سياسة

السياسات التركية في سوريا -مقالات مختارة-


هل تطيح أزمة صواريخ S400 بالعلاقات التركية – الأميركية؟/ بكر صدقي

كرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمسك بلاده بصفقة الصواريخ الروسية S400 في أكثر من مناسبة. وكذلك فعل وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، مقابل إثارة الأميركيين لهذا الموضوع، في كافة اللقاءات الثنائية التي تمت بين ممثلي الحكومتين، بوصفه موضوعاً خلافياً كبيراً قد يؤدي إلى تداعيات كبيرة بين الحليفين الأطلسيين.

هذا التكرار للموقف التركي، قد يصعِّب أية محاولة للتراجع عنه في الفترة المقبلة. لكن إدارة أميركية يقودها رئيس كدونالد ترمب معروف باهتمامه الشديد بالجانب المالي للصفقات مع الدول الأخرى، لن تتراجع أيضاً عن مطالبتها بإلغاء صفقة الصواريخ الروسية مقابل التعويض عنها بصواريخ باتريوت التي سبق وامتنعت الولايات المتحدة عن تسليمها لأنقرة. ويحاجج الجانب التركي بأن اليونان العضو في حلف شمال الأطلسي يملك أيضاً صواريخ روسية من طراز S300 من غير أن يثير ذلك حفيظة واشنطن. فيرد الأميركيون بالقول إن اليونان لا تستخدم تلك الصواريخ المخزنة في مستودعات على إحدى الجزر اليونانية متروكة ليأكلها الصدأ.

وتعود قصة الصواريخ الروسية في اليونان إلى أن موسكو باعتها أصلاً لقبرص التي دفعت ثمنها، لكن اعتراضات أنقرة الشديدة أرغمت أثينا على الاحتفاظ بها لديها تجنباً لأزمة خطيرة مع تركيا.

وأمام احتجاج الأتراك بتعهدهم لدى موسكو بشراء الصواريخ موضوع الجدل، وأنه من غير المقبول أن يتراجعوا عن اتفاق وقعوا عليه، يطرح الأميركيون “الحل اليوناني”، أي وضع الصواريخ الروسية في مستودعات وتركها لرحمة الصدأ، مقابل شراء بطاريات صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة التي تبلغ كلفتها ثلاثة مليارات دولار ونصف المليار. وهو ما يعني أن يدفع الأتراك هذا المبلغ إضافة إلى مليارين ونصف من الدولارات ثمن الصواريخ الروسية! هذا حل يناسب دونالد ترمب بالتأكيد، لكنه يعني خسارة مالية كبيرة لتركيا المتخبطة أصلاً في متاعب اقتصادية قد تكون مقدمة لأزمة اقتصادية حادة في الفترة المقبلة.

كذلك يطرح الأميركيون حجة أخرى لإقناع الأتراك بالتخلي عن صفقة الصواريخ الروسية، هي أن من شأن استخدام

ثمة موضوعات خلافية أخرى بين الجانبين، من المحتمل أن موضوع صفقة الصواريخ الروسية سيرتبط بها أو بحلها

الأتراك للصواريخ الروسية أن يحول دون تسليم تركيا طائرات F35 الأميركية الأكثر تطوراً. وسبب ذلك أن تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” المزودة به ستكون مكشوفة أمام الاستخبارات الروسية من خلال أجهزة من النوع ذاته موجودة في الصواريخ الروسية. وهذا ما لا يمكن لواشنطن أن تقبل بالمجازفة به كرمى لعيون الأتراك.

إلى أين يمكن أن يؤدي كل هذا الأخذ والرد بين أنقرة وواشنطن؟ لا أحد يملك التكهن بذلك من الآن، ولكن ثمة موضوعات خلافية أخرى بين الجانبين، من المحتمل أن موضوع صفقة الصواريخ الروسية سيرتبط بها أو بحلها. فمن جهة تركيا هناك موضوع الانسحاب الأميركي من شرقي نهر الفرات، وما أثاره هذا القرار من خلافات بشأن كيفية ملء الفراغ، والفهم المختلف لفكرة “المنطقة الآمنة” وتأكيدات واشنطن المتواترة حول حماية حليفها الكردي بعد الانسحاب، إضافة إلى إقامة الداعية التركي فتح الله غولن في الولايات المتحدة، وهو المتهم بقيادة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، 15 تموز 2016، وموضوع “بنك خلق” التركي الحكومي المعرض لأحكام قضائية في الولايات المتحدة بتهمة خرقه للعقوبات الاقتصادية على إيران.

أما من الجانب الأميركي، فهناك أيضاً، إضافة إلى موضوع صفقة الصواريخ الروسية،

أمام تركيا، إذن، تحديات كبيرة بشأن مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة (وروسيا)، يتصدرها حالياً موضوع صفقة الصواريخ الروسية

وجود مواطنين أميركيين في السجون التركية، وإعلان تركيا عن عدم التزامها بحزمة العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، إضافة إلى الخلافات العميقة بشأن الصراع في سوريا.

أمام تركيا، إذن، تحديات كبيرة بشأن مستقبل علاقاتها مع الولايات المتحدة (وروسيا)، يتصدرها حالياً موضوع صفقة الصواريخ الروسية التي يبدو من الصعب على أردوغان التراجع عنها بعد تصريحاته المتكررة، كما يصعب عليه التراجع عنها أمام روسيا الشريكة في مسار آستانا – سوتشي. فهل يكون “الحل اليوناني” لموضوع الصواريخ الروسية هو المخرج؟ لكن كلفته المالية الباهظة ستضع الحكومة التركية في مرمى مدافع المعارضة التركية التي سيكون من حقها أن تتهم الحكومة بالتفريط بأموال الشعب التركي على مذبح أخطاء السياسة الخارجية للحكومة.

تبدو كل الأمور في تركيا اليوم، معلقة إلى ما بعد موعد الانتخابات المحلية التي ستجرى في نهاية هذا الشهر. وربما لهذا السبب يصف الناطقون باسم الحزب الحاكم تلك الانتخابات بأنها قضية حياة أو موت بالنسبة لتركيا! وهي مبالغة لا يمكن تسويغها لأنه مهما كانت نتائج تلك الانتخابات فهي لن تغير الحكومة، فما بالكم بمصير تركيا ذاتها. ويعزو المحللون الأتراك هذه المبالغة التي تتكرر قبل جميع الانتخابات، من رئاسية إلى برلمانية إلى بلدية، إلى خشية الحزب الحاكم من تدهور شعبيته لدى الناخبين، فيتم التأكيد على مصيريتها لشد عصب القاعدة الانتخابية الموالية ودفعها إلى المشاركة بكثافة، بعدما لوحظ شيء من الفتور في حماسها للحكومة، وبخاصة بسبب التدهور المتزايد للقوة الشرائية لدى قطاعات واسعة من الأتراك.

ويتوقع بعض المحللين تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية لتركيا، بعد الانتخابات البلدية، لأن من شأن التخفيف من ضغطها أن يمنح أردوغان وحكومته فسحة لالتقاط الأنفاس ومواجهة تحديات انعطافات حادة محتملة في السياسة الخارجية.

تلفزيون سوريا

السياسات التركية في سوريا وآفاقها من منظور تركي/ عمر أوزكيزلجيك, مراد يشلطاش

تقوم سياسة تركيا إزاء سوريا على مجموعة من القيم والمصالح لتعزيز حضورها الاستراتيجي في المنطقة، ولمواجهة مجموعة من المخاطر، يشكل بعضها خطراً على أمنها القومي ويهدّد بعضها الآخر أمن عموم الإقليم.

مقدمة

لا تزال سياسة تركيا الخارجية والأمنية في التعاطي مع الأزمة السورية تخضع لتغييرات جوهرية منذ اندلاع الصراع السوري في العام 2011، فمع بداية الأزمة كانت استراتيجية السياسة الخارجية التركية تهدف إلى احتواء الأزمة بسلام وإحداث تحوّل فيها وتوجيهها عبر تعزيز الديمقراطية، لكنّ محاولتها هذه لم تفضِ إلى أيّ نتائج ملموسة لحلّها. ولما تصاعدت الأزمة وتحولت إلى قمع أمني مع التكتيكات الوحشية التي اتبعها النظام السوري في مواجهة المعارضة والعمل على تحجيمها داخل البلاد، لجأت تركيا إلى تبنّي استراتيجية القيادة من الخلف، عبر تقديم الدعم السياسي لجماعات المعارضة، وحققت خلال المرحلة الأولى من هذه الاستراتيجية تقدّماً كبيراً من حيث تعزيز قوة المعارضة على المستويين السياسي والعسكري، إلا أنّها أخفقت في تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.

ثم تحولت تركيا جذرياً عن هذه الاستراتيجية (القيادة من خلف)، بسبب ارتفاع التكلفة الداخلية والإقليمية للصراع السوري، خاصة بسبب حزب العمال الكردستاني، وما يمثّله تهديد تنظيم الدولة الإسلامية من خطر ليس فقط على الحدود التركية، بل -وأيضا- على الداخل في سوريا والعراق. وقد أصبح هذا الهاجس الأخير أحد أهم الدوافع خلف تغيير العقلية التي توجّه سياستي تركيا الخارجية والأمنية حيال الأزمة السورية. ثمّ بعد ذلك، وفي أعقاب فشل المحاولة الانقلابية، غيرت أنقرة استراتيجيتها مجدداً وبشكل جذري حيث انخرطت في الأزمة السورية عسكرياً.

أطلقت أنقرة عملية “درع الفرات” العسكرية لتحييد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، ثم أتبعتها بعملية “غصن الزيتون” لإجهاض تهديد حزب العمال الكردستاني لتركيا، وأدى هذا التوجه الجديد في سياسة أنقرة الخارجية والأمنية إلى تغيّر في علاقاتها مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه المرحلة تحديداً، كانت أنقرة تجهد من أجل صياغة أسلوب جديد في التعاطي مع كلّ من موسكو وواشنطن بما يحقق مصالحها في سوريا على المديين القريب والبعيد. فقبل الأزمة السورية، كانت تركيا تمثّل إحدى أهم القوى وأبرز مراكز النفوذ الإقليمي المؤثرة في التطورات الجيوسياسية في المنطقة بأسرها، واليوم تجد نفسها مُرغمة على بذل أقصى ما تملكه من قدرات جيوسياسية من أجل حماية مصالحها الاستراتيجية الأساسية، والدفاع عن صون وحدة إقليمها الترابي، إلى جانب حماية وحدة الأراضي السورية. وتتركز سياسة تركيا تجاه سوريا اليوم حول ثلاثة محاور: تحسين الوضع الأمني وظروف الحياة اليومية للسوريين، ومحاربة “الإرهاب”، ومن ثمّ تسريع عملية التحول السياسي والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وفي الوقت الذي تترابط فيه هذه الأهداف فيما بينها، فإنّ لكل واحد منها متطلبات مختلفة على مستوى الأدوات والوسائل. وفي هذا الصدد، تستخدم تركيا أدوات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وعسكرية لمساعدة سوريا على الخروج من أزمتها.

هدف الأمن وتحسين شروط العيش

تُولي السياسة التركية في سوريا أهمية لمسألة توفير الأمن والملاذ الآمن لعودة اللاجئين إلى سوريا. حيث كان لتداعيات الكارثة الإنسانية(1) في سوريا واستخدام أساليب الحصار(2) من قبل الأطراف المتحاربة، تأثير كبير على الشعب السوري. كما تشكّل الهجمات الجوية العشوائية(3) واستخدام الأسلحة الكيميائية(4) والتقليدية في استهداف المدنيين، مصدر قلق كبير لتركيا(5). هذا وتشارك تركيا بشكل كبير في حملات المساعدات الإنسانية(6) من أجل مساعدة الشعب السوري في تجاوز محنته، وتؤكد على ضرورة تهيئة الظروف لعودة آمنة وطوعية للاجئين والنازحين في الداخل السوري إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا(7).

أفضت عمليتا درع الفرات(8) وغصن الزيتون (9) إلى تحرير مناطق من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني، وقد سجّلت تلك المناطق المحررة أكبر عودة للاجئين حتى هذا التاريخ. قدمت تركيا -أيضاً- دعماً واسعاً للمجالس المحلية والسكان المحليين بوسائل متنوعة من أجل تحسين ظروف معيشتهم من قبيل بناء مستشفيات ومدارس وتشييد مناطق صناعية(10). بلغت أعداد اللاجئين العائدين إلى المناطق المحررة 310 آلاف شخص(11)، ولتشجيع المزيد منهم على العودة، اقترح الرئيس التركي، أردوغان، بناء مشاريع بيوت سكنية بدلا من المخيمات التي يعيشون فيها حاليا(12).

ولكنّ الأمن في هذه المناطق لم يبلغ المستوى المطلوب بعدُ، إذ لا تزال خلايا العصابات الإجرامية و”التنظيمات الإرهابية” تعمل على زعزعة الوضع الأمني. في المقابل، تشرف القوات المسلحة التركية على تدريب شرطة “الجيش السوري الحرّ” و”عناصر الجيش الوطني” الخاضعين للحكومة الانتقالية، كما تدعم جهود مكافحة الجريمة المنظمة، مثلما حدث مؤخراً من خلال دعم “عملية السلام”(13). أمّا أهم تحدي على صعيد محاربة الإرهاب في المناطق المحررة، فيتمثل في تسلل عناصر “إرهابية”، وغالبا عبر تلّ رفعت(14)، لتشتبك مع قوات الحماية هناك.

اعتمدت تركيا مع بداية الأزمة السورية، سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين السوريين، وكان دافعها الأساس وراء هذه المقاربة، وفقا للرئيس التركي، “مراعاة قيم الحياة البشرية والقيم الثقافية المشتركة والروابط المجتمعية بين الشعبين التركي والسوري”(15). وكان الاعتقاد السائد لدى الشعب والنخبة السياسية التركيين أنّ الحرب السورية ستكون محدودة وقصيرة(16)، غير أنّها امتدت لسنوات، ولم يبدُ في الأفق أي مؤشر على قرب نهايتها، وارتفعت أعداد اللاجئين حتى تخطت حاجز المائة ألف لاجئ بكثير، وهو الحدّ الذي وصف بالحاجز النفسي(17). وأدّى هذا الأخير إلى زيادة التوتّر بين السكان المحليين واللاجئين السوريين(18)، ما دفع تركيا إلى تشجيع اللاجئين على العودة إلى سوريا، لمواجهة هذه الدينامية، ولإفشال عملية التطهير السكاني التي كانت تهدف لتمكين النظام السوري، الذي لا يمثل سوى “الأقلية”(19) وفتح الطريق أمام تنظيم و”حدات حماية الشعب”، المتورطة أيضاً في “عمليات تطهير”(20) بغية فرض سيطرتها على الأرض.

محاربة الإرهاب

الهدف الاستراتيجي التركي الثاني هو محاربة الإرهاب. وفي هذا المجال، ثمة ثلاث جبهات للعمليات التركية: تنظيم الدولة الإسلامية، وقوات سوريا الديمقراطية، و”الجماعات المتشددة” في إدلب. أطلقت تركيا عملية درع الفرات لتحرير المناطق الواقعة على حدودها، إقرارا منها بجدّية تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، وأدّت هذه العملية إلى خفض عدد هجمات التنظيم بشكل لافت، وألحقت خسائر هامة بخلاياه(21)، لكن ما تزال هناك محاولات من التنظيم لتشكيل خلايا جديدة داخل الأراضي التركية(22) وذلك من خلال مقاتليه الذين تمكنوا من الانسحاب من الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية واتجهوا نحو الحدود(23).

أمّا القضية “الإرهابية” الأخرى التي تُؤرّق تركيا فهي تمركز هيئة تحرير الشام و”جماعات متشدّدة” أخرى في إدلب، فبالنّظر إلى وجود كثافة سكانية هناك تقدّر بـ3.3 ملايين نسمة(24) وإلى السلوك العسكري لقوات النظام السوري وروسيا، فإنّها -أي الهيئة- عملياً تربط مصيرها بمصير حياة ملايين المدنيين من السكان هناك، فكأنّهم رهائن عندها. وتحاول تركيا احتواء هيئة تحرير الشام بتقوية قوى المعارضة السورية الأخرى، وبكسب ما أمكنها من الوقت إلى أن تجد منافذ تسمح لها بتغيير المعادلة الداخلية في إدلب(25).

أمّا بالنّسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فإنّ تركيا تنظر إليهم باعتبارهم “الخطر الإرهابي” الأكبر، بسبب الروابط الوثيقة التي تجمع هؤلاء مع حزب العمال الكردي(26)، وهي مستعدة لاتخاذ خطوات أحادية الجانب ضدّ قوات سوريا الديمقراطية لحماية أمنها القومي(27)، إلا أنّها لا تزال تفضل التوصل إلى حلّ لهذه القضية بالتعاون مع حلفائها في الناتو.

من جهة أخرى، رحّبت تركيا بقرار أميركا الانسحاب من سوريا، وأبدت استعدادها للتعاون في هذا الصدد لقطع الطريق على أيّ جهة أخرى قد تسعى إلى ملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأمريكية(28). لكن، في حال أصرّت واشنطن على توفير الحماية لقوات سوريا الديمقراطية(29)، فإنّ أنقرة ستعدّ نفسها لخروج أمريكي من سوريا دون اتفاق، وتبدو أنقرة مستعدّة لاتخاذ ما يجب من تدابير في هذا الصدد لتحقيق أهدافها(30).

إنّ الدعم الذي تقدمه أنقرة إلى الشعب السوري وما تتمتع به من نفوذ في أوساط المعارضة السورية يمثلان إحدى نقاط القوة التي تعتمد عليها في مقاربة الأزمة السورية. فبالإضافة إلى استقبال تركيا لـ3.6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها(31)، فإنّها تقدم دعماً لمليون و350 ألف سوري في شمال حلب وعفرين(32)، وتحمي وتقدم المساعدات الإنسانية لما يقرب من 3.3 ملايين سوري في إدلب(33). ولكن، في الوقت الذي يبدو فيه المعطى الديموغرافي السوري ملائما لطموحات تركيا، فهو يطرح مخاطر جديدة بالمقابل، حيث أدّى تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين السوريين إلى تركيا إلى ظهور توترات اجتماعية من حين لآخر في المجتمع التركي(34)، هذا بالإضافة إلى ما يضيفه اللاجئون من حمل اقتصادي سيكون على أنقرة تحمّله، ومنه إنفاق 35 مليار دولار فقط على إيواء اللاجئين السوريين(35).

أمّا بخصوص نفوذ تركيا في أوساط المعارضة السورية، فقد توحّدت قوات هذه الأخيرة بدعم تركي، تحت قيادة موحّدة في “الجبهة الوطنية للتحرير”(36). وإضافة إلى ما سبق، فإنّ تركيا تدرّب وتقدّم التجهيزات العسكرية، وتقاتل جنباً إلى جنب مع الجيش الوطني، الذي هو وحدة من وحدات الجيش السوري الحر(37). ولتركيا أيضا علاقات وطيدة بعدد من الجهات المسلحة التي كانت، سابقا، تابعة للجيش السوري الحرّ، والتي يمكن إعادة تأهيلها لحمل السلاح مجدداً إذا ما دعت الحاجة لذلك، مثل مجلس الرقة العسكري(38). إنّ هذا النفوذ، الذي بُني على امتداد سنوات، لم يضع تركيا في موضع الضامن بالنّسبة للمعارضة السورية وحسب، بل أهّلها -أيضا- لتوظيف أعداد من المقاتلين ليكونوا جزءاً من عمليات القوات البرية التي تنفذها أنقرة على طول حدودها مع سوريا.

هذا ويمثّل الجيش التركي والطبيعة الجغرافية الدعامتين الأساسيتين المساعدتين على نشر القوة التركية داخل سوريا. فتركيا ليست الجارة الأكبر لسوريا فحسب، بل تمتلك أكبر قوة عسكرية في المنطقة(39)، وهي قادرة وعازمة على تنفيذ عمليات عسكرية داخل سوريا لمحاربة “الإرهاب”، وتلقى دعماً من المجتمع التركي(40) ومن الأحزاب السياسية على حدّ سواء(41). لكن نقطة الضعف الأبرز لدى تركيا تكمن في محدودية قدرات دفاعاتها الجوية، ما يجبرها على التنسيق مع موسكو بشأن العمليات داخل المجال الجوي السوري، بهدف تفادي أيّ حادث قد تتسبب فيه منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية S-400.

وتلعب تركيا دورا حاسما في معادلة توازن القوى في سوريا، إلى جانب القوتين الكبيرتين الروسية والأمريكية، إضافة إلى إيران، المنافس الإقليمي لتركيا. تشكل روسيا وإيران ونظام الأسد، حليفهما المحلي، محوراً خاصاً في الصراع، وبالمقابل نجد محوراً آخر يتألف من أمريكا، متزعمة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وحليفها المحلي -قوات حماية الشعب- الذي تهيمن عليه قوات سوريا الديمقراطية. في حين شكّلت تركيا محوراً ثالثاً عبر شراكتها مع المعارضة السورية. وتعتمد تركيا إزاء هذا الوضع، على مقاربة مجزّأة، فمن ناحية تواجه أنقرة المحور الروسي الإيراني، وحليفهما النظام السوري، من خلال شراكتها مع المعارضة السورية في إدلب، وتقديم حمايتها لهذه المنطقة عبر وضع 12 نقطة مراقبة (42). ومن ناحية أخرى، تواجه المحور الأمريكي -وحدات حماية الشعب-، من خلال مساعدتها في تأسيس الجيش الوطني كحليف محلّي لها، وكذلك عبر تنفيذ عمليات عسكرية على الحدود التركية-السورية.

ومن المتوقع أن تكون المعادلة الحالية للوضع التركي، في توازن القوى، محلّ مراجعة شاملة، إذ أنّ إعلان الانسحاب الأمريكي من سوريا(43) يمنح تركيا فرصاً جديدة للقضاء على “التهديد الإرهابي” على طول شريطها الحدودي مع سوريا، ويسمح لها بكسب مزيد من الأراضي لصالح حلفائها المحليين، ناهيك عن تعزيز وضعها العام في الصراع السوري. لكنّ الانسحاب الأمريكي يجلب -أيضا- معه مخاطر جديدة لتركيا، فعليها التوصل إلى اتفاق مع المحور الروسي-الإيراني وحليفهما المحلي، نظام الأسد، حول مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا. لهذا، فإنّ تنسيقاً عالي المستوى بين الحليفين العضوين في الناتو (تركيا وأميركا) سيكون أمراً ضرورياً.

عملية التحول السياسي

أثبتت كل من تركيا وروسيا وإيران قدرة على تنفيذ الاتفاقيات المشتركة بينهم على الأرض، وكان ذلك خلال إجلاء المدنيين المحاصرين والمقاتلين من مدينة حلب(44). وفتح هذا النجاح، وهو الأول على مستوى تنفيذ عملية مشتركة، الطريق أمام عملية “أستانا” التي أطلقت دينامية جديدة في مسار الحرب السورية، حيث أصبحت الدول الثلاث قوى ضامنة(45). وبالمقارنة مع عملية جنيف المتعثرة(46) وفشل المحاولات الروسية-الأمريكية المشتركة(47) فإنّ عملية “أستانا” أثبتت أنها الأكثر فاعلية.

تعتبر تركيا مسألة سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها هدفها الأساسي، وترفض بقوة أي أجندات انفصالية أو محاولات لرسم حدود جديدة في الشرق الأوسط. كما تشدّد على ضرورة حلّ الصراع من خلال عملية سياسية سورية-سورية بإشراف ومساعدة الأمم المتحدة، وعلى أساس قرار الأمم المتحدة رقم 2254. وتساند أنقرة تأسيس لجنة دستورية في جنيف، وتعمل على تشكيل هيئة ينصبّ عملها على صياغة دستور جديد يستند إلى الديمقراطية والحريات العامة ويكون مقبولاً من الشعب السوري (48).

ولإحلال سلام واستقرار دائم في سوريا لا ترى تركيا أيّ دور لبشار الأسد في مستقبل سوريا(49)، لكنّها تحافظ على خطوط تواصل مع نظام الأسد عبر القنوات الاستخباراتية(50) وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية التركية بوضوح، إن بلاده ستفكر في تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية فقط في حال كانت منتخبة من قبل الشعب السوري بعد عملية انتخابية حرة ومراقبة من قبل الأمم المتحدة(51).

ما الذي تنتظره تركيا في سوريا مستقبلا؟

سيكون للدور التركي تأثير كبير على مخرجات أيّ تسوية محتملة للقضية السورية في المستقبل. حيث سيكون على تركيا الإبقاء على علاقاتها بالمعارضة السورية، وأن تضع مصالحها القومية في المقام الأول، وأن تخطط لتسريع عمليات إعادة اللاجئين إلى بلادهم. غير أنّ لا شيء من هذا سينفّذ إذا ما استمرّ بشار الأسد في السلطة، كما أنّ لا موسكو ولا طهران تتحدثان عن انتقال السلطة في سوريا، لذا فإنّ عزم تركيا وثباتها على مواقفها هو ما سيحدد مصير التسوية، كما أنّ سيطرتها على الأرض داخل سوريا وأهمية دورها في مستقبل سوريا هو ما سيحدد حجم المطالب التي ستسعى لتحقيقها.

ستسعى تركيا إلى توظيف نفوذها داخل المعارضة السورية كورقة ضغط للدفع نحو تنفيذ أجندتها، لكنّ هذا يتوقف على الطريقة التي ستنسحب أمريكا وفقها من سوريا، وقد تتمكن تركيا من إرغام نظام الأسد على تقديم تنازلات كبيرة. فإذا ما تمّ نقل ميزان القوة في سوريا من الجانب الأمريكي إلى أنقرة، ستكون واشنطن قادرة على فرض توازن من خارج المجال، وستعزّز من موقف أنقرة. ومن المحتمل أيضا أن تحاول موسكو وطهران إقناع أنقرة عبر التعهّد لها بتخليصها من “التهديد الإرهابي” لقوات حماية الشعب، على يد نظام الأسد، إلا أنّ أنقرة لا تثق في هذه المقاربة وتصرّ على تحييد “إرهاب قوات حماية الشعب” بنفسها، لأنّ هذا ما سيمكنها من تعزيز موقعها دون المس بموقفها من تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

لا يزال رفض تركيا للاعتراف بشرعية الرئيس الأسد، في الوقت الذي تعيد فيه دول عربية فتح سفاراتها في دمشق(52)، العقبة الرئيسة أمام النظام السوري لتحقيق النصر في الحرب. فالدور التركي ليس استراتيجياً من حيث النفوذ والاقتصاد والسياسة فحسب، ولكن له أيضاً دوراً رمزياً هائلاً كداعم رئيسي للمعارضة السورية باعتبار تركيا دولة عضو في حلف الناتو. إن دور تركيا في تسوية الصراع في سوريا سيدفع بمطالب المجتمع السوري، التي رفعها في العام 2011، إلى الأمام، وسيكون النظام السوري مجبراً على تقديم تنازلات بالنظر إلى القوة التي ستتمتع بها تركيا على طاولة المفاوضات.

وقد تلعب القوى الدولية الفاعلة في سوريا، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأروبية، دوراً داعماً لتركيا على صعيد تحقيق الاستقرار في سوريا، وتأمين مستقبل ديمقراطي، وازدهار اقتصادي للسوريين، إذ أنّ دعم الدول الغربية للدور التركي سيعزز من موقف هذه الأخيرة في المفاوضات. في حين أن الانتصارات العسكرية التي يحققها محور روسيا-إيران-نظام الأسد، بالإضافة إلى محاولات بعض الدول العربية تطبيع علاقاتها مع دمشق(53)، وما يجري حالياً من مناقشات حول إعادة نظام الأسد إلى عضوية جامعة الدول العربية(54)، يبعث رسالة واضحة أنه ليس على نظام الأسد تنفيذ أي من المطالب الأساسية التي نادت بها مظاهرات 2011، كشرط للحصول على المساعدة الدولية لإعادة إعمار سوريا.

لا شكّ في أنّ آفاق دور تركيا في سوريا رهن بنتيجة الحرب والتسوية النهائية للصراع السوري، غير أنّ وجود معادلات أساسية مثل الديموغرافيا والاقتصاد والبعد العسكري، مع عدم إغفال الجغرافيا، سيجعل التقرير في مستقبل سوريا دون أخذ تركيا في الاعتبار أمراً غير ممكن(55). فمن المتوقع أن يكون لأنقرة دور مؤثر في مستقبل سوريا، لا سيما من خلال النخب السورية المؤيدة لها، وتحديداً تلك التي تلقّت تعليمها في تركيا، فهؤلاء سيكونون حراس البوابة التركية في سوريا والعالم العربي. ومن المتوقع أن تتعاظم القوة الناعمة التركية بشكل مطّرد، لأن العلاقات التي نسجتها تركيا مع المجتمع السوري، على الأرجح، ستزيد من قدرتها على تمتين علاقاتها مع السكان العرب والسوريين في المنطقة. وعسكريا، فبحسب قدرة أنقرة في الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، ستكون بصمتها على هذا الصعيد في الشرق الأوسط.

ختاما، ومن منظور واسع، إنّ أي دور تركي جديد ومستقر في سوريا سيكون له تأثيره على قدرة تركيا في التمدد والتوسع إقليمياً، وقد تصبح سوريا -مستقبلا- الجسر الذي يربط بين تركيا ودول الخليج. وبشكل عام، فإنّ أي تسوية حقيقية في سوريا، من شأنها أن تفتح آفاقاً اقتصادية وسياسية أرحب لتركيا في المنطقة، وتساعدها على التوسع وتعزيز نفوذها فيها.

ملاحظة: النص أعد في الأصل باللغة الإنجليزية وترجمه إلى العربية كريم الماجري.

* مراد يشلطاش، أستاذ مشارك في جامعة العلوم السياسية في أنقرة، ومدير قسم الدراسات الأمنية في مؤسسة “سيتا” في أنقرة.

* عمر أوزكيزلجيك، محلّل في قسم الدراسات الأمنية في “سيتا”، أنقرة.

مراجع

1-   ‘Syria conflict at 7 years: ‘a colossal human tragedy’’ (2018), UNHCR, 9 March,

https://bit.ly/2SnRLxH (accessed 20 February 2019)

2-   W. Todman (2017) ‘The Resurgence of Siege Warfare’, Contemporary Arab Studies Newsmagazine, Fall/Winter 2017,

https://bit.ly/2IkDfRn (accessed 20 February 2019)

3-   ‘Death Everywhere – War Crimes and Human Rights Abuses in Aleppo, Syria’ (2015), Amnesty International, https://bit.ly/2Ha0IYO (accessed 20 February 2019)

4-  T. Schneider and T. Lütkefend (2019) ‘Nowhere to hide – The Logic of Chemical Weapons use in Syria’, Global Public Policy Institute, February, https://bit.ly/2GDoNrF (accessed 20 February 2019)

5-  ‘US military strikes in Syria positive but not enough: Erdo?an’, Hürriyet Daily News, 7 April,

https://bit.ly/2XBrGyg (accessed 20 February 2019)

6-  P. Tank (2015) ‘Turkey as a humanitarian actor: the critical cases of Somalia and Syria’, Norwegian Peacebuilding Resource Centre, March, https://bit.ly/2EKbFyH (accessed 20 February 2019)

7-   ‘Joint Statement by the President of the Islamic Republic of Iran, the President of the Russian Federation and the President of the Republic of Turkey, Tehran, 7 September 2018’ (2018), Republic of Turkey Ministry of Foreign Affairs, 7 September,

https://bit.ly/2NDBEL1 (accessed 20 February 2019)

8-   M. Ye?ilta?, M. Seren and N. Özcelik (2017) ‘Operation Euphrates Shield Implementation and Lessons learned’, SETA, 14 November, https://bit.ly/2VyRn0p (accessed 20 February 2019)

9-  N. Özcelik and C. Acun (2018) ‘Terörle Mücadelede Yeni Safha: Zeytin Dal? Harekat?’, SETA, 2 April, https://bit.ly/2GUO8x6 (accessed 20 February 2019)

10-  Ö. Özkizilcik (2018) ‘Sharing the costs of rebuilding Syria’, The New Arab, 25 Seprember, https://bit.ly/2pSM0LV (accessed 20 February 2019)

11-   ‘All we want is to ensure Syria’s territorial integrity’ (2019), Presidency of the Republic of Turkey, 14 February, https://bit.ly/2GXBfCA (accessed 20 February 2019)

12-  ‘Turkey, coalition forces to establish safe zone in northern Syria’ (2019), Daily Sabah, 13 February, https://bit.ly/2EtfKG1 (accessed 20 February 2019)

13-  Ö. Özkizilcik (2018) ‘Combatting Criminal Gangs in Northern Syria’, The New Turkey, 26 November, https://bit.ly/2Uips4X (accessed 20 February 2019)

14-   Ö. Özkizilcik (2019) ‘Tel R?fat Bölgesinde Ya?anan Çat??malar’, Suriye Gündemi, 10 February, https://bit.ly/2Uipo5d (accessed 20 February 2019)

15-  ‘Ba?bakan Erdo?an Reyhanl?’da halka seslendi’ (2013), Hürriyet, 25 May, https://bit.ly/2XvEwy5 (accessed 28 February 2019)

16-  ‘Davuto?lu Esad’a ömür biçti’ (2012), NTV, 24 August, https://bit.ly/2SGrIRU (accessed 28 February 2019)

17-  ‘Davuto?lu: “S???nmac?lar konusunda k?rm?z? çizgi a??ld?”’ (2013), CNN TÜRK, 26 October, https://bit.ly/2EKbZgK (accessed 28 February 2019)

18-  Erol Özdemir (2017) ‘Suriyeli Mültecilerin Türkiye’deki Alg?lar?’, The Journal of Defense Science, May,https://bit.ly/2C2PUbk (accessed 28 February 2019)

19-  Saleem Al-Omar (2018) ‘The Fractured Relationship of the Alawite Community and Assad Regime’, Atlantic Council, https://bit.ly/2C1yzj2 (accessed 28 February 2019)

20-  ‘SYRIA: US ALLY’S RAZING OF VILLAGES AMOUNTS TO WAR CRIMES’ (2015), Amnesty International, 13 October, https://bit.ly/1GqaNfq (accessed 28 February 2019)

21-  M. Ye?ilta? and R?fat Öncel (2018) ‘Turkey’s counterterrorism strategy an assesment of the fight against DAESH’, SETA, 14 May, https://bit.ly/2GZ83eC (accessed 20 February 2019)

22-  M. Giglio and M. Al-Awad (2017) ‘The Same Smuggling Routes That Helped Build ISIS Are Now Helping Its Members Escape’, Buzz Feed, 19 December, https://bit.ly/2XzB2dP (accessed 20 February 2019)

23-  ‘2018’te Türkiye’ (2018), SETA, 28 December, https://bit.ly/2Ukt9Xx (accessed 20 February 2019)

24-  ‘Situation Overview: Idleb Governorate and Surrounding Areas’ (2018), REACH Research Center, May, https://bit.ly/2IQJjqB (accessed 20 February 2019), p.1

25-  M. Ye?ilta? and Ömer Özkizilcik (2019) ‘Interfactional Dynamics and the Future of Idlib’, SETA, 28 January, https://bit.ly/2TdEuw5 (accessed 20 February 2019)

26-  C. Acun and B. Keskin (2017) ‘The PKK’s Branch In Northern Syria PYD-YPG’, SETA, 14 April, https://bit.ly/2Tcel0K (accessed 20 February 2019)

27-  A. Kücükgöcmen and S. Dadouch (2019) ‘Turkey’s Erdogan says no satisfactory plan yet on north Syria safe zone’, 5 February, https://reut.rs/2C54i2U (accessed 20 February 2019)

28-  Z. Khodr (2018) ‘Turkey and US to coordinate Syria withdrawal and avoid vacuum’, Al Jazeera, 23 December, https://bit.ly/2EKb67K (accessed 20 February 2019)

29-  ‘US wants to protect Kurds in Syria: Trump’(2019), Rudaw, 2 January, https://bit.ly/2IQtqjZ (accessed 20 February 2019)

30-  Ö. Özkizilcik (2019) ‘Turkey’s five objectives for safe zone in NE Syria’, Anadolu Agency, 24 January, https://bit.ly/2VyepVe (accessed 20 February 2019)

31-  ‘Syria Regional Refugee Response – Turkey’, UNHCR, https://bit.ly/2Br8P1R (accessed 20 February 2019)

32-   ‘The importance of work in the liberated northern countryside area’ (2018), Syrian Interim Government Aleppo Provincial Stabilization Committee, p.1

33-   ‘Situation Overview: Idleb Governorate and Surrounding Areas’ (2018), REACH Research Center

34-   ‘Turkey’s Syrian Refugees: Defusing Metropolitan Tensions’ (2018), International Crisis Group, 29 January, https://bit.ly/2nsz1Ps (accessed 20 February 2019)

35-  S. Hacaoglu (2019) ‘Erdogan Says Turkey Can’t Stand Alone Against New Migration Wave’, Bloomberg, 20 February, https://bloom.bg/2VyuEBF (accessed 20 February 2019)

36-  M. Ye?ilta? and Ömer Özkizilcik ‘Interfactional Dynamics and the Future of Idlib’

37-  Ö. Özkizilcik (2018) ‘Turkish-Backed Organization Which Will Take Part In a Likely Military Operation East of the Euphrates: The National Army’, Suriye Gündemi, 12 December, https://bit.ly/2TuTZ25 (accessed 20 February 2019)

38-  مجلس الرقة العسكري يعلن جاهزيته لتحرير المدينة من (YPG)، قناة حلب اليوم، 24 ديسمبر/كانون الأول 2018. (تاريخ الدخول 20 فبراير/شباط 2019)

https://bit.ly/2Het581

39-   ‘Middle Eastern Powers Ranked by Military Strength’ (2018), Global Firepower, https://bit.ly/2xk6IZ6 (accessed 20 February 2019)

40-  M. Aydin (2018) ‘Public support for cross-border operations’, Hürriyet Daily News, 1 February, https://bit.ly/2SGwRsQ (accessed 20 February 2019)

41-  ‘Main opposition parties in Turkey ‘fully support’ operation in Syria’ (2018), TRT World, 21 January, https://bit.ly/2TpEAQO (accessed 20 February 2019)

42-  M. Tosun (2018) ‘Turkey sets up 12th observation point in Syria’s Idlib’, Anadolu Agency, 16 May, https://bit.ly/2HdH1iG (accessed 20 February 2019)

43-  D. Nissenbaum, N.A. Youssef and V. Salama (2018) ‘In Shift, Trump Orders U.S. Troops Out of Syria’, The Wall Street Journal, 19 December, https://on.wsj.com/2SWy3sL (accessed 20 February 2019)

44-  B. Hubbard and D.E. Sanger (2016) ‘Russia, Iran and Turkey Meet for Syria Talks, Excluding U.S.’, New York Times, 20 December, https://nyti.ms/2SIn0my (accessed 20 February 2019)

45-  M. Tsvetkova and P. Hobson (2016) ‘Russia, Iran, Turkey say ready to broker Syria deal’, Reuters, 20 December, https://reut.rs/2C3NY2x (accessed 20 February 2019)

46-  R. Hall (2018) ‘UN envoy failed ‘mission impossible’ of bringing peace to Syria’, Independent, 19 October, https://ind.pn/2SHWNEC (accessed 20 February 2019)

47-  P. Wintour (2016) ‘US and Russia agree to enforce new Syria ceasefire’, The Guardian, 22 February, https://bit.ly/2tOCGuD (accessed 20 February 2019)

48-  ‘Joint Statement by the President of the Islamic Republic of Iran, the President of the Russian Federation and the President of the Republic of Turkey

49-  ‘Turkey sees no place for Assad in Syria’s future’ (2018), Daily Sabah, 26 September, https://bit.ly/2GWUb4v (accessed 20 February 2019)

50-  D. Evans (2019) ‘Erdogan says Turkey has maintained contacts with Damascus’, Reuters, 3 February, https://reut.rs/2MLVmUc (accessed 20 February 2019)

51-  D. Zdhannikov (2018) ‘Turkey would consider working with Assad if he won a democratic Syrian election’, Reuters, 16 December, https://reut.rs/2SVH7OJ (accessed 20 February 2019)

52-  T. Khalid (2018), ‘Kuwait expects more Arab countries to reopen embassies in Damascus – KUNA’, Reuters, 31 December, https://reut.rs/2UjscPe (accessed 20 February 2019)

53-   M. Young (2019) ‘As Arab States Normalize With Syria, Will This Push Them to Finance its Reconstruction?’, Carnegie Middle East Center, 24 January, https://bit.ly/2DxcIRT (accessed 20 February 2019)

54-   T. Perry (2019) ‘No consensus yet for Syria return: Arab League chief’, Reuters, 11 February, https://reut.rs/2INGVAM (accessed 20 February 2019)

55-  B. Duran (2019) ‘A post-Daesh strategy without Turkey is unrealistic’, Daily Sabah, 19 February,

https://bit.ly/2XAuDiv (accessed 20 February 2019)

شكراً أردوغان!/ عمر قدور

لم يتوقف خلال الأيام الأخيرة قصف قوات الأسد مناطقَ وبلدات في ريف حماة الشمالي وريف إدلب، موجة القصف المتواصلة تهدف بحسب ما يُشاع إلى السيطرة على طريق حلب الدولي الذي يربطها بدمشق، وفضلاً عن وقوع بلدات ضخمة إلى جوار الطريق مباشرة فإن السيطرة النارية عليه ستقتضي السيطرة الميدانية على مساحات واسعة على جانبيه. أي أن تفاهم إدلب الأخير، بين أردوغان وبوتين بإسناد غربي قد انقضى مفعوله، وقد لا يتبقى منه سوى كيلومترات قليلة محاذية للحدود التركية، وظيفتها تنحصر بتكديس اللاجئين ضمن ظروف لاإنسانية لا يكترث بها الغرب طالما أنهم لم يعبروا الحدود في اتجاهه.

تزامناً مع القصف، لم يتوقف المسؤولون الروس عن التلميح إلى إخفاق أنقرة بالوفاء بالتزاماتها بموجب تفاهم إدلب، وكما تسرب سابقاً من التفاهم فهو ينص على فتح الطريق الدولي، وهذه كانت غاية المنطقة منزوعة السلاح الثقيل من جهة الفصائل التي ترعاها أنقرة. البند الآخر، الذي يُستعاد إلى الواجهة عن اللزوم، هو فشل أنقرة في تحجيم جبهة النصرة، وصولاً إلى إيجاد حل نهائي لها بعد فشل المحاولات السابقة من قبيل إعلان استقلالها عن تنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى “هيئة تحرير الشام”.

لا ضرورة للتذكير بمآل مناطق خفض التصعيد الأخرى التي ابتُدعت برعاية ثلاثي آستانة، سوى للتنبؤ بمآل المنطقة الوحيدة المتبقية كي يكون المسار قد أتم مهمته على أكمل وجه. ذريعة تواجد مقاتلين من النصرة استُخدمت لاجتياح مناطق لا وجود كثيفاً فيها لمقاتلي الجبهة، ومن الأولى استخدامها في إدلب بعد تمكينها من السيطرة على معظمها. لقد رأينا مثلاً في مطلع العام كيف استطاعت النصرة القضاء على حركة الزنكي في معاقلها، وجرت تلك المعركة تحت بصر الراعي التركي، من دون أن يتحرك لوقفها أو للتعديل في موازين القوى.

كي لا يكون لدينا أوهام حول قوة النصرة، لا يوجد فصيل سوري قوي بذاته، أي من دون رعاية ودعم خارجيين قويين. تمكين النصرة من الاستقواء على فصائل أخرى، غير مصنّفة مثلها إرهابية بموجب قرار لمجلس الأمن، أمر يثير الريبة في الحد الأدنى، ولا نغامر باتهام المسؤولين عن ذلك بالتواطؤ المكشوف الذي يمعن في الإساءة إلى أهالي المنطقة المعنية وإلى عموم السوريين. فلو شاءت أنقرة، مع جهات أخرى ربما تكون داعمة للنصرة، لتم إيجاد حل يجنّب أهالي إدلب مذبحة متوقعة في أي وقت، بما في ذلك حل الجبهة أو إرغامها على حل نفسها إذا حوصرت وحوربت بجدية من قبل الراعي التركي والفصائل التابعة له، بدل أن يتولى المهمة القصف العشوائي الذي يستهدف المدنيين قبل المقاتلين.

عندما لا تلتزم أنقرة بالتزاماتها وفق تفاهم إدلب يأتي سلوكها كأنما ضمن سيناريو مرسوم ومتفق عليه، وكأنما تقدّم لحليفها الروسي الخدمة التي يريدها أصلاً، ما يجعل من التفاهم لعبة خبيثة لا أكثر ولا أقل. حتى نقاط المراقبة التركية التي انتشرت في المنطقة المستهدفة تبدو الآن كأنها كانت للتعمية على المخطط المرسوم، فتلك النقاط واكبت المنطقة المنزوعة السلاح لتطمين الأهالي، والإنجاز الوحيد لها بقاؤها خارج دائرة القصف بينما يطال المدنيين على بعد أمتار منها.

وبينما تعمل ماكينة القصف الأسدي بلا هوادة، يتحفنا مسؤولون أتراك بتصريحات في اتجاه مغاير تماماً، مفادها استعدادهم لاجتياح مناطق في شرق الفرات تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ومن المعلوم أن جزءاً أساسياً من تلك الاستعدادات يقوم على تهيئة فصائل سورية تابعة لأنقرة للزج بها في مقدمة المعركة. التصعيد التركي إزاء الحليف الأمريكي التقليدي يرافقه صمت تجاه الحليف الروسي المستجد، وتأويل هذا الصمت بتقاسم الأدوار لا يدخل في باب التكهنات، لأن كل طرف يخوض ما يعتبرها معركته الأهم، مع عدم إغفال تكامل المعركتين وتوافق مصلحتي الطرفين حالياً على الأقل.

وكي لا تساورنا الظنون إزاء خطر النصرة على قوات الأسد، أو حول استعداداتها لصد هجوم محتمل من قبل قواته، فالجبهة منشغلة أكثر من أي شأن آخر بما دأبت عليه من تطويع السكان وفق فهمها الخاص للدين. كمثال على ذلك نجد جامعة إدلب تصدر قراراً قبل ستة أيام يحدد نوع اللباس المحتشم لطالباتها وموظفاتها على أن يكون فضفاضاً و”يستر” البدن حتى الكعبين، مع منع تام لوضع العطور، تحت طائلة العقوبة وتوكيل “مشرفة المكتب الدعوي” بالمتابعة. النصرة بدورها تصرّ على تقديم كافة البراهين على أنها لم ولن تتغير، وذلك عن وعي وتصميم لا ينبغي الشك فيهما أو التساؤل عن الجهة التي يخدمانها موضوعياً.

السيناريو “الأمثل” لهذه المعطيات هو الانتهاء أولاً من كذبة المنطقة منزوعة السلاح، بقضمها لصالح الأسد وحلفائه، ما يضعنا أمام موجة تهجير ونزوح جديدة. ولأن ما تبقى من إدلب لن يكون كافياً لاستيعاب الأعداد الضخمة، ومنها نازحون للمرة الثانية أو الثالثة، ولأن الحدود التركية ستبقى مغلقة أمامهم، لا يُستبعد أن يجد أردوغان مع بوتين الحل الأنسب بترحيلهم إلى عفرين أيضاً. في تجربة القضاء على حركة الزنكي، وقبلها في اجتياح الغوطة، استثمر أردوغان في تحويل المدنيين النازحين إلى مستوطنين في عفرين، وفي تحويل قسم من المقاتلين السابقين إلى مرتزقة في حربه على الأكراد. أما الاستثمار البعيد المدى فهو تعزيز العداء بين أكراد سوريا وعربها، وهذا هدف يلتقي عنده أردوغان والأسد ومتطرفو الجماعتين.

يحكم أردوغان بلاده وفق دستور علماني، في حين تخضع المناطق التي يسيطر عليها في سوريا لما يوافق مزاجه الإسلامي في أشد حالاته تطرفاً وشعبوية. نفترض بقادة الإسلاميين أنهم يدركون مغزى هذه القسمة الخبيثة، ويعرفون مقدار الأذى الذي تتسبب به للسوريين، لكن مصالحهم تقتضي الاستمرار فيها. المصيبة هي لدى الأتباع المقتنعين بحكمة وصواب أردوغان مهما فعل، والمواظبين على شكره كأنهم منوّمون مغناطيسياً منذ ما قبل آستانة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى