مقالات

3 مجموعات شعرية.. من أجل أن يدخل الشعر حيّز التوصية/ مصطفى ديب

من السهل أن تجد عشرات التوصيات بروايات مختلفة، ولكن في المقابل لن تجد توصية واحدة بديوان شعر. الأمر ليس مزحة أو طرفة، والشّعر اليوم دائمًا ما يجد نفسه خاسرًا إذا ما دخل في منافسةٍ مع أي جنسٍ أدبيّ آخر، لا سيما الرواية التي تُهيمن على المشهد الأدبيّ العربيّ.

في هذا المقال، سنخالف السائد ونعرض ثلاث مجموعاتٍ شعرية تستحق أن تقضي وقتك برفقة واحدة منها، أو كلّها.

1-لأروي كمن يخاف أن يرى

بسّام حجّار (2009-1955) شاعر بمفردات قليلة. يقول الشّاعر اللبنانيّ الراحل ذلك في أحد حواراته النادرة جدًا، مُعبّرًا دون تردّد عن خوفه من الوفرة والاتّساع. مؤلّف “تفسير الرخام” كان يكتب الشّعر تمامًا كما كان يعيش حياته القصيرة نسبيًا، بأصدقاء قليلين، وكلام قليل، وعزلة طويلة لا نعرف أين تبدأ حدودها، ولا أين تنتهي أيضًا.

قدّم حجّار عزلته هذه بصورةٍ واضحة وصريحة، وكنمط وأسلوب حياة، في باكورته “مشاغل رجل هادئ جدًا” (1980)، ثمّ عاد ليكرّسها مثبّتًا مناخاتها في مجموعته الثانية “لأروي كمن يخاف أن يرى” (1985). يقول فيها، المجموعة: “اقتربي/ لم أعد جارحًا أو حنونًا/ لم أعد شيئًا، أنتظر انقضاء الوقت”.

بهذه القصيدة، نفهم أنّ الزمن، بمعنى نقص العمر الذي يُعبّر بالضرورة عن الخسارة، يشغل حجّار كما تشغلهُ العزلة. هكذا، يكون هاجسًا يُعبّر عنه في أوّل قصائد المجموعة؛ “الثلاثون”. يقول: “لم أقل أنّ الثلاثين عمر تافه/ أنّ ضجري من الهواة وأصحاب المهن/ يفوقه ضجري منكم/ من السّاعة التي تُرهق الحائط بالدوران (…) لم أقل أنّ أحدًا لا يفتقد/ رجلًا في الثلاثين/ عندما يخسر شيئًا من شعره/ وشيئًا من أسنانه/ وشيئًا من الجدار/ والنافذة/ (…)/ والثلاثون عمر تافه/ وضجري/ يدخل في عمر الأمثال”. هكذا كرّس بسّام حجّار نفسه شاعرًا يكتب بلغةٍ مقتصدة وعميقة، بعباراتٍ سهلة، لكنّها في المقابل مليئة بالمعاني، تلك التي وضعها الراحل كفخٍّ لقرّائه.

2- حياةٌ كسردٍ مُتقطِّع

مجموعة “حياةٌ كسردٍ مُتقطِّع” (2004) علامة فارقة في تجربة أمجد ناصر (1955) الشّعرية. يقول الناقد السوريّ صبحي حديدي إنّها نقلة مميّزة في تجربة صاحب “مديح لمقهى آخر”. مؤكّدًا أنّها “ذات أهمّية خالصة، ليس في سياق تطوّر تجربة أمجد ناصر الشّعرية الشخصية فحسب، بل على صعيد تطوّرات قصيدة النثر العربية المعاصرة بصفة أعم، وفي تفضيل مركزي بالغ الحساسية وشديد الإشكالية: هاجس الشكل إجمالًا، وقلقل الشكل الراهن تحديدًا”.

الشّاعر الأردنيّ نفسه قال في عن مجموعته: “لم يكن سهلًا تقبّل نصوص هذا الديوان باعتبارها قصائد، وقصائد نثر. لأنّ الشكل السائد لقصيدة النثر العربية له هيئة التفعيلة تمامًا. نثريتها عند من يكتبونها تأتي من غياب الوزن ليس إلّا. غير أنّ هذا ليس فارقًا جوهريًا يُميّز بين القصيدتين”.

بهذا المعنى، كانت المجموعة عتبة أولى لتوجّه أمجد ناصر نحو أراضٍ شعرية جديدة تمامًا، مقارنةً بما أنجزه سابقًا. مُغادرًا ما كان يشتغل عليه قبلًا من سماتٍ جمالية وأسلوبية وغيرها. انتقال مؤلّف “رعاة العزلة” نحو هذا الشكل من الكتابة لم يكن فقط تحرّرًا مما اشتغل عليه من أشكالٍ سابقة، وإنّما عبّر عن فهمٍ أكثر عمقًا من الشّاعر لقصيدة النثر، اختبر أو ابتكر بفعله بناءً جديدًا عبّر عن سأمه من البنية التقليدية السائدة، ملتمسًا الشّعر من الحياة اليومية الرتيبة والعادية. يقول: “نفسًا وراء نفسٍ تدفعني الأيام، لكن عيني ظلّتا ورائي تبحثان عن علامة تراءت

وأنا مستلقٍ ذات ليلة على سطح بيتنا في “المفرّق” أعدّ النجوم وأخطئ ثمّ أعدّها غير مبالٍ بالثآليل التي تطلع في يدي وتنطفئ”.

3- ليس للمساء إخوة

مجموعة “ليس للمساء إخوة” هي باكورة أعمال وديع سعادة (1948) الشّعرية. الشّاعر اللبنانيّ الذي أمضى جزءًا كبيرًا من حياته مُغتربًا وبعيدًا عن أرضه الأولى. وزّع سنة 1973 مجموعته هذه بنفسه في العاصمة اللبنانية بيروت مكتوبةً بخطّ يده، قبل أن تُطبع أخيرًا عام 1981. هكذا، فرض سعادة نفسه شاعرًا جديدًا، مُفترقًا أو سالكًا طريقًا آخر بعيدًا عن جيل مجلّة “شعر”، ليكون هذا الطريق، وفق الكثير من النقّاد، بداية زمن حداثة ثانية في قصيدة النثر.

قدّم وديع سعادة “ليس للمساء أخوة” بنضجٍ كبير، لتكون مجموعة خالية من عثرات وأخطاء البدايات. يقول في مطلعها: “في هذه القرية/ تُنسى أقحوانات المساء/ مُرتجفةً وراء الأبواب/ في هذه القرية التي تستيقظ/ لتشرب المطر/ انكسرت في يدي زجاجة العالم”.

اعتمد صاحب “بسبب غيمة على الأرجح” على التأمّل المتمهّل والهادئ أيضًا لكتابة مجموعته هذه، مُتّكئًا على معجمٍ يجمع الريف والطبيعة والقرية ومناخاتها معًا، مُنحازًا إلى الهامش وتفاصيله، مستفزًّا أسئلة الفرد المُهمل والبشر المتروكين لمصائر مجهولة، دون أن يهمل ذاته أيضًا. من جهةٍ أخرى، كان وديع سعادة يبني قصيدته من الوهم، مُستخدمًا الأخير كمادةٍ خام لقصيدته، هو الذي سبق وأن قال في أحد حواراته إنّ الشّعر بالنسبة إليه هو الوهم الجميل، وهم أن تخلق عالمًا جميلًا، غير هذا العالم الذي لا يُحتمل أساسًا دونه، أي الوهم.

الترا صوت

لتحميل الدواوين الثلاثة اتبع الروابط التالية

لأروي كمن يخاف أن يرى

http://maktabt-else7r.com/down/sa7eralkutub.com_5c61bf4265ac29.91465184.pdf

حياةٌ كسردٍ مُتقطِّع

 ليس للمساء إخوة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى