سياسة

أنا أتّهمُ/ خضر الآغا

في إحدى المقالات اتهم الكاتب أحد معارفه المناصرين للثورة السورية أنه واحد من المسببين في الدمار الذي حدث في سوريا، وذلك بالاستناد إلى بعض “البوستات” التي كتبها على صفحته الشخصية على الفيسبوك! وفي مكان آخر تنبأ أحد المشاركين في إحدى المظاهرات، عندما رأى “كشّيش حمام”، حسب تعبيره، محمولًا على الأكتاف ويهتف وتردد جموع المتظاهرين هتافاته بإسقاط النظام وبدولة ديمقراطية تعددية، أن الثورة ستفشل، ثورة يقودها “كشّيش حمام” ستفشل وفق ما قال.

كلتا الحالتين ظهرتا في معرض الحديث عن أسباب “فشل الثورة السورية”، بعد ثماني سنوات على انطلاقتها. وكسوريين نعرف حجم المراجعات التي تجري والتي تحاول تقصّي أسباب ذلك “الفشل”، وعبرها نعرف حجم تبادل الاتهامات الموجهة من أشخاص لأشخاص، ومن أشخاص لأجسام سياسية معارضة، ومن أجسام سياسية لأجسام أخرى… الاتهامات تتدرج من تعبير شفوي، إلى “ستاتوس” إلى مقالة إلى موقف أدى إلى عمل على الأرض وتأثير، وهذا الأخير ينحصر بالأجسام السياسية: الائتلاف والمجلس الوطني وهيئة التفاوض وبالتشكيلات العسكرية.

بالتأكيد إن الدافع لكيل الاتهامات بعضنا لبعض على مدار الساعة ناجم، غالبًا، عن شعور عال بالمرارة وبالإحباط. ومع الأخذ بالحسبان حجم المسؤولية التي يتحملها الفاعلون المحليون بالدرجة الأولى من أجسام معارضة ثبت فشلها مرة تلو المرة بقيادة الثورة، أو أقله بالتعبير عنها إقليميًا ودوليًا، إلا أن ذلك ينقصه الوعي بالشرط التاريخي الذي حدث فيه كل شيء.

ما يؤيد هذه النظرة أن الثورات التي فشلت على مر التاريخ أعقبها تبادل مرير للاتهامات في كل مرة. وقد قال فريدريك أنجلز في العام 1874: “في أثناء الثورة المضادة التي تتبع كل ثورة مهزومة، ينشط اللاجئون الذين أفلتوا من القمع وتتبادل تياراتهم الحزبية الاتهامات عن مسؤولية كل منها في غرق السفينة، عن الخيانات والأخطاء المشينة التي ارتكبت أو لم ترتكب. ولذلك تخيب آمالهم جميعاً كما خابت من قبل. فحين تُنسب الهزيمة إلى بعض الأخطاء الطارئة وليس إلى الظروف ينتهي الأمر بالتحسر والنواح. هذا حال جميع الهجرات، من الملكيين الفرنسيين في 1792 إلى اللاجئين السياسيين في أيامنا، لا يشذ عنهم إلا الذين يتمتعون برؤية صائبة ووعي تاريخي، فلا يشاركون في هذه المشادات العقيمة، ويحددون لأنفسهم مهمات مجدية”.

الوعي بالشرط التاريخي، كما يعلّمنا أنجلز، وحده كفيل بإعادة التحليل إلى المنطقة التي يجب أن ينطلق منها والمسارات التي يسلكها والوصول إلى رأي قد يفيدنا في بيان الأسباب التي أدت إلى ما أدت إليه. ضمن معرفة الشرط التاريخي للحدث، وللثورة السورية خاصة، قد نتوصل إلى معرفة الآلية التي عمل ضمنها نظام الهمج السوري والسماح الدولي والإقليمي له في استخدام صنوف الأسلحة لقمع الثورة، وأيضًا قد نتوصل إلى الآلية التي انبثقت فيها المعارضة السياسية: من المجلس الوطني إلى هيئة التفاوض مرورًا بالإئتلاف الوطني وغيرها… ونعرف آلية عملها ودفعها باتجاهات غير وطنية (العمل لصالح أجندات إقليمية ودولية) والاستجابة الشنيعة لذلك.

من هنا فإن تبادل الاتهامات بالتقصير وبالتحريض وبالغلو وبالتقاعس وبالخيانة أمر لا يجدي ولا يسفر عن شيء سوى مزيد من الانقسامات، ومزيد من ضياع البوصلة، ومزيد من العدمية السياسية والثقافية أيضًا… بديل ذلك تحليل الشرط التاريخي بالاستناد إلى حركة الناس وحركة الدول الفاعلة.

قراءة مذكرات وآراء وتحليلات واعترافات الأشخاص الفاعلين وكذلك الأجسام السياسية الفاعلة يجب، انطلاقًا من مقولة آنجلز المهمة، وانطلاقًا من مصير الثورة أن تخضع لشرط الحدث التاريخي من حيث أن التاريخ ليس تأريخًا للحدث، بل صانع له ومتدخل في سيرورته، وغالباً ما يكون تدخله حاسمًا.

الترا صوت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى