيدا) و”حزب الله” بوساطة سياسية لحل هذه المعضلة الأمنية ولتخليص سليمان وزمرته.

ومنذ أيام قليلة، سرت الرواية المحببة لدى “الأجهزة”: تمكن جمال سليمان من الفرار مع عدد من أتباعه من مخيم المية ومية. لكن سرعان ما تكشفت التفاصيل الكاملة عن التدبيرات التي تمت بين المسؤول الأمني البارز في حزب الله وفيق صفا وممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وكيفية تأمين خروج سليمان وزوجاته الأربع وأولاده الستة وعدد من مرافقيه، طبعاً بسيارات رباعية الدفع وذات زجاج معتم، عبر طريق لا تمر بمدينة صيدا، نحو واحد من أوكار الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية.. ومنها إلى سوريا. وفي الأثناء، تبدو الدولة اللبنانية مع هكذا رواية عمياء وفاقدة لسيادتها وكرامتها بل فاقدة لأي هيبة أو سلطة، كشاهد زور مسلوب الإرادة.

كيفية تأمين خروج سليمان وزوجاته الأربع وأولاده الستة وعدد من مرافقيه، طبعاً بسيارات رباعية الدفع وذات زجاج معتم، عبر طريق لا تمر بمدينة صيدا، نحو واحد من أوكار الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية.. ومنها إلى سوريا

انتهى دور الرجل في المخيم، لكن على ما يبدو لم تنته وظيفته. فوصوله إلى سوريا في الوقت الذي يسعى فيه النظام إلى لملمة بعض الفلسطينيين لإعادتهم إلى مخيم اليرموك، وطبعاً تحت جناح فصائل من صنف عصابة أحمد جبريل ومرتزقته، يعني أن هناك تدبيرات سياسية واستخباراتية لتوليف “مخيم فلسطيني” بالمواصفات المحببة لدى النظام الأسدي والحرس الثوري، اللذين يحرصان على “الورقة” الفلسطينية استخداماً وابتزازاً ودعاية مبتذلة في “مواجهة إسرائيل ومخططاتها”.

في هذا الوقت أيضاً، تأتي الأخبار عن قيام حزب الله بتهريب تجّار حشيش وكبتاغون من سوريا إلى لبنان، وهم كانوا في داخل سوريا يعملون تحت حمايته، ويبدو أن النظام الذي استشاط غضباً بعد توقيف شاحنة محملة بالحشيش والكبتاغون كانت على وشك اجتياز معبر نصيب باتجاه الأردن، أراد إفهام الحزب، أن خط التهريب عبر الأردن هو حق حصري له ولا يقبل المزاحمة.

وبهذا المعنى، تظهر “سوريا الجديدة” التي يدبّرها النظام وكأنها استئناف على نحو أشد سوءاً ودناءة لما كانت عليه “سوريا القديمة”

وهذه سيرة طويلة في الاقتصاد “الممانع”، وخصوصاً اقتصاد حزب الله وشبكاته المتفرعة وصولاً إلى “أخينا تشافيز” (وفق قول نصرالله بديكتاتور فنزويلا الراحل).

وبهذا المعنى، تظهر “سوريا الجديدة” التي يدبّرها النظام وكأنها استئناف على نحو أشد سوءاً ودناءة لما كانت عليه “سوريا القديمة” سياسة وأجهزة وبنادق مأجورة وعصابات برسم الاستخدام في تصدير اللاأمن إلى الجوار الإقليمي.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى