سياسة

في البحث عن أكباش فداء/ ميشيل كيلو

 

 

 

في نظام الأضاحي القديم، كان يُضحّى بفرد من أجل خلاص الجماعة التي ينتمي إليها. وفي نظام الأضاحي الأسدي، يُضحّى بالجماعة لإنقاذ فرد هو رئيس النظام. أما في نظام الأضاحي الذي يخال بعض البلهاء أنه الثورة، فلا بأس من التضحية بالجميع، جماعات وأفرادا، من أجل إنقاذ مجموعة من المارقين الممسكين برقاب الأحياء من السوريين الذين ضحّوا بالملايين من أحبائهم.

ماذا يفعل الذين خانوا الثورة غير البحث عن أكباش فداء، لإقناع أتباعهم البلهاء بأن هؤلاء هم الذين يتحملون المسؤولية عن فشلهم، ناهيك بهزائمهم، وأنه تكفي التضحية بهم لإعادة الثورة إلى مسارها الصحيح الذي حرفوها عنه.

من يراقب الواقع في ما بقي من مناطق خرج النظام الأسدي أو أخرج منها سيضع يده على ظاهرة تستشري يوميا أكثر فأكثر، هي البحث عن أكباش فداء يلصقون بهم الجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب في كل مكان، لإحساسهم بأن وقت الحساب يقترب، وأنهم سيسألون عما اقترفت أيديهم ضد ثورةٍ انفردوا بتقرير شؤونها منذ أواسط عام 2012، بالعائد الكارثي الذي نراه حيثما نظرنا، ونلمسه في جميع المسائل المتصلة بالفرق بين فرص الانتصار الذي ضيّعوه، بملاقاتهم الأسدية في منتصف طرق المذهبية والعسكرة وواقع التهاوي الذي نعيشه ونلمسه في كل أمر وشأن.

كرر عشرات ومئات آلاف السوريين القول إن من يتحمّلون المسؤولية عما آلت الثورة إليه هم الذين رفضوا بناء وحدة سياسية عسكرية، تستند إلى برامج وخطط تنبع من استراتيجية ثورية تعبر عن مصالح الشعب، ولم تكن لهم مصلحة في إطاعة قيادة موحّدة، خبيرة ومجرّبة، ولقراراتها صفة مرجعية. وعطلوا بناء جيش وطني، وارتبطوا بأطرافٍ ليس من مصلحتها وقوع ثورة في سورية وانتصارها، وسلموا قرار السوريين إلى من موّلوهم ليتلاعبوا بقضيتهم، ويمارسوا سياساتٍ تُملى عليهم، تفتقر إلى المبادرة، بقيت طوال أعوام لحاقية ومتقطعة، واستهلكت نفسها في ردود أفعالٍ قتلت الروح الاستباقية التي لا تكون سياسةٌ وثورةٌ بدونها، وتبنوا أولويات خاطئة، فرضوها على مسارات النضال الثوري، لم تنطلق من الشعب رافعة وحيدة للانتصار، وعجزوا عن تحويل تمرّد مجتمعي هائل إلى ثورة بكل معنى الكلمة، وتركوه ينحدر إلى مزق محلية، لا رابط تنظيميا أو سياسيا أو عسكريا، ولا تعاون، بينها. وأخيرا، الذين لم يهتموا بشؤون ملايين المهجرين والمرحّلين بالقوة إلى خارج وطنهم، ووقفوا مكتوفي الأيدي حيال الإرهاب والأسلمة والمذهبة، السموم القاتلة التي شاركوا في حقن جسد ثورة الحرية بها، بعد أن تعهدت، في بداياتها، أن تكون لعموم السوريين من دون تمييز أو تفرقة، ورفعت راية المواطنة والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، قبل أن تُبتلى بمن اعتبر الحرية كفرا والشعب مذاهب وطوائف محتربة، شأنه في ذلك شأن النظام، والثورة اقتتالا بين أهل السنّة والأقليات الممسكة بالنظام.

هذه هي الأسباب التي قادت إلى المأزق الراهن لثورة تستحيل إعادتها إلى مسارها من دون التخلص منها، وممن تسبّبوا بها، بالبحث عن أكباش فداء بدلاء لهم تجار حرب وإرهابيين ومذهبيين، وساسة أيضا فشلوا في القيام بواجباتهم. لا أحد يدعو إلى محاسبة هؤلاء، لأن من يقاضون أكباش الفداء لا يجرؤون على الاقتراب منهم، ويثيرون، عوض ذلك، الضجيج ضد جهات مقصّرة أو فاشلة، لكنها ليست من أول الثورة إلى ما هي فيه، وها هم بعض السذّج يقاضونها لينال المجرمون الحقيقيون صك براءة عن جرائمهم.

توقفوا عن العبث، أيها الناس، فأنتم تزهقون ما بقي من روح الثورة.

العربي الجديد

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى