تقنية

البقايا الرقمية: كيف تتعامل مع حسابات أصدقائك الموتى على فيسبوك؟

هل قمت بترك رسالة تعزية على حائط الميت

إعداد زين خزام

حسب إحصائيات أطلقتها فيسبوك في إبريل 2018، يقدَّر عدد المستخدمين النشطين للموقع يومياً بحوالي 1.4 مليار مستخدم، يحمّلون أكثر من 300 مليون صورة كل يوم. بمعدلٍ وسطي، يتم إنشاء خمسة حسابات فيسبوك في الثانية الواحدة. يبدو أن هذا الفضاءَ الأبيضَ والأزرق بات يشكل ما يشبه عالماً موازياً، نعيش فيه حياةً أخرى منفصلةً عن الواقع، لكنها في الوقت نفسه مستمدةٌ منه ومستندةٌ إليه، نرسم فيها ملامح شخصيتنا عبر الصور والكلمات والقصص ومقاطع الفيديو. لكن ماذا عن الموت؟ هل فكرت يوماً بمصير حسابك الشخصي على فيسبوك في حال موتك؟

وفقاً لدراسة نشرها معهد أوكسفورد للإنترنت في أبريل أنه من المتوقع أن يتحول فيسبوك في غضون قرن من الزمن؛ فيما لو استمر نموه على المعدل نفسه الذي هو عليه الآن، إلى “أضخم مقبرة في التاريخ” إذ من الممكن أن يضم في عام 2100 حوالي 4.9 بليون حساباً لأشخاص ميتين. يثير هذا الموضوع جدلاً كبيراً في أوساط الباحثين كما في أروقة شركة فيسبوك. فمن جهة سيشغل هذا الكم الهائل من المعلومات حيزاً كبيراً جداً على شبكة الإنترنت دون أن يكون له عائدات ربحية للشركة العملاقة، فحسابات الموتى لا يمكن أن تتجاوب مع الإعلانات على سبيل المثال. لكن من جهة أخرى لا يمكن التفريط بكل هذه المعلومات لأنها تشكل منجماً لدارسي التاريخ.

في هذا المقال أحاول أن أتحدث عنّا نحن، كمستخدمي فيسبوك. ما المشاعر التي تثيرها في داخلنا أسماء وصور الموتى الموجودة على الصفحات؟ كيف يمكن وصف شعور ترك رسالة تعزية على حائط الميت؟ هل نخاطبه أم نخاطب أنفسنا أم الآخرين؟

يقول ماهر، 30 عاماً، طالب جامعي: “ألجأ عادةً إلى حذف الأشخاص المتوفين حتى لا أتذكر على الدوام أني فقدتهم. ليس أمراً سهلاً حذف الأشخاص بعد موتهم، لكنه أفضل من الأسى الذي تولده رؤية اسماءهم في قوائم الأصدقاء، أو عندما يذكرنا فيسبوك بأعياد ميلادهم أو بذكرياتنا معهم. لم يسبق لي أن وضعت رسالة تعزية على حائط شخص متوفى. أشعر أن مثل هذا الأمر هو طقس اجتماعي موجه للناس ولا علاقة له بالميت.”

لكن، وبتناقض شديد بينه وبين نفسي لا يستطيع تفسيره، يخبرني ماهر أنه يحتفظ بحسابات المتوفين من الأصدقاء المقربين جداً: “واحد منهم توفي خلال الحرب السورية. كل فترة كنت أرسل له رسالة. أشعر دائماً أنه من الممكن أن يأتي يوم ما ويردَّ علي.”

زينة، 36 عاماً، صحفية كان لديها رأي مختلف بعض الشيء عندما تحدثت معي عن قصة موت شاب كان قريباً لها وصديقاً وجاراً في نفس الوقت: “لطالما كانت حالة الموت الفيسبوكي تثير فضولي، فأسارع لزيارة حسابات الأشخاص المتوفين لكي أقرأ ما الذي يُكتب عنهم. تخف حدة هذا الفضول شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت بشكل طبيعي.”

الأمر يختلف بالنسبة لزينة، في حالة موت أشخاص تعرفهم: “لم أكن أفهم كيف يمكن أن يكون الحساب ما يزال نابضاً بالحياة، في الوقت الذي تكون فيه الابتسامة قد خبت عن وجه صاحبه وانطفأ نور عينيه،” تقول زينة: “البارحة كانت الذكرى السابعة لاستشهاد باسل وهو شخص مقرب جداً إلي. بقينا أنا والكثير من أصدقائه ومعارفه نترك له الرسائل على حائطه لفترة طويلة. بعد ذلك أنشأنا صفحةً باسمه كي نستمر بنشر صوره عليها ومخاطبته. حتى يوم البارحة كان هناك أناس ما زالوا يكتبون له على صفحته ويشاركون صوره. أعتقد أن هذا الأمر ساعدنا كثيراً كي نبقي ذكراه حيةً.”

“كان آخرَ ما نشرَتْه على صفحتها هو مقطع فيديو تصورُ فيه نفسها وهي تقفز بالمظلة فوق غابات جنوب إفريقيا. بدت وكأنها تطير. بعد يومين وصلني خبر انتحارها. ربما رغبت أن تطير حقاً.” كرر عمر، 36 عاماً، مصور فوتوغرافي هذه الجملة أكثر من مرة عندما سألته عن صديقته التي قضت منتحرةً منذ ما يقرب من سبع سنوات، على إثر اضطرارها للسفر خارجَ سوريا بسبب الحرب. لا يكثرُ عمرُ الكلام. يقول أن فيسبوك هي مجرد شركة، من الممكن أن تختفي عن الوجود في أي لحظة، لذلك فقد احتفظ بكل مراسلاته مع صديقته في أرشيفه الخاص، وواظب على زيارة حسابها، إلى أن اختفى الحساب فجأةً لسبب لا يعرفه:”احتفظت بكل الكتابات التي كانت تنشرها على فيسبوك كي أعود إليها كلما أردت. إنها بقايا إنسانة جميلة جداً، واختارت أن تختفي إلى الأبد. أتمنى أن يكون الأمر برمته مجرد مزحة، وأن تعود إلى الحياة.”

رؤى، 31 عاماً، موظفة، ترى أن بقاء حساب فيسبوك بعد وفاة الشخص مخيف، تعتبر رؤى أن اقتحام أحدٍ لحساب أحدٍ آخر هو ليس انتهاكاً لخصوصية الشخص بحد ذاته فقط، وإنما انتهاكٌ لخصوصية كل من كان على تواصل مع هذا الشخص. تحدثني رؤى عن قصةً شخصيةً تتعلق بموضوع حسابات المتوفين على فيسبوك: “عندما توفي أحد أقاربي، كانت لدى أفراد أسرته القدرةَ على الدخول إلى فيسبوك عبر حسابه. كان أمراً مربكاً ومخيفاً إلى حد ما رؤيةَ منشوراتٍ تكتب باسمه أو ملاحظة النقطة الخضراء الدالة على أنه “نشط الآن” إلى جانب اسمه.”

تضعنا هذه القصص أمام تساؤل هو: هل من حق أيٍّ كان التحكمَ بالمعلومات التي يحمّلها الأشخاص على حساباتهم بعد وفاتهم؟ وهل يجب أن يموت الحساب الافتراضي الخاص بالشخص بموته الواقعي؟ ماذا لو لم يعهد الشخص بكلمة مروره لأحد؟ هل يمكن اعتبار أفراد العائلة أشخاصاً موثوقين يمكن لهم التصرف بالمعلومات الخاصة بالشخص المتوفى أم أن ذلك يعتبر انتهاكاً للخصوصية؟ يقول الباحث في مخبر الأخلاقيات الرقمية كارل أومان، ضمن نفس الدراسة التي نشرها معهد أوكسفورد للإنترنت ، أنه “لم يسبق وأن احتوى تاريخ البشرية على أرشيف ضخم كهذا يسجل تصرفات البشر وثقافتهم وسلوكهم في مكان واحد. إن إدارة محتوى هذا الأرشيف ستكون بمثابة إدارة لتاريخنا كبشر عاشوا على هذه الأرض.”

كتابة رسالة عبر حساب فيسبوك للشخص المتوفى، إرسال الزهور للغرقى عبر الأنهار، زيارة القبور والصلاة على أرواح المتوفين وإشعال الشموع لهم، أو تعليق صورهم مع شريط أسود في المنازل……. تتنوع الطرق وتبقى النتيجة واحدة. إنها الهشاشة، الدهشة، الحزن العميق والخوف البشري أمام هذا المصير الذي ينتظرنا جميعاً.

“عند ترك رسالة للشخص الميت من المريح التفكير أنه يسمعنا أو يرانا من مكان ما،” تنهي زينة حديثها بالتساؤل: “ربما كان يستطيع سماعنا وقراءة رسائلنا، أليس كذلك؟”

فايس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى