شعر

قصائد لـ : بيير رفيردي

ترجمها عن الفرنسية محمد العرابي – شاعر ومترجم من المغرب

لَيْلٌ وَنَهَارٌ

بيير رفيردي pierre reverdy شاعر فرنسي 1889- 1960

المَطَرُ الذَّهَبِيُّ عَلَى المَوْجَةِ

وَالثُّقْبُ الأَسْوَدُ لِأَجْنِحَةٍ

يَدَعُ الدَّرابِزينُ الزَّلِقُ الهَوَاءَ يَرْشَحُ عَلَى الجِدَارِ

رَغْمَ سَلَاسِلِ الأَشْجَارِ

قُبَالَةَ السَّمَاءِ، يَنْفَتِحُ البَابُ وَيَمُرُّ الضَّوْءُ عَبْرَهُ كَكُرَةِ مَاءٍ تَسْقُطُ وَتَنْتَفِخُ فَادِحَةً وَقْتَ انْفِجَارِهَا

إِنَّهُ النَّهَارُ

وَأَسْفَلَ جَدَاوِلِ الظِّلِّ

يَخْفِقُ نَسِيمُ اللَّيْلِ خَفقَاتٍ بَيْنَ فَيْنَةٍ وَأُخْرَى

يَلِيهِ صُرَاخُ المُنَبِّهِ أَسْفَلَ العَقَارِبِ

والنَّوَافِذُ الَّتِي تَنْفَتِحُ

وَالرُّؤُوسُ المُشْرَئِبَّةُ خَارِجَهَا فِي الشَّمْسِ

فِي تَشَابُكِ الأَشِعَّةِ

أَمَامَ رَصِيفِ الكَنِيسَةِ

مَزِيدُ أَيْدٍ صَوْبَ السَّقْفِ المُحَاطِ بِبُرُوقٍ

مَزِيدُ نَظَرَاتٍ مُسَدَّدَةٍ أَعْلَى مِنَ السَقِيفَاتِ

لَا شَيْءَ إِلَّا شَاراتٍ زَرْقَاءَ دَالَّةٍ عَلَى الطَّرِيقِ

مِنْ حَيْثُ يَأْتِي المَوْكِبُ المُتَزَاحِمُ لِمَلَائِكَةٍ

لِقَصِيري المَنَاقِير

بَيْنَ حَوَاجِزِ النَّارِ

تَطْفُو الرُّؤُوسُ فَوْقَ تَيَّارِ الهَوَاءِ الَّذِي يَهْتَزُّ

وَعَبْرَ دُفُعَاتٍ تَأْتِي لِتَقْفِزَ فَوْقَ الجِسْرِ

تُسْمَعُ أَغَانٍ مَمْزُوجَةٌ بِمُحَادَثَاتٍ

بِصَرَخَاتٍ وَأَصْدَاءٍ

عِنْدَ مُنْعَطَفِ الجُدْرَانِ جَمَاعَاتٌ مُتَوَقِّفَةٌ. أَعْيُنُهُمْ مُحْدِقَةٌ فِي المَجْرَى الصَّافِي لِلغُيُومِ. عِنْدَهَا يَرِنُّ الرَّصِيفُ المَحْفُورُ. تَمْشِي خُيُوطُ الشَّعْرِ بِخُطُوَاتٍ مَوْزُونَةٍ. وَالجَمِيعُ فِي الحَيِّ يَبْدُو أَنَّهُ يسيرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً

نَحْوَ نَفْسِ اللَّافِتَةِ

حَتَّى الأَشْجَارُ

حَتَّى الدَّرَابِزِينُ

وَجَمَاعَاتُ الرُّخَامِ

وَالعَابِرُونَ أَيْقَاظٌ

وَأَبْوَابُ المَنَازِلِ

وَالأَحْلَامُ المُجَنِّحَةُ

وَهَوَاءُ الأُغْنِيَّةِ

أَخِيرًا جُزْءُ السَّمَاءِ الَّذِي يُصْبِحُ أَسْوَدَ وَيَهْوِي

إِنَّهُ المَكَانُ الَّذِي نَرَاهُ أَكْثَرَ

تَحْتَ الشُّرْفَةِ

وَبَعْدَ ذَلِكَ يَعُودُ اللَّيْلُ.

عَيْنٌ زَرْقَاءُ تُرَاقِبُهُ

وَخَلْفَ مِصْرَاعَ النَّافِذَةِ مِصْبَاحٌ يَسْهَرُ. (ص: 89-90)

جَلَبَةٌ

هَبَطَتِ الجُمُوعُ سِرَاعًا وَهُمْ يَصْرُخُونَ. مِنَ العُمْقِ جاءُوا جَمِيعًا، مِنْ وَرَاءِ الأَشْجَارِ، مِنْ وَرَاءِ خَشَبِ الرِّتَاجِ، مِنَ المَنْزِلِ. كُلُّ وَجْهٍ أَبْيَضَ قَدَحَ نَظْرَةً حَادَّةً – وَفِي أَثَرِهِمْ كَانَتْ العِبَارَاتُ الأَكْثَرُ ثِقْلًا تَمَّحِي. مَعَ تَصَاعُدِ الضَّجِيجِ فِي الرُّكْنِ الأَكْثَرِ قَتَامَةً الكُلُّ تَوَقَّفَ، كُلُّ النَّاسِ تَوَقَّفُوا، حَتَّى ذَلِكَ الَّذِي اسْتَدَارَتْ عَيْنَاهُ صَوْبَ الحَائِط. وَعِنْدَهَا، بِفِعْلِ الرِّيحِ، اِهْتَزَّتْ أَزْهَارُ السُّجَّادَاتِ وَالأَقْمِشَةِ. (ص 83)

اضْطِرَامٌ دَاخِلِيٌّ

وَجْهُهُ الأُرْجُوَانِيُّ يُنِيرُ الغُرْفَةَ حَيْثُ يَنْزَوِي؛ يَنْزَوي مَعَ صُورَةِ وَجْهِهِ الَّتِي تَتَحَرَّكُ فِي المِرْآةِ. هَلْ كَانَ هُوَ حَقًّا؟ أَلَمْ يَكُنْ عَيْنًا لِآخَرَ؟ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ مِنْهَا. قَدَمُهُ كَانَتْ تُخْطِئُ الأَرْضَ بَيْنَمَا كَانَ يَتَقَدَّمُ مُنْفَجِرًا بِالضَّحِكِ. يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الرَّأْسَ يَتَكَلَّمُ – هَذَا الَّذِي كَانَ قُبَالَتَهُ، سَكْرانَ، وَكَانَتْ عَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَيْنِ. السَّقْفُ يَنْخَفِضُ، وَالجُدْرَانُ تَكَادُ تَنْفَجِرُ بَيْنَمَا يُوَاصِلُ الضَّحِكَ. يَضْحَكُ فِي وَجْهِ النَّارِ الَّتِي تُلْهِبُ بَطْنَهُ؛ فِي وَجْهِ رَقَاصِ السَّاعَةِ الَّذِي يَنْبِضُ مِثْلَ قَلْبِهِ. الغُرْفَةُ تَدُورُ – هَذِهِ السَّفِينَةُ الَّتِي سَيَتَقَصَّفُ صَاريهَا إِذَا ما ازْدَادَ عَصْفُ الرِّيحِ. وَدُونَ أَنْ يَلْحَظَ أَنَّهُ يَسْقُطُ، فَوْقَ السَّرِيرِ حَيْثُ سَيَنَامُ، لَا يَزَالُ يَتَهَيَّأُ لَهُ أَنَّهُ يَحْلُمُ بِالأَمْوَاجِ تَحْمِلُهُ. هُنَاكَ فِي البَعِيدِ. لَا شَيْءَ سِوَى الضَّحِكِ الغَبِيِّ لِلمُنَبِّهِ وَالحَرَكَةِ الكَئِيبَةِ لِلبَابِ. (ص 80)

مَاضٍ أَزْرَقُ

الأَيادِي المُشْرَعَةُ عَلَى الصَّدْرِ العَارِي – هَذَا الوَمِيضُ عَلَى الوَرَقَةِ البَاهِتَةِ هُوَ صُورَةٌ. هُنَاكَ، في الخَلْفَ، طَرِيقٌ تَصْعَدُ وَشَجَرَةٌ تَمِيلُ كَثِيرًا، صَلِيبٌ وَصَفٌّ آخَرُ مِنَ الأَغْصَانِ الَّتِي تَمِيلُ. أَحْجَارُ الدَّرَجَاتِ تَنْحَنِي هِيَ أَيْضًا، وَتَلْكُمُ هِيَ قَطَرَاتُ المَاءِ الَّتِي تَسِيلُ بَيْنَ شُقُوقِهَا. البُقْعَةُ المَوْجُودَةُ فِي الوَسَطِ لَيْسَتْ رَأْسًا – رُبَّمَا هِيَ حُفْرَةٌ. نَظْرَةٌ مَائِلَةٌ تَخِزُ السَّمَاءَ وَتُسْنِدُ الحُفْرَةَ، الرَّأْسَ. لَا أَحَدَ يَتَكَلَّمُ – لَا أَحَدَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الأَيَّامِ الخَوَالِي؛ لِأَنَّ أَصْدِقَاءَ كُثْرٌ مَوْجُودُونَ هَا هُنَا وَيَنْظُرُونَ إِلَى بَعْضِهِمْ البَعْض. (ص 71)

آلِيَّةٌ لَفْظِيَّةٌ وَعَطَاءُ الذَّاتِ

لَا تُفْلِحُ أَيُّ كَلِمَةٍ، بِدُونِ شَكٍّ، فِي التَّعْبِيرِ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ عَنْ غِبْطَتِهَا. فَهِيَ تَقُولُهَا وَكُلُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ وَوُجُوهُهُمْ إِلَى الحَائِطِ، ارْتَعَدُوا. كَانَتْ غَيْمَةٌ كَبِيرَةٌ هُنَاكَ فِي الوَسَطِ – رَأْسٌ كَبِيرَةٌ وَالآخَرُونَ يُرَاقِبُونَ بِثَبَاتٍ أَسْفَلَ الخُطُوَاتِ المَوَقَّعَةِ عَلَى الطَّرِيقِ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ شَيْءٍ مَعَ ذَلِكَ، وَفِي السُّكُونِ أَصْبَحَتِ المَوَاقِفُ صَعْبَةً. قِطَارٌ مَرَّ خَلْفَ الحَاجِزِ وَشَوَّشَ الخُطُوطَ الَّتِي كَانَتْ تُبْقِي المَشْهَدَ قَائِمًا. كُلُّ شَيْءٍ اخْتَفَى حِينَهَا، وَامْتَزَجَ بِالضَّجِيجِ غَيْرِ المُنْقَطِعِ لِلمَطَرِ، لِلدَّمِ المَفْقُودِ، لِلرَّعْدِ أَوْ لِلأَلْفَاظِ العَفَوِيَّةِ، الأَكْثَرِ أَهَمِّيَّةً مِنْ كُلِّ هَذِهِ الشَّخْصِيَّاتِ. (ص 72).

∗- النصوص المترجمة مأخوذة من ديوان بيير رفيردي: معظم الوقت 2، غاليمار، طبعة 1969.

قصائد للشاعر الفرنسي بيير رفيردي – ترجمها عن الفرنسية محمد العرابي من المغرب . في مجلة رسائل الشعر ، العدد الثاني عشر ، آذار 2019.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى