منوعات

رقيب عربي في عقل “نتفليكس”

 

 

يطرح علينا ما أقدمت عليه شبكة “نتفليكس” نحن الصحافيين العرب، والعاملين في مجال نشر المحتوى، أسئلة كثيرة. فـ”نتفليكس” وهي القناة الإلكترونية الأكبر والأكثر شهرة وقوّة في العالم أقدمت على حجب حلقة من برنامج “باتريوت آكت” عن مستخدميها في السعودية، وهو برنامج يقدّمه الكوميدي الأميركي من أصول هندية حسن منهاج، وتناول في الحلقة المحجوبة جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وأشار فيها إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بصفته مسؤولاً عن الجريمة، كما تناول الحرب في اليمن ودور التحالف العربي فيها.

خطوة الشبكة الأميركية ليست جديدة في تعاطي الإعلام الغربي، لا سيما الأميركي، مع الرأي العام العربي، ذاك أن هذا الإعلام لا يشعر تجاه القارىء والمشاهد والمستخدم العربي بالمسؤولية التي يشعر بها حيال نظرائه الغربيين، وهذا النوع من التمييز يبلغ مستوى العنصرية حين يُعبّر عنه بالوضوح نفسه الذي عبّرت به “نتفليكس” في بيانها عن “إزالة الحلقة الثانية من برنامج “باتريوت آكت”، إذ من جهة قالت إنها “تدعم بقوّة الحرية الفنية في العالم”، ومن جهة ثانية قالت إنها حجبت الحلقة عن السعودية فقط، بما يوحي بأن الأخيرة ليست جزءاً من العالم!

ليست هذه حال “نتفليكس” لوحدها في علاقتها معنا نحن المستخدمين العرب، فمعايير “فايسبوك” في النشر تنطوي على تمييز أوضح بحقنا. “فايسبوك” يمنع الترويج لمادة باللغة العربية تتضمن في عنوانها عبارة “داعش” حتى لو تناولت هذه المادة أو القصة التنظيم الإرهابي بصفته الإرهابية، وفايسبوك يتيح الترويج لمادة باللغة الإنكليزية تتضمّن الترجمة الحرفية لعبارة “داعش” وهي “ISIS”. وهنا يبلغ التمييز مستوى يفوق في عنصريته التمييز اللوني أو العرقي، ذاك أنه لا يعترف بالقدرات الذهنية للناطقين بالعربية، وبقدراتهم على استيعاب المضمون السلبي للعبارة. علماً أن عبارة “داعش” سبقت عبارة “ISIS” إلى التداوال على المستوى الإعلامي، والتنظيم رفضها وعاقب من يتداولها بالعربية بالقتل، فهي بحسبه موحية بتوحّشه، بينما لا ينطوي المنطوق الإنكليزي لنفس العبارة على هذا الإيحاء.

عشرات الأمثلة التي صادفتنا يومياً على ممارسة “فايسبوك” علينا نوعاً من “الأبوة” المعرفية التي لا يصلح لها موظّفوه والعاملون فيه، تماماً مثلما لا يصلح لها أحد غيرهم. وهي أبوة تحاكي فكرة “الحاكم الأب” في العالم العربي، فيُستعاض فيها عن قيم الحريات التي نشأت في ظلّها شركة “فايسبوك” بقيم الرقابة السياسية والأخلاقية وحتى الأمنية التي تمارسها الأنظمة العربية، لا بل أيضاً المؤسّسات الدينية الأكثر رجعية في بلداننا، والتي نشأت في ظل هذه الأنظمة، فكلمة “عري” مثلاً غير محبّبة لدى الرقيب الجديد “فايسبوك”، وهي عنده محبّبة إذا ما كُتبت بالإنكليزية، وصورة أمين عام حزب الله حسن نصرالله عندما تُرفق بمقالٍ باللغة العربية يتناوله نقداً أو مدحاً تعتبر ترويجاً لصورة إرهابي، بينما هي ليست كذلك إذا ما أرفقت بمقال بالإنكيزية أو بالفرنسية.

والحال أن السؤال عن القيم التي نشأ الإعلام الحرّ في الغرب في ظلّها تصبح في هذه الحال مجالاً للمساءلة، لا سيما وأن هذا التمييز لا يقتصر فقط على منصات الشبكة الإلكترونية إنما هو امتداد لممارسة بدأتها مؤسسات البث والنشر التقليدية. فموقع “سي أن أن” العربي الذي يتّخذ من الإمارات العربية المتحدة مركزاً له هو أشبه بموقع إماراتي رسمي يلتزم بسياسات حكومة الإمارات، ولا يتعرّض لهذه السياسات بأي مادة، ومحطة “سي أن أن” التركية تكاد تكون الناطق الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، بينما هي في واشنطن رأس حربة المعركة على دونالد ترامب. يصح هذا أيضاً على محطة “سكاي نيوز” العربية التي تبث من أبو ظبي، ويصح، وإن بدرجة أقل، على “بي بي سي” العربية في تعاطيها مع الملف السوري.

قد يشكّل ما أقدمت عليه “نتفليكس” لجهة حجبها حلقة “باتريوت آكت” ذروة في هذا النوع من الممارسة التمييزية حيال المستخدم العربي، ذاك أن قوّة هذه الشبكة تكمن تحديداً في وقوعها خارج المنظومات الرقابية حتى في الغرب نفسها، والأرجح أن تشكّل سقطتها هذه وما أثارته من ردود فعل، انتكاسة في الصعود الصاروخي لـ”نتفليكس”، لكن ذلك ليس مردّه إلى حرص الرأي العام الغربي، والأميركي تحديداً، على الحريات في منطقتنا، فصحيح أن حجب الحلقة استهدف المستخدم السعودي، إلا أنه حجبٌ لمضمونٍ ولمحتوى إعلامي غربي، وهو ما يُشعِر هذا الرأي العام أنه مستهدف بهذا الحجب أيضاً. فجريمة قتل خاشقجي أثارت ما أثارته من ردود فعلاً غربية تماماً لأن هذا الغرب شعر أنها استهدفت رجلاً لجأ إليه ويقيم في واشنطن ويكتب في “واشنطن بوست”. من هنا تماماً يجب أن يبدأ النقاش، أي من فكرة أن المهمّة الرئيسة لثورة التكنولوجيا والمعلومات هو حمل قيم إنسانية تتعدّى في طموحاتها المجتمعات التي نشأت فيها.

قوّة “نتفليكس” تكمن أيضاً بما أتاحته لمستخدم كالمستخدم العربي ما لم تتحه شبكات الإعلام التقليدي. أما أن يجلس رقيب عربي في عقل هذه المؤسسة، فهذا ما سيعيدنا إلى ما قبل زمن “نتفليكس”.

درج

حسن منهاج يستهجن حجب “نتفليكس” لبرنامجه في السعودية: أكبر دعاية لمشاهدته

استهجن المعلّق السياسي والناقد الهزلي الأمريكي حسن منهاج الأربعاء استجابة نتفليكس لطلب السلطات السعودية سحب إحدى حلقات برنامجه الساخر من باقة برامجها المعروضة في السعودية لأنّه انتقد فيها الرياض.

وبحسب منصّة نتفليكس فقد اعترضت المملكة على حلقة من برنامج “باتريوت آكت” الذي يقدّمه منهاج (33 عاماً) الهندي الأصل المولود في الولايات المتحدة لأبوين مسلمين، لأنّه حمل فيها على الرياض في قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصليتها في اسطنبول.

وأوضحت المنصّة أنّها قررت حجب الحلقة بعدما تلقّت من سلطات المملكة “طلبا قانونياً طبق الأصول، وامتثالاً منّا للقوانين المحلية”.

والأربعاء سخر منهاج من طلب المملكة من نتفليكس حجب حلقته في الوقت الذي كان لا يزال ممكناً لأيّ كان في السعودية والعالم أجمع مشاهدتها على موقع يوتيوب.

وقال الناقد الهزلي في تغريدة على تويتر: “من الواضح أنّ أفضل طريقة لمنع الناس من مشاهدة شيء ما هو سحبه وتحويله إلى أحد أكثر المواضيع تداولاً عبر الإنترنت ثم تركه على يوتيوب”.

وفي الحلقة التي أثارت غضب المملكة ينتقد منهاج بالخصوص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما ينتقد الحملة العسكرية التي تقودها الرياض في اليمن.

ومشاهدة الحلقة متاحة على يوتيوب منذ تشرين الأول/ أكتوبر بما في ذلك من داخل المملكة، وهو أمر لم يتغيّر الأربعاء.

وبحسب بيانات موقع “سوشال بليد” فإنّ صفحة برنامج “باتريوت آكت” على يوتيوب تمّت زيارتها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 9,1 مليون مرة بينها 200 ألف مرة خلال نهار الأربعاء لوحده.

وفي تغريدته على تويتر دعا منهاج إلى إيلاء الأهمية للأزمة الإنسانية في اليمن، وقال: “دعونا لا ننسى أنّ أكبر أزمة إنسانية في العالم تحدث حالياً في اليمن”، داعياً إلى تقديم تبرّعات إلى “لجنة الإنقاذ الدولية”، المنظمة الإنسانية التي تقدّم مساعدات للمنكوبين في البلد الغارق في الحرب.

 

 

 

 

لماذا غضب جمهور “نتفليكس”؟

دعا مغردون إلى مقاطعة شبكة “نتفليكس” ووقف الاشتراكات فيها، ضمن موجة استياء واسعة أثارتها الشبكة بعد إعلانها عن حجبها عن مشاهديها في السعودية حلقة من البرنامج الكوميدي الساخر “باتريوت آكت”، الذي يقدّمه الإعلامي الأميركي من أصول هندية، حسن منهاج، وتضمنت انتقادات للسياسة السعودية الداخلية والخارجية في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وكذلك انتقادات لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والحملة العسكرية بقيادة السعودية في اليمن.

وتفاعل كثيرون مع هاشتاغ #BoycottNetflix، معتبرين أن  ما فعلته الشبكة مخزٍ ومعيب، وأنها باتت تمارس الرقابة وتنحاز إلى الحكومات والمسؤولين، االذي برأيهم يستغلون القوانين لممارسة القمع والسيطرة.

وفي السياق، برز تعليق لمحررة مقالات الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي في صحيفة “واشنطن بوست”، كارين عطية، التي عبّرت عن غضبها من “خضوع نتفليكس” لضغوطات المملكة السعودية. وقالت في تغريدة: “لقد كان صوت حسن منهاج في برنامج “باتريوت آكت” قوياً، صادقاً، ومضحكاً في آن، ويتحدى المملكة وولي العهد في أعقاب مقتل جمال خاشقجي. ومن المشين أن تقوم نتفليكس بسحب الحلقة المنتقدة للسعودية”.

وتابعت عطية: “عندما كتب جمال خاشقجي عن الحاجة إلى حرية التعبير في العالم العربي (وفي كل مكان)، فإن هذه الحرية لا تتعلق بالصحافيين فقط، بل يتعلق الأمر أيضاً بحرية الفنانين والممثلين الكوميديين ورسامي الكاريكاتير والموسيقيين والناشطين، وأي شخص يرغب في التعبير عن آرائه في المجتمع”.

ونفذت “نتفليكس” قرار الحجب بعد تلقيها شكوى رسمية من السلطات السعودية، مشيرة إلى أنها أزالت الحلقة في السعودية، الأسبوع الماضي، بعد أن طلبت هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السعودية حجبها بدعوى أنها تنتهك قانون مكافحة جرائم الإنترنت في المملكة. وذكرت هيئة الاتصالات السعودية في رسالتها أنّ المادة 6 من قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية السعودي، تنص على أن “إنتاج أو إعداد أو نقل أو تخزين المواد التي تؤثر على النظام العام والقيم الدينية والأخلاق العامة والخصوصية من خلال شبكة المعلومات أو أجهزة الكمبيوتر، هي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة لا تتجاوز ثلاثة مليون ريال سعودي”.

وفيما أثار قرار “نتفليكس” تساؤلات حول حدود حرية التعبير في الإنترنت، دافعت الشبكة عن قرارها، وقالت في تصريح لصحيفة “فايننشال تايمز” أنهم “يدعمون بقوة الحرية الفنية في جميع أنحاء العالم، ويقومون بإزالة هذه الحلقة فقط في السعودية بعد تلقيهم طلبا قانونيا صالحا ويمتثل للقانون المحلي”.

لكن منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت أن “إدعاء نتفليكس بدعم الحرية الفنية لا يعني  شيئاً ولا يبدو مقنعاً، طالما أن الشبكة تنحني لمطالب المسؤوليين الحكوميين، الذي يؤمنون بعدم حرية مواطنيهم وعدم حرية الفن والسياسة والكوميديا”. ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن متحدث باسم المنظمة قوله إنّ “على كل يظهر عبر نتفليكس أن يشعر بالغضب بعد فرض رقابة على عرض كوميدي، لمجرد أن أفراد العائلة المالكة في السعودية اشتكوا من ذلك”.

بدورها، أصدرت “منظمة العفو الدولية” بياناً قالت فيه إن “رقابة المملكة العربية السعودية على شبكة نتفليكس، باستخدام قانون جرائم الانترنت، ليس بالأمر المفاجىء، بل يُشكّل دليلاً إضافياً على حملة قمع لا هوادة فيها على حرية التعبير في المملكة”.

واضافت المنظمة إنه “سبق للسلطات السعودية أن استخدمت قوانين مكافحة جرائم الإنترنت لإسكات المنشقين، وخلق بيئة من الخوف لأولئك الذين يجرؤون على التحدث في السعودية”، معتبرة أنه “من خلال الرضوخ لمطالب السلطات السعودية، فإن نتفليكس معرضة لخطر تسهيل سياسة المملكة بعدم التسامح مطلقاً مع حرية التعبي،ر ومساعدة السلطات على حرمان الناس من حقهم في الوصول بحرية إلى المعلومات”.

يذكر أنه تمت إزالة الحلقة من “نتفليكس” السعودية، لكن لا يزال بإمكان المستخدمين السعوديين مشاهدتها على قناة العرض الرسمية للشبكة وكذلك في “يوتيوب”، بحسب ما أكّدت وكالة “فرانس برس”.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى