سياسة

كُرد سورية.. أيّ خَيار؟/ آلان حسن

يقف كُرد سورية اليوم على مفترق طرق بعد انتهاء المعارك العسكرية، بالسيطرة على بلدة الباغوز، آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية، والشروع في الانتقال إلى مرحلة التوافقات السياسية. بدأت مسيرة الكُرد من مواجهة حالة إنكار الحكومات السورية المتعاقبة وجودهم، باعتبارهم ثاني قومية في البلاد، وفي الحرب السورية منذ عام 2011، دافعوا عن مناطقهم ضد فصائل المعارضة السورية المتشدّدة، وتبعتهم جبهة النصرة التي ما فتئت تهدد باجتياح مناطق سيطرة وحدات “حماية الشعب” الكردية، وأخيراً تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على جل مدينة كوباني (عين العرب)، بالإضافة إلى مدينة تل أبيض بين إقليمي الجزيرة وكوباني، حيث شكلا، بالإضافة إلى إقليم عفرين، مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي. بموازاة انتصارات الكُرد العسكرية، تبلور مشروعهم السياسي الذي خلص، في مرحلته المتقدمة، إلى المطالبة بفيدرالية مجتمعية لعموم سورية، ولشمالها خصوصا، ما أثار حفيظة كل من أنقرة وطهران اللتين تتخوفان من مطالب مشابهة في بلديهما، فنسبة الكرد فيهما كبيرة، إضافة إلى كُرد العراق الذين أنشأوا إقليماً فيدرالياً في تسعينيات القرن الماضي، ونالوا اعترافاً دستورياً عام 2003.

كانت تركيا تعدّ العدة للقضاء على مشروعهم السياسي، وكذلك دعمت الفصائل الراديكالية، سعياً منها إلى وضع العصي في عجلة مشروع الكُرد الذين تحالفوا مع الولايات المتحدة لإخراج مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من كوباني (عين العرب) عام 2014 وتالياً من تل أبيض ومنبج والرقة وأجزاء من دير الزور الواقعة شرق الفرات؛ منطقة النفوذ الأميركية في سورية وفق تفاهمات الوزيرين، الأميركي كيري والروسي لافروف، منتصف العام 2016.

كانت علاقة الولايات المتحدة مع كل من حليفتها الأطلسية تركيا، وفي الحرب السورية “قوات سورية الديمقراطية” تسير بتناسب عكسي؛ فكلما توطدت العلاقة بين واشنطن والكرد زادت 

معها حدّة الخلاف مع أنقرة، والتي خيّرت الأميركيين مراراً بينها وبين الكُرد، لكن الولايات المتحدة راهنت على البقاء في المنتصف بين الطرفين، فلم تترك الكُرد إرضاءً لأنقرة. وفي المقابل، كانت تسعى إلى مراعاة الهواجس التركية من أي مشروع كُردي بقيادة “الاتحاد الديمقراطي” (المتهم تركياً بتبعيته لحزب العمال الكُردستاني المحظور في تركيا).

كان التخوف من المشروع الكُردي سبباً رئيسياً لتحالف تركيا مع كل من روسيا وإيران، والتنسيق غير المعلن مع الحكومة السورية التي تشاطر أنقرة القلق نفسه من حليفها السابق (حزب الاتحاد الديمقراطي) الذي أصبح يغرّد خارج سربها، وبات له مشروعه الذي لا يتسق مع هوى دمشق، وتعتبره الحكومة السورية بداية مشروع تقسيمي تدعمه واشنطن.

دمشق التي دأبت على اتباع سياسة حافة الهاوية التي ابتدعها رئيسها السابق، حافظ الأسد، حين قال: “نحن نجيد سياسة حافة الهاوية، وإذا سقطنا، لا نسقط إلا فوق جثث أعدائنا”، وبقي رئيسها الحالي، بشار الأسد، وفياً لسياسة والده، فبقي كذلك في مواجهة حرب العراق واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل، رفيق الحريري، وأخيراً، وليس آخراً، الحرب السورية منذ ربيع 2011. وكان الأسد الابن يسيطر على مساحة أقل من 15% من الجغرافيا السورية، واضطر لطلب العون من روسيا وإيران وحزب الله، لمنع سقوط نظامه الذي واجه معارضة مدعومة من الولايات المتحدة وتركيا وقطر والسعودية.

وسابقا، كان حزب العمال الكردستاني الأداة التي يحارب بها حافظ الأسد جاره التركي، 

فالحزب الماركسي يخوض كفاحاً مسلحاً ضد الدولة التركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، في حربٍ خلفت آلاف الضحايا من الطرفين، وأدت إلى اعتقال زعيم الحزب، عبد الله أوجلان، في عملية استخبارية شاركت فيها تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة.

وصلت العلاقة بين تركيا وسورية إلى حد نشر الجيش التركي دباباته على الحدود السورية-التركية، لشن هجوم على سورية، أو تسليم أوجلان، ما استدعى تدخلاً مصرياً إيرانياً، آنذاك، خلص إلى توقيع اتفاقية أضنة عام 1998، وقضت بترحيل أوجلان، وإعطاء الحق لتركيا بالتوغل داخل الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، وتخلي سورية عن المطالبة بلواء إسكندرون، أقصى شمال غربي البلاد.

أصبح المصير الكُردي معلقاً بالرؤية الأميركية لوجودها في سورية، والتي لم تحسم بشكل جليّ مسألة بقائها في شرق الفرات، ولم تعترف بالإدارة الذاتية فيها، وهذه أسبابٌ ترجح تفضيلها تسليم شرق الفرات لأنقرة، في مقابل ضمانات تركية بالتخلي عن تحالفها مع روسيا، وأن تنضم لمحور الدول المناهضة لإيران، وهو هدف غير سهل التحقيق. وفي المقابل، تريد موسكو ابتزاز الكرد الذين تخلوا عن تحالفهم مع محور موسكو-طهران-دمشق، واختاروا السير في المركب الأميركي، فروسيا تريد أن تتزامن عملية تفاوض كُردية سورية مع تهديدات أنقرة بدخول شرق الفرات، وبالتالي الحصول على أكبر تنازل ممكن من الكرد.

نجاح التفاوض الكُردي مع دمشق سيأتي بالفائدة على كليهما، ولا يمكن لأي منهما التخلي عن الآخر، فالمشتركات بينهما كثيرة، والمصالح متبادلة. وسيكون الاتفاق بين الطرفين بداية فعلية لحل المعضلة السورية، والطريق لبناء سورية جديدة، لا تميّز بين مكوناتها.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى