وجها لوجه

شيرين عبادي: نادمة على تأييدي لثورة الخميني وأشعر بالخجل من السوريين لدعم بلادي نظام الأسد


“الغرب دعم الملالي خشية من سيطرة الشيوعيين في البلاد والنظام يدعي أنه إسلامي ويفعل ما لا تقبل به الشريعة”

محمد جميح

ذهبت لموعد اللقاء مع المحامية الإيرانية الناشطة في مجال حقوق الإنسان في إيران، والحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلى القاعة التي حجزتها “إندبندنت عربية”، لإجراء المقابلة معها في أحد فنادق لندن. حضرت قبلها بدقائق، وبدأت ترتيب أوراقي، قبل أن تدخل ومعها سكرتيرتها التي انصرفت، على أن تعود نهاية المقابلة.

كنت أظن أن الدكتورة عبادي تتحرك بحماية الشرطة البريطانية، قبل أن تخبرني أنها رفضت الحماية، لأنها حسبما تقول “لا تحب التعقيدات، وتؤمن أن الأعمار بيد الله”.

جلسنا إلى طاولة صغيرة، وقلت لها: رأيتك في مقابلة تلفزيونية وأنت تتحدثين أنك كنت قاضية في إيران في زمن الشاه، ولكنك أيدت ثورة الخميني بعد ذلك، وفقدت وظيفتك بمبررات دينية ساقها رجال الدين الذين يحكمون إيران اليوم. هل تشعرين بالندم على تأييد “الثورة الإسلامية” في إيران؟

ردت الدكتورة عبادي: “أنا نادمة بسبب دعمي لثورة 1979، ليس فقط لأنني لا أستطيع أن أكون قاضية (في ظل حكمها)، بل بسبب ظروف إيران الحالية. للأسف تراجعت إيران على كافة الأصعدة. صحيح أننا قبل الثورة كنا تابعين لأمريكا والآن أصبحت هذه التبعية لروسيا والصين، وأغلب العقود الاستثمارية أبرمت مع هذين البلدين. قبل الثورة على الأقل كنا نتمتع بحريات فردية وشخصية، وإن لم تكن لدينا حرية سياسية. الآن لا توجد لدينا حريات سياسية، ولا حريات شخصية. وقبل الثورة كان الشعب أكثر رفاهية، لكن الآن للأسف أصبحنا أكثر فقرا”.

ولكي لا أفهم أنها تتحسر على نظام الشاه، قالت عبادي: “هذا لا يعني تأييدا لنظام الشاه، بل رفض للواقع الحالي. هذه الظروف لم تكن في الحسبان عند ثورة 1979 ولم يتوقع أي شخص أنها قد تحدث”.

قلت لها: ذكرت مرة أنه قبل الثورة بثلاث سنوات، لم يكن الخميني معروفاً في إيران. كيف-إذن- استطاع-وهو الذي لم يكن معروفا في إيران- أن يسيطر خلال فترة وجيزة على كل مقاليد السلطة والثروة في البلاد؟

ردت الدكتورة عبادي: توجد أمور كثيرة من بينها على كل حال أن الإيرانيين مسلمون، ومن جهة أخرى نحن لدينا حدود مشتركة كثيرة مع الاتحاد السوفيتي. والشيوعيون في إيران كانوا أقوياء جدا وكان الغرب يخشى من استيلائهم على السلطة إذا قامت ثورة في إيران لهذا كان الغرب موافقا على مجيء الإسلاميين إلى الحكم.

قاطعهتا: إذن الخميني كان مدعوما من الغرب لمواجهة الشيوعيين والاتحاد السوفيتي؟

ردت: نعم. وقبل أن تسترسل، قلت لها: تذكر المصادر أن الخميني صفى الكثير من المعارضين هل لك أن تحدثينا بشيء من التفصيل عن تصفية المعارضين الإيرانيين من بداية الثورة، وقتل 3 آلاف إيراني بعد الحرب مع العراق وعن قوائم الاغتيالات في إيران؟

قالت: كل من عارض الدولة، وبالأخص الذين ينتمون ويعملون في منظمات (حقوقية-سياسية) كانوا قد اعتقلوا ووضعوا في السجون. عدد منهم كانوا محكومين بالإعدام وعدد آخر كانوا محكومين بالسجن. وبعد الحرب العراقية أطلق النار عليهم جميعاً.

إعدام شقيق زوجها ضمن 3 آلاف شخص

مضت الناشطة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، تقول: أنا-هنا-أريد الحديث عن شقيق زوجي. اعتقلوه بعد الثورة بسنتين، وكان عمره ستة عشر عاما، في السنة الأخيرة من الثانوية. لم يكن عضوا رسمياً في منظمة “مجاهدي خلق”، لكنه كان مناصرا لها، وكان يبيع جريدة هذه المنظمة في المدرسة. وعندما كان يفعل ذلك كانت الجريدة-حينها-تنشر بحرية وتباع في الشارع، ولم تكن ممنوعة. فيما بعد عندما اختلفت المنظمة مع الدولة اعتقلوا كل المناصرين لها. شقيق زوجي أيضا اعتقل لهذا السبب، وخلال محاكمة لمدة خمس دقائق حكم عليه بالحبس لعشرين عاما.

قاطعت: أريد أن أفهم هل اعتقلوه بعد حظر منظمة “مجاهدي خلق” ومنع صحيفتهم؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن يعتقلونه حال مزاولته عملاً كان مشروعاً؟

ردت: وقت الاعتقال كان بعد أن حُظرتْ الصحيفة والمنظمة، لكن عمله كان قبل أن تمنع.

قلت: لماذا إذن اعتقلوه؟

قالت: لأنه بعد حظر “مجاهدي خلق”، اعتقل النظام كل مناصريها، هكذا فعلوا، وهذا الشاب حكم عليه بالسجن لعشرين عاما.  قضى بالسجن سبع سنوات. وفي سنة 1988 حاكموه مرة أخرى وتم إعدامه وأعطونا حقيبة واحدة متبقة من أغراضه، ومنعونا من إقامة مجلس عزاء لمدة سنة، ومُنعنا من إخبار أي أحد بما حدث. وقالوا لنا: بعد السنة، إذا طبقتم ما نقول سوف نعلمكم عن مكان دفنه (قبره). وتضيف عبادي أنه في تلك السنة-حسب كلام آية الله منتظري، نائب الخميني آنذاك، ورجل الدين البارز في إيران، أعدم أكثر من 3 آلاف في البلاد.

قلت: ما هي التهم؟

قالت: العمل ضد الأمن القومي.

عبادي: النظام صادر مني جائزة نوبل وكل ممتلكات أسرتي

وبينما تتحدث الدكتورة عبادي عن حسرتها إزاء تأييدها ثورة الخميني، كنت أفكر في معاناتها الشخصية على مدى سنوات طويلة من النظام، بسبب نشاطها الحقوقي، ودفاعها عن السجناء السياسيين والحقوقيين في بلادها، وسألتها كي تحدثني عن تفاصيل معاناة شخصية تعرضت له من قبل السلطات في طهران، كانت قد ذكرت بعض تفاصيله من قبل، قلت لها: معروف عن النظام الإيراني أنه يوظف الابتزاز الشخصي والسياسي لمعارضيه وسمعنا أنك مررت بشيء من هذا. هل للدكتورة شيرين عبادي أن تحدثنا ببعض التفاصيل؟

بدأت الدكتورة عبادي السرد بقولها: هجم رجال الأمن في عام 2009 على مكتب المحاماة الخاص بي وأغلقوه. اعتقل الكثير من زملائي وزميلاتي حيث تقبع أحداهن (نرجس محمدي) التي كانت نائبتي في ذلك المكتب حتى الآن في السجن. وكنت قد ذهبت في ذلك الوقت لمدة ثلاثة أيام إلى اسبانيا للمشاركة في مؤتمر. ولأنني لم أكن في إيران في ذلك الوقت ليعتقلوني، قاموا باعتقال شقيقتي وزوجي. وسجنا لفترة فقط لإجباري على ترك نشاطاتي في مجال حقوق الإنسان.

قاطعتها: هل هناك تهمة محددة وجهت لك؟

ردت: نعم طلبت محكمة الثورة استدعائي كمتهمة، بينما الاتهام لم يكن مكتوبا في ورقة الاستدعاء. لكن زملائي الذين اعتقلوا وجهت لهم المحكمة اتهام العمل في مركز “المدافعين عن حقوق الإنسان” (الذي ترأسه عبادي)، وكان ذلك ذنبي وذنب زملائي الذين كانوا في السجن. وبعد أن وجدوا أنني لم التزم الصمت بعد اعتقال شقيقتي وزوجي صادروا كل أموالي وباعوا ممتلكاتي.

قلت مقاطعاً: عفوا-على ذكر مصادرة الأموال-سمعت أنهم صادروا جائزة نوبل التي حصلتي عليها؟

قالت: كنت قد اشتريت وأثثت مبنى لمركز “NGO” (للدفاع عن حقوق الإنسان)، الذي أسسته، بمبلغ الجائزة، ذلك المبنى وكل الأموال الأخرى التي كنت أمتلكها من بينها بيت الأب صادروها وباعوها. ووجدوا ميدالية نوبل في الخزنة وصادروها. وعندما علمت حكومة النرويج احتجت كثيراً على الأمر، وبسبب الاحتجاجات الدولية، أعادوا لي تلك الميدالية. لكن كل الأشياء التي كانت موجودة في تلك الخزنة تمت مصادرتها، جمدوا حساباتي وبالإضافة لهذا رتبوا مؤامرة لزوجي.

المخابرات تنصب فخاً لزوجها

طلبت من شيرين عبادي أن تفصل في موضوع المؤامرة، وقبل أن تبدأ، تناولت الدكتورة عبادي رشفات من الماء، وقالت: كمقدمة يجب أن أقول إن الدولة الإيرانية تعلن أنها تطبق الشريعة الإسلامية وتعمل على هذا الأساس. لكنها تفعل ما لا تقبل به الشريعة الإسلامية على الإطلاق. من هذه الأفعال أن وزارة الاستخبارات الإيرانية تستخدم نساء بائعات جنس لأغراض سياسية. وضعوا واحدة من هؤلاء النساء في طريق زوجي، وعندما ذهب زوجي معها إلى إحدى الشقق تبين أن هذه الشقة لوزارة الاستخبارات. وفي غرفة أخرى كانت لديهم كاميرا تصوير، وعندما اقتربا من بعضهما ظهر رجل أمن يحمل الكاميرا في نفس المكان، ووُضعت القيود في يدي زوجي واقتادوه إلى السجن، وعندما أخذوا زوجي للسجن وضعوه في الزنزانة الانفرادية، ولأنه كان قد شرب الخمر ضربوه ثمانين جلدة تسببت في جروح واضحة في ظهره. وبعد عدة أيام أخذوه للمحكمة معصوب العينين، ولأنه حسب القانون إذا مارس رجل متزوج الجنس مع امرأة أخرى يعتبر زانياً وعقوبته الرجم، أخبرته المحكمة أن حكمه الرجم، وعندما قال لهم زوجي إنه يريد توكيل محام لدفاع عنه، قال له رئيس المحكمة ماذا يستطيع أن يقول المحامي؟ نحن لدينا فيلم مصور لك، وفي هذا الفيلم شاهدنا كل شيء، ولا فائدة من الدفاع. على كل حال حكموا عليه بالرجم. وأعادوه إلى السجن مرتين. وفي اليوم التالي جاء رجل الأمن نفسه الذي صور زوجي إلى السجن، وقال له إن أردت إلغاء هذا الحكم لديك خيار واحد، وهو أن تقف أمام الكاميرا وتقول ما نمليه عليك، وأعطاه ورقة كتبت عليها الاتهامات الموجهة لي، والتي كانت الجرائد الحكومية تتحدث عنها. وصوّر الأمن من هذا الشريط عدة مرات، وفي النهاية ظهر زوجي في الفيلم ليقول إنني لا استحق الجائزة، وإنها منحت لي من أجل إسقاط الحكومة الإيرانية، وإنني إنسانه عنيفة في البيت وتعاملي عنيف مع زوجي. وبثوا هذا الفيلم في المحطة الوطنية الساعة الثامنة والنصف مساء، وهو الوقت الذي يشاهد كل الناس في إيران التلفزيون. وقبل بداية البرنامج قال المقدم أيها الإيرانيون انظروا إلى المرأة التي تعتقدون أنها بطلة، إن لها وجها آخر أيضا. تعالوا تعرفوا على ذلك الوجه عبر حديث زوجها. ثم بثوا حديث زوجي، ولكي يشاهد الجميع هذا البرنامج أعادوه مرتين. ولازال هذا البرنامج موجودا في اليوتيوب. وفي الأسبوع التالي أفرجوا عن زوجي، لكن لسنوات أخرى كان ممنوعاً من الخروج من البلاد، وكانوا يستجوبونه باستمرار. يقولون له يجب أن تقول لزوجتك ألا تتكلم، لكن زوجي كان في كل مرة يقول إنها تقوم بعملها. كل هذه الأمور قالها زوجي لي عبر الهاتف عندما خرج من السجن. وكتبها لي أيضا في رسالة.

تدخلت لأسأل الدكتورة عبادي سؤالاً شخصياً، وقلت: عندما سمعت الاعترافات، وما جرى لزوجك وشاهدت الفيلم هل شعرت بالغضب أم تعاطفت مع زوجك؟ هل ترين أنه ضحية أم ترين أنه ارتكب خطأ؟

ردت على الفور: كنت أعلم تماماً أن زوجي ضحية مؤامرة، وقبل ذلك كان قد حدث لعدد من موكليّ شيء من هذا القبيل. وكنت أوصي كل مرة أن يتحدثوا بأعلى صوت عن هذا، كي يعرف الجميع كيف تتصرف الدولة الإيرانية. لكنهم كانوا يخجلون من ذكر هذا الموضوع، ولم يكونوا على استعداد لقوله. لكنني كتبت هذا الموضوع في كتابي الذي ترجم للغة العربية وأيضا أذكره في المقابلات. لكي يتجرأ الآخرون الذين يتعرضون لمثل هذه المواقف على الحديث. فطالما لا نتحدث نحن عن أمور كهذه، فإن رجال الأمن سيستمرون في فعل ذلك.

وتتساءل الدكتورة عبادي في سخرية: الآن سؤالي كإنسانه مسلمة: تقول الدولة الإيرانية دائما إنها تنهى عن المنكر. ولهذا السبب إذا ظهرت شعرة من رأس المرأة سوف تعتقل وتعاقب، وسؤالي للدولة الإيرانية عندما ترسلون امرأة إلى رجل لإغوائه، فهل هذا يعني النهي عن المنكر؟ وما هو معنى النهي عن المنكر لديكم؟

قلت لها: أنت ترين أنه وعلى هذا الأساس فإن النظام الإيراني ليس إسلاميا، هل ترين أن نظام الشاه كان أفضل من النظام الحالي لإيران؟

وترد الحقوقية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام: إذا أردنا المقارنة بي النظامين فإن نظام الشاه أفضل لأن ما كان يفعله لم يكن باسم الإسلام، إنه لم يعذب أحدا باسم الإسلام ولم يسرق باسم الإسلام. بالطبع سرقوا لكن ليس باسم الإسلام.

منفى اضطراري

قلت للدكتورة عبادي: بعد عودتك إلى إيران بعد استلام جائزة نوبل، استقبلك مئات الآلاف من الإيرانيين ويبدو أن اسمك بدأ يقلق النظام الإيراني حينها، بسبب هذه الجماهيرية الكبيرة التي تتمتعين بها. هل تعتقدين أن النظام الإيراني يخشى من اتساع جماهرية شيرين عبادي ولذلك عمد على تشويه صورتها؟

نعم-ردت-هذا أحد الأسباب وفي هذا الصدد أقول إنه في الدول المستبدة يتعرض الأشخاص الذين يعملون في مجال حقوق الإنسان للأخطار.

قلت: هل بعد كل هذه المضايقات وبعد وضعك على قائمة الذين يجب أن يتم اغتيالهم، هل لهذه الأسباب غادرت شيرين عبادي إيران؟

ردت: لا هذا كان قبل خروجي بفترة طويلة، ومن بعده أيضا تم تهديدي بالقتل، لكن سبب خروجي من إيران هو أنهم لم يكونوا يسمحون لي القيام بأي نشاط. وأغلقوا مكتبي وسحبوا رخصة المحاماة مني. هكذا أغلقوا كل الأمور في وجهي. سبب عدم ذهابي لإيران ليس الخوف من السجن، كنت قد سجنت سابقا في زمن الجمهورية الإسلامية، سجنت مرة واحدة لأنني قدمت شكوى ضد الشرطة بسبب مقتل طالب جامعي في حي الجامعة، وللأسف بدلاً من أن يعتقلوا الشرطي، وضعت أنا في السجن. ولمدة شهر وضعت في الزنزانة الانفرادية، ثم خرجت بوثيقة وحكم عليّ بالسجن سنة ونصف. لكن بسبب الضغوط الدولية وخاصة لأني كنت بريئة، أعادت المحكمة النظر في قرار الحبس وأبدلته بغرامة مالية.

قلت: هل كان هذا قبل جائزة نوبل أم بعدها؟

قالت: قبل جائزة نوبل.

واصلت الدكتورة عبادي حديثها: سبب عدم عودتي لإيران ليس الخوف من السجن، بل يجب أن أكون في مكان أستطيع أن أكون فيه مفيدة لبلدي. وفي السجن لن يصل صوتي لأحد. لكن هنا أستطيع الحديث بحرية عما يجري في إيران، لهذا السبب أسافر مرتين في السنة لكل أنحاء العالم وأؤلف الكتب وأقيم ندوات، لأقول ماذا يحدث في إيران.

قلت لها: هل حياتك في خطر هنا في لندن، بسبب تهديدات النظام الإيراني؟

قالت: نعم مرات كثيرة تعرضت للتهديد حتى لقد اقترح عليّ وضع حماية شخصية، ولكني لا أحب، كما أني اعتقد أن موت أي شخص بيد الله.

وسألتها: هل لديكم قائمة محددة بأسماء السجناء أو عدد محدد للسجناء السياسيين وسجناء حقوق الانسان في ايران؟

قالت: إحدى المشاكل هي أن إيران لا تعلن عن المعتقلين والمعلومات المتوفرة لدينا كلها عن طريق العوائل التي لديها الشجاعة لتتكلم، أو ممن تنشر أسماؤهم في الصحافة. رجال الأمن يخيفون الكثير من العوائل كي لا يتحدثوا، وحسب تقديراتنا يوجد في حدود ألف سجين سياسي وسجين عقيدة في إيران.

الملف الحقوقي…الضغوط الخارجية والإشكالات الداخلية

سألت الدكتورة عبادي: هناك اعتقاد أن الغرب لا يقوم بما يلزم للضغط على إيران بخصوص قضايا حقوق الإنسان، هل تعتقدين أن الغرب يقوم بما يلزم في هذا الخصوص؟

قالت: قبل أن أجيب على هذا السؤال أريد القول إن كتابي: Until We Are Free /إلى أن نكون أحراراً، ترجم للعربية من منشورات (دار الساقي) وفيه تحدثت عن زوجي، وإذا قرأتم هذا الكتاب سوف تطلعون بالتفصيل على كل شيء، وهناك كتابان آخران في هذا الخصوص.

وتحسين أوضاع حقوق الإنسان في إيران يعد مسؤولية تقع على عاتق الشعب، والدول الغربية تفكر في مصالحها الاقتصادية فقط. هل ترون كم باعت أمريكا والغرب والصين وروسيا من أسلحة بسبب إيران؟ لو لم يكن هناك قلق من إيران فهل كانت السعودية ستشتري هذا الكم من الأسلحة خلال زيارة قصيرة لترامب؟ هل ستشتري قطر هذه الكمية من الأسلحة؟

ولكي لا يظن القارئ أن الدكتورة عبادي ترى أن العداء الأمريكي الإيراني ظاهري، على اعتبار أن إيران تخدم الغرب بهذا الخصوص، قالت عبادي: إن العداء ليس في الظاهر فقط، بل هم أعداء حقا، لكن هذا العداء في مصلحة من؟ تجار الأسلحة، في الغرب وفي روسيا والصين يجب أن يبيعوا أسلحتهم، وخلال النزاعات بين الدول فإن تجار الأسلحة وحدهم هم الذين يربحون.

قاطعتها: يقول الإيرانيون إن ملف حقوق الإنسان في إيران مُسيَّس من قبل الدول الغربية لتحقيق أغراض سياسية، في إسقاط النظام. فهل تعتقدين أن هذا الملف في إيران يخضع للابتزاز السياسي؟

قالت: لا! ليس هكذا. كل الأحاديث حول حقوق الانسان موثقة وليست الدول الغربية وحدها التي تتحدث بل تقارير الأمم المتحدة تقول ذلك.

سألت شيرين عبادي: من منظار حقوقي هناك عدد من القوميات داخل إيران: العرب والبلوش والكرد والأتراك الأذربيجانيين والفرس بالطبع هل تعتقد شيرين عبادي من منظور حقوقي أنه من حق هذه القوميات أن تنال حق تقرير المصير والاستقلال؟

ردت علي بسؤال: ماذا تقصد بتقرير المصير؟ قلت: إجراء استفتاء على الاستقلال عن إيران كما تطالب بعض القوميات…

قالت: هذا لا أستطيع وحدي الإجابة عليه، لكني أعتقد أن أي شيء يحدث في إيران يجب أن يكون عن طريق الاستفتاء. كي يستطيع الناس الحديث بحرية عن معتقداتهم. لكن أستطيع أن أقول الآن إن الأقوام (الشعوب) الإيرانية مثل الأكراد والبلوش والأذريين-لسنوات طويلة-لم يستطيعوا تدريس لغاتهم وهذا أحد مطالبهم والعجيب أن الدستور الإيراني يعطيهم هذا الحق. فالدستور يجيز، لكن الدولة لا تعمل حتى بدستورها.

تدخل النظام الإيراني في الإقليم

ونحن نقترب من ختام اللقاء سألت الدكتورة عبادي حول شكوى جيران إيران العرب من مبدأ تصدير الثورة الإسلامية الذي أوجد خللاً في العلاقات بين إيران والدول العربية، واضطرابات في دول مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول. قلت لها: ما رأيك في ما يقال عن تدخلات إيران الإقليمية في الدول العربية بهدف تصدير الثورة الإسلامية؟

قالت: أنا أرفض بشدة تدخلات إيران في باقي الدول. هذا ليس في مصلحتنا الوطنية. إيران تصرف أموالاً طائلة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، في حين أن الشعب الإيراني بحاجة إلى هذه الأموال، وحسب حديث لوزير التربية والتعليم فإن أربعين بالمئة من مدارسنا تحتاج إلى ترميم وأصبحت بحالة خطرة. وفي هذه السنة اندلعت ثلاث حرائق في ثلاث مدارس، لأنها تستخدم سخانات النفط. ولو كانت تستخدم أشياء حديثة مثل سخانات الرادييتر (الغازية) فمن المؤكد أنه لن تقع مثل هذه الحوادث. وأنا استغرب لماذا بدلاً من أن تصرف هذه الأموال في بناء المدارس، يصرفونها لشراء الأسلحة ويرسلونها إلى الدول الأخرى. ليس في مصلحتنا أن نتدخل في شؤون الدول الأخرى. خاصة عندما نقف إلى جانب بشار الأسد الذي ارتكب كل هذه الجرائم. أنا كإيرانية أخجل من الشعب السوري لأن الدولة الإيرانية تقف إلى جانب بشار الأسد، وتساعده ليقتل الشعب.

قلت لها: يرى بعض العرب اليوم بأن نظام الشاه ربما كان انفع للمنطقة من حيث إن الشاه وإن كان خصما لبعض الدول العربية، إلا أنه خصم عاقل لكن النظام الحالي نظام مجنون. برأيك أيهما أقرب إلى إحداث نوع من الاستقرار في المنطقة، عقلية الشاه أم عقلية الخميني التي لاتزال سارية في إيران؟

قالت الدكتورة عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام: ذكرت سابقا أنني أرفض تدخل إيران في شؤون الدول المجاورة. إيران ليست فقط تتدخل في شؤون دول المنطقة، بل تتدخل في شؤون دول أفريقية. قبل عدة أعوام قطعت السنغال لفترة علاقاتها مع إيران، بسبب بواخر إيرانية كانت تنقل السلاح إلى جهات تقاتل ضد الدولة. ولا اعرف ما علاقة السنغال بإيران.

إيران تتدخل حتى في نيجيريا، باسم تصدير الثورة ينشطون. في مدينة قم توجد حوزة علمية باسم جامعة المصطفى، حيث يدربون الطلاب غير الإيرانيين ويرسلونهم إلى أماكن أخرى، هذه كلها ليست في صالح إيران. نحن يجب أن نصرف أموالنا لبناء المدارس والمستشفيات، وليس أن نشتري الأسلحة ونرسلها إلى الدول الأخرى

العقوبات الأمريكية

قلت للدكتورة عبادي: دعينا ننتقل لملف العقوبات الأمريكية على إيران: هل تعتقدين أن العقوبات يمكن أن تهز النظام أم أنها مجرد ضرر على المواطن الإيراني؟

قالت: أنا ضد العقوبات الاقتصادية على إيران لأنها تتسبب في إفقار الشعب. ومن جهة أخرى فإن أتباع النظام يستفيدون من هذه العقوبات، ويتحصلون على أموال قذرة كثيرة. هذه العقوبات زادت من الفساد الاقتصادي في إيران.

قاطعتها: هل تعتقدين أن النظام الايراني قابل للحياة والاستمرار، أم أنه سيسقط بفعل الضغط الاقتصادي، وما هي السيناريوهات التي يمكن أن نتخيلها لسقوط النظام؟

قالت: لا أعتقد أن الضغوط الاقتصادية ستنهي هذا النظام، لأنكم تعلمون أن لإيران أصدقاء. على أي حال الصين وروسيا والهند يتعاملون مع إيران ويشترون النفط، وإيران بلد غني ويستطيع الصمود. وفي ما يتعلق بكيفية إسقاط هذا النظام، فإن ذلك يتم فقط عن طريق الشعب الإيراني. أعني أن عدم الرضا يزداد لدى الشعب الإيراني يوما بعد يوم، لأن الدولة تمارس العنف. وفي الفترة الأخيرة في إحدى المدن الجنوبية الإيرانية (الشوش) خرج عمال أحد المصانع الذين لم يستلموا رواتبهم لعدة شهور للشارع، وتظاهروا لمدة شهر يطالبون برواتبهم. اعتقل الأمن عدداً منهم ومندوبهم باسم السيد بخشي الذي هو عامل شاب وناشط جدا خرج بعد أربعين يوماً بوثيقة (وقع عليها) وقال إنه تعرض للتعذيب بشدة.

شكرت الدكتورة شيرين عبادي على إتاحتها الفرصة لي، وقلت لها: هل تعتقدين أنك ستعودين إلى إيران؟

ردت بثقة: إن شاء الله اندبندنت عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى