كتب الكترونية

خمسة كتب الكاتب ج. م. كويتزي في رابط واحد


جون ماكسويل كوتيزي… وتمثيلات إفريقيا الجديدة/ رامي أبو شهاب

ثمة صيغ روائية مغايرة لدى بعض الكتاب، أو الروائيين حيث نستشعر في أعمالهم حساً مختلفاً، فأعمالهم تستوطن الذاكرة نتيجة تلك المناخات الناشئة عن خبرة الاكتناه المعمّق للأفكار، وهذا لا يعني المستوى المباشر؛ أو تلك الدلالات التي يتضمنها النص، ولكن تلك الرؤية التي تحكم الوجود، بحيث يتسلل إلى نسيج النص منظور يطاول الكثير من الموجودات بما فيها الذات، وموقعها في عالم معقد، وهشّ، وشديد التحول، فضلاً عن سياقات فكرية أو أيديولوجية تتحكم في بنية الوجود. هذا ما نعتقد بوجوده في روايات الكاتب الجنوب الإفريقي جي أم كوتيزي الحاصل على جائزة نوبل 2003، وجائزة البوكر مرتين 1983- 1999 ، وغيرها من الجوائز.

هذا الروائي العاشق للوحدة والانعزال، استند في خطاباته إلى موقف مناهض (للأبرتهايد) أو نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى جملة من القضايا التي بدت مجتمعة في نسيج سردي متماسك، وشديد التميز على مستوى تثبيت المواقع الدلالية بخفاء وخفة، فروايات كوتيزي تبدو في توجهاتها أو مقاصدها الأيديولوجية قليلة الصخب، ولكنها قادرة على أن تجعل القارئ يدرك أن ثمة في الأحداث والشخصيات في سياق فضائها السردي الكثير مما يدفع إلى التأمل والتفكر، كما في أشهر أعماله، ومنها «عصر الحديد»، و«في انتظار البرابرة»، و«قلب البلاد»، و»الخزي»، وغيرها.

كوتيزي بأصوله الهولندية، يصوغ في روايته المركزية «خزي» 1999 ـ الحاصلة على جائزة بوكر- حبكة سردية معززة بالكثير من الأسئلة التي يطلقها بطل الرواية «ديفيد» أو الأستاذ الجامعي الذي يدرك أنه بات في مجال الأفول، فهو في منتصف عقده الخامس ما يجعله على حافة التأمل في هذا الكيان الذي بدأ يستشعر تحوله، علاوة على ما أنجزه في حياته، في بلد لا يمكن وصفه إلا بالإشكالي، كونه يتسم ببنية معقدة على مستوى التركيب والتشكيل الخاص بالهوية، كما البيئة والتاريخ، علاوة على وجوده على هوامش أو بينية في عالمين متناقضين، أو متصارعين.

أفول الذات

تبدأ أزمة ديفيد – أستاذ الأدب الإنكليزي- عندما يتورط في علاقة مع طالبة من طالباته، انطلاقاً من منظوره القائم على تقدير جمال المرأة الذي يرى فيه هبة لا تخصها وحدها، فمن واجبها أن تتقاسمها. ما يتسبب في فصله أو استقالته من الجامعة التي يعمل فيها، وبالتحديد بعد أن يرفض كافة الوسائل التي سعت إدارة الجامعة لتجنيبه هذا المصير من خلال الطلب منه الاعتذار، أو كتابة مبررات ما، فضلا عن قبول عقوبة مخففة، غير أن هذا الأستاذ يرفض كافة تلك العروض، حيث يعترف بما ارتكب بدون أي رتوش لتجميل الحادثة، أو التخفيف من حرجها. هذا الأستاذ الذي عمل لسنوات في مهنة بدأ يفقد حماسه تجاهها، كونه يدرك أنه بات غير فاعل نظرا للتحول الذي تشهده المؤسسة الأكاديمية، وفي بعد آخر ثمة شيء من اللوم على النظام المؤسسي الذي يعمل فيه، في حين أنه يحلم بكتابة عمل عظيم حول الشاعر الرومانسي بايرون، الذي يتطابق في رمزيته مع منظور ديفيد في ما يتعلق بفلسفته تجاه المرأة والحياة والحب.

بعد الحادثة يذهب ديفيد للإقامة المؤقتة مع ابنته «لوسي» المثلية التي تعيش في مزرعة وحيدة إلا من بعض الجيران من الأفارقة، وهناك يدرك ديفيد أن ثمة وجهات نظر تتعلق بالحياة في صيغة ذات قالب استعاري شديد التميز، حيث يساعد الأب ابنته في عملها الشاق في المزرعة، كما يسهم في عمل تطوعي بعيادة خاصة تعتني بالحيوانات. يقيم كوتيزي تمثيلاً للتطابق ينهض على وجوده، وهو يقترب من العجز بموازاة كيفية التخلص من الحيوانات التي تطعن في السن، والتي تكون مصابة ينبغي إنهاء حياتها، أو تخلى أصحابها عنها، أو التي تحتاج إلى الإخصاء، وهناك تبدو تأملات «ديفيد» حول الإنسان، ودوره في الحياة، وكيف يمكن أن ينتهي هامشياً إلى أبعد قدر، حيث يقول واصفاً أفوله في سياق استعاري واضح: «لقد نضب معين استمتاعه بالحياة. بدأ يطفو نحو نهايته، كورقة نبان يجرفها جدول ماء، كزورق في مهب الريح».

غير أن ثمة حادثة تسهم في تحقيق تحول ديفيد ومنظوره لذاته، حيث تتعرض المزرعة للسرقة، كما يقوم السارقون باغتصاب «لوسي»، في حين يتعرض هو إلى حروق بسيطة، هذه الحادثة في تكوينها السّردي تبدو لنا مرتبطة بأسئلة تتعلق بمعنى وجود ديفيد، وعجزه عن حماية ابنته التي تحمل في ما بعد من مغتصبيها، ومنهم فتى إفريقي على صلة قرابة مع جارها المزارع «بتروس» الإفريقي الذي يساعدها في المزرعة، غير أن صيغة جنوب إفريقيا الجديدة، تحول دون أن يتحقق القصاص من المغتصبين، بل إن الفتى المغتصب يعيش بالقرب من الابنة، وتحت حماية «بتروس» في حين لا يتمكن ديفيد من فعل شيء، ولا سيما أن «بتروس» يطمع في الحصول على مزرعة لوسي، وهو يؤمن الحماية للفتى المغتصب، ومن هنا تتخذ «لوسي» قرارها بأن تصبح تحت وصاية «بتروس» الإفريقي الذي يطمع في أرضها، على أن تحتفظ هي بالمنزل، غير أن القرار الأكثر دهشة للأب «ديفيد» أن تقرر «لوسي» الاحتفاظ بالطفل، ومن هنا نستطيع تفكيك شيفرات العمل، وتتعلق بصيغتين سرديتين تعملان بشكل متواز. الأولى تتعلق بموقع ديفيد، رجل في منتصف العمر، متعلق بالمتعة الحسية التي يرى فيها شكلا ًمن أشكال وجوده، ولا يرى في تبريرها شيئا مزعجاً، ولاسيما وهو يطل على ذاته، وهي تنحدر شأنها في ذلك شأن الحيوانات التي ينبغي التخلص منها، غير أنه يدرك في الجزء الأخير من روايته أن وجوده يبدو أقل بساطة، إذ يقوم بزيارة عائلة الطالبة لطلب المغفرة، ومن ثم يقرر أن يعيش في غرفة صغيرة، قريباً من ابنته، وأن يكمل تطوعه للعمل في العيادة عبر التخلص من جثث الحيوانات، وهناك يتنبه «ديفيد» إلى دوره الجديد، ولا سيما تجاه ابنته في سياق واقعها الجديد، واختيارها.

المكان وصيغ التهجين

في مستوى آخر، ثمة صيغة تتسلل في تشكيل موفق، حيث نقرأ جزءاً يتعلق بالأرض، والعلاقة التي تنشأ بين السكان الأوروبيين المستوطنين والأصليين… «لوسي» بما تمثله بوصفها تنتمي إلى جذور هولندية تسعى للتجذر في أرض لا تنتمي إليها، ولكنها تدرك أن الأمر لم يعد كما كان، فهي تدرك أن عليها أن تستسلم لجارها الإفريقي «بتروس» بأحقية امتلاك مزرعتها، بل والزواج منها، والاحتفاظ بالطفل على الرغم من أنه ثمرة اغتصاب من رجل لم تحبه، ونتج بدافع الكراهية. هذا الاختيار بالاحتفاظ بالطفل يحيل إلى نوع من أنواع التهجين للصيغة الجديدة التي يمكن أن تنشأ في جنوب إفريقيا، فالماضي يتصل بالكراهية، وبناء عليه يجب أن نشرع بالحب من جديد، وأن نتجاوز ما كان ـ من منظور لوسي- أو لعله الإدراك بأن «بتروس» المزارع الإفريقي قد بات – الآن- المالك الوحيد للصيغة الجديدة لوجود لوسي برمته، بما في ذلك مزرعتها. وعلى الرغم من عدم تفهم الأب ديفيد لقرارات ابنته التي تنطلق من وعيها بأنها ترغب في البقاء في أرضها تبعاً للتحولات الجديدة، وهذا يعلل رفضها لمتابعة الموضوع مع الشرطة حيث تقول لوسي: «إن السبب من ناحيتي هو أن ما حدث لي مسألة خاصة، ولو أنه وقع في وقت آخر، وفي مكان آخر لاعتبر الأمر شأنا عاماً. ولكن في هذا المكان، وهذا الوقت هو ليس كذلك. إنه شأني أنا، شأني وحدي. وما هو هذا المكان؟ هذا المكان هو إفريقيا الجنوبية».

ويتعزز هذا البحث في صيغة المكان الجديد بعد تلاشي نظام التمييز العنصري، حيث نلمح تشكل إطار جديد للهوية التي تطال المكان، إنها بحث معمق في هوية جنوب إفريقيا الجديدة، وما يمكن أن ينتج من تداعيات وآثار؛ ولهذا تبدو حادثة اغتصاب «لوسي» جزءاً من الوظيفة الدلالية التي يتقن استثمارها كوتيزي، ويحملها أبعادا متعددة، وهنا نعود إلى شخصية «ديفيد» الذي ينظر للأمور من وجهة نظر مغايرة، فهو يؤمن بحق ابنته، ولاسيما في مواجهة «بتروس» المتستر على المغتصبين، والطامع في الاستحواذ على المزرعة، حيث يقول «ديفيد» في حوار داخلي: «أيام زمان كان في الإمكان حسم الأمور مع بتروس. أيام زمان كان في الإمكان حسم الأمور إلى حد فقدان الأعصاب وطرده وتشغيل شخص آخر مكانه».

وفي موقع آخر يرى بأن لبتروس حكاية، حيث جاء في الرواية: «لا ريب أن بتروس قد مر بتجارب كثيرة، ولا شك في أن لديه حكاية يحكيها. لو لم يكن لديه مانع من أن يسمع حكاية بتروس ذات يوم. ولكن من الأفضل ألا تشوه بروايتها باللغة الإنكليزية، لقد كان يقتنع باطراد بأن الإنكليزية وسيلة غير صالحة لنقل صورة حقيقية عن جنوب إفريقيا». وهنا لا يمكن أن نتجاهل الرغبة في تمكين الصوت الآخر الذي كان مهشما لسنوات، ثمة إذن مجموعات من المعاني التي تستند إلى محورية العنف والهيمنة، واللغة بوصفها من مفردات التمثيل الكولونيالي، بما ينطوي عليه من خطابات تقويضية.

تكمن قيمة رواية «الخزي» في قدرتها على عكس كافة هذه القيم الدلالية الجديدة بأكبر قدر من التكوين الحكائي المنخفض النبرة، وضمن تكوين سردي منضبط بنيوياً، بحيث إننا لا نكاد نشعر بالاضطراب في هذه الرواية المنشغلة بقراءة الواقعين السياسي والاجتماعي الجديدين في جنوب إفريقيا. وهذا على خلفية حكاية ذاتية تستشعر قيمة الزمن، والفكر في تعديل هوية جنوب إفريقيا. ولكن ثمة متلازمة (الهيمنة) التي تبدأ مع علاقة ديفيد بالطالبة وتتمثل بتبادل جدلية التابع والمتبوع، وفي حادثة الاغتصاب، وإعدام الحيوانات، أي أن ثمة عالماً قاسياً في إفريقيا. فالأستاذ الجامعي يرى بأن عملية السرقة تمت بدافع الفقر، بل إنه يصف الأمر ضمن نزعة اشتراكية حيث يقول ديفيد: «من المجازفة أن تمتلك أي شيء: سيارة، حذاء، علبة سجائر، ليس هناك ما يكفي من السيارات، والأحذية، والسجائر، ثمة أعداد غفيرة من الناس، وأشياء قليلة جدا. يجب توزيع الممتلكات، حتى تتاح الفرصة لكل إنسان أن يكون سعيدا مدة يوم واحد. هذه هي النظرية».

وختاماً، تبقى أعمال كوتيزي محورية في الأدب المعاصر لما تتمتع به من قدرة فنية تختزل الأفق الدلالي بذكاء، وحنكة سردية، كونها عميقة، ولا تستجلب ذلك القدر الكبير من محاولات التبرير الأيديولوجي، إنما تعمد إلى نزعة رمزية واستعارية، علاوة على تمكين المعادل الموضوعي في وجهة لا يمكن أن تبدو لنا نافرة، إنما تأتي في سياق طبيعي، ولا تحتاج إلا إلى بعض التأمل لتدرك كثافة السرد، وحيويته، أو رشاقته.

٭ كاتب أردني فلسطيني

القدس العربي

لتحميل الكتب التالية من رابط واحد

اليزابيث كستلو ، رواية  ج. م. كويتزي

في انتظار البرابرة لـ ج. م. كويتزي

أيام الصبا ج.م. كويتزي

خزي لـ ج. م. كويتزي

هنا والان بول أوستر و ج.م.كوتزي

خمسة كتب الكاتب ج. م. كويتزي في رابط واحد

وللأسف لم نعثر على روابط للكتب التالية المنشورة لنفس المؤلف

الرجل البطيء ج. م. كويتزي،ترجمة: عبد المقصود عبد الكريم، عن: الهيئة المصرية العامة للكتاب

يوميات عام سيئ ج. م. كويتزي،ترجمة: أحمد هلال يس عن: الهيئة المصرية العامة للكتاب (2009)

حياة وزمن مايكل ك. ج. م. كويتزي عن: دار الهلال – مصر (2003)

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى