مقالات ونصوص سينمائية

استعادة لجون كازافيتس… أحد أبرز رموز السينما الأمريكية المستقلة/ سليم البيك

قد يخطر على بال أحدنا، عند سماع عبارتين تبدوان، للوهلة الأولى، متناقضتين، هما «السينما المستقلة» و»الأمريكية»، اسم جون كازافيتس (1929 ـ 1989) قبل غيره، وهو الذي تميز بأفلام لها روحية واحدة، بمعنى يمكن من مشهد واحد، اختير عشوائياً للمُشاهدة، القــــول إنه من فيلم لكازافيتس، كان على معرفة مسبقة بالفيلم أم لم يكن.

يكفي أن يشاهد أحدنا واحداً من بين أفلامه، الممتازة منها لنقل، ليدرك أسلوبه المُعمم على باقي أفلامه، تماماً كما هو الحال مع فان غوخ أو موديلياني أو شيله أو أي فنان عظيم.

لكازافيتس مكانة في السينما المستقلة الأمريكية هي ريادية وبارزة، وهو أتى إلى ذلك من خلفيتين أساسيتين: فهو أولاً قادم إلى السينما من المسرح، وهو ثانياً متأثر أسلوبياً بالسينما الأوروبية، «الموجة الجديدة» في فرنسا و»الواقعية الجديدة» في إيطاليا، ذاهباً، بالمدرستين، أسلوبياً، إلى سياقات وحكايات وتفاصيل أمريكية، يمكن أن نشاهدها في أفلام أقل استقلالية، أو أكثر، أو ليست كذلك بالمرة.

نبقى في الأسلوبية، فالتصوير لديه واقعي، الكاميرا والممثلون يدورون في الشوارع، يبدو التصوير عفوياً وتوثيقياً. الحوارات طويلة، كثيرة، هي كذلك تبدو عفوية وإن كانت مكتوبة كلمة كلمة. وهذا آتٍ من أوروبا إلى السينما الأمريكية، من السينما الأوروبية، حيث الميزانيات المحدودة، وكذلك كانت ميزانيات أفلام كازافيتس، محدودة كونها أعمالا فنية ومستقلة وصناعة تامة له، وطبعاً بعيدة عن شركات الإنتاج الكبرى في هوليوود.

للممثل مكانة أساسية في أفلامه، لأسباب هي كذلك لها الأمكنة التي أتت منها: أولاً لكونه ممثلاً قبل أن يكون مخرجاً سينمائياً، وقد مثل في أفلام مخرجين مهمين مثل براين دو بالما في فيلم The Fury (1978)، ورومان بولانسكي في فيلم Rosemary’s Baby (1968). إثر عمله في المسرح. وثانياً لكونه عمل ممثلاً مسرحياً حيث للممثل في المسرح حضورٌ أو ثقل يفوق نظيره في السينما، وثالثاً أن لأفلامه طابعاً عائلياً، فكازافيتس يصنع أفلامه مع الممثلين الرئيسيين أنفسهم تقريباً، وبطلته في معظم أفلامه هي زوجته وملهمته جينا رولاندز، وباقي الممثلين هم أصدقاء شخصيون له.

ساعده كل ذلك ليصنع أفلامه كما أراد، وهو بذلك يذكرنا بأحد أهم صناع السينما في العالم، الأمريكي أورسون ويلز، الذي مثل في أفلام آخرين كي يستطيع تمويل أفلامه التي يخرجها، وهي كذلك مستقلة وفنية. خرج أخيراً كازافيتس بأفلام رائعة عالمياً، ريادية ومتميزة أمريكياً، كانت أقرب لتكون أفلام «موجة جديدة» نيويوركية، لكنها سينما بُنيت عليه لوحده، هو وأفلامه التي يمكن وصفها كذلك بشديدة الواقعية. وأهم ما يميز هذه الأفلام، برأينا، هو أن البطولة كانت دائماً نسائية، يعود ذلك لكون بطلتها هي الجميلة جينا رولاندز ذات الأداء الباهر أينما مثلت.

كما لدى فنانين سينمائيين غيره، للمونتاج في أفلام كازافيتس مكانة خاصة، لكنه، المونتاج، كذلك حالة قلق دائم لدى كازافيتس، ولا يعني خروج فيلم إلى الصالات أن صانعه انتهى من منتجته (تحريره)، ففيلمه الأول Shadows (1957/1959)، خضع لإعادة مونتاج بعد عرضه، بل نيله استحساناً نقدياً، قام كازافيتس بإعادة منتجته ليقدمه إلى مهرجان فينيسيا السينمائي عام 1960 فينال هناك جائزة النقاد. وكذلك الحال مع فيلمه الثاني Faces (1968) الذي قام مخرجه بمنتجته بعد عروض في عدة مدن في أمريكا وكندا. وكذلك قام بإعادة منتجة فيلمه The Killing of a Chinese Bookie (1976) بعدما عرف أن الجمهور أحبه إنما وجده غير واضح نوعاً ما، فقام بمنتجته إنما ليجعله أكثر غموضاً. الأفلام عنده إذن لا تنتهي بمجرد عرضها في الصالات والمهرجانات، فهي دائماً مرشحة لإعادة المنتجة «والتصنيع» ليصل أخيراً إلى ما يراه هو مناسباً، هو كمخرج للفيلم، وكاتب له، وممثل فيه في العديد من الحالات، وهذا ما يستحيل وجوده، إن كان الفيلم لشركة إنتاج كبيرة في هوليوود، فسحب لإجراء تغييرات طارئة تتعلق بذوق المخرج ومزاجيته وحسب، ولا يكون إلا لغاية فنية، يستحيل هوليوودياً. منطق شركات الإنتاج فهو النقيض تماماً، لأن سحب الفيلم والتغيير فيه بعد عروض أولى، سيضرب مبيعات التذاكر.

عرضت السينماتيك في العاصمة الفرنسية ضمن هذا الاحتفاء خلال شـــهر يونيو/حزيران (يأتي بمناسبة مـــــرور تسعين عاماً على ولادته، وثلاثين عاماً على رحيله)، عرضت أفلام الأمـــريكي ذي الأصول اليونانية، بمددها الطويلة نسبياً بالنسبة للأفلام الروائية، إضافة إلى أفلام مثل بها، ووثائقيات عنه.

من بين أفلامه المعروضة نذكر Husbands (1970)، و A Woman Under the Influence (1974) وقد نالت عنه رولاندز جائزة الغولدن غلوب لأفضل ممثلة، ونال الفيلم جوائز في مهرجان سان سبستيان، و Opening Night (1977) وقد نالت عنه رولاند جائزة أفضل ممثلة، و Gloria (1980) وقد نال جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا السينمائي، و Love Streams (1984) وقد نال جائزة الدب الذهبي وكذلك جائزة النقاد في مهرجان برلين السينمائي.

٭ كاتب فلسطيني ـ سوريا

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى