مراجعات كتب

سامنثا باور في “تعليم شخص مثالي”: ملابسات سياسة أوباما حول التدخل العسكري الأمريكي في سوريا/ سمير ناصيف

هل باستطاعة أي مسؤول سياسي قد يتمتع بالثقافة الواسعة والإيمان بالمبادئ الأخلاقية ويتميز بشخصية مثالية التوجه أن ينفّذ قرارات الرؤساء والمشرفين على عمله حتى ولو تنافت أو تعارضت مع معتقداته الشخصية؟

هذا سؤال تجيب عليه المندوبة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة سامنثا باور في كتاب مذكراتها الذي صدر مؤخراً تحت عنوان: “تعليم شخص مثالي”.

تؤكد باور في تقديمها لهذا الكتاب، وفي معظم فصوله، أنها كانت تفضل ان يتخذ رئيسها ومثلها الأعلى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قراراً رئاسياً بضرب النظام السوري بقيادة بشار الأسد، عسكرياً في صيف عام 2013 عندما تثبت، حسب قولها، أن قواته العسكرية استخدمت الأسلحة الكيميائية لضرب معارضيه مما أدى إلى مقتل حوالي ألف وأربعمئة شخص وإصابة آخرين بجروح بالغة، وبين الضحايا حوالي أربعمئة طفل.

وتشير باور إلى ان القيادة السورية تجاوزت الخط الأحمر عندما ارتكبت هذه المجزرة، وكان من الأفضل وقفها عند حدها آنذاك وعدم تفاوض أمريكا مع القيادة الروسية لإخراج الأسلحة الكيميائية من سوريا لإنقاذ النظام من السقوط.

وتأسف لأنها نفذت قرارات قيادتها وتفاوضت مع المندوب الروسي السابق (الراحل) فيتالي تشوركين للتوصل إلى مثل هذا القرار غير الحاسم رغم تعارضه مع مبادئها ومعتقداتها.

وفي الفصول 16 و20 و30 تقول إن أوباما كان يؤمن بسياسة التفاوض مع الخصوم وداعميهم إلى أقصى الدرجات قبل اتخاذ القرار الحاسم بالتدخل العسكري ضدهم فيما كان معاونوه نائب الرئيس جوزف بايدن ووزير الخارجية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل (آنذاك) يشجعونه على اتخاذ الخطوة العسكرية التي كانت (في رأيها) ستريح الشعب السوري من قيادته، منذ عام 2013 وتحول دون استمرارها في قمعه. وتعتبر ان أوباما خشي ان يكرر الخطأ الذي ارتكبته القيادة الأمريكية بغزو العراق عام 2003 ثم غزو ليبيا في آذار (مارس) 2011 تحت مظلة “حلف شمالي الأطلسي” (الناتو) وإسقاط نظام البلدين وإحداث الفوضى فيهما. وقد رغب أوباما في الحصول على موافقة الكونغرس الأمريكي، في صيف عام 2013 قبل ضرب سوريا عسكرياً، وفشل في هذا السعي وتراجع عن القرار.

وتشير في الصفحة 376 من الكتاب، ان ضغوطاً إسرائيلية ساهمت في اتخاذ كيري وبايدن وهيغل الموقف المتشدد بالنسبة إلى ضرورة العمل العسكري ضد سوريا (آنذاك).

وقد مارسَ هذه الضغوط رئيس الحكومة الإسرائيلية (في تلك الفترة) بنيامين نتنياهو واللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل “ايباك” في الولايات المتحدة. كما ان أوباما تأثر في دوافع اتخاذ الموقف الحذر إزاء الهجوم على سوريا نتيجة لخسارة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، التصويت على المشاركة البريطانية في العملية العسكرية على سوريا في مجلس العموم البريطاني (في حينه) بالإضافة إلى تردد وتأخر الأمين العام للأمم المتحدة في تلك المرحلة بان كي مون في سحب المفتشين الدوليين الذين أرسلتهم المنظمة الدولية للتأكد من أن الأسلحة الكيميائية استُخدمت بالفعل.

وتعيد باور موقف الأمين العام هذا إلى ان بان كي مون لم يكن يرغب في أن تُتهم الأمم المتحدة والدول الغربية بالتواطؤ في قرار التدخل عسكرياً في سوريا الذي كان مقرراً ان يتم في 25 آب (أغسطس) 2013 (ص373). وتؤكد انها أسفت لتراجع أوباما بعدما كانت متأكدة أنه سيقوم بضرب النظام السوري في 30 آب (أغسطس) بعد انسحاب المفتشين الدوليين، علماً ان القصف الكيميائي في سوريا حدث في 21 آب (أغسطس) وحاولت روسيا (في رأي الكاتبة) بعد ذلك، تعميم حالة من الغموض حول الجهة التي استخدمت الأسلحة الكيميائية يعني إذا كانت المعارضة أو النظام.

وفي الوقت الذي كانت فيه باور تتفاوض مع نظيرها الروسي تشوركين في الأمم المتحدة حول هذا الموضوع بأمر من أوباما، كان كيري يفعل الأمر نفسه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وتأكد لها آنذاك أن “بوتين سيفعل كل ما في وسعه لمنع حدوث تدخل عسكري أمريكي في سوريا وانه نجح في ذلك”. (ص 384).

وتوصلت مفاوضاتها ومفاوضات كيري مع المسؤولين الروسيين تشوركين ولافروف وطبعاً بأشراف بوتين وأوباما، إلى قرار مجلس الأمن رقم (2118) الذي اعتبره كيري جيداً ورأى فيه بوتين وسيلة لمنع سوريا من ارتكاب أي اعتداء كيميائي آخر في البلد، فيما استمر النظام السوري حسب رأيها، في الاعتداء على شعبه وربما في العودة إلى التسلح بالأسلحة الخطيرة.

ويبدو في الكتاب أنها تشارك المعارضة السورية في مواقفها المتشددة ضد النظام السوري الحالي، وتتجاوزها في بعض الأحيان، ولكنها تعتبر في الفصل الأربعين أن العقوبات الدولية من مجلس الأمن والدول الغربية ضد سوريا وإيران، ستساهم في منع أي مواجهة عسكرية في المستقبل في الشرق الأوسط (ص 529 ـ 530).

غير انها تتحفظ كثيراً عندما تتحدث عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية نهاية عام 2016 وتأثير مواقفه عموماً على معنويات فريق العمل الأمريكي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وخصوصاً أن هذا الفريق كان مؤلفاً في غالبيته من الأقليات الاثنية في الولايات المتحدة الذين واجهوا حملة شرسة من جانب الرئيس الجديد.

بيد أنها وفي ملحق للكتاب كتبته في حزيران (يونيو) 2019 تحولت من داعية للعمل العسكري ضد الخصوم، كما ورد عنها في الفصول الأولى، إلى كاتبة متحفظة تدعو إلى الدبلوماسية كخيار أفضل نسبياً لبلدها لحل المشاكل والنزاعات الخطيرة، حيث تقول في الصفحة (549): “علينا ان نعمق استثمارنا في المساحة التي حققت فيها الولايات المتحدة نجاحات كبيرة بأقل التكاليف، وهي ساحة الدبلوماسية، نظراً لأن دور أمريكا في العالم يتقلص والحاجة إلى الدبلوماسية أصبحت أساسية إلى درجة أكبر”. وتضيف: “أن عمليات شن الحروب أصبحت ثقيلة الحمل ومرهقة على جنودنا وعائلاتهم، والاعتماد على الأعمال العسكرية إلى درجة كبيرة ليس مستحباً ولا يمكن بواسطته تحقيق الأهداف المرجوة في المدى البعيد. ومن الخطأ الاعتماد فقط على الخيارات العسكرية في سياساتنا الخارجية”.

وفي الصفحة نفسها أيضا تضيف: “حتى الساعة، أرسلت وزارة الدفاع والقيادة العسكرية الأمريكية ما يوازي 225 ألف عسكري أمريكي للعمل خارج الولايات المتحدة، منهم 9 آلاف يعملون لحساب وزارة الخارجية، وهذا يؤكد أنه كلما ابتعدنا عن ممارسة العمل الدبلوماسي، فإن الفوضى ستتزايد في العالم وسيكون من الصعب إقناع الشعب الأمريكي بان انخراطنا دولياً والتزاماتنا الخارجية من الضروري استمرارهما”. (ص 550).

وبما أنه (في رأيها) إذا تقاعست أمريكا عن قيادة العالم فان الأمن والرخاء بالنسبة لها وللعالم سيتأثران سلباً “فعلينا الاستمرار في الانخراط والتأثير عبر العمل الدبلوماسي الناجح، وهذا النجاح يساهم في تقوية الديمقراطية في بلدنا وفي الدول الأخرى”.

ويبدو انها لم تصبح داعية للدبلوماسية فحسب، بعد تقاعدها من عملها كمندوبة لأمريكا في الأمم المتحدة، بل أصبحت من المروجين لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة والعالم حيث تقول: “أرى أن علينا ان نحترم حقوق الإنسان في بلدنا وخارجه، وعندما نفعل ذلك نصبح أقوى. وهذا لا يعني انه يجب ان نفرض قيمنا ومبادئنا على الدول الأخرى ولا أن نسعى لتغيير الأنظمة وقطع علاقتنا مع دول قد تقمع شعوبها. ولكن من الضروري ان نبقى إلى جانب الذين يحتاجون إلينا، والتأثير على مجريات الأمور” (ص 551).

وتعتبر باور في الصفحة نفسها في الفقرات الأخيرة من الكتاب أن الكرامة تشكل دافعاً رئيسياً في السياسة في سائر أنحاء العالم وهذا “كان السبب الذي دفع بائع الفاكهة التونسي لإحراق نفسه وإطلاق ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط، كما أن هذا العامل ساهم في دفع الشعب الروسي للتصويت لفلاديمير بوتين الذي أعاد إحياء الاقتصاد الروسي ودور روسيا العالمي. ولعله كان السبب في اختيار عدد كبير من الأمريكيين، الذين صوتوا لباراك أوباما في الانتخابات الامريكية السابقة عام 2012 التصويت لدونالد ترامب في انتخابات عام 2016 أملا في انه سيعيد إليهم اهتمام الدولة بأوضاعهم المتردية عموماً”.

البعض قد يرى تناقضاً في مواقف باور في الفصول الأولى بالمقارنة مع الفصول الختامية. فيما قد لا يرى آخرون مثل هذا التناقض.

Samantha Power: “The Education of An Idealist”

DEY St. (William Morrow), USA, 2019

580 Pages.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى