مقالات

عن تمويل اعلام الممانعة ووقاحته/ محمد حجيري

نُمي إليّ، أو رَوى لي أحدهم، وهذا يبقى رواية تفادياً للمنازلات القضائية (ولا ضرورة لتأكيدها بالأسماء)، والرواية قد تحمل الصدق وقد تحمل التخمين، أن المخابرات “العربية” السورية، أو حاشية القصر الرئاسي في دمشق، أعدّت كتاباً ضخم الحجم، ركيك المضمون بالنسبة إلينا، عن “الرئيس الدكتور” بشار الأسد، يتضمن مواقف ووثائق سرية ومحطات أسدّية ومقابلات، وقررت اصداره أو الطلب من أحد الصحافيين أو الإعلاميين اللبنانيين نشره باسمه. ولا نعرف بالتحديد ما دور الصحافي الذي نشره، هل شارك في اعداده أو وضع “لمسته” عليه، أو كان مجرد “ماركة” ألصقت على الكتاب…

والسياق الأسدي هذا، يأتي على خلاف نموذج صدام حسين الذي قيل إن هناك، من الروائيين العرب، من يكتب له الروايات وينشرها من دون اسم أو تحت تيمة غريبة “رواية لكاتبها”، أو نموذج القذافي الذي أصدر مجموعة قصصية وتحول “نجماً ثقافياً” يحظى بعشرات المقالات التقريظية من النقاد والسفهاء ومنتظري التحويلة المادية.

المهم، أن حاشية الأسد النجيبة، ولغايات سياسية في خضم الصراع في سوريا، أدرجت أسماء ثلاثة لبنانيين في اللائحة، وهي مرشّحة لأن تحظى بـ”الكتاب النوعي” أو اللوتو الأسد وتصديره اعلامياً. الاسم الأول لصحافي وكاتب، مقرّب من التيار العوني، اشتهر بتسريب محاضر اجتماعات “رفاقه السابقين” الى الأجهزة الأمنية وأحياناً إلى الإعلام، وكان يكره أي وثيقة توطّد الصلة والتقارب بين المسلمين والمسيحيين، وهو من دعاة “الجمهورية اللبنانية الأولى” أو ما يسمى “المارونية السياسية”، ولأسباب انتهازية ومصلحية صار أسدياً… والثاني صحافي “ظريف” ويقدّس المقاومة و”سيدها”، ومع محور دمشق طهران حارة حريك في السراء والضراء.. والثالث إعلامي وكاتب “عروبي” الهوى له جولاته وطلاته الفضائية، وله صلات وثيقة بالنظام السوري أو بأحد أركانه… وهو صاحب “الحظ” أو “اللوتو” بالكتاب الأسدي، ربما بسبب صلاته الأقوى من دون الدخول في التفاصيل.

طُبع الكتاب في بيروت ووقعه قِناعه أو صاحبه المزيّف أو المشارك في تأليفه، للحشود الممانعة، وترافق ذلك مع غضب الإعلامي الشيعي وخسارته مزراباً من مزاريب تمويل الممانعة، وتبع ذلك موقف متشنّج للصحافي العوني من النظام السوري وأتباعه في لبنان، دفع ثمنه لاحقاً…

هذه عينة بسيطة عن أقطاب صحافة الممانعة وإعلامها وزيفها وطرق تمويلها وناسها ومتنها وهامشها ووقاحتها واستخباراتها (بالطبع لا يختلف كثيرون من أصحاب المحاور الأخرى اللاممانعة، لكن هنا يقتصر الكلام على جانب الممانعة لأنه دائماً يحاول شيطنة الآخرين وادعاء العفة). وإعلاميو الممانعة متنقلون بين زواريب محلية وإقليمية، بين منابر “مقاومة” وتجارية، بين مؤسسات خليجية وأخرى أسدية، أو مؤسسات إيرانية الهوى وأخرى أميركية التمويل، بعضهم له قدراته “المهنية” وإن في قالب ممانع، وبعضهم رصيده هو بوقيه لفظية واطلالاته التلفزيونية ممجوجة ومثيرة للغثيان والشفقة والسخف.

والحال أن التقديم هذا عن كتاب سخيف، وضع عليه اسم اعلامي من اجل تسويقه وترويجه بطريقه زائفة، يجرّنا إلى الحديث عن زوبعة تمويل الاعلام التي تحدث عنها حسن نصرالله بعد موجة الاحتجاجات اللبنانية في الأيام الأخيرة. فحزب الله واعلامه نوابه وكورسه أو سراياه الاعلامية، كلهم كانوا من المؤيدين لحراك الشارع وناسه وشبابه “المنتفض”، وسرعان ما انقلبت الأمور رأساً على عقب، وبدأت شيطنة الحراك لأسباب سرمدية وواضحة في آن معاً.

ففي الجولة الأولى، كان الاعلام المموّل من الممانعة، يقرن الحراك بعبارة “لبنان يستطيع” (هو الإعلام نفسه يسمي ما يجري في العراق “فتنة”)، ومنتقداً ورقة الحكومة الاصلاحية والاقتصادية، معتبراً أنها تساهم في افلاس البلد اقتصادياً. كأنه كان ينتظر شيئاً ما من الحراك أو الثورة وأتت الرياح بما لا تشتهي السفن. أحد الابواق التلفزيونية، حسبناه تشي غيفارا في تصريحاته وحسّه “الإنسانيّ”، كاد يفجر الشاشة بصراخه عن الواقع المعيشي والناس الجوعى ومثالية نجاح واكيم وشربل نحاس، ثم سرعان ما بدأ يتحدث عن “مؤامرة” تمويل الحراك، وأبواب السفارات المفتوحة ومال الترفيه السعودي. ثم وصله السحسوح من وليّ ماله النظيف، فبدّل في الفاظه سريعاً، نسي جوع المواطن وركز على معراب سمير جعجع وساحات طرابلس.

وتبدلت عناوين  الجريدة الثورية من “لبنان يستطيع” الى “لبنان ينقسم”، و”الحراك مخطوف”، و”القوات تقطع الطرق”. الحشود التي كانت تحت راية العلم اللبناني انتهت في ذهن الاعلام الممانع الزائف، فراحت تُظهر العلم اللبناني مرمياً عند أول جسر الرينغ، وقربه آثار خيمة تشتعل. وأكثر من ذلك، رمى المثقف “العلماني” راية الحرية والحريات، وحمل سيف التشهير والوعيد على وقع التعليمات وإيقاع الخطاب الحزب الالهي… هكذا صار “حزب الله”، صاحب آلاف الصواريخ الإيرانية ولديه آلاف الموظفين والمؤسسات المموّلة إيرانياً، يريد معرفة من يُطعم المعتصم في ساحة رياض الصلح سندويشاً، أو من يتبرّع للمحتجين بمكبّرات صوتية.

لا ينتهي الكلام عن أدوار الممانعة وتمويلها ونجومها ومراسليها، الذين يتحولون في الميدان من صحافيين إلى محققي أجهزة أو مخبرين صغار. بعضهم مدرسة في السفالة اللفظية، ومع ذلك يتحدث باسم المقاومة وباسم الرئاسة والشفافية ومحاربة الفساد. ثمة فئة، في كل موسم انتخابي، تنتظر بوسطة “حزب الله” علّها توصلها الى ساحة النجمة والنمرة الزرقاء، هم فقط يبيعون “حزب الله” شِعراً في المقاومة…

باختصار الممانعة يختصرها المثل القائل: “الجمل لو بيشوف حردبتو…”.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى