شعر

قصائد مختارة للشاعرة المصرية غادة نبيل


محاولات متكررة لكتابة قصيدة صادقة

” فأيديهم معوجة ، وأقدامهم معوجة ، وعيونهم معوجة ، وحبهم معوج ، وصلحهم معوج ، وغضبهم معوج “

( مولانا جلال الدين الرومي )

من تظن نفسها

غادة نبيل ؟

في يوم قديم

اعتقدت أنها تعرف

ظلت تعتقد

أن الزمن والفوتوغرافيا

شيء واحد

ظلت تميز

بين رائحة المِسك

ورائحة الجثة

هذا قبل أن يقرفص الضباع

على قلبها

تاركين الخراء

السماء

أقل

من قطعة نسيجٍ مهترئة

ردمناها

لماذا ؟

– لأننا كنا نقدر على كل شيء

– لأنه كان بإمكان

فتاةٍ أمريكية

حضور المحاضرة ببيجاما النوم

    لأن الحريق يشب

أولاً فى القلوب

ثم المباني

ردمنا السماء

لما اكتشفنا كم هى واطئة

ولما كان

الكاكي الأخضر سيد الألوان

كلما مشينا خطوة

نرى السلاسل

التي تربط أقدامنا

بالجبال

ولا نرى أقدامنا

أي زمان ابن حرام

سمحنا له بهذا؟

متى ينتهى عنفُ نفي الحقيقة

وعنف تصديقها

متى يفرحون بالطيبة

ويكفون

عن أكل اللحم النتن

متى تكف الشريرات

عن الصخب

ورشى الجوائز

متى يزول الفقر والثراء

متى نكف عن الحزن

والضجر

متى يكف الشهداء عن الموت

متى أعود شابة

برحمٍ نشيط

متى يعود حبيبي

إلى حبي

متى أتخلص من الانتظار

متى يستأصلون مني اليأس

متى أتوقف

عن ابتسامة أتغصبها

متى أكف

عن الخوف على حياةِ أمي

متى يتوقف

شبح أبي عن مطاردتي

متى تعود

صديقتي المظلومة من الموت

متى ينتهى كل شيء

متى تنتهي النهايات ؟

.  .  .  .

أريد أن أرصهم

واحدًا بجوار الآخر

” الذين يظنون أقبح ما يأتونه حسنًا ” *

أنزع سلاسلي

أربطهم

ثم ألبس قفازًا من حديد

وأبدأ

حفلةَ تهشيم عظام وجوههم

في خطٍ مستقيم

بعدها أستخرج قلبي

وأحشره علنًا

في قناة فالوب

كل ضبع

ينتقد بقية الضباع

كل ضبع

يعرف رائحة الأسى

والخيبة

فيبدأ الكلام عن الموت

كل ضبع يفعل هذا

لن أطعنه

وأصب الشمع الساخن

في جرحه

( لا تصدقوا توحشي السابق

فأنا والله فتاة لطيفة )

لكن سأنظر فى عينيه

بثبات وأقول :

” وها أنت حيّ ، إن تكن صادقًا فمُت ” *

   لكن

   لو استمر

   فى البغبغة

سأجمع ريقي في وعاء

أضعه على النار

حتى نقطة الغليان

سيعطشون

وهم مربوطون بالسلاسل

وقتها سأمنحهم

سائل الصدق الوحيد

آخر ما بقي من سوائلي

أخلطه

بنقطة من دمي

وأقدمه بنظرة إغواء : ” العنّاب “

لن أترك سُرًة واحدة

فى بطنِ نبي

أو مومس

سأقومُ بتبديل

حلمات الرجال والنساء

سأنزع كل الألسنة

بيدى

كلكم سأحولكم إلى مدمنين

سأريكم

  ماذا بمقدورِ فتاةٍ طيبةٍ أن تفعل

  سترونها

  تثأر من ضبع

تظاهر بالشهامة

.. سينزل من منخارهِ نفطٌ أسود

ويغرغر

بأسماءِ الضحايا

سترون آخر

يعلنُ كخنزير

بعد استدراج عامين :

” كنتُ هنا أمس “

 سيتفسخ وهو واقف

يأكل الحلوى

وسيكون

المجرم الأول

محصورًا

لا يقدر على الإخراج

بفعل أوزانِ قلوب

الضحايا

على نصفه الأسفل

سأجعلكم تزنون بأمهاتكم

ستركضون

خلف عشيقاتكم

لقتلهن

وتكتشفون بعد جز الرقبة

أنهن بناتكم

يمارسن الفحشاء

على قارعة الطريق

وأخيرًا

بعد أن تنجزَ

كلَ هذا

وتكنس

رَوَث الصبر والرقة

خارج روحها

ستعرف

غادة نبيل من تكون

ستشنُقُ نفسها

بحبل

يلتف حول الكوكب

كمشنقة كونية

تتدلى منه

فى الفضاء الأسود

بينما يرن

صدى آخرِ قهقهاتها .

______________________________________________

القاهرة شتاء 2013- 2014

*من ديوان ” هواء المنسيين ” الصادر 2014

*” الذين يظنون أقبح ما يأتونه حسنًا ” ( من أبيات لعلى زين العابدين السجاد . مثنوى – الكتاب الخامس – ص 536 ).

* وها أنت حىّ ، إن تكن صادقًا فمُت ” ( ابن الفارض – مثنوى – الكتاب الخامس – ص 478 ) .

الهدهد المحظوظ لا يشعر – مثلى – بالملل

أظن ذلك

على الهواء ولا يتوقع الحزن

دمعة فى عينى

انحشر فيها الكون

هناك شىء سحيق

حقيقى

لدى الحقيقى

كاذب

لدى الكاذب

والهدهد يواصل هدهدته

حراً

من الحقيقى والكاذب

أنا لم أفهم

أبداً

أريد الطمأنينة أيها الخلل

أريد الحب

أريد العدل

أريد ولم أعد أريد

نفسى

كيف يحرك سؤال ذاهل

كيف يحرك سؤال ذاهل

من شخص لم تره

دموع كل العيون

عبر التاريخ

لتنهمر كلها – فجأة –

من عينيّ امرأة واحدة ؟

ابنة الثمن الدموى

ابنة الثمن الدموى

والقش

المحفوظة فى سجلات الوهم

التى ضاعت

لا تشعر برغبة فى أى شئ

لم تبذل جهداً من أجل الحب

أحبت وكرهت

هرمت ندمت

ذاب حنانها فى كهف ما قبل التاريخ

ثم

لما شعرت بالبرد

أشغلت النار فى نفسها

يدقون فى أرواحنا

يدقون فى أرواحنا

وجوههم

من أجل اللوم الأبدى

شهداء يشهدون

على انطفاء حبات القلب

حبة حبة

ونحن نتكوم

محتضنين

كل ما رموه باستغناء

عتاة

يواصلون تحديقهم

فى ذنبنا شهيقنا

بابتسامة مجرمة البراءة

بينما نجمع لعابهم وهو يسيل

من الصور

حتى ونحن نعرف

أنه لن يتوقف

الباهتون

الرجال كائناتٌ طيبة وغريبة

يطير على رؤوسِهمٌ بُرجٌ أو صورةٌ عزيزة

ولا بأس من خُصلاتِ شعورِ حبيبات

يعرِفنَ القطع و الامتداد

الرجال ينبهرون بصوفيةِ العذاب

والدموع المُعلقة

لا يخافون الأشجارَ التى تهُزُّها الريحُ ليلاً

لا يتخيلونها عفاريت

كانوا هكذا

ثم انضمّ إليهم حبيبى .

تطريز بن لادن

(1)

كانت تعاقب نفسها بفخار ثقيل

وتحذف السماء لتمتحن الطيور

قالت

مئة فرح يعادلون وجهك

مع أن قلبك

ضريح

لكن هو لا يحب المخاط مع البكاء

بل يحبه كنبرة يطول تدربها

لتشبه نواح أوفيليا

أنت الصابئ

لم أعد أريد أن أراك

(2)

صدّقت قبلى أن الطاووس يُذبح

من أجل ريشة

ومثل أفغان يوسف زاى

صنعت من الغضب بخاراً

ولما لم يُعجبك

صنعت منه تابوتاً لعصفورة

ولما لم يُعجبك

نسجته سجادةً كثيرة العقد

تُحب الأفواه المغلقة

السلام عليكم “

للننقشبنديين.

(3)

خُدا حافظ (*)

أجاهد لتسمعنى قبل شهر أبريل

بعد النوروز

كجلطات تصيبك فى المولد النبوى

التقويم الذى لم يعد فارسياً

هدمنى

كم ألف سنة ضوئية ستجعلنى

حصرياً

محبوبة ؟

_____________________

خدا حافظ (*) بالفارسية والأردية: تعنى ” يحفظك الله ” وتقال أيضاً بمعنى ” مع السلامة”.

الموسيقى الافتراضية للمكان

لم تعرف السيدة النائمة مع الكهربائى شيئا عن خيالات الأخرى ، هى تتحمل الإهانة

أثناء الجماع من أجل طفل .                                   

حفظت فتحاتها مختومة ، أسمت نفسها المختومة ثم تناست الفتحات.                      

كان هذا بداية الأصوات التى سمعتها دون أن يوجد أحد ، أصوات ستلعب فيها الرياح

دورا بطوليا و أصبحت كمن يسمع تنفس رجل بعيد. رجل آخر بعيد .                        

هذا التنفس اسمه السعادة ،و هى الآن تجرب لحظات من خرف الشيخوخة كى تتخيل

ما سيحدث حين يربطونها بحزام فى مقعد ، يربطونه فى حائط فى مستشفى 

لهذه الحالات .                                                                                         

أن تحب شَعر رجل جدا من أعتى الأدلة على الحب ،

أما عدم سماع صوته

وهو يتكلم فدليل تدمير الذات

ترى الأشياء التى بقيت مع سيدة المستشفى : ساعة يد ، مفاتيح ، خطابية الصوت ،

بنطال ضيق ، تويوتا نصف نقل ، قتلة على الجدران ، أحفاد مغوليون ، دهان

مسخسخ لـﭭيلا ، و إهداء بقلم رصاص .      

أنت ترى ما يشبه روايات القرن التاسع عشر ( يمكن استثناء التويوتا                    

و ساعة اليد ) مع اختلاف النهاية .             

أنت فى حياة لا ترى إلا وجه أمك الذى رسمه جمال حمدان .  

الحياء منعها أن تطلب الـﭙورتريه و أن تصبح موديلا لجواد حسنى*،                    

رغم وساطة قريبته . حين لا يعود الوجه موجودا لن تنفع كل اللوحات ،                  

لن تتذكره كأنك لم تره .                                                                              

 المرحلة التالية هى الأحذية المتحركة      

قدرك عدم رفع رأسك                                                                             

 فوق الحذاء                                 

لكن الموصوفات بالبراءة        

تخيرن وجودك وحدك        

و تعمدن إجبارك على رؤية السرير المزدوج    

 و البارفانات

الآن معى كتب صفحاتها مقطوعة ، كتبها أشباح ، و كتب لا أعرفها

مع أن عليها اسمى .    

لا يجرؤ أحد على كتابة رواية بقلم الرصاص ، يمكن لأى أحد محوها.                                                          

تخاف زوال الإهداءات بالرصاص ، مهما كانت خسيسة و كونك تعرف                   

أنه لا لغة دون خداع سبب لك الكثير من الألم ، مثل الإسماعيلية . 

أنا أيضا لما عدت لم أجدها ، لا أعرف أين ضاعت النسخة الأصلية ،   

القنال بالأمهات فى المايوه .. عطلات آخر الأسبوع فى نمرة 6 ،                             

وجلسات الجريج و المصريات بقمصان النوم فى الشارع ،                              

مع أنى مثلك عشت حبى الأول فى مدينة أخرى .

ربما تكون كالإسكندرية التى اختفى بحرها و ما زال السكان يبحثون عنه ،                

و كـ ” رأس البر ” التى لا يذكر أى كتاب جغرافيا موقع عششها.   

طالما فكرت ” رأس ” لماذا و أى ” بر” ؟                                                    

البلدية و الغزاة و الحواديت             

تؤنث المدن                     

كتمهيد لاختفائها.

الإسماعيلية تحتجز تمثالا برونزيا للعذراء فى مستشفى ، ترفع ابنها أعلى كنيسة

المستشفى كأنها ستلقيه فى القنال . هل هذه الإيماءة سبب اللعنة ؟ أنت تعلم أن المدن

تتأرجح بين الحلم و الهذيان ، حين يزول أحدهما يبقى الآخر و لا أستطيع أن أصف لك

ما لم تره ، ما قررت ألا تراه .         

السكان حكوا عن إخوتهم الصغار الذين صدمتهم عربات الجيش البريطانى  – مانولى

المسكين – و بعضهم أطلق بناته على طفلات أنقذوا عيونهن   

من الخزق فى اللحظة الأخيرة . حتى ركوب الدراجات كان دليل الاختلاف العرقى ، أما

المدينة فربما ذابت من كثرة التذكر، مثل بحر الإسكندرية الذى استيقظوا يوما و

وجدوه تبخر ، حتى استطاعوا المشى إلى السفن.    

و من يومها علمنا أن لا أحد ينام فى الإسكندرية*.

لكن كيف نتأكد أن هذه نتيجة لا سبب ؟                                                               

فى البداية اتهم الأهالى المطافئ . شكّوا أن خراطيم هيئة الدفاع المدنى شفطت البحر ،

ثم شكّوا فى أمن فض المظاهرات . فكروا فى الاستعانة بالرسامين .طلبوا أن يرسم كل

واحد بحرا بمدينة حيث الشاطئ عريض مجاني، و توضع صورة البحر مكان البحر .

لكن اختلاف لوحات الفنانين ترك نتيجة أسوأ من لا بحر .                                    

المحاولة الثانية كانت الموسيقى ..كل فتاة بصوت جميل تشارك فى استعادة البحر. تم

تأليف الأغانى له و إعادة توزيع أية أغنية بها كلمة ” ميه “.   

كانت الفرق الموسيقية تذهب بالمغنيات إلى مناطق الفنارات القديمة و تعزف .

استحدثوا جيتارات تقلد صوت الموج ، بأصوات مبلولة و تم تشجيع السكان على

سماع  Surf Music، ثم عادت سينما الشارع .    

ربطوا ملاءات المدينة بين أعمدة الإنارة و عرضوا أفلاما بها البحر : ” حب 

ودموع ” ، ” زوجتى و الكلب ” ،” لقاء فى الغروب ” .   

المعالجون الروحانيون اقترحوا أن يأخذ كل مواطن حفنة من قاع البحر ، يضعها

مكان القِبلة و يدعو .          

وأخيرًا قال الفلكيون كلمتهم : الكواكب الجافة غارت من الأرض و لا بد أن مغناطيسا

بحجم كوكب هو المسئول. ثم تذكر سكان المدن الأخرى النهر. هو أيضا لم يروه من

سنين.

هذه أشياء بعيدة ، مثل البحر الذى غنت له فيروز و فريسكا الشاطئ ، تعلمك أن

الخداع أبدا لا يكون فى الكلام ، بل فى الأشياء ، ثم تعلمك          

أن لا تصدق ما تعلمته ، و أن الصور القليلة عن مسقط الرأس ( الرأس التى تبحث

عن مكانها المفضل للسقوط ) بقيت بفضل الهذيان ، الذى سرب للمُهجَّرين مشاهد

قص و لصق كالتى تأتى فى النوم .

مشهد أول :

الزمن ليلة صيف . يطير صرصور من جنب التليفزيون حيث تغنى لبلبة  بفستان يمكن

تفصيل نسخة منه الآن ، حمالاته رفيعة مزدوجة ، ورداته كبيرة كعباد شمس ذهبى ،

يختار الحائط فوق رأس طفلة. كيف نعرف أن الفستان ذهبى و التليفزيون أبيض و

أسود ؟. لأننا نرى اللمعان على المسرح ، يزيد مع حركتها كمونولوجست . النور

مضاء ، الأم مذعورة عند الباب ، ظلام .

CUT 

لبلبة تمسح الشاشة من الداخل حيث تقف على المسرح ، تقفز منها و تقتل

الصرصور.

حين قَفَزت ثانية داخل الجهاز لاحظت الأم و الابنة أنها الآن عجوز

مشهد ثانٍ :

الزمن بعد منتصف الليل . الأب يغنى لابنته كى تنام . رأس الطفلة عرقانة ، خدها على

كتف عرقان ، بفانلة تتقاسم عرقهما. الأم نائمة هذه المرة فلديها الحصة الأولى. النور

يأتى من غرفة أخرى فى كوريدور مظلم ، المدينة مسئولة                                  

عن نبتة فول على قطنة مبتلّة ماتت ، الأب مسئول                                              

عن ساندويشات مخ بالبانيه بعد الهجرة ، الأم مسئولة                         

عن ساقها التى تحكها داخل الجبس بإبر التريكو .

CUT

رأس الطفلة تسقط فجأة من جسدها ، يبدأ الأب يجمع الأنف و العينين و الأذنين و الفم

والرقبة من الأرض . يعيد التركيب على جسد ابنته ، و يذهب ليضعها فى سريرها. فى

الصباح لا يجد الرأس . يتجه إلى البقال الذى اشترت منه ابنته ” المشبّك”، و يحكى

المشكلة . ينصحه الذى يُدعى” السُنّى” بشراء رمانة و تثبيتها مكان الرأس .

مشهد ثالث :

الزمن عصر يوم صيفى . المكان مطبخ البيت . شباك المطبخ مفتوح على سلم خشب و

ممشى من بلاط أبيض و الشارع . شباك يسمح بكوكب الشمس . الابنة تفتح كتابها

فيقف البيت على ورقتين ، تخرج أشجار الغابة المحيطة ببيت هانزل و جريتل ،

دعامات من بسكوت ساﭬوى بالقهوة ، بونبون كإطار شبابيك . الأم تقدم آيس كريمها

من قوالب الثلج الألومنيوم. رائحة ﭬانيليا تملأ المكان .

CUT

هانزل و جريتل يمسكان الآى باد و يتعاركان . الأم تتحول إلى ساحرة شريرة .. تغلق

الشباك كى لا ترى جريتل البيت ، و تقابل عفاريت الغابة . هانزل غيّر اسمه و ضجر

من صحبة أخته . بعد شهور عثروا على جريتل. كانت جثتها مغطاة بثلج يشبه الـﭭانيليا .  

مشهد رابع :

الطفلة تجد نفسها مصحوبة باليد مع الأسرة و الجريج إلى المخبأ. لا تتذكر شيئا عن

القبو لكن الكل واقف . لا ضوء غير لمبة سهارى أو شمعة . ينتظرون انتهاء الغارة .

الكبار يخمنون من صوت القصف العمارة التى سيتم قصفها. يسمعون صفارة بدء و

انتهاء الغارة . يصعدون إلى الشقق . فى الصباح يتأكدون من صحة التخمين .          

تقوم أم سونة بتشجيع سونة على تناول زبدية بالمربى مستخدمة طفلة المخبأ.

CUT

تقوم أم سونة بتشجيع سونة على تناول زبدية بالمربى مستخدمة طفلة المخبأ.

فى الصباح يتأكدون من صحة التخمين . يصعدون إلى الشقق . يسمعون صفارة بدء و

انتهاء الغارة . الكبار يخمنون من صوت القصف العمارة التى سيتم قصفها. ينتظرون

انتهاء الغارة . لا ضوء غير لمبة سهارى أو شمعة . لا تتذكر شيئا عن القبو لكن الكل

واقف . الطفلة تجد نفسها مصحوبة باليد مع الأسرة و الجريج إلى المخبأ .

( هامش : أم سونة حملت بسونة أو نوسة من محمد . الاسم يونانى مصرى :

بِرَنيس*محمد نصيف. رفض الاعتراف بسونة التى قابلته فاستبدلوا به رجلا قوقازيا .

الأم تنادى ” برديس ” لكن الحنين للنون ظهر فى الدلع.    

الجمهور يفهم الفرق بين الدال و النون.كل مدينة غير عادلة تتناوب مع مدينة عادلة

بداخلها.. تنتظر )

مشهد خامس :

صوت غناء تتعرف عليه الطفلة     

ليس من الراديو أو التليفزيون أو الكاسيت ،                                                    

إنها أمها .                                                                               

الصوت جميل                                                                     

يمشى على سنوات كثيرة فيصبح طويلا                               

الأصوات تملك هذه الخاصية ، تطول و تقصر كأجسادنا                                

لكن تشيخ أبطأ                                                                                     

تدندن ما زالت على الفطور.                                            

صوت عتاب للأب من آخرين                                                 

لخوفه                                                                                  

أن يفقد صاحبة الصوت                                                                

الأم تنكس رأسها                                                                         

تتكلم عن معادلة حبه يساوى صوتها                                                        

تخزن الصوت                                                                          

فى حوائط البلاد التى سافرت إليها                                                            

صوت صفق له                                                                        

حسين رياض و زهرة العلا                                  

و ليلى مراد                                                                                 

 فى حفل” قطر الرحمة ” بالإسماعيلية ،                        

صوت استمع إليه                                                                                

زكريا أحمد و يوسف إدريس                                          

فى بيتيهما ،                                                                                  

صوت” يخرج بسهولة “.

CUT 

سوف تضيع كل شرائط الكاسيت الخاصة بالصوت    

أو يغطيها التراب      

سوف يصبح صعبا جدا             

أن تتذكره الابنة                              

بعد ذهاب صاحبته                                                                        

هذا بسبب تدخل قوبلاى خان                                                         

الذى تحول إلى باريتون ،                                                                   

وزحام الكراسى المتحركة                                                                        

التى أخرجوا عليها سكان مدن الأموات ،                                                          

والبنت                                                                               

التى تحرك قطارا خشبيا على مقعد             

فى نفس المسافة .

المسافرون فى لوكيشن معمار 1930 . محطة قطار يونيون ، لوس أنجيليس .

الراقصون ضغطوا المدن فى أوبرا حديثة*، ظلوا يضغطون حتى أصبحت غير مرئية .

عندما حدث هذا أمكن مشاهدة ماركو ﭘولو. كان مثل طفلة المخبأ ، ينتظر انتهاء حرب

مدينته . البندقية اسم يريد استمرار الحرب. يمكن رؤية حديقة ، كالتى سقطت الابنة

من أرجوحتها فى الإسماعيلية ،   بندبة فى الحاجب .      

تُصور أطفالا كشميريين فى شاليمار باغ . الجمهور يضع سماعات و يصور الراقصين

بالآى فون مع أنهم غير مرئيين كالمدن . الأم تغنى لأم كلثوم 

وميكروفون محطة الإسماعيلية يعلن قيام القطار المتجه إلى نيويورك ،مع أنها ليست

مدينة .

حين ترص الذكريات تبدأ دورة القلق ، هى قليلة و مغبشة

الكتاب المفضل يمكن أن تهديه بهوامشك الدراسية ، بالقلم الرصاص 

لمن تحب   

لكن بماذا سيشعر من أهديته الكتاب ؟*             

هل ستفقد الذكريات لأنك تستحضرها ، لأنك بدأت تكتبها ، هل الكتب منزوعة

الصفحات أفضل ، أم الكتابة أكثر إلحاحا لمن لم ينجب ؟                 

كيف تُجاور الرغبات و المخاوف       

كيف ترصها بحيث لا يفعص المستقبل الماضى                      

ألم يحدث المستقبل فى كل ماضٍ                         

كيف تتحمل               

تحول الأمنيات إلى ذكريات          

ماذا سيفعل رجل                              

برداء أسود و لحية طويلة                           

طالبوك بتقبيل يده                                                                      

لماذا يمُدها ، و لماذا تُنفّذ ؟                                                            

لماذا تضع حشرة شفافة الأجنحة                                                   

فى علبة بلا ثقوب ؟                                                                    

لماذا رأيت الحوذى بقبعة سوداء عالية                  

كأنه خارج من رواية لديكنز ..                                                                    

كانت عربة زجاجية يجرها حصان             

تحت عمارتكم                                                                

بداخلها صندوق طويل                                                                    

لم تفهم ما يحويه ؟                                                          

بماذا سيشعر من وجدوا البيت اختفى ، بماذا ستشعر سيدة المستشفى ،  

و سيدة الكهربائى، ثم أين أخفوا عربات ” الكُلُو كُلُو” ؟

حين ترص صور الذاكرة يجب أن تعرف كيف تحميها ، متى تقوم بأرشفتها            

و بعثها ، و إلا لن يبقى معك ما يثبت الفرق بين الحلم و الهذيان .       

على أحسن تقدير قد يبقى ماكيت مدينة ، بناس ماكيت ، بأعياد ميلاد   ماكيت ،

سيارات هيلمان و أقفاص مانجو ماكيت ، لم يعد لهم وجود    

فهل تريد ذلك ؟ هل ينقصك الزحام و مدينة كالـﭭينو المفضلة*      

 التى زرتها ليومٍ واحد ،                                                               

 فى سن تسمح بالتذكر                                                                      

و لا تتذكر غير محل السينى كاميرا              

الذى أضاع كل اليوم ؟

_________________________________________

*الكتاب هو “مدن لا مرئية ” لإيطالو كالـﭭينو .. التحاور معه و عدد من الجمل منه .أوبرا ” مدن لا مرئية ” كانت فى محطة قطار لوس أنجيليس . مدينة كالـﭭينو المفضلة تشير إلى ﭬينيسيا . لا أحد ينام فى الإسكندرية رواية إبراهيم عبد المجيد .الشهيد جواد حسنى من أم بريطانية و أب مصرى تطوع لصد العدوان الثلاثى على بورسعيد و استشهد فى حرب 1956.

2016

و بدأوا يموتون ، أو يتذكرون الموت

كان الأطفال أول من رأى لاعبى البيانولا و القرداتية ، ثم البلاّنات و الببغاوات تأتى على مراكب فى الماء . عندما اقتربت الطيور التى تبلع كرات الزجاج وجدوها ورقًا. أصابهم الإحباط لكن البلاّنات بقين مع باقى الألعاب. كانت هواية الرجال الذين يدهنون شعورهم بالـﭭازلين التلصص عليهن و هن يسبحن عرايا ، بينما يشوون مخاصى الثعلب . اليهوديات كن يتكلمن بلثغة و شبق عن شعلان الخردواتى ” عليه شويه شغر !”. و حين تزوجت إستير من الفاتن بشَعره ، لم تكن الحرب قد قامت . شقيقها رأى الخال فى الحرب و أوصاه توصيل السلام لأخته . الآن كان فى جيش من تصفهم الأمهات :” ولاد الكلب “.

تعلم الأطفال أن القرد اسمه ميمون و يمكن أن تنظر فى عينه و لا يهجم . لم يفهموا لماذا يبدو عجوزا و طفلا. لم يحبوا السلسلة المعدنية التى ربطه بها صاحبه .كيف يكون صاحبه و يفعلها ؟ لماذا رضعة القرد و عجين الفلاحة ، ثم أين العجين ؟ فى ذلك الوقت ، انتشر الرفاعية و الحجاج ، بالتزامن مع حشرة الخواجة. ثم عادت المراكب من حيث أتت .كانت قد رست لسنوات حتى نسوا أنها ليست منهم. اختفت ، دون كلمة وداع ، و بقيت الستائر خلف الشيش تنتظر مصابيح المساء . لم يكن شيئا يحدث .كان هناك روزنامجى واحد ، و البقالون يعدون البسطرمة الحمراء للتعليق . بعض الجَدات كانت تفوح كولونيا ٥٥٥ من آباطهن . الخياطون أهل حظ ، ظلوا يخيطون معاطف و قبعات ليست للبيع و كانت المنطقة تحتفظ بنسخة رملية على الشاطئ لكل واحد من السكان ، و تنجب النساء بعد الخامسة و الستين . كان شيئا يحدث . هناك حيث يحلو لعجوزان الجلوس تحت حبل غسيل مشدود بين فكرتين ، يخطف الموج الفكرة الثالثة . رجلٌ أعمى تنزل الدموع من مقدمة عينه ، كان دائم الارتطام – رغم عصاه – بمانيكانات الخشب عند الخياطين .كان يتعمد ذلك كى يشعروا بالحرج ، ثم يغنى” عملت معاه شُغل البِليباَه “. كان كل طفل يود لو يموت و يعرف ما البِليباَه. جَدة الأم كانت تفتح الباب بيد شهباء و تختبىء ، و صغار البنات يفرحن بالبطيخ الشِلْيَن ، فالأمهات ، بعد تحميص اللب ، ينقرنه فى أفواههن. مخلوطا بلعابهن، كأنه أثر قديم من مرحلة ما قبل الفطام ، أو كأن الريق هو كل ما يملكن توريثه عبر مئات السنين. لم يعرفن أن البنات لا يمضغن أولا بأول ، و ربما يبحثن عن ريق آخر ، لم يحاولن فتح الأفواه الصغيرة لرؤية ما يجرى تحويشه قبل الهرس ، فى جنة المساء فى الشرفة . البلاّنات كن يضعن الخنافس فى زيت المفتّقة ، مع السمسم و العسل الأسود.كن عاجزات عن الغيرة ، و لسن متصنعات لهذا. مع هذا لم تحبهن النساء . لم يلحظ الناس متى بدأ كل شىء ” يتفرول” . الوجوه ، مناقيش الكعك ، الساعات ، قوالح الذُرة ، الأطالس ، مانيكانات الخشب ، الأفكار و البسطرمة. ربما بدأت المصيبة من لعيبة النرد فى المقاهى ، مع أن رمى الزهر كان نثرا بالإبهام ، يعنى ليس فركا. فى السابق حين كانوا ينظرون فى عيون بعضهم البعض ، كان كل منهم يرى تاريخ الآخر ، من أول السلالة . الآن لم يروا شيئا. الرسامون أخذوا أخواتِهم اللاتى يرسمن لمعارض العاصمة . فى الكتب شاهدوا تلك المِبولة الشهيرة ، التى أخبروهن أنها تحتاج المتحف كى لا يبول فيها أحد . رغم هذا امتدحوا شجاعة من كانوا يرسمون البيض فى شم النسيم و يمشون على قشره دون تكسير، و من يصبغون خراءهم بألوان زاهية ليتبادلوه كالكعك فى الأعياد ، منبهين على أن المتحف قد يكون هو المِبولة.

و بدأوا يموتون ، أو يتذكرون الموت . كانوا يموتون دائما لكن الآن بدوا أكثر موتا.لاحظوا أن الموت المتزايد تسبقه قصاصات اكتظت بها سلال المهملات . و لأنه لا يوجد بيت بدون سلة مهملات ، بدأوا يعثرون عليها مُكرمَشة كوصفة مبكرة لطريقة رحيل صاحبها. الحروف بدأت موتا موازيا لم ينتبهوا له فى الأول . بدأت النقاط فى كلمات الكتب تطير. و بسبب ضعف أبصارهم نتيجة الفَرْوَلَة ، لم يلحظوا الفرق بين النون و الفاء ، أو الخاء و الذال . توقفت المدارس و البوسطة و البنوك . كثرت مشاجرات ضاعفت قصاصات الموت بسبب غياب نقطة من ورق حساب البقالة . حين اختفت النقاط ، تآمرت عليهم اللغة والأرقام .كان الواحد منهم ما أن يبدأ الكلام مع صديق حتى يظنه الآخر يسبه .كان شيئا ملحميا يحرك كلمات مثل الجزاء/ الخراء أو الحُب/ الجُب ، حتى أعمى البِليباَه لما ضاعت نقاطه بدا محض مجنون .

أحسوا أنهم يُعاقَبون على ذنب سيرتكبونه فى المستقبل ، لكن بدون يقين حدوث ذلك تضيع فكرة العدل التى كانت – على أية حال – بدأت تتفرول مع بقية الأفكار .لم يقدّروا بعقولهم أن الحنان كان حنانا و التدمير تدميرا إلا بفارق النقاط . كانت النقاط تملك كينونتهم ، صانعة الحقيقة ، تمنع عنهم العته و البكم. حاولوا جرد الكلام الذى بلا نقاط فى أصله ، و الآخر الذى ضاع بضياع النقاط ، و صدمهم أن ما تبقى قليل ، لأن الأسماء التى بلا نقاط فى أصلها زاد تكرارها و لم يعد أحد يعرف أحدًا . أُرْتِجَت عليهم كل كلمة و معنى عرفه البشر عبر تاريخهم الطويل. ضياع النقاط كان معناه أن لا أحد سيتعلم لغتهم أو يترجم أدبهم أو يشترى مسلسلاتهم . تم غلق المحاكم و فتح السجون ، و تحولت ” أحراز ” إلى أحرار. فتح ذلك الضياع جرفا على اللانهاية ، لا نقطة بآخر السطر تعنى أن لا آخر لشىء . الشعراء كانوا أكثر المتضررين رغم بهجتهم الأولية . من بينهم فتاة و رجل . أيام النقاط صرخت أمامه أنها تريد شيئا واحدا يكون حقيقيا ، و فى لحظة جاء رده” أنتِ ! . أنتِ برهان نفسك “. كان هذا مُخَيِّبا ، و حين غمغمت شيئا عن الإخلاص فى وقتٍ آخر ، صرخ هو كأبطال شكسبير : اعطينى أبدًا و أنا أخلص له !

لم يكن الأبد أكثر واقعية مثلما هو الآن ، و هم كائنات بنقاط محذوفة ، كائنات تخرَس و تُنفِّذ و تتفرول . بدا جارا قديما طال تجاهله و قد عاد – للمفارقة – لأن هذا هو وقته ، حين لا يرغبون فى الموت .

كانت النقاط الضائعة حكما بالموت بنفس سرعة الموت فَرْوَلَة . فشلت محاولاتهم تعلم لغة الإشارة. لم يفهموا لماذا تتحلل اللغة ، لغتهم هم بالذات ، و لم يعرفوا أنهم يحملون لها كل هذا الحنين إلا الآن ، و هم ينظرون إلى قراطيس ورق اللحمة التى استغنوا عن أكلها لتجنب مصير القصاصات . أصبحوا نباتيين بالإكراه ، و صُمًا. اختفاء النقاط من الأغانى دفعهم إلى إلقاء جرامافوناتهم فى الماء . كانت مفاجأة أن تطفو تلك التى تحمل أغنيات خفيفة و طقاطيق ، و تغرق الأخرى ذات الأغنيات الأطول .

عبء اختفاء النقاط جعلهم ثقلاء ، طفحت جلودهم ببثور” حمو النيل ” كأن النقاط اختبأت تحته كحمصات . بالأوزان الجديدة لم يعودوا يهتمون بالملابس ، بدت النساء أشباحا يغطيها القطران . الكل يحب لون زِى الحداد. زادت البصبصة و الشبشبة . أصبحوا يَعدِمون كل بهجة ، يذبحون ذاكرة آذانهم بأيديهم ، و لم يهمهم الموانئ التى أُغلِقتْ ، و لا الأدوية التى توقفت صناعتها و لا المحلات التى اختفت أسماءها. ثم لما عادت السينما الصامتة ، زال الشك أنها النهاية . البكم الذى نتج عن عنف غياب لغتهم ، تحول إلى انتظار ، ثم إلى نسيان للنغم و الحب و الابتسام . و شاهدوا صامتين – بآخر عيونهم الذاوية – كيف أن القطار الذى تعودوا صفيره فى غرف نومهم ، صار يمضى للخلف . عرفوا أن كل العذارى رأين نفس المنام فى ليلة واحدة ، و منعهن البكم من روايته . و لم يعرفوا أن البنات رأين أنفسهن بملابس زفاف لم تمهلهن لتقبيل العرسان ، أن ثوب الفرح فى منام يعنى الفراق لأن رائحة قلوية فاحت لما بدأت نُسخُهم الرملية يُذوّبها الموج .

 ___________________________________________

• البلاّنات : وظيفة تضطلع بها نساء يقمن بنزع الشعر عن جسم المرأة

• الطقاطيق : الأغنيات القصيرة

• الخردواتى ( لغير المصريين ) من يبيع لوازم الخياطة من خيوط و أزرار

• البطيخ الشِّيلين : الذى تم استيراد بذوره من تشيلى

* المفتّقة : حلوى شرقية تعتمد على مزيج من البهارات و عسل القصب و السمسم و بعض الدقيق

* أحراز( لغير المصريين ) الأدلة المادية التى تحتجزها الشرطة فى القضايا

*الرفاعية: من يرفعون أى يستخرجون الثعابين من الجحور

 حديقة الخالدين *

خلفى مسجد بناه مهندس إيطالى

مسجد

تخترق معماره الخارجى ساعة

ما المعنى

فى أن تكون الصلاة بالساعة ؟

المهندس إيطالى و أرض الحديقة المجاورة قذرة . المُنظِّرون سيستغلون الأمر للتأكيد على الهانتنجتونية أما أتباع الإمام الداعى إلى قتال الحكومة فسوف يدقون لافتة على اسم المعمارى الفلورنسى من مواليد المنصورة مكتوب عليها :” أبو شبانة للمقاولات”.

 _ _ _ _ _ _ _

كيف جمعوا رءوس كل هؤلاء هنا ؟

من أول عقل فكر أن الخلود يكمن فى الجرانيت ؟

يجب الجلوس على مصطبة من القمامة لتدبرالأمر . الأطفال  سيصيبهم ارتجاج فى المخ من عمائم البازلت للنديم و محمد كُريم ، سيجرح مؤخراتهم عود سيد درويش وهو أمر فطنت له الحكومة فقامت ببناء تلك المنزلقات الرخامية المحيطة لكسب أصوات آبائهم فى الانتخابات .

من جلستك هذه قد تتوصل إلى الهدف من تعلية الحديقة فوق مستوى البحر : الـ ” ﭬـيو ” سيضمن هواء أكثر برودة للخالدين و لن يحتاجوا إلى مراوح كهربائية كتماثيل آلهة الهندوس . الارتفاع سيهدئ المشاعر الطبقية لرواد الحديقة من طبقات  الشعب                                                        والرءوس يجب أن تظل قريبة من المسجد . 

لم يكن على الخالدين من حرج . هم كشِلة يحتاجون للتجاور فى الليالى التى تخلع فيها النوّات الألوميتال ، و هم أكثر من يعرف كيف لا ينوب اختراع الذاكرة عن وجودها من كثرة ما حشروا الزمن فى جلابيبهم . بعضهم أراد الاحتفاظ بالماضى والبعض أراد المستقبل وبقى من أراد الحاضر منبوذًا إلى أن أدركوا بعد فترة  تفاهة هذه الاختلافات .

كل ما كان عليهم أن يفعلوه فعلوه .عاشوا ، ناضلوا ، ضحوا بحياتهم ولكن الخلود كانت له متطلبات لغوية اضطرتهم لحذف ” الآن ” و ” غدا ” و ” أمس ” من جلسات سَمرِهم ، و كلما وجد واحد منهم أنه سينطق بإحدى المحرمات الثلاث لاكها بسرعة ثم بصقها.

بعضهم من موقعه يمكنه رؤية ساحة إعدامه كل ليلة وللأبد و هو ما بدا عقوبة غير مفهومة للفانين بينما حظى آخر بتمثال ليس لمواقفه الوطنية – كما يشاع بالمناهج – بل لقدرته على التنكيت و التبكيت *على من لجأوا للحديقة من شباب الماكستون فورت وتم تفسير استبعاد النساء من الخلود بعلة نقص الدين و العقل.  

الخطأ الوحيد ربما كان فى الاسم الذى أقلق باعة السواك و البخور فى الأكشاك القريبة. الاسم بقى كدلالة على سوء النية ومن يتسامح مع عود لمسطول الموسيقى لن يكون فى وسعه التسامح مع الخالدين .

لا شك الخطأ جاء من العمال الذين وضعوا اللافتة فى اللحظة الأخيرة .

مثل هذه الأشياء تحدث .

ثم إن الحكومة لا يمكنها التفكير فى كل شىء .

__________________________________

*حديقة تطل على البحر فى الإسكندرية و ” التنكيت و التبكيت ” عنوان أحد أهم صحف الثائر الوطنى عبد الله النديم

بلا عنوان

بالرعب الذى يسكننا عند حافة جبل و يختفى لو ركِبنا سيارة تعبر نفقا فى نفس الجبل

نعيش صناعًا لأخيلة ، حمالين لغيوم كثيفة نتبادلها مع بعضنا البعض : خذ هذه الغيمة .. لا .. غيمتك أفضل من غيمتى .. سآخذها غصبا وتأخذ غيمتى . لا . سأقتلك ليس لآخذ شيئا بل لأنى لا أريد أن تكون حيا .

عفونات الأزمان تتمدد . الأكاذيب تتمدد كجثث لصقوا شعورها بالصمغ و علقوها أفقيا فى الفراغ .

بعد أن تزول عنا المعرفة سنعود نلعب فى عوراتنا التى لن نغطيها، سندخل من جديد أرحام أمهات بشعور طويلة ناعمة يرفعنها بالأيدى قبل الجلوس ، سنصبح التامين و التامات بعد انتقالنا إلى منجمٍ جديد يطير فيه عصفور غير قاسٍ ، و بلا غيوم .

يا ميتون ألا يريد أحدكم البوح بالسر ، متى خفق قلبه حبا فى العالم الآخر؟ .

يا نساء لماذا لا تمددن ضفائركن إلينا ليأتيكن من يُقدّر عبء الجمال؟. يا رجال ..هل ستقدرون على منحة السعادة المطلقة بلا خيانة ؟ ألن نكافأ – أخيرًا – بالحب الكامل ، الأبدى ؟

 ليس عندنا ما يغريكم وعندكم كل ما نريد معرفته . 

 بماذا يشعر واحد منكم و هو يشاهد تمثالين لكفين يتصافحان كشاهدى قبر فوق مقبرتيّ رجل وامرأة لم يتمكنا – هنا – من اللقاء ؟

ليس صحيحا ما يروَج أنكم بلا قضايا . كل منكم سرق قطعة من الزمن و كل الفرح و ترك ذلك الجرح القاتل فى نفوس من ادعى محبتهم. أقرب معنى لعقابكم هو عدم تأكدنا أنكم لا تشعرون بالذنب . وحين نصبح بينكم قد نفتقد الكراهية التى حملناها فى أجولة على ظهورنا كخزائن لرموش عملاقة ، رموش بمجرد أن تعلقنا بها بأيدينا رفّت .

تظاهرنا بالحب ، نزلنا المظاهرات و انتظرنا معجزة للشيخوخة : حب لا يلدغ نفسه يبحث عن معنى ” كان ” ثم – أمناء على إرثنا- تركنا الكراهية معه كوديعة تكبر فوائدها حتى نهاية الحزن .

أما أنتم

أنتم الجماجم التى لم تحب أحدا بما يكفى لعدم الموت ، والأشجار التى ستنبت من محاجر عيونكم سوف يدهسها أحفاد أحفادكم ، بوعى ، بعد أن يدركوا هذا .

كيف تناثر رأسى

كيف تناثر رأسى

بين طواحين العالم

رأس تلميذة

كانت فى كهف

تسمع البحر حتى انتهى الزمن

ترفع أصابعها العشر

على جدارٍٍ وهمىّ

تحفره

بحقد ما قبل التاريخ

بعد الحفر

تضرب الباب بالكفّين

حتى يحمرّا

تريد الأوكسجين خلف الباب

والباب أوصدته الأشباح

التى أرسلت

زهرة فى خطابٍ مُشمس

من ألف عام

بينما نملة

تمشى على خريطة العالم ؟

—————-

غادة نبيل – مصر

الاسم الرباعي : غادة أحمد نبيل محمود مصطفى

الاسم الأدبي و الصحفي : غادة نبيل

محل الميلاد : الإسماعيلية –  مصر

شعر:

    ” المتربصة بنفسها “. مطبوعات إضاءة 1999

    ” كأنني أريد “. دار شرقيات 2005

    ” أصلح لحياة أخرى “. دار التلاقي 2008

    ” أصلح لحياة أخرى ” . طبعة ثانية . دار شرقيات 2010

    “تطريز بن لادن”. دار العين 2010

     6- ” هواء المنسيين ”  . دار نشر شرقيات 2014 ولها قيد النشر دواوين أخرى

    صدر لها  رواية “وردة الرمال”. طبعة خاصة 2001

    أعيد طبعها ضمن مشروع مكتبة الأسرة 2004

    حاصلة على ماجستير الأدب الإنجليزي و الأمريكي الحديث بامتياز من جماعة إيست أنجليا البريطانية ، نورويتش ، إنجلترا عام 1990 .

    حاصلة على منحة مهنية في الولايات المتحدة بعنوان ” Young African Leaders

    نائب رئيس تحرير بجريدة الجمهورية و عضو نقابة الصحفيين .

    عضو هيئة تحرير بمجلة ” أدب و نقد ” ( الصادرة عن حزب التجمع بمصر ) منذ تسعينيات القرن العشرين ولها العديد من الترجمات و الملفات و الإسهامات النقدية والإبداعية بها على مدى سنوات إلى جانب إسهاماتها بمقال نقدي أسبوعى لأكثر من عام و ملفات و تحقيقات استقصائية متخصصة في أسبوعية ” أخبار الأدب ” الصادرة عن جريدة أخبار اليوم .

    شاركت في العديد من المؤتمرات الأدبية والمهرجانات الدولية للشعر مثال مهرجاني ” لوديف ” و “سيت ” بفرنسا و ” سيت ” بتونس و ملتقى الشعراء الطلبة العرب بتونس وملتقى آسفي الدولي للشعر بالمغرب ( أكثر من مرة ) و مهرجان ليالي الشعر العربي بالجزائر و شاركت بدراسة نقدية بالإنجليزية في مؤتمر ” رابندراناث طاغور : مبعوث الهند .. رؤيته للهند والعالم ” بالهند .

    تم إصدار ديوان للشاعرة باللغتين العربية و الفرنسية بتصميم جان نويل لازلو و تنفيذ كريستين فابر بورجوا و أتيلييه “فابر” ضمن مشروع “Lettres Capitales”

الذي تبناه الأتيلييه الفرنسي، إلى جانب دعوتها من الأتيلييه لتمثيل مصر شعريًا في الأمسيات المقامة ضمن فعاليات ” مارسيليا عاصمة للثقافة الأوروبية ” عام 2013 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى