الناس

“سواعد الخير”… هيئة أمر بالمعروف على طريقة “النصرة”/ أحمد حاج حمدو

 

 

في أواخر شهر تموز/ يوليو الفائت، فوجئ مدنيون في محافظة إدلب بانتشار دعويّين في شوارع المدينة وأسواقها، يدعون السكّان إلى إطفاء أصوات الموسيقى ويمنعون الاحتكاك بين الرجال والنساء ويوقفون الفتيات اللاتي لم يرتدين الملابس الشرعية.

بدا الأمر غير مألوف على السكّان حينها، حتّى ما لبث تنظيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة المنبثقة عن القاعدة سابقاً) أن أعلن عن إطلاق منظمته الدعوية “سواعد الخير”.

كانت محافظة إدلب حينها، قد خرجت لتوّها من آثار معارك شرسة بين “هيئة تحرير الشام” وغريمتها التقليدية الأقل تشدّداً “حركة أحرار الشام” والتي انتهت بهزيمة الأخيرة، فيما فرضت الأولى سيطرتها المطلقة على المنطقة، وشكّلت فوراً منظمة “سواعد الخير”.

وتعرّف “سواعد الخير” نفسها على أنّها “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وشعارها “نحو مجتمعٍ إسلامي راقٍ”، وذلك وفقاً لما جاء في منشورها الدعائي الأول على قناتها الرسمية بموقع “تلغرام”.

منذ ذلك الحين وحتّى الآن، لا تزال “سواعد الخير” سيفاً مسلّطاً على رقاب المدنيين في محافظة إدلب، مهمّتها قمع أي تجاوزٍ يحصل داخل المدينة، بما في ذلك منع المواصلات المختلطة، ومنع الأغاني والموسيقى حتّى للأطفال، وملاحقة تجّار السجائر، ومهاجمة الفتيات في الشارع إذا لم يرتدين الجلباب الشرعي.

تتكوّن “سواعد الخير” من عددٍ غير معروف من العناصر، من النساء والرجال، يحملون بطاقةً تعريفية تُدعى “بطاقة عضوية سواعد الخير” ويتلقّون رواتب شهرية مغرية مقابل عملهم.

تعطيل مشروع النقل الداخلي

خلال هذه الأشهر التي أطلقت فيها “تحرير الشام” يد “سواعد الخير” على المدنيين، لم يُترك أي قطاعٍ مدني إلّا وتم الاعتداء عليه، هذا فضلاً عن الحوادث الفردية التي جلبت غلياناً شعبياً داخل محافظة إدلب، التي يقطنها اليوم نحو 3 ملايين نسمة، بعضهم من سكّان إدلب، والبعض الآخر ممن أُجبروا على التهجير من حزام العاصمة دمشق وحي الوعر الحمصي وشرق حلب.

في العاشر من شهر شباط/ فبراير الفائت، أوقفت مجموعة عناصر من “سواعد الخير” عمل حافلات النقل الداخلي المجانية في مدينة إدلب، وقاموا باعتقال السائقين بحجّة “اختلاط النساء بالرجال داخلها”.

مشروع “النقل الداخلي المجاني” ترعاه منظمة مدنية تُدعى “البنفسج” وهي إحدى أكبر المنظمات التي تعمل في مجال الإغاثة والتنمية شمال سوريا، وتتخصّص بتقديم الخدمات التعليمية والصحية وإيصال المياه والكهرباء وغيرها، لكن “البنفسج” لم تعلّق على الحادثة حينها، إلى أن أفرجت “سواعد الخير” عن السائقين، ولكن لا اختلاط بعد الآن.

اعتقال متطوّعين في فريق إغاثي

هذا الانتهاك ضد منظمة “البنفسج” لم يكن الاعتداء الأول على جهة تعمل في الشق الإغاثي، ففي أواخر كانون الثاني/ يناير، اعتقلت جماعة “سواعد الخير” متطوّعين اثنين في “فريق مُلهم التطوّعي” من أمام مكتب الفريق في مدينة إدلب، بحسب ما ذكر مدير الفريق عاطف نعنوع، فإن المتطوّعين هما “محمد نور طحان وسليمان طالب”، كما قامت “سواعد الخير” بمصادرة سيارة تابعة للفريق.

و”فريق مُلهم” هو مجموعة متطوّعين تعمل في عدد من الدول العربية والأوروبية، ومهمّتها جمع تبرعات لإغاثة متضرّري الحرب، وتأسّست عام 2012.

لكن “هيئة تحرير الشام” برّرت بعد أيام اعتقالها المتطوّعين في فريق “مُلهم” موضحةً أن ذلك حصل بسبب “الاشتباه بتورّطهما بأعمالٍ أمنية”، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة “إباء” وهي وكالة ناطقة باسم “تحرير الشام”.

وقالت “إباء” نقلاً عن مسؤول التحقيق في “تحرير الشام” عبيدة الشامي قوله: “إنه تم إطلاق سراح المدير المالي سليمان طالب” لافتاً إلى أن عملية الاعتقال جاءت بعد “رصد ومتابعة” وفق تعبيره.

تضييق وقمع

الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير، اقتحم عناصر”سواعد الخير” معهد “فيثاغورث” التعليمي في مدينة إدلب، واعترضوا على اختلاط الذكور بالإناث داخل المعهد.

بحسب إفادة حصل عليها “درج” من طالبة كانت موجودة في المعهد خلال عملية الاقتحام، فإن “سواعد الخير” هاجموا المعهد خلال دوام الدراسة.

الطالبة التي رفضت الكشف عن اسمها خوفاً من ردّ فعل “النصرة” قالت لـ “درج”: “دخلوا ظهراً إلى المعهد، وأقفوا الطلاب عن درسهم وفتشوا المعهد كاملاً وفصلونا في غرفة عن الطلاب الذكور”.

وأضافت الطالبة، أن عناصر “سواعد الخير ضربوا المدرّس محمود عبّادي، لأنّه درّس الطالبات والطلّاب في غرفة واحدة، ثم أجبروا مدير المعهد على توقيع تعهّد بفصل الطالبات عن الطلّاب، وغرّموه بمبلغ مالي كونه ارتكب “مخالفة شرعية”.

وقالت أيضاً: “استمرّ الوجود المكثّف لعناصر سواعد الخير على أبواب المعهد أياماً، إذ كانوا يحاولون التأكّد من تطبيق التعهّد الذي قطعه المعهد”.

هذا التصرّف الذي طاول مدارس ومعاهد كثيرة، دفع الفتيات في مدرسة “العروبة” في إدلب، إلى الخروج بتظاهرة قرب مبنى المحافظة في مدينة إدلب، احتجاجاً على تهديدات “سواعد الخير” لعدم التزامهن باللباس الشرعي.

التظاهرة لم تكتمل حينها لأنّ “سواعد الخير” فرّقتها بطريقة عنيفة، وجاءت التظاهرة بعد قيام عناصر نساء من “سواعد الخير” بالوقوف على أبواب المدارس ومراقبة لباس الطالبات خلال دخولهنّ وخروجهنّ من المدرسة.

ووفق معلومات “درج” فإن أبواب المدرسة كانت تشهد جدالاً يومياً بين طالبات ودعويات من “سواعد الخير” تنتهي في بعض الأحيان بالجدال، وفي أحيانٍ أخرى تتطوّر الأمور إلى مشكلة بين الطرفين.

كما عمدت الدعويات إلى تفتيش الهواتف المحمولة للطالبات، والتحقّق من عدم اختلاطهنّ مع طلّاب ذكور.

بدأت التظاهرة بخلاف بين طالبتين ودعويات من “سواعد الخير”، تطوّر إلى هتاف الفتيات “العروبة حرة حرة… النصرة تطلع برا”، لتتطوّر بعدها إلى تظاهرة شاركت فيها طالبات كثيرات، وانتهت بتدخّل سيارة أمنية تابعة لـ “تحرير الشام” وقيامها بإطلاق الرصاص في الهواء قرب مبنى المحافظة لتفريقها.

مضايقات في الشوارع

قرب الساعة الرئيسية في مدينة إدلب، هاجم 3 عناصر ملتحين، الشاب السوري عامر (22 سنة)، واقتادوه إلى سجن “تحرير”، عامر لم يرتكب أي مخالفة باستثناء أنّه كان يرتدي بنطالاً من نوع “جينز” يبدو أنّه من نوع القصّات الضيّقة التي تبرز معالم الجسم.

يقول عامر لـ “درج”: “أخرجوني من السجن بعد أن اتصلوا بعائلتي وطلبوا منها الحضور إلى مركز السجن ومعهم بنطال قماشي عريض، وأجبروني على تغيير البنطال وقاموا بحرق (الجينز) أمامي وأجبروني على توقيع تعهّد بقي عندهم بعدم تكرار لبس الجينز مرّة أخرى”.

ويعبّر العشريني عن استيائه من تدخّل سواعد الخير بلباس المدنيين، بينما لديها في الوقت ذاته الكثير من الأمور التي يجب أن تفعلها كونها تتبع للجهة الحاكمة “النصرة” مثل تأمين الخدمات للمدنيين وإبعاد خطر المعارك عنهم.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتدّت المضايقات إلى الأماكن العامة كلها، وهو الأمر الذي حصل مع فتاة سورية رفضت الكشف عن اسمها خوفاً من أمنها.

تقول إنّها كانت في أحد المطاعم مع عائلتها، وقامت بخلع معطفها العريض الذي تلبسه لتجلس بشكلٍ مريح، فظهرت فجأة امرأة “دعوية” وهي عضو في “سواعد الخير” وقامت بتوبيخها وإجبارها على ارتدائه من جديد.

تقول الفتاة إنّها كانت ترتدي ملابس محتشمة تحت المعطف، إنما على رغم ذلك هوجمت من قبل “الدعويات”.

رفضت الشابّة ارتداء المعطف فتطوّر الأمر إلى مشادة كلامية، ثم إلى تدافع بينها وبين الدعوية بالأيدي، انتهى الأمر بسحب زوجها إلى فرع أمني تابع للنصرة حيث أُجبر هناك على توقيع تعهّد بعدم تكرار ذلك.

وتشير الفتاة إلى أن عناصر “سواعد الخير” يذكّرونها بالمخابرات السورية، فهم موجودون في كلّ مكان يتردّد إليه المدنيون، حتّى في المدارس والمستشفيات والحدائق والمطاعم والأسواق العامة.

درج

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى