الناس

لافتات كفرنبل .. هل تعود مجدداً؟/ حلا نصرالله

 

 

لا أتخيل أن يتمكن أحد من تعويض خسارة من صنع لافتات كفرنبل لثمان سنوات”.

بمرارة يجيب محمود، الشاب اليافع الذي فجع مؤخراً باغتيال والده رائد فارس، وهو أحد أبرز وجوه الحراك السوري المدني والذي قتل هو ورفيقه حمود جنيد في وسط كفرنبل الشهر الماضي. فمحمود وعائلته لا يزالون تحت وطأة خسارة والده وما عنته هذه الخسارة على مستوى العائلة وعلى مستوى العمل السياسي السلمي الذي ميز مسيرة رائد فارس.

ولعل القول إن الحراك السوري المدني المعارض خَسر في كفرنبل على وقع اغتيال فارس وجنيد، يراه البعض ضرباً من التضخيم والمبالغة، ولكن حجم الخيبة وشعور الوهن الذي أصاب شريحة واسعة، يوحيان بأن مقتلهما أصاب الطامحين بوطن حرّ ديمقراطي بضربة قاسية جديدة، فهل انتهت لافتات كفرنبل التي شغلت السوريين والعالم في السنوات الأخيرة؟

قصة كفرنبل

بدأت حكاية لافتات كفرنبل عام 2012، بعد عامٍ من اندلاع الحراك السوري، كانت حينها قناة “الدنيا” التابعة للنظام وقنوات سورية أخرى تخصص فقرة إخبارية تزعم من خلالها أن كل ما تتداوله الوسائل الإعلامية عن المظاهرات والاعتصامات التي ينفذها السوريون في مختلف المحافظات ما هو إلا مؤامرة تحاك في استديوهات ضخمة خارج سوريا، وركزت الفقرات الإخبارية على تواريخ التظاهرات، وهو ما تلقفه فارس فشكل خلية تضم مجموعة شباب هدفها تنفيذ تظاهرة أسبوعية متوجة بلافتة تتناول حدثاً معيناً حصل في الأسبوع الذي يسبق المظاهرة مع ختم اللافتة بتاريخ محدد.

حازت اللافتات على اهتمام محلي دولي، حتى وصلت مجموعة من اللافتات الشهيرة إلى متاحف ومعارض دولية من بينها معرض متنقل حصل في الولايات المتحدة الأميركية عام 2013 عندها جالت أكثر من 30 لافتة ورسومات كاريكاتورية رفعها اطفال كفرنبل على أكثر من عشر ولايات أميركية.

وقد شهدت السنوات الماضية جهداً دؤوباً من فارس ورفاقه في ابتكار لافتات تظاهرات كفرنبل وتحريك التظاهرات السلمية ضد النظام السوري والجماعات المتطرفة التي تسيطر على المدينة. رفض رائد مراراً دعوات تلقاها للخروج من سوريا واللجوء إلى دولة أوروبية.

وجسدت لافتات كفرنبل رمزية بالغة لجهة تظهير وجه مدني رافض لارتكابات النظام ولارتكابات المعارضة المسلحة ولكل الاصطفافات التي نجمت عن تعقيدات الوضع السوري، فبقيت كفرنبل تقدم وجهاً نبيلاً جرت محاولات كثيرة لضربه مراراً وتكراراً من خلال اعتقالات واغتيالات ناشطي المدينة ومحاصرتهم.

ولرائد فارس سيرة تشبه سيرة كثيرين ممن قتلوا غدراً في السنوات السبع الماضية. ففارس الذي ولد عام 1972 في مدينة كفرنبل عمل تاجراً بين سوريا ولبنان، ثم دخل إلى الشرطة لينشق عن السلك العسكري عام 2011 ملتحقاً بركب الحراك السوري، فمنح بلافتاته التي كان يكتبها رمزية خاصة لمدينة توالى الحصار عليها من قبل النظام والمعارضة المسلحة.

في حديثه ل”درج”، يرى محمود أن اغتيال والده “سيؤثر على الحراك في كفرنبل، بما أنه كان مهندس لافتات كفرنبل، وكانت كل أفكار اللافتات والرسومات من بنات أفكاره”.

أهمية رائد كما يرويها رفاقه هي أنه كان من يحدد ما يجب أن تتناوله اللافتات وفقاً للأحداث التي تعصف بسوريا. كان يرسمها في مخيلته ويخطها على القماش، وكان يمضي أوقاته بالتفكير في الشعارات ورسومها ومضمونها، ما دفعه إلى تشكيل مجموعة من الناشطين يسعفونه على إتمام المهمة. يراقب الأخبار ووسائل التواصل الإجتماعي، ويرسم الكاريكاتورات، ويخط العبارات على أوراق صغيرة مستعيناً بآراء زملائه، لإضافة تعديلات على رؤيته للافتات، ليخرجها في صيغتها النهائية قبل يوم واحد من موعد التظاهرات.

كفرنبل في مخيلة الجماهير، عبارة عن موعد أسبوعي مع لافتة مكتوبٌ عليها استنكارٌ لحدث دامٍ ألقى ثقله على أبناء سوريا. تستنكر التدخل الروسي وتقزم قوة بوتين حيناً، وتستهزئ بنظام الأسد حيناً آخر، لتعود فتسخر من إيران والدول الخليجية، وتوجه كلاماً قاسياً للائتلاف السوري المعارض وللتنظيمات المتطرفة.

ومنذ اغتيال رائد ظهرت لافتات قليلة في المدينة لكن لم تنطلق تظاهرات أو لافتات على النحو الذي كانت عليه حين كان فارس متصدراً هذا العمل.

هل هي مسألة وقت ليعيد الناشطون هناك لملمة صفوفهم، أم أن مقتل فارس شكل نهاية لحكاية كفر نبل؟؟

يرفض الصحافي والناشط عمار الياسر التصريح للوسائل الإعلامية. وعمار أمضى سنوات برفقة رائد لمساعدته في إعداد التظاهرات. لم يغادر منزله منذ مقتل زميله، مكتفياً بالقول لـ”درج”، “كفرنبل هي رائد، سنحاول الاستمرار باللافتات ولكنها لن ترقى إلى أسلوب رائد وفكره”. أما الإعلامي بلال بيرش فيوضح لـ”درج” أن “نيّة قتل فارس كانت واضحة “. بينما رأى إعلامي سوري رفض الكشف عن اسمه أن “سيناريو استهداف الناشطين سيتكرر”، ولعل هذا الخوف ما جعل هؤلاء يتريثون في الخطوات التي سيتخذونها في المدى المنظور.

لا يبدو واضحاً حتى الآن من هي الجهة التي اغتالتهما، إلا أن الاتهامات موجهة إلى تنظيم النصرة الذي يستمر حالياً في توقيف الناشط ياسر سليم الذي ساعده في إيجاد فكرة اللافتات للرد على قناة “الدنيا” كما صرح فارس عام 2012 لوسيلة إعلامية سورية.

اللافتة المحاطة بشباب سوريين يرفعون أعلام الثورة تختصر تاريخ كفرنبل التي فرضها فارس كمعضلة أخلاقية بوجه صناع الحرب السورية. كان رائد وحتى مقتله يسعى إلى الإمساك بحيزٍ من السلمية في ظل قسوة وبطش أطراف النزاع.

يبدو مشهد اللافتات وكأنه يشارف على نهايته، علماً أن ناشطين من إدلب يؤكدون أنهم سيستمرون في صنعها، ولكن تشكيكات كثيرة تحوم حول قدرتهم على فعل ذلك. وكفرنبل حالياً تعيش قلقاً في ظل تزايد الحديث عن إمكان دخول الجيش السوري إلى إدلب وهو ما تدلل عليه الغارات المتقطعة، التي ما زال ينفذذها الطيران الروسي والسوري على المدينة، وعودة الحديث عن قيام بعض التنظيمات المتطرفة بترتيب صفوفها.

فارس كان شارك في صنع الإذاعة المحلية راديو “فرش” التي منحت مساحة للنساء للعمل ضمن كوادرها الإذاعية، وهو أمر لا تحبذه الجماعات الاسلامية المسيطرة خصوصاً تنظيم النصرة، الذي اعتقل فارس مرتين، المرة الأولى عام 2014 فأوقفته مع صديقه جنيد، وفي المرة الثانية عام 2016 أوقفته مع المصور السوري هادي العبدالله، وفي كلا المرتين تم التحقيق معه حول طبيعة نشاطاته الإعلامية.

هل تعود لافتات كفرنبل؟؟ سؤال لا يبدو أن له جواباً بعد.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى