الناس

ما مصير جامعة حلب الحرّة؟/ مصطفى أبو شمس

تتواصل الاحتجاجات الطلابية الرافضة لقرارات مجلس التعليم العالي في إدلب، التي تقضي بإغلاق كليات ومعاهد جامعة حلب الحرّة أو إتباعها له، بعد التغيرات العسكرية التي جرت في محافظة إدلب ومحطيها مطلع العام الجاري، والتي أفضت إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على معظم هذه المناطق، وما نتج عنه من سيطرة حكومة الإنقاذ، الواجهة المدنية للهيئة، على مختلف المؤسسات المجتمعية والخدمية والتعليمية وإخضاعها لسلطتها.

وكانت هذه الإجراءات قد طالت الجامعات الخاصة في المنطقة بداية، عندما صدرت في الثاني عشر من كانون الثاني الماضي قرارات من شأنها تعطيل عمل الجامعات غير المرخصة من قبل مجلس التعليم العالي في إدلب، وفرض إجراءات التبعية خلال مدّة أقصاها شهر، ضاربة عرض الحائط بكافة الاعتصامات والاحتجاجات على هذه القرارات.

ومع انتهاء الامتحانات الفصلية الأولى مطلع آذار الجاري، في كليات ومعاهد جامعة حلب الحرّة تفاعلت قضية تتبيعها لمجلس التعليم العالي في إدلب، خاصة وأن الأخير قام بالسيطرة على مباني الكليات في كلّ من الأتارب ومعرة النعمان وعويجل وترمانين وكفرسجنة، مطالباً إدارة الكليات بتسليم أضابير الطلبة ومتعلقات الجامعة للمجلس، وتخيير الكادر التدريسي والطلبة بين التبعية أو ترك الجامعة.

وإذا كان مجلس التعليم العالي في إدلب، الذي تشكل صيف العام 2017، يعرّف عن نفسه كجهة مستقلة لا تتبع لأي حكومة، إلا أن الوقائع على الأرض تقول غير هذا، إذ جاءت قراراته بخصوص تبعية الجامعات بالتزامن مع توسع سيطرة الهيئة وحكومة الإنقاذ في المنطقة، كما أن سيطرته على مباني الكليات تمت بمؤازرة ممثلين عن حكومة الإنقاذ وعناصر من الهيئة.

بين الإنقاذ والمؤقتة

رفضت وزارة التعليم العالي في الحكومة المؤقتة قرارات التتبيع، وأصدرت بياناً في السابع عشر من آذار الجاري بنقل كافة مقرات الكليات في جامعة حلب الحرة إلى مقرات جديدة في مدينتي مارع وإعزاز بريف حلب الشمالي، الخاضعتين لسيطرة فصائل درع الفرات. وفصّلت في البيان الطريقة التي سيتم التعامل فيها مع الطلبة في الكليات النظرية والعملية، واتخاذ الإجراءات المناسبة لسير العملية التعليمية وتقديم التسهيلات اللازمة للطلبة.

أما البدائل التي يطرحها مجلس التعليم العالي في إدلب على الطلاب، في حال لم يتم الاتفاق على مواصلة العملية التعليمية في جامعة حلب الحرة تحت إشرافه، فهي نقل أضابيرهم إلى جامعات أخرى مرخصة من قبل حكومة الإنقاذ، أبرزها جامعة حلب الشهباء. ويؤكد الدكتور مجدي حسني رئيس مجلس التعليم العالي للجمهورية أن المجلس سيسير في هذه الإجراءات رغم الاحتجاجات: «إن قرار التتبيع قد صدر سابقاً، ويتم تنفيذه الآن مع بداية الفصل الثاني لكافة الكليات والمعاهد، وإن هناك تسوية لأوضاع كافة الطلبة عبر إلحاقهم بالجامعات والكليات المرخصة والتابعة للمجلس». أما فيما يخص الكوادر التدريسية، فقد أضاف الحسني «إن الباب مفتوح أمام من يود الاستمرار من الكوادر التدريسية والإدارية، أما من يرفض الاستمرار فهذا القرار عائد له».

الطلاب يرفضون القرارين

تشهد مقرات جامعة حلب منذ ما يزيد عن الأسبوع احتجاجات ومظاهرات واعتصامات رافضة للقرارات الصادرة عن الحكومتين، ويعتبر الطلاب المحتجون أنّ ما يحدث ليس إلّا تجاذبات سياسية غرضها «السيطرة على المفاصل التعليمية» دون أن تضع مصلحة الطلبة بـ «الحسبان».

يقول محمد الياسين، وهو أحد الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، إنّ هذه الوقفات الاحتجاجية جاءت بمثابة «إعلان موقف» من قبل الطلبة، مؤكداً على استمرار الطلاب بالتظاهر والاعتصام حتى تحقيق مطالبهم بـ «عدم التبعية لأي جهة، وبفصل العملية التعليمية عن السياسة»، وهو ما يؤكده أيضاً الطالب محمود أبو المجد، الذي أضاف أن المشكلة الحقيقية تكمن في «الخلافات الحاصلة بين شرعية الحكومتين ونفوذهما، دون أن يكون هناك أي دراسة حقيقية للآثار الناجمة عن هذه التجاذبات على الطلبة».

الدكتور عبد السلام كافي حمدو، وهو مدرس في قسم اللغة الإنكليزية بكلية الآداب في جامعة حلب الحرة منذ العام 2015، يقول للجمهورية إن هذه القرارات «ستنهي أحلام آلاف الطلبة بإكمال تحصيلهم العلمي»، مؤكداً وقوف الكوادر التدريسية مع الطلبة الذين وصفهم بـ «أصحاب الحق والشرعية بتقرير مصيرهم، وليس من حق أي جهة أن تفرض عليهم إرادتها»، واصفاً قرار المجلس بإغلاق الجامعة وتوزيع طلابها على الجامعات الأخرى على أنه «مؤشر خطر، وهدم لأول صرح تعليمي في المنطقة».

ويطالب الطلّاب بتحييد الجامعات عن حكومة «العسكر»، ومراجعة قراراتها التي وصفوها بـ «التعسفية والمتسرعة دون مراجعة أو تفكير بمصير الطلبة»، مؤكدين على استمرارهم بتحصيلهم العلمي، وبشكل مستقل، حتى لو في الهواء الطلق، كما حدث سابقاً في كانون الثاني 2018، بعد إغلاق حكومة الإنقاذ للكليات والمعاهد التابعة لجامعة حلب الحرة في مدينتي الدانا وسرمدا، وهو ما تؤكده لنا مها، الطالبة في قسم اللغة العربية بكلية الآداب في جامعة حلب الحرة.

وقد نفذ طلاب جامعة حلب الحرة وقفات احتجاجية في مقرات الجامعة في الأتارب ومعرة النعمان ضد القرارات الأخيرة، رفعوا فيها لافتات عبّرت عن مطالبهم، وطالبوا بإسقاط حكومة الإنقاذ للمرة الأولى منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة، وارتفعت حدّة الهتافات والاحتجاجات لتطال قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، مؤكدة على حرية الطلبة في اختيار مصيرهم.

آلاف الطلبة خارج العملية التعليمية

يرى بعض الطلبة المحتجين الذين التقيناهم أنّ هذا القرارات، في حال لم يتم التراجع عنها، ستحرم ما يزيد عن خمسة آلاف طالب من متابعة تحصيلهم العلمي. ويقول الطالب أحمد إنّ السبب الرئيسي للرفض يأتي من «عدم الاعتراف»، فلا توجد أي جهة دولية علمية تعترف بحكومة الإنقاذ، خاصة لارتباطها بهيئة تحرير الشام، المصنفة على لوائح «الإرهاب»، في الوقت الذي كانت جامعة حلب الحرة، ومن خلال تبعيتها للحكومة المؤقتة، تحظى ببعض الاعتراف الدولي، خاصة في تركيا، إضافة إلى بعض الدول الأخرى، مع السعي الدائم لزيادة الدول التي تعترف بهذه الشهادة. يتساءل أحمد عن فائدة شهادة علمية لا يُعترف بها من قبل أحدْ.

يتابع أحمد أن الدعم الحالي لجامعة حلب سيتوقف نهائياً مع قرار التبعية، ذلك أن المنظمات والأشخاص المانحين سيوقفون الدعم عن الجامعة في حال سيطرة الهيئة على العملية التعلمية فيها، مبدياً اندهاشه من استمرار العملية التعليمية في المدارس التابعة لحكومة نظام الأسد في المناطق المحررة، وإيقافها عن الجامعة التابعة للحكومة المؤقتة!

من جهة أخرى يرفض الطلبة قرار الحكومة المؤقتة بنقل مقرات الجامعة إلى إعزاز ومارع، خاصة مع ما يترتب على هذا القرار «غير المدروس» على حد تعبيرهم، من أعباء مالية وجسدية، إذ كيف يمكن لما يزيد عن خمسة آلاف طالب الالتحاق بالمقرات الجديدة، مع غياب التجهيزات اللازمة كالسكن الجامعي على سبيل المثال.

تقول الطالبة إيمان إن «معظم الطالبات سيتوقفنّ عن الالتحاق بالجامعات ومتابعة تحصيلهنّ العلمي، بالرغم من وصولهنّ إلى سنوات متقدمة، فمعظم الأهالي لن يسمحوا لبناتهم بالسفر، يضاف إلى ذلك الكلفة المالية التي قد تصل إلى خمسة آلاف ليرة فقط للوصول إلى المقرات الجديدة»، بالإضافة إلى استحالة الذهاب يومياً بسبب «بعد المسافة وكثرة الحواجز، إذ يحتاج الطالب لما يزيد عن ثلاث ساعات للوصول من مدينة الأتارب إلى إعزاز».

تستنكر إيمان ما وصفته بـ «اللامبالاة» من قبل المسؤولين عن العملية التعليمية، وتقول «هل من الممكن أن يصدر هذا القرار في منتصف العام الدراسي، وماذا عن الطلاب في الأفرع التعليمية التي ليس لها ما يقابلها في جامعات أخرى في المنطقة، كيف سيتم التعامل معهم؟».

أما علي، وهو طالب في الدراسات العليا في جامعة حلب، فيقول إن جميع ما يصدر من قرارات لم يشر إلى مصير طلبة الدراسات العليا، متهكماً «من سيوقع على رسالة الماجستير خاصتي، هل سيوقعها أبو اليقظان المصري!».

وتضم جامعة حلب الحرة أكثر من ثماني عشرة كلية ومعهداً من مختلف الأفرع والاختصاصات، وقد تم تأسيسها منذ عام 2015 بكادر تدريسي يبلغ أربعمائة وثمانين شخصاً بينهم خمسة وعشرين من الحاصلين على شهادة الدكتوراة، وذلك بحسب إحصائية الجامعة في العام 2018، وتتوزع فروعها ومقراتها على قرى وبلدات إدلب وريفي حلب الغربي والشمالي. أما جامعة حلب الشهباء التابعة لحكومة الإنقاذ، والتي يتم طرحها كبديل أساسي للطلبة، فهي تضم خمس كليات ومعهداً واحداً فقط، بينها أربع كليات للعلوم نظرية وكلية للطب البشري.

موقع الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى