سياسة

معركة إدلب تفتح 7 أبواب على الجحيم

عربي بوست

هنا، في أقصى الشمال السوري تدق طبول الحرب والسياسة، وتنتظر إدلب الخضراء مصيرها.

إنها معركة تختلف عن كل ما سبقها في سوريا، لأنها قد تضع تركيا وروسيا وإيران في مواجهات مباشرة ، فيما يلعب نظام بشار الأسد دور المتفرج الذي ينتهز الفرص لاستعادة ما فقد من أرض منذ 2011.

أهالي إدلب وضيوفهم من النازحين كانوا يعرفون أن اتفاق التهدئة في سبتمبر/ أيلول 2018 كان علاجا مؤقتا، فبدأوا في الشهر ذاته في حفر الأنفاق.

ملاجئ تحت الأرض يسمونها “المغارة”، أنقذت حياة الكثيرين من قصف الغارات الجوية التي تشنها قاذفات سورية وروسية على إدلب، شمال غرب سوريا.

من قرية كفرعين في ريف إدلب الجنوبي، رصد تقرير الوكالة الفرنسية حالة أسرة شيدت المغارة في حديقة المنزل، وبسببها نجا رب الأسرة عبد المنعم شيخ جاسم مع عائلته من الموت المحقّق، لأنهم كانوا داخل المغارة عندما دمّر برميل متفجر المنزل.

المغارات ليست لأوقات الغارة فقط، فقد أقام أهالي إدلب مستشفيات وأحيانا مدارس تحت الأرض، إضافة الى الملاجىء قرب المنازل لحماية عائلاتهم من القصف.

الآن أصبحت “المغارات” ضرورية أكثر، مع اشتعال جحيم إدلب الذي طال انتظاره: قبل أسابيع كثَّفت الطائرات الروسية والأخرى التابعة لقوات نظام بشار الأسد من قصفها على محافظة إدلب ومناطق في ريف حماة، ما تسبَّب بوقوع عشرات الضحايا، وإجبار 130 ألف شخص على الفرار.

تصعيد من قوات النظام بغطاء جوي روسي يهدف إلى التقدم في المناطق التي تسيطر عليها فصائل معارضة للأسد شمال غربي سوريا.

إنها الحملة الطويلة والبطيئة والعنيفة لإعادة سيطرة النظام السوري على آخر محافظة في البلاد لجأت إليها المعارضة.

في حالة تحقيق انتصار في إدلب، يتعزز موقف رئيس البلاد بشار الأسد وحليفتيه روسيا وإيران فيما يبدو نصراً مؤكداً في حرب أهلية استمرت 8 سنوات، لكن من المؤكد تقريباً أن تكلفته ستكون فادحة فيما يتعلق بالحياة والممتلكات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

كيف تكون معركة إدلب مفتاح المعارضة الأخير لتغيير الوضع القائم.. أو ورقة النظام الأخيرة لإعادة سوريا إلى المربع صفر؟

وما هي سيناريوهات المعركة التي تجر إليها أطرافا إقليمية ودولية، في مواجهات مستترة ومكشوفة؟

إلى أين تذهب معركة إدلب بسوريا العزيزة؟

الطريق إلى إدلب: كل هؤلاء النازحين

من اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا إلى بداية الحرب الحالية نجح جيش النظام السوري تدريجيا في استعادة معظم المناطق التي فقدها أمام زحف الثوار والميليشيات المعارضة في 2011.

استعاد الأسد السيطرة على ضواحي دمشق من الجيش الحر في 2012. وعلى أجزاء من سجن حلب في 2014.

دمشق ومحيطها للمرة الأولى منذ 6 سنوات 2018.

وفي 2018 رفرف علم النظام في درعا، مهد الثورة، بعد سبع سنوات من الحرب.

كما استعاد الغوطة الشرقية ومعظم معابر سوريا الحدودية.

وفي نهاية كل معركة، يرحل الذين يرفضون المصالحة مع النظام نحو إدلب، التي أصبحت آخر معاقل معارضي النظام في حرب السنوات الثماني.

و”المرتع الأخير للإرهابيين”، من وجهة نظر روسيا وإيران.

وكانت إدلب الملاذ للنازحين من كل معركة، والملجأ الأخير لأعداء النظام. يعيش هناك أكثر من 4 ملايين نسمة، أكثر من نصفهم نازحون من مناطق أخرى، فيما يبقى مئات الآلاف عالقين على الحدود مع تركيا بالقرب من بلدة أطمة.

ومن وقتها يعتبر الكثير من المحليين، حسب صحيفة New York Times الأمريكية، أن هجوم الأسد على إدلب، مدعوماً بالقوة الجوية الروسية، مسألة وقت فحسب. ذلك أنَّ الأسد مصمم على استعادة السيطرة على جميع سوريا، ليحرز الانتصار بعد سنوات من الحرب الأهلية. وتشعر حليفته موسكو بالقلق من إيجاد المقاتلين الأجانب القادمين من البلدان المجاورة لها في آسيا الوسطى، موطئ قدم لهم في إدلب.

جيش النظام السوري بدأ يستعد لملاحقة الثوار والميليشيات المعارضة في أدلب ومحيطها لاستعادة الأرض التي بقيت خارج سيطرته.

وروسيا تستعد للمشاركة، رغبة منها في التخلص من أعدائها الذين يوجهون ضربات بين الحين والآخر لقاعدة حميميم الجوية جنوب شرق مدينة اللاذقية.

وتركيا تحاول منع الحرب على إدلب، لأنها تفتح الباب للمزيد من المعاناة والأزمات الإنسانية، وأفواج النازحين صوب حدودها.

اتفاق التهدئة فشل في تفادي المعركة

في لقطة نادرة أمام العدسات، تشابكت أيادي الرؤساء الثلاثة الذين جلسوا في تلك اللحظة يقررون مصير إدلب، في منتجع سوتشي الروسي الشهير.

وبعد اجتماعه بالرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني في 17 سبتمبر/أيلول 2018، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن القمة قررت إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترا على طول خط التماس.

وبحسب ما صرح به بوتين، تلتزم تركيا بإخراج جميع الفصائل الجهادية، بما فيها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا، ونزع أسلحتها الثقيلة، وتراقب وحدات الشرطة الروسية والتركية المنطقة منزوعة السلاح. وأضاف بوتين أنهم سيعملون على فتح حركة المرور بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحماه قبل نهاية هذا العام، وهو ما اقترحه أردوغان.

كان من المتوقع بحسب الروس أن تستأصل تركيا الجماعات المسلحة المتطرفة من إدلب في مقابل أن تقوم موسكو بإبعاد الأسد عن المحافظة. لكن بدلاً من ذلك، هيمنت هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة، على إدلب بشكل تدريجي، وطردت، الشهر الجاري، بشكل حاسم، منافسيها الأكثر اعتدالاً وأكدت سيطرتها الإدارية.

لكن الاتفاق لم يتم تطبيقه إلا جزئيا بسبب رفض فصائل مسلحة الانسحاب من المنطقة العازلة.

في بداية العام الحالي استدعى جيش النظام السوري جنود الاحتياط بشكل كبير ومفاجئ، إذ أكدت صحيفة The Times البريطانية، أن مئات الرجال في سوريا قد اعتقلوا وأجبروا على الانضمام للجيش النظامي، في حملة ضد كل من تجنبوا التجنيد الإلزامي أو الخدمة ضمن قوات الاحتياط.

وفي يناير الماضي قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن الموقف في إدلب «يتدهور بسرعة». وعندما التقى الرئيسان بوتين وأردوغان وقتها في موسكو، شدد بوتين على أن البلدين يتعين عليهما اتخاذ «خطوات إضافية» لوقف الجماعات الإرهابية في إدلب.

في مارس/آذار 2019، وبشكل مفاجئ، شنَّ طيران النظام السوري، مدعوماً بنظيره الروسي غاراتٍ مكثفةً على مدينة إدلب، وقامت قوات النظام السوري مدعومة من طائرات روسية قامت بأعنف قصف لها على بلدات تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا.

نددت تركيا بالغارات، ووصفتها بتزايد الاستفزازات بهدف خرق الهدنة، محذرة من أن حملة الضربات التي تشنها روسيا والقوات الحكومية السورية ربما تتسبب في أزمة إنسانية كبرى.

لكن الجميع كان يراقب عقارب الساعات في العد التنازلي المحتوم، قبل بدء الهجوم الكبير.

حسابات ما قبل الهجوم على إدلب

قائد هيئة تحرير الشام ابو محمد الجولاني مع قادة أحرار الشام روسيا تراهم “إرهابيين”

تخشى روسيا من الميليشيات المعارضة التي لاذت بإدلب، وسبق أن طالبت أنقرة بالقيام بدورها بشأن تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بينهما من أجل مواجهة “الإرهابيين” هناك، لأنهم “يخططون لشنِّ هجوم للسيطرة على منطقة خفض التصعيد”، واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بنود اتفاق سوتشي بشأن “إدلب لم تُنفذ بحذافيرها”.

لكن روسيا تريد أيضا الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا لإدارة الوضع في شمالي سوريا، حيث أدى انسحاب القوات الأمريكية إلى الدخول في مفاوضات معقدة بين روسيا وتركيا والقوات الكردية ودمشق.

وقد انتهى المطاف بالثورة السورية التي بدأ بمظاهرات سلمية عام 2011، بوقوعها، جزئياً على الأقل، تحت سيطرة جماعات “متطرفة” مثل جبهة النصرة وداعش. وتمثل هذه الحقيقة هاجسا قويا لدى موسكو، التي تصر على إنهاء ملف إدلب بأي ثمن، حتى لو اضطرت للاتجاه نحو معركة طويلة مبنية على استراتيجية القضم البطيء المكلف.

إيران تتوارى خلف نظام الأسد

تفضل إيران ألا تظهر في لقطة إدلب الراهنة.

تعتقد الفصائل التي يستهدفها جيش النظام المدعوم من روسيا أن إيران تدعم حليفها الأسد، لكن لا يوجد حتى الآن أي دليل على أن إيران أو وكلاءها لعبوا دوراً في حملة النظام على إدلب.

يتماشى ذلك مع المعلومات التي نقلها شارلز ليستر، زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط، عن مسؤولين روس في فبراير/ شباط، عندما جرى الاتفاق على الخطوط العريضة لتلك العملية المحدودة. يقول: بعد عودتهم من جولة مفاوضات آستانة، أخبرني الروس في فبراير أن إيران لا ترى إدلب أولوية استراتيجية، ونظراً إلى تعقيد وحجم التحدي، فقد عرضوا فقط لعب دور الداعم اللوجيستي والمدفعي. من ناحية أخرى، فإن لدى الأسد وروسيا مصالح واضحة في شمال غربي سوريا، وكما هو واضح اليوم، كان لخسارة الوكيل الإيراني تأثيرها الواضح.

تركيا تتجنب النازحين والأكراد

تحرص تركيا على استقرار إدلب أو على الأقل بجزء كبير منها، لأنها تتجنب المزيد  من المدنيين الفارين عبر حدودها، إذ تستضيف بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري.

لكن تركيا بحاجة كذلك إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا، للمناورة في شمال وشمال شرق سوريا، وخاصة حول بلدة تل رفعت، بالقرب من حلب.

وتشعر تركيا بالقلق من الميليشيات السورية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، التي كسبت الأرض، ولديها أسلحة على الحدود التركية السورية تقريباً من الجانب السوري في شمال البلاد. وترتبط تلك القوات بالانفصاليين الأكراد المتشددين الذين تحاربهم تركيا منذ عقود.

وقال إسماعيل حكيم بيكين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية التركية، إنَّ التركيز التركي على المقاتلين الأكراد في الشمال الشرقي لسوريا، ربما يكون قد سمح لهيئة تحرير الشام، عن غير قصد، بالهيمنة.

خريطة المقاتلين على الأرض في اجتماع نادر لقادة الفصائل في إدلب نهاية مايو/ أيار، التقى قادة هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير.

ظهر في الصورة قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، وقائد جيش العزة جميل الصالح، وقياديان من حركة أحرار الشام، وقادة فصائل أخرى.

وخلص الاجتماع، وفق موقع المدن إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بين تحرير الشام مع ما تبقى من الفصائل في إدلب، بعد أن أنهت “الهيئة” وجود عدد كبير من فصائل المعارضة في إدلب لدى إعلانها الحرب على أحرار الشام في 2017، وسيطرتها على معبر باب الهوى.

وفي الوقت الذي يسعى فيه تنظيم ألوية صقور الشام لنبذ الخلافات مع هيئة تحرير الشام، يحاول أيضاً مدّ يده للجيش الوطني الموالي لتركيا.

لماذا يخافون من هيئة تحرير الشام

هيئة تحرير الشام جماعة سلفية جهادية متشددة تشكلت عام 2017 باندماج جبهة فتح الشام، جبهة النصرة سابقًا، مع تنظيمات أخرى، ما جعل منها لاعبا أساسيا في النزاع السوري.

رغم الاندماج وتغيير الاسم ما زالت غالبية الدول تشير للهيئة باعتبارها فرع تنظيم القاعدة في سوريا، كما إن بعض الفصائل التي اندمجت معها كانت تتلقى دعمًا من الولايات المتحدة مثلَ حركة نور الدين الزنكي.

وفي 2017 تم الإعلان عن تشكيل ما يسمى حكومة الإنقاذ، الذراع المدني لهيئة تحرير الشام في الشمال السوري، برئاسة فواز هلال، وتصدرت قيادات هيئة تحرير الشام ومسؤوليها الحقائب الوزارية الأساسية.

وخلال جلسة تجديد الحكومة في بداية 2018 تم إقرار علم للثورة السورية “معدل” عن العلم الأصلي، بإزالة النجم الحمراء من الوسط وإضافة كلمة “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”..

أدى صعود هيئة تحرير الشام إلى تعقيد العمليات الإنسانية في إدلب، ذلك أنَّ الحكومات الغربية التي توفر معظم التمويل للمساعدة الإنسانية في إدلب قد أصبحت قلقة من توجيه التبرعات إليها بسبب مخاوف من أنَّ تلك الأموال قد ينتهي بها المطاف في دعم جماعة «إرهابية». وكانت الولايات المتحدة قد صنفت هيئة تحرير الشام جماعة إرهابية، واضطرت منظمتان على الأقل من منظمات الإغاثة إلى تخفيض عملهما في إدلب العام الماضي بعد أن وضعت وكالة المساعدات الرئيسية في الولايات المتحدة قيوداً على المنح. وعُلقت الكثير من برامج الاستقرار الممولة من الغرب.

ماذا يحدث في الحرب الحالية؟

الأهداف

الهدف النهائي لقوات النظام هو دفع الجيش التركي وقوات المعارضة بعيداً عن قرب طريقين رئيسيين، هما M-4 وM-5، الذين يربطان حلب بكل من اللاذقية وحماة، والسيطرة على المنطقة الواقعة بين حلب وحماة واللاذقية. وتعهَّد الأسد مراراً باستعادة «كل شبر من سوريا» بما فيها إدلب.

روسيا من ناحيتها تتهم القوات المعارضة للنظام بمحاولات استهداف قاعدتها الموجودة في حميميم القريبة من مناطق وجود المعارضة، وأصدرت وزارة الدفاع الروسية بياناً قالت فيه إن الدفاعات الجوية تصدت لهجوم صاروخي استهدف القاعدة يوم السبت 18 مايو/أذار.

الأسلحة

تضم ترسانة المعارضة صواريخ موجهة مضادة للدروع وصواريخ أرض/ أرض ومنفذي العمليات الانتحارية. وفي خطاب مسجل بالصوت والصورة قال المتحدث باسم هيئة تحرير الشام إن مقاتلي المعارضة الذين أُخرجوا من مناطق أخرى في سوريا في الغوطة ودرعا وحمص يقفون على استعداد للدفاع عن المنطقة. ووفرت تركيا أسلحة متطورة لشركائها في جبهة التحرير الوطنية، بما في ذلك الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والعربات المدرعة.

يستفيد جيش النظام من قوة النيران الهائلة التي يوفرها سلاح الجو الروسي والفصائل المدعومة من إيران والتي مكّنته من هزيمة المعارضة في مختلف أنحاء غرب سوريا، في حين لا تملك المعارضة دفاعات تذكر للتصدي للطائرات.

ساحة المعركة

أطلقت قوات النظام السوري وحلفاؤه من الروس والإيرانيين في 25 أبريل/نيسان 2019، حملة عسكرية واسعة على مناطق سيطرة المعارضة بمنطقة خفض التصعيد.

يتركز أغلب القصف في الجزء الجنوبي من أراضي المعارضة بما في ذلك المنطقة منزوعة السلاح، ورغم أن حجم الهجوم ليس واضحاً بشكل كامل حتى الآن.

وتعتقد مصادر في المعارضة السورية أن هدف الحكومة هو السيطرة على طريقين رئيسيين يؤديان إلى حلب يمتدان جنوباً من مدينة إدلب عبر مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة. وسبق أن اتفقت روسيا وتركيا ضمن اتفاق سوتشي على أن يظل هذان الطريقان مفتوحين. ومن دوافع روسيا في الشمال الغربي تأمين قاعدتها الجوية في اللاذقية من هجمات المعارضة.

ساحة الدبلوماسية

بعد أسبوعين من التزام الصمت، اتهمت تركيا القوات الحكومية السورية باختراق اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب وعدم احترام اتفاق سوتشي مع روسيا. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن النظام السوري لا يحافظ على وعوده بالتزام وقف إطلاق النار.

تركيا ترفض الهجوم على إدلب بشدة، لأنه يسبب أفدح الخسائر لحلفائها في الجبهة الوطنية.

كما أنه سيدفع بالناجين من جحيم الحرب صوب الحدود، ما يهدد بأزمة إنسانية جديدة.

لكن روسيا وإيران تؤيدان الهجوم، وتجادلان بأن تركيا أخلفت وعودها بالقضاء على هيئة تحرير الشام، وبالتالي أصبح تطهير إدلب ضرورة عاجلة بالنسبة للدولتين.

روسيا تريد أن تتخلص من هيئة تحرير الشام، وتقول إن هذا التنظيم يهاجم جنودها في قاعدة حميميم. حدث ذلك عدة مرات في عمليات انتقامية، ردا على الغارات الجوية الروسية. ترى موسكو أيضا إن هيئة تحرير الشام تضم في صفوفه مقاتلين من الشيشان والأوزبك والايغور. وهناك قلق من أن يعلنوا الحرب على روسيا بعد انتهاء الأزمة السورية.

أما طهران فتريد عودة إدلب لسيطرة الحكومة السورية، وتوطيد نظام الأسد. وتدعم إيران عشرات الآلاف من المقاتلين بسوريا، ورغم ذلك تفضل ألا تظهر هذه الميليشيات رسميا في معركة الختام للملحمة السورية على أراضي إدلب.

يدين الأسد بشدة لروسيا التي حال تدخلها العسكري عام 2015 دون سقوط نظامه، وكذلك لإيران، التي هرعت أيضاً لنجدته، وحتى الآن يعتمد على دعمهما له، لكن الدولتين تدفعان ثمناً باهظاً لتأمين حصتهما في تشكيل مستقبل سوريا. ولن يتخلوا عن ذلك سريعاً، الأمر الذي قد يؤثر على قوة الأسد نفسه.

وبالإضافة إلى النفوذين الإيراني والروسي، فهناك أيضاً نفوذ تركي واسع في الشمال، ففي عام 2016، قامت القوات التركية بمشاركة مع فصائل من المعارضة السورية، بعملية عبر الحدود ضد القوات الكردية السورية، وسيطرت خلالها على منطقةٍ غرب نهر الفرات، كما سيطر الأتراك ومعارضون سوريون على أراضٍ إضافية في عفرين شمالي حلب.

وما هي أخطر النتائج المحتملة لهجوم الأسد على إدلب

1- احتمالات المواجهة بين تركيا وروسيا

يتفاقم خطر المواجهة بين روسيا وتركيا كلما بادرت موسكو وطهران ودمشق باتخاذ إجراءات صارمة تجاه إدلب السورية.

ويعتقد الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، أن  تركيا قد اتَّخذت جميع التدابير لمنع هجوم محتمل من طرف قوات النظام وحلفائه. وتعد جميع الإجراءات التي اتخذتها تركيا متوقعة، لا سيما في ظل التهديدات التي تحوم حول مراكز المراقبة التركية الموجودة على طول محيط منطقة خفض التصعيد، وذلك للتصدي لأي هجوم مرتقب من قبل القوات الحكومية.

يضيف سيمينوف: وفي محاولة لتجنُّب المخاطر المحتملة التي قد تطال جنودها، قامت تركيا بتعزيز وحداتها في محافظة إدلب، الأمر الذي سيخلق عقبات إضافية في وجه الهجوم، وفي حال استخدمت تركيا القوات الجوية، سيمكنها ذلك من تحقيق الفوز».

روسيا لا ترغب في تصعيد الخلافات مع تركيا، الأمر الذي قد يدفعها لكبح جماح دمشق، وذلك وفقاً لما أشار إليه سيمينوف.

2- كارثة إنسانية وشيكة

إدلب هي الأكثر هشاشة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولهذا يجب أن تتكيف وكالات الإغاثة مرة أخرى مع الوضع للاستمرار في الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة من خلال أكثر الوسائل مباشرة، بما في ذلك المناطق التي تخضع الآن لسيطرة الحكومة”، كما قالت رايتشيل سايدر، المتحدثة الرسمية باسم مجلس اللاجئين النرويجي، وهي منظمة إغاثة تعمل في جميع أنحاء سوريا.

وحذرت الأمم المتحدة خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن في 17 مايو/أيار من خطر حصول «كارثة إنسانية» في إدلب في حال تواصلت أعمال العنف.

كما قال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 152 ألفاً فرُّوا من بيوتهم بين 29 أبريل/نيسان والخامس من مايو/أيار الأمر الذي رفع عدد النازحين في الشمال الغربي إلى مثليه منذ فبراير/شباط.

ورصد المكتب مقتل العشرات وإصابة المئات، وتخريب 12 منشأة صحية وتدمير 10 مدارس على الأقل، وتوقف العملية التعليمية.وبلغ القصف بالبراميل المتفجرة أسوأ مستوياته في 15 شهراً على الأقل. والبراميل المتفجرة عبارة عن حاويات ممتلئة بالمتفجرات تسقطها طائرات الهليكوبتر، بحسب رويترز.

3- العقاب الجماعي يزيد من التطرف

ينظر معظم أطراف اللعبة إلى إدلب باعتبارها موطن التهديدات الإرهابية، حيث يوجد بها التنظيم الموالي للقاعدة في السابق هيئة تحرير الشام، والفصائل الموالية للقاعدة حالياً مثل تنظيم حراس الدين، الذي رفض اتفاق التهدئة في سوتشي. ومع ذلك، لا يزيد عدد هذه الجماعات على 1% من إجمالي ثلاثة ملايين شخص يعيشون في شمال غربي سوريا.

لكن باقي السكان، أي نسبة 99.2%، لا يستحقون المعاناة لمجرد وجود قلة مستهدفة تعيش وسطهم. علاوة على ذلك، فإن هيئة تحرير الشام وحلفاء القاعدة لا يحظون بشعبية كبيرة بين سكان منطقة إدلب، لذلك فإن استراتيجية العقاب الجماعي تضمن شيئاً واحداً فقط وهو توفير الدعم للمتطرفين لأنهم سيسعون إلى تقديم أنفسهم للشعب كأبطال وحماة لهم.

الحقيقة أنه بعد عقود من الزمن، يبدو أن روسيا لم تتعلم هذا الدرس من صراعها في أفغانستان.

4- التوتر بين تركيا وروسيا يطيل أمد الصراع

أحد العوامل وراء انفجار الأوضاع الراهنة كان تدهور العلاقات التركية – الروسية التي كانت حتى وقت قريب في طي الكتمان.

وعندما بدا أن الهجوم الروسي – السوري “المحدود” قد أخذ في التوسع، جاء الرد التركي بتوفير كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة لشركائها في جبهة التحرير الوطنية. كما أعادت تركيا نشر المئات من مقاتلي الجيش الوطني السوري من عفرين إلى الخطوط الأمامية في شمال حماة، والتي أثبت الكثير منها أهميته الحاسمة في تعزيز الخطوط الدفاعية وشن هجمات برية مضادة. من الصعب ألا نرى توافق هذه التحركات التركية مع روسيا وتصعيد سوريا الجوي الهائل. فمنذ ذلك الحين، فشلت كل محاولات التفاوض لوقف إطلاق النار.

إن انهيار العلاقات التركية – الروسية لا يهدد بتصعيد أكثر فوضوية في إدلب وتشريد مئات الآلاف من النازحين فحسب، بل إنه أيضاً يعرّض للخطر أي احتمالات طويلة الأجل لتحقيق الاستقرار السوري.

5- المقاتلون الأجانب في إدلب ينتظرون مصيرا مجهولا

تتركز الأنظار في الوقت الراهن على هؤلاء المقاتلين الأجانب في إدلب، وبات هناك شبه إجماع على أن أفضل سبيل لمواجهة خطر هؤلاء المقاتلين المتحدرين من مختلف أصقاع الكون مواجهتهم في ساحة المعركة والقضاء عليهم في سوريا، كما يقول موقع BBC العربي.

انضمت الغالبية العظمى من الجهاديين إلى صفوف فرع القاعدة في سوريا، أي جبهة النصرة، وبعض التنظيمات السلفية مثل حركة أحرار الشام، لكن وجودهم بات في الوقت الراهن حكراً على هيئة تحرير الشام بعد “اختفاء” تنظيم الدولة الإسلامية.

قد لا يجد المقاتلون العرب في صفوف هيئة تحرير الشام الكثير من الصعوبات في الاندماج في البيئة السورية بعد هذه السنوات في سوريا وزواج كثيرين منهم من سوريات، لكن هناك جماعات من شبه المستحيل أن يتمكن أفرادها من ذلك، مثل الإيغور والشيشان والأوزبك.

جاء المقاتلون الأيغور من إقليم شينجيانغ الصيني والذي يتعرض لحملة قمع شديدة من قبل السلطات الصينية، وأقاموا مجتمعا صغيرا خاصا بهم في قرى منطقة جسر الشغور في محافظة إدلب. وتشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ بضعة آلاف من المقاتلين الذين اكتسبوا خبرات قتالية جيدة في سوريا. وجلب العديد منهم عائلاتهم وأسسوا مجتمعا خاصا بهم في منطقة تواجدهم، ونادرا ما يختلطون بالمجتمع المحلي.

وتنظر الصين بعين القلق إلى وجود هؤلاء المقاتلين في سوريا وهي حريصة جدا على منع عودتهم إلى الصين بعد اكتسابهم خبرات قتالية عالية، قد تشكل مصدر خطر أمني كبير لبكين.

هناك أيضا مقاتلون من الأوزبك في صفوف مجموعات صغيرة قريبة من هيئة تحرير الشام، اكتسبوا مهاراتهم القتالية خلال قتالهم إلى جانب حركة طالبان أو تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان، قبل أن يتوجهوا إلى سوريا كامتداد لتنظيم القاعدة آنذاك.

وهناك كتيبة التوحيد والجهاد التي أسسها القيرغيزي سراج الدين مختاروف، 28 عاماً، والمعروف باسم أبو صلاح الأوزبكي. والكتيبة انضمت لجبهة النصرة عام 2015. وتقاتل الكتيبة في مناطق متفرقة من اللاذقية وإدلب وحماة ومعظم مقاتليها من الأوزبك والطاجيك وأفراد من إقليم تركستان غربي الصين.

أما كتيبة الإمام البخاري التي تسلط أشرطتها الدعائية الضوء على الجنود أطفال في صفوفها، فهي تضم عناصر من الأوزبك، وهي واحدة من المجموعات التي قدم عناصرها من آسيا الوسطى.

هناك أيضا مقاتلون من الشيشان، خاضوا معارك دامية ضد الجيش الروسي على مدار عقدين من الزمن، وبدأ وصولهم إلى سوريا منتصف 2012، وأسسوا كتيبة المجاهدين بقيادة عمر الشيشاني، المقاتل المعروف ذو الأصول الجورجية، والذي صعد نجمه عقب ذلك في صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية، بعد انفصاله عن الكتيبة في 2013.

وقدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2017 عدد المقاتلين الروس في سوريا بنحو 4 آلاف مقاتل إلى جانب خمسة آلاف مقاتل من دول الإتحاد السوفييتي السابق.

6- المزيد من التغلغل الإيراني في سوريا

إن الصمت في المنطقة يهدد قدرة الحكومة ليس فقط على التأثير على مستقبل سوريا، لكن أيضاً على حماية سمعتها ومصداقيتها. فالعديد من الحكومات في الشرق الأوسط يقضي سنوات في دعم قضية المعارضة السياسية والعسكرية السورية. لكن تلك السياسات تلاشت منذ أواخر عام 2016، فقد اقترح بعض المفكرين في المنطقة إعادة الانخراط مع النظام السوري بغرض منافسة النفوذ الإيراني، لكن السماح بمذبحة طويلة الأمد في شمال غربي سوريا من شأنه أن يفسد أي فرصة لتحقيق هذا الهدف. فبينما تقاتل روسيا ودمشق في إدلب، تواصل إيران بهدوء تنفيذ استراتيجيتها الجديدة للتكامل المحلي – في الميليشيات والسياسة المحلية والحكومة والتجارة والاقتصاد وفي المجال الثقافي.

مع تقديم إدلب وما يحدث بها كوسيلة للإلهاء ولفت الأنظار على المدى البعيد، لا يوجد شيء يعترض طريق إتمام طهران تحديها النهائي بالتغلغل العميق في جميع قطاعات الدولة والأمة السورية. ربما يمثل ذلك أعظم انتصار استراتيجي إيراني منذ عام 1979.

7- سقوط اتفاقيات التهدئة تعني الحرب الإقليمية

تدرك تركيا جيداً أن الانهيار التام لكل الاتفاقات التي أبرمتها مع روسيا حول إدلب، سيعني بشكل حتمي أن البديل هو الحرب الإقليمية.

انهيار الاتفاقيات سيدفع روسيا بالضرورة إلى محاولة تحقيق أكبر نصر عسكري حتى لو كان عبر حملات قصف واسعة تشمل المنطقة بأكملها، وسيكون ثمنه دماء أكثر مما سقط منذ بداية الحملة الأخيرة بكثير.

لذلك تسعى تركيا مستفيدة من التوافق مع أمريكا، التي أكدت على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن التنسيق بين واشنطن وأنقرة مستمر فيما يخص العملية السياسية والعودة إلى مسار جنيف، والذي يدّل على التوافق التام فيما يخص ملف إدلب، وتغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حسابه الشخصي في توتير والتي طلب فيها وقف الحملة على إدلب.

لم يحدد ترامب طرفا بعينه يخاطبه بهذه التغريدة، التي تنتهي بفعل أمر: توقفوا!

فهل لدى أي طرف المصلحة أو الرغبة في وقف “القتل دون تمييز” على حد تعبير ترامب، على تراب إدلب الخضراء؟

إدلب اشتقت اسمها من هَدَد، إله العاصفة والرعد والتخريب في الديانة الكنعانية القديمة.

صورته الأكثر شهرة يحمل فيها البلطة وأدوات التدمير.

ومعركة إدلب الراهنة قد تكون نهاية العاصفة السورية التي اندلعت قبل سبع سنوات، أو بداية لموجة جديدة من العواصف العسكرية والإنسانية لسنوات مقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى