منوعات

هل تحتاج إلى العلاج بالبكاء؟/ نيك هاردينغ

 

 

بعد أن انتهيت من قراءة ذلك الفصل في رواية سارقة الكتاب The Book Thief، الذي يموت فيه رودي، تنهدت ألماً وأمسكتُ بصورة لقطّي المفقود ألفين، بينما غنّت فرقة راديوهيد أغنية True Love Waits، بهدوء في الخلفية.

ثم أخذتُ نفساً عميقاً وشاهدت حلقة من البرنامج التلفزيوني DIY SOS، وانتظرتُ انهمار سيل من الدموع كأمواجِ تسونامي. وعندما وصل توم يورك تقريباً إلى مقطع “قطتك المجنونة تبتسم” من الأغنية؛ بدأ أنفي في السيلان من البكاء، وفي الوقت ذاته وصلت حلقة البرنامج إلى ذروتها العاطفية، حيث كانت تتجول أمٌ مُقعدة على كرسي متحرك في أرجاء منزلها المُعاد تنظيمه وإعداده حديثاً، وعرضت الرافعة الكهربائية في الحمام؛ التي ستُمكنها من الاستحمام باستقلالية مرة أخرى، لقد وصلت لنقطة اليأس في تلك المرحلة. فقدت كل هدوئي وأخذت انتحب مثل طفلٍ صغير.

كنتُ أحظى بجلسة (روي-كاتسو) خاصة بي، وهو مصطلح ياباني يترجم إلى “التماس الدموع”، من المفترض أن يكون هذا شافياً ومريحاً، إلا أنني في الواقع أشعر بالبؤس الشديد. ولستُ الوحيدة التي أشعر بذلك. إذا كان انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أو الصراع السياسي الداخلي، أو إمكان عدم عرض حلقات مسلسل (Doctor Who) في عطلة عيد الميلاد، أو ملابس جيرمي كوربين؛ تثير لديك الرغبة في البكاء أيضاً فانضم إذاً إلى حفلة النحيب. وبينما وصلت تلك السنة الصاخبة إلى تصاعد درامي في الأحداث، تأججت المشاعر في جميع أرجاء البلاد ووصلت إلى ذروتها، لدرجة أنه حتى أكثر الأشخاص ثباتاً وتحكماً في مشاعرهم تمكن مسامحتهم على إظهار بعض مشاعر الاضطراب في الآونة الأخيرة.

بالنسبة إلى أمثالي، من أولئك الذين يعجزون عن كبح تيار المشاعر العاطفية، فهناك أخبار سارة، لأنه، وبحسب رأي الخبراء، قد يكون البكاء مفيداً لصحتك.

يعود أصل جلسات (روي-كاتسو) إلى اليابان، البلد الذي عادةً ما يتفرد بولعه و نزوعه نحو الاتجاهات الثقافية الغريبة- فكر مثلاً في مقاهي معانقة الأرانب وآلات البيع التي تبيع ملابس داخلية مستعملة. أما في نوادي البكاء في طوكيو، يشاهد الرجال والنساء البالغون مقاطع فيديو تبعث على البكاء، ويَستمعون إلى أغان حزينة، ويشاركون في جلسات النحيب والبكاء الجماعي.

هناك نسخة أخرى من تلك الجلسات، صُمّمت خصيصاً للسيدات النائحات، وهي (إيكِميسو دانشي)، والتي تمكن ترجمتها تقريباً إلى (الشباب الوسيمون البكاون). خلال تلك الجلسات، يجلس الرجال الوسيمون إلى جانب النساء وهن يشاهدن المقاطع المُبكية. وعندما يبدأ سيل الدموع، يمسح الرجال المرافقون دموع السيدات المنهمرة. تتمثل الفكرة في توفير متنفس لأولئك الذين يعجزون عن التعبير عن مشاعرهم بشكل كامل خلال حياتهم اليومية. عُقد أول نادي للبكاء في طوكيو عام 2013، ونظّمه رجل الأعمال هيروكي تيراي، الذي سبق أن أقام مراسم طلاق عاطفية غير قانونية. فبعد أن شاهد عملاؤه يذرفون الدموع خلال هذه المناسبات ثم يغادرون وهم على وفاق، جاءته فكرة البدء في استضافة فعاليات (روي-كاتسو).

وقال موضحاً، “يحضر تلك الفعاليات الكثير من النساء ورجال الأعمال المنهكين، الذين لا يمكنهم البكاء في أماكن عملهم، كما لا يمكنهم البكاء في منازلهم على مرأى من زوجاتهم وأطفالهم”.

المشكلة الوحيدة التي يواجهها هيروكي هي إيجاد المواد المُحزنة بصفة عامة.

واعترف قائلاً، “يأتي إلينا أشخاصٌ تتراوح أعمارهم بين العشرين والثمانين، ويصعب العثور على مواد لعرضها تتوافق مع جميع الأعمار”. لهذا السبب اخترت مجموعة المواد الشخصية خاصتي لاستثارة الدموع بنفسي، عندما شرعت في مهرجان العويل الخاص بي، بدلاً من الاعتماد على الكلاسيكيات المضمونة القديمة، مثل فيلم Titanic، أو ألبوم Seasons in the Sun لتيري جاكس.

تشبه الفكرة الرئيسية الكامنة وراء جلسات (روي-كاتسو) -حيث يمكن تحقيق الشعور بالعافية والراحة للأشخاص، من خلال التخلص من ثقل العواطف المكبوتة- الممارسة المثيرة للجدل من طريق العلاج البدائي بالصراخ.

خلال هذا النشاط -الذي أصبح شائعاً خلال حقبة الستينات- يُشجع الأفراد على تذكر التجارب السابقة، وإعادة تمثيلها، والتي تنطوي على الغضب والإحباط المكبوتين، والتعبير عنها من خلال إطلاق صرخات جامحة عفوية، أو من خلال الدخول في حالة هستيريا أو عنف.

نشر استشاري الطب النفسي الدكتور بريمكُمار جيبول ورقة بحثية عام 2012 حول هذه المعالجة الشبيهة بالطقوس الدينية، وقال إنه، في حين أنها طريقة عتيقة وربما لن تكون مناسبة لكثيرين، فإن الفكرة الأساسية المتمثلة في أن التعبير عن المشاعر يمكن أن يعود بالنفع، فهناك بعض الصحة بالفعل في عملية العلاج النفسي.

يشرح ذلك قائلاً، “بطريقة ما، هناك بعض التداخل بين فكرة العلاج بالبكاء وفكرة المعالجة البدائية بالصراخ، على رغم أن هذا النوع الأخير ينطوي على توجهاتٍ شديدة التطرف في العلاج النفسي الديناميكي”.

وأضاف، “إلا أن مجرد القدرة على التعبير عن مشاعرك بطريقة طبيعية، هو على الأرجح أمرٌ مفيدٌ إلى حدٍ بعيد، لأنه يعطي الناس القدرة على إدارة تلك المشاعر. أحد الانتقادات التي نسمعها اليوم هو أننا نقضي الكثير من الوقت محاولين قمع عواطفنا، أو أننا نتناول عقاقير لتؤدي هذا الدور، مع أن العواطف تُفهمنا أنفسنا، وتدل على أن هناك شيئاً صائباً أو خاطئاً. توجد بعض المزايا في السماح للناس بالتعبير عن المشاعر، من أجل تحديد سِياقاتهم الصحيحة ومعالجتهم”.

اتضح أن البكاء هو استجابة عاطفية أكثر تعقيداً بكثير مما قد تتخيل. فعلناها جميعاً عندما كنا أطفالاً من أجل الإعراب عن رسائل حول احتياجاتنا إلى القائمين على رعايتنا، ولكن في مرحلة النضج تتطور تلك الاستجابة العاطفية لتصبح في شكل مؤشر أكثر دقة، ولا يدرك الخبراء بنسبة 100 في المئة كيف حدث ذلك ولماذا.

نعرف أن البكاء أمرٌ فطري. وهو أول صوتٍ يصدره الإنسان في حياته. تبكي الرئيسيات -مثل القرود- أيضاً. لا يقترن بكاء الأطفال عادةً بالدموع. ففي وقتٍ ما خلال مرحلة متأخرة من الطفولة، يتطوّر البكاء إلى شيءٍ أكثر تعقيداً، متحولاً إلى مؤشر مرئي بإضافة الدموع، والتي ثمة 3 أنواع منها. وهي: الدموع المستمرة التي تحول دون جفاف العينين، ودموع رد الفعل اللاإراديّة التي تسببها بعض المواد المهيجة مثل الدخان، والدموع العاطفية؛ والتي بموجبها فإن إفرازات الدموع lachrymations  (من أجل منح البكاء المصطلح الطبي الصحيح الخاص بها) -نفسية المنشأ- تُثار بواسطة مشاعر ومحفزات، مثل: الحزن والإحباط والغضب والارتياح والتنفيس والجمال.

وجد العلماء دليلاً على أن الدموع العاطفية تختلف في التركيب الكيماوي عن الدموع الأخرى. فإلى جانب الإنزيمات والدهون والمُستقلبات والإِلكتروليتات التي تتكوّن منها جميع أنواع الدموع، تحتوي الدموع العاطفية على بروتينٍ أكثر. تقول إحدى الفرضيات؛ إن احتواءها على كمية البروتين الكبيرة يجعلها أكثر لُزوجة، لذا فهي تلتصق بالبشرة وتسيل على الخدين ببطء، وبالتالي يجعلها ذلك أكثر وضوحاً.

يُنظر إلى بكاء البالغين بطريقة تختلف عن النظرة إلى بكاء الأطفال، كما أن رد الفعل نحو دموع البالغين مرهونةٌ بعوامل عدة، ثقافية وفردية على حدٍ سواء. مثلاً في الغرب، نميل غالباً إلى البكاء على انفراد.

تقول الدكتورة سارة جونز، كبيرة المحاضرين في علم تطور الأجناس البشرية في قسم الأنثروبولوجيا والحفاظ على الطبيعة بجامعة كِنت، “هناك إحراج يرتبط بالبكاء علانية”.

تشرح ذلك قائلة: “تتمثل إحدى الأفكار في وجود بعض التكاليف المرتبطة بالبكاء. إذ يمكن أن ينظر البالغون إلى بكاء الرضع على أنه شكل من أشكال الابتزاز العاطفي، وعندما تُطبق هذه الفرضية على البالغين الذين يبكون، فعندئذٍ يوجد عبء عاطفي مرجو من ذلك البكاء يُلقى على عاتقهم. ويمكن اعتباره من أشكال التلاعب والخداع. ويشعر الأشخاص الذين يشاهدون شخصاً ما يبكي أن ثمة توقعاً بأن عليهم أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك الأمر. لذا، إذا كنت بحاجة إلى البكاء لكن تتصوّر أنه ستكون هناك تكلفة وعبء على عاتق الآخرين إذا ما شاهدوك وأنت تبكي، فإنك سوف تسعى إلى السرية والخصوصية في البكاء. لذلك، فإن الأندية اليابانية مثيرةٌ للاهتمام، لأنها ربما تمنح الناس الفرصة لإظهار العواطف في أجواء لا يشعر فيها أيّ شخصٍ بذاك التوقع السابق بأن عليه التفاعل مع الحدث أو فعل أي شيء من أجلك”.

كما توجد أيضاً صلات بين البكاء والضحك. فكلاهما من المنطقة نفسها في الدماغ، وكلاهما يقدّم نوعاً من التنفيس البدائي.

تقول ستيفاني ديفيز، خبيرة السلوك ومؤسِّسة (جوائز السعادة الوطنية-National Happiness Awards): “نحن بحاجة إلى الضحك والدموع لمساعدتنا في أداء وظائِفنا بوصفنا أفراداً في مجتمع. يخفف البكاء من التوتر، ويقلل من مستويات الهرمونات والمواد الكيماوية في الجسم. ما يساعد على الرجوع إلى حالة أكثر هدوءاً، وهذا ما يفعله الضحك كذلك”.

بعد تجربتي البكائية تلك، جففت دموعي وتمَالكت نفسي. وبعد نحو 10 دقائق، عندما توقفت تنهدات صدري، تحسنت حالتي النفسية قليلاً واسترخى كتفاي. لست واثقاً ممّا إذا كنت مستعداً تماماً لخوض تجربة نادي البكاء كاملةً، لكن في نهاية الأمر، ربما ثمّة شيء إيجابيّ في البؤس.

هذا المقال مترجم عن موقع Telegraph ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي

https://www.telegraph.co.uk/health-fitness/mind/do-need-crying-therapy/

درج

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى