وجها لوجه

هاروكي موراكامي: الثقافة الأميركية لم تعُد مثيرةً كما كانت


هاروكي موراكامي، “أسطورة اليابان الحيّة” كما يلقّبه مواطنوه، من أكثر الكتّاب شهرة ومبيعاً حول العال،تُباع ملايين النسخ من رواياته المترجمة إلى أكثر من 50 لغة، وهو أحد أبرز المرشحين كلّ عام لنيل جائزة نوبل للآداب، ورغم أنه معروف بابتعاده عن الأضواء وعدم استجابته لإجراء حوارات أدبية، وافق مؤخّراً على استقبال صحافية من مجلة “البايس” الإسبانية الأسبوعية، خلال زيارته إلى الإكوادور قبل أسابيع قليلة، فأجرت معه حواراً حصريّاً مطوّلاً، كشف  من خلاله موراكامي عن بعض أسرار صنعته الروائية، وتحدَّث بوضوح وصراحة عن كثير من المواضيع الهامّة، مثل: سلطة الخيال، الغرابة، الماراثون، الثقافة الأميركية، الأبوّة، الزواج، الرغبة في خوض تجارب جديدة في الحياة وغيرها. في ما يلي ترجمة كاملة لهذا الحوار:

(*) تبدأ روايتك “مقتل قائد الفرسان” بحلمٍ مُفزع: فنّان يجد نفسه ملزماً برسم بورتريه رجَلٍ بلا وجه. هل جاءتك فكرة الكتاب على هذا النحو؟

لا. لقد أضفتُ هذا الاستهلال. كان أوّل ما خطر لي عبارة عن مشهد. منزلٌ بالقرب من البحر، على حافّة قمّة جبل: من الأمام يبدو واضحاً للعيان، ومن الخلف ثمّة غيوم دائماً. كتبتُ هذه الفقرات الأولى وتساءلت عمّا سيحدث لأنّه لم تكن لديّ أيّ فكرة عن ذلك. يحكي البطل قصّة زوجته الّتي انفصلت عنه حين قالت له إنّها لا تستطيع الاستمرار في العيش معه. يسافر بالسيارة إلى اليابان، وحيداً، ومذهولاً، دون أن يفهم ما يحدث، لكن بعد عدّة أشهر، سوف يعيره أحد الأصدقاء هذا المنزل.

أزمة ما بعد الثلاثين

(*) كثير من رواياتك تقدّم أبطالاً يعيشون أزمة ما بعد الثلاثين. ما هو المعنى الّذي تمنحه لهذه الفترة الزمنية من عمر الإنسان؟

في رواية “وقائع العصفور الآليّ”، وهي رواية مطوّلة عن سنوات التسعينيات، أسرد حياة شاب في الثلاثين تتغيّر حياته اليومية حين يختفي قطُّه، وبعدها تختفي زوجته. بدأت الرواية بضمير الغائب، لكنّي عدت إلى ضمير المتكلّم لأنّني أحسست أنّ ما أريد الإفصاح عنه يحتاج إلى حميميّة أكثر. لا أعرف لماذا أختار هذا النوع من الأبطال. ربما ما يهمّني هو هذا التحيّز الشخصي، هذا البحث عن المعنى وسط التردّدات. كما لو أنّنا، في هذه المرحلة من العمر،

“ما يهمّني هو هذا التحيّز الشخصي، هذا البحث عن المعنى وسط التردّدات. كما لو أنّنا، في هذه المرحلة من العمر، ندرك أنّنا ننتمي إلى الحياة”

ندرك أنّنا ننتمي إلى الحياة. إنّ مسلسل تطوّر هذا الانتماء هو ما يأسرني. خلال هذه المرحلة، لا نعُود فِتية في أوّل الشباب، وأيضاً لا نكون قد تقدّمنا كثيراً في السنّ. إنّه وضع مجّاني وهشّ في الوقت ذاته.

(*) مع ذلك، لا تشعر هذه الشخصية بحرّية كبيرة، أليس كذلك؟

إنّ أزمة البطل جذريّة: يرسم بورتريهات، ويعيش من ذلك، لكنّه لا يعرف ما طبيعة عمله. أن يكافح من أجل استيعاب ما يريد التعبير عنه، هذا هو بحثُه المصيريّ. تحكي الرواية أيضاً عن اكتشافاته باعتباره فنّاناً، عن حالته العقلية باعتباره مبدعاً.

(*) ما هي الألوان التي تستخدمها لرسم بورتريهك الشخصي؟

الألوان؟ عندما أكتُب، أفكّر في الموسيقى، ولا أرى أيّ لون. وأعتقد أنّ الجميع يستخدمون هذه الطريقة. إنّ شيئاً مماثلاً يحدث مع الأحلام. أنا لا أحلم، أو أنّني لا أتذكّر أحلامي على الإطلاق، رغم أنّ كتابتي تعجّ بالأحلام، فذلك لأنّني أتخيّلها فحسب. قال لي طبيبٌ نفسيٌّ صديق: “أنت تكتب، ليس مطلوباً منك أن تحلم”.

(*) هل سبق لك أن خضعتَ لحصّة من التحليل النفسي؟

لا، لا يهمّني التحليل النفسي، لكن كان يجب عليّ أن أسأله لماذا يعتقد أنّه ليس من الضروري أن أحلم. للأسف، لقد توفي منذ سنوات.

(*) هل تشعر بالحنين إلى حياتك قبل احتراف الأدب، أي إلى تلك الفترة التي كنتَ تدير فيها نادياً لموسيقى الجاز رفقة زوجتك؟

أفتقد ذلك العالم، وأفتقد الموسيقيين. لكن منذ أغسطس الماضي، أقوم بتنشيط برنامج إذاعي في طوكيو. أعمل منسّقَ موسيقى (دي جّي)، وقد استعدتُ أكثر شيء ممتع في تلك الفترة. أختار الموسيقى – الروك، البوب، الجاز – وأتحدّث عنها كما أتحدّث عن الأدب. كانت لديّ مخاوف في البداية، لكن “يوكو” شجعتني بهذه الكلمات: “يمكنك القيام بذلك. ستكون منسّقَ موسيقى بارعاً”. وها أنا أستمتع بذلك. إنّه لإحساس بالمتعة الخالصة.

أمنح من ذاتي كل شيء

(*) حين نشرتَ روايتك الأولى عام 1979، قمت بتغيير روتينك اليومي: توقّفت عن السهر والنوم متأخراً، وبدأت ممارسة رياضة الجري…هل كنت تريد من القراء أن يجاروا أعمالك بكامل لياقتهم الجسدية؟ (ضحك)

لا، أن يكتب المرء روايات طويلة مثل رواياتي يتطلّب مجهوداً مستمرّاً وممنهجاً. هو ليس بالعمل السّهل، فأنا أكتب مع إحساسٍ جسديّ بأنّني أمنح من ذاتي كلّ شيء، أقوم بتدبير طاقتي كما أدبّر  أنفاسي خلال سباقات الماراثون، وأحاول دائماً أن أقدّم شيئاً جديداً. أتمنّى فقط أن يستمتع القارئ بالكتاب. لأنّ هذا يقع على عاتقه.

(*) تستحضر رواياتك جميع الحواسّ. نجد فيها الموسيقى، الجنس، الطعام…أليس كذلك؟

أنا أحبّ الأشياء المادية. إذا كتبتُ عن شخص يحتسي البيرة، آمل أن يرغب القرّاء في

“أن يكتب المرء روايات طويلة مثل رواياتي يتطلّب مجهوداً مستمرّاً وممنهجاً. هو ليس بالعمل السّهل، فأنا أكتب مع إحساسٍ جسديّ بأنّني أمنح من ذاتي كلّ شيء”

احتسائها أيضاً. أريد أن أدمغ كتابتي بهذا الطّابع لأنّني أعتقد أن ردّ الفعل الجسدي أصيلٌ، ولا يمكن السيطرة عليه، وإذا تمّ إبرازه سيخدُم الحكاية.  لو أنّ شخصاً في الكتاب أصابه مرض، أحبّ أن يشعر القارئ بأعراض هذا المرض. إنّه الهدف من الحكاية.

(*) تكتب عن العزلة، العنف، الجنون، ما هو أصعب التحدّيات؟

الأصعب هو أن تجعل القرّاء يضحكون. لا أن تجعلهم يبتسمون، أتحدّث عن القهقهة بصوت عال. كثير من اليابانيين يقرؤون كتبي وهم واقفون في المترو أو في القطار، في طريقهم إلى مقرات عملهم، فينظر إليهم الناس الذين يقفون بجوارهم، وهذا ربما قد يكون محرجاً بالنسبة لهم. لكنّي أشعر أنّني حقّقتُ ما كنت أبحث عنه.

(*) لماذا هذا الأمر مهمٌّ جداً بالنسبة إليك؟

الضحك والبكاء هما أكثر العواطف شفافيّة. لكن من السهل أن تجعل الناس يبكون. عندما تضحك، يكون انتباهك مسترخياً. أنت هنا، وبين ما يقول الكتاب وما تشعر به توجد نقطةُ التقاء، إنسانيةٌ جسدية. أنا أحبّ الخوض في هذا الفضاء المشترك. أنا كاتب، وبطبيعة الحال لديّ آراء وأفكار أريد الإفصاح عنها، لكن من دون هذا المستوى الجسدي الجوهريّ، أي الضحك والبكاء، أعتقد أنّه سيكون من الصعب جداً أن أنقل إلى القارئ ما أريد التعبير عنه.

(*) “مينشيكي”، المليونير المتوحّد الذي يذكّرنا بشخصية “غاتسبي” في هذه الرواية، ألم يكن يفكر في الأبوّة قبل علمه بأنّ “ماري” يمكن أن تكون ابنته؟ كيف كانت تجربتك في هذا المجال؟

عفواً؟

(*) ليس لديك أبناء..؟

لا.

(*) هل ندمتَ على ذلك؟

(استغرق 30 ثانية قبل أن يجيب). لا، أنا لستُ نادماً على ذلك كثيراً. لكن عندما كتبتُ الرواية، فكّرت في إمكانية وجود ابنة. أردت أن أتخيّل ما يمكن أن يحدث لو كان لعشيقتي الأخيرة ابنة لا أعلم عنها شيئاً طيلة سنوات، كما هو الحال بالنسبة لشخصية الرواية. إنّه احتمال بعيد جداً، لكنّه قائم. إنّ كتابة الروايات هي السعي وراء الاحتمالات. لقد قمتُ باختيار ما، مثلاً، حين كنتُ في سنّ 31، وهو ما قادني إلى هنا. هذا ما أنا عليه الآن. لكن إذا اتّخذتُ مساراً آخر، لكان وضعي مختلفاً. أن ترسم هذا الاحتمال هو لعبةُ الخيال. أعتبر كتابتي خوضاً في هذه الحيوات المختلفة. كلّنا نعيش في ما يشبه القفص، ما يعني أنّنا لسنا سوى ما نحن عليه. باعتباري كاتباً للرواية، أستطيع الخروج من هذا القفص وأكون مختلفاً. هذا ما أفعله معظمَ الوقت.

(*) الهروب؟

أعيشُ أنايَ البديلة. هل أنا بطل الرواية أم أنا ذلك الشخص الآخر “مينشيكي”؟ كان من الممكن أن أكون أنا، وفي هذه الحالة سوف أستغلّ أحداث حياتي لخلق الشخصية، ولكن هذا مجرد

“لستُ نادماً على عدم الإنجاب كثيراً. لكن عندما أكتب، فكّرت في إمكانية وجود ابنة. أردت أن أتخيّل ما يمكن أن يحدث لو كان لعشيقتي الأخيرة ابنة لا أعلم عنها شيئاً طيلة سنوات”

احتمال بالنسبة لي. إنّ عمل الروائي هو إطلاق العنان لخياله. إنّه أمر رائع، وأنا أستمتع به منذ 40 سنة وأظنّ أنّني أستطيع القيام به لعقد آخر من الزمن.  حين لا أكتب قصصاً، أكتُب مقالات أو أُترجم. على أيّ حال، أنا أكتب كلّ يوم. إذا لم أكتب في يوم من الأيام، لا أعتبره يوماً جيّداً.

(*) هل لبلوغك سنّ السبعين أهمّية خاصّة بالنسبة إليك؟

لا أشعر بأيّ شيء خاص، لكنّي لا أندم على ذلك أيضاً. لقد ارتكبتُ أخطاء، مثل أيّ شخص آخر، لكن ما حصلَ قد حصل. البراءة أمرٌ لا مفرّ منه، بهذا المعنى أنا شخصٌ مؤمنٌ بالقدر. لقد سألتني ما إذا كنتُ نادماً لكوني لم أنجب أطفالاً، وهذا حدَث بالفعل. لا أستطيع فعلَ شيء حيال ذلك. أتقبّل ما حدث لي، ربّما بشكل مختلف عن الآخرين. أعيش وأكتب رواياتي انطلاقاً من هذا القبول. إنّه أمر مهمٌّ بالنسبة لي.

أخاف أن أتقدّم في السنّ

(*) هل تتقبّل مخاوفك أيضاً؟ ما الذي يثير خوفك؟

أن أتقدّم في السنّ. لا أعرف ما طبيعة هذا الوضع أو ما الذي سينتج عنه، لأنّه تجربتي الأولى (يضحك). لكن لديّ بعض الفضول، وهذا أقوى من الخوف. أحبّ أن أرى ما سوف يحدث لي. لقد خضتُ سباقات الماراثون منذ 36 أو 37 سنة. لكن مع تقدّمي في السن، ازداد وضعي سوءاً. لقد صرتُ أبطأ في كلّ مرّة. ليس الأمر خطيراً، لكن أريد أن أعرف كم تبقى لي من الوقت لأركضَ واستمتع بذلك. كثير من الأصدقاء غادروا المضمار لأنّ الأمر صار مُحبِطاً. أما أنا، فبقيتُ. إنّها الحياة، وأريد أن أعرف كيف ستسير الأمور مستقبلاً، وما سوف يحدث لي. وهذا أمرٌ مثيرٌ بالنسبة لي.

(*) تمّ تحويل بعض من قصصك إلى أفلام. ما رأيك في أن يروي الآخرون قصصاً تخيّلتها أنت؟

إنّها لم تعُد قصصي، وهذا يشعرني بعدم الارتياح. أحبّ الأفلام، لكنّي أحاول أن أبقى بعيداً عمّا يجري داخل قصصي.

(*) أحدث هذه الأفلام، بعنوان “Burning”، من إخراج لي تشانغ- دونغ، قام بتقديم صورة عن “سُعار الألفيّة”. هل تشاطرونه هذه الفكرة؟

لم أشاهد الفيلم بعد. عندما كتبتُ قصة “Burning Barns”، كان أوّل ما تبادر إلى ذهني هو العنوان. تخيّلتُ أيّ نوع من القصص يمكنني كتابتها انطلاقاً من هذا العنوان الذي أرّقني طويلاً، وهنا ظهر مشهدُ شابٍ مع سيارة مستورَدة. كلّ شهرين، يُضرم النار في حظيرة سيارات أجنبيّة، ويروي ذلك لكاتبٍ وهو يدخّن سيجارة حشيش. لقد اخترعتُ حكاية قادرةً على ملءِ هذه الصورة. لم أقترح تفسيراً للغضب أو العنف. بالنّسبة لي، كانت تلك مجرّد كلمات. وهكذا يحدث الأمر دائماً.

(*) هذه القصة من ضمن قصص مجموعتك “الفيل يتبخَّر”، وهي كتاب فخم إلى درجة مثيرة للارتباك. هل تسحرك الأشياء الغريبة؟

الحياة غامضة، وبعض الأشياء الّتي أرويها ربما تبدو غريبة للآخرين، لكنّها تبدو طبيعية بالنسبة إليّ. أن تتّخذ روحٌ شكلَ وجهٍ في لوحة، أو أن توجد شخصيات تخرج من الظلال، فهذه أفكارٌ معتادة في حياتي، أقصدُ على سبيل المجاز. بصفتي راوياً، أفكّر على مستوى الحكاية. الأطفال يعيشون ذلك بكلّ بساطة. حين تكون طفلاً، وتصادف في كتاب شخصاً يخترق الجدار، تجد الأمر طبيعيّاً. الكبار يقولون: “هذا أمرٌ غريب”. أنا شخص عجوز تقريباً، لكنّي ما زلتُ أعتقد أنّه بالإمكان اختراق الجدار، وآمل أن يصدّق القارئ ذلك أيضاً.

(*) لنعد إلى موضوع الحب والزواج في قصصك. ما الذي يجعل أيّاً منهما غير كافٍ؟

لا تهمّني كثيراً العلاقات الأُسرية، لكنّي أستكشفُ كلّ ما قد يحدث بين رجل وامرأة. إنّها علاقة مميَّزة جداً. وربّما الأكثر أهمية. لا يمكنك اختيار والديك أو أولادك، لكنّك تستطيع أن تختار

“حين صرتُ كاتباً، خلال عقود من الزمن، لم أقُم بممارسة أيّ عمل آخر. عادةً لا أظهرُ في الأماكن العامة، لا أُجري حوارات ولا أحضر أبداً في برامج التلفزيون أو الإذاعة”

شريكَ حياتك ويجب أن تكون مسؤولاً عن اختيارك. أنا متزوّج منذ 47 عاما بزوجتي يوكو. وهي أوّل قارئةٍ لكُتبي. لماذا اخترتُها؟ لقد فكّرتُ مليّاً في هذا الأمر، ولم أعثر على جوابٍ حتّى الآن.

(*) أثّرَت الثقافة الأميركية على جيلك بشكلٍ حاسم. ما رأيك في المشروع الّذي يقوده دونالد ترامب؟

كنتُ مراهقاً خلال الستينيات. وآنذاك كانت الثقافة الأميركية مثيرة، ومتدفّقة. حدثَ كلّ شيء خلال هذه العشرية، انتشَرت موسيقى الجاز، الرّوك، الأدب والبوب. لقد استوعبتُ كلّ ذلك، وأنا أعترف بالجميل. لكن الثقافة في الولايات المتحدة الآن لم تعُد مثيرة كما كانت في السابق. صحيح أنّني أهتمُّ بالسياسة، لكنّني أكتب الرواية. ولا يمكنني الإدلاء بتصريحات من نوع آخر.

(*) هل أنت مندهش من نجاحك العالمي؟

أريد منكِ أن تفسّري لي هذا الأمر! لقد حدثَ هذا خلال العشرين سنة الأخيرة. أشعرُ بالرّضى، لكنّه أمرٌ يحدث للآخرين أيضاً. أستمرُّ على نهجيَ السابق: أكتبُ في الصباح، من أربع إلى خمس ساعات، العددَ نفسه من الصفحات، وحين أنهضُ من مكتبي أريدُ فقط أن أعرف إلى أين سوف تأخُذني الحكاية. لهذا السبب، أعود إلى الكتابة في اليوم التالي.

(*) قال لي صديق ياباني إنّهم يعتبرونك “أسطورة حية” في بلدك اليابان. ما شعورك حيال ذلك؟

(يضحك) حسناً، أنا لستُ عجوزاً جداً. حين صرتُ كاتباً، خلال عقود من الزمن، لم أقُم بممارسة أيّ عمل آخر. عادةً لا أظهرُ في الأماكن العامة، لا أُجري حوارات ولا أحضر أبداً في برامج التلفزيون أو الإذاعة. لقد كتبتُ مؤخّراً أنّني غادرتُ بلدي لسنوات طويلة. عشتُ في الولايات المتّحدة وفي أوروبا. النّاس لا يعرفونني كثيراً في اليابان. في سنّ 69، أظنُّ أنّه من الجيّد أن يقوم المرء بشيءٍ جديد، لهذا قرّرتُ أن أصير منسّقَ موسيقى (دي جّي). أعتقدُ أنّ كلّ هذا يثير فضول الناس. وقد يكون غامضاً بالفعل. لكن أن يكون أسطورياً، فيبدو لي أمراً مبالغاً فيه.

المتعة الخالصة للكتابة غاية حياتي

(*) هل تعلم أنّ اسمك يحضر كلّ عام على قائمة المرشحين للفوز بجائزة نوبل للآداب؟

الأكاديمية السويدية لا تنشر لائحة أسماء المرشّحين النهائية. إنّما هي تكهُّنات الناشرين ولا تهمُّني في شيء. لكنّني سعيد بالاستحقاق الّذي حصل عليه “ديلان” و”إيشيجورو”، لأنّني أقدّر أعمالهما. الكتابةُ مثل الهواء بالنّسبة لي. تسرُّني هذه المتعة الخالصة للكتابة وما تثيرُه من فرح، إنّها الغاية من حياتي. أنا سعيد بذلك. وما تبقّى ليس مهمّاً جداً.

*****

*أجرت الحوار راكيل غارثون، ونُشر في مجلة “البايس” الأسبوعية الإسبانية يوم الفاتح من فبراير/ شباط 2019.

ترجمه عن الإسبانية: نجيب مبارك.

المترجم: نجيب مبارك ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى