الناس

خربشات على جدران “سجن التوبة”… هل الناشطة السورية رزان زيتونة لم تزل على قيد الحياة؟

 

حظيت الناشطة السورية رزان زيتونة بأعداء من جميع أطراف الحرب الأهلية في بلدها، قبل أن تختفي ويصبح مصيرها واحدًا من أطول وأكبر ألغاز الحرب الدائرة منذ سنوات.

زيتونة، إحدى أبرز الناشطات في مجال حقوق الإنسان في سوريا، وعُرفت كمحامية مُدافعة عن حقوق السجناء السياسيين، كانت جريئة ولبقة وعلمانية.

وربما الأكثر خطورة أنها كانت مُحايدة. هتفت في الاحتجاجات ضد بشار الأسد، وفي الوقت نفسه، أصبحت في مواجهة الفصائل المُسلحة التي تقاتل للإطاحة به، وذلك عندما قامت بتوثيق انتهاكاتها.

ثم فجأة اختفت من دون دليل على وفاتها في ليلة شتوية باردة في ديسمبر 2013، عندما اُختطفت وزوجها وزميلاها من قبل مسلحين من مكتبها في دوما، وهي بلدة كان يسيطر عليها المسلحون في ضواحي دمشق.

خربشات على جدران “سجن التوبة”

علمًا أن شواهد جديدة تتبعت وكالة “أسوشيتدبرس” قرائنها في داخل سوريا ربما تعطي أحباءها أملًا خافتًا في أنها على قيد الحياة.

تقول “أسوشيتدبرس” إنه بعد مرور خمس سنوات، تظهر بضع قرائن قد تشير إلى أن رزان حية، إذ عُثر على تهديد خطي يتعهد بقتلها، كذلك تم العثور على تسجيل دخول من جهاز الكمبيوتر الخاص بها بعد أن قام الخاطفون بسرقته من مكتبها. ومشاهدات مُحتملة لشهود عيان وتقارير عن كتابات على جدار زنزانة في السجن، إحداها بعبارة “أفتقد والدتي – رزان زيتونة، 2016”.

تعطي هذه الدلائل مؤشرات قوية على أن زيتونة أُخذت من قبل “جيش الإسلام”، وهو أقوى فصيل للمعارضة في دوما في ذلك الوقت، ومن المحتمل أنها كانت مُحتجزة في سجن “التوبة” المخيف، بينما ينكر جيش الإسلام بشدة أي دور في اختفائها.

ومن المحتمل أيضًا أنها قُتلت، رغم أنه غير معروف كم من الوقت عاشته بعد اختطافها، وفق ما قاله العديد من أصدقائها وزملائها لـ”أسوشيتدبرس”.

هذا الأمل الشحيح في أنها وبقية المُختطفين معها كانوا أحياء خلال فترة احتجازهم، اهتز في أبريل الماضي، عندما استعادت القوات الحكومية السورية دوما. حينها، تم إجلاء مقاتلي “جيش الإسلام” وعائلاتهم وآلاف المدنيين شمالاً في الحافلات. وتم الافراج عن السجناء. لكن زيتونة وزملاءها لم يظهروا.

فريق من “أسوشيتدبرس” أجرى جولة في سجن التوبة المهجور، وهو مجمع كان في الماضي منشأة تابعة لوزارة الزراعة، خاصة ببحوث التصحر. تم تحويله  إلى متاهة مُظلمة من الزنازين، حيث اعتقل “جيش الإسلام” فيها مئات الأشخاص لسنوات، ومن بينهم المعارضون.

كان هناك خربشات مكتوبة على جدران الزنازين – أسماء وتحية للعائلات وتقويمات بدائية، تدل النزلاء على أيامهم في الحجز.

في حين كانت زنزانات الحبس الانفرادي صغيرة، عرضها متر وطولها متران مع فتحة مرحاض في أحد أطرافها. كان المُجمع تربطه أنفاق بين المباني وتؤدي إلى خارج المجمع.

“بعد أن غادر جيش الإسلام دوما، فإن الاحتمالات بأن رزان زيتونة ما زالت حية تتجه أكثر فأكثر نحو الأسوأ”.

العديد من الشهود تحدثوا عن الرسالة التي قيل إن رزان زيتونة كتبتها لوالدتها على جدران السجن، والتي تعود إلى 2016، مُعتبرًا أنها إذا كانت صحيحة فإن هذا يعني أنها عاشت سنوات عدة داخل السجن بعد اختطافها.

قابلت “أسوشييتد برس” العشرات من النشطاء والمتمردين ومعارف لزيتونة وسكانا محليين من دوما لجمع ما هو معروف عن اختفائها. وتحدث كثيرون شريطة عدم الكشف عن هوياتهم لأنهم كانوا قلقين بشأن إغضاب العائلات أو خشية الانتقام.

قصة اختطاف وجه الأيام الأولى للانتفاضة السورية 2011

أصبحت رزان زيتونة من وجوه الأيام الأولى للانتفاضة السورية في 2011، عندما خرج المتظاهرون العزل إلى الشوارع مُطالبين برحيل الأسد.

بشعر أشقر طويل وعينين زرقاوين، هتفت وغنت في التظاهرات. وفي إحداها ظهرت في مقطع فيديو نُشر على شبكة الإنترنت، وهي تصرخ عبر مكبر الصوت، قائلةً “العصيان المدني سيستمر حتى نطيح بنظام بشار الأسد”.

وفي ظل قمع الحكومة للتظاهرات، حملت المعارضة السلاح في نهاية المطاف، وانزلق الصراع إلى حرب أهلية.

وفي غضون ذلك، أسست زيتونة مركزًا لتوثيق الانتهاكات، وشبكة من النشطاء، التي عُرفت بـ”لجان التنسيق المحلية”.

نالت الشابة سلسلة من التكريمات الدولية، ففي عام 2013، كرمتها السيدة الأولى ميشيل أوباما، ووزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، كاِمرأة شجاعة.

الناشط المعارض مازن درويش، الذي عرفها منذ نحو 18 عامًا، قال “إنها إمرأة صاحبة مبادئ… إنها إمرأة تحب الحياة ومُنفتحة الذهن، وهي صديقة جيدة”.

اختفت زيتونة مع اعتقال السلطات السورية لنشطاء المعارضة في دمشق. وفي أوائل 2013، هربت إلى دوما، التي تسيطر عليها المعارضة وتعتبر أكبر مدينة في منطقة الغوطة الشرقية.

هناك، أظهرت آراءها السياسية وشاركت في الحشد ضد النظام. كانت زيتونة وزميلتها سميرة الخليل تتحركان دون غطاء للرأس في البلدة المحافظة، حيث ترتدي جميع النساء تقريبًا غطاءً للرأس أو حجابًا. كما عملت على إنشاء إدارة محلية لتوفير السلطة المدنية وسط الجماعات المسلحة. حصلت زيتونة على تمويل من الخارج، وهي أموال كانت تستخدمها لمساعدة ضحايا النزاع، لكن على ما يبدو أنها أغضبت مُسلحي “جيش الإسلام”.

في ذلك الوقت، كان جيش الإسلام، الذي يتألف من المتدينين المتشددين، يعزز سلطته في دوما، ويضغط على المعارضين الآخرين ويفرض قواعد الشريعة الصارمة.

وفي 9 ديسمبر 2013، اقتحم مسلحون مركز توثيق الانتهاكات. أخذوا رزان، البالغة من العمر 36 عامًا، وزوجها وائل حمادة وسميرة الخليل وزميلًا آخر هو ناظم حمادي، إضافة إلى جميع الحواسيب والأجهزة الإلكترونية وتركوا خلفهم على المكتب رُزمًا جديدة من الجنيهات السورية تبلغ قيمتها حوالى 60 ألف دولار.

بينما نفى حمزة بيرقدار، مسؤول في جيش الإسلام، أن يكون لجماعته أي دور في عملية الخطف. وفي حديثه إلى “أسوشيتد برس” قال إن جيش الإسلام أحضر زيتونة إلى دوما لحمايتها من الحكومة السورية.

وأضاف أن “الغوطة الشرقية كانت تواجه انتهاكات كبيرة من قبل قوات الأسد ضد المدنيين. كان هدف عمل رزان وأصدقائها توثيق مثل هذه الأعمال”.

لكن العديد من أولئك الذين تحدثوا إلى الوكالة، قالوا إن جيش الإسلام رأى أن توثيقها للإساءات كان تهديدًا له،  فضلًا عن استيائه من خطتها الإدارية المحلية باعتبارها تعديًا على قوتهم.

وقبل أسابيع من اختطافها، فتح مسلح النار في الهواء خارج مركزها لتوثيق الانتهاكات. وبعد فترة وجيزة، تلقت زيتونة مذكرة مكتوبة بخط اليد تمنحها ثلاثة أيام للمغادرة. إضافة إلى عبارة “سأقتلك، سأقتلك، سأقتلك، سأقتلك يا رزان زيتونة”.

واعترف حسين الشاذلي، وهو مسؤول في جيش الإسلام، في محكمة محلية بأنه سلم المذكرة بناء على أوامر من قيادة الجماعة، حسبما قال مازن درويش. لكن المحكمة أفرجت عن الشاذلي بعد تدخل زهران علوش، قائد جيش الإسلام.

ورغم التهديدات، رفضت رزان الحماية، بحسب محمد قطوب، وهو طبيب أسنان كان يعيش في دوما في ذلك الوقت، وعلى اتصال بفريق المركز. ورأى التهديد المكتوب بخط اليد.

يقول الطبيب: “لديها شخصية قوية”… قالت: يمكنني أن أحمي نفسي”.

وفي وقت لاحق، قال أحد الشهود لأعضاء المركز، إنه في الصباح الذي أعقب عملية الخطف، شاهد ثلاث نساء معصوبات الأعين محتجزات في شقة بالقرب من ساحة الشهداء الرئيسية في دوما، حسب قول أسامة نصار، وهو مساعد مُقرب من زيتونة الذي أدار مكتبها بعد اختطافها، وغادر المدينة في وقت سابق من هذا العام كجزء من عملية الإخلاء.

ويعتقد نصار أن شعر المحتجزين (زيتونة والخليل وحمادي) كان طويلًا. وأنه من المرجح أن الشقة كانت مركز توقيف مؤقت قبل نقلهم إلى مكان آخر.

وقال نصار إنه بعد الحادث بوقت قصير عُثر على صاحب الشقة مقتولًا.

ويعتقد أولئك الذين يتتبعون قضية اختفاء رزان أنها وزملاءها كانوا محتجزين في “سجن التوبة”، الذي يسيطر عليه جيش الإسلام.

وقالت إحدى سجيناته السابقات، إنها شاهدت زيتونة هناك، وعندما عرض عليها أعضاء مركز توثيق الانتهاكات مجموعة من الصور، أشارت إلى صورة زيتونة، على حد قول نصار.

وأشار نصار إلى أن العديد من الشهود تحدثوا عن الرسالة التي قيل إن زيتونة كتبتها لوالدتها على جدران السجن، والتي تعود إلى 2016، مُعتبرًا أنها إذا كانت صحيحة فإن هذا يعني أنها عاشت لسنوات عدة داخل السجن بعد اختطافها.

إضافة إلى ذلك، تم تسجيل دخول عبر أحد أجهزة الكمبيوتر المأخوذة من مركز توثيق الانتهاكات من داخل سجن التوبة، وفقاً لشخص بارز في دوما تحدث إلى “أسوشييتد برس”، قائلاً إن عنوان بروتوكول الإنترنت مرتبط بجيش الإسلام.

وهو نفس ما قاله زوج الناشطة سميرة الخليل، ياسين حاج صالح، في مقال كتبه في العام 2014.

إلا أنه رفض التعليق عندما اتصلت به “أسوشييتد برس”، فيما فشلت الوكالة في الوصول إلى أقارب آخرين مفقودين. كما رفضت شقيقة رزان زيتونة ووالدتها طلب الوكالة لإجراء مقابلة.

تقريبًا جميع الذين عملوا مع زيتونة أو يعرفونها متفرقون في بقاع شتى حاليًا، إما في أماكن أخرى في سوريا أو في الخارج، مما يعني أن لا أحد يبحث عنها – أو عن قبرها.

وهنالك تقارير مُتعددة حول المكان الذي ربما قد تم دفنها فيه مع زملائها. وقال أحد الأشخاص في دوما إن جيش الإسلام دفن الجميع في “Al-Ebb”، وهي منطقة زراعية قريبة. وقال آخر إنه يعتقد أنهم دُفنوا في حوش نصري، وهي قرية مجاورة.

أما الاحتمال الآخر فهو النشابية، وهي بلدة تبعُد عدة أميال عن دوما. وقال مسؤول في جماعة موالية للحكومة إن جماعته والجيش السوري يحفران مقبرة جماعية ملأى بجثث مقاتليهما الذين قتلوا على يد جيش الإسلام.

وقال إنه كان لديه معلومات بأن زيتونة قد تكون هناك أيضًا. وتحدث شريطة عدم ذكر اسمه هو ومجموعته لأن وجودهم في المنطقة حساس.

في حين قال الناشط مازن درويش إن هناك دليلاً على أن زيتونة كانت في سجون جيش الإسلام حتى أوائل عام 2017، وبعد ذلك قُطعت جميع المعلومات عنها.

وقال درويش: “بعد أن غادر جيش الإسلام دوما، للأسف، فإن الاحتمالات بأن زيتونة لا تزال حية تتجه أكثر فأكثر نحو الأسوأ”.

https://apnews.com/ab3868ab92f84b009e4b6d9bc8bdfbb3

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى