الناس

نيويورك تايمز: الأسد استخدم نظام الاعتقال كوسيلة لسحق المعارضة

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا عن سجون سوريا السرية، وكيف سحق بشار الأسد المعارضة، وهو تقرير طويل أعدته آن برنارد. وبدأته من مدينة غازي عنتاب التركية، حيث التقت مع مهند غباش الذي اعترف عندما اعتقلته السلطات الأمنية في مدينة حلب بأنه شارك في تظاهرات سلمية.

ولم يشفع له الاعتراف، بل استمر التعذيب لمدة 12 يوما ولم يتوقف إلا إذا كتب اعترافا أنه كان يخطط لزرع قنبلة. وكانت هذه هي البداية حيث نقل إلى قاعدة المزة الجوية حيث علقه الحرس مع زملائه المعتقلين بسلك، وهم عراة ورشوا عليهم الماء البارد في الليالي القارصة.

وقام ضابط يطلق على نفسه هتلر من أجل الترفيه عن زملائه أثناء تناولهم الطعام بالطلب من المعتقلين بتقليد الكلاب والحمير والقطط وضرب من لم يستطيعوا النباح، والمواء أو النهيق.

وقال غباش للصحافية إنه شاهد في المستشفى العسكري ممرضة تصفع وجه مريض رجاها أن تعطيه مسكنا. وأحصى في سجن آخر 19 زميلا ماتوا من المرض والتعذيب والإهمال في شهر واحد.

ويقول غباش: “كنت محظوظا” حيث نجا من عذاب تجربة 19 شهرا بعد رشوة قاض للإفراج عنه.

وتظل الطريقة التي عامل فيها الأسد المعتقلين في السجون عاملا مهما في انتصاره الذي يقترب من تحقيقه. فقد قام الجيش التابع له بالتعاون مع حلفائه باعتقال ورمي عشرات الآلاف من المعارضين في أقبية السجون حيث تعرضوا للتعذيب والقتل. واختفى 128 ألف شخص، ويعتقد أنهم إما ماتوا أو أحياء في السجون. وهذه أرقام الشبكة السورية لحقوق الإنسان والجماعات المستقلة التي تحتفظ بأرقام شبه دقيقة.

ومات تحت التعذيب حوالي 14.000 معتقلا. فيما فقد الكثيرون حياتهم نتيجة لظروف رهيبة وصفتها الأمم المتحدة بعملية “الإبادة”. ولم تتوقف عمليات الاعتقال السرية والإعدامات رغم خفوت وتيرة الحرب وعودة العلاقات بين النظام والدولة ومحاولة التطبيع معه. وكانت أكبر حملات الاعتقال قد تمت في الأيام الأولى من الانتفاضة. إلا أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجلت العام الماضي اعتقالات جديدة لـ5.607 أشخاص ووصفتها بالتعسفية.

وأرسل معتقلون قبل فترة تحذيرات من داخل السجون قالوا فيها إن الكثير من المعتقلين أرسلوا إلى سجن صديانا، فيما قال الذين أفرج عنهم إن عمليات القتل في تزايد.

وفي الوقت الذي اهتم فيه العالم بعمليات القتل والاختطاف التي قام بها تنظيم “الدولة”، إلا أن ما قام به النظام يتفوق على ممارسات الجهاديين. وتصل نسبة الذين اختفوا في سجون النظام إلى 90% من أرقام الشبكة السورية.

ونفت حكومة النظام السوري وجود انتهاكات في السجون، إلا أن الأدلة المكتشفة والمذكرات التي كتبها مسؤولون علاقتهم مباشرة مع الأسد، أمروا بعمليات قتل جماعية ومذابح جديدة.

وعثر محققون يعملون مع المنظمة غير الحكومية “المفوضية للعدالة والمحاسبة الدولية” على مذكرات حكومية أمر فيها المسؤولون بالقمع وناقشوا قتل المحتجزين. ووقّع على المذكرات كبار المسؤولين بمن فيهم أعضاء اللجنة المركزية لإدارة الأزمة، والتي ترتبط مباشرة بالأسد.

وتصف مذكرة للاستخبارات العسكرية حالات وفاة نتيجة للتعذيب والأوضاع القذرة التي عاش فيها المعتقلون. وبعض المذكرات تتحدث عن وفيات داخل السجون.

وهرّب مصور في السجن آلاف الصور التي أظهرت هياكل عظمية وجثثا مرقمة. وهناك مذكرتان تطالبان بممارسة التعذيب القاسي على معتقلين حددتهم. وفي مذكرة كتبها مدير الاستخبارات العسكرية رفيق شحادة تحدث فيها عن مخاوف المسؤولين من المحاكمة في المستقبل. ولهذا طلب من كل الضباط إبلاغه بكل الوفيات واتخاذ كل الخطوات للتأكد من “الحصانة القضائية” للمسؤولين الأمنيين.

وفي مقابلة بقصره العثماني في دمشق عام 2016، شكك الأسد بصحة كل المعلومات التي قدمها الناجون وعائلات المفقودين. وعندما سئل عن حالات بعينها قال الأسد: “هل تتحدثين عن اتهامات أمام حقائق”. واقترح أن العائلات كذبت عندما قالت إنها شاهدت قوات الأمن تجر أعزائها. وقال إن الانتهاكات أخطاء لا يمكن تجنبها في الحرب، وأضاف: “تحدث هنا وفي كل العالم وأي مكان” و”لكنها ليست سياسة”.

وتقول الصحيفة إنها قابلت على مدى السنوات الماضية الناجين من المعتقلات، واطلعت على كم هائل من الوثائق والمذكرات، وفحصت مئات الصفحات من شهادات شهود قدمت لمنظمات حقوق الإنسان وكانت قادرة والحالة هذه على رسم صورة عن نظام السجون في أثناء الحرب التي اندلعت عام 2011 ولم تتوقف منذئذ.

وقدمت الصحيفة شهادات للناجين قالت إنها تشبه ما ورد في مذكرات المسؤولين وتتطابق مع الصور التي هربت من داخل السجون السورية. وهو ما يؤكد أن نظام السجن كان جزءا مهما وعضويا من جهود الأسد لسحق المعارضة المدنية ودفعها لمواجهة مسلحة ليست قادرة على الفوز بها.

واعترفت الحكومة في الأشهر الأخيرة، تكتيكيا وبضغط من الروس، بوفاة المئات في سجونها، وبدأت بإرسال شهادات وفيات لعائلاتهم المفقودين.

ويقول فاضل أبو غاني، مؤسسة الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن شهادات الوفاة هي رسالة واضحة: “لقد انتصرنا، وفعلنا هذا ولن يعاقبنا أحد”. وهناك أمل قليل بمعاقبة المسؤولين في نظام الأسد إلا أن هناك حركة في أوروبا، وبخاصة في ألمانيا وفرنسا لتقديم المسؤولين للمحاكم الأوروبية.

وأصدر المسؤولون الألمان والفرنسيون مذكرات اعتقال لمسؤول الأمن القومي علي مملوك، وجميل الحسن، مدير المخابرات الجوية. لكن الأسد وجنرالاته لا يزالون في السلطة تحميهم القوات الروسية والفيتو الروسي في مجلس الأمن، في الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. أما دونالد ترامب فيخطط لسحب 2.000 جندي من شمال- شرق سوريا.

ومشكلة الحصانة من العقاب ليست محلية، بل هناك حاجة لإصلاح أمني حتى يعود خمسة مليون سوري لجأوا إلى دول أوروبا ودول الجوار دون خوف من اعتقال تعسفي. ففي عصر الديكتاتورية الجريئة من أوروبا اليمين المتطرف، إلى السعودية، أظهر الأسد أن استخدام أقسى العنف هو في حد ذاته استراتيجية انتصار.

وتقول الصحيفة إن نظام السجن السوري توسع عن ذلك النظام الذي بناه والده حافظ الأسد الذي سحق معارضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982 مدمرا معظم أحيائها واعتقل جنوده آلافا من الأشخاص، إسلاميين، يساريين أو بشكل عشوائي.

وعلى مدى عامين، اختفى 17.000 شخص، حيث استخدم المحققون أساليب المستعمرين الفرنسيين وطغاة المنطقة والنازيين. وعندما وصل الأسد إلى السلطة أبقى على نظام السجون كما هو. ولدى الاجهزة الأمنية الأربعة العسكرية، السياسية، الجوية، الداخلية فروعها داخل البلاد ومعظمها يدير سجونه الخاصة.

ومنذ بداية اعتقال فتيان كتبوا شعارات معادية للأسد على جدران في مدينة درعا عام 2011، تدفقت أعداد من المعتقلين الذين انضموا للمعتقلين في سجن صديانا.

ويقول رياض أيالا، المواطن التركي الذي سجن 20 عاما لمقابلته في سن التاسعة عشرة سوريين حول مجزرة في السجن، إن المعتقلين كانوا “من جامع النفايلات إلى الفلاحين، مهندسين ، أطباء ومن كل طبقات المجتمع السوري”. وزاد التعذيب كما يقول، وانتهك السجناء الجدد جنسيا وضربوا على أجهزتهم الحساسة وأجبروا على ضرب وقتل الآخرين. ولا أحد يعرف عدد الذين مروا بالسجون السورية، والتقديرات تتراوح من آلاف إلى مليون.

ومع ازدحام السجون بدأت الميليشيات وأجهزة الأمن تدير سجونا مؤقتة في القواعد العسكرية والمدارس والملاعب. ونظرا للسرية فلا أحد يعرف عدد الذين ماتوا فيها. لكن مصورا اسمه “قيصر” وثق وفيات وصور 6.700 جثة والتي صدمت العالم وظهرت عام 2014. كما وصور الوثائق على مكتب رئيسه. وعانى غباش من التعذيب في 12 سجنا بشكل جعل المتظاهر السلمي “دليل تعذيب”.

وبدأت ملحمته في 2011 عندما كان في سن الثانية والعشرين، حيث ألهمت التظاهرات غباش وهو ابن متعهد حكومي لتنظيم تظاهرة في حلب على شاكلة تظاهرة في داريا، قرب دمشق. واعتقل في حزيران/ يونيو 2011، وأفرج عنه بعد تعهده التوقف عن التظاهر، “ولم أتوقف”، ثم اعتقل في آب/ أغسطس، وتعرض للتعذيب قبل الإفراج عنه بتحذير صارم: غادر البلد. رغم أن المسؤولين أطلقوا سراح المتشددين من سجن صيدنايا لتخريب الثورة. ولم يغادر واعتقل مرة ثالثة، وهذه المرة فبرك المحققون له عملا إرهابيا وعذب ووضع في عجل ورش بالماء البارد وقلعت أظافره التي يحتفظ بها معه. وبعد 12 يوما من التعذيب اعترف حسب ما أراد المحققون.

وقال له المحقق ماهر: “اكتبه بطريقة مقنعة” و”شعرت أن لدي موهبة بالكتابة” خاصة عندما طلب منه تأليف قصة عن عملية التفجير. وفي آذار/ مارس 2012 نقل غباش إلى سجن المزة بالطائرة، ودخل زنزانة صغيرة مزدحمة كان أفرادها ينامون بالدور. ومع تقدم المعارضة ضد النظام زادت حملات التعذيب وحشية. ويصف محاكمته بالمهزلة التي اتهم فيها بالإرهاب أمام قاض عسكري ولم تستمر إلا نصف دقيقة.

ولم يتوقف التعذيب أو التنقل بين السجون والأقبية في القواعد العسكرية. ويقول بطريقة فلسفية “قلدت الكلب “ولكن غيري “قتل واغتصب”. كما واغتصبت النساء والأطفال دون سن الخامسة عشرة في 20 فرعا للمخابرات. وهو عار بالنسبة للنساء اللاتي تعرض بعضهن للقتل من عائلاتهن.

وتعرضت مريم خليف (23 عاما) لاغتصاب متكرر، لأنها ساعدت المتظاهرين. وقدمت وصفا للتحقيق معها في فرع المخابرات بحماة. وكيف اغتصبت عدة مرات على يد المحقق الذي كان يأكل الفستق. وعندما خرجت رفضتها عائلته وطلقها زوجها.

والتعذيب كان جزءا من نظام السجن، فهناك القذارة والعفن وعدم توفر الحمامات، حيث كان لا يسمح للمعتقلين إلا بثواني في الحمام. وعانى الكثيرين منهم من الإسهال والتهاب البول، أما الطعام فلم يكن سوى لقيمات عبارة عن طعام متعفن.

القدس العربي

معذبون منسيون… شهادات على جرائم الأسد في سجونه السرية

يحاول بشار الأسد التباهي بـ”انتصار” نظامه في سورية، وقمعه لثورة لم تمت منذ 2011، مستنداً بذلك في الأساس، إلى الدعم العسكري اللامحدود من قبل روسيا وإيران، إلا أنّ الاعتقالات التعسفية وسجون التعذيب السرية، تعتبر محوراً أساسياً لأساليبه في سحق المعارضين.

تزامناً مع عملياته العسكرية على الأرض، شنّ النظام السوري حرباً قاسية على المدنيين، وألقت قواته بمئات الآلاف في زنزانات قذرة حيث يتعرّضون لمختلف أساليب التعذيب التي عادة ما تؤدي إلى قتلهم. قلة يتمكّنون من النجاة من جحيم العذاب، إذا ما حالفهم الحظ بدفع أقاربهم مبالغ باهظة رشوة للقضاة أو الضباط، من أجل الإفراج عنهم.

قصص هؤلاء، كانت محور تقرير مطوّل، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، اليوم السبت، سلّطت فيه الضوء على التعذيب في سجون الأسد السرية، يرويها ناجون باتوا لاجئين في الخارج، ويحاولون من خلال جمع ما أمكن من معلومات ووثائق، بالتعاون مع محامين وجمعيات حقوقية، محاسبة مسؤولي النظام على جرائمهم.

تشير الصحيفة إلى أنّ حوالى 14 ألف سوري قُتلوا “تحت التعذيب”، بينما يُعتبر حوالى 128 ألف سوري في عداد المغيبين قسرياً، ويُفترض أنّهم إما ماتوا أو لا يزالون رهن الاعتقال، وفقاً لتقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من تلاشي اهتمام العالم بالقضية السورية، ومسارعة بلدان عدة ومنها دول عربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، زادت وتيرة الاعتقالات والتعذيب والإعدامات في سورية، بحسب ما تلفت الصحيفة.

ففي عام 2018، وثّقت الشبكة السورية 5607 عمليات اعتقال جديدة تصنّفها على أنّها “تعسفية”، مسجّلة أكثر من 100 عملية اعتقال أسبوعيا، بنسبة بلغت 25% أكثر من العام الذي سبقه.

ومع أنّ عمليات الاختطاف والقتل التي ارتكبها تنظيم “داعش” الإرهابي، لقيت مزيداً من الاهتمام في الغرب، وفق الصحيفة، إلا أنّ النظام السوري، تفوّق على التنظيم في عمليات الاعتقال في سورية مرات عديدة، إذ يمثل الاحتجاز الحكومي حوالى 90 في المائة من حالات الاختفاء التي سجلتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

فعلى الرغم من محاولة النظام السوري، طمس جرائمه في مقتل آلاف المدنيين تحت التعذيب الممنهج في سجونه السرية، كشفت الصحيفة، في تقريرها، عن مذكرات حكومية تُظهر أنّ مسؤولي النظام الذين يقدّمون تقارير مباشرة إلى الأسد أمروا بالاعتقالات الجماعية، وكانوا على علم تام بالفظائع.

ووجد محققون متخصصون بجرائم الحرب، في لجنة “العدالة والمساءلة الدولية” غير الربحية، مذكرات حكومية تأمر بقمع معارضين ومناقشة حالات وفاة في الاعتقال.

وتشير الصحيفة إلى أنّ المذكرات تم توقيعها من قبل كبار المسؤولين الأمنيين في النظام السوري، بمن فيهم أعضاء اللجنة المركزية لإدارة الأزمات، والتي تقدم تقاريرها مباشرة إلى الأسد.

وتشير مذكرة من رئيس المخابرات العسكرية رفيق شحادة، إلى أنّ المسؤولين يخشون الملاحقة القضائية في المستقبل، وتكشف أنّه يأمر الضباط بإبلاغه بجميع حالات الوفيات، واتخاذ خطوات لضمان “الحصانة القضائية” لمسؤولي الأمن.

في الأشهر الأخيرة، اعترف النظام السوري ضمنياً بأنّ مئات الأشخاص قد ماتوا في المعتقلات. وتحت ضغط من موسكو، أكد النظام مقتل ما لا يقل عن عدة مئات من الأشخاص المعتقلين، من خلال إصدار شهادات الوفاة، أو إدراجهم في عداد المفقودين في سجلات عائلاتهم.

يقول مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فاضل عبد الغني، لـ”نيويورك تايمز”، إنّ “هذه الخطوة من النظام بعثت برسالة واضحة للمواطنين: لقد فزنا، لقد ارتكبنا ذلك، ولن يعاقبنا أحد”.

ولفتت الصحيفة إلى أنّه “لا يوجد أمل كبير في مساءلة كبار المسؤولين في أي وقت قريب”، لكنها في الوقت عينه تشير إلى أنّ “هناك حركة متنامية تسعى إلى تحقيق العدالة من خلال المحاكم الأوروبية”.

وتذكّر في هذا السياق إلى أنّ النيابة العامة في كل من فرنسا وألمانيا، ألقت القبض على ثلاثة مسؤولين أمنيين سابقين، وأصدرت أوامر اعتقال دولية لمدير الأمن القومي السوري علي مملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل حسن، وغيرهم على خلفية تورّطهم بتعذيب وقتل مواطنين أو مقيمين في سورية.

رحلة في معتقلات التعذيب

يستذكر مهنّد غبّاش، في حديثه لـ”نيويورك تايمز”، عندما اعتقل لأول مرة وكان آنذاك طالب حقوق في حلب وعمره 22 عاماً، كيف علّقه ضباط الأمن السوري من معصميه لساعات، وضربوه ضرباً مبرحاً، وصدموه بالكهرباء، ووضعوا مسدساً في فمه، خلال تعذيبه في أحد المعتقلات.

نجا غباش من التعذيب في 12 معتقلاً على الأقل، مما أهّله ليكون “مرشداً سياحياً” لرحلات التعذيب في معتقلات النظام، كما يقول للصحيفة.

في المعتقل كان غباش يحتفظ في جيبه، بأظافر قدميه التي سحبها معذبوه، وبقايا جلد تقشرت من رجليه بفعل الضرب المبرح، أملاً في أن يقدّمها يوماً ما كدليل على تعرّضه للتعذيب أمام القاضي، لكن المحققين عمدوا في أحد الأيام إلى أخذ سرواله.

يشير إلى أنّه اعترف مراراً وتكراراً بـ”جريمته الفعلية”: تنظيم احتجاجات سلمية ضد النظام، لكّنه وتحت التعذيب المتواصل لمدة 12 يوماً، كتب اعترافاً خيالياً يقر فيه بالتخطيط لتفجير.

يروي أنّه تم نقله إلى سجن مزدحم في قاعدة المزة الجوية في العاصمة السورية دمشق، حيث قام الحراس بتعليقه عارياً هو وغيره من المعتقلين على سياج، وعمدوا إلى رشهم بالماء في الليالي الباردة.

ولترفيه زملائه على العشاء، كان ضابط النظام الذي يسمّي نفسه “هتلر”، يجبر المعتقلين على تمثيل أدوار الكلاب والحمير والقطط، بينما يعمد إلى ضرب أولئك الذين يفشلون في النباح أو النهيق.

يستذكر غباش كيف شاهد في مستشفى عسكري، ممرضة تصفع معتقلاً بترت ساقه بينما كان يتوسلها من أجل إعطائه مسكنات للألم، بينما أحصى في معتقل آخر، 19 من زملائه الذين ماتوا بسبب المرض والتعذيب والإهمال، خلال شهر واحد.

يقول غباش وقد بلغ الآن 31 سنة، بعدما نجا من فترة 19 شهراً رهن الاعتقال، حتى رُشِي قاضٍ لإطلاق سراحه: “كنت محظوظاً”.

بعد إطلاق سراحه في عام 2013، توجه غباش إلى غازي عنتاب في تركيا، حيث يعمل في برنامج معني بحقوق المرأة وتقديم المساعدات للاجئين.

اغتصاب واعتداء جنسي

تشير الصحيفة إلى أنّ النساء والفتيات تعرّضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي، في ما لا يقل عن 20 فرعاً من أجهزة المخابرات التابعة للنظام السوري، فيما تعرّض رجال وصبيان لذلك في 15 من هذه الفروع، حسبما ذكرت لجنة تابعة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، العام الماضي.

تروي مريم خليف وهي أم لخمسة أطفال تبلغ من العمر 32 عاماً من مدينة حماة، لـ”نيويورك تايمز”، كيف تعرّضت للاغتصاب بشكل متكرر أثناء اعتقالها، على خلفية مساعدتها متظاهرين مصابين، وإيصالها إمدادات طبية إلى الثوار.

في سبتمبر/أيلول 2012، كما تروي مريم، جرّها رجال أمن من منزلها، إلى فرع أمن الدولة “320” في حماة الذي كان يترأسه العقيد سليمان جمعة.

تقول للصحيفة من منزلها الآن في ريحانلي بتركيا، حيث تعمل معلمة في مدرسة للاجئين، إنّ جمعة “كان يأكل الفستق وبيصق القشور علينا. لم يدع أي كلمة قذرة إلا واستخدمها معنا”.

تتذكر كيف تم اعتقالها في زنزانة مساحتها ثلاثة أقدام مربعة مع ست نساء أخريات، كان الحراس يقومون بتعليقهن على الجدران وضربهن وتكسير أسنانهن. وتروي كيف شاهدت الحراس يجرون سجينة كانت تشتكي من الجوع إلى المرحاض وقاموا بغمر فمها بالبراز.

وتتابع “في منتصف الليل، كانوا يأخذون الفتيات الجميلات إلى العقيد سليمان للاغتصاب. أتذكر العقيد سليمان وعينيه الخضراوين”.

وتشير إلى أنّه لم يكن هناك مرحاض في زنزانة النساء، والتي كانت تلطخها الدماء الناجمة عن الاغتصاب العنيف، بينما أجهضت كذلك إحدى المعتقلات.

وتلفت إلى أنّ أحد أبناء عمومتها تمكّن من عقد صفقة لإطلاق سراحها بعد شهر من اعتقالها، لتهرب في ما بعد إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وقد فقدت ثلث وزنها.

تقول خليف إنّ عائلتها نبذتها بسبب موقفها السياسي وما اعتبروه “خسارتها للشرف”، بينما أرسل إليها شقيقها الموالي للنظام تهديدات بالقتل وطلّقها زوجها.

ولم تخفِ مريم شيئاً عن زوجها الجديد، وهو ثائر سابق، كما تقول، مضيفة: “يقول لي أنت وسام على صدري، أنت التاج على رأسي”، في إشارة منه إلى تقديرها كإحدى الناجيات من الاعتداء الجنسي في الحرب.

أسماء مكتوبة بالدم

تلفت الصحيفة إلى أنّ معتقلين كانوا يخاطرون بحياتهم لإخبار عائلاتهم عن محنتهم، وإيصال صوتهم إلى العالم، وتشير في هذا الإطار إلى أنّ معتقلين في زنزانة الفرقة الرابعة، كانوا يعمدون إلى استغلال أي وسيلة لتهريب أسماء كل معتقل يمكنهم التعرف إليه.

يقول أحدهم واسمه منصور العمري، الذي سُجن بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان، لـ”نيويورك تايمز”، “رغم أننا كنا في الطابق الثالث تحت الأرض، كان لا يزال بإمكاننا مواصلة عملنا”.

حاول نبيل شربجي وهو صحافي، كان من قبيل الصدفة أول من ألهم غباش للمشاركة في التظاهرات في عام 2011، ثم شاركه الزنزانة في المزة، كتابة الأسماء على قصاصات من القماش بواسطة معجون الطماطم.

غير أنّ الأسماء ظهرت باهتة للغاية، ولذلك استخدم شربجي أخيراً دماء المعتقلين، ممزوجة بالصدأ، على خرقة أخاطها زميله المعتقل على قميص العمري.

وتشير الصحيفة إلى أنّ الرسالة بالدم وصلت إلى العواصم الغربية، حيث تم عرض قصاصات القميص في متحف “الهولوكوست” في واشنطن، بينما كان شربجي لا يزال في المعتقل. بعد ذلك بعامين، أفاد معتقل أُفرج عنه، بأنّ شربجي تعرّض للضرب حتى الموت.

“لا تنسونا”

يقول مازن درويش، المعتقل السابق، والمحامي المتخصص بحقوق الإنسان، الذي يعمل حالياً في برلين ويساعد المدعين العامين في ملاحقة المسؤولين المتورطين بالجرائم، لـ”نيويورك تايمز”، إنّ “الملاحقة القضائية هي الأداة الوحيدة المتبقية لإنقاذ المعتقلين”.

وقال “إنها تمنحك الطاقة لكنّها مسؤولية كبيرة في الوقت عينه. يمكن لهذه الوسيلة أن تنقذ روحاً. بعض أصدقائي، عندما أُفرج عني قالوا لي: رجاءً لا تنسونا”.

في العام الماضي، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إنشاء وتمويل هيئة جديدة، هي الآلية الدولية المستقلة والنزيهة من أجل مركزية إعداد قضايا جرائم الحرب، لكن الهيئة ليس لديها القدرة على توجيه الاتهام أو أوامر الاعتقال لضالعين في جرائم كهذه.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى