مقالات ونصوص سينمائية

هل يمكن متابعة أفلام جيدة فنيا ومستقلة على الإنترنت؟/ سليم البيك


قبل الحديث عن منصات المشاهَدة على الإنترنت، (الستريمينغ)، لا بد من التأكيد على أنها ليست – أبداً- بديلاً عن المشاهدة السينمائية، فهي ليست سينما بل هي أفلام. شروط المشاهدة السينمائية هي الأمثل لتلقي الفيلم، وتزداد ضرورة توفر تلك الشروط كلما كانت جودة الفيلم أعلى، كلما كان عملاً فنياً أكثر من كونه منتَجاً تجارياً. فالمشاهدة عبر شاشة اللابتوب أو التلفزيون من خلال هذه المواقع، التي سأبدأ بتعدادها خلال أسطر، تُفقد الفيلمَ العديد من أسباب جمالياته، لكنها مُشاهدة الضرورة، لنقُل.

إضافة إلى السينما وصالاتها وليس بديلاً عنها، المشاهدة المنزلية ضرورية كذلك، في أمسيات لا يود أحدنا فيها الخروج من البيت، أو لرغبة في مشاهدة أفلام بعينها (الكلاسيكية خاصة) غير متوفرة أثناءها في الصالات – وهذا سبب أساسي – أو لأفلام تُشاهد أثناء تناول العشاء أو نفض الغبار عن كتب ورفوف.

ثم، لنتفق أولاً على رفض كل مواقع القرصنة، لأسباب أخلاقية ومبدئية. لنتفق ثانياً على أن Netflix (و CanalPlay و Amazon Prime Video ومثيلاتها) ليست خياراً، فهي شبكة ترفيهية تقدم، إضافة إلى البرامج والمسلسلات، الأفلام والحديثة منها تكون من إنتاجها ولا تُعرض خارج الشبكة، وتحديداً ليس في صالات السينما، وهذه كانت نقطة خلاف أساسية بين الشبكة ومهرجان كان السينمائي عام 2017 (وبين سلسلة سينمات Vue وحفل جوائز البافتا في بريطانيا قبل أيام)، وقد حسمها المهرجان الفرنسي في دورة عام 2018 بأن رفض استقبال أفلام «نتفليكس»، وحسناً فعل. لنتجنب إذن خدمات الترفيه العائلية هذه في الحديث عن الأفلام.

هنالك نوعان من المشاهدة المنزلية عبر الإنترنت، الأول هو الاستئجار ومعروف بالـ VOD (فيديو على الطلب) وهي عديدة – بل متوفرة في كل ما سيُذكر من مواقع أدناه – قد يكون الأشهر منها YouTube و Vimeo و iTunes وغيرها العديد من المواقع، ومنها غير المخصصة لذلك، كشركات الإنتاج والشبكات التلفزيونية، وحتى شركات الاتصالات، وهذه جميعها تركز على أفلام تجارية/ترفيهية ليست ما يبحث عنه السينيفيلي، محب السينما. لندخل مباشرة في ما يهمنا، وهو النوع الثاني، وهي المواقع المتخصصة بالسينما.

نبدأ بموقع ARTE Boutique، التابع لموقع قناة «آرتي» الثقافية الفرنسية الألمانية التي تفرد للسينما مساحة أساسية، فالأفلام المعروضة هنا فنية ومنتقاة جيداً عموماً، وهي مشاركة في مهرجانات أو ساهمت «آرتي» في إنتاجها. قد لا تكون متاحة في جميع البلدان لكنها الأنسب لمن يود الاستئجار ومشاهدة أفلام جيدة. والموقع يعرض من هذه الأفلام بشكل شبه يومي على موقعه، مجاناً ولوقت محدود، وهي الأفلام التي تعرضها القناة التلفـــــزيونـــية، وكثيراً ما تكــــون مرتبطة بمناسبة ما كمهرجان أو ذكرى أو استعادة.

هذه المواقع والعديد غيرها تقدم خدمة الاستئجار بسعر يصل إلى 6 دولارات، ولمحبي السينما سيكون دفع بضع دولارات لكل فيلم خياراً مستبعداً (لنتذكر أننا نرفض المواقع التي تسطو على الأفلام وتقرصنها وتقدمها مجاناً)، فمشاهدة الأفلام لدى هؤلاء ليست فعلاً استثنائياً ضمن يومهم/أسبوعهم. لذلك سيكون الأنسب هو الاشتراك الشهري/السنوي ضمن مواقع تقدم هذه الخدمة. من هذه المواقع – إضافة إلى موقع قناة «آرتي»- موقع تابع للمعهد البريطاني للأفلام، BFI Player، وهو متاح في بريطانيا وحسب، وهذه خسارة لمحبي السينما خارجها، لطبيعة الأفلام المتوفرة فيه، فالمعهد يصدر إحدى أفضل المجلات السينمائية المتخصصة في العالم، «سايت آند ساوند».

وفي الولايات المتحدة وكندا فقط، ستطلق شركة التوزيع المنزلي Criterion Collection قناتها الخاصة في إبريل/نيسان هذا العام، بدون معلومات كافية عن الخدمة الجديدة، إنما النسخ التي تطلقها «كرايتريون» من الدي ـ في ـ دي ونوعية الأفلام لديها قد يجعل أحدنا متحمساً لمعرفة المزيد عن «كرايتريون تشانيل».

قد يكون الموقع الأكثر انتشاراً، عالمياً، للاشتراكات ومشاهدة الأفلام هو Mubi، يضيف الموقع فيلماً كل يوم ويبقى متاحاً لثلاثين يوماً، وهو موقع سينمائي شامل، فلا يكتفي بعرض أفلام، بل يقوم بانتقائها بشكل يختلف من منطقة لأخرى، إذ تتم أقلمة المحتوى مع المكان، كما أنه يقيم عروضاً استعادية تتعلق بموضوع أو مخرج أو مناسبة كمهرجان سينمائي ما.

أهم ما يميزه هي طبيعة أفلامه، فهي أفلام فنية، كلاسيكية ومعاصرة، أفلام بجودة عالية في معظمها، ومشاركة في مهرجانات. يقدم الموقع كذلك قاعدة بيانات قد تكون من بين الأوسع على الإنترنت للسينما العالمية الفنية والجادة (بخلاف IMDb الأمريكي و Allocine الفرنسي المعنيين بأفلام ترفيهية وتجارية)، يوفر «موبي» معلومات عن الأفلام ومقالات وتعليقات المشاهدين، فالموقع هو من ناحية مرجع معرفي في ما يخص السينما العالمية، بدون سيطرة للأفلام الأمريكية على محتواه، ومن ناحية أخرى منصة جيدة لمشاهدة أفلام فنية ومستقلة من كل العالم.

موقع آخر مثير للاهتمام (أو الأكثر إثارة للاهتمام) هو Lacinetek الفرنسي، وقد يكون أكثر ما يبحث عنه محبو السينما (السينيفيليون). هو موقع فرنسي (متوفر في فرنسا، وقبل أيام بدأ نسخته الألمانية) أكثر «جذرية» من سابقه في اختيار أفلامه، هي أفلام انتقتها مجموعة كبيرة من المخرجين في العالم، إذ يختار كل منهم أفضل خمسين فيلماً لديه، وهي أفلام من القرن الماضي وحسب، ويقوم الموقع بعرض عشرة أفلام منتقاة من عموم ما تم اختياره من قبل المخرجين، ويكون الانتقاء حسب ثيمة محددة تشترك فيها الأفلام العشرة، مع فيديوهات إضافية كمقابلات وتعليقات ومواد تخص الأفلام وصانعيها.

هو وموقع «موبي» يعرضان أفلاماً ليست ابنة سنتها، فالجدة ليست عنصراً في اختيار الأفلام، بخلاف المواقع المذكورة أعلاه غير المتخصصة بالسينما، التي تهتم أساساً بأفلام كانت مؤخراً أو لاتزال على واجهات صالات السينما.

الأفلام التي ينتقيها «لاسينيتيك» ويعرضها هي في عمومها أكثر فنية وجودة وتجريبية وتأثيراً في تاريخ السينما من بقية المنصات، وقد يكون الخيار الأفضل لمحبي السينما ممن قد لا يحتاجون لثلاثين فيلماً شهرياً (فمكان المشاهَدة الأول هو صالة السينما) كما هو الحال مع «موبي»، بل عشرة أفلام تكون بمعظمها أفضل من تلك، وهو بتكلفة اشتراك شهري/سنوي أقل، وبما قد يكون عائقاً أساسياً هو أن الترجمة للأفلام متاحة بالفرنسية فقط.

ليست هذه هي كل المنصات المتوفرة التي تقدم خدمة الاستئجار، أو الاشتراك لمشاهدة الأفلام منزلياً (كتبتُ أسماءها بالإنكليزية لإتاحة البحث والوصول إليها)، بل هي ما أراها الأنسب من غيرها، أو الأوثق، وبعضها الأكثر شهرة وحسب. أفضلُها برأيي أقلها شهرة وهو «لاسينيتيك» (أو «موبي» لدى البعض)، لكن الأفضلية تبقى مسألة تتعلق باهتمامات كل منا وبمدى تردده على الموقع للمشاهدة، فهذه المواقع تبقى خياراً تالياً، والأولوية تبقى دائماً لصالات السينما، حيث لا يأخذ الفيلم حقه، كعمل فني، في التلقي لدى مُشاهِده إلا فيها.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى