مقالات ونصوص سينمائية

التاريخ الجنسي السري لهوليوود

“كلنا نعاشر غرباء في خيالنا”، هكذا أعلن ديفيد تومسون في الصفحات الأولى من كتابه “معاشرة الغرباء: كيف شكَّلت الأفلام الرغبة” Sleeping With Strangers: How the Movies Shaped Desire. تصف هذه الجملة التجربة الجسدية للأحلام ببراعة، تماماً كما تصف الطبيعة الشرهة للخيال الجنسي. فكما هو ملاحظ، تتركز معظم أعمال تومسون في حياته المهنية التي دخلت الآن في عقدها الخامس -يبلع تومسون 78 سنة- في ذاك الحيز الغامض الذي تتداخل فيه الأحلام والتخيُّلات والأفلام. من غير الدقيق إطلاق لقب “ناقد سينمائي” على تومسون المولود في لندن والمقيم حالياً في سان فرانسيسكو. وكذلك تسمية “مؤرخ سينمائيّ” لا تناسبه تماماً، على رغم أن معرفته بالماضي السينمائي هائلة بكل تأكيد من حيث مدى تعمقها ودقتها. بالأحرى، ما يمكن أن نطلقه عليه؛ هو أنه “كاتب سير ذاتيّة”، يتناول الأفلام السينمائية باعتبارها أُلعوبة مشعوذ، والتي من المقرر أن تُفكك ثم يعاد ترتيبها مرة أخرى، وفقاً لما تمليه عليه ذاكرته الخاصة الغزيرة الفضفاضة ومُخيلته المزيفة المزخرفة.

أُطلق على تومسون الذي ألّف أكثر من 30 كتاباً -منها سيرتا ديفيد أوه سيلزنيك وأورسون ويلز، ومؤلفات حول همفري بوغارت وبيت ديفيس وإنغريد بيرغمان وغاري كوبر- لقب أعظم كاتب سينمائي لا يزال على قيد الحياة. لكنه أيضاً أُقصي بوصفه ثرثاراً متباهياً واقعاً في غرام صوته النشاز. عندما صدرت آخر طبعة من أشهر كتبه، كتاب “القاموس البيوغرافي السينمائي الجديد The New Biographical Dictionary of Film، ذاك الكتاب الضخم شديد الغرابة، صدرت الطبعة الأخيرة منه عام 2014، انحزتُ إلى المعسكر الأول أكثر من الثاني. إذ يمكن أن يكون هذا العمل المرجعي الشبيه بمتاهةٍ مثيراً لحنق البعض، لكنه يضم مجموعة فريدة من السير الذاتية المُوجَزة التي تدور حول ممثلين ومخرجين وكتاب، وفي بعض الأحيان حول مصورين سينمائيين ومصممي أزياء. لا يُلخص تومسون في هذا الكتاب الحياة الخاصة أو الحياة المهنية لأحد المبدعين على وجه الخصوص، إنما يسرد تجاربه الذاتية وانطباعاته المستخلصة من أعمالهم.

يسترشد نهج تومسون تجاه الظاهرة النفسية والاجتماعية الجمعيّة والتي يعرّفها أحياناً ببساطة على أنها “فيلم سينمائي”، بمبدأ راسخ بالغ الأهمية: الرغبة شكلٌ من أشكال الإدراك والمعرفة. في أحسن الأحوال، ألهمه هذا الأسلوب لكتابة مقاطع نثرية جذلة وخفيفة. يتطرق القاموس الطويل إلى جيمس دين، وهو ممثل من جيل تومسون وأحد الممثلين المفضلين لديه، متضمناً ذكرى حسيّة عن أكوام السجاد الفخمة والإفلات السهل من الحراس في مسرح ودار عرض Granada، في منطقة توتينغ جنوب لندن، حيث كان يتسلل لحضور عرض فيلم “متمرد بلا قضية”Rebel Without a Cause، عام 1955. يمكن أن يفسر التزامه ترك نفسه يحب ما يحب ويكره ما يكره؛ نغمات الثناء المتصاعدة، وكذلك النبذ والإقصاء المريرين. فهو يقول مثلاً عن سارة بولي مخرجة فيلم “بعيداً منها” Away From Her، الذي قامت ببطولته جولي كرستي، “أظهرت لنا أن تصوير بعض الشخصيات الروائية في الدراما، ربما يكون بالغ الأثر مثل: استكشاف الفضاء، وفهم الرياضيات الصعبة، وفحص مشروع الجينوم البشري”. ويقول عن المخرج لارس فون ترايير الدانمركي الاستفزازي (بحسب عنوان كتاب إدوارد ميلر جونز عن حياة لارس فون ترايير الخاصة والمهنية)، “عبقري بطريقة تمنح هذا المصطلح سمعة سيئة”.

يمكن أيضاً أن يفضي إيمان تومسون بسمو التجربة الذاتية والنزعات العميقة الشعورية إلى مزيج غامض من المبالغة والتجرُّد. فها هو يتحدث عن جوليت لويس، التي تحوّلت من أداء دور المراهقة اللعوب في فيلم المخرج مارتن سكورسيزي “خليج الخوف” Cape Fear، إلى مختصة في أدوار فتيات الحفلات غير المتزنات المتقدمات في السن، قائلاً، “لا يمكنني منع نفسي من اعتبارها شيئاً أبعد ما يكون من الواقع، ونوعاً من المغامرة الأسطورية أو التحذيرية”، هكذا كتب في قاموسه، قبل أن يعتذر عن هذا التفسير أو النقد المبهم مع التنبيه إلى أن، “هذا كتاب عن ردود الفعل”. هذا الاعتماد على رد الفعل الحدسي -كما يُظهر كتابه “نيكول كيدمان” (Nicole Kidman) الذي لم يلق قبولاً والمنشور عام 2006- يمكن أحياناً أن يتسبب في انحراف مساره. فقد وصف أحد النقاد الكتاب بأنه، “رسالة غرامية غير لائقة”، وكان عملاً يمكن تصنيفه ضمن “أدب المعجبين أو الهواة” (فان فيكشن) أكثر من كونه “سيرة ذاتية”، بل وأحياناً يقترب من “الأدب الإباحي الفاحش”. في إحدى فقرات الكتاب الشهوانية، يصف تومسون حلماً راوده خلال قيلولة في فترة ما بعد الظهيرة، كان عبارة عن إعادة تصوُّر لفيلم المخرج لويس بونويل “حسناء النهار” Belle de Jour، والذي فيه تُجسّد الممثلة كاترين دينوف البغي –وهي الممثلة التي يعتبرها تومسون السلف السينمائي لكيدمان- مرة أخرى في هيئة كيدمان نفسها، وهي ترتدي، “حمالة صدر بيضاء مكشوفة للغاية، ومقاسها أصغر بدرجة أو اثنين”.

عند البدء في كتابة “معاشرة الغرباء”، كان تومسون ينوي أصلاً تأليف كتاب عن تاريخ “المثلية الجنسية” في السينما. إذ بدأ يبحث في فكرة أن، “أجواء جميع الأفلام كانت فيها صبغة مثلية الجنس، كما هي الحال في الشكوك المتزايدة بأن العلاقات الرومانسية الأميركية المعتمدة ربما تكون مختلة”. في الفصول الأولى من الكتاب والتي تنبع من هذه الفكرة، يجد تومسون اتجاهاً مباشراً من الثورية المثلية (اللوطية) حتى في أكثر العلاقات المغايرة جنسياً قوة، بمختلف أدبيات هوليوود الكلاسيكية، مثل: أفلام الغرب الأميركي، والأفلام الموسيقية، وأفلام الكوميديا الرومانسيةthe screwball comedy. لكنه بينما كان يكتب، أغراه الانتشار المدوي لحركة “أنا أيضاً” (#MeToo) بتوسيع مجال الكتاب. وفي نسخته النهائية، تضمن الكتاب أيضاً تاريخ تفضيل الذكور واضطهاد الإناث في هوليوود، سواء على شاشة السينما (من خلال تمثيل الحياة الجنسية للأنثى)، أو بعيداً منها (في العالم الخفي عن الأنظار المتمثل في مقصورات وأسرة طاقم التمثيل والعلاقات الغرامية في موقع التصوير).

لا يزعم كتاب “معاشرة الغرباء” تقديم دراسة وافية أو مرتبة زمنياً عن ممارسة الجنس في الأفلام؛ وهو أمر مستحيل منذ البداية نظراً إلى أنه كان يستهدف شيئاً آخر من الأصل. لكن تومسون يتبع بدلاً من ذلك نهجاً موضوعياً في هذا الشأن، إذ يكتب على سبيل المثال فصولاً عن الحب الخفي بين أبطال أفلام الغرب الكلاسيكية ومساعديهم المخلصين (الرفقاء ورعاة البقر)؛ وعن وجود ثقافة مثلية ثانوية ازدهرت في مجتمع هوليوود منذ الثلاثينات (مثال غيبل وكوكور)، واهتمام كُتّاب الفضائح ووكلاء المواهب –وكثر منهم من المثليين أيضاً- في تلفيق قصص حب مغايرة جنسياً لنجوم سينيمائيين مثليين تحدث بعيداً من الشاشة. ومن خلال تكريس نفسه لفكرة أنه “إذا كان من المقدر لثقافتنا أن تظل على قيد الحياة، أو أن تستحق البقاء، فعلى مغايري الجنس أن يتأقلموا مع التجربة المثلية ويتعلموا منها”، يحاول تومسون استخلاص تاريخٍ بديل للهوية الجنسية -فهمٌ أوفى وأكثر حرية لتنوع الرغبات- من وسط صناعة الأفلام التي اتسمت بالمغايرة الجنسية في الأغلب.

المعاني الخفية للمثلية سينمائياً

يتألق تومسون وهو يُنقب عن تلك المعاني الخفيّة، ملاحظاً تفصيلة مُعينة في أحد الأفلام المألوفة تساعدك على رؤية ذلك الفيلم بشكلٍ جديد. أحببتُ قراءته الرقيقة لعلاقة لوريل وهاردي بأنها علاقة مثالية صُنعت في الجنة: “خلق الله علاقة لوريل وهاردي بمثابة تكريمٍ لما تذكره من كوميديا الزواج… ومثلما لم يتخذ أي منهما قراراً بأن يكون مع الآخر، فلم يكن في يد أي منهما خيار الانفصال أو الرغبة في ذلك”. ولخَّص تعليقه المجازي المتعمق حيث شبَّه الممثلة فيرا فارميغا بـ”ورق الغار في الحساء الذكوري” في فيلم The Departed، للمخرج سكورسيزي، تاريخاً طويلاً مؤسفاً من اعتبار النساء مُنكهات لا يُلتفت إليها.

في الفصول التي تتناول المثلية الجنسية في الكتاب، يُقر تومسون بنفسه بمَرَحٍ بأنه المشاهد الذي وُجهَّت إليه هذه الأفلام: الفتى المستقيم جنسياً شديد الجهل لدرجة ألا يلاحظ تاريخ الأفلام المثلية السري وهو يتشكل أمام عينيه. إنه ذلك الرجل النادر مغاير الجنس والذي تخطى منتصف العمر محاولاً بتطرف أن يغير رأيه في موضوعٍ حيوي للغاية. هناك نبلٌ في سعيه هذا، حتى وهو يُخفق في اختيار المصطلحات أحياناً -لكونه لا يزال مبتدئاً في النظرية المثلية- ويبدو وكأنه يخلط بين تجربة التحول الجنسي والازدواجية الجنسية، وأحياناً بشكلٍ مبهم، السلوكيات الغريبة لمغايري الجنس، تحت مظلة مُصطلح “المثلية” الذي يتوسع بسخاء. يبتعد تومسون من الدفاع عن ميوله المغايرة جنسياً، ويبدو مسروراً بأعمال الفنانين المثليين أمثال ترافيس بانتون، مصمم الأزياء، الذي اعتبر الجنس المغاير “مضنياً بل وسخيفاً بتأطيره لمفهوم الحب، والزواج، والتقدم في العمر سوياً”.

حين يكتب تومسون عن تمثيل الجنسانيّة النسائيّة خارج الشاشة، يبدو غير مرتاح، ولديه القليل ليقوله بصدق، فتأمّلاته عن النساء تشغل عدداً من الصفحات أقلّ ممّا كتبه عن المثليّين من الرجال. إلّا أنّ كثيراً من رؤاه عن الأفلام نفسها ما تزال متألقة. يرى تومسون في أزياء مارلين ديتريش المتكلّفة بتألّق -من تصميم ترافيس بانتون، والتي ارتدتها في الأفلام التي مثّلت فيها تحت إشراف المخرج الذي عملت معه مدة طويلة -وربما عشيقها- جوزيف فون ستيرنبيرغ- تصويراً للجمال الأنثويّ بطريقة منسقة للغاية لدرجة أنها تمثّل تحقيقاً لحدود السحر والفتنة. من خلال ارتدائها إبداعات بانتون المتلألِئة، صارت ديتريش أيقونة خالصة و”ساحرة تتعامل مع الرجال كما لو كانوا ذباباً”. وبحسب تومسون، فإنّ الإنجاز العظيم لستيرنبيرغ بصفته مخرجاً هو، “إطلاق شرارة الازدراء للرومانسيّة التقليديّة”.

النساء الحقيقيات

إلّا أنّه حين يتعلّق الأمر بالنساء ثلاثيّات الأبعاد (الحقيقيات) خارج الشاشة، واستغلالهنّ مِن قِبَل ماكينة هوليوود، فإنّ حسن الظنّ الواضح لدى تومسون لا يحول بينه وبين لحظاتٍ فيها من الألم ما يكفي لإثارة الهواجس: هل أصاب في الاختيار عند إضافته ورقة غار إلى هذا الحساء المعقد بالفعل؟ في فصلٍ عنوانه “النظرة الذكوريّة”، يفصِّل تومسون عملية الاستغلال الجنسيّ مقابل الحصول على دور في تجارب الأداء، التي يُزعَم أنّ ناتالي وود حصلت من خلالها على دورها في الفيلم المفضّل لدى المراهقين “متمرد بلا قضية”. كان هدفه الظاهر من وصف العلاقة بين وود ومخرج الفيلم نيكولاس راي، الذي كان يبلغ حينها 43 سنة، هو إتاحة المجال للفتاة المفعمة بالحيويّة لكنها لا تشعر بالأمان، التي ولدت باسم ناتاليا نيكولايفنا زاخارينكو، ولكنها عرفت منذ طفولتها بناتالي وود.

نتالي وود

في نظر القانون ومعظم مَن أعرفهم من الآباء، فإنّ شخصاً في عمر السادسة عشرة لا يزال طفلاً. إلّا أنّ تومسون يبدو غير مستوعب للمذكّرة المتعلّقة باغتصاب مَن هنّ دون السنّ القانونيّة، ولا يبدو أن لديه القدرة على التخلّص من فكرة التقليل من قدرات وود على لعب الدور من دون أن تكون على استعداد للنوم مع المخرج. وكتب بنبرةٍ صاخبة، “أرادت ناتالي أن يلحظها ذلك الرجل القويّ الجذّاب؛ وما كان يساعدها على هذا هما عيناها الساحرتان وحاجتها المتفجّرة وكونها في السادسة عشرة”. بالكاد تتوافق هذه القائمة الهزيلة من بنود السيرة الذاتية مع حقيقة أنّ وود -ومثلما يلاحظ تومسون نفسه بعد هذا الحديث بفقرتين- قد اجتذبت بالفعل قلوب روّاد السينما في فيلم “معجزة في شارع 34” (Miracle on 34th Street)، حين كانت تبلغ من العمر 8 سنوات. في الواقع، أمضت وود نصفَ حياتها نجمةً ناجحة في عمر الطفولة. ربّما بالفعل ضاجعت وود راي بحماسة وابتهاج، لكن هذا لا يعني أنّها كانت في عمر يسمح لها بإبداء أي موافقة لها معنى أكثر مما قد يشير إلى أنّ توافرها المفترَض لتقديم خدمات جنسيّة كان هو دافع راي الوحيد لمنحها الدور في الفيلم. تنتهي بغرابة جهودُ تومسون لاستعادة دورِ وود وسطوَتِها إلى انحيازٍ للرجل الذي استغلّها.

تحول صراع تومسون لفهم أولى مبادئ حركة #Me Too، فهماً كاملاً -الذي يتمثل في أن روايات هؤلاء النساء حول تجاربهن، تستحق، بعد طول انتظار، ألا تطغى عليها أصوات الرجال- من كونه أمراً محرجاً إلى أمر مثير للغضب، وقد تجلى ذلك بوضوح في أحد الفصول بالقرب من نهاية كتابه، بعنوان “الرجل المحترق”. فعام 1978، بينما كان يُدرس في كلية دارتموث، ويستعرض الأفلام لإحدى الصحف في مدينة بوسطن، نشأت صداقة حميمة بين تومسون والمخرج السينمائي الشاب آنذاك، جيمس توباك، الذي يرى تومسون أن فيلمه الأول “أصابع” Fingers، كان ولا يزال واحداً من أفضل الأفلام على الإطلاق في تاريخ السينما الأميركية.

يصعب سماع عنوان الفيلم هذا واسم توباك نفسه عام 2019 من دون تصور أصابع المخرج المزعجة ذاتها على مقربة مفزعة من مئات النساء اللواتي اعترفن بالحقيقة في أواخر عام 2017، واتهموه بالتحرش الجنسي أو الاعتداء. يُزعم أنه اعتمد نمطاً معيناً لإغراء الشابات من الشارع ووعدهن بتحقيق النجومية السينمائية والشهرة. وفقاً لتومسون، كانت صدمته عندما اكتشف ما فعله صديقه، ما دفعه لأول مرة إلى إدراج قصص مستمدة من تاريخ هوليوود الطويل والمتنوع من الاعتداء على النساء.

ونظراً إلى أن الادعاءات الموجّهة إلى توباك (التي ينكرها جميعاً) غيرت مسار عمل لا يزال في طور الإنجاز، توقعت أن أجد هذه الحادثة الصادمة واردة في مقدمة الكتاب الذي يتناول في معظمه هذا النوع من الخداع القائم على تبادل المصالح، والذي تجسد في سلوك المخرج. وإحقاقاً للحق، استحق تومسون الثناء لقيامه بالقليل من محاسبة النفس وإعادة تقييم عادلة عندما عاد بذكرياته إلى الماضي على مدى عقود جمعته بعلاقة وثيقة مع توباك، الذي جاء ذكره في قاموس السير بشكل ودي لدرجة أنه كتب عنه بضمير الغائب، بادئا بقوله “عزيزي جيم”. يتذكر تومسون القراءة في كتاب توباك الذي صدر عام 1971 عن نجم كرة القدم الذي كانت له أيضاً بصمة في مهنة التمثيل، جيمس ناثانيال براون، وعن الحفلات الجنسية التي شارك فيها صديقه في منزل ظهير فريق كليفلاند براونز المتقاعد. يرى تومسون الآن بحزن أن الأمر، “كان عبارة عن مرح صاخب مثلت فيه النساء أدوات مُطيعة للمتعة… ولا شك في أن بعضهن خرجن من هذه التجربة مصابات بأضرار بالغة وباليأس”.

بيد أن الطريقة التي يختتم بها تومسون هذا الفصل تثير شكوكاً خطيرة حول ما إذا كان يفهم حقاً فكرة حملة #MeToo، في المقام الأول. فبدلاً من التعبير عن الغضب أو الحزن إزاء مئات النساء اللائي زُعم أن توباك أساء معاملتهن، أعرب تومسون عن أمله بأن أحدث أعمال صديقه القديم، قد تساعده في الخروج من هذه المرحلة القاسية التي استمرت أكثر من سنة. إذ فقد توباك 60 رطلاً من وزنه! كما أنه “يكتب بحماسة”! يُمكن أن يكون كتابه القادم -الذي يصل عدد صفحاته إلى 100 صفحة أو أكثر، والذي اطلع عليه تومسون بالفعل، لأنه من الواضح أن أياً كان الخلاف الذي تسببت فيه الفضيحة بينهما لم يمنعه من تدقيق النص لصديقه- “أعظم أعماله”. أنا على يقين من أن ملايين النساء، إضافة إلى الكثير من ضحايا سوء المعاملة المزعومين الذين سبق ذكرهم، سيشاركونني في تهنئة توباك على الوقت القصير بشكل ملحوظ والخالي من العواقب الذي تعرض خلاله للخزي.

بصرف النظر عن تاريخ الصداقة التي جمعت تومسون وتوباك، فإن الروح السائدة في كتاب “معاشرة الغرباء” (Sleeping With Strangers)، تتسم بالألم الذي قد يشعر به أحد محبي أفلامه، بينما يُعيد التفكير في العمر الذي أمضاه جامحاً برغباته في الظلام؛ ومن ثم الاعتراف بعد عقود بأن رغباته تلك لم تكن بريئة كما يبدو. عندما تكون داخل فقاعة آمنة مثل تلك التي تحيط بالأفلام في حين أن هذه الفقاعة موجودة لتطويق الناس من أمثالك وإبعادهم- يصبح من الصعب رؤية من وما يوجد في الخارج. لا يزال المغزى الحقيقي الذي لم يتطرق إليه هذا الكتاب المُغري، الذي يبدو في بعض الأحيان بغيضاً، هو الامتياز المطلوب لمنح نفسك هذه البراءة.

https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2019/03/david-thomson-sleeping-with-strangers/580459/

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى