سياسة

في سيناريوهات الانقلاب على بشار الأسد/ إياد الجعفري

ألهبت التطورات الأخيرة، في الجزائر والسودان، مشاعر ناشطين ومراقبين سوريين، وعربًا، وألهمت عقولهم بصورة دفعت بعضهم إلى إجراء إسقاطات للمشهدين الجزائري والسوداني، على الحالة السورية الراهنة.

عبر الساحة الافتراضية، في (فيسبوك) و(تويتر)، ذهب فريق من الناشطين والمراقبين إلى أن المشهد السوري يحتوي عناصر مشابهة لتلك الموجودة في الحالتين الجزائرية والسودانية، بصورة تجعل من الممكن تكرار التجربتين، بصورة ما، في المشهد السوري.

فهل يمكن أن ينقلب الجيش في سورية، أو بعض منه، على بشار الأسد، اليوم؟

قبل البحث في الإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى أن القائلين بإمكانية ذلك يستندون في معظمهم إلى فرضيةٍ مفادها أن التفجير الشهير الذي طال “مكتب الأمن الوطني” بدمشق عام 2012، وأودى بحياة عدد من كبار رموز النظام الأمنيين والعسكريين، كان بهدف إيقاف تقدم سيناريو مشابه لما حدث مؤخرًا في الجزائر والسودان، كان في طريقه للتنفيذ حينذاك، ضد بشار الأسد وشقيقه ماهر.

وتختلف التأويلات لما حدث في ذلك الحين، لكنها ترجح، في معظمها، أن الأسد سبق المتآمرين ضده، وصفّاهم قبل أن ينقلبوا عليه. ويضيف البعض عنصرًا لهذه الفرضية، مفاده أن إيران هي التي لعبت الدور الأساس في تصفية أركان خلية إدارة الأزمة بمكتب الأمن الوطني في دمشق عام 2012، وأنقذت بشار الأسد من انقلابٍ مزمعٍ ضده، ليكون ذلك بداية توسعٍ غير مسبوقٍ للنفوذ الإيراني في الداخل السوري.

وعلى الرغم من أننا لا نملك اليوم، وقد لا نملك يومًا، سبلًا كافية للجزم بما حدث عشية التفجير الشهير، الذي كاد يقلب الموازيين في المشهد السوري عام 2012، فإننا نقرّ بأن الفرضية التي تبناها فريق واسع من المراقبين بأن التفجير كان استباقًا لعملية انقلاب مرتبة ضد الأسد، تتمتع برجحان قوي في ميزان التحليل، إن تم ربطها بما سبق وما لحق، تلك الحادثة، من تطورات.

إلا أن النقطة الأهم، في هذا النقاش، هي أن تبني هذه الفرضية، لا يُغيّر كثيرًا من مسارات التحليل الممكنة للمشهد السوري اليوم. بمعنى آخر، إن قلنا إن الجيش كاد ينقلب على الأسد عام 2012 فعلًا، فإن ذلك لا يُغيّر من سيناريوهات المستقبل الممكنة بناء على المشهد الراهن اليوم، لأن العوامل المؤثرة في المشهد السوري عام 2012، مختلفة تمامًا عنها اليوم. فلا الجيش السوري عام 2012، هو الجيش السوري اليوم، ولا الأسد عام 2012، هو الأسد الذي يحكم البلاد نظريًا، اليوم.

هناك فارق جوهري في تركيبة الجيش السوري وآليات إدارته، في الحالة الراهنة، مقارنة بالعام 2012. فالجيش السوري اليوم، أقل تجانسًا في التركيبة، وأكثر تخبطًا في الإدارة التي لا تمسك بها جهة واحدة فقط. الجيش السوري، اليوم، باختصار، هو ائتلاف قسري لمجموعة من الميليشيات. والحالة الميليشياوية جليّة فيه للغاية، مقارنة بحالة أكبر من المؤسساتية والانضباط التي كان يتمتع بها عام 2012.

والعامل الخارجي المؤثر على الجيش والأجهزة الأمنية السورية، والذي كان يتمثّل بصلات ضباط كبار بجهات خارجية، عام 2012، تحوَّل اليوم إلى عامل مباشر، وتحول الضباط إلى أدوات مباشرة، لا تملك إرادة حقيقية في التصرف واتخاذ القرار بسورية. حتى بشار الأسد، أصبح يتحرك في هامش ضيق للغاية من حرية اتخاذ القرار.

نستطيع أن نقول إن الجيش والأجهزة الأمنية في الجزائر والسودان اليوم، أشبه بحالة الجيش والأجهزة الأمنية بسورية عام 2012. فهناك صلات بين ضباط عسكريين وأمنيين كبار في البلدين (الجزائر والسودان)، وبين قوى إقليمية ودولية، تؤثر بشكل غير مباشر في تطورات المشهدين الجزائري والسوداني، لكن التأثير المباشر والأقوى، يبقى لمصادر داخلية، تتعلق بتطورات الحراك في الشارع، وتأثير ذلك على مواقف الضباط الكبار في المؤسسات العسكرية والأمنية، وصراعات القوى فيما بينهم.

أما في الحالة السورية الراهنة، فقد أصبح التأثير المباشر على تركيبة وعلاقات ضباط الجيش والأجهزة الأمنية، لصالح القوى الخارجية، وبصورة رئيسية لإيران وروسيا، وبصورة أقل للولايات المتحدة الأميركية عبر الأردن، التي ما تزال تدعم وتوجّه قيادات من “الجبهة الجنوبية سابقًا” التي تحولت إلى قيادات في الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، الذي تحوّل، نظريًا، إلى جزءٍ من الجيش السوري.

المؤسسة العسكرية والأمنية السورية اليوم، باختصار، هي ائتلاف لميليشيات منقسمة في التبعية بين إيران وروسيا. ويبدو بشار الأسد اليوم، أشبه بمنسّق يسمح بتسوية الخلافات بين أصحاب القرار الحقيقيين في سورية، الروس والإيرانيين، بصورة تسمح باستمرار النظام ككتلة واحدة، على الرغم من تناقضاته الداخلية المتفاقمة.

وبالتالي، فإن الانقلاب على بشار الأسد، اليوم، قد يكون أسهل مما كان عليه في العام 2012، لكنه في نفس الوقت، أخطر، فيما يتعلق باستمرار النظام ككتلة واحدة متماسكة. لأن الانقلاب على بشار يعني أن التنافس البارد، الإيراني – الروسي، في سورية، ذهب إلى نتائجه البعيدة، وتحول إلى صراع كامل الأركان. وهو ما سيؤدي إلى انقسام المؤسسة العسكرية والأمنية في سورية إلى قوتين متقاتلتين. وهنا، لن يكون تفتت المؤسسة العسكرية شبيهًا بملامح ما حدث بعيد الثورة عام 2011، حينما تفاقمت الانشقاقات في صفوف الجيش. فالانقسام في حالة الانقلاب على بشار، اليوم، سيكون شاقوليًا، وليس أفقيًا، أي سيكون على مستوى القيادات. بكلمات أخرى: سنصبح أمام جيشين في سورية، وليس جيشًا واحدًا، أحدهما يتبع إيران، والآخر يتبع روسيا. وسنشهد حربًا أهلية داخل صفوف النظام هذه المرة، تفتح الباب على مصراعيه، لسيناريوهات عديدة مختلفة، قد يكون من بينها، انهيار كامل لأي مظهر من مظاهر التماسك المؤسساتي في “الدولة السورية” والذهاب باتجاه سيناريو “الدولة الفاشلة”. وقد يكون من بين السيناريوهات أيضًا، دخول الإسرائيلي والأميركي على خط المعركة لصالح الروس، بصورة تسمح بإخراج الإيرانيين تمامًا من سورية، وإعادة تأهيل النظام، برعاية روسية مباشرة، وأميركية غير مباشرة. وقد نُفاجئ بسيناريوهات أخرى عديدة، غير متوقعة.

باختصار: إن الانقلاب على بشار الأسد اليوم يعني أن عهد الودّ، على مضض، بين الإيرانيين والروس، قد وصل إلى خاتمته، وأن الروس والإيرانيين سيقتتلون على أرضنا، بواسطة ميليشيات تُعتبر جزءًا من تركيبة مؤسساتنا العسكرية والأمنية والرسمية.

هل هناك سيناريوهات أخرى مختلفة، تثير قدرًا أكبر من التفاؤل؟ نعم، إن كانت الإطاحة بـ بشار الأسد، في انقلاب عسكري، هي قرار إقليمي – دولي، وافقت عليه إيران أيضًا. حينئذ يكون الانقلاب مرتبًا بهدوء، ويشبه إلى حد بعيد ما حدث في الجزائر والسودان، اليوم. لكن هكذا سيناريو مستبعد في المدى الزمني المتوسط، ويتطلب وقتًا من الصراع بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، قبل أن يحين الوقت المناسب لتسويةٍ ما، عبر صفقةٍ ما، تُعقد في عاصمةٍ ما، بعد سلسلة من المفاوضات السرّية، تكون أطرافها الرئيسية، إيران من جهة، والولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل”، من جهة أخرى.

جيرون

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى