منوعات

تطبيقات رقمية لمحادثة الموتى/ حلا نصرالله

 

 

تعمل التكنولوجيا على طمس الخطوط العريضة التي تفصل الحياة عن الموت. آخر هذه المساعي، كان إبتكار تطبيقات المحادثة النصية، التي تمكننا من التحدث مع نسخة رقمية للميّت.

تخيل أن عزيزاً على قلبك توفي بشكل مفاجئ. ستبكي لأسابيع، وتنتابكَ مشاعر الفقد والوحدة والكآبة. ستضطرب مشاعرك تجاه فُراقٍ فرضه الموت بينك وبينه. وقد يذهب بك اشتياقك إلى تَفقد المحادثات التي جرت بينكما على تطبيقات رقمية مختلفة، وقد يخطر ببالك أن ترسل له رسالة على “واتس آب”، تخبره كم كنت تحبه، وتفضل لو أنه ما زال على قيد الحياة.

الأثر الرقمي

هذا ما فعلته ماريا  في 12 آب/أغسطس الماضي، أي بعد شهرٍ واحد من وفاة والدتها، يومها نظرت إلى الرسائل النصية التي تجمعها بوالدتها على تطبيق “وتس آب”، فأرسلت عبارة “أمي، إشتقت إليك”.

ستة أشهرٍ مضت على الوفاة، وبقيّت ماريا ترسل يومياً رسالة نصية لوالدتها معبرة عن حبها وإشتياقها، ومحدثةً إياها عن مواقف صعبة تصادفها في حياتها اليومية.

في إحدى الرسائل النصية قالت لوالدتها “أمي، هي المرة الأولى التي أسافر بها، كنت أحب لو أنك هنا كي تشاهدي هذه اللحظة، أتمنى من كل قلبي أن تشاهديني، أحبك جداً”.

تقول ماريا لـ”المدن”: “شهرياً أشرّج خط هاتف والدتي كي لا يحترق. أريد المحافظة على رقم هاتفها، فهو يسمح لي بالتواصل مع حساب الواتس آب الذي كانت تمتلكه”.

قد يفهم البعض تصرف الشابة أنه ضربٌ من الجنون، لأنها تتحدث إلى حساب أمها على “واتس آب”، ولأن المحادثة تجري في ظروف غير مكتملة، نتيجة إنعدام وجود الطرف الآخر. لكن، الطموح التكنولوجي للعصر الحالي يعمل على إنتاج تطبيقات، تتيح التحدث مع كيان إفتراضي للميّت.

لم تطلب ماريا من إدارة “فيسبوك” مسح حساب والدتها، كما يفعل كثر عندما يموت شخص مقرب منهم. ومازالت تحتفظ بكامل الرسائل التي جرت بينهما، فالأثر الرقمي الذي تركته والدتها يمكن “استخدامه في يومٍ من الأيام لإنتاج نسخة رقمية عن أمي على شكل تطبيق محادثة”، حسب قولها. لكن كيف ذلك؟

نسخة رقمية

يعمل الذكاء الإصطناعي على سد الثغرة بين الأحياء والأموات، من خلال إنتاج تطبيقات تحمل نسخة رقمية، هي طبق الأصل عن الميّت. فصنع نسخة رقمية للموتى، يوفر إمكانية التحادث مع كائن افتراضي يتمثّل الميت، لناحية التفكير وأساليب الكلام والكتابة والإنفعال.

صار سهلاً جداً أن يطلب المرء من عالمٍ في البرمجيات صنع تطبيق محادثة خاص، تكون فيه الخوارزمية المُتحدثة مُحملة بداتا عن طريقة تفكير الميّت واستخدامه للغة وتعبيراته.

ففي معهد ماستشوستس للتكنولوجيا، ابتكر طالبان تطبيقاً مصنوعاً من البيانات الشخصية لميّت، ويُبرمج التطبيق وفق التعلم الذاتي، المكتسب من أرشيف رقمي للرسائل والنصوص والصور والإيميلات والصوتيات والفيديوهات التي خلفها الميّت وراءه. كذلك، وعبر الداتا التي تركها، يمكن الحصول على تطبيق محادثة بميزة روبوت متحدث هو النسخة الرقميّة للميّت.

مازال مجال صنع نُسخ رقمية للأموات قيّد التطوير، وهو ما مهد الطريق أيضاً إلى إبتكار نسخة رقمية للأحياء، إذ لم يعد احتمال التفاعل الرقمي مع نموذج تفكير مشابه لوعي شخص ميّت مادة للخيال العلمي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال جمع رسائل الميّت التي كتبها على المواقع الإلكترونية، ومنشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص تعليقاته على منشورات أصدقائه، لأنها تنطوي على الكثير من الإنفعالات الكلامية الحقيقية، بالإضافة إلى جمع أشياء أخرى ذات صلة، مثل الحصول على معلومات من أفراد عائلته، عن ماضيه، وطفولته، وهذه المواد الرقمية يمكن الإستفادة منها، لإنتاج كيان افتراضي أقرب ما يكون للشخص، عندما كان على قيّد الحياة.

تجربة يوجينا ورومان

ومؤخراً، نجحت تجارب عديدة لصنع نسخ رقمية عن الأموات، من بينها تجربة المبرمجة البريطانية يوجينا كوديا، التي ابتكرت تطبيقاً يحتوي على نسخة رقمية لحبيبها رومان مازورينكا، الذي توفي في حادث سير.

أخذت يوجينا ما يقارب الثمانية آلاف سطر من الرسائل التي كتبها رومان، ولقنتها في برنامج ذكي يعالج كيفية تحدثه وتفكيره. واستخرجت يوجينا أنماطاً من كمية المواد الرقمية التي استخدمها رومان، على “واتس آب” و”فيسبوك” وتويتر” ورسائله على “غوغل”، واستنتجت أسلوبه في المحاكاة، وأهم الألفاظ التي يعتمدها دائماً، واللهجة التي كان يفضل الحديث بها، وطريقة مزاحه، وانفعالاته في الحزن والفرح. كذلك، قامت بتقطيع الرسائل الحقيقية التي أرسلها رومان، وتوليد رسائل مكتوبة بصيغة كلامية جديدة.

ما فعلته يوجينا، كان مستوحى من خيال علمي، ظهر في حلقة من مسلسل “المرأة السوداء”. ففي إحدى الحلقات، تخسر مارتا صديقها “آش” في حادث سير، لتتوجه بعدها مارتا إلى مصنّع برمجيات، فينشئ لها نسخة رقمية تحاكي شخصية آرثر.

صنع نماذج افتراضية للموتى يتخذ أشكال عديدة. فالمبرمج الروماني ماريوس ارساش، صنع تطبيقاً يرصد الأحياء الراغبين في صنع كيان إفتراضي لهم، بعد موتهم. لقد صُمِمَ التطبيق على إجراء محادثات مع المستخدمين بعد تفعيله على الهاتف. ويعمل التطبيق على جمع كافة المعلومات المفصلة عن الشخص بهدف استخدامها بعد موته.

في مقالة نشرها موقع “ديجيتال ترندر”، إشارة إلى أن هذا النوع من التطبيقات، سيساعد الأفراد في التغلب على الصدمات النفسية، التي يتعرضون لها بعد خسارتهم لشخص قريب. ويرى مفكرون متخصصون في فلسفة التكنولوجيا، أن عملية ابتكار نسخة رقمية طبق الأصل للميّت، ستؤسس لفكرة خلود الوعي عبر القدرة على “المحاكاة”، على الرغم من التبدد الجسدي. ورغم انجذاب كثيرين إلى مثل هكذا تطبيقات، إلا أن عدداً من العلماء يرون أن استخدام التكنولوجيا لتحقيق مشاريع كهذه، يندرج في إطار الإنحراف الأخلاقي وترسيخ الوهم والشعوذة بلبوس تقني متقدم.

المدن

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى