سياسة

سوريا: هل من حلٍّ ماكرونيّ أو أوروبيّ؟/ مالك ونوس

لا شك أن لأوروبا مصلحة في استقرار دول المنطقة من أجل وقف موجات الهجرة التي تصلها عبر الهاربين من جحيم الحروب وظلم الحكام المستبدين والفقر الذي سببه متقاسمو السلطة فيها.

بعد يومين من جريمة انفجار مرفأ بيروت وصل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى لبنان مُحْمَرَّ العينين مُغَضَّن الجبين ومكشِّراً عن أسنانه بسبب المصيبة التي وقعت في هذا البلد. ومن فوره شمَّر عن ساعديه وجال على المناطق المتضررة والتقى الضحايا قبل المسؤولين، ثم وقف على القمح المتناثر من بقايا إهراءات الحبوب على أرض المرفأ، معلناً أن المساعدات الفرنسية للبنان لن تمر عبر القنوات الرسمية لكيلا تصل إلى أيادي الفاسدين. استبشر اللبنانيون الذين أفقرتهم الطبقة الحاكمة خيراً، وسأل أكثر المتشائمين بينهم ما إذا كان سيتوقف الغرب، أخيراً، عن دعم الفاسدين والحكام المستبدين وينظر في أمر الشعوب، كما أوحت الزيارة. كذلك طرأ سؤال عما ما إذا كان اهتمامه سيمتد إلى سوريا، خصوصاً بعد دعوة وزير الخارجية الأميركي أوروبا للعب دورٍ في إحلال السلام وكبح نفوذ إيران في المنطقة.

تحدَّث الجميع عن عقدٍ سياسيٍّ جديدٍ حمله ماكرون للبنان، وتحدَّث آخرون عن اهتمامٍ جديدٍ لفرنسا في منطقة شرق المتوسط، ما أعطى أملاً في تقليل استفراد أميركا وروسيا وتركيا وإيران بهذه المنطقة ودخول طرفٍ جديدٍ، يتبدى بماكرون الذي تشي كلماته عن الإصلاح ومحاربة الفساد في لبنان، بأن توجهاً إصلاحياً لدى فرنسا، وربما أوروبا، قد يكون أمل شعوب هذه المنطقة للخلاص من مآسيها. ولكن ما الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا أو أوروبا في المنطقة ويكون فارقاً عن دور الفاعلين الآخرين؟ لا شك أن لأوروبا مصلحة في استقرار دول المنطقة من أجل وقف موجات الهجرة التي تصلها عبر الهاربين من جحيم الحروب وظلم الحكام المستبدين والفقر الذي سببه متقاسمو السلطة فيها. ويبقى التهديد الآتي من سوريا الأعظم إذا ما قورن بذلك الآتي من بقية الدول، ولهذا يتوقع من أوروبا القيام بدورٍ في إيجاد حلٍّ للمعضلة السورية عبر آلية شبيهة بآلية التوصل لحل معضلة النووي الإيراني حين بذلت الجهد الأكبر للتوصل إلى اتفاق ينهي المشكلات التي أفرزها.

يعرف ماكرون أنه وفي ظل التعقيدات التي تعيشها المنطقة وكثرة القوى المتدخلة في شؤونها، لا يمكنه أن يحلم بتحقيق نفوذ لبلاده سوى بامتطائه ظهر المساعدات الاقتصادية، وهنا تكمن المشكلة في بلدان ينهشها الفساد ويُحرَم أهلها من الثروات التي تزخر بها أراضيها، وتتبخَّر أي مساعدات تأتيها أو قروض تحصل عليها. لذلك اشترط ماكرون على الطبقة السياسية في لبنان إجراء إصلاحات ومحاربة الفساد، للفوز بأموال القروض التي يسَّرتها مؤتمرات سيدر وبعض الصناديق الدولية، مشترطةً هذا الإصلاح لبدء صرفها. واستناداً إلى هذه الحقائق، وحقيقة وصول لبنان إلى حافة الانهيار، علاوة على الفساد الذي أدى إلى حدوث جريمة الانفجار في مرفأ بيروت، جاء ماكرون متحمِّساً ومحاولاً التعويل على الشعب أكثر من الطبقة الحاكمة، وأعطى ملاحظاته، أو قل تعليماته، لرموز هذه الطبقة لمباشرة تلك الإصلاحات عبر تشكيل حكومة إصلاحية جديدة من الكفاءات من غير الحزبيين وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، لكنهم لم ينجزوا أي من هذه الإصلاحات لكي يسمح بصرف أموال القروض المرصودة.

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا أو أوروبا في المنطقة ويكون فارقاً عن دور الفاعلين الآخرين؟

وإذ كانت مبادرة الرئيس الفرنسي من أجل لبنان أقرب ما تكون إلى الرهان على التزام رموز الطبقة السياسية بتنفيذها، فإنه لم يعلن خسارة هذا الرهان عندما أكد خلال مؤتمره الصحافي، في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، إن مبادرته باقية لأنها الوحيدة التي توفر لهم فرصة النجاة. ولكن، سرعان ما وصل الترياق الذي احتاجه ماكرون من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لكي يواصل رهانه عندما تحدَّث بومبيو خلال لقائه مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عن دورٍ استراتيجيٍّ يمكن أن تلعبه أوروبا لكبح إيران ونبذها من المنطقة، لأنها “لا تزال تمثل أكبر قوةٍ لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها”، على حد تعبيره. لذلك يمكننا أن نعدَّ هذا الكلام ضوءاً أخضر لأوروبا، وربما لفرنسا للبحث عن أساليب لإعادة نفوذها في المناطق التي كانت تحتلها عبر إخراج إيران من سوريا والعراق الذي زاره أخيراً، وربما من لبنان أيضاً. ولا شك في أن هذه الدعوة ليست سوى الضوء الأخضر الذي يحتاجه ماكرون للعب دورٍ في حل الأزمة السورية سلميّاً، أو حتى في وضع البلاد على سكة ذلك الحل.

ولكن هل تحتاج سوريا لاعباً جديداً فيها يزيد عدد المتدخلين في شؤونها؟ إنها تحتاج ذلك في ظلِّ تعثُّر روسيا في السير بالحل السلمي عبر صيغة أستانا، وكذلك تعثرها في جعل جولات اللجنة الدستورية تثمر، لأنها تبدو غير جدية في الضغط على الأطراف المتفاوضة، أو على الأقل على طرف النظام، لكي يأخذ الجميع أمر التفاوض على محمل الجد. علاوة على ذلك تبدو روسيا وإيران أكثر ميلاً لاستمرار الحرب منه إلى وقفها وبدء العملية السياسية التي تؤدي إلى الحل السلمي وفق قرارات الأمم المتحدة وأهمها قرار مجلس الأمن رقم 2254. إذ لا تبدو روسيا ميالةً لوقف الحرب لأنها تعتمد عليها في تسويق أسلحتها للبيع إلى دول المنطقة ودول أخرى في العالم، مع أن فاعليتها، وخصوصاً سلاح الطيران، لم تكن لتبدو على الصورة التي تعرضها روسيا إلا بسبب استباحتها سماءً تغيب عنها المضادات الأرضية الفاعلة.

كذلك ففي ما يخص ملف إعادة الإعمار، يظهر بوضوح عجز روسيا وإيران عن المساهمة فيه بسبب افتقارهما الإمكانات المناسبة نتيجة ما تعانياه من أزمات اقتصادية متكررة، بل وحتى أزماتٍ مزمنةٍ في أحيان كثيرة. ويزيد من عجزهما شرط أوروبا عدم المساهمة في إعادة الإعمار إلا في حال دخول البلاد في طور العملية السياسية. وهو المبدأ الذي أعاد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، تأكيده في لقائه مع صحيفة العربي الجديد قبل أيام حين قال: “لن تحصل إعادة إعمار من دون البدء الفعلي في عملية سياسية صادقة تحت مظلة الأمم المتحدة. ونحن نعتقد اعتقاداً راسخاً أن العملية السياسية الصادقة، هي السبيل الوحيد للسلام المستدام والشرط الأساسي لتطبيع العلاقات مع سوريا”. كما أن دخول فرنسا على خط الحل السلمي سيريح النظام الذي تعمل روسيا على تكبيله باتفاقات ترهن حاضر سوريا ومستقبلها لصالح احتكاراتها النفطية وغير النفطية. أما بالنسبة إلى إيران فهي تبدو أضعف من أن يكون لديها مشروع متكامل لإعادة إعمار البلاد وحدها أو بالتعاون مع روسيا، بل على العكس، يجعل وجودها العسكري على الأراضي السورية البلاد عرضةً لقصفٍ إسرائيليٍّ دائمٍ يطاول القواعد الإيرانية العاجزة عن رده، ما يؤدي إلى تغييب البيئة المستقرة الصالحة لتنفيذ المشاريع المدنية.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى