سياسة

الإخوان المسلمون.. حقيقة موجودة وشماعة للتصنيف/ معتز مراد


شاء الله أن تكونَ لي تجربة مع عدة جماعات إسلامية بين عامي 2003 و2005 في سجن صيدنايا، منها جماعة الإخوان المسلمين، عندما اعتقلنا لمدة سنتين ونصف في قضية شباب داريا السلميين المعروفة للكثيرين.

معظم من التقينا معهم حينها من أعضاء الجماعة أو المتهمين بالانتماء لها، كانوا من السجناء القدامى الذين مضى على أحدهم أكثر من عشرين سنة.

ولكن رغم سنوات السجن الطويلة، إلا أنني لاحظت أن الحالة الفكرية والرؤية السياسية لم تتطور عند معظهم، فلم أرَ تلك المراجعات العميقة التي توقعتها ولا جرأة في طرح القضايا على اختلافها.

فتلاحظ نفس المقاربات ونفس الحلول المطروحة للمشكلات. ولا تجد من يقول “إلا من رحم ربي” إنه يجب ألا نكرر أخطاء معينة، لأنها كانت سبباً أو شماعةً، استخدمها نظام الأسد للوصول إلى ما نحن عليه.

حيث لازلت أذكر إلى اليوم تلك الأحاديث خلال “التشميسة” مع بعض الأصدقاء، وهم يؤكدون على سبيل المثال، أنّ الطريقة الأفضل لتغير النظام هي التي اتبعها الإخوان. مع أن المحاكمة العقلية تقتضي أن نسأل؛ كيف تكون تلك الطريقة في التغيير هي الأفضل، وقد حقق النظام انتصاراً كاملاً حينها، وحوّل سوريا كلها إلى ما يشبه المزرعة العائلية.

خرجت من السجن وعندي ما يشبه القناعة أنه يمكن للإنسان أن يتعرض للظلم والقهر لعشرات السنين، ولكن في المقابل قد لا يقوم بأي مراجعات حقيقية، في الفكر والدين والسياسة وأساليب التغيير. لأسباب ربما تحتاج الكثير من البحث والتحليل.

وعندما بدأ الربيع العربي في مصر وفي سوريا على وجه الخصوص، كان الإخوان المسلمون حاضرين بقوة. ففي مصر وحسب قناعتي، لو أنهم سلكوا عندما وصلوا إلى السلطة سلوكاً مختلفاً لما وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، ولما كانت حالُ بلاد الربيع العربي كالحال التي نراها اليوم، ولكنهم أرادوا الاستحواذ على كل شيء فخسروا كل شيء.

وهنا لا يغيب عن بالي دور الثورة المضادة وداعميها العرب وغير العرب ورغبتهم الشديدة في سحق الإخوان، ولكن اعتمد أولئك في كثير من خطواتهم وتحشيدهم للجماهير على سياسات غير حكيمة أبداً اتبعها الإخوان المسلمون، أساسها الرغبة في استحواذ كامل على أجهزة الدولة، وطرح ديني-سياسي مختلط وغير ناضج.

كذلك في سوريا زمن الثورة، كان الإخوان إحدى التشكيلات العاملة في المعارضة السورية، وكانوا بحكم القِدَم التاريخي قد نظّموا أنفسهم “نسبياً” أفضل من التشكيلات الأخرى، ولكن رغم قدرتهم التنظيمية مقارنة مع الآخرين، إلاّ أنّ سلوكهم كما يقول الكثير من المعارضين في الوسط السياسي، في المجلس الوطني أولاً ثم في الائتلاف السوري المعارض لاحقاً، كان سلبياً في مختلف محطات عملهم. حيث يقول هؤلاء إن الإخوان تبنوا رؤية مفادها، أن مصلحة سوريا تمر عبر مصلحة الجماعة تحديداً، وبالتالي فأية خطوة أو مشروع لايخدم مصلحتهم أو توجهاتهم هو بالضرورة لا يخدم مصلحة سوريا.

بالتالي يمكن لنا أن نخرج بنتيجة مفادها، أن أعضاء الجماعة بأشخاصهم وقياداتهم في مصر وفي سوريا، لم يقوموا بمراجعات جوهرية في الرؤية والعمل السياسي وأدواتهما الصحيحة، بما يحقق مصلحة الوطن أولاً ومصلحتهم ثانياً.

وربما نستطيع أن نذكر هنا مثالاً مغايراً، وهو مثال النهضة في تونس، التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين، ولكنها اليوم تُنَظِّر لشيء مختلف تماماً، استطاع حتى اللحظة حفظ تونس من مخاطر الفوضى والسقوط رغم كل الأزمات الداخلية التي تعيشها البلاد.

إلا أنّ ما بات يدعو للسخرية أو الاستهجان، هو تصنيف كل مخالف بالرأي أو التوجه أو المصلحة السياسية بأنه إخوان، ليكون ذلك مقدمة للتنفير والإقصاء. مع أنني لست مع إقصاء أي تشكيل من المشاركة في العملية السياسية طالما أنه يتبع الوسائل الديمقراطية الصحيحة.

فأينما ذهبتَ هذه الأيام تتفاجأ بتصنيفات من قبيل هذا إخوان، أو هذه المؤسسة يدعمها الإخوان. أو يسألك أحدهم: هل أنت إخوان؟! في حين يصعب علينا في حالتنا السورية أن نحدد كيف يكون المرء إخوانياً عندما يكون هذا الشخص أو هذه الجهة لا يتبعون تنظيمياً للجماعة، وبالتالي ندخل في محاولات كشف التوجهات وتخمين الممولين أو تحليل مخرجات العمل، حتى نتمكن من الفهم أو التفكير بطريقة أكثر عقلانية.

لاحقاً أصبحت هناك فوبيا مرتبطة بالإخوان. وبدأنا نسمع عن أمثلة تتهم المعارضين غير المسلمين أيضاً، ليصبح أحدهم على سبيل المثال مسيحيّا إخوانيّ الهوى. الشيء الذي يذكرنا بحكاية أحد المعتقلين المسيحيين في سجن تدمر، الذي اتهمته مخابرات الأسد الأب بأنه من الإخوان المسلمين رغم كونِه مسيحياً. الشيء الذي يعطينا مؤشراً أنّ  الكثير من السوريين قد ورثوا  ثقافة وسلوكيات النظام نفسه الذي خرجوا في مسعى لإسقاطه قبل ثماني سنوات.

ولكن كيف يمكن لنا أن نحدد إن كان ذاك الشخص أو تلك المؤسسة محسوبين على الإخوان، في الوقت الذي يحاول معظم السياسيين أن ينفوا تلك الرواية (ربما بسبب الثورة المضادة وحالة الحصار الدولي التي تتعرض لها الجماعة).

وهنا لابد أن أؤكد قناعتي، أنه إذا أرادت الغالبية العظمى من المسلمين في العالم العربي أن تمارس السياسة، فستمارسها كما مارسها الإخوان في مصر أو في سوريا، بسبب طبيعة التدين وشكله المنغلق في عالمنا العربي. ولأن الإسلام السياسي -إن صحت التسمية- يتمثل في الإخوان المسلمين في معظم دولنا. في حين يختلف هذا عن شكل الإسلام التركي على سبيل المثال، بتفاصيل قد تكون متقاربة أو متباعدة (وجود الموسيقا في حياة المسلم التركي وانسجامها مع الدين- إمكانية أن تكون المرأة مسلمة، تصلي، مقبولة في المجتمع وإن لم تضع الحجاب- علاقة الدين مع السياسة وفهم مصطلح العلمانية وقبوله شعبياً). هذه أمثلة  مهمة وأساسية في فهم الفارق بين شكل الإسلام في الثقافة العربية، وشكله في الثقافة التركية القريبة أو المتأثرة ربما بالإسلام الأوروبي.

لكن تزداد مسألة التصنيف صعوبةً في الحالات التي لايكون النشاط أو المنتج الخاص بجهة معينة، ينسجم والنظرة النمطية التي نشكلها عن عمل الإخوان أو توجهاتهم الفكرية والسياسية.

فعندما تسمي نشاطاتك بأسماء مقبولة للجمهور السني، ولا تجد في المؤسسة موظفين من غير السنة، أو لا تجد امرأة من دون حجاب، عندها يمكن ببساطة أن تقتنع أن هذه المؤسسة محسوبة على الإخوان.

ولكن إن وجدت مؤسسة أخرى تعتمد في نشاطاتها وبرامجها أسماء لم تكن مقبولة يوماً من الشارع السني كابن رشد مثلاً، أو الرازي طبيب العيون المتهم بالإلحاد ونكران النبوة في زمانه، وأسماء وطنية كرزان زيتونة ومشعل تمو ومي سكاف ومصطفى العقاد، وتجد في نفس الوقت أنها متهمة بموالاتها للإخوان أو بانتمائها لهم، عند ذلك يكون من العسير الوصول إلى نتيجة، خاصة عندما ينفي أصحاب مثل هذه المؤسسات تلك التهم، ويتحدثون عن أسباب لها علاقة بمنافسات وصراعات على السلطة.

نفس الشيء عندما يتم تصنيف حزب العدالة التركي على سبيل المثال، من قبل كثير من السوريين والعرب أنه إخوان، باعتبار أنه أعاد الآذان باللغة العربية إلى المساجد، وأعطى النساء حرية ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية والجامعات، في الوقت الذي نجد الرئيس التركي ينصح المصريين وقادتهم قبل ثماني سنوات، أن يعلنوا مصر دولة علمانية محايدة للأديان، تدعم كل مواطنيها بغض النظر عن المذهب أو القومية.

ولكن يصر السوريون وكثيرٌ من العرب على الاستمرار بقناعتهم نفسها. وهنا يمكنني أن أذكر كلاماً نُقِل عن أحد المسؤولين الأتراك جواباً على هذا السؤال، هل أنتم إخوان؟! فقال: نحن قرأنا كتب الإخوان، ولكن منذ عشرين سنة وضعناها على الرف وتابعنا المشوار.

في الختام، نستطيع القول إن الإخوانوفوبيا، هي نتاج ثقافة أساسها الجهل وضعف التجارب واستسهال إطلاق الأحكام، ودعاية الأنظمة المستبدة نفسها. هذه الثقافة التي تتطور بشكل بطيء نحو الأفضل، مع زيادة التجربة وتوسيع المدارك والانخراط أكثر مع تجارب شعوب أخرى مختلفة ومميزة.

فسنواتنا السابقة كان عنوانها التخوين والإلغاء والانشطار. في حين يجب أن تكون أهم علامات الفترة القادمة، وعي وانفتاح أكبر، ومحاولة النقاش من أجل الفهم وليس من أجل التصنيف. وربما أهم المعايير، المحاكمة على المنتج النهائي وليس على التخمينات أو المواقف المسبقة. ومن نافل القول أخيراً، إنه يتوجب على الأحزاب ذات الخلفية الدينية ألا تحتكر الحقيقة، وكأنها الحق المطلق والانعكاس الإلهي لمقتضيات ومقاصد الدين.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى