ثقافة وفكر

هويات مهدّدة/ أمجد ناصر

طُرح علينا سؤال الهوية أكثر من مرة، وعلى أكثر من نحو وشكل. من أصل الحديث، ربما كانت ظاهرة الاستعمار الأجنبي، ثم ولادة الكيان الصهيوني من رحم السؤال الأكبر، حول علاقتنا بأنفسنا وبالآخر، وهو المجال الذي تتكون فيه الهويات.

هكذا كُتب على هويتنا أن تكون جزءا من حركات النضال العالمي في مواجهة الهيمنة والنهب. لكن هذه الهوية النضالية تستطيع أن تضرب صفحا عن تمزّقاتٍ داخلية، تم تجاهلها بإصرار، وحملها على النقيض مما هو مفترض أن تكون عليه النضالية ومواجهة الاستعمار في الخارج، رجعياً وشوفونياً في الداخل، فكيف يمكن أن تستقيم معادلة من هذا النوع؟

لم تستقم، بدليل أزمات الهوية المستفحلة في كل من: العراق، سورية، اليمن، ليبيا، لبنان.. وربما في الجزائر والمغرب.

ولكن هناك أشكال أخرى لسؤال الهوية وأزمته، وليس بالضرورة على شكل حروب أهلية، فماذا يمكن أن نسمي الغلبة العددية للعمالة الأجنبية في دول الخليج العربي؟ أليست هذه واحدة من أبرز الإشكالات البنيوية التي تواجهها تلك الدول، قليلة أعداد السكان الذين لا ينتمون إلى تاريخ المكان، وثقافته ولغته.. كانت مشكلة العمالة الأجنبية القضية الأكثر أهمية التي دأبت مراكز البحث والصحف على نقاشها، في فترة ما بعد الاستقلال وقيام الدولة الوطنية، بيد أن هذا الاهتمام لم يعد موجوداً، بل تكاد تدخل قضية العمالة الأجنبية في النسيان والإهمال.

كان لافتاً أن انتفاضات الربيع العربي طلعت مما هو اجتماعي وسياسي واقتصادي وحرياتي، وليس مما هو هوياتي، فما الفرق في سؤال الهوية، بهذا المعنى، بين منتفض الشارع وجندي النظام؟ انظروا إلى الانتفاضة السودانية التي كان ينبغي أن تحمل مضامين كهذه، نظرا إلى محاولات النظام طمس الاختلافات الثقافية العرقية والدينية داخل المجتمع السوداني، الأمر الذي أدى إلى تفكيكه، وانفصال الزمن عنه، فيما بعد استجدّت أسئلة مختلفة.

سؤال الهوية السودانية يختلف عن سؤال الهوية في الخليج اليوم. لأن الأول يعتمد على العرق واللغة والثقافة، بينما السؤال الهوية الخليجية اليوم يطلع من التوازن المختل للسكان في البلاد، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن اقتصاديات التنمية ستكون دينامو الحركة في العقود المقبلة، وستعتمد على القوة البشرية، وليس على الموارد. فأمن الاقتصاديات في العالم سيتغير في بعض التوقعات، مع دخول المكسيك وإندونيسيا نادي الدول العظمى في هذا المجال.

الرهان هنا على القوة البشرية، وليس الموارد المالية. وهذه لا معنى لها من دون القوة البشرية، واستثمارها والدفاع عنها.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى