الناس

الحالة تعبانة يا ليلى/ أحمد عمر


أخبرنا أحد أعضاء لجنة تحكيم القصة أنَّ القاص فلان ظُلم، وأنَّ قصته رائعة، وأنَّ زميلهم وليد ظلمها، وأقرَّ وليد بإلحادٍ وظلم، فقال: أي قصةٍ تبدأ بفعل “كان” يجعلها حكاية وتستحق الإعدام والإهمال.. ولنا صديقٌ كاتبٌ أخبرنا، في سهرةٍ، بعد أن طلب القهوة، وكنا ضيوفاً عنده، فاعتذر أحد الأصدقاء عن شرب القهوة، وأحد الاصدقاء هو كاتب السطور، فقال صديقنا المضيف: القهوة حبر الكتّاب. كل كاتبٍ لا يشرب قهوةً لا يعوّل عليه، فقال المتهم: لا الطبري ولا الجاحظ ولا ابن عبد ربه ولا ابن الأثير كانوا يشربون القهوة، وثلاثة أرباع الشعب يشربون القهوة، وليسوا كتّاباً، ولا أعرف إن كان القاص القذافي يحبُّ القهوة؟ حاول أن يفاوض الكاتب الضيفُ المضيفَ، وأن يحصل منه على تنازل لضم شرّاب الشاي الأكرك عجم إلى نادي الكتّاب، ووضعهم في منزلةٍ بين المنزلتين، لكن المضيف كان لآيات ربه عنيدا، ولم يبدّل رأيه. وحمد الضيف ربّه، وهو كاتب السطور، أنَّ المضيف لم يطرده من البيت. وكان الأفغان يعيبون على تيسير علوني أنَّ لحيته أدنى من قبضة اليد، لكنه نجا من الحد، لأنه ضيف. وقال أكثر كاتب عشتاري وخنفشاري في سورية وسائر المشرق: إنَّه لن يقبل صداقة محجّبة. ويقال: إن النمل يهرب من قشر الخيار، ضع قشر الخيار على أوتوستراد النمل، ويولي الأدبار. الخيار مفيد للجبنة أيضاً.

وبالأمس شهدنا حلقة اتجاه معاكس في “الجزيرة” بين ثلاثة من أفضل المبارزين بفنِّ الجدال والقتال بالحجّة، وهم محمد القدوسي ومحمود إبراهيم وغادة عويس، وكنت أظنُّ أنَّ البرنامج سيَضعُف في عصر حرب الجميع على الجميع في “تويتر” و”فيسبوك”. ولا أعرف كيف ترك محمد القدوسي محمود إبراهيم ينجو بجملته الشنعاء، وكان القدوسي قد عاب على قضاة مصر الجدد، جهلهم باللغة، وهي أداة القضاء الأولى، فاستشهد محمود إبراهيم بالمثل الصيني: المهم ليس لون القط بل أن يصيد الفئران. وتوقّعت أن ينبري القدوسي له، ويقول: خسئت، أبناء الشعب المصري ليسوا فئراناً، وحاشا للقضاة أن يكونوا هررة، ونحن لسنا حيواناتٍ، يا بتاع العسكر.

تباهى مفكر سوري كبير جداً، إكس لارج، أنه لم يلق تحية “السلام عليكم” مرة واحدة في حياته، منذ أن بلغ السعي، فسألته كيف تحيّي الناس، يا أستاذنا، فقال: مرحبا، وصباح الخير، وطاب يومك، فقلت: ولكن السلام عليكم أشمل وأكرم، وتشمل جميع الأوقات، فقال: ولكنها تحية أيديولوجية (من يد)، فقلت في نفسي: هذا ورب الكعبة رأي قدميلوجي (من قدم). وفي قصة التاجر والعفريت، يأكل التاجر التمر، ويرمي النوى، فيظهر له عفريت، ويتهمه بقتل ابنه، لقد مات ابن المارد بقذيفة نواة تمر أس 400، والحكاية معروفة. وكان محلل سياسي سوري يقول عن الثورة السورية إنها ليست ثورة، فشرط الثورة أن تكون في ميدان واحد، وأن تكون حكومتها قد عملت “كامب ديفيد” مع العدو. الشعوب تتظاهر فقط ضد الحكومة الخائنة، وهذان الشرطان ليسا متوفرين في الثورة السورية، ولا الخلُّ الوفيُّ طبعاً.

ولا صواب لرأي من يقول: إن أي دولة رئيسها فوق السبعين لا يعوّل عليها. هذا ليس عدلاً، ما دام قد اختير من شعبه، والشعب راضٍ به، سواء كانت جمهورية أو ملكية، خذ مثال رئيس ماليزيا محاضر محمد.

أمس، زارتني جارتي الألمانية، مع كلبها الأسود الحقير الذي هجم عليّ، فلجأت إلى ربوة ذات قرارٍ غير مكين. اعتذرت مني الجارة، وقالت: كلبي يهجم على كل شخصٍ يضع على رأسه قلنسوة. لا بأس أن تكون للأشخاص أحكام “يا أنا يا خالتي”، لكن المشكلة إذا عملت الدولة مثل كلب جارتي. الطامة والحاقة والقارعة أن تكون الدولة صاحبة مزاج، وتعمل مثل الكاتب العشتاري، وتقول للمواطن إذا تألم أو تأوه: أوهن روح الأمة، أضعف الشعور القومي، نشر أخباراً كاذبة، ثم تقوم بإعدامه بعد تحويل الحكم إلى المفتي.

وفي الحديث المرفوع: مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ مِسْكِينٌ رَجُلٌ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ، وما أجمل هذا الكلام، والشرع يسمح بأربع، بشرط العدل والقدرة من غير فياغرا أو قروض، والقانون يجعل زواج الواحدة مستحيلاً، فالمهور عالية، والبيوت غالية، والحالة تعبانة يا ليلى، ونحن دراويش.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى