الناس

المصارف السورية تستبق احتمال تراجع قيمة الليرة عبر التلاعب بموجوداتها/ مروان كيالي

 

 

تعمد المصارف السورية المتأخرة عن تنفيذ القانون رقم /3/ لعام 2010 إلى الإسراع في رفع رأسمالها الخاص، لكن ليس لتنفيذ القانون الذي تم تأجيله سنوات عدة وحسب؛ ولا لمؤشرات إيجابية مرتبطة بإعادة الاعمار، لكن لغايات أخرى وهي الخوف من تقلص رأسمالها الخاص في حال حصل انخفاض جديد في قيمة الليرة السورية وهو أمر متوقع خلال الفترة المقبلة.

فمنذ مطلع تموز/ يوليو، لوحظت مسارعة المصارف وتحديداً الخاصة منها في سوريا إلى زيادة رأسمالها الخاص من طريق اعتماد زيادة رأسمالها عبر ضم الأرباح المدورة و/ أو جزء من الاحتياطي الخاص، حيث يتم توزيع أسهم الزيادة كأسهم مجانية على المساهمين بقيمة اسمية تبلغ (100 ليرة سورية) للسهم الواحد. ومن الأمثلة على ذلك قيام بنك الشرق بزيادة رأس ماله بواقع 250 مليون ليرة سورية من خلال ضم الأرباح المدورة وجزء من الاحتياطي الخاص، عبر توزيع 2500000 سهم مجاني على المساهمين بتاريخ 30/7/2018، كما قام بنك بيمو السعودي الفرنسي بزيادة رأسماله بقيمة مليار ليرة سورية عبر توزيع أسهم مجانية بقيمة اسمية (100) ليرة سورية لكل سهم، وبذلك يصبح رأسمال البنك بعد الزيادة (6.5) مليار ليرة سورية بدلاً من (5,5) مليار ليرة سورية.  كما عمد بنك سوريا والمهجر إلى توزيع أسهم مجانية على المساهمين تتمثل بالأرباح المدورة، إضافة إلى ضم جزء من الاحتياطي الخاص لتصبح قيمة زيادة رأسمال المصرف (2) مليار ليرة سورية، وبالتالي يرتفع رأسمال المصرف إلى (6) مليارات ليرة سورية بدلاً من (4) مليارات. وقد حذت المصارف الإسلامية حذو المصارف الأخرى، لكن بزيادات أكبر، فمثلاً قام مصرف سوريا الدولي الإسلامي بزيادة رأسمال المصرف إلى (13.7) مليار ليرة سورية، بدلاً من (9) مليارات ليرة سورية.

ويعود قرار رفع رأسمال المصارف إلى القانون رقم /3/ لعام 2010، الذي حدد الحد الأدنى لرأسمال تأسيس المصارف بـ/10/ مليارات ليرة سورية للمصارف التقليدية و/15/ ملياراً للمصارف الاسلامية، مواكباً تعليمات لجنة بازل /3/ نتيجة الأزمة المالية العالمية وضرورة دعم قدرة المصارف على تحمل المخاطر. وقد حصلت مصارف سورية كثيرة عامي 2010 و2011 على موافقات لتمديد الفترة المسموح بها لزيادة رأس المال لأسباب عدة، منها حداثة تأسيسها كبنك البركة الإسلامي، وعدم استكمال سداد قيمة كامل رأس المال الأساسي للمصرف من قبل المساهمين.

وفي مطلع عام 2011، استفادت مصارف متأخرة في رفع رأسمالها من الأحداث السياسية والأمنية المضطربة، وحصلت على موافقات لتمديد الفترة المسموحة لزيادة رأس المال مرات عدة.

إذاً تسعى المصارف السورية المتأخرة عن زيادة رأسمالها إلى تدارك ذلك اليوم، وهو ما يدفع الى التساؤل عن السبب، بخاصة أن الحرب لم تنته بعد، ومؤشرات الاستقرار الأمني والاقتصادي ما زالت دون المستوى المطلوب.

لقد أثرت تقلبات أسعار الصرف في سوريا في الإسراع في تنفيذ هذا القرار. وتسعى المصارف جميعها إلى أن تقتصر موجوداتها على العقارات والدولار الأميركي، أي أننا قد نشهد حركة افتتاح فروع جديدة خلال الأيام المقبلة لا بهدف التوسع بقدر ما هي بهدف تحويل بعض السيولة النقدية بالليرات السورية على شكل أصول عينية، وبالتالي تحافظ المصارف على جزء كبير من الأصول التي ليست بالدولار الأميركي.

وقد كان لوجود المنظمات الأجنبية العاملة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ووجود الفصائل المسلحة، الأثر المهم في توفر حجم كبير من العملات الأجنبية (الدولار الأميركي تحديداً)، لذا فإن المعطيات الجديدة على الساحة الميدانية وانسحاب المنظمات من المناطق المعاد السيطرة عليها من قبل الجيش السوري، وانحسار الدعم المالي الخارجي للفصائل إلى أدنى مستوياته، الأثر الواضح في تراجع عرض الدولار الأميركي، بخاصة أن هذه المناطق كانت مركزاً لاسقبال تحويلات ضخمة من الدول الداعمة للفصائل المسلحة، ما يرجح زيادة سعر الصرف في الأيام المقبلة.

وهناك حالياً لدى المصارف، وبحسب ما قال اقتصادي سوري لـ”درج”  توقعات بانخفاض قيمة الليرة السورية، وقد يكون مصرف سوريا المركزي وراء هكذا توقع إضافة إلى الدراسات التي تقوم بها المصارف، ما قد يعرض موجودات المصارف بالليرة السورية إلى مخاطر التآكل. لذا تسعى البنوك بسرعة وخلال هذا الشهر إلى استكمال رفع رأسمالها، والعمل على زيادة أًصولها العقارية ما أمكن.

رفع رأس المال الخاص قد يعكس أيضاً رغبة  المصارف في زيادة التسليفات “المضمونة” عبر زيادة الأموال الخاصة للمصرف، اذ إن البنك لا يستطيع تمويل أكثر من 20 في المئة من رأس المال الخاص به، وبذلك كلما ارتفع رأس المال الخاص، زادت القدرة على التسليف ومنح القروض. إلا أن التوجه الحالي لمنح القروض في المصارف الخاصة السورية يأتي في ظل شروط ائتمانية متحفظة جداً، حيث تصل الضمانات إلى 200 في المئة من قيمة التسهيلات الائتمانية الممنوحة، وهي في الغالب عبارة عن رهونات عقارية، كما أن التعامل محدود مع عدد من الزبائن “المضمونين” والمعروفين جيداً من قبل المصرف، وعلاوة على ذلك فإن معظم التسليفات تدخل في إطار تمويل السلع الأساسية كالأغذية والأدوية، مع اعتماد معدلات مرتفعة لفائدة الإقراض (المدينة) والتي تتراوح ما بين 15 و18 في المئة.

وعلى هذا المنوال تكون المصارف السورية الخاصة قد غيّرت هيكلية أصولها من خلال رفع رأسمال المصرف، فالخطوة إذاً تدرج ضمن إطار التحوط لا الارتياح الذي تسعى حكومة النظام إلى نشره بشكل مباشر عبر التسويات والاستحواذ البيني على الأراضي السورية يوماً بعد يوم.

درج

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى