منوعات

كيف تؤسس عملاً قائماً على المعلومات المُضللة؟

ترعرع أندريه غيرسل في مدينة تشيسكي بوديوفيتش الواقعة في إقليم جنوب بوهيميا، في جمهورية التشيك، وبدأ يعمل ساقياً في إحدى الحانات، وهو عمل شائع في المدينة التي اشتهرت بصناعة الجعة منذ قرون.

الساعات الطويلة التي كان يمضيها في تحضير المشروبات، والاستماع إلى زبائنه وهم ينتقدون النظام السياسي، أثرت فيه، إذ سرعان ما تحول طموح غيرسل تحولاً جذرياً. دشن موقعاً إلكترونياً لمدمني متابعة الأخبار ممن هم على شاكلته، وها هو الآن يرأس إحدى أكثر إمبراطوريات الأخبار البديلة شعبية وإثارةً للجدل في البلاد.

وجاء في باب التعريف -About- لصفحة موقع AC24 الإلكتروني على “فيسبوك”، الذي يُعد درة أعمال غيرسل، وأهم منافذه الإخبارية، “تميل وسائل الإعلام في الوقت الراهن إلى إخفاء الحقائق المهمة عن الناس… لذا، نعمل على تقديم الأجوبة”.

يقول غيرسل إن النجاح الذي حققه في اقتحام عالم الإعلام هو نتيجة حس وإدراك جيد لهذا المجال، إضافة إلى التفاني في السعي إلى إبقاء التكاليف منخفضة، من طريق إعادة تقديم القصص الإخبارية المنشورة بأساليب أخرى، والتركيز على المواضيع المثيرة. في غضون ذلك، سجل موقع AC24 في كانون الثاني/ يناير لعام 2019 أكثر من مليون زيارة، وهو رقم مثير للإعجاب من دون شك، في بلد يبلغ تعداد سكانه 10 ملايين نسمة. وحصدت صفحة الموقع على “فيسبوك” أكثر من 100 ألف متابع. حقق غيرسل في العامين الماضيين أرباحاً متزايدة أيضاً.

إلا أن معارضيه كانت لهم وجهة نظر مناوئة. إذ يرون أن الشعبية التي يحظى بها موقع AC24 ما هي إلا جرس إنذار حيال البيئة الفوضوية المُقسمة، التي تتسم بها وسائل الإعلام في الوقت الراهن، والتي توضح كيف يُمكن لموقع إلكتروني خارج عن المألوف، يدعم آراء سياسية بديلة، أن يتحول إلى نافذة أخبار مضللة عدوانية.

خلص مركز “European Values” البحثي في جمهورية التشيك، وهو منظمة غير حكومية، في دراسة أجراها على موقع AC24 الإلكتروني في نيسان/ أبريل لعام 2016، إلى أن الموقع “يستخدم أساليب تلاعب مختلفة، بدءاً من النشر المقصود لمعلومات مضللة، وصولاً إلى طرح نظريات مؤامرة على أنها أخبار حقيقية”. كما وصف موقع Kospiratori.sk، وهو قاعدة بيانات عامة للمواقع الإلكترونية التي تقدم معلومات مضللة في جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا، موقع AC24 بأنه بوق من أبواق الكرملين. وفي 13 شباط/ فبراير نُسبت 3 من أصل 10 مقالات نُشرت على الموقع إلى النسخة الناطقة باللغة التشيكية من وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسية.

مع اقتراب موعد انتخابات الاتحاد الأوروبي خلال فصل الربيع المقبل، يمكن لموقع AC24، أن يلعب دوراً مؤثراً في بلد حُسمت الانتخابات الرئاسية الماضية فيه بزيادة فاقت قليلاً 150 ألف صوت. إضافة إلى ذلك، دعا الرئيس الشعبوي الحالي ميلوش زيمان، إلى إجراء استفتاء حول عضوية جمهورية التشيك في الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، المؤسستين اللتين خصص لهما موقع AC24 الإخباري الكثير من مقالات النقد.

يقدم غيرسل نفسه على أنه رجل، موكل بمهمة إيقاظ المجتمع، وبطبيعة الحال، تحقيق أرباح طائلة خلال تلك المهمة. صرح في مقابلة عبر تطبيق Skype، أنه ليس على صلة بأي حركة أو حزب سياسي. كما أنه لا يتبنى أي فكر. ويقول إنه يستفيد من سوق الأخبار المثيرة والمتنوعة، التي يفضلها المواطن التشيكي.

كما أقر غيرسل أنه لا يثق بالحقائق الواردة في المقالات المنشورة على موقع AC24.

قال غيرسل “حسناً، موقعنا الإلكتروني ليس الأكثر صدقاً أو الأجدر موثوقية”. وأضاف “لا نريد أن يعتمد قُراؤنا على مصدر واحد لتلقي المعلومة. يتعين عليهم أن يكونوا قادرين على تعقّب المعلومات من أكثر من مصدر”.

دشن غيرسل إمبراطوريته الإعلامية الحديثة عام 2011، عندما اجتذبت أخبار ثورات الربيع العربي، وأخبار الحركة الشعبية “احتلوا وول ستريت” (Occupy Wall Street)، المواطن التشيكي، والمواطن الأوروبي عموماً.

أسس موقع إلكتروني لمناقشة هذه الحركات، وغيرها من الحركات الاجتماعية الأخرى، التي اعتقد أنها لن تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الرئيسية. قال غيرسل، إن هذه النسخة الأولية من موقع AC24، اجتذبت “الجمهور المتحمس سياسياً”، ولم تحصد الكثير من المتابعين.

في غضون ذلك، عين غيرسل شخصين للعمل معه، وأطلق مجلة سماها “الوعي” (Consciousness)، وهي منصة خصصها للمقالات الطويلة، والتحقيقات الصحافية. كان شعار المجلة هو “إيقاظ الشعب”.

تابع جان سيمبر، رئيس تحرير موقع Manipulatori.cz الإلكتروني -وهو موقع تشيكي متخصص في فحص الحقائق- موقع AC24 منذ إنشائه. التقى غيرسل في إحدى مسيرات حركة “احتلوا وول ستريت”، وشاهد عن قرب التَحوُّل الجذريّ في الموقع.

قال سيمبر، “كانوا يقدمون معلومات حول مطالب المتظاهرين”. وأضاف، “كانوا يوفرون نافذة لآراء الحركات الطلابية التي تسعى إلى تحسين النظام”.

بدأ محتوى موقع AC24 يتغيّر عام 2014، بالتزامن مع اجتياح روسيا أوكرانيا. إذ صورت المقالات المنشورة في الموقع، أن هذا الصراع اندلع نتيجة للفاشية المتزايدة في أوكرانيا، مردداً بذلك آراء مسؤولي الكرملين ذاتها.

قال سيمبر إن محتوى المقالات المنشورة في الموقع تحول إلى عداء صريح تجاه المؤسسات الحكومة الغربية وقيمها، موضحاً، “بدأوا الهجوم على المبادئ الأساسية للديموقراطية الغربية”.

أصبح موقع AC24 منصة دائمة ومصدراً أساسياً لمقالات انتقاد المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، وعضوية جمهورية التشيك في الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. تبنى موقع AC24 أيضاً أسلوب النشر الشائع في الولايات المتحدة وغيرها من الأماكن. واعتمد الموقع على نشر القصص المختصرة، مع التركيز على الأخبار العاجلة المكتوبة ببساطة، والتي عادةً ما تكون مصحوبة بمقطع فيديو.

قال غيرسل إن عمله عبر الإنترنت بات يحقق عائداً أكبر مما تحققه مجلته. وعليه، صدر العدد الأخير من مجلة “الوعي” في أيار/ مايو من عام 2016.

قال غيرسل، “اعتدنا تقديم الكثير من المقالات المطولة، لكن لم يعد هناك من يهتم بهذا النوع من الموضوعات. لذا قررت استثمار أموالي في شيء آخر”. وأضاف، “شيء من شأنه أن يكون ذات قيمة مضافة من الناحية المالية والتجارية”.

في الوقت الراهن، نادراً ما تتخطى القصص الإخبارية القياسية التي ينشرها موقع AC24 خمس فقرات، مع تركيز ملحوظ على الموضوعات التي يراها السياسيون اليمينيون في سائر الدول الأوروبية، مثار تهديد خطير، بدءاً من الهجرة، وانتهاءً بالخطر المزعوم للإسلام.

تأتي العناوين الرئيسية المثيرة على الموقع باللون الأحمر، مثل “الولايات المتحدة تنهار، ولكن لا أحد يهتم”، أو “بيل غيتس والنخبة العالمية لا يُطَعِمون أطفالهم ضد الأمراض لأسباب وجيهة”، والتي تظهر إلى جانب عدد لا حصر له من الإعلانات.

في غضون ذلك، يقول غيرسل إن أرباحه آخذة في النمو. فقد حقق موقع AC24 عام 2015 أرباحاً قدرت بـ 100 ألف كرونة تشيكية (ما يعادل 4 آلاف دولار)، بينما ارتفع هذا المبلغ عام 2017 إلى مليون ومئة ألف كرونة تشيكية (ما يعادل 44 ألف دولار).

يتجاهل غيرسل منتقديه ممن هم على شاكلة سيمبر، والذين ينددون بدوره في نشر الأخبار الكاذبة. ويقول إنه سيواصل إدارة موقع AC24، طالما أن الاستمرار في ذلك مربح. وأضاف، “الأمر برمته يتعلق بالتأقلم مع التغيُّرات في المجال الإعلامي… هناك أناس يريدون هذا النوع من المعلومات، لذا نقدمه لهم”.

هذا المقال مترجم عن codastory.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

 درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى