سياسة

عن اجتماعات اللجنة الدستورية السورية -تحليلات ومقالات مختارة غطت الحدث-

ماذا دار في اجتماعات اللجنة الدستورية السورية؟/ رامي الشاعر

اتسم اليوم الثاني للجولة الرابعة لمفاوضات اللجنة الدستورية السورية في جنيف بحوار هادئ وعدد قليل من المقاطعات ونقاط النظام، بينما استهل وفد الحكومة حديثه بطرح معوقات عودة اللاجئين واستفاض في الحديث عن العقوبات الاقتصادية وسياسات المجتمع الدولي في الكيل بمكيالين عند الحديث عن حقوق الإنسان وفي الوقت نفسه فرض إجراءات أحادية الجانب تتعارض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية للدول، مستشهدين بقرارات سابقة للجمعية العمومية ومحكمة العدل الدولية، واستخدموا إحصاءات رسمية عن حجم الخسائر الاقتصادية في سوريا، ثم تركزت أغلب المداخلات حول موضوع العقوبات المفروضة على سوريا، بينما أصر المتحدثون على أن العقوبات ليست سوى جزء من محاولات غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقوى العولمة لإخضاع سوريا.

من جانبه قدم وفد المعارضة عددا من المبادئ التي تتعلق بالسيادة الوطنية واستقلال القضاء والعدالة الانتقالية وناقش بعضهم عودة اللاجئين، من باب أن ذلك ليس من بين اختصاصات اللجنة، سوى من جانب التبعات الدستورية، وهو ما يتطلب الخوض في الهيئات الوطنية المستقلة المطلوب إنشائها وتحصينها دستوريا لضمان حقوق الحركة والجنسية والملكية والحصول على الثبوتيات ومعالجة كل الإشكاليات المتعلقة بعودة اللاجئين، وتوفير الخدمات في المستقبل. كما ركز الوفد على أن الأزمة الإنسانية تتطلب حلا للاستعصاء السياسي.

كذلك قدم الثلث الممثل للمجتمع المدني السوري مداخلات متفاوتة ما بين مناقشات حول سرديات التهجير، وعدم ارتباطها فقط بالإرهاب، وإن كان هو العامل الأساسي، ولكن كذلك الملاحقات الأمنية والعنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وأسباب أخرى اجتماعية واقتصادية. ثم تداخلت التفاصيل حول انعدام الأمن بالنسبة للنساء في الداخل كمثال على  تغول الأمن والاعتقال والفساد الذي يمنع المواطنين والنساء خاصة عن حقوقهم وحرياتهم الأساسية. وظهرت بعض المقاربات وإمكانية التوافق من وفد المجتمع المدني حول الاتفاق بالخطوط العريضة على حق العودة الطوعية والآمنة والكريمة كمبدأ، ثم ترك التفاصيل والضمانات لاحقا لكتابة الدستور، إلا أن بعض المتحدثين تكلموا عن أن هذا الحق لا يجب أن يشمل من تلطخت أيديهم بالدماء.

وعقب انتهاء الجلسة الثانية التي كانت برئاسة هادي البحرة، قال في حوار نشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “إن القضايا الإنسانية يجب ألا تكون محل تفاوض، وأن لها الأولوية الأولى بالنسبة لأبناء شعبنا السوري، وبالتالي فإن قضية اللاجئين والنازحين، وقضية المعتقلين والمغيبين قسريا والمساعدات الغذائية والطبية، وكل هذه القضايا تهمنا فعليا نحن أبناء هذا الشعب. إلا أن اللجنة الدستورية محددة التفويض، وليس منوطا بها خوض نقاشات إعلامية، أو إصدار مواقف سياسية. وينحصر طرح اللجنة بخصوص المواد الدستورية التي يمكن وضعها لضمان حقوق اللاجئين، وعدم تكرار المأساة السورية في المستقبل، فيما يخص الاعتقال التعسفي، والاعتقال دون محاكمات، والتغييب القسري”.

وتابع البحرة أن القضايا السياسية ضمن نطاق عمل هيئة التفاوض السورية التي يمكن أن تتفاوض بهذا الشأن بالتوازي مع عمل اللجنة الدستورية، وفي اللحظة المناسبة التي تتوافر فيها الإرادة الدولية الكافية لتفعيل المفاوضات بشأن السلال الأربعة التي يشملها قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ما يقوله البحرة ببساطة هو أن اللجنة الدستورية إنما تضع الأسس التي ستكون بمثابة المبادئ الأساسية التي سوف تتأسس عليها سوريا الجديدة، بمعنى شكل الدولة المستقبلية، نوع الحكم، النظام السياسي، صياغة المضامين الدستورية للدولة الجديدة. وبالتالي فإن إطار التفويض لهذه اللجنة محدد ونوعية العمل محصورة في تلك الجزئية، حيث أن الدستور هو أحد أربع سلال ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2254.

لكن عمل اللجنة الدستورية مفصلي وشديد الأهمية بالنسبة لكونه مفتاحا لبحث بقية السلال، التي من الممكن أن تسير بالتوازي إذا ما توفرت الجدية والإرادة، فالاتفاق على مسودة الدستور، يعني الشروع في بحث عملية الاستفتاء على الدستور، وهو المفترض أن يكون أول عملية انتخابية في سوريا المستقبل.

لكن تلك العملية لابد وأن تتم في بيئة آمنة ومحايدة، تحت الإشراف الكامل من هيئة الأمم المتحدة، ولكي تشرف الأمم المتحدة لابد أن تتحقق محددات أساسية واضحة ومعروفة للجميع قبل الخوض في هذه العملية.

لهذا يمكن الحديث عن قضايا النازحين واللاجئين في اللجنة الدستورية فقط من باب الأحكام الانتقالية التي ستراعى ضمن القضايا التي عادة لا توجد في الدستور الدائم للدولة، فيما يخص العدالة الانتقالية، وحقوق اللاجئين والنازحين في العودة إلى أوطانهم الأصلية، والحفاظ على أملاكهم، وتعويضهم، وجبر الضرر، والتعامل مع المصابين والمعاقين والمغيبين قسريا خلال فترة الحرب وغيرها. وذلك كضمانة دستورية لا أكثر. أما وضع قضايا اللاجئين والنازحين ورفع العقوبات على طاولة المفاوضات، وعلى الرغم من التعقيد الشديد للأزمة السورية وصعوبة تفكيك القضايا من بعضها البعض، فهو مجرد خلط للأوراق من قبل وفد الحكومة من أجل المزايدة الشعبوية على مواقف المعارضة، وكأن المعارضة إنما تهمل قضايا اللاجئين والنازحين، وتنكب على مناقشة أمور نظرية “قد لا تهم” المواطن السوري في ظل الأزمة الطاحنة.

الواقع هو العكس. فالتعجيل بإنجاز اللبنة الأساسية للدستور، وتحديد هوية الدولة السورية، وصياغة المضامين الأساسية في الدستور السوري، الذي سيكون مظلة يحتمي بها السوريون، تضمن سيادة القانون وتوفر العدالة وتحقق المستقبل الواعد والفرص المتساوية لشباب وأطفال سوريا في وطن يفتخرون بالانتماء إليه، ويضحون من أجل سيادته واستقلاله، كل ذلك هو الخطوة الأولى والصعبة، ولكنها شديدة الأهمية بالنسبة لحل الأزمة السورية. فالدستور هو العقد الاجتماعي الذي يسطره السوريون بدمائهم الغالية، وما تقوم به اللجنة الدستورية الآن هو صياغة هذا العقد الاجتماعي الذي دفع الشعب السوري من أجله ضحايا تقدر بمئات الآلاف، وعقد كامل من الحرب الأهلية، ناهيك عن الوضع الكارثي الذي يعيشه الشعب السوري بين اللجوء والنزوح والاعتقال والتغييب القسري.

إن المبادئ الأساسية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تترابط على نحو وثيق مع ضرورة شمولية الحل السياسي، فلا يمكن تأسيس سوريا المستقبل دون تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 والسلال الأربعة، التي تشكل الضمانة الرئيسية للسوريين بالعودة إلى وطنهم، ومن دون وجود الحل السياسي، من الصعب إقناع السوريين بالعودة، على خلفية صعوبة الوضع بالنسبة للسوريين داخل المناطق السورية.

 لا توجد قوة في العالم يمكنها أن تقف أمام السوريين لإعادة البناء، ومن المضحك حتى التفكير في أن مجموعة متخصصة، تشمل ممثلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، تعجز عن صياغة مبادئ دستورية واضحة قادرة على حماية مواطنيهم من  كبار السن والأمهات والأطفال والشباب السوريين، حماية المواطن السوري.

إن الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته ومواقفه السياسية يعاني فوق طاقة البشر، فهو يقف اليوم على شفا المجاعة، في ظل اقتصاد منهار، وجائحة تحصد يوميا عشرات السوريين.

أن وجود دوائر فساد  تستحوذ جهارا نهارا  على المساعدات الإنسانية التي لا تصل إلى مستحقيها في هذا الوقت العصيب هو الدرك الأسفل من الإنسانية.

اليست 10 سنوات بالوقت الكافي كي يدرك الجميع أن الوقت قد حان لإنهاء هذا العبث، والتحلي بالنضج السياسي، والشروع في عملية انتقالية تنهي معاناة الشعب السوري، وتنقذ الدولة السورية من الخطر الداهم؟

————————

توقعات روسية بفشل جولة اللجنة الدستورية السورية

موسكو تدعو إلى وقف «التحقيقات المكتبية» حول «الكيماوي»

موسكو: رائد جبر

برزت مواقف متشائمة في موسكو حيال فرص إحراز تقدم في جولة المفاوضات الجديدة حول الإصلاح الدستوري في سوريا، على خلفية تفاقم الوضع في منطقة الجنوب السوري، وتزايد معدلات انتهاكات وقف النار في منطقة إدلب. ورغم التزام المستوى الرسمي الصمت بانتظار ما ستسفر عنه جولات الحوار، لكن معلقين روسا رجحوا أن ينعكس الوضع الداخلي على أجواء الحوار في إطار «مساعي أطراف خارجية للتأثير وإفشال العملية السياسية».

ولم تعلق موسكو التي أكدت في وقت سابق دعمها لجهود المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، لإنجاح الحوارات السورية في هذه الجولة، التي وصفها الأخير بأنها «يمكن أن تشكل فرصة للتركيز بشكل أكبر على إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة السورية المستمرة منذ سنوات».

ولفت إلى أن الجولة قد تستمر أسبوعا، وأوضح أن الرئيسين المشاركين اتفقا على مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية، بينما تكون المسائل الدستورية على جدول الأعمال في جولة خامسة تعقد في العام القادم.

لكن أوساط الخبراء الروس لفتت إلى «مساع خارجية لتعطيل المفاوضات»، ونقلت صحيفة «إزفيستيا» عن خبراء، أن «تأجيج الوضع الجاري حاليا في منطقة الجنوب السوري وخصوصا في درعا التي شهدت احتجاجات أخيرة، تقف وراءها أطراف خارجية تسعى إلى عرقلة مجالات تحقيق تقدم في مفاوضات «الدستورية». ولفتت الصحيفة إلى أن محافظة درعا باتت تشهد احتجاجات أكثر تواترا. ويتهم السكان المحليون، النظام في دمشق، بعدم الوفاء باتفاق المصالحة للعام 2018 مع المعارضة. لكن اللافت أكثر، أن المظاهرات «تحولت عمليا إلى هجمات ضد الدوريات الروسية، وقبل أيام، كاد أفراد من عناصر الشرطة العسكرية الروسية يقعون ضحية تفجير عبوة ناسفة. وفي الشهر الماضي هاجم مسلحون في درعا الجيش الحكومي».

ورغم ذلك، نقلت «إزفيستيا» عن مصادر في البرلمان السوري، أن الوضع في المنطقة لا يزال تحت السيطرة، وأن «وراء الهجمات، تقف (خلايا نائمة) للإرهابيين، ولا يمكن الحديث عن احتجاجات جماهيرية واسعة».

ووفقا لكبير الباحثين في معهد الدراسات الشرقية، بوريس دولغوف، فإن أطرافا خارجية تقف وراء التصعيد، و«هناك المزيد من الأسئلة تطرح في هذا الموقف على قادة المعارضة الذين يحاولون زعزعة الوضع بشكل مصطنع». فيما قال المحلل السياسي فياتشيسلاف ماتوزوف، إن التناقضات الرئيسية بين المعارضة السورية والسلطات لا تزال قائمة. لذلك، بحسبه، لا يجدر انتظار انفراجة من اجتماع جنيف.

في المقابل، برزت إشارات مماثلة على المستوى العسكري الروسي، الذي تحدث عن تزايد معدلات الانتهاكات لوقف النار في منطقة إدلب خلال الأيام الأخيرة، وقال نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، فياتشيسلاف سيتنيك، إن مسلحي «جبهة النصرة» قصفوا منطقة خفض التصعيد في إدلب 30 مرة خلال اليوم الأخير. وأضاف في إيجاز صحافي، مساء أول من أمس: «شهدت منطقة خفض التصعيد في إدلب 30 حادثة إطلاق نيران من جانب مواقع جماعة جبهة النصرة الإرهابية، ومن بينها 13 هجوما في محافظة إدلب، وفي محافظة اللاذقية – 6 هجمات، وفي محافظة حماة – 8 هجمات، وفي محافظة حلب 3 هجمات». في الوقت ذاته، أشار الضابط الروسي، إلى أنه لم يتم تسجيل أي قصف من جانب الجماعات المسلحة الموالية لتركيا في تلك المنطقة.

على صعيد آخر، أعلن وفد روسيا المشارك في أعمال الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الدول الأعضاء في منظمة حظر السلاح الكيماوي، أن موسكو تطالب بوقف كل «التحقيقات المكتبية» التي تجريها بعثة المنظمة في سوريا. وزاد في بيان، أن روسيا «كررت التأكيد على الحاجة إلى إصلاح شامل لآليات عمل بعثة تقصي الحقائق تواصل تأكيد مطالبتها بوضع حد للتحقيقات المكتبية التي تجري عن بعد، ومن دون الذهاب إلى مسرح الأحداث وأخذ العينات مباشرة من المواقع، فضلا عن الاعتماد على معطيات منظمات غير حكومية متحيزة يمولها خصوم دمشق».

وأشار الوفد الروسي إلى أن «قضية التزوير الصارخة مع إعداد نتائج التحقيق في أحداث منطقة دوما السورية التي تم الكشف عنها، ستبقى إلى الأبد بقعة سوداء في تاريخ المنظمة». وأضاف الوفد أن «التقرير الذي قدمته المنظمة حول الحادث تم تفصيله سياسيا لتبرير الضربة الصاروخية التي شنتها واشنطن ولندن وباريس على سوريا، من دون أي محاكمة وفي انتهاك لميثاق الأمم المتحدة تسبب في إلحاق ضرر جسيم بسمعة المنظمة» على حد تعبير الوفد.

إلى ذلك، بدا أن موسكو تعمل على معاقبة المنظمة الدولية، إذ قال ألكسندر شولجين، الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى المنظمة، إن روسيا «لن تدعم» مشروع موازنتها لعام 2021، وزاد: «لدينا الكثير من الملاحظات بشأن البرنامج والموازنة لعام 2021، للأسف، يجب أن نلاحظ أن منظمتنا ليس لديها توافق في الآراء بشأن هذه القضايا، وهذا معروف جيدا». موضحا أنه «لم ننجح في التوصل إلى تفاهم متبادل خلال اجتماع المجلس التنفيذي للمنظمة في أكتوبر من هذا العام. ولم تؤخذ ملاحظاتنا في الاعتبار، بل تم تجاهلها. لا يمكننا دعم مشروع الموازنة».

يذكر أن روسيا كانت عارضت العام الماضي أيضا، دعم موازنة المنظمة الدولية، خلال التصويت في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف على موازنة العام 2020. وفضلا عن روسيا، عارضت الصين وسوريا وإيران وكوبا، اعتماد الموازنة التي صوتت لصالحها غالبية البلدان الأعضاء في المنظمة.

الشرق الأوسط

—————————

اللجنة الدستورية السورية مساراً ناقصاً/ شفان إبراهيم

طفت الخلافات الجذرية بين الوفدين السوريين المتفاوضين منذ الجولة الأولى. وفيما يسمّي وفد النظام نفسه “الوفد الوطني”، ويصرّ على مناقشة الـ”لاورقة” الركائز والمبادئ الوطنية، خصوصا مكافحة الإرهاب، واعتبار كل من حمل السلاح بوجه النظام إرهابيا، والمطالبة برفع الحصار الاقتصادي عن سورية، يصرّ وفد المعارضة على أن مهمة اللجنة الدستورية تقتصر على مناقشة المضامين الدستورية، مثل سيادة الدولة، الحريات، والهوية الوطنية. وفي الأثناء، لا تجد اللجنة الدستورية ذلك المخرج المطلوب للعمل والانتقال السلس بين الملفّات العالقة بشأن مستقبل سورية، يضاف إليها أن موقف روسيا من الخلاف يشي بوقوفها خلف تلك “اللاورقة”، عبر طلب وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، عدم تدخل الأمم المتحدة في عمل اللجنة.

وبعد توقف عمل اللجنة الدستورية تسعة أشهر بحجة فيروس كورونا، وعلى الرغم من إصابة أربعة أعضاء منها بالفيروس في الجولة الثالثة من انعقادها في 24 أغسطس/ آب الماضي، إلا أن اللجنة المصغرة أنهت أعمالها، وهو ما فُسّر برغبة الطرفين باستمرار أعمال تلك الجولة؛ ولكل منهما مصالحٌ معاكسة للآخر. وربما حملت تلك الرغبة في الخلفية جدّية أممية ودولية، إلى جانب قسم من المجتمع المدني ووفد المعارضة، بالمضي في جدول أعمال الجولة، على الرغم من عراقيل حاولت روسيا وضعها عبر وفد الحكومة منذ الجلسة الأولى، والإصرار على مناقشة الركائز أولاً، وبعدها الانتقال إلى بحث المضامين الدستورية الأخرى.

ويبدو الصراع الخفي واضحاً بين الجهود الدولية والغربية، وفي مقدّمتها المساعي الأميركية عبر المعارضة السورية، بشأن إتمام أعمال اللجنة الدستورية بالكامل، أملا بالخروج بصيغة دستور جديد قبل موعد الانتخابات الرئاسية المزمعة منتصف العام المقبل. وما بين رغبة روسيا وإيران في المساهمة بالتمديد لبشار الأسد، ومسعى الكتلة الدولية إلى سد الطريق أمامها، تعي كل الأطراف أن عدم إتمام أعمال اللجنة الدستورية سيعني ذريعة مناسبة لشرعنة تلك الانتخابات. علماً أن الانتخابات واحدة من السلال الأربع، إلى جانب الحكم غير الطائفي، والدستور ومكافحة الإرهاب المستمد من قرار مجلس الأمن 2254 الذي يقضي بالانتقال السياسي وإعداد دستور جديد، ثم الذهاب إلى انتخابات عامة.

تشهد اللجنة الدستورية المصغرة حالياً جولتها الرابعة، تماشياً مع القواعد الإجرائية، ومناقشة جدول أعمال الجولة الثالثة بشأن الأسس والمبادئ الوطنية والاقتصادية والمبادئ ذات الصلة بالهوية والسيادة الوطنية وعقد اجتماعي وعودة اللاجئين. ومن المقرر مناقشة المبادئ الأساسية الدستورية في الجولة الخامسة. مع هذا وذاك. لا تقدّم مأمولا في عمل اللجنة، باستثناء الاتفاق على بعض نقاط جداول الأعمال، وهي في أي حال فرصة مقبولة لأعضاء اللجنة لإبداء حسن النيات عملياً بعيداً عن الخطاب التبريري أو التراشق الإعلامي، بغية المضي في العملية السياسية. ووفقاً لصراع الدول الفاعلة والمتحكّمة بالشأن السوري، التوافق الوطني المطلوب لبث روح المواقف المتقاطعة خاضعٌ، بشكل مباشر، لنتائج ذلك الصراع، ما يعني أن عمل اللجنة الدستورية لن يكون المسار المعتمد من دون خطواتٍ فاعلةٍ مؤثرة من تلك الدول المتحكّمة بالملف السوري. خصوصا وأن القرار 2254 مادة صراع دسمة بين الولايات المتحدة وروسيا.

وفي غياب الخطوات المتبادلة بين الوفدين المتفاوضين والدولتين المتنافستين، يبقى ذلك القرار عصياً على التنفيذ، خصوصا مع جمود أبرز ملفين يرتبطان عميقاً بمصير سورية المستقبل: المعتقلين (والمفقودين)، على الرغم من أن هذا الملف محور اهتمام مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ولكن لا تقدّم فيه، مع أن إطلاق سراحهم قضية إنسانية وخطوة حيوية باتجاه بناء الثقة. اللاجئين، القضية التي تشكل العبء الأكبر على دول الجوار ودول اللجوء واللاجئين أنفسهم، وما تحمله قضيتهم من تشبيك وتعقيد وعدم حمل قسم منهم أي ثبوتيات لهم أو للمواليد الجدد، وقضايا الملكية والأراضي والمساكن و.. إلخ، وهو ما يعيق مشاركتهم في صناعة قرار مستقبل سورية. ومع عدم تبيان وضع المعتقلين، وتوفير شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية، فإن كل الخطوات الأخرى لن تتمكّن من توفير ما تتطلبه العملية الدستورية، خصوصا وأن المؤتمر الذي عقد في دمشق لعودة اللاجئين لم يوفر أيَّ بيئة حاضنة أو حلولا مطلوبة بشـأن عودتهم، فضلاً عن غياب الخدمات الأساسية والتعليم وضرورة توفير التأهيل لمرحلة ما بعد الصراع. .. وتحتاج كل الملفات المعقدة مجتمعة حلحلة، ومن شأن توفر الحل أن يؤمّن بيئة مواتية لعودة اللاجئين، وهو الأمر الراسخ في القرار 2254. وعلى الرغم من مضي خمس سنوات على القرار، وعوضاً عن تنفيذ أيًّ من بنوده، تستمر معاناة السوريين داخل بلدهم وخارجه.

وربما تدخل لقاءات المبعوث الأممي الخاص، بيدرسون، مع وزير الخارجية السوري الراحل، وليد المعلم، وإجراؤه اتصالاتٍ مع هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، ولقاءاته مع مسؤولين كبار في الحكومة التركية، ووزير الخارجية الروسي لافروف، ضمن إيجاد طرق جديدة وإضافية لدفع العملية الدستورية إلى الأمام، خصوصا وأن ما تشهده اللجنة الدستورية من تفاقم الأزمات، وعدم حلحلة أيَّ من السلال الأربع، رُبما يعني عدم كفايتها لا حلا مستداما لسورية، ولا مسارا متكاملا.

العربي الجديد

——————–

«الدستورية السورية» تختتم أعمالها في جنيف من دون اختراق

المقداد تلقى «اتصال تهنئة» من نظيره العماني

تختتم اليوم في جنيف أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية من دون اختراق، على أمل استئناف الاجتماعات بتسهيل من المبعوث الأممي غير بيدرسن في بداية العام المقبل.

وتباينت مواقف وفدي الحكومة برئاسة أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة إزاء أولويات المناقشات بين تركيز الطرف الأول على العقوبات واللاجئين و«الاحتلالات» التركية والغربية وتركيز وفد المعارضة على ملفات المعتقلين والحل السياسي والظروف المعيشية للنازحين واللاجئين.

وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أفادت أن «مداخلات الوفد الحكومي السوري خلال اجتماعات أعمال الجولة الرابعة للجنة مناقشة الدستور بجنيف تركزت على مبدأين أساسيين هما الملف الإنساني ورفع العقوبات عن سوريا، حيث أكد عدد من أعضاء الوفد أن الملف الإنساني لا يتجزأ ويجب ألا يخضع لازدواجية المعايير كما يحدث في الملفات الأخرى فيتم التفريق بين معاناة جزء من السوريين عن معاناة جزء آخر واستغلال معاناة السوريين في الداخل والخارج»، داعين المجتمع الدولي إلى الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية والكف عن استثمار الملف الإنساني بمختلف جوانبه.

ونقلت «سانا» عن أعضاء الوفد قولهم إنه «يجدر بأي اجتماع سوري سوري يعمل في الإطار الوطني أن يوجه رسالة واضحة بضرورة رفع العقوبات بشكل فوري الأمر الذي من شأنه أن يساعد في عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم والمساهمة في إعادة إعماره».

وكانت الجولة الرابعة لاجتماعات اللجنة بدأت في جنيف بداية الأسبوع، حيث أكد وفد الحكومة السورية خلال اليوم الأول «ضرورة اعتماد موضوع عودة اللاجئين كمبدأ وطني جامع لما له من أهمية على مختلف الصعد وفي مقدمتها الصعيد الإنساني وأهمية توقف بعض الدول عن تسييس هذا الملف واستثماره لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية على حساب استمرار معاناة المهجرين السوريين وسوء أوضاعهم المعيشية».

على صعيد آخر، تلقى وزير الخارجية السوري الجديد فيصل المقداد مكالمة هاتفية من نظيره العماني بدر بن حمد البوسعيدي الذي هنأه بتعيينه لمنصبه الجديد و«تمنى له التوفيق في مهامه الجديدة»، حسب بيان رسمي.

وذكر بيان الخارجية السورية أن الوزيرين وافقا على استمرار التواصل لـ«بذل الجهود المشتركة من أجل التغلب على هذه الصعوبات وحل المشاكل القائمة في المنطقة لما فيه خير الدول العربية وتقدمها في مختلف المجالات».

وأدى المقداد اليمين الدستورية وزيرا للخارجية في 26 نوفمبر (تشرين الثاني)، خلفا لوليد المعلم الذي فارق الحياة منتصف الشهر الماضي عن عمر ناهز 79 عاما

——————————–

اللجنة الدستورية السورية: “حل سياسي” أم “شرعنة” لنظام الأسد؟

بي بي سي

استعرضت صحف عربية بنسختيها الورقية والإلكترونية توقعات نجاح اللجنة الدستورية السورية بعد أن دعا المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون إلى انعقاد أول اجتماعاتها في جنيف في 30 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

أبدى معلقون، خاصة السوريون، تفاؤلاً حيال نجاح اللجنة وفرص التوصل إلى تحالفات سياسية، بينما عبر البعض عن مخاوفهم من أن تعمل اللجنة على “إعادة تأهيل” النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي في البلاد.

“فرصة تاريخية”

في صحيفة الوطن السورية رأى فراس عزيز ديب أن “قطار الحل السياسي تم وضعهُ على السكة، فسوريا التي أنقذت المنطقة تكتب مستقبلها بفضلِ صمودها الأسطوري بجيشها وشعبها، فتجعلنا أمام فرصةٍ تاريخية لرسمِ مستقبلٍ أجمل لا نكرر فيهِ أخطاءنا، وتضعنا أمام أفكار قادرة أن تنطلق من فرضية بناء تحالفاتٍ سياسية تستند على ما لدينا أساساً”.

وأبدى غانم محمد في صحيفة الوحدة السورية تفاؤله بأن “الأيام القليلة القادمة ستضع اللمسات الأخيرة للنصر السوري الكبير والنهائي على الإرهاب وداعميه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً”. ودعا الكاتب إلى إبقاء آلية تشكيل اللجنة الدستورية “عربية سورية والتأكيد على أنّ مهمتها (تعديل الدستور)، وليس وضع دستور جديد للبلاد كما حاول من يدور في فلك السياسة المعادية لإرادة الشعب السوري”.

وحذر محمد البيرق في افتتاحية صحيفة تشرين السورية من “محاولات تدخّل وضغوط وإملاءات من القوى الغربية”.

وأضاف الكاتب: “مع تعاوننا التامّ مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، ثمة استفهامٌ كبيرٌ يدور حول مخرجات خطوة كهذه طال انتظارها… فالشعب السوري هو الوحيد الذي له الحقّ في قيادة العملية الدستورية في بلاده، وهو الوحيد الذي يقرّر مستقبله من دون تدخّل، أو ضغوطات يمكن أن تعرقل التقدّم السياسي اللافت الذي ساهمت في تحقيقه الدولة”.

ودعا الكاتب الأمم المتحدة إلى “تقديم الدعم السياسيّ والاستراتيجي” لسوريا “وتسيير عمل أطرافها… على نحوٍ يضمن تحقيق التقدم المنشود في العملية السياسية على طريق إنهاء الأزمة في سوريا وعودة الأمن والاستقرار إليها”.

“لجنة شكلية”

يعرب كثيرون عن مخاوفهم من أن تعمل اللجنة على “إعادة تأهيل” النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي في البلاد.

على الجانب الآخر، انتقد معلقون عمل اللجنة الدستورية.

وكتب عمر قدور في صحيفة المدن اللبنانية: “كان الأمر مفهوماً ومنطقياً أكثر لو أن هذه اللجنة سُمّيت هيئة تأسيسية، بصرف النظر عن الاعتراضات عليها. الهيئة التأسيسية عادة تضع التوافقات السياسية، ليتولى خبراء حقوقيون تحويل تلك التوافقات إلى نصوص دستورية. بمعنى أن تشكيل اللجنة بشكلها الحالي لا يقلب طاولة مسار جنيف فقط، وإنما يقلب المعايير كلها، فيوكل للجنة القيام بمهمة قائمة على فراغ هو غياب التفاهمات السياسية، فوق كونها لجنة غير متخصصة على الصعيد القانوني”.

وفي صحيفة العربي الجديد اللندنية، أشار أمين العاصي إلى تشكّل جبهات رفض لهذه اللجنة “التي اعتبرتها قوىً في الشارع السوري المعارض تهدف إلى شرعنة نظام بشار الأسد، كما أنها تنسف قرارات دولية صدرت خلال سنوات الصراع، ودعت إلى تحقيق انتقال سياسي عبر تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، تشرف هي على وضع دستور وإجراء انتخابات في البلاد”.

وانتقد برهان غليون في الصحيفة ذاتها اللجنة الدستورية قائلاً: “من الواضح أن الهدف من هذه اللجنة لم يكن صياغة دستور يعيد توحيد السوريين المتنازعين، ولا إعادة بناء سوريا التي لا تزال تمزّقها الحرب، الداخلية والخارجية، وإنما التغطية على غياب الدستور، بالتوافق مع الهدف الأول لرعاة إنشائها، وهو إعادة تأهيل النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي المنشود”.

وأضاف الكاتب: “المطلوب هو لجنة شكلية توحي بانتهاء حقبة الحرب والدخول في حقبة السلام الذي يحتاج الروس القائمون على الأمر السوري إلى تأكيدهما من أجل تكريس مكاسبها والحصول إذا أمكن على إجازة إعادة الإعمار من الدول الممولة، ومن وراء ذلك شرعنة النظام الجديد الذي أنتجته الحرب، والذي يجمع بين مصالح البيروقراطية العسكرية والأمنية والمليشيات المحلية والأجنبية ومصالح الانتداب الأجنبي، الروسي والإيراني، والضامن لمصالح أطراف دولية مشاركة في ترتيب دعم المشروع الجديد وتمويله”.

—————————-

اللجنة الدستورية: تفاؤل المعارضة..مشروط

أعرب الرئيس المشترك للجنة الدستورية السورية عن وفد المعارضة هادي البحرة عن رضاه عن سير اليومين الأول والثاني من الجولة الرابعة لأعمال اللجنة الدستورية، لكنه ربط التفاؤل بالنتائج التي ستسفر عنها هذه الجولة التي ستنتهي الجمعة، مشدداً على ضرورة الخروج بما يمكن البناء عليه في الجولة القادمة المقررة مطلع العام المقبل.

كلام البحرة جاء خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الثلاثاء عبر الانترنت من مقر الأمم المتحدة في العاصمة السويسرية، التي تستضيف الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، والتي كانت مخصصة لاستكمال مناقشة الهوية الوطنية والمبادئ الدستورية، لكنها شهدت نقاشاً واسعاً حول قضية عودة اللاجئين.

وقال البحرة إن وفد المعارضة شدد خلال الجلسات التي عُقدت على أن قضية اللاجئين لا يمكن أن تنفصل عن بقية القضايا الإنسانية الأخرى، وفي مقدمتها المعتقلين والمغيبين قسراً ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق الأشد حاجة، وأن تُلحظ هذه القضية في المضامين الدستورية بما يؤدي إلى عدم تكرار هذه المأساة في سوريا مستقبلاً.

وأشار إلى أن أعضاء وفد المعارضة مع عدد من ممثلي وفد منظمات المجتمع المدني أكدوا على ضرورة التزام جميع الأطراف بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لأنه من دون تطبيق هذا القرار لا يمكن تحقيق بيئة آمنة ومستقرة ولا يمكن إقناع اللاجئين بالعودة.

ورغم الحديث عن بعض السجالات التي دارت مع وفد النظام الذي استمر لليوم الثاني بطرح ملف عودة اللاجئين والعقوبات المفروضة على النظام كقضية أساسية على جدول الأعمال، إلا أن البحرة أكد أن الجلسات لم يتخللها أي تعطيل، لكن تمنى أن نختم الجولة بمخرجات يمكن البناء عليها في الجولة القادمة “التي يجب أن يتم البدء فيها ببحث المضامين الدستورية ومناقشة شكل الدولة والنظام السياسي في سوريا مستقبلاً”.

وأضاف “لم يكن هناك أي مشاكسات أو تضييع للوقت رغم أن الوفد الحكومي ركز على قضية اللاجئين من وجهة نظره، ونحن تناولناها من ناحية المضامين الدستورية، بحيث تكون عودة اللاجئين آمنة وحقوقهم السياسية والاقتصادية مصانة بقوة الدستور والقانون الجديد”.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان يتوقع التزام النظام بمخرجات اللجنة الدستورية قال: “اللجنة هي نتيجة اتفاق سياسي سوري-سوري تم التوصل إليه بناء على قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقضية السورية، ورغم أن هذه القرارت ليست مدرجة تحت البند السابع، إلا أن أي إعاقة للعملية السياسية تعتبر تحدياً للإرادة الدولية ويجب عندها على المجتمع الدولي التدخل لفرض تطبيق هذه القرارات بالطريقة التي يراها مناسبة”.

وفي ما يتعلق بالتصريحات الأخيرة للمبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن والتي شدد فيها على ضرورة التفاوض بين السوريين حول الانتخابات والدستور، وهل يعني ذلك إسقاط هيئة الحكم الانتقالي، أكد البحرة أن “العملية السياسية السورية تشمل السلال الأربع المقررة مسبقاً، بما فيها مسألة الحكم الانتقالي، وأنه يمكن أن يتم التفاوض حول سلة واحدة ثم الانتقال إلى أخرى من دون أن يعني ذلك إهمال بقية السلال، كما يمكن التفاوض حول السلال جميعها في وقت واحد، وبالتالي لا يمكن لأحد إسقاط أي من الملفات لأنها متضمنة كلها في قرارات مجلس الأمن حول الحل السياسي في سوريا”.

وكانت الجولة الحالية من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية قد انطلقت الاثنين، وهي الجولة الرابعة منذ مباشرة أعمالها في أيلول/سبتمبر 2019، حيث ركزت الجولات الثلاث الماضية على مناقشة المبادئ الدستورية، وشهدت الجولتان الأولى والثانية خلافات كبيرة بين الوفود المشاركة، قبل أن تتدخل روسيا في الجولة الماضية لإجبار وفد النظام على إظهار جديته في هذا الملف، الذي يرى الكثيرون أن النظام يستغله لكسب الوقت إلى حين موعد الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في تموز/يوليو 2021 والتي يريد تنظيمها وفق الدستور الحالي المعمول به في سوريا.

المدن

—————————-

اللجنة الدستورية:قضية اللاجئين عقبة..لكنها ليست شرطاً/ عقيل حسين

يبدو أن إجرءات بناء الثقة التي وعد المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن بتحقيقها بين الوفود المشاركة في الجولة الرابعة للجنة الدستورية دخلت حيّز التنفيذ من خلال الحرص الإعلامي الذي انتهجه المشاركون في هذه الجولة، حيث بدأ وفدا المعارضة والنظام بتجنب استخدام المصطلحات المستفزة، وصولاً إلى تجنب الظهور الإعلامي عقب جلسة اليوم الثالث من الجولة التي بدأت يوم الأحد.

وكان واضحاً استخدام رئيس وفد المعارضة هادي البحرة في إحاطته الإعلامية مساء الاثنين، مصطلح “الوفد الحكومي” بدل وفد النظام، بينما استخدم الإعلام غير الرسمي المقرب من النظام مصطلح الوفود الأخرى، أما وسائل إعلامه الرسمية فتجاهلت ذكر وفدي المعارضة والمجتمع المدني، واقتصرت تغطيتها الأخيرة مساء الأربعاء على نقل مداخلات وفد النظام، تجنباً كما يبدو لاستخدام مصطلحات اعتادت عليها، مثل “وفد المعارضة التركية”، أو “الوفود الأخرى” كما أطلقت على ممثلي المعارضة والمجتمع المدني مع بداية هذه الجولة.

اللافت أيضاً كان اعتذار أعضاء وفد المعارضة عن عدم الإدلاء بتصريحات بعد انتهاء جلسة الأربعاء، استجابة لطلب تقدم به فريق المبعوث الدولي، حيث أبلغت مصادر في جنيف “المدن” أنهم حثّوا المشاركين في الجلسات على تجنب الظهور الإعلامي ما أمكن، وعلى التوقف عن تسريب تفاصيل المناقشات والاكتفاء بالحديث بشكل عام عند الضرورة، مع التأكيد على إيجابية الأجواء وعدم التطرق للنقاط الخلافية التي ما زالت قيد البحث.

وهو ما جعل المعارضين لمسار اللجنة الدستورية في أوساط الثورة والمعارضة السورية يبدون مخاوفهم من سير مفاوضات الجولة الأخيرة المخصصة لمناقشة الهوية الوطنية والمبادىء فوق الدستورية، قبل الانخراط في مناقشة المبادئ والمضامين الدستورية في الجولة القادمة المقررة في كانون الثاني/يناير 2021.

لكن عضو وفد المعارضة ديما موسى إضطرت للخروج عن صمتها لنفي أخبار تداولتها بعض المواقع وتحدثت عن طرح وفد النظام شروطاً جديدة للمشاركة في الجولات القادمة، بينها الموافقة على عودة اللاجئين دون شروط، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وعدم التفاوض مع معارضة توافق على هذه العقوبات، وإعلان الائتلاف والمنصات الأخرى الوجود التركي والغربي في سوريا احتلالاً.

ونفت موسى في اتصال مع “المدن”، أن يكون وفد النظام قد طرح هذه الشروط، لكنها فضّلت عدم الإجابة عن سؤال حول تفاصيل اليوم الثالث من المباحثات، كما لم يصدر عن وفد المعارضة أي بيان أو إحاطات كما جرت العادة يومياً.

لكن مصادر خاصة أكدت ل”المدن”، أن جلسة الأربعاء لم تشهد أي جديد على صعيد الطروحات من قبل وفد النظام، الذي استمر في التركيز على قضية عودة اللاجئين ورفع العقوبات الاقتصادية، باعتبارهما “من المبادئ الوطنية الأساسية”، الأمر الذي رد عليه أعضاء من وفدي المعارضة والمجتمع المدني بالتساؤل عن السبب الذي جعل وفد النظام يتذكر بعد أربع جولات أن هناك لاجئين سوريين يجب أن يُمنحوا حق العودة إلى بلادهم.

وأكد أعضاء الوفدين أن هذه العودة يجب أن تتم في ظروف أمنية وسياسية آمنة تنتهي معها الأسباب التي أجبرتهم على المغادرة، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بإقرار دستور جديد يفرض قوانين واضحة وإصلاحات جدية في الأجهزة الأمنية والقضاء، ويمنع الانتقام منهم ويمكنهم من استعادة حقوقهم، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المغيبين قسرياً، وغيرها من الإجراءات غير المتوفرة حالياً.

من جانبه رد وفد النظام بأن هناك تشريعات جديدة صدرت وقوانين أقرت تصب في هذا الاتجاه، الأمر الذي رفضه وفد المعارضة بشدة، وعرض أرقاماً وتفاصيل عن عدد الأشخاص الذين اعتقلوا حديثاً، سواء من الذين عادوا إلى سوريا مؤخراً، أو ممن بقوا في مناطقهم بعد إجراء تسويات ومصالحات مع النظام.

لؤي حسين رئيس تيار “بناء الدولة” المعارض، هاجم طروحات وفد النظام في اجتماعات اللجنة الدستورية، واعتبر أنها تنبع من ذهنية صبيانية، مؤكداً أن رفع العقوبات وعودة اللاجئين قضيتان نقاشهما لا يكون في جلسات مخصصة للدستور.

وقال حسين في منشور على فيسبوك: “لا أهمية إطلاقاً لوفد السلطة، ولا أهمية أصلاً للجنة الدستورية، ولكن ما يقوله الوفد هو تلقين حرفي من المخابرات أو مسؤولي القصر الرئاسي يؤكد الذهنية الصبيانية، بل الشوارعية للسلطة وجميع تجلياتها”.

تعليق حسين رأى فيه بعض المعارضين موقفاً قوياً لم يعبر عنه الائتلاف أو أي من مسؤوليه مع استمرار وفد النظام بمحاولاته تعطيل جدول أعمال اللجنة الدستورية. ورأى الصحافي السوري محمد سبسبي في حديث ل”المدن” أن “المعارضة تحاول إبداء كل ما يلزم لتأكيد جديتها في هذا الملف والالتزام بمطالب المبعوث الدولي وفريقه من أجل إنجاح مفاوضات اللجنة الدستورية”.

واعتبر أن “المعارضة تعلم أن وفد النظام ومن خلال طرح قضية اللاجئين والعقوبات الاقتصادية، إنما يريد كسب الوقت وإغراق الجميع بالتفاصيل وصولاً إلى موعد الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في الصيف المقبل، لكنها في موقف ضعف لا تستطيع معه فعل الكثير، كما أن وفد المعارضة يحاول قدر الإمكان أن يثبت لجمهور الثورة أنه حقق شيئاً وقطع خطوات في مسار اللجنة الدستورية، لكن عملياً ليس هناك شيء”.

يذكر أن الجولة الحالية من اجتماعات اللجنة الدستورية تنتهي يوم الجمعة، ومن المقرر أن تكون الوفود المشاركة قد انتهت مع هذه الجولة من مناقشات المدخل الدستوري والمبادئ العامة والوطنية، قبل الانتقال إلى مناقشة مضامين الدستور الجديد ومحدداته في الجولة الخامسة المقررة في كانون الثاني.

وكان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن دعا الأربعاء، كلاً من روسيا وإدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، إلى “إيجاد أرضية مشتركة بشأن الحل في سوريا”. وقال خلال مشاركة له في مؤتمر “حوارات البحر الأبيض المتوسط”، إن “الأوضاع في سوريا مثيرة للقلق على جميع المستويات”، مشيراً إلى أن العملية السياسية تسير ببطء شديد.

وأوضح بيدرسن أن “هناك 5 جيوش أجنبية فعالة في سوريا، لذلك لا نستطيع القول إن الحل في أيدي السوريين وحدهم، أو أن الأمم المتحدة تستطيع القيام به”، مشيراً إلى أن الحل السياسي يحتاج لبناء جهود دبلوماسية دولية جادة.

المدن

———————-

واشنطن: الانتخابات بوجود الأسد مضيعة للوقت

استبعد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل ريبورن تكرار العملية العسكرية التركية “نبع السلام” شرق الفرات.

وقال ريبورن خلال مؤتمر صحافي افتراضي الخميس: “لم نرَ تصعيدات كبيرة تدل على ترك اتفاق وقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا، أو أنه سيكون هناك تكرار لهجوم تشرين الأول /اكتوبر من عام 2019”.

وسيطر الجيش الوطني مدعوماً بالجيش التركي خلال عملية “نبع السلام” على مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، وتل أبيض شمالي الرقة. وتوقفت العملية باتفاقين منفصلين بين أنقرة وموسكو من جهة، وبين أنقرة وواشنطن من جهة.

وقال ريبورن إن الإدارة الأميركية ستبقى مستعدة لاستخدام ضغوطها لتحاول الحفاظ على وقف إطلاق النار، مشيراً إلى وجود أطراف تحاول زعزعة اتفاق وقف إطلاق النار، منها تنظيم “داعش”، إضافة إلى أطراف أخرى. وأضاف أنه “يجب أن تتوقف الهجمات في شمال شرقي سوريا، وإن كان هناك نزاعات يجب أن تحل سياسياً”.

وشدد ريبورن على ضرورة دعم انتخابات حرة وديمقراطية في ظل عدم وجود رئيس النظام بشار الأسد. وأوضح أن الولايات المتحدة تؤمن بأن السوريين هم من يجب أن يقرروا من يحكمهم.

واعتبر المبعوث الأميركي أن الانتخابات التي ستجري في سوريا، هي “مضيعة للوقت” ولن تكون مدعومة من الولايات المتحدة، خاصة وأن أطراف المعارضة السورية تبذل كل الجهد للتغيير، مشيراً إلى أن كل سوري هو معني بهذه العملية السياسية من دون أي إقصاء.

وأضاف أن الولايات المتحدة سوف ستستمر في مهاجمة تنظيم داعش ونظام الأسد، مبيناً أن واشنطن تدعم الحوار بين أطراف الأحزاب الكردية، كما أنها ستستمر بالدعم الإنساني للسوريين والمتضررين من هجمات قوات الأسد.

ولفت إلى أن الأسد يدفع ملايين الدولارات لقتل السوريين، بالمقابل يقف السوريون في صفوف الخبز والمحروقات للحصول على حقهم الطبيعي في العيش، مشيراً إلى أن العقوبات تلاحق شخصيات في نظام الأسد كمستشارته لونا الشبل وزوجته أسماء الأسد، إضافةً إلى “اللصوص الذين يمنعون الطعام والحاجات الأساسية عن الناس”.

المدن

————————-

اللجنة الدستورية: تبادل الإحراج يُفشل الجولة الرابعة

تُختتم في العاصمة السويسرية جنيف الجمعة، أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بعد خمس جلسات عقدتها الوفود المشاركة، من دون تحقيق أي تقدم في المناقشات، بانتظار الجولة الخامسة المقررة في كانون الثاني/يناير المقبل.

وبينما غاب ممثلو وفد النظام عن الظهور الإعلامي لليوم الثاني على التوالي، قال وفد المعارضة إنه تقدم الخميس، باقتراحات تشمل إنشاء هيئات مستقلة لرعاية شؤون المهجرين واللاجئين والنازحين، وإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تعنى بموضوع المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسرياً.

ورداً على الانتقادات التي وجهها بعض المعارضين لهذه الاقتراحات، التي رأوا فيها تفاعلاً مع طروحات وفد النظام الذي أشغل معظم جلسات الجولة الحالية بقضايا ليست من اختصاص اللجنة الدستورية، شدّد الرئيس المشترك للجنة عن وفد المعارضة هادي البحرة على أنّ مهمة اللجنة، استناداً إلى تفويضها واختصاصاتها ونظامها الداخلي، هي القيام بالإصلاح الدستوري من خلال الوصول إلى دستور جديد للبلاد، يجب أن يتضمّن بالإضافة إلى الأبواب والفصول التقليدية المعروفة (مبادئ أساسية، السلطات، المحكمة الدستورية العليا…)، مضامين دستورية تؤسس لحل القضايا الكبرى التي تعرض لها الشعب السوري خلال عشر سنوات.

وأوضح البحرة في إحاطة مكتوبة، أنه “في مقدّمة تلك الملفات تأتي قضية المعتقلين وكشف مصير المفقودين، بالإضافة إلى المحاسبة والتعويض وجبر الضرر، ورعاية مصابي الحرب وتأهيلهم، وغير ذلك من الأمور التي تتطلّب هيئات عامة مستقلة وظيفتها محددة في هذا القضايا”، لافتاً إلى “ضرورة وجود نص دستوري بإحداث تلك الهيئات، يضمن أيضاً حماية استقلالها عن السلطة التنفيذية”.

ومن الواضح أن هذه المقترحات تمثل مخرجاً للوفد المعارض الذي اصطدم منذ اليوم الأول لاستئناف جلسات اللجنة بتركيز وفد النظام على المطالبة بتخصيص النقاشات لقضية عودة اللاجئين ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام “باعتبارها قضايا انسانية ومبادئ وطنية لا يمكن تصور أن هناك من يرفضها” في سعي لإحراج المعارضة.

وأشار عضو اللجنة الدستورية عن المعارضة العميد ابراهيم جباوي في تصريح ل”المدن”، إلى أن “الجولة الحالية كان لها جدول أعمال مقرر سلفاً، وهو استكمال مناقشة المبادئ الوطنية، إلا أن وفد النظام جاء بجعبة فارغة إلا من الحديث عن قضية عودة اللاجئين واستغلالها لحفظ ماء الوجه، بعد مؤتمر عودة اللاجئين الذي عقد في دمشق الشهر الماضي ومني بفشل ذريع”.

وأضاف أن “الوفد الوطني الممثل لقوى الثورة والمعارضة طرح بالمقابل مضامين دستورية حقيقية، وأكد خلال مناقشات الخميس أن هذه القضايا ليست من اختصاص اللجنة الدستورية، لكن يمكننا البحث في انشاء هيئتين مستقلتين والنص عليهما دستورياً، الأولى تعنى بقضية عودة اللاجئين والثانية بالمعتقلين والمغيبين، وحقوق الانسان”.

وقال إن هذا الاقتراح شكل مأزقاً بالنسبة لوفد النظام الذي لا يمكن أن يقبل بإنشاء هيئات مستقلة فعلاً تُعنى بهذه الملفات، وإنما أراد المتاجرة بها والاستمرار في إضاعة وقت اللجنة الدستورية التي لم تحقق حتى الآن أي نتائج، بانتظار الجولة الخامسة التي تبحث في المضامين الدستورية، وهذا هو الأمر الذي كان يجب أن نبدأ به منذ الجولة الأولى.

نجح وفد النظام في تمرير جولة أخرى من اجتماعات اللجنة الدستورية من دون تحقيق نتائج تُذكر، بينما نجح وفد المعارضة في قطع الطريق على استغلال النظام أعمال اللجنة في ضخ المزيد من الزخم حول قضية عودة اللاجئين التي كان قد بدأ التركيز عليها مؤخراً بدفع روسي واضح، لكن ما يتفق عليه الجميع أن الجولات الأربع لم تحقق نتائج تذكر، بينما يعول وفد المعارضة على الجلسة الخامسة للدخول في مناقشة المضامين الدستورية باعتبارها المهمة الحقيقية للجنة.

المدن

————————–

الدستور، وما فوقه في الدولة السورية/ صادق عبد الرحمن

لم تضع الثورة السورية نظام الأسد وحده أمام امتحان البقاء، لكنها وضعت الوطن السوري برمته أمام هذا الامتحان، ذلك على الرغم من تكرار معظم أطراف الصراع في سوريا «باستثناء السلفية الجهادية العابرة للدول الوطنية» عزمهم الحفاظ على وحدة الدولة السورية. وأياً يكن الأمر، فإن الحرب الدائرة في سوريا – كما هي أي حرب –  يمكن أن تنتهي بانتصار أحد الطرفين انتصاراً نهائياً على الطرف الآخر، وهو ما يبدو مستحيلاً اليوم، أو أنها ستنتهي بعملية تفاوضية ستؤول في الحالة السورية إلى تقسيم البلاد، أو إلى الاتفاق على شكل جديد لتنظيم كيفية تأسيس السلطة واقتسام الثروة فيها.

ما لم تنتهِ الحرب في سوريا بانتصار ساحق وناجزٍ للنظام السوري مدعوماً بحلفائه الإقليميين والدوليين، أو بإعادة تقسيم سوريا وربما سائر المشرق إلى دولٍ بحدود مختلفة وأنظمة حكم جديدة، فإن السوريين سيكونون على موعدٍ مع قواعد جديدة لتأسيس السلطة واقتسام الثروة. سيكونون على موعد مع دولة جديدة غير الجمهورية العربية السورية التي نعرفها، لأنه إذا كانت الدولة بالمعنى الحقوقي الدستوري هي «التجمع البشري الذي يقطن إقليماً معيناً ويسوده نظام سياسي واجتماعي وقانوني ما»، فإن ما سيكون بصدد التغيير هو النظام السياسي والاجتماعي والقانوني للدولة السورية.

سنكون على موعد مع دستور جديد لسوريا سيقوم حتماً على أسس جديدة، وهذه الأسس التي سيقوم عليها هي التي ستحدد المآل اللاحق لإقليم الدولة السورية والتجمع البشري الذي يقطنه، وهي التي ستحدد إذا ما كنا سنسير باتجاه تكرار تأسيس دولة لا مستقبل لها، أم أننا سنكون أمام دولة قابلة للاستقرار والنمو وتحسين شروط حياة سكانها.

في الدستور، وما هو «فوق دستوري»

الدستور هو التعبير المدون عن قواعد النظام الذي يعيش سكان الدولة على إقليمها وفقاً له، أي أنه مجموعة القواعد التي تنظم تأسيس السلطة وانتقالها وممارستها في الدولة. وهو بهذا المعنى ليس أمراً حديث العهد، بل إنه ربما يرجع إلى نشأة أول نظام حكم في التاريخ، ذلك أن فكرة الدولة نشأت وتطورت ببطء وكان يرافقها مجموعة قواعد تنظم السلطة وكيفية إدارتها. إلا أن هذه القواعد بقيت عرفية لقرون طويلة حتى بعد انتشار عملية التدوين، فهي كانت تدون بهدف الدراسة والتأريخ لا لتكون نصاً ملزماً واجب الإتباع.

على أن التحول التاريخي في مفهوم الدستور الذي أفضى إلى صياغته وتدوينه في وثيقة ملزمة للسلطات والأفراد في الدولة، جاء بالترابط مع تغير مفهوم الدولة نفسها، وانتقالها من الدولة السلطانية إلى الدولة الحديثة، إي من الدولة القائمة على حق السلطان المنتزع بالقوة المدعومة بحق إلهي مفترض، إلى الدولة القائمة على العقد الاجتماعي الذي يأتي حصيلة توازن القوى، وصراع المصالح والرؤى في الدولة.

كما أن الحق الإلهي الذي قامت عليه سلطة الملوك والأمراء والسلاطين والخلفاء طيلة قرون من عمر الحضارة البشرية ما هو إلا حق متخيل مفترض لتبرير وجود السلطة وتأسيس مشروعيتها، فإن العقد الاجتماعي ما هو إلا عقد متخيل لتبرير وجود السلطة وتأسيس مشروعيتها أيضاً. وكما تقوم الحكومة «السلطانية» على «حق السلطان» الذي محوره شخص الحاكم لا الأشخاص المحكومون، فإن الحكومة «الوطنية» يفترض أن تقوم على «عقد اجتماعي» محوره الأشخاص المحكومون لا شخص الحاكم. هؤلاء الأِشخاص المحكومون هم المواطنون الذين يشكلون بمجموعهم الأمة، الأمة التي يفترض «نظرياً» أنها تؤسس دولتها بإرادتها المستقلة وإرادة أفرادها الحرة وفقاً لدستور يلتزم مبادئ العقد الاجتماعي المؤسس للوطن، ويتضمن حقوق وواجبات المواطنين، وكيفية تأسيس وانتقال وإدارة السلطة في البلاد.

يسمو «حق السلطان» على القواعد الدستورية في الدولة السلطانية، وتسمو مبادئ «العقد الاجتماعي» على القواعد الدستورية في الدولة الوطنية الحديثة. وعلى أي حال فإن النقاش حول وجوب إقرار المبادئ التي تسمو على الدستور في وثيقة فوق دستورية، هو نقاش لما يحسم بعد، وهو نقاش فقهي وفلسفي أثير في فرنسا أصلاً حول القيمة القانونية لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي، إذ بينما ذهب تيار إلى اعتبار مبادئه ساميةً على الدستور، ذهب تيار آخر إلى اعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدستور نفسه.

كذلك أثير النقاش نفسه في سياق الثورات العربية في مصر، عندما ذهب تيار فيها إلى المطالبة بإقرار قواعد فوق دستورية صيانةً للوحدة الوطنية ومبادئ الجمهورية المصرية، في حين ذهب تيار آخر إلى رفض ذلك بحجة أنه طرح غير ديمقراطي. وعلى أي حال فإن هذا النقاش رهين بالايدولوجيا والرؤى السياسية، ورهين كذلك بالمصالح وتوازنات القوى في كل دولة من الدول.

سواء تم الإقرار بضرورة الإعلان عن قواعد فوق دستورية في الدولة الوطنية أم لا، فإن مغادرة التأصيل الفقهي النظري، والذهاب إلى الوقائع يؤكد أن في كل دولة ما هو فوق دستوري. أعني بذلك أن في كل دولة ما لا يمكن تعديله باستخدام الآليات الدستورية، من ذلك حدود الدولة وسيادتها والمبادئ الفلسفية التي يقوم نظام الحكم عليها أياً كانت طبيعة هذا النظام، وكذلك الديمقراطية نفسها في الدول الديمقراطية، والنظام الجمهوري في الدول الجمهورية، والملكية في الدول الملكية .. إلخ.

يلجأ سكان دولة، أو جزء من سكانها، إلى الاحتجاج والعصيان عندما لا تتيح الآليات الدستورية تحقيق مطالبهم السياسية، ومن ثم فإن الاحتجاج والعصيان وسيلة لتعديل مبادئ فوق دستورية لا يتيح الدستور نفسه تغييرها، أي أنها وسيلة لإحداث تغيير يطال مبادئ العقد الاجتماعي المؤسس. وعندما يستعصي عليهم إنجاز هذا التغيير بالاحتجاج والعصيان السلمي، فإنهم إما أن يستسلموا لتوازن القوى القائم ويواصلوا خضوعهم للمبادئ التي باتوا يرون أنها لا تلبي مصالحهم، أو أنهم سيواصلون احتجاجهم الذي ينقلب ثورةً على الأوضاع القائمة، ثورةً قد تسلك طرقاً سلميةً قي أوضاع معينة، وقد تتجه إلى الصراع المسلح في أوضاع غيرها.

يمكن أن تفشل الثورات سلميةً كانت أم مسلحةً، كما أنها يمكن أن تنجح أو تفضي إلى مآلات جديدة لم تكن في حسبان أي من أطراف الصراع، وهو ما يعني أن ما هو «فوق دستوري» في الدولة يكون قد بات على أبواب الأفول، وأننا سنكون على موعد مع ولادة دولة أو دول جديدة، ولعل هذا ما يحدث في سوريا واقعاً في هذه السنوات.

الدستور، وما هو «فوق دستوري» في السياق السوري

عاش السوريون بوصفهم رعايا للسلطان العثماني حتى عام 1918، وخلال بضعة أعوام تم تقسيم بلاد الشام والعراق على ما هي عليه اليوم وفق مصالح الدول الغربية، وانتقل أولئك الذين قررت الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الأولى لهم أن يكونوا «سوريين» دون غيرهم، إلى العيش تحت حكم دولة «وطنية» ناشئة خاضعة للانتداب.

كان يقطنُ إقليمَ الدولة السورية كما نعرفها اليوم مزيج ما أتباع دياناتٍ مختلفة وأبناء طوائف وعشائر وإثنيات متعددة، وأغلبها لها امتدادات خارج حدود البلاد. وقد انتقل هؤلاء جميعاً حاملين هوياتهم التاريخية المختلفة والمتصارعة حد الإلغاء أحياناً من دولة سلطانية لا مواطنة فيها، إلى دولة وطنية يفترض أن تقوم على المساواة والمواطنة، انتقلوا جماعات وأفراداً تعوزهم الهوية الوطنية ليس بمعناها الجامع فحسب، بل كانت تعوزهم الهوية الوطنية بمعناها المميز لهم عمن سواهم أيضاً.

كانت البلاد قد وضعت تحت الحكم العسكري المباشر للجيش الفرنسي، وكانت سلطات الانتداب قد قسمت البلاد إلى مقاطعات على أسس مناطقية وطائفية، ونظمتها بدستور إتحادي أقره المندوب السامي الفرنسي هنري غورو عام 1922، وبعد سلسلة من الاضطرابات والثورات الجهوية والمحلية التي تُوِجَّت بالثورة السورية الكبرى عام 1925، وافقت سلطات الانتداب عام 1928 تحت وطأة الحراك الشعبي والثورات المتلاحقة على انتخاب جمعية تأسيسية ترأسها هاشم الأتاسي وضمت ثمانية وستين عضواً يمثلون مقاطعتي دمشق وحلب دون الدروز والعلويين، ووضعت دستوراً ألغى النظام الاتحادي، وأقر بدلاً عنه نظاماً لدولة مركزيةٍ رفضته السلطات الفرنسية آن ذاك باعتباره يحد من سلطاتها المقررة في صك الانتداب، وهو ما فتح الباب على مواجهات وصدامات أفضت إلى تعطيله وتعديله عدة مرات من قبل سلطات الانتداب. على أي حال فإن هذا الصراع الخاص بالجانب المتعلق بحقوق الدولة المنتدبة استمر طيلة وجود القوات الفرنسية على الأراضي السورية، واستمر معه دستور 1930 دستوراً وحيداً للبلاد مع تعديلات متعددة طيلة مرحلة الانتداب الفرنسي، وبعد الاستقلال حتى انقلاب حسني الزعيم عام 1949.

واقع الحال أن هذا الدستور اعترف بخصوصيات طوائف ومكونات الشعب السوري، وهو ما يشي بإدراك النخب التي صاغته لحقيقة أن ثمة عطباً في الهوية السورية، وأن ثمة صدوعاً ينبغي رأبها. لكن هذه النخب اعتمدت لحل هذه المسألة ضرورة تمثيل هذه الأقليات في المجلس النيابي، وهنا بالضبط تكمن خديعة «الوحدة الوطنية» الكبرى التي استخدمتها النخب التي صاغت الدستور وتوافقت عليه، بل ولعلها الخديعة التي استمرت وتستمر حتى يومنا هذا في الثقافة السياسية السورية.

لقد تمت صياغة هذا الدستور من قبل النخب المدينية السورية البرجوازية التي يبدو أن مصلحتها التاريخية ورؤيتها السياسية كانت تنصب في دولة سورية مركزية وموحدة، ولاحقاً وافقت سلطات الانتداب على ضم جبل الدروز ودولة العلويين إلى الدولة المركزية وفق الدستور نفسه دون لحظ أن ممثلين عنهم لم يشاركوا في صياغة هذا الدستور. وبصرف النظر عن هذا العيب الخطير في أول دستور يصوغه السوريون، فإن ثقافة الهوامش والمكونات السورية ومصالحها لم يكن لها أي حضور في الدستور السوري، بل تم استدعاء أفراد من نخب وزعامات هذه المكونات والهوامش ليشاركوا في السلطة. لم يحضر العلويون في النظام الدستوري السوري الأول بوصفهم أفراداً سوريين لهم كامل حقوق المواطنة بما فيها الحقوق الدينية والثقافية، بل حضر ممثلون عنهم في الحكم، كذلك كان حال الدروز والأكراد وسائر مكونات الشعب السوري، وأيضاً المسلمون السنة الذين تم استرضائهم بوصفهم «أكثرية» بالنص على حصر حق الرئاسة بالمسلمين.

لكم هو فارق كبير بين أن تحضر هوية الأكراد ولغتهم وثقافتهم ومطالبهم ومصالحهم في النصوص الدستورية، وبين أن يحضر أفراد أكراد في المجلس النيابي أو لجنة صياغة الدستور. كذلك كان حال عموم السوريين الذين لم تدافع نخبهم السياسية عن حقهم في المواطنة المتساوية، بقدر ما دافعت عن نصيبها في الحكم.

على أي حال فإن تلك المرحلة ليست صالحة لتبين سلوك وخطاب النخب السورية إزاء المسألة الوطنية، لأنه تمت صياغة دستورها ومجمل خطابها وشعاراتها في ظروف الصراع مع الانتداب لنيل الاستقلال، وتحت ضغط رؤية الفرنسيين للشرق بوصفه أرضاً فيها أقليات ينبغي حمايتها من عسف الأكثرية. كما أن الإنصاف يقتضي القول بأن ذاك الدستور لم يكن يحتوي على ما يناقض مبادئ فصل السلطات والسيادة والمساواة على نحو خطير، إذ باستثناء حصر منصب الرئاسة بالمسلمين «دون أن نعرف عن أي مسلمين يجري الحديث بالضبط»، فإن هذا الدستور أقر أغلب ما يفترض أن تكفله الدساتير الديمقراطية من حريات للأفراد.

لم يصمد هذا الدستور طويلاً بعد استقلال سورية، وتم تعطيل العمل به بانقلاب حسني الزعيم عام 1949، ثم دخلت البلاد في مرحلة من الاضطرابات والانقلابات العسكرية وصولاً إلى انقلاب البعث عام 1963، وترافقت تلك المرحلة مع صعود الأيدولوجيات اليسارية بشقيها القومي العربي والأممي، وصعود حركة الأخوان المسلمين في المقلب الآخر، حيث سيطرت هذه السرديات الأيدولوجية على مجمل الحياة السياسية في البلاد.

مرَّ على البلاد في تلك المرحلة المضطربة ثلاثة دساتير من بينها دستور فرضه أديب الشيشكلي في انقلابه الثاني عام 1952 ولم يدم العمل به طويلاً، ودستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة خلال مرحلة الوحدة. على أن الأهم كان دستور عام 1950 الذي صاغته جمعية تأسيسية منتخبة ونظم الحياة السياسية على نحو متقطع في أغلب تلك الفترة، وهو الدستور الذي طالب كثيرون مؤخراً بإعادة العمل به في مرحلة الانتقال الديمقراطي المفترضة في البلاد.

إذا كان دستور 1950 قد ألغى النص على ضرورة تمثيل طوائف ومكونات الشعب في المجلس النيابي، فإنه لم يعمل على إرساء أسس وطنية لمعالجة مسألة هذه المكونات التي كانت هوياتها لم تزل أكثر تماسكاً بما لا يقاس من الهوية الوطنية السورية، وإنما اتجه إلى تأكيد عروبة سورية والتزامها «مُثلَ الإسلام». وفي الوقت الذي ساوى فيه بين السوريين والسوريات في حق الترشح والانتخاب، فإنه نص على أن يقسم النواب المنتخبون على «العمل على وحدة الأقطار العربية»، كذلك على رئيس الجمهورية أن يفعل في يمينه الدستورية.

لقد أقام دستور عام 1950 أسس المواطنة السورية على افتراض عروبة وإسلام سوريا وشعبها دون تحصين دستوري لهذا الافتراض. ماذا عن أولئك السوريين الذين لا تعنيهم وحدة الأقطار العربية في شيء؟ ماذا عن الأكراد الذين سيقسم ممثلوهم في المجلس النيابي على العمل على الوحدة العربية، دون أي ذكر لحقوقهم القومية والتاريخية والثقافية؟ وأيضاً وأيضاً، أية مُثل إسلامية تلك التي تحدث الدستور إياه عنها؟ وأية رؤية للإسلام تلك التي تتبناها الدولة السورية؟

فضلاً عن هشاشة أسس الاجتماع السياسي السوري التي أقرتها الدساتير السورية المتعاقبة، لم تتجه السرديات الأيديولوجية التي هيمنت على الحياة السياسية والثقافية السورية إلى صياغة مواطنة سورية متماسكة قبل العمل على ربط «الدولة الوطنية السورية» بمشاريع خارجية، ولم تكن سوريا «سوريةً» لدى الأيديولوجيات التي تنازع ويتنازع دعاتها على السلطة، بل كانت جزءاً من أمة أكبر عربية أو إسلامية، وكانت أيضاً منصةً للحرب على الامبريالية والصهيونية، أما حياة السوريين وحقوقهم فكانت خارج المسألة كلها.

يمكن القول إن «لعنة» الايدولوجيا حلت على سوريا قبل «نعمة» الدولة الوطنية، وكان مآلها أن تنتهي إلى نظام حكم شمولي أعقب محاولة وحدة فاشلة مع مصر، وإلى أسس متهافتة لاجتماع سياسي سوري قامت لعقودعلى افتراض أن السوريين شعب واحدٌ هويته عربية مسلمة، أما طوائفه ومكوناته فقد تعايشت بضمانة قوة السلطة ومركزيتها، وبضمانة حصص «غير معلنةٍ» لممثلين عن هذه المكونات في السلطة، كل ذلك بالتوازي مع حظر تناول هذه المكونات وأوضاعها في النقاش السياسي العام بذريعة حماية الوحدة الوطنية.

هكذا جاءت دولة البعث التي لا جدوى من الحديث عن أي دستور أو عقد اجتماعي في ظلها في نهاية المطاف، حيث جُرِّدَ السوريون بالتدريج من أي ملمح من ملامح المواطنة، وتضمنت الدساتير المقترحة والمقرة كلها بما في ذلك الدستور الأخير الذي أقره نظام الأسد عام 2012 نصوصاً فارغة من أي مضمون حول حرية المواطنين وحقوقهم، فيما كانت الديكتاتورية العسكرية ثم المافيوية تستولي على البلاد وحياة سكانها.

يبدو مستحيلاً التفتيش في النصوص الدستورية السورية عن ملامح مبادئ العقد الاجتماعي الذي كان السوريون يعيشون في ظله قبيل اندلاع الثورة السورية، ذلك أن الدستور السوري الذي يفترض أنه كان يحكم حياتهم السياسية لم يكن هو الذي يحكمها فعلاً، ولم تكن المبادئ العليا التي تحكمه على المستوى النظري، هي المبادئ التي تنظم الاجتماع السياسي للسوريين 1.

سَمَا حق البعثيين في الحكم على كل نص دستوري في سوريا منذ عام 1963، ولاحقاً ومنذ أحكم حافظ الأسد قبضته على البلاد بعد مذابح حماة عام 1982 وما تلاها من سحق لكل حراك مدني وسياسي، سَمَا حق سلالة الأسد في الحكم على كل نص دستوري وقانوني في البلاد حتى صار اسمها سوريا الأسد، وأمكن توريث حكمها للطاغية الابن، وأمكن له ولطغمته سحق جميع مناوئيهم خارج كل قانون ودستور، وبمختلف وسائل العنف بما فيها المدفعية الثقيلة والمدرعات والطائرات.

ليس نظام الأسد الذي ثارت عليه شرائح واسعة من السوريين إلا نظاماً سلطانياً بلباس جمهوري ممزق، وإذا كان مأمولاً أن السوريين يعبرون اليوم مخاض الانتقال من الدولة السلطانية إلى دولة العقد الاجتماعي، فإن هذا المسار ليس محتماً ولا طريقاً باتجاه واحد تسلكه جميع الشعوب، بل إن موازين القوى ومجريات الحرب قد تفضي إلى قيام دولة سلطانية جديدة في سوريا، أو إلى مصائر أخرى لا نعرفها من بينها تقسيم البلاد إلى دولٍ ستسلك كلٌ منها مساراً لا مجال للتكهن به الآن.

في بقاء الدولة السورية

لم ينجح السوريون الثائرون على نظام الأسد في إجباره بالوسائل السلمية على التخلي عن الدولة السلطانية، والبدء بالتحول نحو دولة العقد الاجتماعي 2. وعندما تمت مواجهتهم بعنفٍ استباح كراماتهم ودماءهم، ذهبوا إلى خيار حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وانتزاع حقوقهم، وجاءت ثورتهم المسلحة التي أنهت حكم الأسد في بعض الأرياف والمدن السورية، مشابهة للمجتمع السوري واجتماعه السياسي «غير الوطني».

لا يسعى جميع خصوم الأسد في سوريا اليوم إلى بناء دولة وطنية سورية بديلاً عن «دولة سوريا الأسد»، لكن بينهم سياسيين ومثقفين ومسلحين يعلنون دائماً عزمهم الحفاظ على الدولة السورية الموحدة، والعمل على بناء دولة المواطنة بديلاً عن دولة الاستبداد والقمع. إلا أنه ليس ثمة مراجعات جدية ونقد منهجي لأسس الاجتماع السياسي التي عاش وفقها السوريون بُعيد تأسيس دولتهم قبل نحو خمسة وتسعين عاماً، والتي أفضت في النهاية إلى عودتهم للعيش في ظل دولة سلطانية بعد أقل من نصف قرن على الخروج من عباءة السلطنة العثمانية.

إذا كان ثمة من يريد بناء دولة أو دول «سلطانية حديثة» على أنقاض سوريا الأسد، فإن الطريق إلى ذلك هو مواصلة الحرب حتى فرض هذه الدولة أو الدول قهراً على سكان الإقليم السوري، وهو ما يواصل فعله تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الأسد وغيرهما بإصرارٍ من خلال أعمال القتل والتعذيب والتهجير والتطهير العرقي. وإذا كان ثمة من يريد دولة عقد اجتماعي وطنية قابلة للحياة، فإن السبيل إلى ذلك هو الوصول في نهاية الصراع إلى مبادئ اجتماع سياسي سوري وطني تسمو على كل دستور وقانون، وبقدر ما ستكون الأوضاع وموازين القوى في نهاية الحرب محدداً رئيسياً لهذه المبادئ، فإن تكامل هذه المبادئ ونضوجها سيسهم أيضاً في إنهاء القتال، والانتقال إلى مواصلة الصراع بأدوات السياسة لا بأدوات الحرب.

يتطلب بناء دولة وطنية إقراراً عاماً وإعلاناً واضحاً لا لبس فيه عن حقوق متساوية لجميع المواطنين، يشمل ذلك الحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية، وهو ما يعني عملياً ألا يتم فرض قيودٍ أساسها الانتماء الديني أو الإثني أو الأيديولوجي على حقوق الأفراد في العمل والنشاط السياسي والتعبير عن الرأي وممارسة الشعائر الدينية. وواقع الحال أن إقراراً عاماً وإعلاناً واضحاً كهذا لم يحصل طيلة حياة الدولة السورية، وأصبح الوصول إلى صيغة تتضمن إعلاناً كهذاً أمراً عسيراً جداً بعد أن فتكت الحرب بالنسيج الوطني السوري، ولجأ أغلب السوريين إلى جماعاتهم الأهلية ينشدون الحماية من خلالها، وحمل كثيرون منهم السلاح في تشكيلات عمادها هذه الجماعات.

ينبغي الإقرار بأن النسيج الوطني السوري بات مفتتاً إلى حد أصبح معه من الصعب إخضاع جماعاته الأهلية لسلطة مركزيةٍ على المستويات التشريعية والتنظيمية والاقتصادية، دون ممارسة عنفٍ واسعٍ يُخضع هذه الجماعات بالقوة والإكراه، وهو ما يتطلب استخدام تشكيلات عسكرية منضبطة ومدججة بالسلاح تحكم سيطرتها على جميع الأراضي السورية، وهذا فضلاً عن استحالته الواقعية حتى اللحظة، فإنه يعني أننا سنكون بصدد بناء دولة فاشيِّةٍ يحكمها سلاح الجيش، وخطاب ورؤية القائمين عليه.

لا مجال لإنجاز العبور نحو دولة العقد الاجتماعي السورية الوطنية، دون تحطيم مرتكزات الدولة السلطانية الأسدية وإلحاق الهزيمة بها كشرطٍ لازمٍ وغير كافٍ، وكذلك إلحاق الهزيمة بالتنظيمات المسلحة التي تسعى إلى فرض أنماط اجتماع سياسي «غير وطنية» على سكان الإقليم السوري، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية وأشباهه. وإذا كانت نتائج الحرب ليس رهينةً فقط بإرادة وقدرة السوريين، وإنما بنتائج صراع المصالح الدولي والإقليمي أيضاً، فإنه يقع على عاتق الحقوقيين والسياسيين والمثقفين السوريين الذين يعلنون انحيازهم لخيار العبور نحو الدولة الوطنية أن يشرعوا في البحث المنهجي عن صيغة «فوق دستورية» تكفل نجاح هذا العبور، فيما يواصل عموم السوريين خوض معاركهم من أجل الحياة.

1. يقترح ياسين الحاج صالح وصف «الدولة الظاهرة والدولة الباطنة» للتعبير عن وجود دولتين في سوريا «دولة ظاهرة، عامة ولا طائفية، لكن لا سلطة حقيقية لها؛ ودولة باطنة، خاصة وطائفية، وحائزة على سلطة القرار فيما يخص المصائر البشرية والعلاقات بين السكان وتحريك الموارد العامة، فضلاً عن العلاقات الإقليمية والدولية»– السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سوريا، ياسين الحاج صالح، الجمهورية – وعليه يكون الدستور السوري هو دستور الدولة الظاهرة، أما دستور الدولة الباطنة فهو غير معلن في أي وثيقة على غرار الدول السلطانية القديمة، وما يسمو عليه ويهيمن على آلياته هو حق سلالة الأسد في الحكم.

2. أغلب التظاهرات خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الثورة السورية طالبت بإطلاق الحريات العامة وإيقاف أعمال القمع والاعتقال، وبمحاسبة الفاسدين الكبار وإعادة الأموال المنهوبة للشعب، أي بمبادئ جديدة للاجتماع السياسي السوري تتيح لعموم السكان امتلاك الفضاء العام، والمشاركة في صياغة الحياة السياسية.

موقع الجمهورية

2015

————————

الدستور في خدمة التزوير؟/ صادق عبد الرحمن

خلال سنوات حكمه الأولى، كان حافظ الأسد يحتاج دستوراً جديداً يساعده في فرض هيمنته على سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، في بلاد كان لا يزال فيها مراكز قوى عديدة داخل مؤسسات الدولة وخارجها، فكان دستور العام 1973، الذي نصَّ على جمع السلطات كلها في قبضة رئيس الجمهورية، ونصَّ على قيادة حزب البعث الذي يتزعمه رئيس الجمهورية للدولة والمجتمع في سوريا.

أما بشار الأسد، فلم يحتج بعد موت والده عام 2000 سوى إلى تغيير المادة التي تنص على سنّ الترشح لرئاسة الجمهورية، ولم يجد حرجاً في التراجع بعدها عن كل ملامح الاشتراكية، دون الحاجة إلى تعديل مواد الدستور التي تنص على اشتراكية اقتصاد الدولة، ليكون هذا واحداً من علامات كثيرة على أن الدستور قد بات خرقة بالية لا تصلح لشيء، وأن السلطة كلها قد باتت في يد عصبة لا تلتزم بأي دستور.

ومع ثورة السوريين عام 2011، وجد بشار الأسد نفسه مضطراً لتغيير الدستور، لكن ليس من أجل استخدامه في مواجهة مراكز قوى داخلية هذه المرة، ولا من أجل تدعيم شرعيته الداخلية المتهالكة. وقد كان التغيير النظري في دستور العام 2012 هائلاً، إذ باتت سوريا بموجبه دولة تعددية سياسياً، ولم يعد هناك حزب قائد للدولة والمجتمع فيها، كما تم حذف كل إشارة إلى الاشتراكية من مواد الدستور، وتم النص على سائر الحريات والحقوق المدنية التي تقرّها دساتير الدول الديمقراطية في العالم، لكن هذا لم يترك أي أثر على حياة السوريين، لا على مستوى الحياة اليومية، ولا على مستوى علاقة مؤسسات الدولة بالسكان الذين تحكمهم وتدير حياتهم.

لم يتغير شيء في آليات ممارسة الحكم ولا في بنية النظام الحاكم بتغير الدستور عام 2012، وهذا لوحده دليلٌ كاف على أنه لم يكن لذاك التغيير الدستوري أي وظيفة داخلية، بل إن وظيفته كانت خارجية بالكامل، تتعلق بتحسين شكل النظام أمام المجتمع الدولي، تمهيداً لإنقاذه واستكمال الشروط اللازمة لإعادة تثبيته. وليس بين أيدينا ما يشير إلى أن هذا قد تغيّر اليوم، بل على العكس من ذلك، يسير نظام الأسد خطوات أبعد في احتقار كل النصوص الدستورية والقانونية، بما فيها تلك التي أقرها بنفسه لنفسه، ويواصل قتل شرائح واسعة من السوريين وإذلالهم وتحطيم حياتهم في سجونه وخارجها، دون أي ضوابط من أي نوع، بما يجعل الحديث عن الذهاب إلى حلول عن طريق تغيير الدستور مجرد مزحة سمجة.

لا يستند النظام في أسلوب حكمه على مواد الدستور الحالي، وهذا يعني تلقائياً أن تغيير مواد الدستور لن يقود إلى تغيير أسلوب الحكم، وقد كانت هذه الخلاصة البديهية حاضرةً في صياغة المجتمع الدولي لبيان جنيف عام 2012، الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي في القرار 2254 لاحقاً، وفيه يبدو واضحاً أن الخطوة الأولى على طريق أي حل سياسي للمسألة السورية، هي «إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية»، وعلى هذا الأساس «يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام»، حسب نص بيان جنيف نفسه.

وهكذا فإن الإقرار الأممي بضرورة إنشاء هيئة حكم انتقالي، يمكن في ظلها الذهاب إلى إجراءات أخرى كتعديل الدستور وإجراء انتخابات، هو مكتسب راسخٌ أنتجته تضحيات السوريين، يتضمن فهماً واضحاً لحقيقة أن كل الدساتير والانتخابات في الدنيا لن تعني شيئاً طالما أن السلطة في قبضة الأسد وأجهزته الأمنية، لكن الأمم المتحدة تتصرف اليوم خلافاً لهذه الحقيقة، إذ تقوم بتسويق التقدم في مسار اللجنة الدستورية على أنه تقدم في مسار الحل السياسي، في تزوير مشهود للمسألة السورية كلها.

تسير الأمم المتحدة في عملية التزوير تلك، ومعها سائر الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها تلك التي يفترض أنها حليفة للمعارضة السورية، ويقبل الجميع بالقفز فوق شرط إقامة هيئة الحكم الانتقالي، بما في ذلك قوى المعارضة الممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات، التي تخضع لإملاءات داعميها وحلفائها الإقليميين والدوليين، وتمضي إلى الاشتراك في عملية التزوير دون أن تهتم حتى بشرح الأسباب التي تدفعها إلى القبول بهذا.

تكفي سيرة النظام السابقة للقول إن الشراكة معه في صياغة دستور جديد، دون أي إجراءات جدية تمسّ قدرته غير المحدودة على قتل السوريين وإخضاعهم، ودون انتزاع إقرار عملي أو حتى لفظي منه بأننا نسير على طريق انتقال سياسي، هي مساعدة في إعادة تأهيله دولياً، سواء قصد المعارضون المشاركون تقديم هذه المساعدة أم لم يقصدوا.

إذا كان ثمة معطيات لا نعرفها تقود إلى خلاصات مغايرة، فإن من حق السوريين أن يعرفوها، أما إذا لم يكن ثمة معطيات كهذه، فإن المسار السياسي الراهن في حقيقته هو مسار لتأهيل النظام دولياً وليس لتغييره، فلماذا يشارك معارضون في مسار كهذا؟ ولماذا يقبلون أن يكونوا شهود زور على عملية كهذه؟ وما هي المكاسب التي قد تتحقق منها، أو على الأقل، ما هي عواقب عدم مشاركتهم فيها؟ في وقت يبدو واضحاً فيه أن عمليات النظام وحلفائه العسكرية لا ترتبط بالمسار السياسي ولا تتأثر به، وأن سياسة النظام في القمع والترهيب والقتل تحت التعذيب، لا ترتبط بالمسار السياسي ولا تتأثر به أيضاً.

ربما يبقى الأسد وعصبته ممسكين بخناق البلاد وأهلها عقوداً طويلة قادمة، وربما يُجبرون على الرحيل أو التنازل عن جزء من سلطتهم إذا كانوا قد صاروا عبئاً على حلفائهم قبل خصومهم، لكن صياغة دستور جديد لسوريا لا تلعب دوراً في الدفع باتجاه أي من المصيرين، بل لعلها قد تساهم قليلاً أو كثيراً في تمهيد الطريق أمام الخيار الأول. هذا ما تقوله المعطيات التي بين أيدينا، ويقع على عاتق من لديه معطيات غيرها أن يشرحها لنا.

موقع الجمهورية

—————————

مسودة الدستور الروسية: مرجعياتها النظرية في التعامل مع مسألة الأقليات/ عامر كاتبة

في نهاية مفاوضات الأستانا التي كان الهدف منها محاولة العمل على تثبيت وقف إطلاق النار بين النظام وفصائل مسلحة معارضة، فاجأت روسيا الأطراف السورية بتقديم مسودة لمشروع دستور جديد لسوريا، مؤكدةً بعد ذلك أنها لا تهدف من هذه الخطوة إلى فرض أفكار دستورية على السوريين، وإنما فقط إلى تشجيع السوريين على البدء في النقاش حول موضوع الدستور1.

مسودة الدستور التي قامت وكالة سبوتنيك الروسية بنشر مواد منها2 تتكون من 85 مادة، تتناول العديد من القضايا الإشكالية بين الأطراف المتصارعة، مثل صلاحيات رئيس/ة الجمهورية والبرلمان ومسألة توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والمناطق، إضافة إلى مسألة حقوق الأقليات وآليات تمثيلها السياسي3.

بعيداً عن الخوض في نقاش إذا ما كانت الخطوة الروسية صحيحة أما لا، أو أنها استباقية وتنسف قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يؤكد على تشكيل حكومة انتقالية تكون مسؤولة لاحقاً على تحديد مدة زمنية لصياغة دستور جديد لسوريا4، أو أن روسيا من خلال هذه الخطوة تجعل نقاش الدستور مقتصراً على النخب السياسية والعسكرية التي تفتقد إلى حق التمثيل السياسي للشعب السوري، خصوصاً ضمن الحرب الدائرة. لكن لا بدّ من القول إن المسودة الروسية تضمنت مجموعة من النقاط التي تستحق الطرح والنقاش، خاصةً فيما يتعلق بمسألة الأقليات بشكل عام، والمسألة الكردية بشكل خاص، والتي نود في هذه المقالة التركيز عليها.

طرحت المسودة الروسية النقاط التالية:

– إزالة كلمة «عربية» في وصف الدولة السورية، للتأكيد على ميزة التنوع الثقافي للمجتمع السوري. فبدلاً من اسم «الجمهورية العربية السورية» تدعو المسودة إلى إحلال اسم «الجمهورية السورية».

– ضرورة مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا في التعيينات الحكومية، مع تخصيص بعض المناصب لتمثيل الأقليات.

– تشكيل أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي، واعتبار اللغتين العربية والكردية لغتين رسميتين فيها.

نود هنا تسليط الضوء على المرجعية النظرية لهذه النقاط الثلاثة، في القسم الأول سنطرح موضوع حيادية الدولة من خلال الفصل بين مفهومي «القوم» و«الدولة» الذي يتعلق بالنقطة الأولى، وسنقوم في القسم الثاني بتسليط الضوء على مفهوم الاستقلال اللامناطقي (اللاجغرافي) وعرض نموذجين يندرجان تحت هذا المفهوم: 1-نموذج «التشاركية النسبوية» الذي يتعلق بالنقطة الثانية. 2-نموذج «الاستقلال القومي الثقافي» الذي يتعلق بالنقطة الثالثة.

أخيراً سنقوم بمقاربة هذه المفاهيم والنماذج مع الحالة السورية، من خلال عرضنا لبعض النقاط الإيجابية والسلبية.

فك الارتباط بين مفهومي «القوم» و«الدولة»

قد يكون الطرح الروسي في إزالة الصفة العربية عن الدولة السورية ليس فقط جديداً بالنسبة لكثيرٍ من السوريين، ولكن أيضاً للوهلة الأولى مخالفاً لفهم كثيرٍ منا لمفهوم تطور الدولة الحديثة. فبالنسبة لكثيرين ارتبطَ مفهوم بناء الدولة الحديثة بمفهوم القوم (Nation) بشكل كبير ليس فقط نظرياً وإيديولوجياً، وإنما تجسد ذلك تاريخياً في المحاولات الكثيرة التي قامت بها نخب منطقة الشرق الأوسط لتأسيس الدولة القومية (أو الرغبة في تأسيسها)، بالاعتماد على التجربة الأوروبية في بداية القرن الماضي بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، ولاحقاً في مرحلة التحرر من الاستعمار الأوروبي، كالقوميين الأتراك أو العرب أو الأكراد.

هذا الارتباط بين مفهومي «القوم» و «الدولة» ليس مقتصراً على فهمنا السياسي وتجارب المنطقة في بناء الدولة الحديثة فحسب، بل ما زال مسيطراً على الفكر السياسي العالمي وحتى على قانون العلاقات الدولية إلى درجة كبيرة. بالنسبة لكثيرٍ من السياسيين والباحثين في علوم السياسية، إن مسألة السيادة، أي حق امتلاك القرار والاستقلال القومي، لا يمكن أن تأخذ شكلها الأفضل إلا من خلال سيطرة قوم ما على منطقة جغرافية ما، محققة بذلك مبدأ السيادة المناطقية/الجغرافية (sovereign territory). الفرضية تعتمد على أن المجموعة القومية (الإثنية) يجب أن تسيطر على منطقة جغرافية محددة حتى تتمكن من حماية أفرادها والدفاع عن مصالحها والحصول على حقوقها القومية (السياسية والثقافية)، وبالتالي فإن الاستقلال القومي في الإدارة الذاتية واتخاذ القرارات لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مبدأ الدولة القومية ذات السيادة المناطقية5.

المبدأ الذي يعتبرُ التجسيد الأمثل لفكرة بناء الدولة القومية الحديثة هو: 1-القوم، 2-الأرض: منطقة جغرافية محددة، 3-السيادة: السيطرة والاستقلال في اتخاذ القرارات.6

ولكن يعتقد بعض الباحثين في علوم السياسية والاجتماع أن العديد من الدول في عالمنا المعاصر هي في الواقع خليط من القوميات والثقافات، ففي العالم هناك حوالي 9000 جماعة قومية، 3000 منها شكلت حركات قومية ذات مطالب سياسية7، بينما عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هو 193 دولة فقط8.

هذا التنوع والخليط الثقافي ازداد أيضاً بشكل خاص بعد حركة الانتقال والهجرة الكبيرة التي يشهدها عالمنا حالياً. هذا ما قد يجعل الفكرة التقليدية لبناء الدولة القومية الحديثة غير قادرة على التعامل مع المجتمعات المتنوعة بشكل عام، والمجتمعات التي يسودها انقسام اجتماعي عميق بشكل خاص9. حتى أن نظرية الديمقراطية التحررية (Liberal Democracy) التي تعتمد على مبدأ المواطنة المتساوية ودعم حقوق الإنسان الشخصية، غير قادرة على حل كثيرٍ من مشاكل المجتمعات غير المتماثلة، وخاصةً في حال كان هناك فئة اجتماعية ما تطالب بالاعتراف بحقوقها السياسية والثقافية10، كما هو الحال بالنسبة للأكراد في منطقة الشرق الأوسط أو الأمازيغ في منطقة شمال إفريقيا.

الاعترافُ بحقوق الإنسان الشخصية للمواطنين قد لا يكون كافياً -في الدولة الديموقراطية التي تعتمد على مبدأ الأكثرية في اتخاذ القرارات- لضمان حقوق الأقليات وإيجاد وسائل سياسية لحل مسائل عديدة، مثل حق تعلم اللغة الأم أو اختيار اللغة التي يجب استخدامها في المؤسسات الحكومية أو ماهية المحتوى الثقافي للمناهج المدرسية والجامعية11. لذلك يؤكد هنا إيفرايم نيمني (Ephraim Nimni) أن «مبادئ حقوق الإنسان التقليدية يجب أن يتم دعمها بالاعتراف بحقوق الأقليات التي تتطلب في كثيرٍ من الأحيان تحقيق شكل من أشكال الاستقلال اللامناطقي لتمثيل الأقليات والمجتمعات الأصيلة»12. كما يضيف بيت غويمانز (Piet Goemans) أن الاستقلال القومي لا يتطلب بالضرورة منح الاستقلال السياسي، بل يتطلب التعامل مع مشاكل الأقليات بشكل جدي من خلال تقديم حلول وآليات سياسية لتحقيق متطلباتهم السياسية والثقافية13.

الاستقلال اللامناطقي للتعامل مع مسألة الأقليات

يُحذر إيفرايم نيمني من أن التعامل مع أي دولة على أنها من المفترض أن تكون دولة قومية شيء خطير جداً، فبهذه الطريقة يمكن اعتبار الدولة القومية على أنها المفهوم السياسي الوحيد لتحقيق السيادة والاستقلال القومي للجماعة. فالدولة القومية المتعصبة لقوميتها قد تكون السبب وراء الحروب والصراعات الداخلية بين الجماعات الاجتماعية المختلفة مؤدية في بعض الأحيان إلى مجازر عرقية14. وبالتالي يأتي هنا مفهوم «الاستقلال اللامناطقي (Non-Territorial Autonomy)» كمفهوم بديل عن النموذج الأمثل لتحقيق الاستقلال والسيادة القومية، أي الدولة القومية ذات السيادة المناطقية (National Sovereign Territorial State).

فمفهوم الاستقلال اللامناطقي يحاول التعامل مع كثيرٍ من الصراعات والخلافات الاجتماعية التي فشلت الدولة القومية التقليدية في التعامل معها، إذ أنه يشمل العديد من الأشكال والنماذج في الإدارة السياسية التي تسعى إلى تمثيل مكون اجتماعي ثقافي من مجتمع ما، يقطن ضمن منطقة محددة، ولكن بدون أن يحق لهذا المكون أن يمتلك السيادة السياسية بمفرده على هذه المنطقة. وبالتالي يحق لهذا المكون الاجتماعي الاستقلال وممارسة حق أخذ القرارات المتعلقة بالجماعة، ولكن دون التمتع بالسيادة الكاملة على المنطقة الموجود فيها15. يحاول هذا المفهوم إذاً فكَّ الارتباط بين مبدأي «السيادة القومية» و«المناطقية».

من الجدير بالذكر هنا أن مفهوم الاستقلال اللامناطقي كوسيلة في الإدارة السياسية ليس جديداً، فقد اعتمدت كثيرٌ من الامبراطوريات القديمة والقوى الاستعمارية على استخدامه لإدارة المناطق البعيدة عن مركز الحكومة، أو التعامل مع الأقليات العرقية أو الدينية، كما في نظام الملل في الامبراطورية العثمانية.

المفهوم يتجسد أيضاً في كثيرٍ من النماذج والأمثلة الحديثة والمعاصرة التي تختلف عن النماذج القديمة في أنها أكثر ديموقراطية، وتعطي مساحة أكبر للأقليات في المشاركة السياسية وممارسة الاستقلال الذاتي. نذكر منها: الاستقلال القومي الثقافي (National Cultural Autonomy) كما في إستونيا (1925 و1993)، روسيا الاتحادية (1996)، الدولة المتعددة القوميات في بوليفيا (Plurinational State)، والتشاركية النسبوية (Consociationalism) كما في لبنان وإيرلندا الشمالية.

إضافةً إلى أن هناك أشكال أخرى من الاستقلال المحدود في الإدارة الذاتية في التعامل مع بعض المسائل، مثل الاستقلال في الشؤون الدينية المتعلقة بأمور الأحوال الشخصية أو الاستقلال في الشؤون الثقافية المتعلقة بأمور تعلم اللغة الأم16. سنقوم هنا بتوضيح كلٍ من نموذجي التشاركية النسبوية والاستقلال القومي الثقافي، اللذين يرتبطان بالنقاط التي نرغب التركيز عليها في هذه المقالة.

«التشاركية النسبوية» كنموذج في تشارك السلطة

كأحد نماذج الاستقلال اللامناطقي يعتبر مفهوم التشاركية النسبوية/Consociationalism17 واحداً من الطرق الشائعة في حل الصراعات السياسية، وخاصة في المجتمعات التي تسودها انقسامات اجتماعية عميقة. المفهوم الذي يقدم بدائل للحلول القومية المناطقية أو الانفصال السياسي تم تطويره من قبل أرند لايفرت (Arend Lijphart) في كتابه الديمقراطية في المجتمعات المتعددة18، ولاحقاً من قبل عدد من الباحثين في موضوع حل النزاعات وعلاقته بمبدأ التشاركية في السلطة/Power Sharing19.

اعتماداً على فرضية أن الديموقراطية التحررية من الصعب أو المستحيل تحقيقها في المجتمعات التي تسودها انقسامات اجتماعية عميقة، وخاصةً في المجتمعات التي لم تخض بعد تجربة ديموقراطية، يقترح لايفرت أن الديموقراطية التشاركية النسبوية/Consociational Democracy20 هي الشكل الأفضل للديموقراطية في المجتمعات ذات الانقسامات الاجتماعية العميقة21. هذا النوع من الديموقراطية يعتمد على صفتين أساسيتين: تشارك السلطة (Power Sharing)، وتعني مشاركة ممثلي كل الجماعات في القرار السياسي، خاصة على مستوى السلطة التنفيذية. واستقلال المجموعة (Group Autonomy) الذي يعني أن المجموعات لديها السلطة لإدارة شؤونها الداخلية وبشكل خاص في المجالات المتعلقة بالتعليم والثقافة22. ثم لتعزيز الصفتين الأساسيتين لهذا المفهوم يضيف لايفرت صفتين ثانويتين: مبدأ حق الفيتو المتساوي (Mutual Veto) ومبدأ النسبوية في توزيع السلطة (Proportionality) الذي يجب أن يطبق ليس فقط على قانون ونظام الانتخابات، بل أيضاً على تشكيلات المؤسسات والهيئات العامة للدولة وحتى على نظام توزيع الدعم الحكومي23.

كما يميز لايفرت بين نوعين من النسبوية: النوع الأول وهو النسبوية المُحددة مسبقاً (Predetermination Principle) والتي تعني أن حصة التمثيل لكل جماعة قومية أو دينية مُحددة مسبقاً في القانون كما في النظام السياسي اللبناني. أما النوع الثاني فهو النسبوية التي يتم تحديدها من قبل أفراد المجتمع أنفسهم (Self-determination Principle)، وتعني أن النسبوية تعتمد على الحق الشخصي في اختيار الجماعة وهذا يعطي فرصة أكبر للأفراد والمجموعات التي لا ترغب بأن تقوم بتنظيم نفسها أو تمثيلها على أساس عرقي أو ديني. بينما المبدأ الأول بالنسبة للايفرت «تمييزي وإقصائي للجماعات التي لا يشملها القانون»، فإن المبدأ الثاني «قد يكون أقل تمييزاً وأكثر مرونة وحيادية»24.

«الاستقلال القومي الثقافي» كنموذج للفصل بين السياسي والثقافي

للتعامل مع الصراعات الناتجة عن الربط بين مفهوم القوم والمناطقية قام كارل رِنِر (Karl Renner)، السياسي النمساوي المنتمي للحزب الاشتراكي الديموقراطي، في عام 1899 بتقديم مفهوم «الاستقلال القومي الثقافي» (National Cultural Autonomy) في مقاله «الدولة والقوم» كآلية سياسية في إدارة الصراعات القومية والتخفيف من الحركات الانفصالية القومية في الامبراطورية النمساوية-الهنغارية (1867-1918).

لاحقاً في عام 1907 تم تطوير هذا المفهوم من قبل أوتو باور (Ott Bauer)، المفكر النمساوي الذي ينتمي أيضاً إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي، في كتابه مسألة الجنسيات القومية والديموقراطية الاجتماعية.

على الرغم من أن هذا المفهوم لم يتم تطبيقه فعلياً، ففي عام 1918 سقطت الامبراطورية النمساوية-الهنغارية كنتيجة لهزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وعلى الرغم من أن النموذج لم تتم دراسته بالشكل الكافي على أرض الواقع، إلا أن الأفكار التي طرحها كلٌ من كارل رِنِر وأوتو باور أصبحت القاعدة النظرية لكثيرٍ من النماذج المماثلة التي تم تطويرها وتطبيقها لاحقاً، وبشكل خاص في دول أوروبا الشرقية.

في مقاله يقوم كارل رِنِر بإعادة طرح السؤال حول العلاقة بين الدولة والقوم. فالدولة هي عبارة عن وحدة مناطقية (جغرافية) ذات سيادة (Sovereign Territorial Entitiy) تُبنى من خلال توفر العوامل التالية: 1-سكان، 2-منظمة (للسكان) مع وجود رغبة شعبية جماعية ببناء هذه المنظمة، 3-سيادة واستقلال الرغبة الجماعية، وأخيراً 4-سيطرة هذه السيادة على منطقة جغرافية ما، أي ربط مبدأ السيادة بمبدأ المناطقية25.

أما القوم فهو في المقابل عبارة عن جماعة ثقافية (Cultural Community) أي فقط جماعة (Communio – Community) ولا يمكن اعتباره بشكل تلقائي كمجتمع (Societas – Society). فعلى الرغم من أن القوم قد يشكل نوع من الحسّ والفكر المشترك بين أفراده من خلال اللغة والأدب المشترك، ولكن هذا الوعي القومي ليس من الضروري أن يعني أن أفراد الجماعة يمتلكون رغبة جماعية في تشكيل منظمة لهم، أو أن الوعي القومي يجب أن يرتبط بشكل أساسي بمنطقة جغرافية ذات حدود26.

كما يميز كارل رِنِر بين مفهوم «الشعب» الذي هو عبارة عن وحدة دستورية تجمعها مصالح اجتماعية ومادية، وبين مفهوم «القوم» الذي هو عبارة عن جماعة ثقافية روحية فقط. بناءً على ذلك يفرق كارل رِنِر بين مجموعات المصالح الاجتماعية (Social Interest Groups) وبين مجموعات المصالح الثقافية (Cultural Interest Groups). بينما الأولى كمنظمات المجتمع المدني والنقابات يجب أن تعمل لمصالح الشعب بالكامل بغض النظر عن انتماءات الأفراد القومية، فإن الثانية كالمجالس القومية أو المراكز الثقافية القومية ومراكز تعليم اللغات الأم للجماعات القومية قد تعمل فقط لتحقيق مصالح الجماعة القومية التي تمثلها. هذا الفصل موجود إلى درجة مماثلة في روسيا الاتحادية، فهناك فصل قانوني بين منظمات المجتمع المدني ومنظمات الاستقلال القومي الثقافي27.

علاوة على ذلك، يقوم كارل رِنِر بالتمييز بين مبدأ القومية المناطقية (National Territorial Principle) ومبدأ الشخصية (Personality Principle). المبدأ الأول الذي يعتبر صفة أساسية في بناء الدولة القومية الحديثة، يعتمد ببساطة على المبدأ التالي: إذا كنت تعيش في منطقتي فأنت سوف تخضع إلى سيطرتي، وإلى قانوني، وإلى لغتي28. طبعاً هذا المبدأ لا يسمح لأي نوع من الحلول الوسطية، أو لأي نوع من المساواة في الحقوق في حال تواجدت في هذه المنطقة جماعات قومية مختلفة. المبدأ الثاني يعتمد على أن التجمعات يمكن أن تقوم بتنظيم نفسها كتجمعات مستقلة، وتتمتع بالاستقلال بغض النظر عن مكان إقامتها ضمن الدولة المتعددة القوميات. وبالتالي الأقليات لها الحق بالمطالبة والدفاع عن حقوقها، ولكن ليس من خلال الاستقلال المناطقي (الجغرافي). فبالنسبة لكارل رِنِر، بينما قام مبدأ الحرية الدينية بفصل الكنيسة عن الدولة في أوروبا، فإن مبدأ الشخصية يمكن أن يفصل مسألة الإدارة المتعلقة بشؤون الدولة عن مسألة حماية الهوية القومية والثقافية29.

التمييز الأخير الذي يجب إضافته هنا لتوضيح مفهوم «الاستقلال القومي الثقافي»، والذي قد يوضح أكثر فكرة «أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته» في المسودة الروسية، هي محاولة التمييز والفصل بين الاستقلال القومي السياسي والاستقلال القومي الثقافي.

الاستقلال القومي السياسي يعتمد على أن الجماعة القومية ينبغي أن تكون المُشرّع للقوانين التي تحكمها، أي لا بدَّ أن يكون هناك ربط بين الثقافة القومية والقوانين. وهذا يعني أن القوانين يجب أن يتم تشريعها من قبل الجماعة القومية وفي أفضل الأحوال أن يكون في إطار الدولة السيادية المناطقية أي تطبيق الاستقلال والحكم الذاتي السياسي30، كما في مقاطعة ترينتينو ألتو أديجي في إيطاليا أو مقاطعة كيبك في كندا أو كردستان العراق. أما الاستقلال القومي الثقافي فيعتبر كنوع من الحكم الذاتي الثقافي، الذي يعتبر أقل تطلباً من الاستقلال القومي السياسي، أو حتى من مسألة إعطاء سلطة أكبر للمناطق الإدارية. طبعاً ثمة نقطة إيجابية لحساب الاستقلال القومي الثقافي، وهي أنه قد يحل مسألة الأقليات ومطالبها الثقافية وفي الوقت نفسه قد يحدّ من لجوء الجماعة القومية إلى المطالبة بالفيدرالية المناطقية أو الانفصال أو حتى تشكيل دولة قومية جديدة31.

باختصار يمكن اعتبار الاستقلال القومي الثقافي، «أولاً كمبدأ عام يتمكن المواطنون من خلاله وعبر أشكال تنظيمية مختلفة من ممارسة أنشطة معينة مرتبطة بالحفاظ والتعبير عن هويتهم القومية. وثانياً كشكل خاص من التنظيم المبني على الهوية القومية، والذي يفترض أن يشمل ويمثل كل أفراد هذه الجماعة القومية»32.

مقاربة مع الحالة السورية

بعد هذا العرض للأفكار النظرية في التعامل مع مسألة الأقليات في المجتمعات المتعددة، يمكن القول إن المسودة الروسية من خلال محاولة إحلال اسم «الجمهورية السورية» تدعو إلى فكّ الارتباط بين القومية العربية والدولة السورية، داعمة بذلك مبدأ حيادية الهوية للدولة السورية. كما تركز المسودة على مبدأ الاستقلال اللامناطقي كبديل للاستقلال المناطقي للتعامل مع مسائل الأقليات في سوريا، وتخلط بين مجموعة من المفاهيم في الإدارة السياسية التي تندرج تحت نموذجي التشاركية النسبوية والاستقلال القومي الثقافي.

بالاعتماد على النموذج الأول، «التشاركية النسبوية»، تـؤكد المسودة الروسية على التشارك في السلطة والتمثيل السياسي النسبوي للأقليات، ولكن تُبقي السؤال مفتوحاً حول نوع النسبوية. فأي نوع من النسبوية يجب تبنيه في سوريا؟ النسبوية المُحددة مسبقاً أم النسبوية التي تعتمد على الاختيار الشخصي للأفراد في تحديد هويتهم القومية أو الطائفية؟

إضافة إلى تأكيد لايفرت نفسه على أن النسبوية المُحددة مسبقاً إقصائية وتمييزية، يمكن اعتبار هذا النوع من النسبوية عائقاً لأي نوع من التغير السياسي أو الاجتماعي. فهو يحافظ ليس فقط على النخب السياسية الطائفية أو القومية نفسها، بل أيضاً على البنية الطائفية والقومية للمجتمع ككل كما في الحالة اللبنانية. لذلك قد يدعم هذا المبدأ الحالة الطائفية والعصبية القومية في سوريا بدلاً من العمل على التغلب عليهما. علاوة على ذلك، كيف سيتم تحديد نسب التمثيل السياسي في غياب سجلات مدنية واضحة عن التكوين الاجتماعي للمجتمع السوري؟ فما تزال الإحصائيات والنسب عن موضوع الطوائف والإثنيات في سوريا غير علمية وموثقة أولاً، وثانياً تختلف من مصدرٍ إلى آخر33.

كما أن النوع الثاني، الذي يعطي فرصة أكبر للأفراد في الاختيار وتنظيم أنفسهم على أساس طائفي أو غير طائفي، ليس أفضل للحالة السورية بالضرورة لعدة أسباب: أولاً يتطلب آليات تسجيل لتحديد هوية الأفراد، الشيء الذي لا يمكن تحقيقه في غياب مؤسسات حكومية موثوقة عن كثيرٍ من المناطق، وبسبب حالة التهجير التي يعيشها جزءٌ كبيرٌ من المجتمع السوري. ثانياً قد يصبح موضوع تحديد الهوية القومية أو الطائفية سبباً للصراع بين الجماعات لزيادة أعداد تابعيها من أجل الحصول على نسبة تمثيل سياسي أكبر. ثالثاً هناك فئة في سوريا ترفض كل الانتماءات القومية أو الطائفية، فكيف سيتم التعامل مع تمثيلها السياسي؟

هذه النقاط تجعلنا نطرح التساؤل فيما إذا كان يجب حقاً تبني مبدأ النسبوية في الحالة السورية؟ في الحقيقة على الرغم من أن مفاهيم التشاركية النسبوية في الإدارة السياسية قد تقدم حلولاً لمسألة توزيع وتشارك السلطة في المجتمعات المنقسمة اجتماعياً، إلى أن هذه الحلول تعتمد بشكل أساسي على مبدأ الحل من فوق (Top-down Solution)، وبالتالي فهي فقط مؤقتة ولا يمكنها أن تقدم حلولاً على المدى الطويل للصراعات الاجتماعية المتجذرة كمسألة الطائفية أو المسألة الكردية في سوريا.

التشاركية السياسية قاعدة أساسية للاستقرار السياسي وتحقيق السلم، ولكن هذا التشاركية يجب أن تُبنى على أفكار سياسية جامعة تعمل لخدمة المجتمع ككل، وليس على النسبوية الاجتماعية والربط المباشر بين السياسة والجماعات الإثنية أو الطائفية. فبهذه الحالة ستطغى الطائفية السياسية على كل أشكال التشاركية السياسية، وستتكتل الطوائف على نفسها بدلاً من الانفتاح والتعاون بين الأفراد من مختلف المجموعات، مؤدية إلى زيادة الانقسامات والتصدعات الاجتماعية.

بالاعتماد على النموذج الثاني، «الاستقلال القومي الثقافي»، تقترح المسودة الروسية تشكيل أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي، واعتبار اللغتين العربية والكردية رسميتين فيها. بهذا الاقتراح تحاول المسودة الروسية الفصل بين السياسي والثقافي من خلال إعطاء الأكراد الاستقلال القومي الثقافي فقط، دون الحصول على الاستقلالية الكاملة في اتخاذ القرارات السياسية العامة للمناطق التي يتواجدون فيها.

هذه الأجهزة يمكن اعتبارها كمجموعات المصالح الثقافية (Cultural Interest Groups) التي تعمل فقط لتحقيق مصالح الأكراد في مسائل تتعلق بتعلم اللغة الكردية أو إدارة شؤون الأكراد الثقافية. وهذه تختلف عن مجموعات المصالح الاجتماعية (Social Interest Groups) كالنقابات ومنظمات المجتمع المدني، التي يجب أن تعمل لمصالح الشعب بالكامل بغض النظر عن الانتماءات القومية.

خلافًا لنموذج التشاركية النسبوية الذي يعتمد على النخبوية في التوصل إلى تسويات سياسية، يُعتبر نموذج الاستقلال القومي الثقافي بديلاً يركز على المزج بين حقوق الأقليات والحقوق الشخصية للأفراد، مع ترك فرصة ومخرج قانوني للأشخاص الذين لا يودون الانتماء أو العمل تحت سقف أجهزة الحكم الذاتي التابعة لأحد الجماعات. كما أن هذا النموذج يدعم مبدأ الحل من الأسفل (Botton-up Solution) من خلال إعطاء الجماعات والأفراد فرصة أكبر للمشاركة واتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونهم الداخلية (حتى ولو أنها تقتصر على مستوى معين).

إن زيادة فرص المشاركة والنشاط الاجتماعي لأفراد المجتمع قد تساعد على المدى الطويل في كسر حالة الجمود السياسي، وسحب الشرعية من النخب الاجتماعية والسياسية التقليدية، وبالتالي تخلق فرصة أكبر للتطور والتغيير السياسي والاجتماعي. كما أن مبدأ فصل الثقافي عن السياسي، أي فصل مجموعات المصالح الثقافية (Cultural Interest Groups) عن مجموعات المصالح الاجتماعية (Social Interest Groups)، يعطي استقلالية خاصة للجماعات فيما يتعلق بالشؤون الثقافية، ولكنه يُبقي في الوقت نفسه على مساحة كبيرة للتعاون والتواصل بين أفراد الجماعات المختلفة للتعامل مع المسائل الأخرى التي تتعلق بالمصالح السياسية المشتركة للمجتمع ككل.

هذا النموذج قد يكون مناسباً أكثر للحالة السورية من النموذج الأول. فبالنظر إلى البنية الاجتماعية ومشكلة الطائفية والعصبية القومية المتجذرة في المجتمع السوري، يمكن أن يقدم نموذج الاستقلال القومي الثقافي حلاً وسطياً من خلال الاعتراف بحقوق الأقليات (الشيء الذي لا يمكن ولا يجب تجاهله في سوريا)، ولكن في الوقت نفسه الفصل بين الثقافي والسياسي، وإتاحة هامش أوسع للأفراد في حرية الانتماء والتنظيم الاجتماعي أو السياسي.

إن مبدأ التساوي في الحقوق السياسية بين جميع المواطنين بعيداً عن الانتماءات القومية أو الطائفية، أمرٌ ضروريٌ ومهمٌ لدعم الهوية السورية على حساب الهويات الأخرى التي ينبغي أن تندرج تحتها. كما أنه بالنظر إلى المسألة الكردية بشكل خاص، يمكن اعتبار هذا النموذج حلاً وسطاً واقعياً بين الفيدرالية المناطقية التي تسعى لها بعض القوى الكردية، والمركزية المطلقة التي ما يزال النظام والعديد من أطياف المعارضة متشبثين بها. ستكون الفيدرالية المناطقية صعبة المنال بالنسبة للأكراد ضمن حالة الرفض التركي34 والإيراني ورفض الأطراف السورية (النظام ومعظم أطياف المعارضة)، كما أن المركزية بشكلها القديم لم تعد مجدية وممكنة التطبيق، في ظل غياب هيكلية مؤسساتية قوية ودولة تمتلك الشرعية الشعبية.

في النهاية لا بدّ من القول إن المسودة الروسية تتضمن مجموعة من النقاط تحاول تقديم حلول دستورية للعديد من المسائل المتعلقة بحقوق الأقليات ومسألة تمثيلها السياسي، وهي مسودة تستحق النقاش والطرح، خاصة في ظل تجاهل الأطراف السورية المتنازعة للواقع السوري الراهن، واقتصار هذه الأطراف على ترديد شعارات وطنية وخطابات سياسية بعيدة كل البعد عن الواقعية والموضوعية في مقاربة المسائل الاجتماعية والسياسية. ولكن في الوقت نفسه لا بدَّ من التأكيد على ضرورة إفساح المجال لتبادل الرؤى والآراء بين جميع مكونات المجتمع، ومنح الشعب السوري بكل أطيافه الوقت الكافي لصياغة دستوره الذي يعتبر الوثيقة القانونية الأهم، التي ستحدد شكل العقد الاجتماعي السوري الجديد.

1. موسكو حول الدستور السوري الجديد: لا نفرض أفكارنا على أحد، موقع روسيا اليوم (26.01.2017).

2. لم يتم العثور في الإنترنيت على نسخة كاملة لمسودة الدستور، وإنما تم نشر مواد محددة منها فقط.

3. المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري: البرلمان ينحي الرئيس، موقع روسيا اليوم (26.01.2017).

4. قرار مجلس الأمن رقم 2254، الأمم المتحدة 2015.

5. نيمني 2013، ص 1-5.

6. انظر هذه المقالة التي تعرض بشكل مختصر لتطور مفهوم الدولة القومية Nation-State.

7. ميناهان 1996، ص XVII.

8. What are the Member States? United Nations

9. لايفرت 2002. نيمني 2005 و2013.

10. نيمني 2013، ص 12.

11. نيمني 2013، ص 12.

12. المرجع السابق، ص 10. ترجمة النص للكاتب.

13. غويمانز 2013، ص 38.

14. نيمني 2013، ص 4 حتى 7.

15. المرجع السابق، ص 1.

16. نيمني 2005 و2013.

17. بسبب عدم وجود ترجمة واضحة للمفهوم باللغة العربية، تمت ترجمة المفهوم من قبل الكاتب بالاعتماد على المبادئ التي يستند إليها المفهوم.

18. Democracy in Plural Societies: A Comparative Exploration/ 1977.

19. نيمني 2005، ص 6 و7.

20. يميز لايفرت بين الديموقراطية التشاركية النسبوية (consociational democracy) والديموقراطية التوافقية (consensus democracy) التي قام لاحقاً بتطوريها وتعتبر توسيعاً للأولى.

21. إيفرت 2002، ص 37.

22. المرجع نفسه، ص 39. ترجمة النص للكاتب.

23. المرجع نفسه، ص 39 و52. كمثالٍ على ذلك: أن يتم توزيع الدعم الحكومي للنظام التعليمي للمناطق بحسب نسبة الطلاب المسجلين في كل منطقة.

24. المرجع نفسه، ص 50. ترجمة النص للكاتب.

25. رِنِر 1899/2005، ص 24 و25.

26. المرجع نفسه، ص 25.

27. للاطلاع أكثر على تجربة روسيا الاتحادية في الاستقلال القومي الثقافي، يمكن قراءة الأوراق البحثية لـ الكساندر أوسيبوف.

28. رِنِر 1899/2005، صفحة 27. ترجمة النص للكاتب.

29. نيمني 2005، ص 10 و11.

30. المرجع السابق، ص 25.

31. غويمانز 2013، ص 25 حتى 29.

32. أوسيبوف 2013، ص 135. ترجمة النص للكاتب.

33. محاضرة للدكتور عزام أمين تحت عنوان «سورية والهوية الطائفية والإثنية» (03.06.2016).

34. يمكن الاطلاع على الورقة البحثية لـ غنغيز غونس (Gengiz Gunes) الذي يقترح الاستقلال اللامناطقي الثقافي كحل واقعي للتعامل مع حقوق الأكراد في تركيا.

المراجع:

_ Goemans, Piet (2013) “National Cultural Autonomy: Otto Bauer’s Challenge to Liberal Nationalism’’ in Nimni, Ephraim et al.  (eds.) “The Challenge of Non-Territorial Autonomy” Peter Lang AG, International Academic Publishers, Bern, Switzerland.

_ Lijphart, Arend (2002) “The Wave of Power-Sharing Democracy” in Reynolds, Andrew “The Architecture of Democracy: Constitutional Design, Conflict Management, and Democracy” Oxford University Press, Oxford, UK.

_ Minahan, James (1996) “Nations without States: Historical Dictionary of Contemporary National Movement” Westport, CT: Greenwood Press.

_ Nimni, Ephraim (2005) “National Cultural Autonomy and its Contemporary Critics” Routledge, Taylor & Francis Group, London and New York.

_ Nimni, Ephraim (2013) “The Conceptual Challenge of Non-Territorial Autonomy’’ in Nimni, Ephraim, et al (eds.) “The Challenge of Non-Territorial Autonomy” Peter Lang AG, International Academic Publishers, Bern, Switzerland.

_ Osipov, Alexander (2013) “Non-Territorial Autonomy as a Way to Frame Diversity Policies: The Case of Russia’’ in Nimni, Ephraim et al.  (eds.) “The Challenge of Non-Territorial Autonomy” Peter Lang AG, International Academic Publishers, Bern, Switzerland.

_ Renner, Karl (1899/2005) “State and Nation” in Nimni, Ephraim (eds.) “National Cultural Autonomy and its Contemporary Critics” Routledge, Taylor & Francis Group, London and New York.

موقع الجمهورية

—————————–

المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري: البرلمان ينحي الرئيس

نشرت وكالة “سبوتنيك” جزءا من المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري الجديد، وهي تضيف لصلاحيات البرلمان إعلان الحرب وتنحية الرئيس وتعيين حاكم المصرف المركزي وتعيين المحكمة الدستورية.

    المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري: البرلمان ينحي الرئيس

    موسكو حول الدستور السوري الجديد: لا نفرض أفكارنا على أحد

    متى ستنتهي ولاية الأسد الرئاسية بحسب المسودة الروسية للدستور؟

وكان الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانا حول سوريا، التي جرت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، قد وزّع مشروعه المقترح للدستور السوري. وسبق لموسكو أن أعلنت، في مايو/أيار الماضي، أنها تعد مثل هذا المشروع، انطلاقا من نتائج مشاوراتها مع أطراف النزاع السوري ودول المنطقة.

صلاحيات الرئيس والبرلمان

تقترح المسودة توسيع صلاحيات البرلمان السوري بقدر كبير على حساب صلاحيات الرئيس السوري.

وجاء ذلك في المادة 44 من مسودة المشروع، إذ ورد فيها “تتولى جمعية الشعب الاختصاصات الآتية: إقرار مسائل الحرب والسلام، تنحية رئيس الجمهورية من المنصب، تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، تعيين رئيس البنك الوطني السوري وإقالته من المنصب”.

يذكر أن الدستور السوري الحالي لا يمنح البرلمان هذه الصلاحيات.

ولم تشر المسودة الروسية إلى حقّ رئيس الجمهورية بحلّ المجلس النيابي، كما لم تشر إلى إمكانيته تعيين نائب رئيس له، وهما من حقوق الرئيس المسجلة في الدستور الحالي.

ويمنح الدستور السوري الحالي الحق لرئيس الجمهورية بـ”حل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه”، وأن “يسمي نائباً له أو أكثر، وأن يفوضهم ببعض صلاحياته”.

وتقترح المسودة الروسية منح رئيس الجمهورية صلاحية إعلان الاستفتاء حول المصالح العليا للبلاد.

وجاء في المادة 59 للوثيقة : “يحق لرئيس الجمهورية إعلان الاستفتاء العام حول المواضيع المهمة والتي تخص المصالح العليا للبلد، وتعد نتائج الاستفتاء إلزامية وتدخل حيز التنفيذ اعتبارا من تاريخ إعلانها من قبل رئيس الجمهورية”.

وتقترح المسودة الروسية الإبقاء على مدة ولاية رئيس الجمهورية والمحددة بسبع سنوات مع إمكانية الترشح لولاية واحدة تالية.

وجاء في البند الأول والثاني من المادة 49: “ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية من قبل مواطني سوريا في انتخابات عامة ومتساوية ومباشرة وسرية، ولا يجوز إعادة انتخاب نفس الشخص إلى منصب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”.

حصص للأقليات وإزالة الإشارة إلى “العروبة”

وتقترح المسودة الروسية إزالة تعابير تشير إلى عربية الجمهورية السورية وإحلال اسم “الجمهورية السورية” للتشديد على ضمان التنوع في المجتمع السوري.

ويؤكد البند الأول من المادة الأولى: “تكون الجمهورية السورية دولة مستقلة ذات سيادة وديموقراطية تعتمد على أولوية القانون ومساواة الجميع أمام القانون والتضامن الاجتماعي واحترام الحقوق والحريات ومساواة الحقوق والحريات لكافة المواطنين، دون أي فرق وامتياز”.

ويقول البند الثالث من هذه المادة نفسها: “بصفة التراث الوطني الذي يعزز الوحدة الوطنية، يتم ضمان التنوع الثقافي للمجتمع السوري”.

كما اقترحت المسودة الروسية لمشروع الدستور السوري الجديد جعل تغيير حدود الدولة ممكناً عبر الاستفتاء العام، واعتبار اللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته.

وجاء في البند الثاني من المادة التاسعة لمسودة المشروع: “أراضي سوريا غير قابلة للمساس، ولا يجوز تغيير حدود الدولة إلا عن طريق الاستفتاء العام الذي يتم تنظيمه بين كافة مواطني سوريا وعلى أساس إرادة الشعب السوري”.

فيما جاء في البند الثاني من المادة الرابعة “تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين.

وتشير المسودة الروسية إلى ضرورة مراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا في التعيينات الحكومية، مع تخصيص بعض المناصب لتمثيل الأقليات.

وجاء في البند الثالث من المادة 54 للمسودة: “يكون التعيين لمناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء تمسكا بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية، ويحق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء التشاور في هذا الخصوص مع ممثلي جمعية الشعب والمناطق”.

مكانة القوات المسلحة

تشدد المسودة على عدم جواز استخدام القوات المسلحة في المجال السياسي واضطهاد السكان أو عملية انتقال السلطة.

وجاء في البند الرابع من المادة العاشرة بالمسودة: “تكون القوات المسلحة وغيرها من الوحدات المسلحة تحت الرقابة من قبل المجتمع وتحمي سوريا ووحدة أراضيها، ولا تستخدم كوسيلة اضطهاد للسكان السوريين ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية ولا تلعب دورا في عملية انتقال السلطة”.

أولوية القانون الدولي

تؤكد المسودة على سمو القانون الدولي والمعاهدات التي تقرها سوريا واعتبارها جزءاً أساسياً من النظام القانوني للدولة.

وجاء في البند الثالث من المادة السابعة بالمسودة: “تكون مبادئ وأحكام القانون الدولي المعترف بها ومعاهدات سوريا الدولية جزءا لا يتجزأ من نظامها القانوني”.

يذكر أن الدستور الحالي للجمهورية العربية السورية يخلو من أي إشارة إلى المعاهدات الدولية والتزام الدولة بها.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أوضح أن الجانب الروسي  وضع هذا المشروع مع الأخذ بعين الاعتبار ما سمعه طوال السنوات الماضية من الحكومة والمعارضة ودول المنطقة.

هذا وأكدت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن موسكو لا تحاول فرض أفكار ما على أحد، إنما يكمن الهدف من مبادرتها في تحفيز السوريين، لكي يبدؤوا مناقشة هذا الموضوع، فـ “لن يطرح أي من الطرفين أبدا مشروعا يمكن اعتماده كأساس، إنه أمر مستحيل”.

المصدر: سبوتنيك

اوكسانا شفانديوك

———————–

بين دستور بريمر ودستور ديمستورا ـ بيدرسون: هواجس ومآلات محتملة/ سمير العبد الله

بعد احتلال العراق عام 2003 سارعت أميركا إلى جمع بعض الأشخاص كممثلين للشعب العراقي من كل مكوناته وأطيافه، ليوافقوا على دستور تم إعداده سابقاً من طرف بول بريمر الحاكم المدني للعراق بعد احتلاله، وتمت الموافقة على ذلك الدستور، ولم يدرك وقتها العراقيون خطورة ما يتضمنه هذا الدستور من مواد مزقت وحدة العراق، وخاصة مسألة تقاسم السلطة طائفياً وعرقياً، وإنشاء إقليم كردي في شمال العراق، وصار العراقيون في الدستور الجديد ليسوا أبناء شعب واحد، بل تم تقسيمهم طائفياً وعرقياً، أصبحوا جماعات طائفية وعرقية، وهذه الجماعات هي الطريق الوحيد للتعامل مع الدولة، بدلاً من أن تكون المواطنة هي الرابط بين المواطن والدولة.

دستور بريمر تمت الموافقة عليه بعد اتفاق المكون الشيعي والمكون الكردي، وأعطى الدستور ممثلي المكونات فيتو على أي تعديل دستوري لا يوافقون عليه، حيث نص الدستور على أن أي تعديل يجب أن يحظى بموافقة ممثلي الطوائف والإثنيات، وهذا ليس من السهل تحقيقه، مما جعل تعديل أي مادة دستورية بعد ذلك عملية شبه مستحيلة.

وكما يقول المثل العربي “العاقل من اعتبر بغيره”، وخاصة أن الحالة العراقية مشابهة في كثير من النواحي للحالة السورية، فالتركيبة العرقية والطائفية متشابهة إلى حد ما، والمشكلات التي عانى منها العراق وتعاني منها سوريا حالياً أيضاً متشابهة في بعض جوانبها.

ومن أهم أوجه التشابه بين ما جرى في العراق ويجري حالياً في اللجنة الدستورية السورية:

طريقة تشكيل اللجان الدستورية، ففي العراق تم تشكيل لجنة من خلال التمثيل الطائفي والعرقي وليس من خلال تمثيل حقيقي وانتخاب للأعضاء، أو اختيار أهل الاختصاص، وهذا ماجرى أيضاً في اللجنة الدستورية السورية من تقسيم اللجنة لثلاثة أقسام، قسم للمعارضة، وقسم للنظام، وثالث لممثلي المجتمع المدني اختارتهم الأمم المتحدة، فممثلو المعارضة لا تُعرف الطريقة التي تم بها الاختيار، ونتج عنها ممثلين نسبة الكفاءات الدستورية بها قليلة مقارنة باللجنة الممثلة للنظام، وكثيرٌ من المكونات والتجمعات السياسية أعلنت عدم وجود ممثلين لها في اللجنة، أما ممثلو النظام فتم اختيارهم حسب الولاء، وعلى الرغم من ذلك كان مستوى الكفاءات الدستورية بها أكبر من ممثلي المعارضة، والقسم الثالث كان من اختيار المبعوث الدولي السابق ديمستورا، وعدد لابأس به منهم من المقيمين خارج سوريا منذ سنوات طويلة، وهم بعيدون عن مشكلات المجتمع السوري.

مسألة المركزية أو اللامركزية أو الفيدرالية، فالدستور العراقي في المادة 115 ذكر صلاحيات حكومة المركز، وحكومات الأقاليم، ففي حالة الاتفاق على تبني الفيدرالية في سوريا من الممكن أن تؤسس لتقسيم سوريا في ظل الظروف الحالية، أو على الأقل ستعيش سوريا مشكلات مشابهة لما يشهده العراق، وخاصة الاستفتاء الذي جرى في إقليم كردستان العراق على الانفصال.

مسألة الدين والعلمانية، والمؤسسات والتمثيل الطائفي وتقاسم السلطة، وعلى الرغم مما يبدو من تصريحات أغلب الأطراف السورية بأن هناك اتفاق على علمانية الدولة، لكن ستكون العلمانية وفق أي منظور، فنماذج العلمانية عديدة في العالم، ولكل مجتمع خصوصياته، وهذه القضية ستواجه معارضة كبيرة في ظل الاحتقان الطائفي الحالي في سوريا.

مسألة الفصل بين السلطات وصلاحيات كل سلطة، وهذه من أهم القضايا، ومن المستبعد أن يتم التوافق حولها، كذلك شكل نظام الحكم، فالنظام الرئاسي مطبق في سوريا منذ عقود، والانتقال لشكل آخر كالنظام البرلماني أو شبه الرئاسي سيولد في بدايته معضلات كبيرة ليس من السهل تجاوزها، وهذا ما يعيشه العراق حتى الآن بعد 17 سنة من الدستور، فكل هذه المسائل تحتاج لحالة من الاستقرار وحوار مجتمعي للوصول لتوافق حولها،

لم يتم تنفيذ أي شيء من القرار 2254 حتى الآن، وروسيا أرادت استغلال الوقت وحرف القرار عن مساره، ورغم تكرار اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة والتي تضم 45 عضوا، 15 لكل طرف، وتأجيل كثير منها بسبب فيروس كوفيد 19، مازال العمل ببدايته، ويبدو أنه يحتاج لسنوات إذا استمر بهذا الشكل، في ظل غياب جدول زمني محدد، فهناك كثير من المقترحات التي قدمتها المعارضة أو النظام، لكن يبدو أنه من الصعب أو حتى من المستحيل أن تنال موافقة الطرف الآخر، وهذا يعني أن هذه اللجنة سوف تبقى تسير في حلقة مفرغة، ولن تصل لنتيجة.

وفي ظل غياب التمثيل الحقيقي لكل المكونات السورية، أعتقد أنه ينبغي عدم الخوض في قضايا جوهرية، فالوضع السوري في ظل الانقسامات الطائفية والصراع العسكري، ليس وضع مثالي لإعادة النظر بها، كذلك لا توجد في سوريا إحصاءات دقيقة لنسبة كل مكون، وكل ما يتم تداوله من نسب هو عبارة عن أرقام تقديرية، مع فوارق كبيرة مع ما يدعيه المكون نفسه من نسبته السكانية، ومع ما تدعيه المكونات الأخرى.

قد يكون الحل الأسلم والأسرع هو الاعتماد على الدساتير السابقة، وخاصة دستور 1950 الذي يُعد أكثر الدساتير توافقياً، وتعديل بعض المواد الإشكالية به، وإضافة أو تعديل مواد تتوافق مع العصر الحالي، وأن يكون دستورا مؤقتا، يتم إعادة النظر به بعد 5 سنوات من استقرار الأوضاع، ليتم التوافق على دستور دائم، وتطرح وقتها كل هذه القضايا الجدلية للحوار المجتمعي للوصول لتوافق حولها، فالدستور يجب أن يكون توافقياً لأنه العقد الاجتماعي الذي يحدد العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ولا يكفي أن توافق عليه الأغلبية فقط.

فالمجتمع السوري بحاجة أكبر حالياً لإيجاد حل سياسي وحل لمشكلاته الاقتصادية، أكثر من الخلاف على قضايا دستورية ليس هناك ضامن حتى الآن أنه سيتم التوافق أو تطبيق هذا الدستور في حال كتابته، أو أن يلقى موافقة شعبية، فالمشكلة في سوريا لم تكن دستورية بالمقام الأول، بالقدر الذي كانت مسألة احترام الدساتير والالتزام بها.

فالتعجل بوضع دستور كما حصل بالتجربة العراقية قد يكلف السوريين سنوات طويلة بعدها من التمزق، فالعراقيون وبعد 17 سنة من الدستور لم يتمكنوا من إجراء أي تعديل جوهري على تلك المبادئ الدستورية التي وضعها دستور بريمر، على الرغم من الفشل الذي اكتنف كل مؤسسات الدولة العراقية، وتفشت الطائفية والعرقية بشكل أكبر، مما جعل البلد ممزقاً أكثر مما كان عليه في السابق.

هناك كثير من الدول عاشت كذلك تجارب مشابهة للحالة السورية ويمكن الاستفادة من تجارب الدول، وكلها لجأت لخيار الدستور المؤقت للبلاد، ريثما يتم التوافق على الدستور الدائم الذي يتطلب أجواء من الاستقرار والتوافق، وهو الخيار الأنسب لسوريا، لأن المرحلة الانتقالية تحتاج هيئات وسلطات وصلاحيات انتقالية كون البلد خارج من حالة حرب.

وتشكيل اللجنة الدستورية لابد أن يكون عبر مؤسسات منتخبة بشكلٍ ديمقراطي، وأن يكون له آليات محددة للاختيار من تمثيل جغرافي، وتمثيل لجميع مكونات الشعب من دون تهميش أو إقصاء، وخاصة أن أحد أسباب ما جرى بسوريا هو شعور بعض فئات الشعب بالتهميش، وأن كل ما يصدر من دساتير وقوانين لا تعبر عنهم وتمثل تطلعاتهم، حيث يتبين من الأسماء ضعف الخبرة لدى القسم الأكبر، وقائمة المجتمع المدني تم تغييرها عدة مرات، وتم تفريغها من جميع الخبراء الدستوريين.

سمير العبد الله

تلفزيون سوريا

———————

اللعب الروسي… حشَفًا وسوء كِيْلَةٍ!

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

غيّرت روسيا لعبة النظام، من الرفض المطلق لأيّ تعاون مع المجتمعَين العربي والدولي لوضع حدّ للكارثة السورية، إلى الموافقة الشكلية والتعطيل العملي؛ حيث رأينا مسار الحل السياسي يهبط من جنيف، إلى أستانا ثم سوتشي والمصالحات مع التهجير والقصف والموت، وأخيرًا إلى تعطيل تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، واللعب بتفسيره بغية إفراغه من محتواه، وتجاهل كل ما ورد فيه، واختزاله بمجرد لجنة دستورية بتركيبة تجعلها عاجزةً عن الوصول إلى أي نتيجة، وحتى إن وصلت، فثمة مجاهيل كثيرة هي بمنزلة “فِخاخ روسية” للعملية السياسية. ومع كل ذلك، هناك مَن يُعوّل على هذا المسار المجتزأ، ويرى أنه المسار الوحيد المتاح للوصول إلى حلّ سياسي للكارثة السورية.

فدعونا نسلّط الضوء على هذا المسار، وعلى ما يمكن أن ينتج عنه.

اشتمل نص القرار 2254 على 16 فقرة و1500 كلمة، وكان جزءٌ من إحدى الفقرات ينصّ على صياغة دستور جديد وانتخابات حرة ونزيهة. ولكنّ ما يجري هو تجاهلٌ لكلّ ما ورد في القرار، ما عدا تلك الجمل القليلة.

لنذكّر بما جاء في القرار، حيث ينصّ على تأييد بيان جنيف الصادر في 30 حزيران/ يونيو 2012، ويقرّ بدور الفريق الدولي، باعتباره المنبر الرئيس لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية، كما ينصّ على كفالة الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف، والالتزام بوحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي. وطلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة أن يدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول، على وجه السرعة، في مفاوضات رسمية، بشأن عملية انتقال سياسي، عملًا ببيان جنيف، وتماشيًا مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة؛ تقيم حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وينصّ على وقف فوري للهجمات الموجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية، وعلى اتخاذ جميع الأطراف الخطوات الملائمة لحماية المدنيين، وإتاحة إمكانية وصول الوكالات الإنسانية السريع والمأمون وغير المعرقل، إلى جميع أنحاء سورية، عبر أقصر الطرق، وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا، إلى مناطقهم الأصلية، وتأهيل المناطق المتضررة.

فأين مسار اللجنة الدستورية من كلّ هذا؟ وهل يجوز اختزال كلّ ما ينصّ عليه القرار 2254، واختزال العملية السياسية التي تتصدّى لكارثة مستمرة منذ عشر سنوات، بمجرد “لجنة دستورية” تضع نصّ دستور، وتوفر انتخابات معروفة النتائج، إذا ما أدارتها وزارة داخلية النظام؟!

يبدو أن الجميع يتجاهل كلّ ما تضمنّه القرار، عدا الدستور والانتخابات. حتى فقرة الدستور والانتخابات هذه يُترك للروس والنظام أن يتحكّما فيها، ويُعرقلا أيّ تقدّم بشأنها. وهذا ما يذكرني بالمثل العربي القديم: “أَحَشَفًا وسوء كِيْلَةٍ”!

ولمزيدٍ من التحديد والتبيين، سنطرحُ الأسئلة التي ستواجه مسار اللجنة الدستورية، والتي يتجنب أصحاب الشأن طرحها.

    بداية، لا يُعدّ النظام أو وفده المشارك في اللجنة الدستورية ممثلًا له، بل مدعومًا منه وحسب، وهذا تمهيد لرفض أيّ نتيجة لا توافق هواه، إن استطاع. وفي حال اضطرار النظام إلى تسهيل عمل اللجنة الدستورية، فهو يدفع باتجاه تعديلات على دستور 2012، ليمنح دستوره هذا شرعية، وهو دستور غير شرعي، بكل المقاييس، والغاية من هذا الدفع أن يكون من حقّ مجلس الشعب السوري الحالي مناقشة التعديلات والتصويت عليها، قبل دفعها إلى الاستفتاء العام، أي إنه يريد خلق عراقيل إضافية. وحتى في حال إرغام الروس للنظام وإنتاج دستور جديد، فلا نعلم شيئًا عن محتواه الآن.

    ما المقصود بعبارة “انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة” التي وردَت في القرار 2254؟ هل هي رقابة صوريّة لا تصمد أمام إرادة تزوير الانتخابات؟ أم إدارة مباشرة تتحكم في كلّ شاردة وواردة في العملية الانتخابية؟ فثمة فروقات بين الإشراف والرقابة والإدارة، وهي تؤدي إلى نتائج متناقضة: بين إعادة تأهيل النظام وشرعنته دوليًا، لأنها جرت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبين أن تؤدي إلى انتقال سياسي حقيقي، إلى نظام ديمقراطي تعددي يقوم على حقوق الإنسان وحريته واحترام كرامته.

    هل ستشكل الأمم المتحدة هيئةً تشرف على الانتخابات السورية وتديرها؟ أم ستترك لأجهزة الدولة السورية الحالية إدارتها، مع رقابة أممية لن تغيّر في واقع الأمر شيئًا، ولنا في مهزلة انتخابات بشار الأسد سنة 2014 مثال ظاهر، عندما قام المرشح الصوري المنافس ذاته “حسان النوري” بالتصويت لبشار الأسد، وقد تفاخر بذلك.

    هل يجوز أن يُوضع دستور، والأراضي السورية مقسّمة بين النظام وPYD، والنصرة، ومناطق السيطرة التركية؟ وهل يمكن أن تُجرى انتخابات في مثل هذه الظروف؟! أم يجب توحيد البلاد تحت سلطة واحدة محايدة تجاه العملية الانتخابية أولًا، وإعادة الاستقرار ثانيًا، وهذا الأمر يحتاج إلى مرحلة انتقالية لا تقلّ مدتها عن سنتين حتى ثلاث سنوات عبر قرار أممي؟

    نصَّ القرار على أن “تشمل الانتخابات جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، حتى أولئك الذين يعيشون في المهجر”، فهل يمكن أن تُجرى انتخابات ديمقراطية، قبل إعادة 6 ملايين لاجئ من خارج سورية، أو إعادة من يرغب منهم في العودة الطوعية، من بعد تهيئة ظروف مناسبة لعودتهم، وأيضًا عودة 6 ملايين مهجّر داخلي، إلى منازلهم؟

    نصّ القرار 2254 على أن تكون “الانتخابات حرّة ونزيهة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة ولأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة”، ومن المعروف أن الانتخابات الديمقراطية والشفافة والحرة والنزيهة تشترط حيادية السلطة السياسية وحيادية أجهزة الدولة كافة، تجاه العملية الانتخابية وتجاه المرشحين، والسؤال هنا: كيف تكون الانتخابات حرة ونزيهة، في حال كون السلطة الحاكمة ليست حيادية! فمن المعروف أن نتائج الانتخابات -إذا جرت في الظروف القائمة الآن- ستكون في مناطق النظام إلى جانب الأسد، وفي مناطق سيطرة النصرة وحلفائها، ستكون إلى جانب مرشح النصرة، هذا إذا قررت المشاركة، وأما مناطق شرق سورية فسيتحكم PYD في نتائجها، وستكون لمصلحة الأسد، إذا قبضوا ثمنها سياسيًا من الأسد. وببساطة: إن شرط انتخابات حرة ونزيهة هو حيادية السلطة القائمة تجاه الانتخابات، وهذا -كما يبدو- بعيدٌ من التحقق الآن.

    من سيُعِدّ قوائم الناخبين؟ هل ستعدّها وزارة الداخلية بطاقمها الحالي؟ وجميعنا يعلم ما يعنيه هذا! وماذا عن المعتقلين وعن المختفين وعن الأموات وعمّن بلغ السنّ القانونية للانتخاب في السنوات العشر المنصرمة، ولا يملك وثيقة تثبت شخصيته، ويبلغ تعداد هؤلاء الملايين، وهم موجودون غالبًا في بلدان اللجوء، وفي المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام؟ وكيف ستعالج هذه القوائم؟ ومن سيعالجها، ونحن نعلم أن نتائج المعالجة ستتوقف على من سيعالجها ويتحكم في قرارها!

    من هي الجهة التي ستدعو للانتخابات، أهي هيئة مشكَّلة من الأمم المتحدة؟ أم رئيس مجلس الشعب السوري الحالي، أم وزير داخلية النظام؟ وإلى مَن ستُقدّم طلبات المرشحين، سواء كان النظام برلمانيًا أم رئاسيًا أم مختلطًا وفق الدستور الجديد، ونعلم بالطبع أن الأسد سيسعى للحفاظ عليه نظامًا رئاسيًا مستبدًا كما كان؟ وهل ستتولى المحكمة الدستورية الحالية قبول طلبات الترشيح وإجازتها؟ وهل على المرشح للرئاسة أن ينال تأييدًا خطيًا لترشيحه، من خمسة وثلاثين عضوًا (على الأقل) من أعضاء مجلس الشعب الحالي، كما في دستور 2012؟ ومن سيضمن عدم تهديد الناخبين، ونحن نرى أجهزة الأمن مستمرّة في الاعتقال التعسفي والإخفاء والتصفية؟

    هل ستتوفر شروط تأمين حرية الدعاية والإعلان والاجتماع للمرشحين، في حال كانت السلطات المسيطرة على المكان غير محايدة تجاه العملية الانتخابية؟

    من سيقرر عددَ صناديق الاقتراع ويحدد أماكنها؟ ومن يقرر من سيقف عليها؟ ومن سيتولى حراستها؟ هل هو وزارة الداخلية الحالية؟

    أين ستكون مراكز الاقتراع في دول اللجوء الكثيرة؟ هل ستكون في السفارات والقنصليات السورية الحالية، كما يصرّح الروس في لقاءاتهم؟ وكيف يمكن إحضار مليوني ناخب في تركيا إلى صندوقين في أنقرة وإسطنبول؟ وأكثر من نصف مليون ناخب في لبنان إلى صندوق واحد في بيروت؛ ونصف مليون ناخب في الأردن إلى صندوق واحد في عمان؛ ونحو ربع مليون ناخب في ألمانيا إلى صندوق واحد في برلين؟! ألن يؤدي مثل هذا الترتيب إلى حرمان اللاجئين السوريين من حقهم في التصويت، لأن معظمهم معادون للنظام ومعارضون لإعادة انتخاب الأسد؟

    من سيتولى عدّ أصوات الناخبين وإحصاءها في الصناديق وتثبيت نتائجها؟ وكيف نضمن نزاهة العدّ وتثبيت النتائج الصحيحة؟ ومن سيصدّق على النتائج ويعتمدها؟ ومن سيعلنها؟ ومن سينظر في طعون التزوير؟ أهم أولئك الموظفون الذين تولوا هذه الأعمال في انتخابات زوّرت إرادة السوريين على مدى ستة عقود؟!

الروس والنظام يقولون: وزارة الداخلية السورية ستنظم الانتخابات تحت رقابة الأمم المتحدة، رقابة وليس إدارة، والتصويت خارج سورية سيكون في السفارات والقنصليات السورية، ولن تفتح مراكز اقتراع في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، إلا إذا عادَت إلى سيطرتها. وهنا لسنا بحاجة إلى القول إن النتائج في هذه الحالة مضمونة سلفًا، وسيحدد بشار الأسد نسبة الفوز التي يراها مناسبة، كما فعل ثلاث مرات من قبل، وكما فعل أبوه طوال ثلاثة عقود. وإذا جرت هذه المهزلة تحت إشراف الأمم المتحدة، فإنها ستُعدّ “انتخابات شرعية”، وستقول روسيا للعالم: ها قد فاز الأسد بانتخابات شرعية تحت إشراف الأمم المتحدة، فتفضّلوا أعيدوا شرعنة النظام وافتحوا سفاراتكم وارفعوا الحصار، وساهموا في دعم السلطة الشرعية الجديدة وفي إعادة الإعمار.

على الرغم من كل هذه المحاذير والفِخاخ، ثمة أوساط معارضة عديدة تروّج -تحت قناع الواقعية- أن المجتمع الدولي لا يتحدث بغير “اللجنة الدستورية والدستور والانتخابات”، وأن ما هو أكثر من ذلك غيرُ متاح. وردًّا على هذه الواقعية المخجلة؛ نقول: إن القرار 2254 أوسعُ من هذا الفخ الروسي بكثير، وهذه حقيقة لا يجوز التخلي عنها، ويجب التمسك بمجمل ما جاء في القرار، لا بجملة تنصّ على دستور وانتخابات. فأبسط المبادئ هي ان القرارات تؤخذ بكليتها، لا بأخذ جزء وترك أجزاء بحسب مصالح أحد الأطراف، والقرار 2254 بكليته يعني ان تتولى الأمم المتحدة، كسلطة محايدة، إدارة عملية الانتقال السياسي في سورية، وعبارة “بأيدي سورية” لا تعني النظام (وهذا هو التفسير الروسي، بل تعني ان تشكل فرقًا من الكفاءات السورية التي تمثل مختلف أطباف/مكونات المجتمع السوري ومناطق سورية الموحدة، تحت سلطة الأمم المتحدة لتنفيذ كل ما جاء في القرار 2254.

إن القرار 2254 يتضمّن فقرات عديدة، أكثر أهمية من مجرد دستور وانتخابات يسعى الروس لجعلها فخًا. وبناء على ذلك؛ يجب أن تتولى الأمم المتحدة إدارة العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، كسلطة محايدة، عبر فرق من الكادرات السورية، ومستعينة بعاملين من مؤسسات الدولة ممن يتصفون بالحياد والموضوعية، تدعمهم خبرات دولية، بدءًا من إعداد قانون انتخابات جديد، وأن تشكّل هيئة لإدارة الانتخابات، تتولى إعداد قوائم الناخبين على نحو سليم مستعينة بوزارة الداخلية السورية، وتزويد جميع السوريين بوثائق صحيحة ببطاقات هوية وجوازات سفر لست سنوات من دون تمييز وبرسم بسيط، وأن تتولى إجازة المرشحين، وإدارة صناديق الاقتراع وضبطها وتوفيرها بأعداد كافية، في كل الأماكن داخل سورية، وكذلك في بلدان اللجوء، مع توزيع يتيح للجميع المشاركة السهلة، وأن يتولى مندوبوها الوقوف على الصناديق، وعدّ الأصوات، وتثبيت النتائج، وأن تتولى هي إعلانها، وتأمين كل متطلبات البيئة الآمنة للترشح والدعاية والانتخابات، وتؤمن إطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإلغاء محكمة الإرهاب، وإلغاء جميع الأحكام الصادرة عنها، وإبطال جميع مفاعيلها وكأنها لم تكن، وتأمين حياد الجيش والأمن والشرطة تجاه العملية الانتخابية، وعدم تدخّلها إلا لحماية مراكز الاقتراع وحفظ أمن المرشحين والناخبين، وتهيئة كل الترتيبات الضرورية لضمان انتخابات نزيهة تعبّر عن إرادة السوريين الحرة غير الموجهة بفوهات البنادق، وأن توضع بمختلف مؤسسات الدولة تحت تصرف هيئة الانتخابات، للقيام بواجباتها تجاه العملية الانتخابية، كما توضع تحت تصرفها الإمكانات المادية والبشرية الكافية، وأن تمنح السلطات اللازمة للقيام بعملها على خير وجه، ومن الواضح أن هذا يحتاج إلى قرار تنفيذي للقرار 2254، يصدر عن مجلس الأمن.

استراتيجية الثلاثي، الروس والنظام وإيران، رغم خلافاتهم وصراعاتهم البينية، هي إضاعة الوقت للوصول الى الصيف القادم واستحقاق الانتخابات الرئاسية وفق دستور 2012، وإجراء تلك الانتخابات مسبقة الصنع، وإعادة فرض النظام وبشار الأسد ونظامه على المجتمع الدولي كخيار وحيد.

فإذا ما أُغلقت الأبواب، وتفوقت الإرادة الروسية على إرادات الجميع وفرضت مسارها؛ فالأفضل أن يخسر الشعب السوري معركته في مواجهة النظام وداعميه، يخسرها بشرف وكرامة، وأن يرفض المشاركة في إعادة انتخاب الأسد وإعادة شرعنة النظام، كي لا يتحوّل إلى شاهد زور على انتصار الثلاثي الظالم “النظام وإيران وروسيا” بحجة “الواقعية”، فيمنحهم “شرعية الفوز” في لعبة مزورة، يحتاجون إليها كشرط لإعادة شرعنة النظام دوليًا. وأن يبقى يتطلع نحو المستقبل مصممًا على الكفاح من أجل تغيير سياسي قادم.

لذلك على النّخب السورية في كل مكان، أن لا تقبل بالمصير المذل الذي يرسمونه لسورية وشعبها، وأن تنهض لتُسمع صوتها للعالم، وأن تتحرك اليوم على نحو منظم، وتقيم شبكة ضغط على الحكومات الفاعلة في الملف السوري: (واشنطن، باريس، لندن، برلين، أنقرة، الدوحة، الرياض، عمان، بيروت وفي الداخل السوري) مستهدفة بالدرجة الأولى الإدارة الأميركية القادمة،

وأن تسعى شبكة الضغط لتعديل مقاربات هذه الحكومات، ونظرتها للملفّ السوري، وخاصة الإدارة الأميركية الجديدة، كونها الطرف القادر على التأثير وإحداث الفرق، وأن تقدم تصورًا واقعيًا لانتقال سياسي مصاغ ضمن حل متكامل مبني على تفسيرٍ عادلٍ لقرار مجلس الأمن 2254 والقرار 2118 وبيان جنيف، يأخذ مصالح سوريا وشعبها أولًا بعين الاعتبار ولا يستبعد مصالح روسيا، التي يمكن أن تقبل تحت الضغط بانتقال سياسي حقيقي يراعي مصالحها.

هذه فرصة يجب ألا تضيع.  وهي طموح، تحقيقه ممكن، وسورية تستحقّ منا ذلك، وتنتظره.

مركز حرمون

————————–

اللجنة الدستورية واستحقاقات السياسة/ حسان الأسود

لم يعُد سرًّا يخفى على أحد، مماطلة روسيا والنظام السوري في تنفيذ القرارات الدولية الصادرة في إطار الجهود المبذولة لحلّ المعضلة السورية، وهذا أمرٌ لا مراء فيه، لأنّ أي تغيير في بنية النظام تعني انهياره، فما بالنا بالتغيير المتوافق مع القرارات الدولية! لقد اعتدنا على مواقف النظام وداعميه، التي تقول شيئًا وتفعل عكسه، لكننا الآن في صدد الحديث عن موقف بعض شخصيات المعارضة السورية من اللجنة الدستورية، الذي تجلّى بإصدار ورقة تحت عنوان “بيانٌ حول أعمال اللجنة الدستورية السورية”، وكان بمنزلة نعيٍ للعملية السياسية كلها، ولإطارها التنفيذي الجاري برعاية المبعوث الأممي الخاص.

قبل مناقشة هذا البيان ومسار العملية السياسية؛ علينا أولًا العودة إلى جوهر الصراع في سورية، لتأصيله وتثبيت بعض النقاط الجوهرية التي ستكون نوافذنا التي نطلّ منها على المشهد الراهن.

جاءت الثورة السورية استجابة لاستحقاقات الضرورة التاريخية أولًا، فبعد خمسين عامًا على حكم العسكر، وما جرّه من دمار هائل على بنى الدولة والمجتمع والاقتصاد، وبعد انتهاء كلّ ما يمكن تسميته سياسة أو حكم قانون في سورية، كان لا بدّ من هزّة عنيفة تعيد الأمور إلى نصابها. ثانيًا، صادف أن هبّت الثورة ضمن أجواء إقليمية مساندة ومشجّعة، إذ أتت في ظلّ ثورات الشعوب العربية من جهة، وعلى خلفية انتهاج الرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الأولى، ومن خلفه الإدارة الديمقراطية، سياسة جديدة تنظر بعيون مختلفة إلى مطالب الشعوب في العالم من جهة ثانية. هذا يعني أنّ الظروف العامّة التي أحاطت بالثورة السورية كانت مشجّعة من حيث المبدأ على الانطلاق والاستمرار.

كانت المشكلة الرئيسة التي واجهت هذا الحراك الشعبي المتّقد -إضافة إلى القمع الهمجي الدامي والنهج العسكري الأمني للنظام السوري- نقص الكفاءة السياسية للأحزاب التقليدية، وللشخصيات السياسية التي تصدّرت واجهة العمل السياسي وقادت هذا الحراك الكبير، حيث كانت العوامل الخاصة لنجاح الثورة شبه معدومة، فما كان خلال الأيام والأسابيع الأولى للثورة ميزة، أي فقدان القيادة المركزية التي منعت النظام من قمع الثورة في مهدها، بات بعد ذلك عيبًا جوهريًا ونقيصةً أصابتها في مقتل.

الثورة فعل مجتمعي جامح، وقد قدّم السوريون رجالًا ونساءً شيبة وشبابًا، في أشهرها الأولى، أروع التضحيات والنضالات في سبيل استمرارها وتجذّرها، وأظهروا للعالم أجمع مقدار الطاقة الرهيبة التي يختزنها المجتمع السوري بين جنباته، وتوقهم العارم للتغيير. لكنّ الفعل الثوري يحتاج إلى إدارة لتحقيق نتائجه المرجوة التي يجب أن تكون قابلة للترجمة إلى وقائع على الأرض وإلى نتائج سياسية، وهذا ما لم يتوفر للثورة السورية، التي يحبُّ طيفٌ واسع من أهلها تسميتها بالثورة اليتيمة، وهي كذلك حقًّا، إذا أخذنا بعين الاعتبار ضرورة رعايتها من أهلها وأصحاب المصلحة فيها، لا من المحيط الخارجي الإقليمي أو الدولي.

نتيجة لفقد الإدارة الواعية القادرة على قيادة الحراك الثوري أولًا، وعلى تحويل الانتصارات الجزئية إلى ثوابت سياسة ثانيًا، ونتيجة لغياب الإستراتيجية الواضحة للانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى حالة المشاركة المجتمعية الفاعلة، ونتيجة لغياب مفاهيم أوليّة مثل الوطن والمواطنة والمصلحة الوطنية العليا، ولعدم القدرة على الاتفاق عليها بين الفرقاء المتنازعين جلد الفريسة قبل اصطيادها، كانت الكارثة الكبرى التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.

بعد تحوّل الثورة عن مسارها السلمي الذي تفوّقت فيه -باعتباره ميدانها ومكمن قوتها- إلى مسار عسكري بحت؛ بات العمل الثوري المدني وبالنتيجة السياسي، رهينة بيد القادة الميدانيين القابضين على زمام القرار في الداخل، بحكم فائض القوة التي امتلكوها عبر السلاح، وبالتالي، بات رهينة لإرادة غير سورية، لأن هؤلاء القادة كانوا بطبيعة الحال تابعين لمموليهم في الخارج. سبّب هذا كلّه انعدام الوزن الفعلي للثورة السورية، على الرغم من التكاليف الهائلة التي دفعها الناس، والبسطاء منهم خاصّة، وباتت الثورة تخدم مصالح الدول الفاعلة بالملف السوري، بدلًا من أن تكون الطريق لتحقيق أهداف السوريين ومصالحهم.

على هذه الخلفية كلها، جاء تنفيذ تفاهم جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 – 2254. من هنا، يبدو أنّ مصدّري البيان المذكور أعلاه قد تجاوزوا في موقفهم كلّ هذا السياق التاريخي، وأثقلوا كاهل اللجنة الدستورية، أو بالأحرى الفريق المحسوب على الثورة منها، بما لا وزر لهم به ولا يمكن أن يُسألوا عنه أساسًا. لقد كان خيار “المعارضة السورية” بقبول مبدأ التفاوض مع النظام أولًا، ثم المشاركة في اللجنة الدستورية ثانيًا، الخيار المنطقي لتسلسل الأحداث ومسار الأمور عبر هذه السنوات الطوال.

وبالمناسبة، وإذا أردنا الإنصاف، لم يعترف النظام السوري بالثورة ولا بالمعارضة وهي في أوج قوتها، وعندما كان محاصرًا في دمشق وبعض مراكز المدن التي بقيت تحت سيطرته، لكنّه اضطرّ مجبرًا تحت وطء الضغوط الدولية الواقعة عليه، وخاصة من حليفه الروسي، إلى أن يعترف بها ندًّا له من خلال قبوله المشاركة معها في اللجنة الدستورية. ومن ينسى هذه الوقائع أو يتناساها عليه أن يشحذ ذاكرته قليلًا بالرجوع إلى تصريحات النظام العلنية منذ اليوم الأول للثورة.

يقول الدبلوماسي السوري الأستاذ بشار الحاج علي: “لقد كانت مشاركة النظام في اللجنة الدستورية، النصر السياسي والقانوني الأبرز لقوى الثورة والمعارضة السورية، ولا نبالغ إن قلنا ذلك أبدًا، لأنها تمثّل الاعتراف الوحيد -قانونيًا وسياسيًا- بوجودها ندًّا له وشريكًا معه في الحل النهائي”. يجب ألا ننسى أنّ النظام لم يفقد صفته التمثيلية الشرعية في أي مؤسسة وازنة في المجتمع الدولي، فهو حتى الآن الممثل القانوني الشرعي والوحيد للدولة السورية. وبقبوله صاغرًا بتقاسم هذه الشرعية مع من وصفهم سابقًا بالإرهابيين، يعني بالضرورة اعترافه بهم وإضفاء الشرعية عليهم، رغمًا عن أنفه.

وبالعودة إلى البيان المذكور أعلاه، نجده يستهلّ الحديث عن اللجنة الدستورية السورية باعتبارها خاضعة “للإشراف الروسي”، وهذا أمرٌ يجانب الصواب تمامًا، لأن الإشراف على تسيير أعمال اللجنة، دون التدخّل في مجريات الأحداث وما يتفق عليه الفرقاء، هو حصرًا بيد الأمم المتحدة، وهذا أمر واضح في قرار تشكيلها. ويتابع البيان القول: “لم يفوّض الشعب السوري أحدًا بتسمية لجنة دستورية ووضع دستور. كما لم تفوّض القرارات الدولية روسيا الاتحادية أو غيرها من الدول أو المنظمات بما فيها الأمم المتحدة بفرض لجنة تضع دستورًا للسوريين”. والحقيقة أنّ موقّعي البيان تناسوا أنّ المجتمع الدولي الذي أصدر القرارات الخاصة بالقضية السورية هو ذاته الذي يضبط إيقاع عمل اللجنة الدستورية وغيرها من مسارات التفاوض أو مسارات الحل الميداني، وأنّ ظروف الشعب السوري لم تسمح له في أي يومٍ من أيام الثورة بإيجاد الآلية المناسبة لاختيار ممثليه، ومنهم أغلب موقعي البيان الذين كانوا في الصف الأول من مواقع صنع القرار في مؤسسات الثورة والمعارضة.

وأخيرًا يخلص البيان إلى وصف عمل اللجنة بالقول: “إنّ ما يجري تحت اسم اللجنة الدستورية يعطي رسالة زائفة وينشر الوهم الكاذب عن استمرار العملية السياسية، في وقت يتم فيه تشويهها والتطاول عليها لحرفها عن مسارها، وإيجاد بديل عن العملية السياسية الحقيقية التي رسمتها القرارات الدولية وأقرتها الإرادة الدولية، ووافقت عليها قوى الثورة والمعارضة”. ويتحدّث عن وجوب عودة “الحل السياسي إلى مسيرة العملية السياسية التي تمّ تحديدها في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 262/67 وقراري مجلس الأمن 2118 – 2254” وهذا القول يعيدنا مجددًا إلى ذلك الخطاب المعتاد لممثلي قوى الثورة والمعارضة الذين ما فتئوا يطرحون الشعارات دون الآليات المناسبة لتنفيذها على أرض الواقع.

ليس هناك أدنى شكّ في أنّ مشكلة السوريين لم تكن مشكلة دستورية، وأنّ ثورتهم لم تكن لكتابة دستور جديد، لكنّ وجود لجنة مؤلفة من سوريين ممثلين عن جانبي الصراع -الثورة والنظام- لم يمنع في أي يوم من الأيام بقيّة القوى الوطنية من استكمال نضالها الثوري، سواءٌ المدني منه أم العسكري. على العكس من هذا، يجب أن يكون المنطق السائد هو ذاك الذي يحاول تعزيز المؤسسات السورية التي تشارك فيها المعارضة والتي تحظى باعتراف ودعم دوليين. القول بغير ذلك يعني أننا لم نخرج من إطار الشعبوية والبروباغاندا الإعلامية، ولم ندخل في إطار العمل السياسي الحقيقي. بل أكثر من ذلك، كانت انتقادات المجتمع الدولي تنصبّ باستمرار على فشل المعارضة في بناء مؤسسات حقيقية قادرة على قيادة العملية السياسية والانتقال إلى العهد الجديد، وهذا يصب حقيقة في مصلحة قوى الثورة والمعارضة السورية، التي عليها أن تستغلّ جميع الفرص المتاحة لبناء المؤسسات الوطنية المدعومة دوليًا، والمشاركة في الموجود منها، مثل اللجنة الدستورية، لا التخلي عنها وتركها للنظام كي يفرغها من مضمونها.

إنّ استمرار نهج التغيير الذي اختطّه السوريون لا يعني أبدًا هدم ما تمّ إنجازه من مؤسسات، بل إصلاحها إن عابها فسادٌ أو خلل، وتصويب مسارها إن شابَهُ انحرافٌ أو زلل. لم تشكّل اللجنة الدستورية بديلًا عن أي مؤسسة ثورية أخرى، ولم تكن عائقًا أمام تشكيل مؤسسات قويّة تمثل الثورة ومطالبها، ولكنّها قد تشكّل في المستقبل نواة مؤسسة يمكن البناء عليها لإنشاء جمعية وطنية تأسيسية، وهذا بحدّ ذاته كافٍ لبقائها ودعمها. من هنا، وجب علينا أن نقرأ بكلّ البراغماتية والواقعية الممكنة وضع اللجنة الدستورية السورية وآفاق تطورها.

تلفزيون سوريا

——————————–

الالتباس بالموقف الروسي يعطّل عمل اللجنة الدستوريّة بجنيف/ حسان فرج

منذ فترة والموقف الروسي تجاه العملية الدستوريّة يحمل الكثير من التناقضات منذ انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي رعته بنفسها في مدينة سوتشي الروسية، والذي تمخّض عنه العمل على وضع لجنة دستورية تعمل على تعديل دستور 2012، من خلال المخرجات الـ12 التي تم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر.

ماحدث أنّ القائمين على هذا المؤتمر من المعارضة، والذين عملوا على إنجاحه من خلال إقناع الأمم المتحدة بالحضور، ومن ثم تقديم هذا النجاح على طبق من ذهب لكسر الجمود والاستعصاء في مفاوضات جنيف تم إقصاؤهم لحساب الهيئة العليا للمفاوضات، والتي رفضت بالأصل مؤتمر الحوار الوطني، جملة وتفصيلاً، طالما كانت هي الطرف المفاوض المعترف به دولياً، حسب القرار الأممي 2254، لكن بعدما تمّ حصر العملية السياسة كخطوة أولى بوضع دستور جديد، ومن خلال مفاوضات سوتشي 2 الروسية-التركية، ماكان من هيئة التفاوض إلا أن ترشّح أسماء لأعضائها لتكون الثلث الثالث إلى جانب ثلث للنظام وثلث للمجتمع المدني الذي تم المحاصصة عليه هو أيضاً باسم الأمم المتحدة، ما كان واضحاً ورغم التلكؤ الواضح لبعض أعضاء هيئة التفاوض اللذين كانوا يفضلون الدخول بمرحلة انتقالية قبل البدء بسلّة الدستور علّه يضمن لهم مواقع في أية حكومة انتقالية مناصفة مع النظام، والذي بطبيعة الحال كانت ستزيد الطين بلّه لأنّها ستفشل في إدارة أي مهام لاحقة، وبالذات وضع دستور جديد.

اليوم وبعدما تمّ الاتفاق على أسماء المفاوضين باللجنة الدستورية وبالذات المصغرة.. نجد أنّ هناك مماطلة وإضاعة للوقت مقصودة من طرف النظام الذي كان يعوّل على ثلاثة أشياء:

1- الانتخابات الأمريكية وما يمكن أن تغيّره في مجال العقوبات، والدخول في اتفاقات خارج نطاق اللجنة الدستورية.

2- القيام بعملية عسكرية في إدلب لاسترجاع بعض الأراضي حتى ولو بعد مفاوضات روسية-تركية جديدة تحسّن وضع النظام في تلك المناطق.. على أساس تحرير أراض سورية من الاحتلال التركي.

3- اقتراب الاستحقاق الرئاسي في الـ2021، والذي من الممكن الدخول بعملية انتخابات صورية على شاكلة سابقاتها تضمن استمرارية النظام كما هو على أساس أنّ اللجنة الدستورية لم تنهِ عملها.

مايحدث اليوم أنّ الوضع السوري مع تأخر عمل اللجنة الدستورية يزداد سوءاً على عدّة أصعدة:

1- على الصعيد المعيشي، بسبب تشديد العقوبات الاقتصادية، وبالذات مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، ومع انتشار مرض كورونا بشكل خطير.

2- انعدام السيطرة والسيادة على أجزاء كبيرة من الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والتي تقطع أوصال الدولة السورية.

3- تواجد قوات عسكرية أجنبية على الأراضي السورية بحجّة محاربة داعش والتي تعرقل مسار أي عملية سياسة أحادية الجانب من الطرف الروسي إذا لم تأخذ بعين الاعتبار القرارات الدولية المتمثله بالقرار 2254، والمتمثّلة بنتائج عمل اللجنة الدستورية.

4- السياسة الأمريكية القادمة مع جو بايدن والتي لها نظرة أخرى فيما يتعلّق بالمفاوضات مع إيران حول اتفاق 2015، والتي يمكن أن تكون mixte blessing.

من جهة العودة لذلك الاتفاق، وربما فك العقوبات وبنفس الوقت دفع إسرائيل للتصعيد الخطير بالقيام بضربات عديدة إن كان في سورية على المواقع العسكرية، أو باغتيال مدير البرنامج النووي الإيراني الأخيرة علّها تنجح بإشعال حرب بوجود ترامب قبل نهاية ولايته، وترك إيقاف الحرب للإدارة الجديدة، إدارة بايدن، فالوضع ما زال على كف عفريت خلال هذه المرحلة.

5- ازدياد عدد القوات التركية المتواجدة في الشمال السوري والتي يمكن أن تقوم بعمليات عسكرية كبيرة خارج نطاق إدلب إذا ما اشتعلت الحرب مع النظام أو مع إسرائيل، قبل إيجاد أي حلّ سياسي يوقف هذه الاحتمالات الخطيرة على سلامة ووحدة الأراضي السورية.

6- رفض الولايات المتّحدة والدول الأوروبية المشاركة في مؤتمر عودة اللاجئين الذي تم بدمشق وبرعاية روسية، والذي كان من المفترض أن يخفّف العقوبات لتسهيل العودة الطوعيّة لللاجئين وفتح ملف إعادة الإعمار قبل البدء بأيّ عملية سياسية، وبالذات عمل اللجنة الدستورية التي يمكن المماطلة به إلى ما لا نهاية مع بقاء النظام، إذا تم استغلال ورقة اللاجئين لفك الحصار القائم.

من خلال هذا المشهد، لايسعنا سوى النظر باتجاه الدور الروسي كقوة أساسية تمسك بأوراق عديدة بالملف السوري، داخلياً وإقليمياً ودولياً، على أنّها الدولة الوحيدة القادرة على الدفع في العملية الدستورية.

إنّ أهمية الموقف الروسي يأتي على أساس قدرته بالضغط على النظام السوري، بالإسراع بعمل اللجنة أو بالأقل على ربط الانتخابات القادمة، مع إنهاء عمل اللجنة وحسب الدستور الجديد، طالما كانت هي من تبنتها ورعت المؤتمر الذي دفع بهذا الاتجاه، لكن تقاعس النظام وإضاعة الوقت في تعطيل اجتماعات اللجنة الدستورية المتعمدة ريثما يأتي الاستحقاق الرئاسي القادم بـ2021 بانتخابات صورية، كما تمّت قبله انتخابات مجلس الشعب من هذا العام، وكذلك تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا من قبل النظام يوحي بأنّ هذا النظام يرفض تماماً عمل اللجنة الدستورية وكما جاء على لسان الأسد في شهر أيلول من عام 2019، بأنّ اللجنة الدستورية وأعمالها لا تعني النظام بشيء ولا تلزمه، والذي تم تأكيده بمقولة وزير خارجيته السابق، وليد المعلم: “سنغرقهم في التفاصيل”، لكن مما يتناساه النظام أنّ عدم الخوض بالعملية الدستورية سيزيد من معاناة الشعب السوري القابع تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، والتي تزيد من معاناته، أضف إلى ذلك تفشي مرض covid-19 بشكل خطير، إضافة إلى أنّ وضع اللاجئين الذي يزداد مأساوية مع حلول فصل الشتاء، وتوقّف تقدّمه في استرجاع بقية الأراضي لتعود تحت سيطرة الدولة من جديد ليتكلم عن انتصار أمام الشعب السوري يخفف من احتقان المواطنيين تجاهه وتجاه الوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشونه، كذلك انعدام سبل إعادة الإعمار طالما لم يتم الحل السياسي.

من هنا، الالتباس بالموقف الروسي المعني أكثر من غيره بعودة الاستقرار وفك الحصار والبدء بعملية الإعمار التي تتطلّب فك الحصار من جهة، ودخول العملة الصعبة عبر المنح والمساعدات الدولية التي لن تأتي طالما لم تتم العملية السياسة التي تضمن تغيير النظام، فعدم دخول الدولارات للبلد يجعل من سورية مستنقعاَ لروسيا شبيهاَ لأفغانستان، كما كانت للاتحاد السوفيتي، بعدما ضخت موسكو مليارات الدولارات بحملتها العسكرية بسورية، والتي أنقذت الدولة السورية لكن لم تتوصّل بعد للعملية السياسية التي تتوّج العمل العسكري وتضمن نجاح الحملة مع حلّ المعضلة السورية، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، يضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية حسب مقررات الأمم المتحدة 2254، وإلا سينظر للنجاح العسكري الروسي على أنّه إنقاذ للنظام وليس إنقاذاً للدولة السورية.

ليفانت – د.حسان فرج

—————————

بانسحابه منها.. وفد النظام يعطّل آخر جلسة محادثات للجنة الدستورية

انسحب وفد نظام الأسد من آخر جلسة محادثات للجنة الدستورية السورية، احتجاجاً على بيان من جانب وفد المعارضة السورية تضمن تهجماً على “الدولة والجيش والمواطن”، حسب ما زعمت وسائل إعلام مقربة منه.

وذكرت صحيفة “الوطن”، اليوم الجمعة، أن من أسمته بـ”الوفد الوطني” و6 أشخاص من وفد المجتمع المدني انسحبوا من الجلسة الختامية “احتجاجاً على تهجم عضو وفد المعارضات هيثم رحمة على الدولة والجيش والمواطن السوري”.

وقالت الصحيفة أيضاً إن الانسحاب جاء احتجاجاً “على إدارة الجلسة التي لم تفتح المجال لنقاط النظام التي سجلت اعتراضاً على ما جاء في كلمة رحمة، وذلك خلافاً لمدونة السلوك المتفق عليها”.

ولم يصدر أي تعليق من وفد المعارضة في اللجنة الدستورية حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

في حين ذكر مراسل قناة “الميادين” المقربة من “حزب الله” اللبناني، موسى عاصي أن “وفد الحكومة السورية انسحب من آخر جلسة محادثات بسبب تلاوة المعارضة بيان سياسي ينتقد التدخل الروسي وحزب الله في الأزمة السورية”.

وأضاف عاصي الموجود في جنيف عبر “تويتر” أن الانسحاب جاء “بسبب امتناع رئيس الجلسة المشترك هادي البحرة منح وفد الحكومة حق الرد”.

    #محادثات_اللجنة_الدستورية وفد الحكومة السورية ينسحب من آخر جلسة محادثات بسبب تلاوة المعارضة بيان سياسي ينتقد “التدخل الروسي وحزب الله” في الازمة السورية، وبسبب امتناع رئيس الجلسة المشترك هادي البحرة منح وفد الحكومة حق الرد

    — Moussa Assi (@moussaassi) December 4, 2020

وكانت آخر اجتماعات اللجنة الدستورية المصغّرة في دورتها الرابعة المنعقدة في مقرّ الأمم المتّحدة بجنيف قد بدأت، صباح اليوم الجمعة.

وكان من المقرر أن يتم خلال الجلسة الأخيرة مراجعة نتائج النقاشات التي دارت خلال الأيام الأربعة الماضية، بالإضافة إلى تقديم مقترحات يُبنى عليها لمتابعة النقاشات في الجولات المقبلة.

وتضمّنت الاجتماعات السابقة نقاشات بشأن مبادئ دستورية، وأخرى ذات صلة بما يتعلق بالهوية الوطنية، كما سترد في الدستور المنشود، وقضايا إنسانية تمثّلت بملفي اللاجئين والمعتقلين وما يقتضي وروده في مضامين الدستور بخصوصهما.

ويوم أمس أعلن وفد المعارضة المُشارك في اجتماعات اللجنة الدستورية عن اقتراحات تقدم بها حول مضامين للدستور الجديد.

وذكرت “هيئة التفاوض السورية” عبر حسابها في “تويتر” أن الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف تضمنت تقديم اقتراحات من قبل وفد المعارضة، أبرزها إنشاء هيئات مستقلة لرعاية شؤون اللاجئين والنازحين والمهجرين قسراً.

ومن بين الاقتراحات إنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان، مهمتها متابعة قضية المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسراً في السجون السورية.

وتناقش هذه الجولة جدولا أعمال، الأول خاص بالجولة الثالثة ويتعلق بـ”الثوابت الوطنية”، أما الجدول الثاني فيرتبط بالمبادئ الدستورية، حسبما ذكر مصدر من قائمة المعارضة لـ “السورية نت”.

———————————-

بيدرسون يحدّد موعد الجولة الخامسة من اجتماعات الدستورية

جسر ـ متابعات

حدّد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون موعد انعقاد الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية المصغّرة، وذلك في ختام أعمال الجولة الحالية التي انعقدت في مقر الأمم المتحدة بجنيف.

وقال بيدرسون في إحاطته مساء اليوم الجمعة 4 كانون الأول/ ديسمبر إنّ الاجتماعات المقبلة ستعقد يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2021، إذا سمحت ظروف كورونا بذلك.

وخلال الجولة الرابعة، طرح وفد هيئة التفاوض المعارضة مقترحا بإنشاء هيئات مستقلة لمناقشة القضايا الإنسانية دستوريا، فيما تحدّث وفد نظام الأسد عن قضية اللاجئين سياسيا.

واعتبر المحامي والعضو السابق في الهيئة السورية العليا للتفاوض “محمد صبرا” أن مقترح المعارضة يعد “جهلاً فاضحاً بأبسط الأوليات في القانون الدستوري”.

وأضاف في تصريحات سابقة لصحيفة جسر، “لا أعرف معنى جملة مناقشة عدة مضامين دستورية ومنها إنشاء هيئات مستقلة لشؤون المعتقلين والمهجرين، وهذا الجملة تدل على أحد أمرين: إما أعضاء اللجنة ليسوا مؤهلين من الناحية العلمية والسياسية للخوض في قضايا دستورية، أو أن اللجنة تريد تبرير استمرارها بهذا المسار، رغم كل ما يقوم به النظام، ولذلك قالت هذا الكلام لإقناع وإيهام الناس والحاضنة الشعبية بأنها تقوم بعمل جاد يخدم مصالح السوريين”.

واعترض وفد النظام خلال جلسة اليوم على استخدام عضو من وفد المعارضة توصيف ميليشيات طائفية إيرانية وعراقية وأفغانية، لينسحب مؤقتا قبل أن يعود.

————————-

======================

=========================

تحديث 06 تشرين الثاني 2020

————————-

تجحيش” المعارضة السورية/ عمر قدور

لا علاقة لهذا العنوان بالهجاء، على الأقل ذلك الهجاء الذي يستخدم الحيوانات شتيمةً للحط من قيمة الأشخاص. كلمة “التجحيش” تُستخدم في سوريا على نطاق واسع لوصف ما يُسمى أيضاً “زواج التحليل”، أي الزواج المتوجب على المرأة من رجل آخر قبل أن تجوز لها شرعاً العودة إلى زوجها السابق الذي طلقها ثلاث مرات. وكما هو معلوم من الدارج أن تتم هذه العملية احتيالاً على الشرع الإسلامي، فيكون هناك اتفاق مسبق بين الزوج القديم والزوج المؤقت “يُسمى بالعامية نفسها المُجحِّش”، ليقوم الأخير بدوره الصوري لمدة قصيرة جداً وقد يكون مُستأجراً لهذا الغرض، أو محل ثقة لأنه أدى هذا الدور سابقاً بأمانة. وإذا كنا لا نعلم سبب شيوع هذه التسمية فمن المؤكد أنها ليست على منوال استخدام المجاز نفسه دلالة على الغباء، فالمجحِّش “المحلِّل” في حالتنا شخص يقوم بدوره عن دراية بصرف النظر عن دوافعه.

غاية تلك العملية كما هو واضح إضفاء الشرعية على ما أصبح باطلاً، والشرعية هنا تتطلب حكماً وجود ذلك الطرف الثالث، وهو وجود ضروري بقدر ما هو صوري. في حالتنا، لدينا طرف فقد الشرعية “سلطة الأسد”، وأطراف راغبة في إعادة تأهيله “أو حتى إعادة تدويره” هي جهات دولية وإقليمية، إلا أن العملية تتطلب مشاركة المعارضة السورية لتكتسب الشرعية، والشرعية هنا هي حفظ ماء وجه تلك الجهات التي يريد بعضها على الأقل استعادة الوضع السابق باعتبار جرائم الأسد قد طُويت باتفاق أهل البيت “من معارضة ونظام”.

الوصول إلى تلك الخاتمة لن يكون في المدى القريب، ودور المعارضة “في عملية التجحيش” قد بدأ منذ سنوات، وهو مستمر في سياق متدرج من إضفاء الشرعية على التنازل تلو التنازل. اليوم مثلاً تعلم المعارضة الممثلة في اللجنة الدستورية أن وفد الأسد يماطل في المفاوضات لتقطيع الوقت حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، وهكذا سيحظى بشار الأسد بسبع سنوات جديدة سيصرّ هو وداعموه على أنها خارج التفاوض. لقد أسرّت قيادات دولية من قبل لبعض المعارضين بأن التغيير لن يحدث قبل أن ينهي بشار ولايته الحالية، وبدا ذلك مستهجناً قبل حوالى سبع سنوات، إلا أنه الآن يعبر بقدر أقل من الاستهجان، وهناك في وفد المعارضة من يعلن فهم اللعبة إنما على أرضية التسليم بها وعدم وجود بديل عنها طالما أنها تتم تحت أبصار المجتمع الدولي.

كان قرار مجلس الأمن2254، الصادر قبل خمس سنوات، قد دعا في بنده الثاني إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية الانتقال السياسي. وفي بنده الرابع حدد الستة أشهر كفترة مستهدفة لإنجاز المفاوضات، وبدء الحكم الانتقالي الذي يضع جدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد، تُجرى على أساسه انتخابات حرة ونزيهة خلال سنة ونصف. ترتيب الأولويات الزمنية كان واضحاً في قرار مجلس الأمن، إلا أن المعارضة “ضمن دورها الآنف الذكر” منحت الشرعية للانقضاض على قرار مجلس الأمن، أولاً من خلال اختراع ما يُسمى مفاوضات السلال الأربع المتزامنة، ثم بتوقف المسارات الأربعة واستئناف المسار الدستوري الذي كان يُفترض الشروع به بعد العبور إلى الحكم الانتقالي. بموافقة المعارضة، اختُزل قرار مجلس الأمن إلى مسار اللجنة الدستورية المتعثر، وضمن سقف زمني مفتوح. أو بعبارة أدق، تم الانقضاض على صُلب القرار ذاته لا لأن الأسد فحسب يرفض تنفيذه، وإنما لأن المعارضة أيضاً قبلت التنصل من مندرجاته وترتيبها. أيّ حديث اليوم عن الاستناد إلى القرار المذكور محض لغو، تستخدمه المعارضة إعلامياً لتستر سلسلة تنازلاتها.

صار في وسع وفد الأسد إلى اجتماعات اللجنة الدستورية المجيء، بعد تمنع ودلال، فقط ليستعرض قدرته على إضاعة الوقت في مناقشة كل ما ليس له صلة بالدستور. في الاجتماعات الأخيرة للجنة أهدر الوفد الوقت بالحديث عن عودة اللاجئين، وهذه ليست مهارة تُحسب لوفد الشبيحة بقدر ما هو استغلال للمتاح بيسر، فنحن إزاء مبعوث دولي يتصرف كموظف يهمه القول أنه يفعل شيئاً ما، أي شيء، وإزاء عدم اكتراث أممي بموضوع اللجنة برمته إلا على شاكلة موظفها نفسه. المُحرج فيما سبق كله أن وفد الأسد يتعمد إبداء المزيد من الابتذال، أو يظهر على سجيته بلا تصنّع، ما يُفرغ التمثيلية من أدنى درجات الإقناع، لذا بات همّ الممثل الدولي ومَن خلفه بقاء التنكيل الذي يمارسه ذلك الوفد بعيداً عن الإعلام، ربما أيضاً رأفةً بوفد المعارضة وإعفاءً له من مواصلة المقارنة بين جديته وعدم جدية الوفد المقابل.  

لكن ذريعة “إحراج النظام أمام المجتمع الدولي”، وشقيقتها التي تنص على حسن نوايا المعارضة وامتثالها للتوجهات الدولية، لن تخرجا من التداول ما بقيت المعارضة وفية لنهجها. ذريعة “إحراج النظام” أضحت كبديهية من بديهيات عمل المعارضة، ولا نعلم أي ذكاء “أو تذاكٍ على السوريين” يعتقد أصحابه حقاً أن من أباد قرابة مليون سوري وهجّر ثلث السوريين واستخدم أسلحة الإبادة الجماعية سيشعر بالإحراج أمام المجتمع الدولي الذي رأى كل جرائمه السابقة وأبقى عليه، بل ها هو يحابيه وهو في أدنى درجات الابتذال السياسي.

ثمة ذريعة أخرى، تُطرح علناً أو ضمناً، لتبرير أداء المعارضة يمكن اختصارها بالسؤال: ما الذي تقدر عليه هذه المعارضة، أو أية معارضة قد تحل مكانها، أمام إرادات قوى دولية وإقليمية كبرى تتحكم بالقضية السورية؟ لا يندر أن يُبنى السؤال على واقع خروج القضية السورية من أيدي السوريين جميعاً، ليكون من الحصافة تواجد المعارضة على أي نحو بدل تغيبها.

من نافل القول أن العلاقة بالخارج سمة السياسة المعاصرة بالمفهوم الديموقراطي، وهناك في بعض التجارب معارضات لديها “حكومة ظل” بما فيها وزارة الخارجية. لعل هذا يعفي المعارضة السورية من اتهامها بعلاقتها بالخارج، من دون نسيان جانب جوهري يتعلق بوجودها كمطلب خارجي في المقام الأول، وعدم امتلاكها شرعية تمثيلية يمكن قياسها، وعدم امتلاكها شرعية ثورية لابتعادها عن أهداف الثورة. قوة المعارضة تكمن تحديداً في أنها مطلب خارجي، وتحديداً من أجل القيام بدور “التجحيش-التحليل”، وقد كانت قادرة في العديد من المحطات على الانسحاب من العملية كلها أو التهديد بالانسحاب من دون أن تخسر ما خسرته وهي تثبت حسن سلوكها. حتى إذا افتقرت المعارضة إلى الخبرة السياسية، ثمة في إرث “التجحيش” الكثير من الروايات عن ذلك “المحلل” الذي خرج عن الدور المرسوم له محققاً مكاسب إضافية باستغلال حاجة بقية الأطراف إليه. 

المدن

————————-

اللجنة الدستورية: ثرثرة سورية في جنيف/ بشير البكر

يلتقي سوريون في جنيف من النظام والمعارضة وما بينهما منذ أكثر من عام، تحت خيمة ما يسمى بـ “اللجنة الدستورية” التي انبثقت عن مؤتمر سوتشي في مطلع العام 2018.

وفي ذلك المؤتمر سربت روسيا مسودة دستور مكتوب للسوريين، ولكنها تراجعت عنه بسبب ردود الفعل والاحتجاجات التي أجمعت على أن الدستور قضية سيادية. وصارت المهمة من اختصاص اللجنة الدستورية ذات الصلة بالأمم المتحدة، ومر كل هذا الوقت على اجتماعات جنيف ولم تصل الاجتماعات إلى نتيجة حتى يومنا.

وفي كل جلسة يدخل الحوار في نفق لا يخرج منه، وتنفض الجولة، ويؤجلون الأمر حتى الجولة المقبلة التي لا يتم تحديد موعدها ولا جدول أعمالها. وهذا يتطلب من مندوب الأمم المتحدة غير بيدرسون زيارات للأطراف المعنية والداعمة لها من أجل أمرين، عقد جلسة جديدة، والاتفاق على جدول الأعمال. وفي كل مرة هناك مساومات سياسية ومناورات ومعارك عسكرية وتسويات من فوق وتحت الطاولة، وتعطيل وتأجيل وحضور من باب الابتزاز السياسي وكسب الوقت.

انعقدت حتى الآن أربع جولات، وكانت الأخيرة التي بدأت في الثلاثين من الشهر الماضي وانتهت في الرابع من الشهر الحالي، والتي خرج منها المتحاورون ومندوب الأمم المتحدة وهم في غاية السعادة بسبب التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال الجولة المقبلة (الخامسة) ليس أكثر، والتي حددوا موعدها في الخامس والعشرين من كانون الثاني من العام المقبل. وهناك ملاحظة تفرض نفسها هنا وهي أن الاتفاق على جدول الأعمال لا يعني التزام النظام الذي كان في بداية كل جلسة ينسف الجدول المقرر والمتفق عليه، ويأخذ النقاش نحو الوجهة التي تناسب أجندته وخططه، وصار واضحا منذ عام أن منهج النظام يقوم على التعطيل من أجل كسب الوقت، حتى لا يتم إنجاز دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي، على الأقل، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/أبريل المقبل، والتي يعمل النظام على إجرائها وفق الدستور الحالي الذي وضعه عام 2012. وبذلك يكسب بشار الأسد ولاية رئاسية جديدة لا يشملها الدستور الجديد الذي لم يصبح حبرا على ورق حتى الآن.

ومن دون مبالغة، يحول وفد النظام كل جولة إلى ما يشبه العرض المسرحي الذي يتلاعب فيه بأعصاب وفد المعارضة والأمم المتحدة والجمهور الذي يراقب، وتقوم المسرحية على مبدأ الحلقة المفرغة، التي يعتمد النقاش فيها على السفسطة والثرثرة. وحيال كل مسرحية يتوجب على المعارضة والأمم المتحدة التصرف بحكمة وبرودة أعصاب كي لا يحرد وفد النظام، وتبطل التمثيلية. وإذا كان عام مر على هذا المنوال بلا نتائج، لماذا الإصرار على الاجتماعات التي تكلف غاليا، وتستهلك وقت الناس وأعصابهم في زمن الكورونا.. ما الذي يخشاه وفد المعارضة لو انسحب من اللجنة الدستورية ككل؟

لابد من الإشارة إلى أن المطمطة والسفسطة ليست من بنات أفكار الوفد الذي يذهب إلى جنيف، بل من مخرجات مطبخ النظام الذي يديره طباخون روس وإيرانيون، يوزعون الأدوار والصفات وتدريب أعضاء الوفد كما يحصل في السيرك. الوفد الرسمي يحمل اسم “الوفد الوطني”، بينما الوفد الآخر يحمل تسمية تخوينية “وفد المعارضة التركية”، ومن أجل بناء الثقة في الجولة الأخيرة صار اسمه “وفد المعارضات”. ولا يستطيع النظام أن يتصرف حيال شأن مهم من دون توجيهات روسية إيرانية، ومع ذلك جرى أكثر من مرة ترويج بدعة مفادها أن بيدرسون يزور موسكو وطهران من أجل ضمان الضغط على وفد النظام كي يحضر إلى جنيف، وحين يذهب الوفد الرسمي فإن ذلك من باب فض العتب لا أكثر، وللقيام بعدة وصلات من السفسطة.

لا شك في أن روسيا وإيران هما من يتحكم باللجنة الدستورية وسط رمزية دور الأمم المتحدة التي تلعب دور المساعد أو الميسر، وانسحاب الأطراف الإقليمية والدولية المعنية من ممارسة دورها. ولهذا تبقى العملية تسير وفق الرياح الإيرانية الروسية، ولن يختلف الأمر سواء جرى تحديد جدول أعمال الجولة القادمة أم لم يتم.

تلفزيون سوريا

—————————–

عجز المفاوضات السورية/ بهاء العوام

الحقيقة الوحيدة التي نطق بها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون منذ تسلمه مهامه نهاية 2018 وحتى الآن، هي قوله بأنه لا يوجد سقف زمني لمفاوضات اللجنة الدستورية في جنيف. وهذا يحيلنا إلى حقيقة أوسع ورثها بيدرسون عن سلفه ستيفان دي ميستورا، وسيتركها لخلفه بعد بضع سنوات، تفيد بأن الأزمة السورية مستمرة لأجل غير مسمى، وربما لن تنطوي على نهاية سعيدة لأي حالم بوطن أفضل.

من يستعجل حل الأزمة اليوم هم القابعون في مخيمات اللجوء ومراكز الاحتجاز حول العالم، وثانياً الذين يعانون من صعوبة العيش والحصار الاقتصادي في الداخل. هؤلاء وحدهم من يدركون المعنى الحقيقي لمرور عقد عقيم من الزمن على أزمة شردت الملايين، وقتلت مئات الآلاف، وغيّبت مثلهم في سجون النظام والمعارضة، إضافة إلى كونها قسمت البلاد إلى ثلاثة أجزاء بين الروس والإيرانيين والأتراك والأميركيين.

من حقائق الأزمة أيضا أن المعارضة بعد عشر سنوات من العمل السياسي والعسكري، تمر بأسوأ حالاتها في تمثيل السوريين. أما النظام فقد حوّل مناطقه إلى طوابير لا تنتهي من البشر أمام المخابز والتعاونيات ومحطات الوقود. وعلى الصعيد الدولي فالعالم اليوم منشغل بنتائج الانتخابات الأميركية التي تستعصي على الحسم، كما تغيرت أولويات الدول المعنية بالأزمة حتى بات من الصعب تمييز حلفاء النظام من خصومه.

وسط كل هذا عقد اجتماع اللجنة الدستورية الرابع في جنيف، وجلس ممثلو النظام والمعارضة والمجتمع المدني لبحث إعداد دستور جديد للبلاد أو تعديل الحالي. النتيجة مثل كل مرة كانت لا شيء على مستوى الخطوات الجدية، وللفشل هنا أسبابه الأصلية والمستحدثة لزيادة فصول هذه المسرحية الهزلية. فعجز المفاوضات السورية التي ترعاها الأمم المتحدة لم يعد يخفى على أحد، وهي تراوح مكانها منذ نحو ثلاث سنوات.

في الأسباب الأصلية نبدأ بوفد النظام الذي لا تعترف به دمشق، وهو يأتي ليمارس ما يسميها “الرئيس” لعبة سياسية لا تهم السوريين. أما وفد المعارضة فهو حائر بين المنصات المكونة له، وهو يخدم أجندة الأسد بقصد ومن دون قصد. وبالنسبة إلى جماعة المجتمع المدني فهم مدعوون للحفل بسياق ضرورة لا تعرفها إلا الأمم المتحدة، أو ربما لاستخدامهم كثلث معطل أو كفة مرجحة لأي مقترح قد يناقش جدياً مستقبلاً.

في اجتماع اللجنة الرابع نوقشت عناوين بالغة الأهمية إنسانيا وثانوية الحاجة في مهام اللجنة، مثل عودة اللاجئين والنازحين، ومصير المعتقلين والمخطوفين. كان وفد النظام سعيدا بذلك لأن بحث هذه القضايا يجنبه الخوض في المسارات السياسية والدستورية، كما أن حلحلتها تنطوي على فرص كبيرة للمماطلة وقضم الوقت حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يريد الروس والإيرانيون أن يحصل من خلالها حليفهم الأسد على سبع سنوات جديدة في الحكم بشكل “شرعي” وفق تعريفهم لذلك طبعاً.

وعلى الرغم من معرفة المعارضة بنوايا النظام إلا أنها تساير نزق “وفده” في المفاوضات، وتوافق على مناقشة القضايا التي يجب أن تؤجل إلى حين الاتفاق على إطار عام للدستور المرتقب على أقل تقدير. يحاول وفد المعارضة وخاصة “فرسان” الائتلاف فيه، استرداد جزء من تأييده الشعبي الذي انهار خلال العامين الماضيين لأسباب كثيرة، ولكن السوريين في أي مكان لن يصدقوا، لأنهم يعرفون أن ما جرى في جنيف على مدار أربعة أيام متتالية هو مجرد فصل من مسرحية مستمرة منذ 2012.

السبب الوحيد لاستمرار مسرحية “المفاوضات السورية – السورية” هو واجب الأمم المتحدة في التذكير بعدم انتهاء الأزمة إلى الآن. وربما لو أعفت الولايات المتحدة تحديداً المنظمة الأممية من هذه المسؤولية لما عقدت جولة واحدة من المفاوضات بعد الآن، ولتوصل الروس نيابة عن بشار الأسد خلال أشهر إلى تفاهمات مع الدول العربية والإقليمية والغربية المعنية، وبدأت عمليات إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين أيضاً.

تَحول واشنطن دون الوصول إلى هذه النهاية غير العادلة للأزمة، ولكنها في الوقت ذاته لا تدفع باتجاه أي حل آخر. لا تجبر دمشق وحلفاءها على أي تنازل، ولا تستهدف “الرئيس” الأسد، ولا تقدم للروس تفويضا كاملا كي يعيدوا “الشرعية” للأسد، أو يجبروه على تقاسم السلطة مع المعارضة وفق شروط إصلاحية جذرية في السلطات والدستور والحقوق السياسية في الدولة.

ما تفعله الولايات المتحدة منذ عشر سنوات هو تعطيل حل الأزمة، ولذلك يدور السوريون في فلك مفاوضات عاجزة. لا يوجد ما يمكن أن يبعث الأمل بانتهاء هذه المعضلة إن لم تُعد واشنطن الملف إلى قائمة أولوياتها في المنطقة. أو تتخلى عنه نهائيا لتفتح أبواب المحادثات بين الروس والأتراك والأوروبيين بشأنه، فيتفقون على مفاوضات سورية – سورية جدية قد تعقد في أي مكان وليس بالضرورة في مدينة جنيف.

ما يتضح حتى الآن في الموقف الأميركي أن الأزمة السورية لا تزال ضمن باقة التفاهمات التي يحرص البيت الأبيض على إبرامها مع الخمينيين في إيران، سواء بقي دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة أم حل مكانه جوزيف بايدن. وإن بقي الحال هكذا فإن نهاية الأزمة أياً كان شكلها، لن تكون سعيدة بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين. سواء الذين يقبعون على ضفة النظام، أو الذين يحلمون بتغييره وإزاحته.

لا يُفهَمُ الحضور الإيراني في سوريا إلا لقلة قليلة جدا، بغير سياق الاحتلال والهيمنة على قرار البلاد وسيادتها ومقدراتها. وإن قرر الديمقراطيون الأميركيون تكرار ما فعلته إدارة باراك أوباما قبل ثماني سنوات، وإطلاق يد الخمينيين في دول الشرق الأوسط مقابل ضبط طهران لبرامجها النووية والصاروخية، فهذا يعني استمرار أزمات كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن إلى عقد جديد من الزمن على أقل تقدير.

ثمة سيناريوهات عدة للتسوية الغربية مع الخمينيين، جميعها يربط بين أزمة النووي الإيراني والأزمة السورية، ولا يأخذ بعين الاعتبار أن سوريا باتت دولة مقسّمة على أرض الواقع. الحقيقة أن تلازم المسارين يبقي على خيارات التسوية مع طهران موجودة دائماً، ولكنه يلتهم فرص إنهاء نكبة السوريين، وإخراج بلادهم من دائرة تصفية الحسابات بين دول المنطقة والعالم. وكلما طال أمد هذا الصراع، تواصلت الكارثة، وامتد معها عجز مفاوضات الفرقاء السوريين، سواء كان على خشبة جنيف أو غيرها.

صحفي سوري

العرب

—————————–

الهوية الوطنية الجامعة.. هو ما يحتاج إليه السوريون/ أسامة آغي

تدور عملية تفاوض في جنيف بين وفود اللجنة الدستورية الثلاثة المكونة لهذه اللجنة (وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني ووفد النظام) حول الهوية الوطنية والانتماء الوطني. ولكن يبدو أن النظام الذي ذهب مجبرًا إلى جنيف لحضور الجولة الرابعة الحالية، وقبلها الجولة الثالثة، لم يستطع الإفلات من الضغط الدولي بضرورة تتالي الجولتين، الرابعة التي تعتبر تتمة للثالثة، والخامسة التي ستناقش المبادئ الدستورية.

إن الاهتمام بوضع مفهوم ومحددات للهوية الوطنية هو ضرورة، فلا وجود لقوم أو شعب بلا جامع وطني يفتخرون به، ويحسون بالانتماء إليه، فهذا الانتماء هو قاسم مشترك بينهم، ينبغي أن ينطلق من محددات تقاطعات ضرورية بين جميع المكونات السورية، وهذه المحددات هي ما يساعد على ردم حقيقي للهوّة المولدة للتنازع الإثني أو الديني أو الطائفي.

إن سوريا ذات بعد عربي إسلامي على المستوى الثقافي، وهذا البعد يحمله أغلبية السوريين من مسلمين وغير مسلمين، ومن عرب وهم الأكثرية الساحقة، وبقية المكونات الإثنية الأخرى في البلاد، وهذا يتطلب إظهار هذا البعد ثقافيًا وليس طائفيًا أو دينيًا محضًا.

لهذا، لا يمكن لهوية وطنية سورية حقيقية أن تُغفل البعد الثقافي العربي الإسلامي في تكوين الشعب السوري، كذلك، لا يمكن لهوية وطنية سورية أن تغمض عينيها عن الحقوق الثقافية للمكونات الإثنية السورية الأخرى، (مثل المكون الكردي والتركماني والآثوري والأرمني…)، أي أن حضور كل هذه المكونات، من كبيرها إلى صغيرها وطنيًا، يتم عبر إتاحة الدستور له، للتعبير عن الحاجات الثقافية لإثنيته.

إذًا، الانتماء في هذه الحالة هو انتماء للوطن سوريا، سوريا الواحدة، ذات النظام المدني الديمقراطي التعددي، نظام يأخذ بأسلوب حكم غير مركزي صارم، أي بأسلوب حكم لا مركزي إداري، يخدم كل المناطق على قدم المساواة دون احتمال لتقسيم، أو انفصال، تبيّته جهات متدخلة بالصراع، تريد أن تزرع قنبلة موقوتة، بطرح الفيدرالية التي ستكون مقدمة للانفصال.

إن مربع الوطنية السورية هو مربع جامع شامل، بينما طغيان أو هيمنة مربع إثني أو ديني أو طائفي، هو مربع نابذ للوطنية، ومفرّق لوحدة المكونات، هذا الأمر يتطلب رؤية مختلفة، تخصّ كل المكونات، هذه الرؤية تتعلق بعلاقة الفرد (بغض النظر عن انتمائه الإثني والديني والطائفي) بالدولة التي يعيش في كنفها، أي بمعنى آخر، يجب أن يجد كل فرد سوري، أنه ينتمي إلى هذه الدولة بجغرافيتها المحددة، وتاريخها المشترك، وتراثها، الذي صنعته كل المكونات دون تمييز.

إن وجود البعد العربي الإسلامي هو ضرورة، وهذا لا يعني إشاعة فكر قومي، أو ديني، بل التأكيد على الانتماء الثقافي لهذا البعد الطبيعي لسوريا، ولن يتطور أي جانب إثني ثقافي أو سياسي أو اجتماعي في حالة ابتعاده عن مربع الوطنية، لأن هذا الابتعاد يُضعف الأواصر بين المكونات.

الانتماء الوطني لسوريا، بمكوناتها المختلفة، يستلزم أن تقود الدولة الجديدة، عبر دستورها الجديد، أمر توفير اليقين بالانتماء الوطني لدى كل المكونات السورية، ولدى كل الأفراد السوريين، وهذا يتطلب توفير قواعد دستورية حقيقية، تحترمها السلطة التي ستقود الدولة، أيًا كانت هذه السلطة القادمة بالانتخابات، ومن أي تيار سياسي كانت.

الدولة معنية بتوفير أسس المساواة بالحقوق والواجبات الوطنية بين الجميع، دون تمييز بأي حق أو واجب أو تكافؤ للفرص في شتى الأمور، وهذا يزيل الغبن والتجاهل والإقصاء، ولهذا، فمبادئ دستورية كهذه يجب أن تكون مبادئ فوق دستورية، أي، لا تستطيع أي سلطة اللعب بالدستور، أو التغافل عنه، لأسباب إثنية، أو دينية، أو طائفية، بغير توافق وطني شامل على تعديل أو تغيير مبدأ من هذه المبادئ، أو تعديل وتغيير كل المبادئ الخاصة بحقوق فوق دستورية.

الانتماء الوطني صار واضحًا، إنه علاقة ذات اتجاهين، الاتجاه الأول هو علاقة من الفرد إلى الدولة، وعلاقة من الدولة إلى الفرد، هاتان العلاقتان يجب أن تتكاملا وليس أن تتبع إحداهما الأخرى بارتهان لسبب ما.

أما الهوية الوطنية السورية، فهي ليست كما يريد أن يفرضها نظام الأسد، الذي قال فيها إنها اسم الدولة وعلمها، متناسيًا هذا النظام، أن سوريا هي مكونات تاريخية بينها وحدة، ومن جهة أخرى، حين استقلت سوريا عن الانتداب الفرنسي، تمّ التوافق آنذاك على تسميتها باسم الجمهورية السورية، وكان علمها هو علم الاستقلال، ولم يخلق مثل هذا التوافق أي مشكلة بين فئات الشعب السوري، فلماذا يصرّ النظام على رفض التسمية الوطنية الأولى، ويعتبرها هي والعلم سببًا لعرقلته التوافق حول خصوصيات الوطنية السورية، أليس هذا تهربًا من جوهر الانتماء المتمثل بوحدة وتوافق المكونات، هذا التوافق يتم بالمشتركات وليس بالمفرّقات.

إن أغلبية السوريين تتكلم اللغة العربية، ولكن هناك مكونات تتكلم اللغة الكردية والآرامية والآثورية والأرمنية والتركمانية. إذًا، من الطبيعي أن تكون اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية، لأن الذين ينطقون ويفكرون ويبدعون بها، هم الأغلبية العظمى من سكان سوريا، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك.

وإضافة إلى اللغة، هناك الرابطة الجغرافية لهذه الدولة، التي كانت من قبل جزءًا من بلاد أكبر هي بلاد الشام، وقد نشأت على هذه الجغرافيا كل تفاعلات المكونات المختلفة عبر التاريخ. الجغرافيا هذه، مرّت بتاريخ صنعته المكونات المختلفة، وبالتالي، فالتاريخ هو تاريخ الجميع، وليس تاريخًا لمكون محدد.

إن إدراك المكونات لبعد سوريا العربي الإسلامي يمنحها قوة وعظمة، فهي تنتمي في هذه الحالة إلى ثقافة وروابط فكرية، تخص الشعوب الناطقة باللغة العربية، في كل أمصار الوطن العربي.

بقي أن نقول، إن اللجنة الدستورية المنعقدة في جنيف، أمامها مسؤولية وطنية وتاريخية، هي أن تنجز مفهومًا للهوية الوطنية الجامعة وليس المفرّقة، وأن تضع مفهومًا شفافًا وصريحًا للانتماء الوطني، ليس عبر شكليات الانتماء، بل عبر عمقه الفكري والتاريخي، وهو مشترك بين كل المكونات.

إن الجنوح إلى التناقضات السياسية لن يخدم استقرار سوريا ووحدتها القادمة التي صارت ضرورة لا محيد عنها، في ظلّ هذا الانحدار الأليم الذي تعيشه كل المكونات السورية بطرق مختلفة ومتعددة، ولكنها طرق أليمة خاسرة.

عنب بلدي

—————————

اللجنة الدستورية” في 4 جولات: ناقشت كل شيء إلا الدستور

أربعة جولات مرت من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية لم يخرج فيها المشاركون من الوفود الثلاثة حتى الآن بمخرجات ملموسة على صعيد كتابة الدستور في سورية، بل على العكس تركز النقاش على عدة مسائل ونقاط بعيدة كل البعد عن المبادئ الدستورية، التي تشكلت اللجنة من أجلها ولتحقيقها.

الجولة الرابعة كانت قد انتهت يوم أمس الخميس، بعد خمسة أيام من نقاشات حاول فيها وفد نظام الأسد كسب الوقت، طارحاً بذلك عدة قضايا تخدم الرواية التي يصر عليها، والتي ترتبط بما يسمى “الثوابت الوطنية”، وهو مصطلح كان قد تصدر أيضاً في نقاشات الجولات الثلاث الماضية، والتي شهدت عدم توافق بين الأطراف على جدول الأعمال الخاص بنقاشات كل جولة.

ورغم أن الجولات الأربع للجنة لم تتطرق إلى موضوع الدستور، إلا أن المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون أشار في البيان الختامي للجولة الرابعة أمس إلى أن المبادىء الدستورية ستكون على جدول أعمال الجولة الخامسة، المقرر عقدها في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل.

الجولة الخامسة وفي حال انعقادها سيكون توقيتها حساساً، ولاسيما أنها تستبق الانتخابات الرئاسية في سورية بثلاثة أشهر، والتي يؤكد نظام الأسد إجرائها والمضي فيها، على الرغم من الرفض الدولي لها، وخاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخراً.

الجولة الأولى: دون نتائج

بالعودة إلى الجولة الأولى من نقاشات اللجنة الدستورية، فقد انعقدت منذ أكثر من عام، في تشرين الثاني من عام 2019.

انتهت الجولة دون نتائج ولكنها كانت أفضل من المتوقع، حسب المبعوث الأممي إلى سورية، بيدرسون، فيما تحدث أعضاء الوفدين السوريين (المعارضة السورية، النظام) عن أجواء فاترة، ولم يتصافحا خلال أيام الاجتماعات المتعددة.

وكانت المحادثات بين الجانبين مشحونة دوماً، في ذلك الوقت، ولا سيما فيما يتعلق بقضية “الإرهاب”، وهو مصطلح يستخدمه نظام الأسد، ويسعى لضمه إلى مشروع إصلاح الدستور، لكن المعارضة ترفض ذلك.

الجولة الثانية.. تنتهي بالفشل

أسابيع مرت على الجولة الأولى لتعقد جولة ثانية بين الأطراف المشاركة في اللجنة الدستورية: وفد النظام، وفد المعارضة، وفد المجتمع المدني.

في هذه الجولة انسحب وفد نظام الأسد رسمياً ثلاث مرات من الاجتماعات، بينما لم يحضر كامل الوفد إلى أكثر من اجتماع، واقتصر الحضور على رئيسه، أحمد الكزبري.

وكان وفد النظام قد قدم مقترحاً حينها، لجدول الأعمال يتضمن “بنوداً وطنية للاتفاق عليها كأساس لعمل اللجنة ككل”، وتشمل هذه البنود إدانة “العدوان” التركي والتدخل الأمريكي ورفع العقوبات وغيرها”، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

لكن وفد المعارضة لم يوافق على هذه البنود، واعتبرها “لا تتوافق” مع مبادئ اجتماعات اللجنة.

خلافات عميقة في الجولة الثالثة

لم تكن الجولة الثالثة كسابقاتها من الجولات، بل جاءت في ظروف استثنائية، ولاسيما مع تفشي جائحة “كورونا” في مختلف دول العالم، في آب 2020.

وفي تصريحات له عقب ختام أعمال الجولة الثالثة قال المبعوث الأممي، غير بيدرسون: “توجد اختلافات عميقة بين الأطراف في عدة قضايا-لم نصل لمرحة كتابة الدستور، نعمل على بناء الثقة بين الأطراف”.

وأضاف بيدرسون: “العديد من نقاط الخلاف بين الحاضرين، لكن يوجد عدد قليل جداً من المجالات المشتركة، التي اعترف بوجودها الرئيسين المشتركين (هادي البحرة وأحمد الكزبري)”.

ولفت إلى أنه قد يكون من الصعب التنبؤ بمستقبل المحادثات، لكنه عبّر عن ثقته بالتمكن من بناء الثقة بين الأطراف، مضيفاً أن “هذا يعتبر تقدماً”.

الجولة الرابعة: دون اختراق

الجولة الرابعة انعقدت منذ خمسة أيام، وكان اللافت فيها طرح وفد النظام السوري لقضية عودة اللاجئين إلى سورية، وهو أمر يعتبره وفد المعارضة ملفات فوق تفاوضية ودستورية، وتشابه ملف المعتقلين.

كما حاول وفد النظام التركيز على مصطلح “الثوابت الوطنية”، بعيداً عن مناقشة المبادئ الدستورية، والتي من المقرر أن تكون على جدول أعمال الجولة الخامسة، الشهر المقبل.

وتباينت مواقف وفدي النظام برئاسة أحمد الكزبري والمعارضة هادي البحرة إزاء أولويات المناقشات بين تركيز الطرف الأول على العقوبات واللاجئين و”الاحتلالات” التركية والغربية وتركيز وفد المعارضة على ملفات المعتقلين والحل السياسي والظروف المعيشية للنازحين واللاجئين.

—————————-

 اللجنة الدستورية.. 3 مضامين دستورية اقترحها وفد المعارضة

حصل تلفزيون سوريا على نسخة من المقترح الذي قدمه وفد المعارضة في يوم الخميس الفائت ضمن أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، والذي طرح “مضامین دستورية حول إدانة الإرهاب والهيئة الوطنية للمهجرين والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”.

إدانة الإرهاب

اقترح وفد المعارضة “رفض وإدانة جميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية، والالتزام بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها”.

واستند المقترح الأول أو المضمون الدستوري الأول إلى ما أدلى به أعضاء اللجنة في اجتماعات اللجنة الدستورية، وكذلك إلى المبدأ الثامن من “المبادئ الـ12 الأساسية والحية للأطراف السورية” التي سبق وأن قدمها الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا في الـ 30 من تشرين الثاني 2017، ضمن مؤتمر “جنيف8”.

وينص المبدأ الثامن على “الرفض القاطع لجميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها”.

الهيئة الوطنية للمهجرين

أما المضمون الدستوري الثاني حول الهيئة الوطنية للمهجرين، فقد عرّفها وفد المعارضة بأنها “هيئة وطنية مستقلة تعنى بشؤون المهجرين من لاجئين ونازحين، ونعمل على تمكينهم من العودة الآمنة والطوعية إلى مساكنهم التي هجروا منها، وضمان توفير البيئة الآمنة ومستلزمات الحياة الأساسية وجبر الضرر والمساهمة في تحقيق المصالحة الوطنية”.

وأشار مقترح المعارضة إلى أن مطالبه في تشكيل “الهيئة الوطنية للمهجرين”، يأتي “إدراكاً منا لمعاناة كل المهجرين من لاجئين ونازحين أو من هم في حالة الاغتراب القسري، وتعبيراً عن فهم أكبر لجاجة سوريا والمجتمع السوري لترميم النسيج الوطني، وإعطائه القوة والمناعة لمواجهة التحديات في الحاضر والمستقبل، لا بد من إيجاد الحلول الناجعة لإنهاء مأساة اللجوء والنزوح وتمكين كل المهجرين من العودة الطوعية إلى مناطقهم وبيوتهم التي هجروا منها في بيئة آمنة وكريمة”.

واستند الوفد في مقترحه الثاني إلى المبدأ الـ 11 من “المبادئ الـ12 الأساسية والحية للأطراف السورية”، والذي ينص على “محاربة الفقر والقضاء عليه وتوفير الدعم للمسنين والفئات الضعيفة الأخرى والتي تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وضحايا الحرب بما يشمل ضمان أمن وسكن جميع النازحين واللاجئين وكذا ضمان حقهم في الرجوع الآمن والاختياري لمساكنهم وأراضيهم”.

الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان

وجاء في مقترح المعارضة أن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان “هي هيئة وطنية مستقلة تهدف إلى النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها وترسيخ قيمها ونشر ثقافتها والإسهام في ضمان ممارستها ودعم حقوق الانسان والحريات الأساسية، ورصد انتهاكات حقوق الإنسان والمساهمة في إعداد الخطط الوطنية والبرامج المتعلقة بالتربية على حقوق الإنسان والمساهمة في تنفيذ الخطط الوطنية ذات الصلة، كما تعني بموضوع المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسريا، وكشف المصير ومعرفة الحقيقة وضمان عدم التكرار”.

ولفت مقترح المعارضة إلى أن الغاية من الهيئة “تأمين متطلبات السلام المستدام الذي يعالج الأسباب الجذرية للعنف ويردع أي مولدات للعنف والانتهاكات المستقبلية لحقوق الإنسان”.

واستند الوفد في هذا المضمون الثالث إلى المبدأ التاسع من “المبادئ الـ12 الأساسية والحية للأطراف السورية”، والذي ينص على “حماية حقوق الإنسان والحريات العامة ولاسيما أوقات الأزمات بما في ذلك ضمان عدم التمييز، ومساواة الجميع في الحقوق والفرص بغض النظر عن العرق أو الدين أو الإثنية أو الهوية الثقافية أو اللغة أو الجنس أو أي أساس آخر للتمييز. وإيجاد آليات فعالة لضمان تلك الحقوق تأخذ بعين الاعتبار الحقوق السياسية والحق في المساواة والفرص للمرأة بما في ذلك اتخاذ تدابير فعالة لضمان مشاركتها في المؤسسات ودوائر صنع القرار، مع اعتماد آليات تهدف لضمان مستوى تمثيل للمرأة لا يقل عن 30٪ وصولاً للمناصفة”.

وأنهت الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية أعمالها أمس الجمعة، في جو مشحون عقب انسحاب وفد النظام من الاجتماع حسب ما نقلت وسائل إعلام موالية.

ويركز نظام الأسد على ما أطلق عليه “المبادئ الوطنية” و”عودة اللاجئين السوريين”، في حين يركز وفد المعارضة السورية على ملفات العدالة الانتقالية، وحقوق اللاجئين والنازحين في العودة إلى مناطقهم الأصلية، والمعتقلين في سجون الأسد.

وشدد وفد المعارضة على الحفاظ على أملاك النازحين والمهجرين، وتعويضهم، وجبر الضرر، والتعامل مع المصابين والمعاقين والمغيبين قسرياً خلال السنوات الماضية، وذلك كضمانة دستورية، بحسب تغريدة للرئيس المشارك في اللجنة عن المعارضة هادي البحرة.

وأضاف البحرة أن “القضايا الإنسانية يجب ألا تكون محل تفاوض، ولها الأولوية الأولى بالنسبة لأبناء شعبنا السوري، وبالتالي فإن قضية اللاجئين والنازحين، وقضية المعتقلين والمغيبين قسرياً والمساعدات الغذائية والطبية، وكل هذه القضايا تهمنا فعلياً نحن أبناء هذا الشعب”.

وبحسب صحيفة الوطن الموالية فإنَّ وفد النظام وستة أعضاء من وفد المجتمع المدني انسحبوا من الجلسة الختامية احتجاجاً على ما اعتبروه “تهجم عضو وفد المعارضات هيثم رحمة على الدولة والجيش والمواطن السوري، وعلى إدارة الجلسة التي لم تفتح المجال لنقاط النظام التي سجلت اعتراضاً على ما جاء في كلمة رحمة”.

————————–

وثيقة حكومية سورية في جنيف «تفتح النار» على الجميع عدا روسيا وإيران/ إبراهيم حميدي

تضمنت 8 مبادئ ضد العقوبات الغربية و«الأجندات الانفصالية»… و «الشرق الأوسط» تنشر نصها

كشفت وثيقة قدمها رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، وحصلت «الشرق الأوسط» على نصها، مواقف أكثر تشدداً وتفصيلاً من الأوراق الحكومية السابقة، بينها مطالبتها ممثلي «هيئة التفاوض السورية» المعارضة والمجتمع المدني بـ«رفض الأعمال الإرهابية» بما في ذلك «الإرهاب الاقتصادي» ومساواة الوثيقة بين «داعش» و«الإخوان المسلمين»، إضافة إلى «إدانة الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا» من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا. كما صعّدت ضد «الإدارة الذاتية» الكردية لدى رفضها «أي أجندة انفصالية».

وانتهت أمس الجولة الرابعة من اجتماعات «الدستورية» بمشاركة وفود الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني على أن تعقد جولة خامسة في بداية العام المقبل. وبعد تشكيل اللجنة الدستورية في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي والاتفاق على «معايير العمل»، تمسك رئيس وفد الحكومة بمناقشة «المحددات الوطنية»، ولخصها برفض «الإرهاب والاحتلالات» والتمسك بوحدة سوريا وسيادتها، قبل مناقشة الدستور. أدى ذلك إلى تجميد عمل اللجنة منذ الجولة الثالثة في أغسطس (آب) الماضي.

– لا رجعة عنه

وبعد جولات في موسكو ودمشق وغيرها، توصل المبعوث الأممي غير بيدرسن، الشهر الماضي، إلى اتفاق خطّي مع الأطراف المعنية، نص على أنه ستتم في الجولة الرابعة متابعة النقاش بنفس جدول أعمال الجولة الثالثة الذي نص: «بناءً على ولاية اللجنة والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية، تتم مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية». أما جدول أعمال «الخامسة»، فسيكون: «اتساقاً مع ولاية اللجنة الدستورية والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية، تناقش اللجنة المصغرة (تضم 45 عضواً من 150) المبادئ الدستورية (المبادئ الأساسية في الدستور)».

وكان وفد الحكومة يريد استمرار المناقشات حول «المبادئ الوطنية» من دون سقف زمني، فيما أرادت «الهيئة» الولوج في بحث مقدمة الدستور. ولم يتضمن الاتفاق الأخير الذي أنجزه بيدرسن، الموافقة على مطلب المعارضة عدم العودة إلى مناقشة «المبادئ الوطنية» بعد الجولة الرابعة.

لكن الوثيقة التي قدّمها الكزبري أول من أمس، وحصلت «الشرق الأوسط» على نصها، ذهبت أكثر في شرح «الأسس والمبادئ الوطنية» في ثمانية مبادئ جاءت في صفحتين. ونص البند الأول على «استمرار مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره» عبر «الرفض التام للأعمال الإرهابية التي قامت وتقوم بها التنظيمات الإرهابية بما فيها (داعش) و(النصرة) و(الإخوان المسلمين) ومن ارتبط بها أو تحالف معها ميدانياً في جميع الأراضي السورية» و«رفض الإرهاب الذي تمارسه بعض الدول على الشعب السوري بما فيها الإرهاب الاقتصادي… والتدابير القسرية أحادية الجانب» في إشارة إلى العقوبات الغربية، إضافة إلى المطالبة بـ«تعويضات».

ونص البند الثاني على «إدانة الاحتلال الأجنبي لأراض سورية من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة والعمل على إنهائه بجميع السبل الممكنة وتجريم التعامل أو الاعتراف بالسلطات القائمة بالاحتلال واستدعاء التدخل الأجنبي أياً كان». ولم تتم الإشارة إلى الوجودين الروسي والإيراني اللذين تقول دمشق إنهما جاءا بناءً على طلب الحكومة السورية.

وفي البند الثالث، طالبت الوثيقة المشاركين بـ«دعم الجيش العربي السوري بكل السبل للقيام بمهماته»، فيما نص الرابع على «رفض أي مشروع انفصالي أو شبه انفصالي مهما كانت صيغته ورفض محاولات فرض الأمر الواقع». وشرحت الوثيقة أن ذلك يتم عبر ثلاث خطوات، هي: «الرفض التام لأي عمل سياسي أو عسكري يمس بوحدة الأراضي، والعمل لإسقاط أي مشروع انفصالي أو شبه انفصالي ورفض أي إجراءات تربوية أو تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية انفصالية، وتجريم ومحاربة الجماعات والتنظيمات التي تدعم أي مشروع انفصالي ومن يقف خلفه».

ويُعتقد أن الوثيقة تشير إلى «الإدارة الذاتية» التي أقامتها «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا، وتسيطر على ربع مساحة البلاد في شمال شرقها وتضم معظم الموارد الطبيعية.

– رموز الدولة

وجاء في البند الخامس: «تمثل الهوية الوطنية البوتقة الجامعة لجميع السوريين (…) التي تسمو على أي انتماء ديني أو طائفي أو مناطقي أو قبلي أو عرقي»، مشيرة إلى أن ذلك «يتجلى» في خمسة أمور، هي: «اسم الدولة: الجمهورية العربية السورية، واللغة الرسمية: العربية، والانتماء والولاء للوطن والدفاع عنه، والشعور العام للفرد بالانتماء إلى كامل التراب الوطني، وعدم المساس بالرموز الوطنية كالعَلَم والنشيد الوطني».

ونص البند السادس على ضرورة «حماية التنوع الثقافي… بوصفه يعزز الوحدة الوطنية»، فيما ركز السابع على «تشجيع اللاجئين على العودة بكل السبل الممكنة وضمان هذا الحق ورفض ما تقوم به بعض الجهات والحكومات من عرقلة ذلك بذرائع واهية أو ربط (العودة) بأجندات سياسية»، إضافة إلى مطالبة «المجتمع الدولي دعم جهود الدولة السورية في تهيئة الظروف المناسبة للعودة».

وخصصت الوثيقة البند الثامن لـ«الملف الإنساني» عبر المطالبة بمعالجته عبر «دعم جهود الدولة في رفع المعاناة الإنسانية عن شعبها التي تسببت بها الحرب الإرهابية الممنهجة المفروضة منذ نحو 10 سنوات»، مع «إدانة الاستخدام السياسي لهذا الملف».

وقدر«المركز السوري لبحوث السياسات» إجمالي الخسائر الاقتصادية في سوريا خلال 9 سنوات من الحرب بـ530 مليار دولار أميركي. كما تضرر 40% من البنية التحتية، في وقت وصل معدل الفقر إلى 86% بين السوريين البالغ عددهم نحو 22 مليوناً. وبلغ عدد الوفيات المرتبطة بالنزاع 690 ألفاً، بينهم 570 ألفاً قُتلوا بشكل مباشر نتيجة الحرب التي أدت إلى خروج 13 مليوناً من بيوتهم نازحين ولاجئين، في وقت يعيش 2.4 مليون طفل خارج المدارس داخل البلاد. ويشكل هؤلاء نحو 35% من الأطفال في سن الدراسة. وهناك نسبة مشابهة للأطفال السوريين خارج البلاد.

وحسب مصادر المجتمعين في جنيف، جرت مناقشات حادة بين ممثلي الحكومة والمعارضة بعد توزيع هذه الوثيقة. وطالب ممثلو «هيئة التفاوض» بضرورة التزام اتفاق «المعايير والإجراءات» الذي نص على قيام اللجنة الدستورية بمناقشة الدستور. ولم يتدخل فريق المبعوث الأممي في هذا الجدال ولم يُذكِّر المشاركين بمرجعيات العمل، علماً بأن بيدرسن كان قد ألمح في إفادة لمجلس الأمن قبل شهرين إلى ضرورة التزام الطرفين بـ«المعايير والإجراءات» المتفق عليها بين وفدي دمشق والمعارضة.

وحاول بعض المشاركين من المعارضة أخذ «النقاش» إلى الحيز الدستوري بالمطالبة بـ«مضامين دستورية» للأفكار، وتقديم مقترحات ملموسة مثل تشكيل هيئة وطنية مستقلة، تُعنى بأمور اللاجئين والنازحين وضمانات عودتهم والبيئة الآمنة اللازمة وجبر الضرر، وتشكيل هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.

وبعد اختتام الجولة الرابعة من «الدستورية» تتجه الأنظار إلى الخامسة التي ستُعقد بداية العام المقبل مع الانتقال إلى الإدارة الأميركية الجديدة التي وعد مرشحون فيها بـ«الاستثمار أكثر في العملية السياسية». وسيُطرح وقتذاك السؤال، ما إذا كانت «المناقشات» ستقترب فعلاً من الإصلاح الدستوري للتمهيد للانتخابات بموجب القرار 2254، خصوصاً أن موعد «الرئاسية» هو منتصف العام المقبل.

الشرق الأوسط

——————————–

اللجنة الدستورية تستأنف الشهر المقبل..إذا سمحت الظروف

أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن تحديد موعد الجولة الخامسة من محادثات اللجنة الدستورية السورية في مدينة جنيف السويسرية، في 25 كانون الثاني/يناير 2021.

وقال في مؤتمر صحافي أعلن خلاله انتهاء محادثات الجولة الرابعة مساء الجمعة، إن الجولة الخامسة من محادثات اللجنة الدستورية ستكون في 25 كانون الثاني إن سمحت ظروف فيروس كورونا.

واتفق الأطراف (الوفود الثلاثة) على جدول أعمال المرحلة الخامسة، على أن تبحث المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور.

وقال بيدرسن إنه “من الممكن أن نقرب وجهات النظر بين الأطراف”، و”نأمل في الجولات المقبلة أن نبدأ بعمليات الصياغة، وهذا يتطلب جهداً كبيراً”. وأضاف “الموضوع صعب، وقد لا يحدث بالسرعة التي نرغب فيها، لكن بعد أن استمعت للوفود الثلاثة، لا زلت أؤمن أن هناك إمكانية إحراز تقدم إن وجدت الإرادة السياسية”.

وأشار إلى الحاجة للإرادة السياسية والاستعداد للتنازل للوصول إلى حلول توافقية، لأن التصويت في اللجنة الدستورية بنسبة 75 في المئة، وبالتالي لا تستطيع مجموعة أن تفرض شيئاً على الآخرين. وأوضح أن السبب الذي يعيق التقدم، هو انعدام الثقة بين الأطراف السورية، والأطراف الدولية وعدم الرغبة والاستعداد لاتخاذ خطوات يمكن أن تبني الثقة بين الأطراف.

واعتبر بيدرسن أن محادثات اللجنة الدستورية، هي خطوة بالطريق الصحيح، والأهم أن “نحرز تقدماً في الميدان، وفي الإطار الدولي تشجيع الإدارة الأميركية الجديدة وروسيا أن يجلسا لمناقشة إن كانت هناك خطوات يمكن اتخاذها خطوة خطوة بشكل متبادل”.

وانتهت الجمعة أعمال الجولة الرابعة من محادثات اللجنة الدستورية، في مدينة جنيف السويسرية، بلا تحقيق أي تقدم يُذكر. ولم يُسجّل تقدم ملحوظ على مستوى التوافق بين الوفود المشاركة أو إحراز رؤية مشتركة حول عملية بناء الدستور، بل لم تدلّ المؤشرات حتى اللحظة على إتمام مرحلة “بناء الثقة” التي أمل بيدرسن بإنجازها بين الوفدين المعارض والموالي لنظام الأسد، والتي أشار إليها منذ انتهاء أعمال الجولة الثالثة في آب الماضي.

——————————-

وثيقة للمعارضة السورية في جنيف تطالب بـ«نظام جمهوري تعددي»

تضمنت مقترحات دستورية رداً على ورقة قدمها وفد الحكومة

 إبراهيم حميدي

ردت «هيئة التفاوض السورية» المعارضة على وثيقة قدمها وفد الحكومة السورية في اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، بتقديم ورقة لـ«المبادئ الوطنية كمضامين دستورية» في أربع صفحات، تضمنت الكثير من العناصر، بينها أن يكون النظام السياسي «جمهورياً» يقوم على «التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام الدستور ومبادئ السيادة الوطنية».

وانتهت أول من أمس اجتماعات الجولة الرابعة للجنة، بإعلان المبعوث الأممي غير بيدرسن: «يسعدني جداً أن اللجنة اتفقت وأظن أنها المرة الأولى التي تنجح في ذلك، إذ اتفقنا على برنامج اجتماعنا المقبل وموعده» في 25 يناير (كانون الثاني) المقبل.

والتقت اللجنة الدستورية المؤلفة من 45 شخصاً، يمثلون مناصفة السلطات السورية والمعارضة والمجتمع المدني، الاثنين، في جنيف، للمرة الرابعة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وأوضح بيدرسون أن المحادثات خلال الاجتماع المقبل «ستتناول المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور».

كان رئيس وفد الحكومة السورية أحمد الكزبري، إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، قدم إلى فريق المبعوث الأممي وثيقة تضمنت مواقف أكثر تشدداً وتفصيلاً من الأوراق الحكومية السابقة، بينها مطالبتها ممثلي «هيئة التفاوض» المعارضة والمجتمع المدني بـ«رفض الأعمال الإرهابية»، بما في ذلك «الإرهاب الاقتصادي»، ومساواة الوثيقة بين «داعش» و«الإخوان المسلمين»، إضافة إلى «إدانة الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا»، من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا. كما صعدت الوثيقة ضد «الإدارة الذاتية» الكردية لدى رفضها «أي أجندة انفصالية».

في المقابل، قدم رئيس وفد «الهيئة» هادي البحرة، وثيقة مضادة من أربع صفحات، لخصت مداخلات وفد المعارضة للدستور السوري المقترح. وحسب النص، الذي حصلت «الشرق الأوسط» عليه، فإن «الدولة السورية دولة مدنية ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي عضو مؤسس في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئة الأمم المتحدة، وتلتزم بمبادئ حسن الجوار، وبناء أفضل العلاقات مع محيطها الإقليمي والدولي، اعتماداً على مبدأ السيادة الوطنية والقانون الدولي، وتلتزم بإعادة الجولان المحتل بكافة الوسائل المشروعة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي». وأن الدولة «تتمتع بكامل السيادة الوطنية على قدم المساواة مع غيرها من الدول، وتلتزم بعدم التدخل في شؤونها».

واقترحت الوثيقة أن يكون «نظام الحكم في الدولة جمهورياً ديمقراطياً تداولياً، يقوم على التعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وأن الشعب السوري متعدد القوميات والأديان، يملك السيادة وهو مصدر السلطات، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بنفسه ولنفسه، ويمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور، وأن يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية، وعن طريق صناديق الاقتراع بدون تدخل خارجي، وفقاً لحقوق الدولة السورية»، إضافة إلى «مناهضة جميع أشكال الإرهاب والتعصب والتطرف والطائفية، وتلتزم بمكافحتها ومعالجة أسباب انتشارها».

كما اقترحت إحداث هيئتين، واحدة للمهجرين وثانية لحقوق الإنسان. وقالت: «لا يجوز حرمان أي عضو من الشعب من جنسيته»، مضيفة أن «هذه المضامين الدستورية المقترحة صالحة للبناء عليها وصياغتها لتكون ضمن المبادئ الأساسية في الدستور الجديد للبلاد، وأن تكون محل إجماع الشعب بكل أطيافه ومكوناته، مع تأكيدنا أن لا وجود لمبادئ وأسس يمكن وصفها بالوطنية خارج إطار الدستور».

وتجري اجتماعات اللجنة الدستورية بموجب مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي بداية العام الماضي، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي نص على إصلاح دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية.

الشرق الأوسط

————————-

======================

تحديث 07 كانون الأول 2020

———————————

ما إشكاليات مقترح “هيئة التفاوض” المطروح في الجولة الرابعة؟/ تيم الحاج

رغم أن الجولة الرابعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية” اختتمت أعمالها، في 4 من كانون الأول الحالي، إلا أن تداعيات ما جاء فيها ما يزال مستمراً حتى الساعة، إذ تتعالى أصوات تُحسب على الصف الأول للمعارضة السياسية السورية، تنتقد بنوداً جاءت في مقترح قدمه وفد “هيئة التفاوض” (وفد المعارضة) المشارك في “اللجنة الدستورية” إلى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون.

المقترح جاء في أربع صفحات، تضمن كثيرا من العناصر، بينها أن يكون النظام السياسي جمهورياً، يقوم على التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وعليها احترام الدستور ومبادئ السيادة الوطنية.

المنتقدون للمقترح وجدوا فيه شيئاً من التنازل، إلى جانب أنه قد يخدم سردية نظام الأسد، في المقابل، يتفهّم الرئيس المشترك لـ “هيئة التفاوض”، هادي البحرة، وفريقه، هذه الانتقادات، وقال في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إن هذه المخاوف ناتجة عن عدم وضوح تسلسل العملية السياسية، وإن مقترحهم هو لدستور سوريا الجديد، ما بعد تنفيذ قرارات “الشرعة الدولية” وأهمها القرار 2254 الصادر عام 2015.

سجال مقترحات بين وفدي نظام الأسد و”هيئة التفاوض” وبيدرسون صندوق البريد

يبدو أن مقترح “هيئة التفاوض” جاء كرد على وثيقة قدمها رئيس وفد النظام أحمد الكزبري، للمبعوث الأممي بيدرسون، شدد فيها نظام الأسد على موافقه الداعية لمناقشة مواضيع خارج الإجراءات المتفق عليها مسبقاً.

وركزت على “مكافحة الإرهاب” ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، وقالت الوثيقة. وقد ساوى النظام في وثيقته بين تنظيم “الدولة” و”الإخوان المسلمين”، كما طالب بإدانة “الاحتلال الأجنبي من تركيا وإسرائيل وأميركا” من دون أي إشارة إلى إيران وروسيا، إلى جانب رفع الصوت بوجه “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، إذ وصفتها الوثيقة بـ “صاحبة أجندة انفصالية”.

وكان عضو “هيئة التفاوض” يحيى العريضي، قال لموقع تلفزيون سوريا مطلع الجولة الرابعة إنهم استعدوا بشكل جيد لكل السيناريوهات، وإنهم يعلمون جيداً أن وفد النظام سيعمل على وضع العراقيل أمام عربة “اللجنة الدستورية”، عبر تغريده خارج السرب.

 اجتماعات اللجنة قبل أكثر من سنة، حيث تم تجهيز ملفات بمختلف بنود ومحاور الدستور من أجل كتابة الدستور، مشدداً أن استعداداتهم ماتزال موجودة على قدم وساق، وهي في طور التحديث باستمرار.

العريضي قال “نحن نعرف نية النظام في كسب الوقت وحتى الروس يريدون تفصيل حل على مقاسهم يساهم في إعادة تأهيل النظام، ولكن هذا لايمكن أن يحدث، بسبب وجود قرار دولي ضمن محاور على رأسها هيئة حكم انتقالي وأحد بوابات الحل إيجاد دستور ناظم للحياة السياسية السورية”. لا فتاً إلى أن وفد “هيئة التفاوض” يشارك في اجتماعات اللجنة الدستورية، بروح إيجابية ومسؤولية تضع المصلحة السورية فوق كل اعتبار، وفق تعبيره.

تنازل يخدم جزءاً من سردية نظام الأسد

كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع “جنيف4″، محمد صبرا، قرأ في البند الذي جاء في مقترح “هيئة التفاوض” ويقول إن “الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية وعن طريق صناديق الاقتراع بدون تدخل خارجي وفقاً لحقوق الدولة السورية”، أنه يعني في حقيقته التنازل عن كل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة الخاصة بالقضية السورية، خاصة أن الفقرة لا تدع مجالاً للاجتهاد، عندما تضيف من دون تدخل أحد ووفقا لحقوق الدولة السورية.

ويرى صبرا في حديث لموقع تلفزيون سوريا، هذا البند يشكل فخاً حاول المبعوث الأممي السابق، ستيفان ديمستورا، أن يمرره ورفضه وفد المعارضة، لأنه يسقط كل القرارات الدولية حول سوريا، ويجعل الحل فيها عبر صناديق الانتخاب فقط.

ووفق صبرا فإن هذا المطلب هو مطلب روسيا والنظام، وهو نفس الكلام الذي يردده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ورئيس النظام بشار الأسد، والقائل إن “الحل في سوريا يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع، وليس عن طريق الأمم المتحدة”.

واعتبر هذا البند “صك براءة للنظام” بشكل كامل وتبني لجزء كبير من سرديته وروايته،

وزاد صبرا “لو أن مقترح هيئة التفاوض أكمل هذه الفقرة بعبارة، بعد تنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا، أو لو قال وفقاً لقرارات مجلس الأمن الناظمة للمرحلة الانتقالية وما بعدها، لكنا رفعنا القبعة لهم”.

وتوقع أن تقوم “هيئة التفاوض” بتبرير ذلك بالقول “إننا نقصد بهذا البند بعد المرحلة الانتقالية”، وطرح صبرا تساؤلاً بالقول “لو كان كذلك لذكرتموه صراحة من دون الحاجة للغموض والتفسيرات والتوضيحات؟” .

هادي البحرة يرد على منتقدي مقترح “هيئة التفاوض”

رد الرئيس المشترك لـ “هيئة التفاوض”، هادي البحرة، عبر موقع تلفزيون سوريا، على منتقدي المقترح الذي قدموه في الجولة الرابعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية”

وفي مايلي رد البحرة:

“نتفهم بشكل كامل هذه المخاوف وهي ناتجة عن عدم وضوح تسلسل العملية السياسية، هذا النص المقترح هو لدستور سوريا الجديد، سوريا المستقبل،  مابعد تنفيذ قرارات الشرعة الدولية وأهمها القرار  2254 لعام 2015. والخلط عند العموم هو في موقع مشروع الدستور في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف وتاريخ إقراره”.

“إقرار الدستور الجديد من الشعب السوري سيتم بعد إنجاز الاتفاق السياسي للتنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وتحقيق البيئة الآمنة والمحايدة من قبل هيئة الحكم الانتقالي (نظام الحكم الشامل وذو المصداقية وغير الطائفي)، المسؤولة عن تحقيق تلك البيئة قبل أي عملية انتخابية. بالتالي الشعب وهو صاحب السلطة في إقرار الدستور من عدمه، وسيتوجه للاستفتاء على الدستور بعد إنجاز الاتفاق السياسي لتنفيذ كامل قرار مجلس الأمن 2254، وفي آخر مراحل تنفيذ القرار الذي يؤدي الى الانتقال السياسي الكامل، الاستفتاء على الدستور يليه الانتخابات البرلمانية و/أو الرئاسية وفق ما يحدده الدستور المنشود وبإشراف كامل من الأمم المتحدة”.

وحول عدم ذكر أي شيء عن “هيكلة الجيش والأمن وإعادة بناء النظام السياسي والعدالة والمحاسبة، وفق رأي المنتقدين، في مقترح “هيئة التفاوض”

قال البحرة “لم يتم تجاهله أو تجاهل مضامين دستورية كثيرة أخرى، كنا قدمناها في دورات الاجتماعات السابقة، الورقة التي قدمت هي ملخص لما تم طرحه في مداخلات أعضاء اللجنة من هيئة التفاوض خلال اجتماعات الدورة الرابعة فقط، أشرنا لذلك بوضوح في مقدمة ورقتنا المقترحة حيث نصت على ذكر المضامين والبنود الدستورية المقترحة التي وردت في المداخلات خلال الدورة الرابعة من اجتماعاتنا.

و”أشرنا (الكلام للبحرة) في المقدمة بوضوح إلى المبادئ الاثني عشر التي اعتمدت من الأطراف المعنية كافة وضمنت في اتفاق تشكيل اللجنة وتفويضها واختصاصاتها حيث نصت المادة1:الولاية: ضمن البند السابع، ويقوم الإصلاح الدستوري من بين أمور أخرى بتجسيد المبادئ الاثني عشر الحية السورية – السورية نصاً وروحاً في الدستور السوري والممارسات الدستورية السورية، هذا وقد تم النص ضمنها على بناء جيش وطني قوي وموحد يقوم على الكفاءة ويمارس واجباته وفقاً للدستور ولأعلى المعايير. وتتمثل مهامه في حماية الحدود الوطنية والسكان من التهديدات الخارجية ومن الإرهاب. وبناء مؤسسات أمنية ومخابرات تحفظ الأمن الوطني وتخضع لسيادة القانون وتعمل وفقاً للدستور والقانون وتحترم حقوق الإنسان. أي أن هذا البند وغيره من المبادئ الاثني عشر هي حكماً ستجسد نصاً وروحاً ضمن المبادئ الأساسية في الدستور المنشود ضمن أبوابه وفصوله المختصة”.

بيدرسون ينقل تفاصيل الجولة الرابعة إلى الخامسة

بات واضحاً أن الجولات الأربعة التي عقدتها اللجنة الدستورية لم تفضِ إلى أي تقدم ملموس، وسط اتهامات للنظام بالتعطيل والمماطلة.

وكان غير بيدرسون، أعلن ليل أمس الجمعة الفائت، اختتام الجولة الرابعة بعد أن والتي تم فيها الاتفاق “على جدول أعمال الاجتماع المقبل (الجولة الخامسة) في 25 من كانون الثاني في حال سمحت ظروف كورونا بذلك”.

وكان مراقبون توقعوا أن تكون الجولتان الرابعة والخامسة، مغايرة لسابقاتها، إذ لأجل طاف من أجلها بيدرسون في عدة عواصم والتقى كبار مسؤوليها، في إشارة منه إلى رغبته في إنجاحها، على عكس سابقاتها التي باءت بالفشل.

ففي 30 من تشرين الأول 2019، انطلقت الجولة الأولى من أعمال “اللجنة الدستورية”، بمشاركة جميع أعضائها (150 عضواً)،  وسط ترحيب ودعم دوليين، بعدما عانت من مخاض دام طويلاً، قبل ولادتها بجهود الأمم المتحدة.

وبعد أقل من شهر، في 25 من تشرين الثاني 2019، عُقدت جولة ثانية، اقتصرت على المجموعة المصغرة (45 عضواً)، لكنها وُصفت بـ “عدم الجدية”، خاصة من قبل وفد نظام الأسد، الذي أصر على مناقشة ما أطلق عليه “الثوابت الوطنية”.

وفي آب الفائت، انطلقت الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، بعد تسعة أشهر من الجولة الثانية التي انتهت بخلاف بين الوفود المشاركة (النظام والمعارضة والمجتمع المدني) حول جدول الأعمال، واختتمت الجولة في 29 من الشهر نفسه.

وفي الجولة الثالثة التي تكللت بالفشل، كان المبعوث الأممي توقع عدم تحقيق معجزة في اجتماعات اللجنة الدستورية، ودعا في مؤتمر صحفي عقده، في 22 من آب الفائت، بمكتب الأمم المتحدة في جنيف، إلى عدم توقع “معجزة” أو “نقطة تحول” في الجولة الثالثة من مباحثات اللجنة، التي اعتبرها “عملية طويلة وشاقة”، كما أنها “لن تشكل حلاً لإنهاء الحرب السورية”، وفق قوله.

——————————-

أربع جلسات دستورية تختتم مرحلة ((المبادئ الوطنية)) / د. سميرة مبيض

انتهت منذ أيام قليلة الجلسة الرابعة للجنة المُصغرة من اللجنة الدستورية السورية ويمكننا توصيفها بأنها جلسة ختامية للمرحلة الأولى من عمل اللجنة الدستورية والتي اتسم عنوانها العريض بما عُرف ب ((المبادئ الوطنية)) وقد امتدت على مدى عام كامل تخللتها تقلبات تحاكي فصول السنة الأربعة وصولاً لرسم المشهد كاملاً موضحاً ما يراه كلاً من الطرفين الرئيسيين لهذه اللجنة المصغرة المُتشكلة في 30 تشرين الأول لعام 2019، والمُسيرين لمسار الحوارات خلال المرحلة السابقة.

ففي حين تتالت الجلسات بين الجلسة الأولى التي تضمنت لا أوراق قدمتها كل من المجموعات المعنية، لا ورقة المعارضة التي تضمنت مبادئ دستورية تلخص ما ورد في مداخلات جميع المشاركين الى لا ورقة النظام والتي تمحورت حول محاربة الإرهاب وختاماً لا ورقة المجتمع المدني والتي تفاوتت ضمنها المحاور بين التركيز على الافراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً من قبل جميع الأطراف الى مطلب رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام السوري والتأكيد على محاربة الإرهاب وذلك وفقاً لتفاوت المواقف ضمن هذه الكتلة.

وفشلت لاحقاً الجلسة الثانية بسبب عدم التوصل لأجندة عمل يتوافق عليها وفد المعارضة ووفد النظام، وجاءت الجلسة الثالثة لتطرح موضوع الهوية السورية للنقاش ورغم تباين الأفكار المطروحة فقد حملت بوادر طفيفة إيجابية أهمها قبول نقاش تعددية الهوية السورية بعد أن كان ذلك من الأمور المُقفلة فيما قبل الثورة السورية.

أما الجلسة الرابعة والختامية تحت مسمى المبادئ الوطنية التي يُفترض الاتفاق عليها من قبل المُشاركين قبل الدخول بنقاش المضامين الدستورية فقد ركز ضمنها الوفد الموفد من قبل النظام على أربعة محاور أهمها الضغط نحو موضوع رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على شخصيات ومؤسسات داعمة لنظام الأسد إضافة الى موضوع تدهور الحالة الإنسانية في سوريا واعطاءه الأولوية على أي أمر آخر وموضوع عودة اللاجئين وموضوع محاربة الإرهاب ووردت تصريحات لأطراف معارضة تتناغم مع إعطاء الأولوية للحالة الإنسانية في تجاهل مطلق من قبل الطرفين أن هذه الكوارث الإنسانية مردها وجود نظام الحكم الاستبدادي في السلطة وتغييرها يتطلب حتماً انهاء حقبة الحكم الشمولي. والأهم أن ثمرة هذه الجولة هي أن كلا من الطرفين المُشكلين لهذه اللجنة المُصغرة قدم رؤية كاملة لمسار ((المبادىء الوطنية)) من منظوره.

وفيما يلي محاولة اضاءة على نقاط وردت ضمن الاوراق المقدمة وقد تستحق الوقوف عندها ونقاشها من كافة الجهات المعنية.

ورقة هيئة التفاوض:

– جاءت ورقة هيئة التفاوض ترتكس في مُقدمتها نحو مؤتمر سوتشي وليس نحو القرار الدولي 2254 والذي على أساسه تمت الدعوة لانعقاد واطلاق اللجنة الدستورية من قبل المبعوث الدولي ومنحها صلاحياتها كما ورد بوضوح في المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية التي انطلقت بتيسير من الأمم المتحدة في جنيف والتي نصت “أن الدعوة للجنة الدستورية تتم بموجب التفويض الممنوح للمبعوث الدولي في قرار مجلس الأمن الدولي 2254( 2015)٬ بما في ذلك تسهيل المفاوضات السورية-السورية، ومنها وضع مسار لصياغة دستور جديد تجرى، بناءاً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية السورية”

– طرحت ورقة هيئة التفاوض مصطلحات فضفاضة لتثبيت ما سُمي ضمنها بالهوية الوطنية والتي تفترض جدلاً وجود التعايش بين المكونات السورية بعيداً عن الاعتراف بواقع ما جرى في النصف قرن الماضية من انتهاكات وممارسات دمرت المجتمع السوري، وبعيداً عن الاعتراف بواقع الحال اليوم، بعد عقد من صراع دامي بين السوريين، من انقسام مجتمعي في سوريا وبعيداً عن تثبيت الهوية السورية التعددية التي قد تستطيع حمل المرحلة القادمة كجسور تمتد بين المكونات السورية لبناء حالة استقرار فعلية بعد تثبيت حقيقي للأمن وسيادة القانون وتطبيق حقوق الانسان.

– كما ابتعدت ورقة هيئة التفاوض عن تثبيت مسار القرارات الدولية القاضية بعملية التغيير السياسي كمسار رئيسي لوصول الشعب السوري لبناء مستقبله، بما يُناقض ايضاً المعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية والتي ترتكز على هذه القرارات الدولية.

– كما أشارت ورقة هيئة التفاوض لموضوع الإرهاب دون التفصيل بالجهات المتعددة المسؤولة عنه ودون شرح دور النظام كمنتج ومتفاعل مع هذه المنظمات الإرهابية.

– جاء بند عودة اللاجئين في ورقة هيئة التفاوض ضبابي لا يرتبط بعملية التغيير السياسي الجدي بل يطالب بتامين ظروف وآليات لعودة طوعية وآمن وكريمة مع مقترحات لتشكيل هيئات مستقلة للمهجرين ولحقوق الانسان ويمكن اعتبار مقترح تشكيل هذه الهيئات المستقلة مقترح عملي ومطلب ايجابي قابل للتطبيق بعد انجاز عملية التغيير السياسي التي انطلقت على أساسها هذه العملية الدستورية.

ورقة الوفد الموفد من قبل النظام:

– جاءت ورقة الوفد الموفد من قبل الحكومة تدين الإرهاب والجهات المنتجة له والدول الراعية له بصورة جزئية متجاهلة كل ما يتعلق بنظام الأسد ودور حلفائه في انتاج الإرهاب ودعمه وتسهيل مروره للأراضي السورية وتتجاهل ذكر تواطؤ النظام مع تنظيمات ارهابية كداعش والنصرة ووجود مليشيات إرهابية مقابلة ومكافئة لهم يدعمها حليفه الإيراني وعصابات ومرتزقة يدعمها حليف النظام الروسي وهم من كافة الجنسيات يدافعون عن وجوده بالسلطة ضد إرادة الشعب السوري.

– كما تمت ادانة وجود احتلال خارجي لسوريا بشكل جزئي مستثنياً وجود المليشيات والقوى المسلحة والمرتزقة التابعة لدول حليفة للنظام.

– كما جاءت هذه الورقة تصبغها منهجية حزب البعث المستمرة بالتخوين والاتهامات بالانفصالية، كذريعة للتخلي عن الهوية التعددية والاعتراف بها وتثبيت الحقوق المرتبطة بوجودها، واظهار السوريين بمظهر متشدد ورافض للآخر، في حين لا يوجد أي مكون سياسي سوري معارض يطالب بالانفصال عن الاراضي السورية.

– كما طرحت ورقة الوفد الموفد من قبل الحكومة مفهوماً فضفاضاً عن الهوية الوطنية، بعيداً عن الاعتراف بالهوية السورية التعددية القادرة على حمل المستقبل والضلوع ببناء جسور حقيقة تضمن الاستقرار والأمن للسوريين.

– كذلك ركزت على موضوع إعادة اللاجئين بمعزل عن انجاز عملية الانتقال السياسي وبإعطاء الأولوية لمعالجة الكوارث الإنسانية، في تجاهل كامل لارتباط هذه الأوضاع بحالة وجود حكم شمولي استبدادي، لا يمكن انتهاؤها الا بانتهاء المسببات.

لا بد أن ختام هذه المرحلة أظهر تناغماً لا يمكن اهماله على عدة محاور بين مواقف الجهتين المُشكلتين للجنة المُصغرة للجنة الدستورية، على الأخص بما يتعلق بالابتعاد المتعمد عن ذكر القرارات الدولية القاضية بالتغيير السياسي في سوريا وبالتركيز على قضايا تُمنح الأولوية على حساب التغيير الجذري في حين انها لا تُحل الا به. وأخيراً هذا الإصرار الثنائي على فرض مفهوم الهوية الوطنية كهوية شمولية جديدة تصهر الجميع دون اعتراف فعلي بتعدديتهم، بهذه جميعها يبدو ان مسار ((المبادئ الوطنية)) حاول الهروب من استحقاق التغيير الجذري دون إدراك أنه استحقاق حتمي تفرضه جثامين مئات ألوف  السوريين من كافة الأطراف ومثلهم من المختفين القسريين لدى كافة الجهات وأضعافهم من اللاجئين المشردين في العراء دوناً عن الظواهر الهمجية والارهابية التي صدّرتها وصنعتها الحقبة الماضية بكافة أطرها السياسية والاجتماعية المؤطرة للمجتمع، هذه المنظومة بمجملها لا تشكل خطراً على السوريين وحسب بل خطر على أمن العالم اجمع وفي ذلك خلاصة الأمر.

موقع نواة

—————————–

دستور لسوريا السيدة لا لسوريا الأسد/ يحيى العريضي

السوريون، بمختلف أطيافهم ومواقفهم ومواقعهم، يعرفون أن لا قيمة لدستور في بلدهم. لنصف قرن، ما عهدوا احترامًا لدستور أو عملاً به، إلا عندما يكون بخدمة الحاكم. القانون يُختَرق، القضاء يباع ويشترى، والتشريع يُفصَّل ويُسَن ليناسب الحاكم.

الدستور الذي عهدوه منذ بداية سبعينيات القرن الماضي تم تفصيله على مقاس الحاكم. طوال هذه السنوات، يضيف الحاكم إليه، يحذف منه، أو يغيّره كما يشاء، دون رادع أو مسؤولية أو وازع أخلاقي. نسي السوريون أن عندهم دستوراً. ما عرفوه وعاشوه كان قوانين الحاكم العرفية، وبطش مخابراته، وبلطجية ميليشياته، وفلتان إدارييه وسياسيه، بغياب كامل للدستور أو قوانينه.

يدرك السوريون أن مشكلتهم ليست في الدستور، بل بغياب من يحترم إنسانية الإنسان وحريته وحقه في حياة حرة كريمة في بلد سيد حر مستقل. يعرف السوريون أن ما يُسمى “الدستور” في بلادهم لم يحمهم من تسلُّط الحاكم، أو فلتان قطعانه الأمنية والعسكرية أو التغول في دمهم وكرامتهم، أو من استباحة بلدهم بميليشيات وقوى خارجية سحقت من يعارض الاستبداد. بالمختصر، لم ينفعهم في منع مصيبتهم، عندما طالبوا بالحرية المنصوص عليها في بنوده.

بعد اقتناع العالم- حتى روسيا التي حمت النظام بجبروتها العسكري- بأن لا حل في سوريا إلا الحل السياسي، لم يبق للسوريين إلا العملية السياسية، التي يمكن أن تعيد حقوقهم وبلدهم إلى سكة الحياة. صدرت القرارات الدولية المأمولة في تحقيق ما يصبون اليه، إلا أن روسيا سعت إلى إفراغ تلك القرارات من مضامينها. عندما استمر خرق هذه القرارات، علّقت الهيئة العليا للمفاوضات لقاءات جنيف، فأدار العالم ظهره للقضية السورية لأكثر من عام سقط خلاله معظم ما يُسَمّى “المحرر”. ابتدع الروس مسار “أستانا”؛ وعبره أجهضوا أهم بند في القرارات الدولية /وقف إطلاق النار/، وحولوه إلى “خفض تصعيد”؛ عادوا وقضموه.

حاول الروس أيضاً إقحام بعدٍ سياسي في “أستانا” للإجهاز على مسار جنيف بالكامل؛ إلا أن ذلك أُفشل، فخرجوا ببدعة “مؤتمر للشعوب السورية” في سوتشي، حيث تمخض عنه فكرة تشكيل “لجنة دستورية”، أرادوها أن تكون برعايتهم وتحت إشرافهم؛ إلا أن اشتراط الأمم المتحدة حضور “سوتشي” بجعل اللجنة برعاية وإشراف أممي وطبقاً للقرار ٢٢٥٤، وإلا فقدت شرعيتها، جعل الروس يقبلون بذلك مستمرين بادعاء وصايتهم عليها. من جانبه، نظام الأسد كان رافضاً لها جوهرياً. ولكن، لأسبابها، دفعته موسكو لقبول اللجنة مستمرة بمحاولاتها في جعل مفاعيلها على قياس مصالحها، وحسب مزاج منظومة الاستبداد.

بناء على كل ذلك، استمر النظام بالتعنت والتملص والتلاعب والتصرف بلا مسؤولية تجاه سوريا والسوريين، حيث هاجسه الإبقاء على منظومة الاستبداد، واستخدام “تجاوبه” للتمثيل على العالم بأنه يريد عملية سياسية وصفها رأسه “باللعبة السياسية” فاضحًا نية منظومته. من هنا كان الموقف والمسلك و الأداء خلال جولات الدستورية؛ ومن هنا كانت المخالفات للقواعد الإجرائية المتفق عليها: بداية من التبرؤ من وفد السلطة، إلى نعته بالوفد الوطني، مروراً بالتشكيك بوطنية الوفود الأخرى، وصولاً إلى طروحات لا علاقة لها بتعديل أو كتابة دستور كالحديث عن “الاٍرهاب”، الذي لا يختلف اثنان على أن نظامهم قائم عليه وممارساً له، بما في ذلك استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وكقتل المعتقلين تحت التعذيب، والاستمرار بالحديث عن “المؤامرة الكونية”، التي لو استهدفته، لما بقي أياماً؛ ولكنها فعلاً استهدفت سوريا وشعبها تاركة منظومة الاستبداد تفترس شعباً بلا معين.

أمام كل هذه المعطيات، يتابع السوريون الآن من ينبري لكتابة دستور لهم؛ فها هم يسمعون ويتابعون من ضفتهم لجنة مؤلفة من أناس لم ينتخبونهم يتحدثون عن الحرية والعدالة والحقوق وفصل السلطات وتحديد صلاحيات الحاكم، وضوابط لا تسمح بأن يكون حاكماً بأمره؛ وفي الضفة الأخرى مجموعة تمثل نظاماً كتب دساتيراً داسها بحذائه؛ نظاماً اعتقلهم، وقتلهم، وشردهم، ودمر حياتهم وبيوتهم بقانونه العرفي منتهكًا الدستور والدسترة.

أخيراً وليس آخراً، طالما توفر بصيص أمل بتغيير، سيستمر وفد المعارضة بالالتزام بالقواعد الإجرائية ومدونة السلوك للجنة؛ وبالتصرف بمسؤولية تجاه القرار الدولي الحافظ لحق السوريين؛ سيستمر متحملاً الجلوس مع بعض مَن يشاركونه بحمل الهوية ذاتها (رغم فقدان نسختهم منها لأي حس بالمسؤولية تجاه شعب وبلد دمّره الاستبداد الذي يسلب إرادتهم وضميرهم). سيستمر وفد الهيئة لأنها البقعة السياسية الوحيدة المتبقية من عملية سياسية أطبق الروس كل منافذها.

الأمر الطبيعي أن يكون لسوريا دستور يليق بها؛ أما هذه الظواهر المخالفة للطبيعة الآدمية والأخلاقية، فلا تستطيع أساساً أن تعيش في ظل دستور محترم وقانون لا أحد فوقه.

سوريا القادمة تريد دستوراً لا مكان فيه لمنظومة الاستبداد؛ سوريا تريد دستوراً للحياة لا للموت. لقد ماتت سوريا الأسد. سوريا المستقبل تريد دستوراً لسوريا السيدة وأهلها الطيبين.

تلفزيون سوريا

——————————

ما وراء توتر وانسحاب وفد النظام السوري من الجولة الرابعة للجنة الدستورية وافتعاله المشاكل/ عماد كركص

مع ختام الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية، حدد المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون موعد الجولة القادمة (الخامسة) يوم 25 يناير/كانون الأول من العام المقبل، وذلك بعد ما يشبه الفشل في أعمال الجولة الماضية إثر استمرار النظام في سياسة المماطلة والتعطيل خلال الجولة الرابعة.

وعمل النظام على زج مواضيع إضافية على جدول أعمال الجولة الرابعة لمناقشتها ضمن ملف “الثوابت والركائز الوطنية”، إذ أصر النظام على الاتفاق عليها بالكامل قبل الدخول بمناقشة مضامين الدستور، وفي كل مرة يضيف النظام على هذا الملف مواضيع جديدة، هي عبارة عن تفاصيل يحاول من خلالها إغراق أعمال اللجنة وأطرافها فيها بهدف كسب الوقت وتمييع المسار السياسي. 

وحاول وفد النظام إلى اللجنة الدستورية في اليوم الأخير اختلاق مشكلة، فيما يبدو، للاستناد عليها في استمرار تعطيل الجولة الخامسة، التي يُشار إليها بأنها ستكون مفصلية كونها ستضمن مناقشة مضامين دستورية تدخل في صلب صياغة دستور جديد للبلاد، بعد أن نجح في تحديد أعمال الجولتين الثالثة والرابعة بنقاش “الركائز والثوابت الوطنية”. 

وشهد اليوم الأخير من أعمال الجولة الرابعة أجواء مشحونة بعد انسحاب وفد النظام السوري وعدد من أعضاء وفد المجتمع المدني من الجلسات الختامية.

وذكرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام السوري أن وفد النظام وستة أعضاء من وفد المجتمع المدني انسحبوا من الجلسة الختامية، احتجاجاً على تهجم عضو وفد المعارضة هيثم رحمة على الدولة السورية والجيش والمواطن السوري، وعلى إدارة الجلسة التي لم تفتح المجال لنقاط النظام التي سجلت اعتراضاً على ما جاء في كلمة رحمة.

سياسة/اللجنة الدستورية السورية/(مارتيال ترزيني/فرانس برس)

وقال مصدر من وفد المعارضة لـ”العربي الجديد” إن الجلسات الختامية شهدت توتراً وانسحاباً لكل الأعضاء القادمين من دمشق، بسبب وصف القوات الإيرانية والعراقية والأفغانية الموجودة في سورية بالمليشيات، موضحاً أن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون تدخّل وأعاد المنسحبين واستكملت الجلسات الختامية بشكل طبيعي.

وقالت مصادر معارضة لـ”العربي الجديد” إنّ هيثم رحمة، طالب، خلال كلمته في الجلسة الختامية، بانسحاب جميع العناصر الأجنبية من سورية، و”إنهاء جميع أنواع الاحتلال”، بما في ذلك “عناصر المليشيات الإيرانية العراقية”، وهو أمر أثار حفيظة وفد النظام، ليبدأ بعدها برفع الأصوات المعارضة، وتلاه انسحاب الرئيس المشترك للجنة أحمد الكزبري، وأعضاء من وفد النظام ووفد المجتمع المدني اعتراضًا على ما قالوا إنه “أمر غير مقبول”.

وأشارت المصادر إلى أن المبعوث الأممي تدخل لحل الخلاف، وأقنع وفد النظام بالدخول إلى الجلسة، فيما اشترط وفد النظام أن دخوله إلى القاعة سيكون فقط لسماع كلمة بيدرسون الأخيرة، من دون الحاجة لأن يقوم أي عضو من المعارضة أو المجتمع المدني بإلقاء كلمات.

وكان وفد النظام قد جاء إلى الجولة وبجعبته ثمانية مبادئ للنقاش ضمن “الثوابت والركائز الوطنية” تشمل “مكافحة الإرهاب ومسبباته، وإدانة الدول الداعمة له، والتعويض عن الضرر المادي والمعنوي، وإدانة الاحتلال الأجنبي، وتجريم كل من يتعامل معه، ودعم الجيش السوري في الدفاع عن الوطن، والرفض التام لكل المشاريع الانفصالية”، بالإضافة لزج ملفي “عودة اللاجئين” و”إعادة الإعمار” ضمن أعمال اللجنة. 

وقابل وفد المعارضة مقترحات النظام بالتركيز على حل ملف المعتقلين والمختفين قسرياً وإنهاء حالات الاختطاف والاعتقال، بالإشارة إلى أن ملف عودة اللاجئين مرتبط بالحل السياسي بموجب المرجعيات الأممية وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015، وهو ملف فوق تفاوضي، بحسب الرئيس المشترك للجنة وفد المعارضة هادي البحرة. 

وعن تقييم وفد المعارضة لأعمال الجولة الرابعة، قال عضو القائمة الموسعة لوفد المعارضة يحيى العريضي إن “وفد هيئة التفاوض لم يدخل الجولة بأوهام، ولم يكن هناك شيء غير متوقع، فهذا أسلوب النظام ومواقفه من خلال الزج بمواضيع من غير المهمة الموكلة لعمل اللجنة”.

وأضاف أن “جدول أعمال الجولة كان مخصصا لبحث (الأسس والثوابت الوطنية) التي لا بد للدستور أن يبنى عليها حسب القواعد الإجرائية لعمل اللجنة، ومن جانبها سعت المعارضة لوضع رؤى وأفكار ومضامين ضمن هذا البند لها علاقة بالدستور”.

وتابع “أما الجانب الآخر (النظام) فقد طرح مواضيع صعب أن يتضمنها الدستور، وحاول وفد المعارضة بأقصى جهد أن يكون هناك احتواء لتلك الطروحات وتأطيرها ضمن جسم الدستور، لكن كملحقات أو إضافات تتعلق بالوضح الطارئ والحالي غير الطبيعي للبلاد، كهيئة عامة لشؤون المعتقلين وأخرى للعدالة الانتقالية، أي مواضيع تبقى في الدستور، لكن ليس بشكل ثابت كبنود ومواد بحكم الوضع القائم”. 

ولفت العريضي إلى أنه “في الوقت ذاته، ستكون هناك محاولة لسحب الجانب الآخر (النظام) باتجاه الدخول بالمهمة الموكلة للجنة، والمسألة هنا مسألة امتحان حقيقي للذين يشتركون في هذه العملية ويقدمون أنفسهم بهذا الشكل كشركاء، لكن الحقيقة مختلفة صراحة، ولا بد من توضيح هذه المسألة ووضع الوسيط الدولي والدول الفاعلة في الشأن السوري في صورة حقيقة ما يجري، لاتخاذ إجراءات ومواقف وتدابير مختلفة يمكن أن تساهم في إنقاذ البلاد من خلال جدية نقاش المسار السياسي”. 

وتطرق العريضي إلى الهجوم على اللجنة وأعمالها والتخوين الذي يطاولها، معتبراً أن “المسألة ليست كذلك، فنحن إن وجدنا بصيص أمل بسيطا لإنقاذ البلاد فعلينا السعي باتجاهه، ومن هذا المنطق شاركنا باللجنة، لكن الانتقادات التي تأتينا من أشخاص يجلسون وراء شاشات هواتفهم أو حواسيبهم غير مسؤولة، فنحن نواجه نظاما استعان بكل القوى الإرهابية والاستعمارية والعصابات لتأمين بقائه، وقدم خدمات استخباراتية للكثير من القوى المتغطرسة والتي تسعى للمحافظة عليه، وسعينا لأخذ حقنا مسألة صعبة جداً، فيما التعليق والانتقاد سهلان”. 

وأكد العريضي أن الجولة القادمة (الخامسة) ستكون مفصلية وهامة، لمعرفة النوايا الحقيقية للنظام في الدخول ببحث مضامين الدستور، وإحداث اختراق في عمل اللجنة بما يساهم في تقدم أعمالها. 

وكان الرئيس المشترك للجنة عن وفد المعارضة هادي البحرة أكد، في تصريح سابق لـ “العربي الجديد”، أن جدول أعمال الجولة الخامسة سيناقش مضامين الدستور بشكل مباشر، موضحاً أنه سيتم التطرق إلى “المبادئ الأساسية في الدستور”، بأنها عبارة عن فصل كامل من الدستور، وتتضمن المبادئ السياسية والمبادئ الثقافية والمبادئ الاقتصادية، وسيتطلب نقاشها أكثر من دورة.

——————————

=========================

تحديث 09 كانون الأول 2020

———————————

المعارضة وقعت ورقة ديمستورا سراً..فأسقطت هيئة الحكم الانتقالي؟/ عقيل حسين

عاصفة من الجدل أثارتها وثيقة وفد المعارضة المقدمة في نهاية أعمال الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي اختتمت في جنيف الجمعة، وأعادت التساؤلات مجدداً حول ما إذا كانت هيئة التفاوض المعارضة قد تنازلت بالفعل عن بند مرحلة الحكم الانتقالي المنصوص عليه في قرارات مجلس الأمن حول سوريا، أو حتى إذا ما تزال متمسكة بهذه القرارات ومرجعية جنيف للحل السياسي.

ورغم أن ردود الفعل الأولية على الوثيقة انتقدت العبارات الفضفاضة الواردة فيها، مقابل الوثيقة شديدة اللهجة ضد المعارضة التي تقدم بها وفد النظام، إلا أن التشكيك باستمرار تمسك هيئة التفاوض بمرجعية جنيف والقرارات الدولية، تصاعد بعد انتشار وثيقة المعارضة التي تجاهلت أي إشارة إلى هذه المرجعية.

النقطة الأولى المثيرة للجدل كانت مقدمة الوثيقة التي ارتكزت على مؤتمر سوتشي من دون الإشارة إلى بيانات جنيف أو قراري مجلس الأمن الدولي 2254  و2118، حيث أكدت أنه “بناء على البنود 12 التي اعتمدت من الأطراف المعنية وضمنت في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي جاءت اقتراحات وفد المعارضة حول المضامين والبنود الدستورية..”.

محمد صبرة، الخبير في القانون الدولي وعضو هيئة التفاوض العليا سابقاً، أكد في حديث ل”المدن”، أنه حتى مؤتمر جنيف-7 لم توقع المعارضة على بنود ورقة المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا، الذي طرحها في ذلك الوقت باعتبارها “لا ورقة” أو بنود مبدئية، فكيف تقول وثيقة المعارضة الأخيرة إن البنود اعتمدت من الأطراف المعنية؟، علماً أنه حتى وفد النظام لم يوافق عليها.

لكن مصادر موثوقة من داخل هيئة التفاوض، المرجعية القانونية والسياسية لوفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، أكدت ل”المدن”، أن وفد الهيئة إلى مؤتمر جنيف-8 الذي عُقد في نهاية العام 2017  وافق على “لا ورقة” ديمستورا بشكل رسمي، وهذه هي المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن هذه الموافقة.

وحصلت “المدن” على وثيقة مؤرخة في الثلاثين من تشرين الثاني/نوفمير2017، أي بعد يومين من انطلاق أعمال المؤتمر، وقد حملت عنوان “المبادئ الاثني عشر الأساسية والحية للأطراف السورية”، وتتفق بنودها بشكل كامل تقريباً مع بنود الوثيقة التي قدمها وفد المعارضة في جنيف يوم الجمعة الماضي.

وحسب مصادر في وفد الهيئة العليا للتفاوض الذي كان يمثل المعارضة السورية حتى مؤتمر جنيف-7، فإنه لم يتم التوقيع على هذه البنود، وتقدم الوفد بملاحظات عليها مرتين قبل أن تُحل الهيئة العليا وتتشكل هيئة التفاوض السورية بديلاً عنها بناء على توصيات مؤتمر الرياض 2.

وتعليقاً على ذلك، لم يستبعد صبرا أن يكون هذا الأمر قد حصل بالفعل، “وإلا لما كان الوفد قد استند عليها في وثيقته الأخيرة المقدمة للجنة الدستورية” حسب قوله، ما يعزز من فرضية تخلي هيئة المفاوضات عن القرارين 2245 و2118 وبيان جنيف، مضيفاً “أن حديثهم اليوم عن مرجعية القرار الدولي لمجرد ذر للرماد في العيون”.

وكان صبرة قد هاجم بشدة الفقرة السادسة من وثيقة المعارضة التي قالت إن “للشعب السوري الحق في تقرير مصيره من خلال الانتخابات من دون تدخل خارجي” معتبراً أنه دليل إضافي على اسقاط بند هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في القرارات الدولية.

وأضاف أن “الإشارة إلى أن الحل يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع تبدو جيدة للوهلة الأولى، لكنها تعني في الواقع التنازل عن  قرارات مجلس الأمن، خاصة وأن الفقرة لا تدع مجالاً للاجتهاد عندما تضيف عبارة من دون تدخل أحد، وعدم التدخل هو مطلب روسيا والنظام الذين طالما رددا بأن الحل في سوريا يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع وليس عن طريق الأمم المتحدة، أما الآن فسيخرجون علينا ويقولون إننا نقصد التصويت بعد المرحلة الانتقالية ووفقاً للقرارات الدولية.. لكن لو كنتم تقصدون ذلك لذكرتموه صراحة في الوثيقة”.

وتابع: “العملية الانتقالية وسيلة لتمكين الشعب من تقرير مستقبل بلاده بعد أن يتم تأمين البيئة الآمنة والمحايدة، وعليه فهيئة الحكم الانتقالي ضرورة موضوعية ومن دون تشكيلها لا يمكن تحقيق وتنفيذ المبدأ المؤسس للمقاربة الدولية حول المسألة السورية”.

وبالفعل، فقد نشر رئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية هادي البحرة توضيحاً في منشور على “فايسبوك”، أكد فيه أن “إقرار الدستور الجديد من قبل الشعب سيتم بعد إنجاز الاتفاق السياسي الكامل حسب قرار مجلس الأمن 2245، وبشرط تحقيق البيئة الآمنة من قبل هيئة الحكم الانتقالي”، مضيفاً أن “اللجنة الدستورية تعد مشروع الدستور كجزء من العملية السياسية التي لا تكتمل إلا بالتوافق على كامل بنود القرار، تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن”.

وبينما تجاهل البحرة سؤال “المدن” حول سبب تجنبهم ذكر مرجعية القرارات الدولية في الوثيقة صراحة، اعتذر عدد من أعضاء وفد المعارضة عن الإجابة على هذا السؤال.

وفي تعليق ل”المدن” يرى نائب رئيس “هيئة المستقلين الكورد” رديف مصطفى أن الإجابة على هذا السؤال بالنسبة للوفد معقدة حالياً، فمنذ تشكيل اللجنة الدستورية انقسمت المعارضة إلى فريقين، الأول يقول بالواقعية السياسية وعدم تعطيل مسارات التفاوض القائمة، مع الحفاظ على باقي السلال، بما في ذلك هيئة الحكم الانتقالي.

أما الطرف الآخر فلديه، بحسب مصطفى، مخاوف محقة لأن كل المؤشرات، بداية بتشكيل اللجنة الدستورية ونهاية بهذه الوثيقة تشير إلى السير نحو انتصار مشروع الحل الروسي القائم على افراغ القرارات الدولية من مضمونها، ناهيك عن أن مفاوضات اللجنة الدستورية كانت مشروطة بوقف شامل ونهائي لاطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، لكن المعارضة دخلت المفاوضات قبل تحقق ذلك، وبالتالي فالجميع اليوم يخشى من انزلاقات اضافية لن تنفع معها النوايا الحسنة.

يربط الكثيرون اليوم بين وثيقة وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية وبين قرار الإئتلاف رقم 24 القاضي بتشكيل هيئة انتخابات، والذي كان أثار ضجة واسعة وردود فعل مشككة من الرأي العام باعتباره مقدمة للتخلي عن هيئة الحكم الانتقالي، في وقت تظهر معطيات متتالية عن عدم شفافية مؤسسات المعارضة، حيث اعتبر رئيس الائتلاف قبل نحو شهر أن قرار تشكيل هيئة الانتخابات هو قرار داخلي تم تسريبه، والآن يأتي الكشف عن موافقة هيئة التفاوض على بنود ديمستورا ال12 بعد ثلاث سنوات من التوقيع عليها كمؤشر سلبي جديد في هذا السياق.

المدن

—————————-

هل تخلت المعارضة عن هيئة الحكم الانتقالي؟/ عقيل حسين

تتصاعد المؤشرات يوماً بعد آخر عن توجه مؤسسات المعارضة الرسمية إلى التنازل عن مرتكزات أساسية نصت عليها المرجعية الدولية المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، وعلى رأسها هيئة الحكم الانتقالي رغم كل تأكيدات المسؤولين في هذه المؤسسات على التمسك بها.

فخلال أقل من شهر حدثت سلسلة من التطورات التي كان كل منهما يزيد من اتساع رقعة المخاوف داخل أوساط الثورة والمعارضة من هذا التوجه، إلى الحد الذي بات التساؤل المطروح الآن ليس حول ما إذا كان هناك توجه، بل ما إذا كانت المعارضة قد تنازلت بالفعل عن هذه المرتكزات؟

أول هذه المؤشرات كان قرار الائتلاف رقم ٢٤ الذي صدر الشهر الماضي القاضي بتأسيس هيئة الانتخابات، هذا القرار الذي أحدث ضجة واسعة بعد أن قرأ فيه كثيرون توجهاً نحو المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في شهر تموز ٢٠٢١ بمشاركة رئيس النظام بشار الأسد، بمعنى القفز على بند هيئة الحكم الانتقالي المنوط بها تهيئة البيئة الآمنة والمحايدة لأي انتخابات، وإدارة عملية الانتقالي السياسي في سوريا.

نفى الائتلاف أي نية لديه بذلك، وأصدر بياناً توضيحياً وقراراً بتعليق القرار السابق، تلاهما تصريح من رئيس الائتلاف بإلغاء تشكيل هيئة الانتخابات بشكل كامل، إلا أن هذا الإعلان لم يتبع بقرار رسمي، ما أبقى الجدل قائماً وزاد من التوجس والشكوك.

لكن وثيقة وفد المعارضة التي قدمت في نهاية الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي اختتمت يوم الجمعة الماضي في جنيف السويسرية، جددت التساؤل مرة أخرى حول توجهات مؤسسات المعارضة الحقيقية، بالنظر إلى أن الوثيقة اعتبرت أن مرجعيتها هو بيان مؤتمر سوتشي الذي انعقد عام ٢٠١٨، دون أن تشير إلى القرارات الدولية وبيان جنيف1.

المفاجأة الأخطر كانت بالكشف وللمرة الأولى عن توافق هيئة التفاوض مع الأمم المتحدة على ورقة المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا خلال مؤتمر جنيف٨، هذه الورقة التي كانت تسمى (لا ورقة) وأصبح اسمها بعد هذا التوافق (الورقة الحية) بعد أن رفضت الهيئة العليا للتفاوض المنحلة الموافقة عليها، قبل أن يتم حلها وإنتاج هيئة التفاوض التي أخذت على عاتقها منذ تشرين الأول ٢٠١٧ مهمة التفاوض رسمياً باسم المعارضة.

إن خطورة هذه الورقة لا تنبع فقط في التفافها على مضمون قرارات مجلس الأمن ومبادئ جنيف المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، فهذا أمر بات واضحاً منذ القبول بمخرجات مؤتمر سوتشي التي تعتبر اللجنة الدستورية أحدها، ما أدى إلى تجزأة العملية السياسية وتفتيتها إلى سلال بعد أن كانت كتلة واحدة يجب أن تنجز بشكل متزامن، بل الخطورة الأكبر هي في ما يمكن أن تؤدي إليه من تنازل عن بعض مرتكزات المرجعية الدولية في الحل، وأهمها هيئة الحكم الانتقالي التي تعتبر أكثر ما يزعج النظام وحليفته روسيا ويتمنيان التخلص من كل ما يشير إليها بأي ثمن.

مقدمات يبدو أنها كانت كافية لتشجيع أحد أعضاء وفد اللجنة الدستورية عن كتلة المستقلين في هيئة التفاوض لتتجرأ وتقول في ندوة حوارية يوم الثلاثاء أن القرار الدولي ٢٢٥٤ لا يتضمن بنداً يشير إلى هيئة الحكم الانتقالي، علماً أن هذا القرار صدق على قرار مجلس الأمن السابق له المتعلق بسوريا رقم ٢١١٨ والذي ينص بوضوح على هذا البند، فما الذي تريده روسيا وما الذي يمكن أن يحلم به النظام أكثر من ذلك؟!

والواقع فإن ترويج شخصيات وقوى في مؤسسات المعارضة لهذا التوجه، أي التنازل عن شرط هيئة الحكم الانتقالي لإتمام الحل السياسي في سوريا، كان قد بدأ قبل ذلك بفترة طويلة، وتحديداً منذ الانخراط في مسار أستانا والتحضير لمؤتمر سوتشي، حين دعا أحد أعضاء الائتلاف ووفد اللجنة الدستورية لاحقاً إلى نسيان هذا الشرط، ووقتها تم التعامل مع هذه الدعوة على أنها تعبير عن توجه إقليمي ودولي وليس عن إرادة لدى المعارضة.

والحديث عن هذا التوجه من قبل الدول المتدخلة في الصراع السوري، أو بعضها على الأقل كان يتضح بالفعل يوما بعد يوم، وآخر تجلياته كانت تصريحات مستشار الرئاسة التركية إبراهيم كالن، التي أكد فيها عقب لقائه المبعوث الأميركي إلى سوريا جويل رايبورن مطلع الشهر الحالي، على أنه “تم الاتفاق على ضرورة دعم أعمال اللجنة الدستورية السورية لضمان سلام دائم في سوريا، وخلق بيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين” دون الإشارة مجدداً إلى بند هيئة الحكم الانتقالي !

معطيات عديدة وتطورات تتسارع في الفترة الأخيرة لتصنع بمجموعها لوحة قاتمة يصبح معها تخوف وشكوك الرأي العام الثوري والمعارض مبرراً من أن تكون المعارضة قد رضخت للضغوط أو قبلت بإسقاط مرجعيات القرارات الدولية حول الحل السياسي في سوريا، واستبدال فكرة هيئة الحكم الانتقالي بتشارك النظام ومن يقبل من المعارضة في إنتاج نظام حكم جديد لن يحقق أي تغيير جدي إن لم نقل أنه سيعيد إنتاج النظام الحالي.

إن التوضحيات التي صدرت عن رئيس وفد اللجنة الدستورية المعارض هادي البحرة وعدد من أعضاء الوفد عقب الجدل الذي أثارته وثيقتهم التي قدموها في ختام الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة يشبه في الواقع توضيحات وتفسيرات قادة الائتلاف عقب صدور قرار تشكيل هيئة الانتخابات، وهي توضيحات لا أثر قانوني لها أمام قوة القرار والوثيقة، ما يعقد من مهمة إقناع جمهور الثورة والمعارضة بالنوايا التي لا تكفي في النهاية لتغيير القناعات المبنية اليوم على معطيات، ويرتب على مسؤولي المعارضة اليوم مواجهة الجمهور بصراحة ووضوح وجرأة بالحقائق، والإعلان بقوة أنهم متمسكون بالمرجعيات الدولية للحل السياسي في سوريا تمسكاً غير قابل للتنازل أو التفريط لا جزئياً ولا كلياً بطبيعة الحال.

تلفزيون سوريا

———————————

هل من بديل للائتلاف السوري المعارض؟/ عمر كوش

أثار قرار الائتلاف السوري المعارض تشكيل “مفوضية وطنية للانتخابات” موجة غضب واسعة لدى قطاعات واسعة من الناشطين والمعارضين السوريين، نددت بالقرار وبالائتلاف ونهجه وبكل ما قام به منذ تشكيله في نهاية عام 2012. وبالرغم من تراجع الائتلاف عن القرار فإن الموجة الغاضبة والمنددة لم تتوقف، بل ترافقت مع دعوات إلى حله وإيجاد بديل عنه. إضافة إلى تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية في بعض مناطق شمالي سوريا، تنادي بسحب شرعية تمثيل الائتلاف لقوى الثورة.

وعُقدت لقاءات عن بعد بين سياسيين وناشطين وممثلين عن كيانات سياسية ومدنية من أجل التنديد بما قام به الائتلاف والبحث عن ممكنات تشكيل بديل عنه، وصدرت بيانات غاضبة ومنددة، وتطالب بالتحضير لمؤتمر وطني عام من أجل إسقاط الائتلاف بشكل كامل وإنتاج جسم سياسي جديد، وبسحب ما كان يدّعيه من تمثيل للشعب السوري، بعدما فرّطت سياساته ومواقفه بما كان يحظى به من اعتراف دولي، وذلك بسبب عجزه عن تمثيل الثورة على المستوى الدولي، وعجزه عن إنتاج عمل ثوري على المستوى الوطني، فضلاً عن أن جلّ اهتمامه كان منصباً على منع تشكيل أي بديل سياسي عنه.

غير أن أسئلة كثيرة تطرح في هذا السياق، تطاول ممكنات عقد مؤتمر وطني، وكيفيات وسبل تشكيل جسم سياسي جديد، يفترق عن الائتلاف من حيث التمثيل والمسار والقرار المستقل، ويمكنه أن يشكل مظلة سياسية للسوريين، والإسهام في خلاصهم من استبداد نظام الأسد، ومن الوضع الكارثي الذي أصاب سوريا وغالبية السوريين، والتشظي الذي اعترى الهوية السورية، والانقسامات التي ضربت المجتمع السوري خلال السنوات الماضية، وأفضت إلى تشكل كيانات سياسية على أسس قومية ومناطقية ودينية ومذهبية.

ولعل المفارق في الأمر هو أن دولاً عربية، ممثلة بالسعودية والإمارات ومصر، بدأت تسعى أيضاً إلى تشكيل جسم سياسي جديد للمعارضة السورية يقطع مع الائتلاف وتوجهاته، وذلك في إطار سعيها إلى إعادة هيكلة تشكيلات المعارضة السورية بما يتوافق مع مصالحها وتوجهاتها، ومن أجل توظيفها في صراعها الإقليمي مع تركيا وقطر، أي أنها تريد نقل تبعية ورعاية المعارضة السورية، من خلال الجسم السياسي الجديد، إليها وبعيداً عن التأثير التركي. إضافة إلى أنها تريد ضمان دخول المعارضة السورية في تسوية تعيد تأهيل نظام الأسد تحت يافطة “وحدة سوريا وسلامة أراضيها”، و”صون عروبة سوريا ومقدرات الشعب السوري الشقيق”، وإعادته إلى الحضن العربي.

غير أن مسعى بعض الدول العربية يفترق تماماً عن مسعى سوريين من أجل تشكيل جسم سياسي جديد، يكون صاحب قراره الوطني المستقل قبل كل شيء، وليس تابعاً لأي دولة عربية أو أجنبية، ولا يوظف في اصطفافات وصراعات وأجندات الآخرين. ولا شك في أن كلاً من الرياض وأبو ظبي والقاهرة تعوّل على شخصيات منصتي موسكو والقاهرة مستعدة للانخراط في توجهاتها وأجنداتها، لكن أي جسم سياسي ينبثق برعايتها لن يلقى أي دعم من المعارضين السوريين ومن الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، وقد سبق لها أن تدخلت في تشكيل الائتلاف السوري المعارض وفي تشكيل الهيئة العليا للتفاوض وسواهما، ولم ينتج عن ذلك سوى مزيد من تدهور القضية السورية وتشظّيها.

وأظهرت تجارب كيانات المعارضة السورية، أن المشكلة الأساس هي في التعويل على  قوى الخارج، وليس على الداخل، لأن ذلك استتبع ارتهانات وتدخلات في شؤون كياناتها السياسية والعسكرية، وفرض إملاءات على مواقفها وتوجهاتها، مما أفقدها قرارها السوري المستقل، وبالتالي، فإنه إذا كان للقوى الخارجية المتدخلة في الشأن السوري دور في إطالة أمد القضية السورية وتفاقم الكارثة التي ألمّت بهم بسبب حرب النظام الأسدي، فإن المسؤولية الأكبر تقع على قيادات المعارضة السورية، التي لم تستثمر الفرص التي أتيحت أمامها للعمل على تحقيق مطامح السوريين، ولم تعمل على تجيير علاقاتها الإقليمية والدولية لصالح القضية السورية، وليس لصالح استثماراتها الشخصية والحزبية، لذلك لم تتمكن من بناء مؤسسة قوية تشكل مظلة للسوريين الطامحين إلى الحرية والخلاص من نظام الاستبداد الأسدي.

ومن الطبيعي أن يطرح سوريون كثر، في أيامنا هذه، سؤالاً طرحه آخرون كثر من قبلهم، حين تلمّ بهم كارثة وطنية كبرى، ويتجسد في سؤال: ما العمل؟ ومن أجل البحث عن إجابة له راحوا يعقدون جلسات ونقاشات للبحث في كيفية تشكيل بنية سياسية مؤسسية، جديدة وقوية، تضع رؤية مشتركة، من أجل اتخاذ موقف راسخ ووازن في معادلة الصراع على سوريا وفيها، وعلى مسارات التفاوض بشأن مستقبلها، وتعمل على توحيد جهود السوريين في الداخل وفي بلدان الشتات، بغية تحقيق أهداف وطموحات الثورة السورية عبر إقامة دولة ديمقراطية، متعددة القوميات والأعراق والأديان والمذاهب، تنهض على مبادئ المواطنة والتعددية والعدالة.

واللافت هو أن بين من انضم إلى الموجة الغاضبة ضد الائتلاف، وحاول تصدرها، هم شخصيات كانت في الائتلاف سابقاً، وأمضت سنوات عديدة فيه دون أن تفعل شيئاً مغايراً لخط الائتلاف ونهجه، وبالتالي هل هي قادرة، بالفعل، على الإسهام في تشكيل جسم سياسي جديد ذي بنية مؤسسية جديدة وفاعلة، ويمتلك رؤية استراتيجية مشتركة لجميع القوى الطامحة للتغيير في سوريا، ويمكنه ترتيب العلاقات مع القوى العربية والدولية من دون الخضوع للإملاءات الإقليمية والدولية؟

وتقتضي ضرورة التأسيس اتخاذ منهج عقلاني لها، بما يعني توفر فرص النجاح وفق الشروط الذاتية والموضوعية للواقع السوري، التي تفترض الابتعاد عن الكيانات السياسية الواهية والشخصيات المتقادمة التي تحاول تبرئة الذات وإلقاء اللوم على الآخرين، وترفض الإقرار بتقادم وعجز بنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية، فضلاً عن ممارستها العملية المعيقة للعمل المؤسساتي، لذلك فإن البحث عن مخرج سوري هو برسم قوى السوريين الحيّة، وخاصة الشباب السوري، الذي ثار على أعتى نظام ديكتاتوري في الشرق الأوسط في العصر الحديث، والتعويل عليه في إيجاد البديل المناسب لفعله السياسي، بوصفه السبيل الأنجع لوقف التدهور والانكسارات، ولخلاص السوريين من محنتهم الكارثية، وخلق توافقات وطنية حول القضايا الأساسية المطروحة عليهم راهناً ومستقبلاً، التي تمس وطننا السوري وناسه، والعمل على تشكيل رأي عام حولها، بما يُمكّن من التأثير في الأحداث التي تعصف بسوريا والقضية السورية.

تلفزيون سوريا

——————————-

عن العشريات السورية في موسمها/ موفق نيربية

تحضر إلى الذاكرة مؤخراً، من دون مناسبة، نظرية كارل ماركس حول الأزمة الرأسمالية، حين يتناوب الازدهار والجمود على اقتصادها، والتضخّم والركود، كلّ عشر سنوات تقريباً.. ومع إهمال ذلك التنبّؤ المحدود الذي يخص ذلك المجال لموجة تحوّلات مسار الرأسمالية، لم يكن في العقود الأخيرة ألّا يجري استحضار منهج ماركس في تحليل الاقتصاد، حتّى لدى عتاة الرأسمالية.

وحضور تلك المقولة لا يعني بالضرورة تجسّدها في أحوالنا أبداً، لكنها مجرّد خاطرة في زمان الرماد، يمكن رميها جانباً على الفور، مع الإشارة إلى أن ما مرّ بنا في سوريا، يكاد ينقسم أيضاً إلى عشريات على الطريقة ذاتها، من دون اقتصاد رأسمالي حقيقي، ولا أزمات تشابه تلك الأزمات المشار إليها.

في البدء تأسست سوريا الحديثة في عام 1920، من دون بنية متكاملة، ثم تمّ وضع مشروع دستور جمهوري في 1928، لم يُعتمد من قبل القوة المنتدبة – إلا بعد إضافة مادة في نهايته – عام 1930، في التاريخ الذي كان البعض يرى فيه بداية «الجمهورية الأولى». وفي عام 1941 اعتُمد مبدأ استقلال سوريا للمرة الأولى، والسير باتّجاه أوّل انتخابات ديمقراطية، فازت فيها الكتلة الوطنية فوزاِ كاسحاً في عام 1943. ورغم انقلابات 1949 العسكرية، لم يغب نفوذ الديمقراطية على الإطلاق، وتمّ وضع أوّل دستور حديث وديمقراطي عام 1950، كان من الناحية النظرية تأسيساً لانقلاب 1954 الديمقراطي تماماً. وانطلقت الحريّات إلى مداها بعد ذلك، ليكون الاستقلال ضحيّتها لمصلحة الوحدة مع مصر، التّي طالبت بها الملايين في الشوارع. وفي عام 1960 وصل المشروع إلى مداه في الفشل، وتهيأ السوريون للانفصال عن الوحدة كما حدثت فعلياً، من دون تراجع عن الإيمان بها. وذلك كان تحضيراً مثالياً لانقلاب الضباط البعثيين في مارس 1963.. حتى استقرّ الأمر على انقلاب حافظ الأسد – الحركة التصحيحية – في عام 1970، الذي وقعت السلطة في يديه آنذاك ثمرة ناضجة لا يصارعه أحدٌ عليها.

واجتمع لحافظ الأسد آنذاك جيش قوي وحديث، بناه السوفييت لإزالة آثار عدوان إسرائيل 1967، وأراد له الأسد وظيفة أخرى. كما كان قد ابتدأ ببناء منظومة أمنية مركّبة ممسوكة بشكلٍ مركزي حازم.. كما استفاد من انعزالية رفاقه، الذين انقلب عليهم، وطهرانيتهم ليجمع حوله الطبقات والطوائف والقوميات، ومعظم القوى السياسية الموجودة آنذاك، ووقفت الجماهير معه، بشكلٍ يذكّر نسبياً بالجماهير الغفيرة التي أسست الوحدة مع عبد الناصر. وبعد ذلك انهمرت المكافآت عليه من الخليج، واستطاع غزو لبنان برضا العرب وإسرائيل وكثير من اللبنانيين أنفسهم.. فابتدأ حظه بالتغيّر رويداً رويداً. حتى جاء وقت العشرية التالية.

انتفضت النقابات المهنية وما بقي من القوى الديمقراطية في عام 1980، وبدا وكأن الأسد يفقد قوته أمام الإضرابات، واجتماع الناس ضد سياساته الاستبدادية والطائفية.. عندئذٍ ظهرت الخطة «ب» القائمة أساساً ولم يدر بها أحد تقريباً.. وتقضي تلك الخطة بالانقضاض من دون أية رحمة، أو تحفّظ على من يقف في وجه النظام، ومن لا يقف أيضاً. فاستغلّ هجمات الإسلاميين الجهاديين المتطرفة، ونفّذ بالسجناء العزّل في سجن تدمر مجزرة هائلة في يونيو 1980؛ ثمّ دفع بهم إلي الزاوية في حماة، وانقضّ عليهم وعلى المدينة بكامل ثقله، في مجزرة كانت ضحاياها عشرات الآلاف، لم يفق منها السوريون إلّا بعد ثلاثين عاماً تقريباً.

في العشرية التالية، سنحت للأسد فرصة جديدة نادرة للخروج من مأزقه، حين اجتاح صدام حسين الكويت، واجتمع العالم لتحريرها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وانضم إليهم الديكتاتور السوري باستعراض شكلي كبير. وكان قد ابتدأ التفكير بخلافته، ويريد اقتناص أية سانحة لتحضير خليفته الذي كان آنذاك ابنه باسل. فقام ببعض الانفتاح، والإفراج عن جزء من السجناء السياسيين، وحاول قوننة الفساد عن طريق نسيبه الجبار محمد مخلوف.. وأصبح ضباط الأمن أكثر لطفاً من السابق، خصوصاً بعد موت ابنه باسل، وظهور طموحه لتولية ابنه بشار بعده، ذلك الولد الضعيف عديم الكفاءة، الذي يحتاج إلى أكثر مما كان أخوه يحتاج من العوامل المساعدة، ومنها ضمان الورقة اللبنانية في يديه، واسترضاء قطاعات أكبر من الناس.

مات الأسد الكبير، وجاء بعده الصغير بلعبة فاجرة مكشوفة.. وقام هذا بتقديم وعود ومواثيق للناس في خطابه المباشر، بعد انتخابه ووقت تنصيبه، في ما عُرف لاحقاً باسم «خطاب القسم». وفيه، لم يتحدّث عن التطوير والتحديث في الحقل الاقتصادي وحده، بل أيضاً عن الرأي الآخر، وضرورة احترامه وتقديره، وكانت مثل تلك المفاهيم سابقاً كفراً بالاستبداد وشرعيته.. فأقدم الناس، تقودهم نخبهم المثقفة والسياسية، على «ربيع دمشق» وعاشوا الحلم لعام أو يزيد. فظهرت البيانات التاريخية مثل بيان 99، ثم بيان الألف، وتأسست المنتديات الديمقراطية، ولجان إحياء المجتمع المدني، حتى انقضاض الأسد الصغير على ذلك الربيع في سبتمبر 2001، وازدياد شوقه لأبيه. في منتصف تلك العشرية اغتال النظام وحزب الله ـ أيهما؟ لا يهم ـ رفيق الحريري، وتأسس أوسع ائتلاف معارض في تاريخ سوريا في «إعلان دمشق» ضدّ النظام، ومن أجل التغيير الديمقراطي. وفي نهايتها، وبعد أن كاد الظلام يخيّم وينتصر، ابتدأ الربيع العربي من تونس مع نهايات عام 2010 ثم في مصر في ثورة 25 يناير.. وليبيا واليمن. فكانت الثورة السورية، الخيال البعيد المنال، وكان الحراك الأعظم في تاريخ سوريا الحديث ابتداءً من 15 ـ 18 مارس 2011.

ليس من السهل على غير السوريين أن يتخيّلوا ما حدث لهم في ذلك العام، حين انطلقوا إلى الشوارع وامتلكوها بسرعة وتدرّج، وحشدوا في ما بعد مئات الألوف من المتظاهرين المسالمين، ابتداءً من حماة ذاتها، المكلومة الجريحة التي كان النظام يأمل بأن تعود إليه بالسلاح، تطلب الانتقام والثأر لضحاياها.. وعاش الناس عاماً ـ وربّما عامين – من الفرحة الكبرى، التي لا تطفئها حتى جراحها، وهي تموت أمام نيران الديكتاتور وجيشه وأجهزة أمنه العملاقة. عجزت المعارضة التقليدية عن تأمين قيادة سياسية متماسكة للانتفاضة، وعجزت طلائع شباب الثورة عن التطوّر وتأسيس مثل تلك القيادة أيضاً. فتأرجح الدعم الخارجي بين الغلوّ في الدعم والتأييد من جهة، والتمسّك بالأسد بين اليدين، من دون المغامرة بتغيير لا يوجد بديل مقنع له.. ذلك ما كان، وليس ما ينبغي أن يكون. فكان من الطبيعي أن يستولد القمع وسفك دماء السوريين المسالمين مقاومة مسلحة في البداية، ثمّ يستدعي أشباح أولئك «المجاهدين» من مكامنهم في الداخل والخارج، وتنشأ حالة قتال أقرب إلى الحرب الأهلية منها إلى الثورة، وحالتين «جهاديتين» عادت إحداهما – نظرياً- من أفغانستان طلبا للثأر و»إعلاء كلمة الله» وجاءت الأخرى من إيران، لتثأر لزينب التي لم يسبها السوريون.

أصبحت سوريا ثلاثة أقسام من حيث المبدأ، وأكثر من ذلك عملياً وعلى الأرض، وغادر نصف أهلها منازلهم إلى غير أرض وغير بلاد، بعد أن راح منهم مليون شهيد، ومثلهم من ضحايا الحرب. وتناهشت الأطراف المحيطة والخارجية ما بقي من أجسام المعارضة.. وغطّت شظايا سوريا وجه الأرض بعد انفجارها، بفعل سلطة الاستبداد وسيدها أولاً، واتّضاح خطتها الدائمة باستهداف الشعب من دون أي رادع، ولتذهب البلاد إلى الجحيم..

وبانتهاء العشرية الأخيرة، ومرور سنوات عشر على الثورة بعد أشهر قليلة، يتساءل المرء عن إمكانية العودة والنهوض، في زمن ترامب وطغيان الشعبوية، وهروب العديد من العرب من إيران إلى الإسرائيليين.. ولا يجد إجابات إلّا في محاولات متكررة جوفاء هنا وهناك، تقرع أواني الطبخ، ولا تشبع إلّا خيالات أصحابها.. رغم ذلك، واحتفاظاً بأيام خالدة.. لن نحتفل بقدرتنا على الأمل كما اعتدنا، ولكننا سنترك الباب مفتوحاً، رغم البرد القارس!

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

=======================

تحديث 18 كانون الأول 2020

——————————–

“العدالة التصالحية” في إحاطة بيدرسون… ما مغزاها؟/ عبد الرحمن الحاج

لم يظهر بيدرسون أي مؤشرات بانحيازه إلى الرؤية الروسية منذ أن تولى منصبه مبعوثاً أممياً ميسراً للعملية التفاوضية، خلافاً لسلفه ديمستورا الذي كان يعمل جاهداً لتقويض قدرات المعارضة وتفتيتها وتحجيم الحل السياسي من انتقال سياسي إلى لجنة دستورية مهمتها الوحيدة القيام بـ”إصلاح دستوري” ربما  يكون مجرد تعديل لدستور النظام 2012 لا أكثر، كما تنص الورقة المرجعية للجنة التي توافق عليها هيئة المفاوضات والنظام بتيسيير من المبعوث الدولي واعتمدتها الأمم المتحدة في (27 من أيلول سبتمبر عام 2019).

تفاصيل المعاناة مع ديمستورا وفريقه يطول شرحها، فمن جهة كان يضغط على المعارضة بمختلف السبل بما في ذلك تهديد المعارضة وإحباطها بأن بيان جنيف1 “صار من الماضي”، وأن الانتقال السياسي بات “وراء ظهورنا” إلى فكرة السلال الأربع والإطاحة بالجدول الزمني والتسلسل المتضمن في القرار 2254 وصولاً إلى إدخال المنصات الموالية من موسكو والقريبة من نظام الأسد، فمؤتمر سوتشي والمبادئ الحية، التي أراد بها الروس وديمستورا أن تكون بديلاً عن “مؤتمر وطني” شامل لكل السوريين، وصولاً إلى نسيان القرار 2254 نفسه والمضي خلف سلة واحدة مصيرها بحكم الأمر الواقع هي الحل السياسي وبوابته وفشل في تحقيقها ورحل مخلفاً إرثاً سيظل السوريون يذكرونه بكثير من السخط.

لم يظهر بيدرسون أية مفاجآت ذات قيمة، فتشكيل لجنة سوتشي الدستورية في 23 كانون الأول/ديسمبر 2019 التي نظر إليها على أنها نجاح له لم تكن سوى قرار روسي وإرادة دولية لم يكن له فيها أي دور سوى إخراج هذه الإرادة الروسية للنور، لكن الذي فاجأنا فيه للمرة الأولى هو ما ورد في إحاطته الدورية الأخيرة أمام مجلس الأمن 16 كانون الأول/ديسمبر 2020 عن عمله وسير التقدم فيه هو استعماله لمصطلح “العدالة التصالحية” (Restorative Justice) ناسباً إياها لمجموعة من المجتمع المدني (الثلث الثالث) في اللجنة الدستورية المصغرة.

وقبل الخوض في حيثيات هذا الاستخدام المفاجئ لمصطلح لم يطرق أسماع السوريين من قبل منذ الحديث عن “حل سياسي” بعض الشرح له:

تعني العدالة التصالحية حسب تعريف الأمم المتحدة في الوثيقة الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رقم 2002/12، المؤرخ في 24 تموز/يوليه 2002): “العدالة التصالحية هي رد آخذ في التطور تجاه الجريمة يحترم كرامة ومساواة كل شخص ويبني التفاهم ويعزز الانسجام الاجتماعي من خلال علاج الضحايا والجناة والمجتمعات المحلية”، وهو نهج “يمكّن المتضررين من الجريمة من تبادل مشاعرهم وخبراتهم بوضوح ويهدف إلى تلبية احتياجاتهم”، و”يتيح الفرصة للضحايا للحصول على التعويض، والشعور بأمان أكبر، والسعي إلى الإنهاء؛ ويتيح للجناة إدراك أسباب سلوكهم وآثاره وتحمّل المسؤولية بطريقة ذات معنى؛ ويمكّن المجتمعات المحلية من فهم الأسباب التي تنشأ منها الجريمة، وتعزيز رفاه المجتمع المحلي، ومنع الجريمة”، مع ملاحظة “أن العدالة التصالحية تنبثق منها طائفة متنوعة من التدابير تتسم بالمرونة في تكيّفها لتلائم نظم العدالة الجنائية القائمة وتتمم تلك النظم، مع مراعاة الظروف القانونية والاجتماعية والثقافية”، وهذا النوع من “العدالة” يفترض به أن “لا يخل بحق الدول في الملاحقة القانونية لمن يدعى أنهم جناة”.

برنامج يستخدم عمليات تصالحية ويسعى إلى تحقيق نواتج تصالحية

ويقصد بتعبير “عملية تصالحية” عملية يشارك فيها الضحية والجاني، وعند اقتضاء أي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة، مشاركة نشطة معا في تسوية المسائل الناشئة عن الجريمة، وذلك، بصفة عامة، بمساعدة من ميسِّر. ويمكن أن تتضمن العمليات التصالحية الوساطة، والمصالحة، والتفاوض بين المحامين والقضاة والتشاور بشأن إصدار الأحكام”.

ويقصد بتعبير “ناتج تصالحي” الاتفاق الذي يتوصل اليه نتيجة للعملية التصالحية. وتشمل النواتج التصالحية ردودا وبرامج مثل التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف وتحقيق إعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع”، كما ” يقصد بتعبير “الأطراف” الضحية والجاني وأي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة الذين يمكن أن تشملهم العملية التصالحية”.

هذه هي النصوص المعرفة بـ”العدالة الجنائية” والتي تمثل بالضرورة مرجعية المصطلح لدى بيدرسون، ويقتضي هذا التعريف المسهب (وقد تعمدنا ذلك بغرض الاستيعاب) عدداً من الأمور:

1. موضوع العدالة التصالحية جنائي، فهو شكل من أشكال المحاكمات التي ينظمها القانون الجنائي المحلي (“نظم العدالة الجنائية القائمة” حسب تعبر وثيقة الأمم المتحدة).

2. موضوع العدالة التصالحية اقتتال أهلي شارك فيه الطرفان بالجريمة بالدرجة نفسها من حيث المبدأ.

ومن الواضح بشكل حاسم أن هذا يختلف كلياً عن مفهوم “العدالة الانتقالية” الوارد في القرارات الدولية وعلى رأسها بيان جنيف والقرار 2254، فالعدالة الانتقالية متعلقة بانتقال سياسي، وليس بالجرائم المحلية والاقتتال الأهلي، أي أن موضوعه هو الانتقال السياسي في “مجتمعات الصراع وما بعد الصراع” أو “النزاع وما بعد النزاع” و”مكافحة الإفلات من العقاب” و”تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها وحرصاً على التماسك الاجتماعي وبناء الدولة وتملك زمام الأمور والإدماج على الصعيدين الوطني والمحلي” في سياق العمليات الانتقالية، وتتضمن العدالة الانتقالية مجموعة “كاملة من التدابير القضائية وغير القضائية، بما في ذلك، في جملة أمور أخرى، عمليات الملاحقة القضائية الفردية، وعمليات الجـبر، واستجلاء الحقائق، والإصلاح المؤسسي، وتدقيق انتقاء الموظفين والمسؤولين الحكوميين، أو مجموعة مؤتلفة من هذه التدابير يجري تصوُّرها على النحو المناسب، من أجل التوصل، في جملة أمور، إلى ضمان المساءلة، وخدمة العدالة، وتوفير سبل انتصاف للضحايا، وتعزيز التعافي والمصالحة، وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة على النظام الأمني، واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتعزيز سيادة القانون، وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان” حسب تعريف الأمم المتحدة في الوثيقة الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع لها في 28 أيلول/سبتمبر 2009.

تردد مصطلح العدالة التصالحية عبر فيتالي نعومكين المقرب من صانع القرار الشخصي والذي عُين مستشاراً لديمستورا في مطلع عام 2017، ويمكننا أن نفهم من هذا المنصب اللصيق بديمستورا واحدة من قنوات التأثير على ديمستورا، لكن هذا المصطلح لم يجد سبيله لخطاب ديمستورا ربما نظراً إلى أن الوقت غير مناسب لطرحه، لكن بعض أطراف المجتمع المدني (تنشط في لندن) والمقربة من دمشق ولكنها محسوبة في الوقت نفسه على المعارضة في لجنة سوتشي الدستورية بدأت مؤخراً بالعمل على هذا المصطلح لإدخاله في وثائق اللجنة الدستورية، ليحل محل العدالة الانتقالية.

بيدرسون كان أميناً وقال في إحاطته: إنه قدم من “بعض أعضاء المجتمع المدني من الثلث الأوسط نقاطاً” بينها “العدالة التصالحية”، بهذا يحمل بيدرسون المسؤولية “لأعضاء من المجتمع المدني” في اللجنة، وحيث أصدر ستة أعضاء من المجتمع المدني المقرب من المعارضة بياناً (17 كانون الأول/2020) ينفون أنهم تقدموا بهذا المقترح، لم يبقَ سوى أن من تقدم بالمقترح هم المجموعة المقربة من النظام.

لكن هل فعلاً يخلي بيدرسون مسؤوليته عن إدارج هذا المصطلح “العدالة التصالحية” في سياق حاسم جداً لا يدع مجالاً للشك أنه بديل عن مفهوم “العدالة الانتقالية” بمجرد الإحالة إلى “بعض الأعضاء” من كتلة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية؟ منذ متى كان مقترحات بعض أعضاء أو أفراد الكتل تقدم بشكل مفرد ويتم اعتمادها في تقرير إحاطة أممي؟ في الأصل تعبر كتلة المجتمع المدني عن موقف واحد يتم التفاهم عليه ويقدم في وثيقة مشتركة أو يتم التعبير عنه بطريقة متفق عليها، إذا كان هنالك ما تريده هذه الكتلة، وهذا يعني أن  ما فعله بيدرسون أمر مدروس ومتعمد، يريد أن يعطي انطباعاً بأنه قرار من المجتمع المدني، من سيدقق في كلمة بعض ما إذا كانت تعني عدة أشخاص تحدثوا بالنيابة عن أنفسهم أو أنهم كانوا يتحدثون بالنيابة عن كتلة المجتمع المدني؟ لا أحد على الأرجح، باختصار أراد بيدرسون  الزج بالمصطلح كبديل عن “العدالة الانتقالية”  مستعينا بقوة “المجتمع المدني” كطرف أريد له أن يعبر عن المجتمع الأهلي!

وأضاف الصمت المريب لأعضاء اللجنة الدستورية الممثلين عن جانب المعارضة مزيداً من الشكوك والريب حول مدى قبول هؤلاء بالمصطلح، خصوصاً وأنها قدمت وثيقة تعترف بها بمرجعية سوتشي وبالمبادئ الحية التي أقرها بزعم أن اللجنة الدستورية ذاتها أنشئت على أساسها، ولم يرد في الورقة أي إشارة للعدالة الانتقالية أو الانتقال السياسي. مما يجعل اللجنة في منظور السوريين تمارس التدليس (بحسب مقال لكبير المفاوضين السابق محمد صبرا نشر قبل أيام في موقع تلفزيون سوريا 13-12-2020).

أخيراً، صحيح أن استخدام بيدرسون لهذا المصطلح لا يحمل تأثيراً قانونياً من حيث المبدأ، فقرارات مجلس الأمن ملزمة له وللأمم المتحدة، وفي النهاية هو مجرد “ميسر” للعملية السياسية وفق مرجعية القرارات الدولية وليس لكلامه صفة إلزامية لجميع الأطراف، ولكن يجب أن نكون حذرين ونتوقع الأسوأ فبيدرسون بدأ للتو باستخدام ألاعيب ديمستورا متزامناً ذلك مع انتخاب إدارة أميركية جديدة ترى ضرورة الضغط وزيادة حضورها وتأثيرها على المسار السياسي للحل في سوريا. ورغم ذلك فلا ينبغي التهاون في هذا التحول، ويجب النظر إليه على أنه مؤشر لتحولات محتملة في ممارسات المبعوث في الفترة المقبلة، خاصة إذا كان طرح هذ المصطلح يجد صدىً عند بعض أعضاء لجنة سوتشي الدستورية من غير أن يفصحوا صراحة عن ذلك.

تلفزيون سوريا

—————————-

تدليسات لجنة سوتشي/ محمد صبرا

يأخذ النقاش السياسي والشعبي والقانوني حول اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي الروسي عام 2018، اتجاهات متباينة، تتراوح بين التركيز على سوء أداء لجنة الخمسين، التي تزعم أنها تمثل الثورة، وارتباك أداء لجنة الـ 21 الملحقة بها، والتي تزعم أنها تمثل المجتمع المدني، وبين التركيز على الأسس القانونية لعمل اللجنة، وتناقض ذلك مع القرارات الدولية، وقد ساهم بعض الزملاء في كتابة عدة مقالات ثرية في هذا الصدد، أرى بأنها أضاءت على جوانب هذا الموضوع بشكل جيد.

في مساهمتي هذه سأتجنب أن أكرر ما تفضل به الزملاء سابقاً، وفي الوقت نفسه سأحاول أن أحيط ببعض النقاط التي ما تزال غائبة عن النقاش، لكن لابد بداية أن أخلّص هذا الموضوع من كم هائل من التدليس والركام، الذي يقذفه المدافعون عن لجنة سوتشي وعملها، في وجه كل صوت يحاول أن ينبّه لمكامن الخطر ومواطن الخطورة.

هل نصّ القرار 2254 على سلال أربعة؟

يزعم أعضاء اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي، أن القرار 2254 لعام 2015 قد نصّ على سلال أربعة، منها سلة الدستور، وأنهم يناقشون هذه السلة استناداً للقرار 2254، و هذا الزعم “الإعلامي” والادعاء المتكرر يكذبه ما ورد في الوثيقة التي قدمتها اللجنة نفسها في جولتها الأخيرة، حيث غاب عنها أي ذكر للقرار 2254، واستندت بشكل صريح لمؤتمر سوتشي، أي أن اللجنة تَصدُق مع الأمم المتحدة، وتدلس على السوريين، وبالعودة للقرار 2254 في فقرته الرابعة، نجد أنه نصّ على خطوات محددة بترابط موضوعي وبتحقيب زمني لا خلاف فيه، حيث إن كل خطوة تفضي إلى ما يليها من خطوات، ولا يمكن القيام بالخطوة الثانية إذا لم يتم ابتداء تنفيذ الخطوة الأولى، فالفقرة الرابعة من القرار قالت: “يعرب عن دعمه في هذا الصدد لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة، مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة، تجري عملاً بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية، من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ في 14 من تشرين الثاني 2015”.

ما يعني أن وضع الدستور الجديد، يجب أن يتم بعد تشكيل الحكم الانتقالي وليس قبله، والجهة التي ستشرف على هذا العمل هي هيئة الحكم الانتقالي، لأن القرار 2254 قال صراحة في مقدمته وفي مادته الثانية إنه يهدف لتنفيذ بيان جنيف، الذي نص صراحة في الفقرة (ب) من المادة (9) على أن الدستور في سوريا يضعه مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بإشراف هيئة الحكم الانتقالي، والجملة التي يدلس بها أعضاء لجنة سوتشي، والتي تحدثت عن صياغة دستور جديد في الفقرة الرابعة سالفا، هي فقط تحديد جدول زمني للعملية في المرحلة الانتقالية، وبعد تشكيل هيئة الحكم، وليس صياغة دستور أثناء التفاوض أو بعده، ولذا فإن ادعاء اللجنة الدستورية بأن القرار 2254 ينص على السلال الأربعة، هو ادعاء زائف لا يسنده لا نص القرار ولا بيان جنيف مطلقاً.

هل وافقت الهيئة العليا للمفاوضات على السلال؟

هذه الفِرْية التي يسوقها أعضاء لجنة سوتشي الدستورية لتبرير انخراطهم في هذه العملية، قائلين إن الهيئة العليا للمفاوضات وافقت على ما يسمى السلال، تتجاوز التدليس، لأنها تسوق مزاعم لا أساس لها من الصحة، وما يشجعهم على هذه المزاعم هو علمهم المسبق بأن الأعضاء السابقين في الهيئة العليا للمفاوضات، وفي وفد المفاوضات، يلتزمون بقواعد سرية المداولات، واحترام عدم نشر الوثائق والمذكرات المتعلقة بتلك المرحلة.

لقد حاول السيد ديمستورا أن يفرض ما سمّاه “السلال الأربعة”، وفي كل مذكراتنا ونقاشاتنا معه في قاعة المفاوضات رفضنا وبشكل قاطع وجود شيء اسمه السلال الأربعة، أو أن ننخرط في مناقشة أي قضية تتعلق بصياغة دستور للبلاد، ينطلق موقفنا هذا من ثلاثة اعتبارات ذكرناها للسيد ديمستورا كتابة ومشافهة، وهي:

1. ليس من حق المعارضة والنظام كتابة دستور للبلاد؛ لأن هذا الدستور يجب أن يكتب من خلال مؤتمر الحوار الوطني، بعد تشكيل هيئة الحكم الانتقالي وتسلمها لمهامها.

2. إن القرار 2254 واضح في جدوله الزمني وفي تعاقبه الموضوعي، ولذا فإن الأساس هو الانطلاق لتشكيل الحكم الانتقالي.

3. إننا لا نؤيد البحث في أي قضية دستورية الآن، بل إننا نريد بحث إعلان دستوري مؤقت يحكم المرحلة الانتقالية، وقد سبق للهيئة العليا للمفاوضات أن أشارت إلى هذا الأمر في خطة عملها لتنفيذ الانتقال السياسي.

هذا موقفنا في عامي 2016 و2017، ولم نوافق مطلقاً على وجود هذه السلال، أو الانخراط بها، وحتى إن مصطلح السلال بحد ذاته رفضناه، وبقينا حتى آخر لحظة، ونحن نقول ليس من حق المعارضة أو النظام منفردين أو مجتمعين أن يكتبوا دستور سوريا المستقبلي، لأن هذا حق أصيل للشعب السوري، عبر ممثليه المنتخبين، وأن كل ما يجب مناقشته في جنيف هو تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، والإعلان الدستوري المؤقت الناظم لعملها حصراً خلال الفترة الانتقالية.

هل تشكيل لجنة سوتشي الدستورية قائم على القرار 2254؟

أيضاً من التدليس على السوريين، الزعم أن لجنة سوتشي قد تشكلت استناداً للقرار 2254، ويحاول أصحاب هذا الزعم أن يستندوا إلى ما ورد في مقدمة اللائحة الداخلية للجنة الدستورية، التي أعلنها المبعوث الدولي بتاريخ 26 من أيلول من عام 2019 والمرسلة من قبل الأمين العام  إلى مجلس الأمن في الوثيقة رقم S/2019/775، يقتطع أعضاء لجنة سوتشي الفقرة (2) من مقدمة اللائحة، والتي تقول بالحرف: “وتنفيذاً منه للولاية المسندة إليه بموجب قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، بما في ذلك تسهيل المفاوضات السورية – السورية، ومنها وضع مسار دستوري لصياغة دستور جديد، تجري استناداً إليه انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقاً لذلك القرار، ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسوريا”.

إن أي دارس للقانون يعلم أن هذا النص المرجعي جاء لبيان مستند ولاية المبعوث الدولي، وهذه إحدى قواعد صياغة الوثائق في الأمم المتحدة، حيث لابد من توضيح أساس الولاية القانونية للمبعوث الدولي في كل وثيقة دولية، إذاً هذه الفقرة لا تتعلق بتشكيل اللجنة استناداً للقرار 2254 كما يزعم أعضاء اللجنة، بل هي فقرة إجرائية لتوضيح حدود ولاية المبعوث الدولي، ومما يؤكد ذلك هو أن الفقرة الرابعة من اللائحة قد جاءت بشكل واضح لتقول: “وتفعيلاً للبيان الختامي لمؤتمر سوتشي كإسهام في مسار جنيف بدعم من الدول الراعية لمؤتمر سوتشي”، أي أن قرار تشكيل اللجنة قد تم اتخاذه في مؤتمر سوتشي واستناداً لنتائجه، ما يعني أنه قرار “روسي – تركي – إيراني”، أما الأمم المتحدة فدورها ليس فرض أي مسار، بل تيسير المسارات، بمعنى أن الأمم المتحدة والمبعوث الدولي، لا يستطيعان تشكيل اللجنة، لو لم يوافق عليها طرفاها، أي النظام والمعارضة، وهنا يظهر حجم تدليس أعضاء اللجنة، فتبني الأمم المتحدة لهذا التوافق لا يعني أنها هي التي أنشأته، أو أنه يتم بناء على قراراتها، بل باختصار يعني أن الأمم المتحدة لن تعطل ما يتم التوافق عليه بين النظام والمعارضة أياً كان، فالقاعدة القانونية تقول إنه لا يمكن إجبار أحد على ممارسة حقوقه، والأمم المتحدة تساندك وتقف معك عندما تريد ممارسة الحقوق المنصوص عليها في القرارات، لكنها لن تعارضك عندما تتنازل عن هذه الحقوق، وهذا هو جوهر الموضوع، ومما يدفع إلى غصة في القلب، أن اللجنة تصدقُ مع الأمم المتحدة وتمارسُ التدليس مع السوريين، فهي في وثيقتها المقدمة للأمم المتحدة قالت صراحة: “بناء على المواد 12 التي اعتمدت من الأطراف المعنية وضمنت في البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي”، وليس أوضح من هذا للتدليل على التدليس.

متى يكتب الدستور، ومن له الحق بكتابته؟

يخلط البعض بين مفهومين، هما: مفهوم “وقف النزاع العسكري أو الحرب”، ومفهوم “الحل السياسي”، فوقف الحرب هو غاية بحد ذاته؛ وذلك لحقن الدماء، لكن الحل السياسي هو وسيلة لتحقيق غاية، التي يمكن اختصارها بجملة واحدة، هي أن يمتلك السوريون قرارهم الوطني المستقل، وأن يصوغوا مستقبلهم ومستقبل بلادهم بأيديهم، في ظل أجواء موضوعية تسمح لهم بذلك، وفي هذا الصدد من يقرأ بيان جنيف أو القرار 2118 لعام 2013 أو القرار 2254 لعام 2015، سيجد هذا المبدأ الأساسي موجوداً بقوة، وبوضوح لا لبس فيه.

فالمادة السابعة من بيان جنيف والتي جاءت تحت عنوان “المبادئ والخطوط التوجيهية المتفق عليها للقيام بعملية انتقالية بقيادة سوريا”، حددت أربعة شروط يجب أن تتوافر في التسوية السياسية، وقالت بالحرف:

“أي تسوية سياسية يجب أن تقدم لشعب الجمهورية العربية السورية عملية انتقالية:

 أ- تتيح منظوراً مستقبلياً يمكن أن يتشاطره الجميع في الجمهورية العربية السورية.

ب- تحدد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور.

ج- يمكن أن تنفذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.

د- يمكن بلوغها بسرعة دون مزيد من إراقة الدماء وتكون ذات مصداقية”.

إذاً، فإن أي تسوية سياسية في سوريا يجب أن تفضي حكماً إلى مرحلة انتقالية، وعملية انتقالية تحقق المبادئ والشروط السابقة، وغير ذلك فإن الحل السياسي يكون غير مطابق لمعايير جنيف، أو القرارات الدولية، والأمر الآخر أن بيان جنيف ومنعاً لأي التباس فإن مادته الثامنة والتي جاءت تحت عنوان “منظور للمستقبل” قد نصت بشكل واضح على أسس وصفات الدولة السورية الجديدة، والتي لا يمكن بناؤها من دون عملية انتقال سياسي للسلطة ابتداءً، وهذا ما أكدته الفقرة “16” من القرار 2118 عندما قالت بالحرف: “يؤيد تأييداً تاماً بيان جنيف المؤرخ في 30 من حزيران عام 2012 والذي يحدد عدداً من الخطوات الرئيسية بدءاً بإنشاء هيئة حكم انتقالي تمارس كامل السلطات التنفيذية..”.

إضافة لما سبق فإن المادة التاسعة من بيان جنيف، والتي تحدثت عن الخطوات الواضحة في العملية الانتقالية، قد نصت صراحة في الفقرة “ب” على ما يلي: “الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته في الجمهورية العربية السورية من المشاركة في عملية الحوار الوطني، ويجب ألا تكون هذه العملية شاملة للجميع فحسب، بل يجب أن تكون مجدية، أي أنه من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسية”.

وتضيف الفقرة “ج” ما يلي: “على هذا الأساس يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية وتعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام”.

إذاً، بيان جنيف الذي صدّق عليه قرار مجلس الأمن رقم 2118، والذي جاء القرار 2254 لتنفيذه، وذلك وفقاً للمادة الأولى من هذا القرار، يحدد شكل ومضمون وتوقيت العملية الدستورية، حيث إنها يجب أن تأتي من خلال حوار وطني شامل، وليس من خلال توافق المعارضة والنظام، وهو أيضاً ما نصت عليه الفقرة الرابعة من القرار 2254، التي جعلت الأولوية هي لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي خلال ستة شهور، وبعد ذلك خلال 18 شهراً يتم فيها صياغة الدستور الجديد.

ويزعم بعض أعضاء اللجنة الدستورية بأن القرار 2254 قد شكل تراجعاً عن بيان جنيف، وللأسف هذا الزعم يدل على سوء قراءة أو سوء نية في قراءة هذا القرار، فالمادة الرابعة من القرار 2254 أعطتنا ما كنا نفتقده في بيان جنيف، وهو الجدول الزمني القصير، التي نص عليه بيان جنيف في الفقرة “ب” من المادة السابعة سالفة الذكر، كذلك فإن الفقرة الرابعة تحدثت عن الاتفاق على جدول زمني لعملية صياغة الدستور، وذلك لمنع النظام من المماطلة، ولم تتحدث عن صياغة دستور أو تعديله على الإطلاق.

كذلك فإن أي مختص بالقانون الدولي يعرف نظرية الأثر التراكمي للقرار الدولي، فالقرارات الدولية لا ينسخ بعضها بعضاً، بل إنها تبني مجموعة من الخطوات المترابطة موضوعياً وزمنياً، حيث إننا نصبح إزاء منظومة عمل متكاملة، وهو ما نحن في صدده.

للأسف فإن روسيا التي عملت على تفتيت القرار 2254 عبر عدة خطوات، قامت باغتصاب حق السوريين الأصيل في تقرير مصيرهم ومستقبلهم، واغتصبت اسم “مؤتمر الحوار الوطني”، وذلك بعقد مؤتمر سوتشي تحت هذا الاسم، ولم يكن بإمكانها فعل ذلك، لولا أن ساعدها القبول والموافقة الصادران عن “الهيئة السورية للتفاوض” المنبثقة عن رياض 2، والائتلاف الوطني، ومجموعة أستانا، التي ساهمت جميعاً بمساعدة الروس على الخروج السافر، والاغتصاب المهين لحق السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

وللعلم فإن جمع المعارضة والنظام لا يعني مؤتمر الحوار الوطني، فكلا الطرفين لا يستطيعان ادعاء تمثيل المجتمع السوري صاحب الحق الأصيل في هذا المؤتمر، فمؤتمر الحوار مفهوم محدد ومضبوط بصفاته وشموله ومخرجاته، والأثر القانوني لهذه المخرجات وفقاً لبيان جنيف في المواد (7) و(8) و(9)، وليس وفقاً لما تراه روسيا والنظام، ومن سار معهما على درب تمييع فكرة الحوار الوطني من المعارضة.

ولذلك فإن ما نعيب به على اللجنة الدستورية، ليس قلة الكفاءة وسوء التشكيل والجهل المتحكم بأركان عملها وحسب، بل إننا ننعي بشكل أساسي على اللجنة الدستورية أنها مغتصبة لحق السوريين في كتابة دستورهم، الذي يجب أن يكون بعد حوار وطني شامل في أجواء آمنة وهادئة يستطيعون فيها أن يحددوا مستقبل بلدهم وشكل دولتهم، فعمل اللجنة الدستورية ووجودها يعتبر تنازلاً غير مبرر عن كل منظومة الحل السياسي التي نص عليها جنيف وقرارات مجلس الأمن، فضلاً عن أنه سيشكل حائلاً أمام قدرة السوريين على صنع مستقبلهم، فنحن لسنا أبناء مظلومية وضحايا حرب همجية فقط، بل نحن أبناء الحياة وأبناء المستقبل، وكما نريد وقف الحرب، فإننا وبالدرجة ذاتِها نريد بناء مستقبل لنا ولأولادنا، في ظل نظام وطني ديمقراطي، يبنيه السوريون جميعاً وليس ثلة من داعمي جرائم الأسد، بمعونة مجموعة نعرف من الذي سماها، ومن الذي جاء بها، فهذا الزواج بين النظام ومعارضته التي تشبهه، لن ينتج لسوريا سوى الخراب والمستقبل المظلم، الذي رأينا بعضاً من ملامحه في نقاشات لجنة سوتشي ووثائقها، إنها ليست عملية دستورية بل هي اغتصاب لحقوق السوريين جميعا.

*شغل المحامي محمد صبرا منصب كبير المفاوضين في الهيئة العليا السورية للمفاوضات سنة ٢٠١٧، وقبل ذلك كان عضواً في وفد التفاوض ومسؤولاً عن الملف القانوني سنة ٢٠١٦.

تلفزيون سوريا

——————————

المبعوث الأممي لسوريا يثير غضب المعارضة باستخدامه مفردة «العدالة التصالحية»/ هبة محمد

في سابقة، وفقًا لمراقبين وحقوقيين، مرر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مصطلح «العدالة التصالحية» خلال إحاطة لمجلس الأمن، عبر دائرة تلفزيونية حول سير أعمال اللجنة الدستورية، الأمر الذي أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة، بين أطياف المعارضة السورية باعتبارها مصطلحاً «غير بريء» مطالبين برد واضح من أعضاء اللجنة الدستورية، لا سيما كتلة «المجتمع المدني» التي استنكرت بدورها ما ورد في تصريحات بيدرسون، وطالبت الأخير عبر رسالة إلى مكتب المبعوث الأممي، بتصحيح المصطلح الوارد في إحاطته، واستبداله بمصطلح «العدالة الانتقالية».

وفي معرض حديث بيدرسون عن سير أعمال اللجنة الدستورية، لا سيما خلال جولتها الأخيرة، أبلغ أعضاء المجلس الأربعاء، أن «الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية ستعقد في جنيف بين 25 و29 يناير/كانون الثاني المقبل». وقال إن اجتماعات الجولة الرابعة، بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي و4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، «شهدت اختلافات كبيرة بين المشاركين، وكانت هناك لحظات توتر». وأضاف «ومع ذلك مازلنا نرى إمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة في الجولة الخامسة، حيث سيتم التركيز على المبادئ الدستورية الأساسية في الدستور والولاية الخاصة بأعضاء اللجنة».

وزاد: «بينما نتطلع إلى عام 2021، نحتاج لعملية سياسية أوسع وأعمق ووقف إطلاق نار في كل أرجاء البلاد وجهود فعلية لصياغة الدستور وجهود أكبر لبناء الثقة والتقدم خطوة تلو الأخرى».

وشدد على أنه «لن يكون بالإمكان القيام بذلك بمفردنا، نحن بحاجة إلى دعم قوي وصوت واحد من مجلس الأمن، لتنفيذ القرار 2254، وإنني أعوّل على دعمكم». وحذر من تداعيات «وجود 5 جيوش أجنبية تنشط حالياً في سوريا، ولا يزال البلد ساحة للمعارك، مع تداعيات محتملة على المنطقة»

وعشية الإحاطة التي قدمها بيدرسون، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتنديد، وطالب المعارضون للنظام السوري، وفد المجتمع المدني بتقديم تفسير لما ورد. وهو ما دفع ستة من أعضاء اللجنة المصغرة للجنة الدستورية في «وفد المجتمع المدني» لإصدار بيان يؤكد أن مجموعتهم لم تطالب بما يسمى «بالعدالة التصالحية». وأرسل أعضاء الوفد المدني رسالة إلى مكتب المبعوث الأممي، طالبوه فيها بتصحيح المصطلح الوارد في إحاطته، واستبداله بمصطلح «العدالة الانتقالية»

ولتوضيح الهدف من إقحام مصطلح «العدالة التصالحية» في إحاطة « المبعوث الأممي، التي تعني المساواة بين الضحية والجلاد، وجعل كلا الطرفين مجرمين ويتوجب عليهما الصلح، تحدث المحامي السوري والناشط الحقوقي ميشال شماس لـ«القدس العربي» عن الفرق بين العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية. وقال: «العدالة الانتقالية ترتكز على مبادئ أساسية تكمل بعضها البعض وهي أولاً عدم الإفلات من العقاب من خلال تشكيل محاكم خاصة ومحاكم دولية».

المحلل السياسي مازن موسى اعتبر ما فعله بيدرسون، سابقة خطيرة، واصفاً إدخال مصطلح «العدالة التصالحية بـ «التحريف والتزوير وهو مصطلح يجعل الجاني والضحية سواء في الجريمة» والأخطر وفق وصفه «بيدرسون يتعمد التزوير والتحريف ونسب كلام ولصقه بوفد المجتمع المدني، وهذا يتوجب إيقافه عند حده، وتجميد المشاركة حالياً من طرف وفد المجتمع المدني يعتبر موقفاً قوياً وضاغطاً على بيدرسون لإجباره على التراجع وتقديم الاعتذار أيضاً»

القدس العربي

—————————-

العدالة التصالحية السورية:خطأ في الترجمة أم في السياسة/ عقيل حسين

رفض المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن تصحيح ما ورد في إحاطته التي قدمها الأربعاء إلى مجلس الأمن حول الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية، وتضمنت استخدام مصطلح “العدالة التصالحية”.

وعبّر الكثير من قوى وشخصيات المعارضة عن سخطها تجاه الإحاطة بشكل عام، وتجاه الحديث عن العدالة التصالحية بشكل خاص، والذي وصفه بيان صادر عن جماعة الاخوان المسلمين في سوريا ب”الصدمة العنيفة لضمائر السوريين جميعاً”، بينما طالب آخرون وفد المعارضة والأعضاء المعارضين في وفد المجتمع المدني بتعليق عملهم في اللجنة.

وكان بيدرسن قد تجنب في إحاطته أي إشارة إلى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة لأمم المتحدة المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، وكذلك مرجعية جنيف التي تنص جميعها على إقامة هيئة حكم انتقالي يكون من مهامها تطبيق العدالة الانتقالية، مكتفياً بتلخيص ما تناولته الوفود الثلاثة في الجولة الأخيرة، وبينها وفد المجتمع المدني الذي قدم بعض أعضائه –حسب بيدرسن- نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، والقضايا الأخرى ذات الصلة، مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، ما أثار جدلاً واسعاً.

ونفى الأعضاء المحسوبون على المعارضة في وفد المجتمع المدني أن يكون أي من أعضاء الوفد الخمسة عشر قد ذكر هذا المصطلح في مداخلاته خلال الجولة الأخيرة، مطالبين المبعوث الأممي بالتزام الدقة في نقل مداخلات المجتمعين، وعدم وضع مصطلحات لم يتم استخدامها.

وفي حديث لـ”المدن”، أكدت عضو وفد المجتمع المدني رغدة زيدان أن “الوفد اتصل بمكتب بيدرسن فور الإعلان عن مضمون الإحاطة، ومن ثم توجه برسالة رسمية إليه مطالباً بتصحيح ما ورد فيها حول مصطلح العدالة التصالحية الذي لم يتم ذكره على الإطلاق”، مضيفة أن الحديث جرى عن العدالة الانتقالية بشكل عام وعن العدالة التعويضية فيما يتعلق بالمساكن والأملاك التي تعرضت للضرر.

وبينما يتضمن مصطلح العدالة الانتقالية “كشف الحقيقة والمحاسبة والمساءلة ومحاكمة الجناة وجبر الضرر وتعويض الضحايا، مع إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وأجهزتها” حسب المحامي رديف مصطفى، فإن العدالة التصالحية “نوع جديد ظهر في السبعينات وعادة ما يعمل به في زمن السلم ووجود قانون وطني، ويركز على  العدالة الجنائية بموضوعين أساسيين هما التعويض والتصالح، بمعنى أنه عملية مصالحة بين الضحايا والجناة وكل المتضررين، وهذه العدالة لاتركّز على كشف الحقيقة ولا تتضمن أي مساءلة أو محاسبة قانونية”.

ويضيف مصطفى في تصريح ل”المدن”، أن “هذا النوع من العدالة لا يلائم السياق السوري، نظراً لنوعية الجرائم المرتكبة وحجمها وفظاعتها وخلفيتها السياسية، وبالتالي لا بد من محاكمة ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوها وعلى رأسهم رموز النظام”.

والخميس التقى بيدرسن ممثلين عن منظمات المجتمع المدني في سوريا وناقش معهم ما ورد في الإحاطة، ولدى سؤاله حول استخدام مصلح العدالة التصالحية، اعتبر أنه ورد كخطأ في الترجمة، لكنه رفض إصدار أي تصحيح رسمي، معتبراً أن “القضية لا تستحق كل هذا اللغط” حسب ما نقل عنه.

رفْض بيدرسن إعادة النظر بما ورد في إحاطته تسبب بتنامي الغضب في أوساط المعارضة التي رأت أن ما صدر عنه يعزز الشكوك المتزايدة لديها في أن المبعوث الدولي يعمل على السير بالعملية السياسية في الاتجاه الذي يريده الروس، وفي مقدمة ذلك إسقاط المرجعية الدولية والاكتفاء بتعديل دستوري يسبق إجراء انتخابات يديرها النظام، وليس هيئة الحكم الانتقالي.

المعارض جورج صبرا أكد ل”المدن”، أنه “ومنذ أكثر من عامين فإن جميع الإحاطات التي يقدمها بيدرسن لمجلس الأمن تقليدية ومن لزوم ما لا يلزم، بسبب عدم وجود مفاوضات حقيقية في هذه الفترة، إذ أن المفاوضات معطلة والعملية السياسية محتجزة، حتى أن اللجنة الدستورية، وبعد أربع جولات، لم تصل إلى اتفاق حتى حول جدول أعمال محدد”.

وأضاف “لكن ما ورد في إحاطته الأخيرة تجاوز كل ما سبق بالخطورة، عندما طرح التعبير المبتدع الذي سمي العدالة التصالحية بديلاً عن العدالة الانتقالية، والفرق بين الاثنين شاسع، إضافة إلى أنه ابتداع مشبوه وفيه خروج على أساسيات العملية السياسية وما ورد في القرارات الدولية ذات الصلة”. وتابع أن “الخشية الآن ألا يكون هذا التعبير قد ورد عرضياً أو من بنات أفكار بيدرسن، بل أن يكون موافقاً عليه من قبل أطراف من المعارضة، وتم رميه كبالون اختبار أمام السوريين والمجتمع الدولي”.

وبالفعل، يرى الكثيرون من المعارضين أن الخروج الجديد لبيدرسن عن الإطارات المحددة للمفاوضات لم يكن ليتم لولا التنازلات التي قدمتها المعارضة في السنوات الثلاث الماضية، وآخرها تجنبُ وفد هيئة التفاوض في اللجنة الدستورية ذكر أي إشارة إلى القرارات الدولية وبيان جنيف في الوثيقة التي قدمها في نهاية الجولة الرابعة.

وكان لافتاً عدم صدور أي رد فعل من قبل وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية أو مؤسساتها الرسمية الأخرى، حول مضمون الإحاطة التي تقدم بها بيدرسن، بينما اكتفى رئيس الائتلاف الوطني نصر الحريري بتغريدة انتقد فيها المبعوث الدولي بسبب تجنبه ذكر القرارات الدولية في إحاطته، مؤكداً أن “المعارضة وشركاءها والأمم المتحدة أمام تحدٍ أخلاقي يفرض مواجهة النظام بسبب رفضه الحل الدبلوماسي وليس مكافأته”.

وأمام هذا الصمت الرسمي، يطالب الكثيرون في المعارضة، وفد اللجنة الدستورية بإعلان الانسحاب من المفاوضات وعدم العودة إليها قبل إعلان المبعوث الدولي الالتزام الكامل بمقررات مجلس الأمن وبيان جنيف، متسائلين عن السبب الذي يجعل بيدرسن يعمل على استرضاء وفد النظام في كل مرة، مقابل استخفافه بوفد المعارضة وحقوقها.

المدن

——————————————-

بيدرسن يشعل الجدل:إصلاح الدستور السوري لا إعادة كتابته

قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن إنه “بعد ما يقرب من عقد من الصراع، لم تحقق العملية السياسية نتائج للشعب السوري، الذي لا يزال يعاني بشدة داخل سوريا وخارجها”.

واعتبر بيدرسن في إحاطة أمام مجلس الأمن أثارت جدلاً بسبب طرحها مبدأ “العدالة التصالحية” و”الإصلاح الدستوي”، أن “الحل السياسي هو وحده القادر على إنهاء هذه المعاناة، ومنع تجدد الصراع وعدم الاستقرار، وحماية المدنيين السوريين والمنطقة من أخطار أخرى كبيرة”.

وأوضح بيدرسون أنه في ختام اجتماعات اللجنة الدستورية التي انعقدت بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر و4 كانون الأول/ديسمبر، قدم أعضاء اللجنة المسمين من قبل الحكومة والمعارضة مواقفهم كتابةً في شكل مداخلات عامة.

وبحسب بيدرسن، قدم الوفد المسمى من قبل النظام السوري ثمانية مبادئ تتعلق ب”مكافحة الإرهاب، وإدانة الإيديولوجيات الإرهابية ودعم الإرهابيين، وإدانة الإجراءات القسرية أحادية الجانب، وإدانة احتلال الأراضي السورية، ورفض التقسيم والمشاريع الانفصالية، ودعم الجيش العربي السوري، والترويج للهوية الوطنية، وحماية التنوع الثقافي، وتشجيع وضمان عودة اللاجئين، ومعالجة القضايا الإنسانية”.

كما عرض الوفد المسمى من قبل هيئة المفاوضات السورية 23 نقطة تناولت مجموعة من المبادئ بما في ذلك “سيادة سوريا، وسلامتها الإقليمية، والعلاقات الدولية والالتزام بالقانون الدولي، والهوية الوطنية، والتنوع الثقافي، والديمقراطية، والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، والفساد، والإرهاب، والمواطنة، وعودة اللاجئين، والحقوق والحريات، والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية”.

والنقطة التي أثارت جدلاً في حديث بيدرسن كانت قوله: “قدم بعض أعضاء المجتمع المدني من الثلث الأوسط نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، والقضايا الأخرى ذات الصلة مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة”. وأثار مصطلح “العدالة التصالحية” جدلاً واسعاً، بعدما كان يُستخدم سابقاً مصطلح “العدالة الانتقالية”.

نقطة ثانية أثارت جدلاً في حديث بيدرسن وهي حسمه بشكل غير مباشر بأن مهمة اللجنة الدستورية هي إصلاح الدستور وليس كتابة دستور جديد. وقال بيدرسن في سياق كلامه عن الجولة المقبلة لاجتماعات الدستورية المقررة في 25 كانون الثاني/يناير: “سأتشاور مع الرئيسين المشاركين قبل موعد الدورة القادمة حول كيفية ضمان انتقال اللجنة، كما هو منصوص عليه في ولايتها، من عملية إعداد إصلاح دستوري إلى صياغة هذا الإصلاح. وكما أكد الرئيسان المشاركان خلال الدورة، فإن اللجنة تم تفويضها وتمكينها للقيام بذلك بموجب الاتفاق بين الحكومة السورية وهيئة المفاوضات السورية”.

وأضاف بيدرسن أن “الصراع العنيف والإرهاب لا يزال حقيقة واقعة بالنسبة للسوريين. ويعود الفضل للترتيبات القائمة، بما في ذلك تلك التي تتضمن روسيا وتركيا والولايات المتحدة، في استمرار الهدوء الهش، بالإضافة إلى الجهود المتواصلة للتصدي للجماعات المصنفة على أنها إرهابية، بما في ذلك داعش وهيئة تحرير الشام”. لكنه رأى أن هذه الترتيبات “لا ترقى إلى مستوى وقف إطلاق النار المنصوص عليه في القرار 2254”.

وتابع أنه “مع استمرار تواجد خمسة جيوش دولية تعمل في سوريا، لا يزال البلد بمثابة برميل بارود يمكن أن يشعل حادثاً دولياً كبيراً يترك تداعياته على المنطقة بأكملها”. وقال إن “هناك الكثير مما يمكن القيام به لحماية السلم والأمن الدوليين مع البحث أيضاً عن وسائل عملية وملموسة لحماية واستعادة سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها”.

وتابع: “عندما نلقي نظرة على عام 2020، نجد عنصرين يمكن البناء عليهما وهما، هدوء نسبي مع ثبات خطوط التماس منذ آذار/مارس 2020، واللجنة الدستورية”. ورأى أن “هناك حاجة إلى عملية أعمق وأوسع: وقف إطلاق نار على المستوى الوطني، وعملية موضوعية لصياغة الدستور”.

———————————-

بيدرسون يوضح الجدل حول “العدالة التصالحية”: خطأ فني غير مقصود

نفى المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون أن تكون إحاطته في مجلس الأمن قد طرحت مصطلح “العدالة التصالحية” في سورية، والذي أثار حفيظة المعارضة السورية، في اليومين الماضيين.

وقال بيدرسون في بيان نشره مكتبه، اليوم الجمعة: “في الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن في 16 ديسمبر الجاري أدى خطأ فني غير مقصود إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط على أنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية”.

وتابع بيدرسون: “لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية”.

وأكد المبعوث الأممي إلى سورية أن البيان الذي أشارت إليه إحاطته في مجلس الأمن لم يذكر سوى “العدالة التعويضية”، في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية.

وتأتي توضيحات بيدرسون بعد جدل أحدثته الإحاطة التي قدمها في مجلس الأمن، الأربعاء الماضي، والتي قال فيها إن بعض أعضاء اللجنة الدستورية من وفد “المجتمع المدني طالبوا خلال اجتماعات اللجنة الدستورية الأخيرة بتطبيق مبدأ العدالة التصالحية في سورية”.

لكن أعضاء قائمة المجتمع المدني نشروا بياناً فورياً قالوا فيه إن مصطلح “العدالة التصالحية” جاء في السياق التالي: “وضمان حقوقهم (حقوق اللاجئين) في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراض أو ممتلكات حرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية. وأن يعتبر الرد سبيل الانتصاف المفضل وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية…”.

ومنذ ساعات اتهم “الائتلاف الوطني السوري” بيدرسون بالخروج عن القرارات الأممية، في العملية السياسية التي يسير بها حالياً، في إطار اللجنة الدستورية السورية.

وفي كلمة مصورة لرئيس “الائتلاف”، نصر الحريري، تساءل: “من أين جاءت العدالة التصالحية، لاسيما أن مفرداتنا تقول ومنذ سنوات إننا بحاجة لعملية سياسية شاملة فيها عملية عدالة انتقالية”.

وأضاف الحريري أنه “لم يتم تناول هذا المصطلح من أي شخص (في منصات المعارضة)”، مطالباً الأمم المتحدة بأن تبيّن من أتى بهذا المصطلح في الوقت الحالي.

وهناك فرق كبير بين “العدالة التصالحية” و”العدالة التعويضية”.

وتعتبر “العدالة التعويضية” نوع من أنواع العدالة بمفهومها العام والواسع، وتعني تعويض الأشخاص المصابين بالجراح تعويضاً عادلاً عن جراحهم وإصاباتهم، وبالتالي فإنّ التعويض العادل يتناسب مع الأضرار التي لحقت بالشخص.

أما “العدالة التصالحية” فتقوم على تنحية فكرة العقاب أو القصاص، وعلى مشاركة جميع أطراف الصراع، وتركز على الضحايا فقط دون البحث بمسببي الانتهاكات.

————————————-

“الائتلاف”: بيدرسون خرج عن القرارات الأممية.. والحل السياسي “بعيد”

اتهم “الائتلاف الوطني السوري” المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون بالخروج عن القرارات الأممية، في العملية السياسية التي يسير بها حالياً، في إطار اللجنة الدستورية السورية.

ويأتي الاتهام من جانب “الائتلاف” بعد إثارة بيدرسون حفيظة المعارضة السورية، باستخدامه مصطلح “العدالة التصالحية”، خلال إحاطة قدمها، الأربعاء بمجلس الأمن الدولي.

وقال يبدرسون حول التطورات السياسية والإنسانية، إن بعض أعضاء اللجنة الدستورية من وفد “المجتمع المدني طالبوا خلال اجتماعات اللجنة الدستورية الأخيرة بتطبيق مبدأ العدالة التصالحية في سورية”.

وفي كلمة مصورة لرئيس “الائتلاف”، نصر الحريري، اليوم الجمعة تساءل: “من أين جاءت العدالة التصالحية، لاسيما أن مفرداتنا تقول ومنذ سنوات إننا بحاجة لعملية سياسية شاملة فيها عملية عدالة انتقالية”.

وأضاف الحريري أنه “لم يتم تناول هذا المصطلح من أي شخص (في منصات المعارضة)”، مطالباً الأمم المتحدة بأن تبيّن من أتى بهذا المصطلح في الوقت الحالي.

وأشار الحريري إلى أن العملية السياسية الخاصة بسورية تمضي في طريق “منحرف”، معتبراً أنه لا يوحد حل سياسي في المدى القريب، لأن روسيا ما تزال متعنتة بدعمها لنظام الأسد، ولا تريد الجلوس على طاولة المفاوضات.

ويوم أمس الخميس نفى أعضاء قائمة “المجتمع المدني” في “اللجنة الدستورية” استخدام مصطلح “العدالة التصالحية”، في أي من مداخلاتهم خلال تقديمها في إحاطة بيدرسون.

ونشروا بياناً، أمس قالوا فيه إن مصطلح “العدالة التصالحية” جاء في السياق التالي: “وضمان حقوقهم (حقوق اللاجئين) في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراض أو ممتلكات حرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية. وأن يعتبر الرد سبيل الانتصاف المفضل وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية…”.

وتحدث الحريري عن مسار اللجنة الدستورية السورية، وقال: “إذا استمرت في هذا الحال ستسير إلى نهايتها بشكل لا إرادي”.

واعتبر أن طرح مصطلح “العدالة التصالحية” هو شرعنة لنظام الأسد، وإضاعة لحقوق السوريين، وهذا خروج صريح عن قرار مجلس الأمن وبيان جنيف.

وتولي الأمم المتحدة وعواصم غربية واقليمية، اهتماماً كبيراً باللجنة الدستورية، إذ تعتبرها “الطريق الوحيد” للحل السياسي، بحسب تصريحات المبعوث الأمريكي السابق لسورية، جيمس جيفري، مؤخراً.

لكن اللجنة وعلى مدار الجولات الأربع لها، والممتدة لأكثر من عام لم تتطرق إلى مسألة الدستور حتى الآن، بل حاول فيها نظام الأسد إضاعة الوقت، مركّزاً على طرح قضايا فوق تفاوضية.

———————————-

السيد هادي البحرة يعلق على بيان بيدرسون

بخصوص ما اثارته احاطة المبعوث الخاص الأخيرة من مخاوف والتي تم توضيحها وتصويبها من مكتبه

أؤكد رسميًا بأنه لم يذكر أو يبحث مصطلح “العدالة التصالحية” في اجتماعات اللجنة الدستورية منذ تأسيسها والى الأن.

في كل مداخلات اللجنة منذ بداية عملها والى يومنا هذا ممثلي هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة يستخدمون مصطلح واحد وهو “العدالة الإنتقالية” وكل مداخلاتهم بخصوصها تشدد على انه لا حل مستدام ان لم يتم تحقيقها.

بعد المتابعة مع فريق عمل مكتب المبعوث الدولي قاموا بتدقيق المحاضر الصوتية ومن ثم تحديد الخطأ وأصدر المكتب التوضيح الرسمي الموضوع نصه في المنشور السابق ادناه.

اريد ان اشير أيضًا الى بعض النقاط الهامة في عمل اللجنة، كل محاضر اجتماعات اللجنة مسجلة بالصوت ومن ثم تفرغ كتابة ويحتفظ بهما لدى سكرتارية اللجنة في مقرها في جنيف، كما تسلم نسخة منها لكل من الرئيسين المشاركين. وهذه المحاضر هي المحاضر الرسمية الوحيدة المعتمدة لتوثيق الجلسات ولا يعتد بأي شئ أخر من قبل أي جهة كانت، أي لا مجال للتحريف والادعاءات.

لا وجود لأي وثائق توقع وتتبادل من قبل الأطراف ولا يتم تبادل اوراق او وثائق بين الاطراف بشكل مباشر، انما تطبع مداخلات الأعضاء من قبلهم ويضعوا اسمائهم عليها والطرف الذي يمثلونه ويتم تسليم نسخة منها للسكرتارية لتوضع على طاولة في مدخل القاعة يستطيع أي عضو من أي طرف أن يحصل على نسخة منها،

اللجنة المصغرة هي لجنة لصياغة اقتراحات لمضامين دستورية ولا تتخذ قرار بإعتمادها وانما ان حدث توافق على مقترح فيتوجب رفعه لاجتماع اللجنة الموسعة ال ١٥٠ عضو حيث يناقش في اجتماع رسمي ويصوت عليه وان حاز على النسبة المطلوبة من اجمالي عدد الأصوات يتم اعتماد المضمون. وحينها يعتبر وثيقة منتجة ومعتمدة، أما ماقبل ذلك تعتبر مشاريع مضامين.

ليس من اختصاص اللجنة بحث تشكيل هيئة الحكم الانتقالي فهذا ضمن المسارات الواجب تفعيلها ومسؤولة عنه هيئة التفاوض. اي كل مواضيع المرحلة الانتقالية ما بين لحظة توقيع الاتفاق السياسي لتنفيذ كامل قرار مجلس الأمن ٢٢٥٤ ان تم، وتشكيل هيئة الحكم الانتقالية وتحقيق البيئة الآمنة والمحايدة تهيئة للانتخابات الحرة والنزيهة وفق اعلى المعايير الدولية للشفافية باشراف الأمم المتحدة ويكون أولها عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد وهذه الفترة حددت مدتها وفق القرار ب ١٨ شهراً والمسؤول عن التفاوض بخصوصها هو هيئة التفاوض. أي ان مشروع الدستور يصاغ بفرض تحقق ذلك قبل طرحه للموافقة العمومية، بعد الاستفتاء العمومي على الدستور وان قبله الشعب، يتم اجراء الانتخابات للبرلمان/ الرئيس وفق ما سينص عليه الدستور الجديد.

هادي بحرة

—————————-

توضيح من مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا

يود مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا أن يوضح أنه، في الإحاطة المقدمة إلى مجلس الأمن بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2020، أدى خطأ فني غير مقصود إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط على أنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بـ “العدالة التصالحية” لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية. والبيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة في الواقع لم يذكر سوى “العدالة التعويضية” في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية.

—————————–

بيدرسون و #مجلس_الأمن يعبثان بالمصطلحات والنتيجة: عدالة تصالحية

https://www.facebook.com/Orient.Tv.Net/videos/680522215966354/

——————————

======================

تحديث 19 كانون الأول 2020

——————————-

بيدرسون نعى الانتقال السياسي … “القانونيين السوريين” توضح الفرق بين العدالة “الانتقالية والتصالحية

أصدرت “هيئة القانونيين السوريين” بياناً خاصاً حول إحاطة المبعوث الخاص غير بيدرسون، مشيرة إلى أن الأخير نعى من خلال الفقرة ٢١ من إحاطته، الانتقال السياسي عبر “هيئة حكم انتقالية” وأضاف بناء على طلب وموافقة اللجنة اللدستورية مصطلح “العدالة التصالحية” عوضاً عن “العدالة الانتقالية”.

وأوردت الهيئة نص كلام المبعوث الخاص غير بيدرسون في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن بالقول: “وفي نهاية المطاف, وبعد اعتماد دستور جديد وتوفير بيئة آمنة وهادئة ومحايدة يدعو القرار 2254 إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة, تدار تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لأعلى معايير الشفافية والمساءلة, وبمشاركة جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة, بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المهجر” وختمها على استحياء بمشاركة المهجرين والنازحين واللاجئين”.

ووفق البيان فقد ورد ولأول مرة في إحاطة المبعوث الدولي الخاص لسورية غير بيدرسون مصطلح ” العدالة التصالحية ” في الفقرة السادسة من إحاطته، معتبرة أن إدراج هذا المصطلح في وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالمفاوضات المتعلقة بالملف السوري يعني إقراره ضمن آليات الحل السياسي الذي يٌعْمَل عليه برعاية الأمم المتحدة.

ولفتت الهيئة إلى أن هذا المصطلح يطرح لأول مرة منذ بداية التدخل الأممي في الملف السوري الأمر الذي يوجب معرفة هذا المفهوم ودلالات إطلاقه في هذه الجولة من مفاوضات اللجنة الدستورية التي استقرت على اعتماد مصطلح ” العدالة الانتقالية ” في كل مراحل المفاوضات في خطاب المعارضة وخطاب الأمم المتحدة والتي تم بناء عليه إقامة مئات الورشات والدورات التدريبية لأعضاء المعارضة ممن انخرطوا في العملية التفاوضية.

واستغربت الهيئة موقف بعض أعضاء اللجنة الدستورية بهذا المستجد، حيث انقسموا بين ” متذاكٍ ” كعادة المعارضة حيث اعتبر أن المقصود بالعدالة التصالحية هي العدالة الانتقالية، وبين” ناءٍ بنفسه ” حيث رمى المسؤولية على مكتب الترجمة التابع لمكتب المبعوث الدولي السيد بيدرسون، وبين ثالثٍ ” لا مُبالٍ ” لم يعنيه الأمر لا من قريب ولا من بعيد.

وأكدت الهيئة أن هناك محاولات لتمرير مفاهيم ومصطلحات خطيرة من قبل بعض الأطراف مستغلين ضعف قدرات بعض أعضاء وفد المعارضة وعدم مبالاة البعض وعمالة البعض الآخر المتماهي مع موقف النظام السوري.

وفصلت الهيئة في ماهية وتعريف مفهومي العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية والفرق بينهما، مبينة أن العدالة التصالحية:

– عرّف قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة رقم 2002/12، المؤرخ في 24 تموز/يوليه 2002 العدالة التصالحية بأنها: ” ” برنامج عدالة يستخدم عمليات تصالحية يشارك فيها الضحية والجاني، وعند الاقتضاء أي من الأفراد أو أعضاء المجتمع المحلي الآخرين المتضررين من الجريمة، مشاركة نشطة معاً في تسوية المسائل الناشئة عن الجريمة، وذلك، بصفة عامة، بمساعدة من ميسِّر وفق آليات تصالحية مثل ” الوساطة، والمصالحة، والتفاوض بين المحامين والقضاة والتشاور بشأن إصدار الأحكام “. ينتج عنها اتفاقات يتوصل اليها الأطراف تتضمن ” التعويض ورد الحقوق والخدمة المجتمعية، بهدف تلبية الاحتياجات والمسؤوليات الفردية والجماعية للأطراف وتحقيق اعادة اندماج الضحية والجاني في المجتمع.

ثانياً: العدالة الانتقالية:

– تُشير العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات ؛ تهدف الى ” إنشاء مؤسسات خاضعة للمساءلة واستعادة الثقة في تلك المؤسسات؛ وجعل الوصول إلى العدالة ممكناً للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع في أعقاب الانتهاكات؛ و ضمان أن النساء والمجموعات المهمشة تلعب دورا فعالاً في السعي لتحقيق مجتمع عادل؛ واحترام سيادة القانون؛ و تسهيل عمليات السلام، وتعزيز حل دائم للصراعات؛ و إقامة أساس لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع والتهميش؛ و دفع قضية المصالحة “، وفق الآليات التالية:

1- الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.

2- جبر الضرر.. الذي تعترف الحكومات من خلاله بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية ” كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال” فضلاً عن أشكال رمزية ” كالاعتذار العلني أو إحياء يوم للذكرى”.

3- إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلّحة، والشرطة والمحاكم بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.

4- لجان الحقيقة أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات الممنهجة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وكذا للمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الانتهاكات.

5- ولا ينبغي النظر إلى هذه الأساليب المختلفة كبدائل لبعضها البعض. على سبيل المثال، لجان الحقيقة ليست بديلاً عن المحاكمات. تحاول لجان الحقيقة أن تفعل شيئًا مختلفًا عن الملاحقات القضائية بتقديم مستوى أوسع بكثير من الاعتراف والحد من ثقافة الإنكار. وبالمثل، فإصلاح الدساتير والقوانين والمؤسسات ليست بديلاً عن تدابير أخرى ولكن تهدف مباشرة إلى استعادة الثقة ومنع تكرار الانتهاكات.

6- من المهم التفكير بشكل مبتكر وخلاق حول هذه النُهج وحول مقاربات أخرى.

وأوضحت الهيئة في بيانها الفرق بين العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية على الشكل التالي:

– تأتي العدالة التصالحية في سياق عمليات السلام التي تسعى إلى إنهاء النزاعات المسلحة الداخلية قد يسعى الطرف الجاني المشاركين في المفاوضات إلى إدماج قضايا العدالة كجزء من الاتفاقيات لإنهاء الصراع للإفلات من العقاب؛ وليست جزء من عملية تحقيق العدالة والمحاسبة وانصاف الضحايا وعدم الإفلات من العقاب التي تقوم عليها العدالة الانتقالية.

– العدالة التصالحية: ترتكز بالأساس على الضحية والاهتمام بها والالتفات الى حاجياته والمنصبة على جبر الضرر الذي تسببت به الجريمة وكذلك الاهتمام بالأطراف الأخرى ” الجاني والمجتمع ” من خلال السعي الى استعادة العلاقة بين الجميع من خلال جبر الضرر الناجم عن الجريمة والادماج الاجتماعي لمرتكبيها وتعزيز وإرساء السلم الاجتماعي و هي تغليب التعايش الميداني على تحقيق العدالة للضحايا حيث تعتبر ان العدالة ليست عدالة ” الفعل الجرمي ” او عدالة الجاني او عدالة الضحية بل هي كل ذلك من خلال تعايش ميداني يسعى الى لم شمل الأطراف واستعادة علاقاتهم وتصالحهم مع المجتمع ورأب الصدع الذي احدثته الجريمة.

– العدالة التصالحية لا تشترط تحقيق الانتقال السياسي مما يعني إمكانية بقاء السلطة القائمة وتوليها او مشاركتها عملية العدالة التصالحية.

– العدالة الانتقالية عدالة عقابية أما العدالة التصالحية عدالة تفاوضية بين الجاني والضحية؛ تقوم العدالة التصالحية على القانون العرفي والحلول الرضائية والابتعاد عن الحلول التنازعية، بينما تقوم العدالة الانتقالية على قوانين وتشريعات تتضمن نصوص تجريمية ونصوص عقابية ونصوص تكفل جبر الضرر والتعويض ولها قوة إلزامية وهي حجة على الكافة، بينما العدالة التصالحية تقوم على التفاوض على جبر الضرر دون العقاب وهي علاقة اختيارية لا تحمل طابع الالزام الجبري يمكن التنصل منها كونها أقرب الى الالتزامات التعاقدية.

– العدالة الانتقالية نوعاً خاصاً من العدالة مثل العدالة التصالحية أو العدالة التوزيعية أو العدالة الجزائية.، وهي تطبيق لسياسة حقوق الإنسان في ظروف معينة، أما العدالة التصالحية هي مزيج من العدالة التوزيعية والعدالة التأهيلية التي تُركِّز على الجاني من خلال السعي على إيجاد سبل علاجه بقصد إعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع، والتوزيعية التي تحمل دلالة سياسيّة قانونيّة اجتماعيّة يقوم على المساواة النسبية بين الجاني والضحية في تحمل المسؤولية عن الفعل الجرمي.

– العدالة الانتقالية عدالة ” جنائية مدنية ” تضمن حقوق الضحايا ” عديمي الأهلية القانونية ” من خلال النصوص القانونية التي تعتبر من النظام العام، بينما العدالة التصالحية ” عدالة مدنية عرفية ” تؤدي الى هدر حقوق هؤلاء كونها علاقة تفاوضية بين جاني وضحية مما يفتح الباب على اتفاقات مجحفة بحقهم من قبل أولياء امورهم او القيّمين عليهم.

– العدالة التصالحية يُغلّب فيها الحق ” الشخصي ” على الحق العام مما يفتح الباب للمال والنفوذ والقوة التي يتمتع بها الجاني في المفاوضات بما يحقق مصلحته على حساب الضحية الامر الذي يُنمي عقلية التسلط والاجرام لديه، بينما في العدالة الجنائية يغلب فيها ” الحق العام ” من النصوص القانونية الزجرية و الجبرية التي تقوم النيابة العامة بحمايتها و الدفاع عنها من خلال مراحل التقاضي ابتداءً من التحقيق و الادعاء حتى الحكم والتنفيذ.

وختمت هيئة القانونيين بيانها بالإشارة إلى أنه “بعد كل ما تقدم ألم يأن لأعضاء اللجنة اللادستورية وهيئة التفاوض أن يوقفوا دورهم الهدام في خيانة الثورة السورية وطعنها الطعنة تلو الأخرى بقيادة عراب المفاوضات التنازلية قائد اللجنة اللادستورية زعيم الواقعية السياسية الكاذبة ألم يأن الأوان لإسقاطهم جميعا ومحاسبتهم المحاسبة العادلة على ما ارتكبوه من خيانات وتنازلات”.

—————————

المعارضة السورية والأمم المتحدة تدعوان للعودة إلى “هيئة الحكم الانتقالي”/ عدنان أحمد

بحث رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض نصر الحريري، مع نائبة الأمين العام للأمم المتحدة روز ميري ديكارلو، المستجدات الميدانية والسياسية في سورية، ودعيا إلى تطبيق القرار الدولي 2254 الخاص بسورية بشكل كامل، بما في ذلك تشكيل “هيئة حكم انتقالي” وفق ما ورد في القرار المذكور.

وخلال اجتماع افتراضي مع ديكارلو عبر تقنية الفيديو، تحدث الحريري أمس الجمعة حول مستجدات العملية السياسية ونتائج الجولة الرابعة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، مشيراً إلى مواصلة النظام السوري المماطلة وتضييع الوقت لتمرير الانتخابات الرئاسية التي يتحضر لها العام المقبل، متوقعاً عدم إحراز أي تقدم في الجولة الخامسة المقبلة من اجتماعات اللجنة الدستورية المقرّرة الشهر المقبل.

وشدد الحريري، بحسب الدائرة الإعلامية في الائتلاف، على ضرورة البدء بتطبيق كامل القرار 2254، وعدم الاكتفاء بسلة الدستور، وإنما العمل على فتح جميع السلال والعمل عليها بالتوازي، واقترح أن يدعو المبعوث الدولي غير بيدرسون الأطراف السورية إلى جنيف لمناقشة تشكيل هيئة حكم انتقالي.

وأوضح أن القرار 2254 أكبر من اللجنة الدستورية السورية، و”لا يمكن لروسيا التحايل على تطبيق القرار واختزاله بسلة واحدة فقط من السلال الأربع”، واعتبر أن سلة الحكم تحمل جوهر تطبيق القرار، حيث تتضمن إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية.

كما أكد رئيس الائتلاف ضرورة البدء بإطلاق سراح المعتقلين، معتبراً أنه ملف فوق تفاوضي، وقضية مهمة جداً لمواصلة العملية السياسية، ودعا الأمم المتحدة إلى ممارسة الضغط على النظام وروسيا بهذا الشأن.

وحول مصطلح “العدالة التصالحية” الذي جاء في إحاطة بيدرسون أمام مجلس الأمن قبل يومين، قال الحريري إن المصطلح لم يرد في جلسات العملية التفاوضية، ومخالف لما نص عليه بيان جنيف والقرارات الدولية.

من جهتها، عبرت روز ميري عن خيبة أملها من عدم إحراز أي تقدم في عمل اللجنة الدستورية، وأكدت التزام الأمم المتحدة بالعملية السياسية في سورية، وتطبيق كامل القرار 2254، وأشارت إلى أنها ستناقش كل النقاط مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والمبعوث الدولي غير بيدرسون.

وكان مكتب بيدرسون قال إن خطأ فنياً غير مقصود وقع في الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن الدولي حول آخر التطورات في سورية على الصعيدي السياسي والميداني.

وبحسب المكتب، فإن الخطأ الفني تمثل بطرح بعض أعضاء الثلث الأوسط من اللجنة الدستورية المكونة من 3 فئات، نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بـ “العدالة التصالحية” لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية.

وأشار إلى أن البيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة ذكر فقط “العدالة التعويضية” في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية.

وكان مصطلح “العدالة التصالحية” الذي استخدمه بيدرسون في إحاطته أمام مجلس الأمن، أثار ردود فعل غاضبة من جانب معارضين سوريين وخبراء في القانون الدولي والإنساني. كما وجهت انتقادات لممثلي المعارضة بأن تساهلهم في مفاوضات اللجنة الدستورية، هو أحد أسباب تراجع مواقف المبعوث الدولي لصالح وجهة نظر النظام.

—————————

بيدرسن: ورود مصطلح “العدالة التصالحية” كان خطأً

أوضح مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن أن مصطلح “العدالة التصالحية” الذي أثار لغطاً واستياءً لدى المعارضة السورية، مشيراً إلى أن الحديث المقصود كان يدور حول “العدالة التعويضية”.

وقال مكتب بيدرسن في بيان: “في الإحاطة المقدمة إلى مجلس الأمن بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2020، أدى خطأ فني غير مقصود إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط (وفد المجتمع المدني) على أنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية”.

وأضاف البيان أن “البيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة في الواقع لم يذكر سوى العدالة التعويضية في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية”.

—————————-

العدالة التصالحية” سببها “خطأ فني”.. كيف توثق جلسات اللجنة الدستورية

أثار استخدام المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مصطلح “العدالة التصالحية” في إحاطته أمام مجلس الأمن، في 16 من كانون الأول الحالي، العديد من ردود الفعل في الأوساط السياسية السورية، تبعها توضيح من قبل الرئيس المشترك لوفد المعارضة، هادي البحرة، حول آلية تسجيل جلسات اللجنة الدستورية وحفظها.

وجاء في توضيح لمكتب بيدرسون أمس، الجمعة 18 من كانون الأول، أنه “أدى خطأ فني غير مقصود إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط على أنهم طرحوا نقاطًا خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية، لكنهم لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية”.

وبحسب التوضيح، “البيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة لم يذكر في الواقع سوى العدالة التعويضية، في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية”.

وكان بيدرسون خلال مناقشة عودة اللاجئين في إحاطته، قال إن أعضاء من قائمة “المجتمع المدني” قدموا نقاطًا تتعلق بعودة اللاجئين الطوعية والكريمة والقضايا المتعلقة بها، ومنها “إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة”.

وقالت عضو وفد قائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية إيلاف ياسين، لمجموعة افتراضية من الإعلاميين بحضور عنب بلدي، إن بيدرسون لا يستطيع أن يجتمع بجزء من المجتمع المدني دون آخر، وبالتالي “قطعًا” لم يحدث شيئان: الأول لم يتداول هذا المصطلح (العدالة التصالحية) على الإطلاق، خلال الجلسات والجولة الأخيرة من قبل الوفود الثلاثة في محادثات اللجنة الدستورية، التي تضم وفد المعارضة، ووفد النظام، ووفد المجتمع المدني، والثاني أن المصطلح لم يجرِ تداوله في غرف مغلقة.

وأكد الرئيس المشترك لوفد المعارضة في محادثات اللجنة الدستورية، عبر حسابه في “فيس بوك” أمس، أنه لم يذكر أو يبحث مصطلح “العدالة التصالحية” في اجتماعات اللجنة الدستورية منذ تأسيسها إلى الآن، في كل مداخلات اللجنة منذ بداية عملها.

وأضاف البحرة أنه حتى الوقت الحالي، يستخدم ممثلو “هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة” مصطلحًا واحدًا وهو “العدالة الانتقالية”، “وكل مداخلاتهم بخصوصها تشدد على أنه لا حل مستدام إن لم يتم تحقيقها”.

كيف توثق جلسات اللجنة الدستورية

وتسجل كل محاضر اجتماعات اللجنة الدستورية صوتيًا، ثم تفرغ كتابة ويحتفظ بها لدى مقر سكرتارية اللجنة في مدينة جنيف، كما تسلم نسخة منها لكل من الرئيسين المشاركين، حسب البحرة.

وأضاف البحرة أن التسجيلات هي “المحاضر الرسمية الوحيدة المعتمدة لتوثيق الجلسات، ولا يعتد بأي شيء أخر من قبل أي جهة كانت، أي لا مجال للتحريف والادعاءات”.

ولا وجود لأي وثائق توقع وتتبادلها الأطراف، ولا يتبادل الأطراف فيما بينهم أوراقًا أو وثائق بشكل مباشر، إنما تطبع مداخلات الأعضاء من قبلهم، ويضعون أسماءهم عليها والطرف الذي يمثلونه، وتسلم نسخة منها للسكرتارية لتوضع على طاولة في مدخل القاعة يستطيع أي عضو من أي طرف أن يحصل على نسخة منها، حسب البحرة.

وفي 6 من كانون الأول الحالي، قالت إيلاف ياسين لعنب بلدي، إن لدى اللجنة الدستورية آلية لتمرير القرار، إذ توجد لجنة مصغرة تناقش وتتفق على صيغة ما، وفي حال اتفاق الوفود الثلاثة على مبدأ محدد، فيجب أن يعرض الاتفاق على اللجنة الموسعة التي تضم 150 عضوًا لتقر بالمبدأ.

أي أن اللجنة المصغرة التي تضم 45 عضوًا (15 عضوًا من كل وفد) لا تتخذ قرارًا إلا بالرجوع إلى القائمة الموسعة، والتصويت عليه وحيازته على النسبة المطلوبة من إجمالي عدد الأصوات.

————————–

=====================

تحديث 21 كانون الأول 2020

—————————–

“اللجنة الدستورية” تنفذ رؤية الأسد/ محمد صبرا

ينزلق أعضاء مجموعة الـ(50) الذين يوصفون بأنهم “ممثلون عن المعارضة” وملحقها مجموعة الـ(21) الذين يوصفون بأنهم ممثلون عن المجتمع المدني السوري في لجنة سوتشي الدستورية، للدفاع عن خياراتهم السياسية إلى ممارسة ضروب من الإيهام اللفظي، واستخدام معجم من متشابهات الكلمات للتدليس بها على جمهور تدعي أنها تمثله وتمثل مصالحه وتطلعاته، ومن الواضح أنهم ما زالوا يصرون على خداع السوريين وتضليلهم عن عمد، وهم لم يكونوا بحاجة إلى ذلك كله، فقد كان يكفيهم أن يقولوا ببساطة إن هذا خيارنا الذي رأيناه صائبا ضمن واقع الحال وضمن معطيات الوضع، لا أن يصوروا ما قاموا به فتحاً مبيناً وانتصاراً منقطع النظير على منظومة الاستبداد والإجرام، مستخدمين ألفاظا من قبيل “أغلقنا الباب في وجه النظام، ومنعناه من التملص من هذا الاستحقاق”، و”أجبرناه على الانخراط في العملية السياسية وفي النقاشات الدستورية”، والقول بأن ” اللجنة الدستورية هي التطبيق العملي للقرار 2254″، فهذه التبريرات لا تكشف تهافت منطق من يرددها وحسب، بل تكشف أيضا أنه يعتمد على الذاكرة القصيرة للناس، وعلى أن الكلام الحمّال الأوجه سيعفيه من قول الحقيقة، فكل بلاغة اللغة العربية ومحسناتها البديعية لا يمكنها أن تقنع عاقلا بأن الشجرة تقف على رأسها كما يحاول أعضاء لجنة الـ(50) إقناع السوريين به، وبأن ما يفعلونه في إطار لجنة سوتشي الدستورية هو جزء من التفاوض السياسي وفق القرار 2254، فالقواعد الإجرائية للجنة سوتشي التي صنعوها بأيديهم، تشكل مصداقا كبيرا يثبت هذا التدليس وبؤس ما وصلنا إليه من حال. إلا أن الأخطر من كل ذلك أن ما تقوم به لجنة سوتشي الدستورية ليس إلا تنفيذا لرؤية نظام الأسد للحل السياسي أو عمل في إطار رؤيته هو وقواعده هو.

الانتقال السياسي: منظور نظام الأسد

“إن فهم الحكومة السورية لمصطلح الانتقال السياسي هو الانتقال من الدستور الحالي إلى دستور آخر والانتقال من الحكومة الحالية إلى حكومة أخرى وبمشاركة من الطرف الآخر”. هذا النص هو جزء من تصريح وزير خارجية نظام بشار الأسد السابق وليد المعلم نقلته وكالة رويترز بتاريخ 12\3\2016، وأظن بعد هذا القول الواضح فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير جهد لإثبات أن ما يتم الآن في لجنة سوتشي الدستورية هو التطبيق العملي لرؤية نظام مجرم الحرب بشار الأسد، وأما تدليس مجموعة الـ (50) في لجنة سوتشي، والقول بأن ما تقوم به خطوة على طريق تطبيق القرار 2254 لا يجد أساسه لا في الواقع ولا في الوثائق ومن أهمها اللائحة الداخلية للجنة.

ورؤية النظام وتفسيره  لعملية الانتقال السياسي التي نص عليها بيان جنيف والقرارين 2254 عام 2015  و2118 عام 2013 بأنها مجرد انتقال من دستور إلى آخر ومن حكومة إلى أخرى، عبر عنها أركان نظام بشار الأسد في أكثر من مناسبة منذ أن صدر بيان جنيف وحتى الآن، كما أن حليفه الروسي يعبر عن الأمر نفسه على لسان وزير الخارجية لافروف في كل مناسبة وفي كل تصريح خاص بسوريا، وإذا كان الأعضاء في لجنة الخمسين لم يقرؤوا تصريحات مسؤولي النظام ورؤيته للانتقال السياسي، فأتمنى أن يعيدوا قراءته مرة جديدة عسى أن تتفتح بصيرتهم مرة أخرى ويهتدوا إلى سواء السبيل، ويمكنهم العودة إلى المذكرة التي قدمتها الهيئة العليا للمفاوضات للمبعوث الدولي ديمستورا ، بتاريخ 17 من أيار\مايو عام 2017 والتي كانت في معرض رد الهيئة على مقترح ديمستورا بإنشاء ما سماه بـ”الآلية التشاورية القانونية”، وهي موجودة ومحفوظة في أرشيف الهيئة وأرشيف الائتلاف، وسيكون لي عودة لهذا الموضوع الخطير الذي توضح ملابساته أن ما يحدث الآن كان أمرا يتم الإعداد له بروية من قبل المبعوث الدولي وروسيا وبعض الذين ساروا في ركبهم.

القواعد الإجرائية للجنة سوتشي

تزعم مجموعة الـ(50) في لجنة سوتشي الدستورية بأن القواعد الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة (اللائحة الداخلية)، هي قواعد أممية وضعتها الأمم المتحدة، وهذا أمر غير صحيح بالمطلق، ويكفي أن نقرأ رسالة الإحالة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن بتاريخ 26 من أيلول\سبتمبر، والتي يقول فيها: “يشرفني أن أشير إلى قرار مجلس الأمن 2254(2015)، وكذلك إلى ملاحظاتي للصحافة في 23 من أيلول\سبتمبر 2019 بشأن الجمهورية العربية السورية، وأن أوجه انتباهكم إلى الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة دستورية ذات مصداقية، متوازنة، وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية، وتيسير من الأمم المتحدة في جنيف، وقد وافقت على الاختصاصات والعناصر الأساسية للائحة الداخلية حكومة الجمهورية العربية السورية، ولجنة المفاوضات السورية، بتيسير من مبعوثي الخاص إلى سوريا”.

إذا هذه اللائحة ومعها اتفاق تشكيل اللجنة الذي تم التوصل إليه في 23 من شهر أيلول من عام 2019 هي نتاج توافق بين النظام وهيئة المفاوضات بتيسير من الأمم المتحدة، ولذا فإن الأمم المتحدة ليست جهة إنشاء اللائحة بل هي جهة اعتماد اللائحة التي توافق عليها النظام وهيئة التفاوض، وجهة الإيداع لها، لذلك فإن الحديث المتكرر من قبل بعض أعضاء لجنة الـ(50) من أنهم محكومون بلائحة داخلية وضعتها الأمم المتحدة هو تدليس على السوريين فهذه اللائحة نتاج توافقهم مع النظام وما كان بإمكان الأمم المتحدة ولا المبعوث الخاص فرضها أو طرحها إلا بعد موافقة الطرفين.

التنازل عن “التفاوض” لصالح “التشاركية”

تستخدم مجموعة الـ(50) في اللجنة الدستورية مصطلح ” المفاوضات الدستورية” أو “المفاوضات في اللجنة الدستورية”، وهذا مصطلح مخاتل يتناقض أصلاً مع القواعد الإجرائية للجنة (اللائحة الداخلية)، فما يحدث في هذه اللجنة ليس عملاً تفاوضيا بين طرفين، أو ثلاثة إذا أضفنا المجتمع المدني للنظام والمعارضة، بل إن ما يحدث هو ورشة عمل مشتركة بين خليط من الأعضاء الذين ينتمون إلى مشارب سياسية مختلفة، وهذا الأساس التشاركي نجده في عدة أسس قامت عليها لجنة سوتشي حسب لائحتها الداخلية، وأهمها:

    قاعدة التصويت العددي وليس التمثيلي: عندما نكون أمام عملية سياسية أو عملية تفاوضية بين طرفين، فإن هذين الطرفين يتمتعان بالمساواة، كطرفين متقابلين لكل منهما إرادة واحدة مستقلة عن الآخر، ولو فرضنا مثلا أنه في وفدين تفاوضيين مؤلف كل وفد منهما من 10 أعضاء، فإنه يكون لكل وفد صوت واحد ورأي واحد وموقف واحد وليس 10 أصوات، مبدأ التصويت العددي يثبت أن مضمون وجوهر ما يحدث في اللجنة هو ورشة عمل تشاركية بين أعضاء مختلفي المشارب وهؤلاء الأعضاء يصوتون بشكل فردي وليس ضمن وفود متقابلة، وهذه قاعدة بدهيّة وأساسية في الوفود التفاوضية ولا تحتاج إلى من يؤكدها أو ينص عليها.

في اللائحة الداخلية للجنة سوتشي وتحديدا في المادة الثالثة الفقرة 13 من اللائحة يرد ما يلي:

” ينبغي أن يحكم عمل اللجنة الدستورية التوافق والانخراط البناء بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها الأمر الذي سيمكن مخرجاتها من التمتع بأوسع قبول ممكن من طرف الشعب السوري، وتحقيقا لهذا الغرض، تمارس اللجنة بهيئتيها المصغرة والموسعة، عملها وتعتمد قراراتها بالتوافق كلما أمكن وإلا فبتصويت 75 في المئة على الأقل من الأعضاء في الهيئة المعنية (أي 113 عضوا حاضرا ومدليا بصوته في الهيئة الموسعة، و34 عضوا حاضرا ومدليا بصوته في الهيئة المصغرة)، وتكون نسبة الـ 75 في المئة نسبة ثابتة”.

إن مجرد قراءة هذه المادة التي لا تحتاج إلى تفسير، يوضح أننا في لجنة سوتشي الدستورية، لسنا أمام “عملية سياسية” أو علمية “تفاوض سياسي” كما يزعم أعضاء اللجنة، بل نحن أمام ورشة عمل مشتركة يتم التصويت على مخرجاتها بشكل فردي، فلو فرضنا أن كل وفد مجموعة الـ50  المعارضة، وكل وفد مجموعة الـ50 للمجتمع المدني صوتوا بنعم على قرار ما، فإن ذلك لا يعني اعتماد هذا القرار إلا بعد أن يصوت 13 عضوا من وفد النظام، هذا أغرب ما يمكن أن نتصوره، وهو في حقيقته يقوم على فلسفة رؤية نظام بشار الأسد وروسيا التي لا تعترف بالمعارضة كطرف مفاوض، ولذلك اعتمدت قاعدة التصويت العددي، ولو كنا أمام تفاوض سياسي، أو عملية فنية تتم في إطار تفاوض سياسي، لكان من الواجب اعتماد قاعدة التصويت التمثيلي، أي أن يكون للمعارضة صوت واحد مقابل صوت للنظام وصوت للمجتمع المدني، لكن للأسف كما قلنا سابقا فإن من وافق على تمرير هذه اللائحة يتحمل مسؤولية خطيرة تتمثل في أنه ألغى التفاوض السياسي وسلم قرار المخرجات لإرادة نظام بشار،  فلا مجال لإدخال أي تعديل أو صياغة أي نص دستوري من دون أن يوافق النظام على ذلك.

وقد يقال بأن هذه القاعدة تنطبق أيضا على النظام، فالنظام كذلك لا يستطيع تمرير أي شيء من دون موافقة مجموعة المعارضة و13 عضوا من المجتمع المدني، وهذا الأمر نظرياً وتقنياً صحيح، لكنه سياسيا غير صحيح بالمطلق، فمن يسعى لدستور ديمقراطي حقيقي جديد للبلاد ليس النظام بل السوريون، وهو كما نعلم جميعاً، لا يريد ذلك أصلا، ولذا ستكون كل المخرجات وفق ما يراه هو وما يريده،  فقاعدة التصويت العددي أعطت النظام القدرة على التحكم بكل مسار العملية الدستورية سواء قلنا إنها تتوافق مع القرار 2254 أو لا، من دون أن يتحمل مسؤولية التعطيل أو السلبيات لأن اللجنة كما قلنا لا تمثل نظاما ومعارضةً ومجتمعا مدنيا بل إنها تمثل أفرادا ينتمون إلى هذه الاتجاهات الثلاث.

    قاعدة الرئاسة المشتركة: تصوِّر لنا مجموعة الـ50  أن وجود الرئاسة المشتركة للجنة سوتشي هو دليل على التوازن والمساواة بين النظام والمعارضة، وللأسف هذا تضليل آخر، ذلك أننا في لجنة سوتشي لسنا أمام وفود ثلاثة بل إننا أمام أعضاء أفراد يأتون بالتساوي من ثلاث مواقف سياسية كما أوضحنا سالفا، وهذا يختلف بشكل كامل عن وجود ثلاثة وفود متقابلة على طاولة تفاوض سياسي، وقاعدة الرئاسة المشتركة تبين هذا الأمر بشكل جلي، حيث تتحدث المادة الرابعة في فقراتها 14و15و16 من اللائحة، عن صلاحيات الرئيسين المشتركين، اللذين يجب أن يعملا بالتوافق بينهما (الفقرة 15)، وهما معا يتمتعان بصلاحية إدارة الجلسات وتسجيل المتحدثين ودعوتهم للتحدث وضمان احترام اللائحة الداخلية، وتعزيز مشاركة المرأة، وتلقي واقتراح أفكار حول عمل اللجنة إذا ما اقتضت الحاجة (الفقرة 16).

تحليل كل كلمة في هذه الفقرة يحتاج لعدة مقالات، وهي في حقيقتها تدل على أن الرئيسين المشتركين يديران مجموعة من الأعضاء وليس وفوداً تفاوضية، ولذلك فإن من حق كل عضو أن يتحدث وأن يطرح ما يريد وأن يقدم ما يراه مناسباً من مذكرات واقتراحات، وهذا أمر غريب للغاية في عملية سياسية، فكما ذكرنا سالفا أن الوفود التفاوضية يجب أن تتحدث برؤية واحدة وموقف واحد لكل وفد، ولا يحق لأي من أعضاء أي وفد تفاوضي أن يطرح ما يراه أو حتى أن يتحدث من دون تكليف من رئيس وفده، ولذلك فإن المروجين لمقولة أن مسار لجنة سوتشي الدستورية هو جزء من المسار السياسي إما أنهم لم يقرؤوا اللائحة التي تنظم عملهم أو أنهم قرؤوها ولكنهم يصرون على تدليس مواقفهم على السوريين.

منح مفتاح إقرار الدستور لنظام الأسد

نصت المادة السابعة من لائحة لجنة سوتشي في فقرتها الـ 23 على ما يلي: ” تتفق اللجنة الدستورية على وسائل الموافقة العمومية وتضمين الإصلاح الدستوري المُقّر من قبل اللجنة الدستورية في النظام القانوني السوري، ولها أن تستعين في ذلك بالمساعي الحميدة للمبعوث الخاص إذا ما اقتضت الحاجة”. ربما تكون هذه الفقرة التي جاءت في آخر اللائحة هي الأكثر خطورة، والتي لا تنسف المسار السياسي حسب بيان جنيف والقرار 2254 وحسب، بل إنها عمليا تنسف المسار الدستوري الذي تدعي مجموعة الـ 50 وملحقها بأنه انخرط فيه كجزء من محاولات التقدم خطوة باتجاه الحل السياسي.

مضمون هذه الفقرة يوضح بجلاء أن موضوع الاستفتاء على مخرجات اللجنة الدستورية، ليس أمراً مفروغا منه كما يدعي أعضاء اللجنة، بل إن وسائل الموافقة العمومية باتت تتوقف على ما سيتفق عليه أعضاء اللجنة وذلك خلافا لما نصت عليه الفقرة 4 من القرار 2254، وبالعودة لقاعدة التصويت العددي الشاذة سنجد أنه من غير الممكن اعتماد أي وسيلة سواء استفتاء أو غيرها من دون موافقة أعضاء الوفد الذي يمثل النظام، لأن القرار يحتاج لـ 113 عضوا لتحديد هذه الوسيلة!

وللأسف فإن عبارة تضمين الإصلاح الدستوري في النظام القانوني السوري، سيأخذنا حتماً للاحتمالات التالية:

الاحتمال الأول: أن ينتج عن لجنة سوتشي الدستورية “تعديلات دستورية”، وذلك حسب ولاية اللجنة، لأنه طبقا للمادة الأولى الفقرة 8 من اللائحة فـ: ” للجنة الدستورية أن تراجع دستور عام 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وأن تقوم بتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد “، في هذه الحالة فإن عملية إقرار هذه التعديلات وإدخالها في النظام القانوني السوري، ستحكمه المادة 150 من دستور بشار الأسد عام 2012 والتي تقول بالحرف:

“1- لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور.

2- يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.

3- يشكل مجلس الشعب فور ورود اقتراح التعديل إليه لجنة خاصة لبحثه.

4- يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدًّ التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية”.

وهذا هو الطريق الوحيد للتعديل الدستوري في سوريا حسب دستور عام 2012، أي موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشعب شريطة أن يوافق رئيس الجمهورية على ذلك.

الاحتمال الثاني: أن ينتج عن أعمال اللجنة “دستور جديد”، وإذا حصل ذلك فإن الدستور الجديد لا يمكن إقراره إلا عبر الاستفتاء وهذا يأخذنا للمادة 116 في دستور بشار عام 2012 والتي تقول: “لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها، وينشرها رئيس الجمهورية”، ولا يوجد في كل دستور بشار آلية أخرى لإجراء الاستفتاء.

في كلتا الحالين فإن طريق اللجنة الدستورية سيكون باتجاه بشار الأسد، وترتيباً على ما سبق فإن مجرد صدور مرسوم من قبل المجرم بشار بإجراء الاستفتاء أو إقرار التعديل، يعني تشريعا لكل مرحلة بشار وكل الإجراءات التي قام بها خلال السنوات الماضية، وهو الأمر الذي حذرنا منه سابقاً وخرجنا بسببه من هيئة التفاوض مع كثير من الزملاء، ويعلمه بعض زملائنا الذين أصروا على الذهاب في خيارهم الذي ترونه حالياً بغض النظر عن دوافعهم لهذا الخيار، لقد كنا نكرر وبشكل مستمر أنه لا بديل عن الإعلان الدستوري المؤقت والذي سيكون نافذاً بمجرد الموافقة عليه ضمن حزمة اتفاق الانتقال السياسي من دون أي تدخل من أي جهة كانت، حيث إن مهمة الإعلان الدستوري المؤقت هو إلغاء دستور عام 2012، وتنظيم عمل هيئة الحكم الانتقالي في المرحلة الانتقالية، بينما تبقى كتابة دستور سوريا من حق السوريين في المرحلة الانتقالية بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي نص عليه بيان جنيف.

ختاما لا أجد أنسب ما يقال في هذا الوضع مما قالته الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية في أحد اجتهاداتها في معرض تعريفها للخطأ المهني الجسيم الذي يرتكبه قضاة الحكم، حيث قالت: ” إن هذا الخطأ لا يقع إلا من جاهلٍ أو لاهٍ أو ساهٍ عابثٍ أو متعمد”، وزملاؤنا الذين نكن لهم الاحترام وقعوا في الخطأ الوطني الجسيم، الذي يضع مستقبلنا جميعا ومستقبل أبنائنا بين يدي مجرمي حرب مثل بشار الأسد وشركائه.

تلفزيون سوريا

————————–

العدالة التصالحية بدل الانتقالية/ عبسي سميسم

يشي مصطلح العدالة التصالحية في سورية، الذي طرحه المبعوث الأممي غير بيدرسن خلال إحاطته في مجلس الأمن يوم الخميس الماضي، بتنازل جديد على المعارضة أن تقدّمه، بقبول هذا المصطلح كبديل عن العدالة الانتقالية التي تعد جزءاً أساسياً من مرحلة الحكم الانتقالي، والتي تأتي في مقدمة اختصاصاتها محاسبة مرتكبي الجرائم وجبر الضرر، فيما الاقتراح الجديد يحاول المساواة بين الضحية والجلاد، في وقت لا يزال مرتكبو الجرائم مستمرين في جرائمهم. وكما في كل تنازل تُرغم المعارضة عليه، دعا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة نصر الحريري، الأمم المتحدة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات تطبيقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الخاص بالحل السياسي في سورية، وذلك رداً على طرح العدالة التصالحية.

قصة القفز فوق العدالة الانتقالية بدأت بعد موافقة المعارضة على تقسيم القرار 2254 إلى أربع سلال كتنازل منها أعطى النظام الفرصة لكسب المزيد من الوقت، ثم تبعه تنازل آخر بالقفز على سلة الحكم الانتقالي كأولى السلال الأربع التي طرحها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا، والتي تقضي بوجود هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات ليس لرئيس الجمهورية ولا لرئيس حكومته أي دور فيها، ومن ثم الانتقال إلى الدستور. وهو تنازل أفقد قرار مجلس الأمن جزءاً كبيراً من مضمونه وأدى إلى خطأ في تطبيقه، فمن غير المنطقي وضع دستور جديد لنظام سياسي في البلاد بعد فترة طويلة من النزاع من دون المرور بمرحلة حكم انتقالي تضمن بيئة صحية لإنتاج دستور جديد للبلاد وتهيئها لانتخابات نزيهة.

ولعل افتقاد المعارضة للخبرات الدبلوماسية القادرة على التفاوض، ساهم بتقديمها الكثير من التنازلات، على الرغم من وجود الكثير من المنشقين عن النظام الذين لم تستقطبهم أجسام المعارضة، نظراً لواقع المحاصصة والمحسوبيات. فحاولت المعارضة ضمن وضعها القائم أن تتماشى مع تعنت النظام على أمل الوصول إلى نتائج من خلال السير بأحد أطراف العملية السياسية، مثل ملف اللجنة الدستورية، الأمر الذي استغله النظام وحلفاؤه لدفع المعارضة إلى تقديم المزيد من التنازلات. هذا الأمر يُتوقع أن يستمر إذا لم تتخذ المعارضة موقفاً حاسماً بوقف مشاركتها في العملية السياسية ما لم يتم الالتزام بجوهر قرار مجلس الأمن، لأن الموافقة على الاستعاضة عن العدالة التصالحية بمفهوم العدالة الانتقالية ما هو إلا حلقة من سلسلة من التنازلات ستؤدي إلى تعويم النظام بشكل كامل.

العربي الجديد

—————————-

ما الذي سيفعله “بيدرسن” في سوريا؟/ طارق عزيزة*

مكللاً بالفشل يغادر السيد ستيفان ديمستورا منصبه كمبعوث أممي خاصّ إلى سوريا مع نهاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. لن يذكره السوريون بالفشل فحسب وإنما بعدم النزاهة أيضاً، إذ يرى كثيرون منهم، ونوافقهم الرأي،a أن هذا الرجل لم يكن وسيطاً نزيهاً خلال سنوات عمله الأربع، فهو لم يدفع باتجاه تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بالمعضلة السورية، والتي تعدّ مرجعية “العملية السياسية” وتهيّئ للانتقال السياسي نظرياً، ويُفترض أنها تعبّر عن رؤية “المجتمع الدولي” الذي يمثّله.

بدلاً من ذلك رأينا كيف كان ديمستورا يمضي قدماً في اتّخاذ مواقف وإجراءات تنسجم مع المشروع الروسي للتسوية، والذي يقوم على تمييع المفاوضات وإفراغ “العملية السياسية” من مضمونها من خلال الالتفاف على بيان جنيف الأول والقرار 2254 وسواها، بحيث يجري تجاهل وتجاوز النقاط الجوهرية مثل تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وكذلك المسائل الإنسانية والحقوقية ومنها ملف المعتقلين والمفقودين، ومن ثمّ التركيز عوضاً عن ذلك على موضوع “محاربة الإرهاب” و”الإصلاح الدستوري”، أيضاً وفق الفهم الروسي والأسدي لهذه البنود. علاوة على ذلك أقرّ ديمستورا وبارك بحماسٍ ملحوظ الجهود الروسية في أستانة وسوتشي، على الرغم من تأثيرها السلبي على مهمته وعلى جولات التفاوض المتعثّرة أصلاً في جنيف.

طبعاً لن تبقى سوريا دون مبعوث أممي، فقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن السيد غير بيدرسن هو من سيخلف ديمستورا في مهمته. وبيدرسن هذا دبلوماسي نرويجي “مخضرم” كما يوصف، تقول سيرته الذاتية أنه يتقن اللغة العربية، وسبق له العمل لسنوات عديدة في الشرق الأوسط. وبصورة ما كان له يد في مسار “تسوية” إحدى أعقد قضايا المنطقة وهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لعب دوراً فاعلاً في المفاوضات التي انتهت إلى التوقيع على اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993.

لكن، هل ثمّة حقاً ما يمكن للمبعوث الدولي الجديد إلى سوريا أن يفعله في هذه “المهمة المستحيلة” كما وصفها هو نفسه في أول تصريح إعلامي له بعد تكليفه بها؟ وإذا ما نظرنا إلى خبراته السابقة في الشرق الأوسط، هل يمكن القول إن اختياره قد يكون مؤشّراً على بداية مرحلة الصفقات والتسويات الرديئة على نحو ما كان “الإنجاز” الأبرز له، أي اتفاق أوسلو؟ الشيء المؤكّد أنّ استبدال مبعوث بآخر لن يغيّر من الأمر شيئاً ما لم تتغير ظروف العملية السياسية نفسها، وفي مقدمتها توفّر العنصر الرئيسي لإنجاحها: توافق القوى الدولية الفاعلة في سوريا والتفاهم فيما بينها. من هذا المنظور ينبغي التفكير في الإجابة.

المعطيات الحالية، لا سيما عدم وضوح موقف واشنطن في ظل غياب سياسة أمريكية واضحة وحاسمة في الملف السوري، وكذلك أجواء البازار السياسي على سوريا حيث ما تزال الأولويات والتحالفات متحركة، دون أن يتوقّف تبادل المنافع أو حتى التهديدات المعلنة والمبطنة بين مختلف اللاعبين (روسيا، تركيا، إيران، إسرائيل..)، هذه جميعها عوامل تجعل من إمكانية التوصل إلى حلٍّ من أي نوع أمراً مشكوكاً فيه، على الأقل في المرحلة الراهنة. والقمة التي جرت في اسطنبول يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وجمعت رؤساء كل من تركيا وروسيا وفرنسا إضافة إلى المستشارة الألمانية تؤكّد ما سبق، إذ لم يتضمّن بيانها الختامي جديداً يذكر وإنما كرّر شعاراتٍ وكلاماً عاماً لا يقول شيئاً، من قبيل الحديث عن دعم “الحل السياسي” وأن لا حل عسكرياً للأزمة، وكذلك التأكيد على “وحدة وسيادة سوريا”، مع العلم أن هذه الدول جميعاً لها على الأراضي وفي الأجواء السورية تواجد ونشاط عسكري بصور وأشكال محتلفة، يتفاوت حجمه بلا شك لكن المبدأ واحد، ودوماً تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، وهو شعار ورد أيضاً في البيان، لكن كل فريق يقصد به شيئاً مختلفاً!

وجرياً على العادة يغيب السوريون عن مناسبات كهذه تتناول مصير بلادهم، وينتظرون نشرات الأخبار لمعرفة ما توصّل إليه اللاعبون الكبار. غير أنّ هذا سيبدو “منطقياً” إذا ما أُخذ بعين الاعتبار مدى وضاعة وتهافت “الطبقة السياسية” السورية نظاماً ومعارضاتٍ، والتي بلغ بها الانحطاط أن ترتضي التبعية وتسلّم أمرها لأي جهة قد تساعدها في سعيها لتحقيق طموحاتها ولو على حساب المصلحة الوطنية. فالنظام فعل هذا من أجل الحفاظ على السلطة، والمعارضات فعلته لكي تبلغها. أما المضحك المبكي فهو أنّ أقصى ما يمكن توقّعه من التسوية التي يتيحها تفاهم الأطراف الدولية – في حال حصول هذا التفاهم – لن يكون سوى نسخة معدّلة عن النظام الحالي، لأن الحفاظ على توازن مصالح الدول المعنية في سوريا ممن بيدها إنجاح أو إفشال أي حل، يتطلّب توليفة تضمّ عناصر من “الطبقة السياسية” المشار إليها آنفاً، وبالتالي سيكون على بيدرسن حينها المساعدة في وضع السيناريو الملائم لإخراج هذه المهزلة.

غنيّ عن البيان أن تسوية من هذا النوع لن تفضي إلى السلام في سوريا، لأن السلام لا يتحقق بوقف الحرب فحسب وإنما بإنهاء أسبابها أولاً، وبتحقيق العدالة ثانياً. من هنا يجب التأكيد دوماً على رفض اختزال القضية السورية بموضوع الإرهاب واللاجئين على نحو ما يجري مؤخراً، أو في التوصل إلى وقف إطلاق نار كالذي في إدلب حالياً، أو في “اللجنة دستورية” أو حتى في “هيئة حكم انتقالي”. هذه في النهاية ليست أكثر من تفاصيل إجرائية، أمّا التحدّي الأساس الذي ينبغي على المجتمع الدولي أن يواجهه يوماً ما يكمن في إزالة المقدمات والعوامل التي أنتجت المأساة: نظام الإبادة الأسدي ورئيسه المسؤول الأول عن الكارثة السورية. بغير هذا لن تفلح أي تفاهمات مقبلة في تحقيق السلام في سوريا، لأن أولى الخطوات على طريق السلام هي إنهاء نظام القتل والإجرام ومحاكمة أركانه ورموزه.

 * كاتب سوري

—————————-

“العدالة التصالحية” ويسألونك عن التطرف والعنصرية!/ بسام يوسف

تتصاعد حدة المواجهة السياسية بين الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية، لتصل إلى مطالبة ما يزيد على مئة نائب أوروبي بقطع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، وذلك بعد اتهام إيطاليا لعدد من ضباط الأمن المصريين بقتل الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، تعذيبا في السجون المصرية.

قد يتذكر الكثيرون الجملة الصادمة التي قالتها والدة الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، والذي عثر عليه مقتولاً في مصر، في الثالث من شباط 2016م، عندما وقفت أمام البرلمان الإيطالي، وقالت بمنتهى الصدمة: (لقد عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا!).

بدأت حكاية “ريجيني” في أيلول من عام 2015م، عندما توّجه إلى مصر للإعداد لرسالة الدكتوراه التي يحضر لها في جامعة “كامبريدج”، وكان قد اختار “النقابات العمالية في مصر” موضوعاً لبحثه، وخلال فترة وجوده في القاهرة كتب عدة مقالات باسم مستعار، تحدث فيها عن الوضع في مصر، وعن هيمنة الأجهزة الأمنية والجيش على الحياة فيها، وكان ينشرها في جريدة “مانيفستو” الإيطالية.

في 25 من كانون الثاني، 2016م، اختفى “ريجيني”، وبعد تسعة أيام فقط عثر على جثته مرمية على الطريق الصحراوي، وكانت عارية، وآثار تعذيب شديد واضحة عليها.

كما العادة في الأجهزة الأمنية القمعية، والتي لا تقيم وزناً لكرامة الإنسان، أو حقوقه، فقد سارعت الأجهزة الأمنية المصرية إلى إحدى الروايات الجاهزة المستعملة بكثرة، فاتهمت ريجيني بالشذوذ، ثم بالمخدرات، ثم أضافت تهمة التجسس، وأخيراً وجدت أن تهمة العمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين قد تكون أكثر وقعاً، فاتهمته بها.

في لقاء جمع وزير الخارجية المصري “سامح شكري” مع وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” حينها، وبعد سؤال الأخير عن قصة الباحث الإيطالي، أجابه الوزير المصري بمنتهى البساطة: أن ريجيني قتل أثناء حفلة جنسية جماعية، كانت تضم ساديين ومازوشيين.

لكن الحكومة الإيطالية لم تقنعها الرواية المصرية، وقررت إرسال فريق تحقيق خاص، لمعرفة حقيقة مقتل مواطنها، فتفتقت العقلية الأمنية المصرية عن رواية جديدة مفادها أن عصابة مصرية تلاحق الأجانب وتبتزهم، هي من اختطفت ريجيني وقتلته، ولكي يُغلق الملف، فقد أعلنت أنها اشتبكت مع أفراد العصابة الخمسة وقتلتهم، وعثرت بحوزتهم على متعلقات تخص الضحية الإيطالي.. “وربي يسّر”.

واصلت الجهات الإيطالية بحثها، متجاهلة رواية الأجهزة الأمنية المصرية، وفي نوفمبر من عام 2018م، أعلنت هذه الجهات أن الأجهزة الأمنية المصرية هي المسؤولة عن مقتل ريجيني، ليبدأ فصل جديد من هذه القضية، فقد اضطرت الحكومة المصرية إلى تعاون حكومي رسمي بخصوصها، واضطر النائب العام المصري للقول: (إن من قتل ريجيني لايزال مجهولاً)، متناسياً رواية الجهات الأمنية المصرية بأن هناك خمسة مصريين قتلوا بحجة أنهم العصابة، والتي اختطفت “ريجيني” وقتلته.

منذ أسبوعين أعلن النائب العام المصري إغلاق ملف قضية “ريجيني”، لكن البرلمان الإيطالي فجّر قنبلته المدوية منذ عدة أيام، وأعلن امتلاكه لأدلة تثبت تورط خمسة ضباط أمن مصريين في مقتل “ريجيني”، الأمر الذي أربك الحكومة الإيطالية ذات العلاقات الجيدة مع مصر، فاضطرت إلى مخاطبة الجهات الرسمية المصرية، والطلب منها التعاون في استجواب ومحاكمة الشخصيات المتهمة، ولم يكتفِ البرلمان الإيطالي بذلك، بل أعدّ مشروعاً لنقاشه أمام البرلمان الأوروبي، يطلب فيه قطع العلاقات مع مصر، وإقرار استجواب ومحاكمة المشتبه بهم، ووقف المساعدات، وغير ذلك.

هكذا تحولت قضية اختطاف مواطن إيطالي إلى قضية تكبر شيئاً فشيئاً، لتضع الاتحاد الأوروبي كله أمام أزمة ديبلوماسية مع مصر، التي عاد رئيسها قبل أيام من زيارة إلى فرنسا، حاملاً الوسام الأعلى في فرنسا، “وسام جوقة الشرف الفرنسي”، الذي هو أعلى تكريم رسمي فرنسي، تُقلد به الشخصيات السياسية والعام في العالم.

من حسن حظ “ريجيني” أنه لم يكن مصرياً، فلو كان كذلك لكان قد أصبح مجرد صورة معلقة على جدار في غرفة بيته تبكيه عائلته، أما لو كان سورياً، فربما لم يحظَ حتى بشرف أن تعلق عائلته صورته أيضاً، وربما اضطرت إلى الخروج على شاشة قناة المقاومة والصمود، لتعلن تبرؤها منه، ووقوفها إلى جانب القيادة الحكيمة السورية.

من جهة أخرى، وفي إحاطته التي قدمها أمام مجلس الأمن يوم 16 من ديسمبر الجاري، أعلن السيد “بيدرسون” المبعوث الأممي في الملف السوري، عن مصطلح جديد سماه “العدالة التصالحية”، ورغم اعتراض أصوات سورية عليه، واعتبار الأمر مجرد تحايل تتعمده ترجمة متواطئة، لإزاحة المحتوى باتجاهات أخرى، إلا أن الفاجعة أكبر من أن تُداريها شطارة المصطلحات السياسة، وأكبر من أوسمة تقلدها حكومات لطغاة لا يتقنون إلا قمع شعوبهم.

لم يكن كل الدم السوري المسفوك على مدى عشر سنوات، ولم تكن خمس وخمسون ألف صورة لسوريين معذبين حتى الموت، تناقلها العالم كلّه، في أكبر جريمة عرفتها البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يكن لعشرات الهجمات بالأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً على الشعب السوري، كلها لم يكن لها أن تدفع مبعوث هيئة الأمم المتحدة لاعتماد مصطلح لا لبس فيه، ينصف الشعب السوري، ولايزال العمل جارياً لدفع الشعب السوري، ليس للتنازل عن محاكمة المجرم فحسب، بل وللقبول به حاكماً عليه، أية فضيحة هذه؟

ما فعله الاتحاد الأوروبي ويفعله في قضية “ريجيني” هو فعل صحيح، ويستحق الاحترام، فكرامة الإنسان وحياته هي قيمة من العار إغماض العين عنها، لكن كيف ستقنع هذه البشرية المتشدقة بكرامة الإنسان وحقوقه، الشعبَ السوري الذي يُباد منذ عشر سنوات أنها تحترم كرامة الإنسان، وأن حقوق الانسان ليست أكثر من فعل عنصري يختلف من ضحية لأخرى؟

هذه العنصرية في التعامل مع آلام البشر، وحقوقهم هي التي سمحت لأبشع جريمة في العصر أن تمر، وكأنّ شيئا لم يكن، وأن يبقَ مرتكبها طليقاً، لابل وأن تتواطأ الجهة الدولية الأهم على عدم محاسبته، وتعويمه مرة أخرى، وكأنّ مئات آلاف الضحايا السوريين، لا يستحقون أن يكون الضمير والعدالة مرجعاً وحيداً في محاكمة من أجرم بحقهم، وأن المصالح تبقى أهم من شعب بكامله.

لكن هل يكفي اتهام “بيدرسون” والجهة التي يمثلها، أم أنه لابدّ من القول وبملء الفم: (أنه لو وجد “بيدرسون” وغيره في المتنطعين لتمثيل السوريين، سواء في المعارضة أو الموالاة، سورياً حقيقياً واحداً لما احتاج السوريون إلى ولوج لعبة تدقيق المصطلحات والترجمات، ولما كنا اليوم نقف أمام هذه المتاهة).

هنيئاً لك في موتك “ريجيني”، فقد أقام موتك الدنيا، أما نحن السوريين، فلم يحن الوقت لكي يوقظ موتنا المستمر منذ عقود، ضمير هذا العالم القذر.

تلفزيون سوريا

—————————

اعتذار ضحية سورية/ سميرة المسالمة

إعادة النظر في أدوار الأمم المتحدة في القضية السورية، ومراحل تطورها منذ بداية الثورة عام 2011 وحتى البيان التوضيحي الأخير 18/ 12/ 2020  الصادر من المبعوث الأممي غير بيدرسون، بشأن الخطأ التقني الذي وقع في إحاطته إلى مجلس الأمن، ومدى ملاءمته مع مهمته الأساسية في تيسير الجلسات التفاوضية لإيجاد حل سياسي عادل وفقاً للقرار 2254 وبيان جنيف 1، إعادة النظر هذه يمكن أن تفسر ما آلت إليه حال اللجنة الدستورية، وكيف تحوّلت الوساطة الأممية في القضية السورية من دورها الأساس، وأصبحت كأنها طرف إضافي إلى جانب أطراف النزاع السوري تتغول على حقوق السوريين، وتغير في أولوياتهم الحقوقية والسياسية والمجتمعية.

ويبدو أن المبعوث الأممي يدير مباحثات السوريين على خلفية علاقات الدول وتحرك أدوارها في الساحة الدولية، فحيث يكون الجانب الأميركي نشيطاً ومهتماً بالموضوع السوري، يستند بيدرسون في تسيير أعمال اللجنة وإسنادها إلى القرارات الدولية، بينما تغيب تلك القرارات ومفاعيلها في منتجات اللجنة الدستورية، عندما يكبر حجم الدور الروسي، وينسحب الحضور الأميركي من الفعالية السورية، ويصبح الاعتماد على مؤتمر سوتشي ومخرجاته أساسا للعملية التفاوضية الجارية في جنيف، وهو الأمر عينه الذي تفعله كيانات المعارضة السورية الحاضرة في اللجنة الدستورية.

وبقدر ما كان السوريون يعوّلون على المنظمة الدولية لإنجاز حل سياسي ينهي المأساة السورية، ويتوّج تضحياتهم الكبيرة بالالتزام بإقامة الدولة الديمقراطية التي تحفظ حقوقهم مواطنين أحراراً متساوين في الحقوق والواجبات، ويحرّر الحل المنشود (الدولة السورية) من قيد التوارث الأسري المفروض عليها من نظام الأسد، فإن السوريين ذاتهم اليوم يرون في “الوساطة” التي يمثلها المبعوث غير بيدرسون خطراً على مسار الحل السياسي، وربما تنسفه لتحل مكانه ما يمكن تسميتها العملية التصالحية التي تستوجب اعتذار الضحية، وتقديم براهين لعدم تكرار موتها، والتسبب بإدانة قاتلها تحت طائلة المسؤولية.

تعاظمت الخشية في نفوس السوريين، والتي زرعها المبعوث الأممي السابق، ستيفان دي ميستورا، بعد اختراعه السلال الأربع (الحكم الانتقالي، صياغة الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب)، لقطع الطريق على المطالبة بتنفيذ القرار 2254 المستند إلى بيان جنيف1، ونجح فعلياً في تغيير الأولويات، وبدأ التلاعب أولا في تحديد تراتبية السلال، لينتهي إلى اختصارها إلى سلة واحدة، وهي سلة صياغة الدستور المحجمة باللجنة الدستورية، ومن ثم السعي إلى صياغة حلول صغيرة سيتم تفكيكها لاحقا لإنجاز حلٍّ “لين”، قابل لتغيير شكله حسب مقتضيات مصالح الدول التي ترعاه.

وأصبحت المخاوف في أعلى درجاتها مع بدء انكشاف بعض الأوراق الموقعة سراً، أو المقدمة من كيانات المعارضة السورية إلى الأمم المتحدة، عن طبيعة الحل الذي تقبل به، ومع قرار رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بإنشاء الهيئة العليا للانتخابات، وفقط تراجعه “الإعلامي” عنه، ثم الوثيقة المقدّمة من اللجنة الدستورية للأمم المتحدة ببنودها الـ12، والتي تتجنب فيه الاتكاء على القرارات الأممية في بيان رؤيتها للحل الذي تسعى إليه، ما يعني أننا أمام معارضة تختلف في هدفها وعملها عن نظامها الداخلي الذي ينظم عملها ممثلة للمعارضة السورية، وتعمل على تنفيذ القرارات الدولية وليس تقويضها.

تلك كانت مقدّمات تضع اللجنة الدستورية بمرجعياتها، أي المنصات الأربع، طرفا تفاوضيا خارجا عن وظيفته الأساسية كمعارضة، ليصبح أيضاً في حالة نزاع مع عموم السوريين الموالين للثورة الذين يمثلهم، ما استدعى إعادة كثير من الشخصيات السورية والتنظيمات السياسية الاعتبار إلى ما سميت ضرورة تشكيل كيان سياسي جديد، قد يكون سببا في إسقاط الأدوار المنوطة بالكيانات المتصدرة للعمل مع الجهات الدولية، وهو الأمر الذي يراهن على فشله مسبقا الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وهو المطمئن لضرورات وجوده للدول التي ترعى المفاوضات، العسكرية منها أو السياسية، وأنه الذراع الضاربة لشريكة ثلاثية أستانة (تركيا وروسيا وإيران).

ربما جاءت مطالعة بيدرسون، في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لتعزّز المخاوف السورية من دور الأمم المتحدة في العملية السياسية، ومدى قناعتها بوصفها منظمة دولية (قبل قدرتها) بالقرارات التي اتخذتها الدول الأعضاء فيها، ولتكون القشة التي كسرت ظهر البعير، على الرغم من بيانه التوضيحي أنه “خطأ تقني”، هذا الخطأ الذي وقع فيه مسؤول تقني أممي، متجاوزاً به ضرورات العدالة الانتقالية في بلد فيه مليون ضحية ونصف مواطنيه بين لاجئ ونازح، ويسكن مئات آلاف منهم خيما قماشية لا تقي برد الشتاء أو قيظ الصيف، أي أن الأطراف التي يُفترض أن تجلس في مواجهة بعضها بعضا صارت تجلس جمعاً في مواجهة مطالب السوريين بحل سياسي عادل وفق القرارات الدولية وبيان جنيف1.

غياب مصطلح العدالة الانتقالية عن مطالعة أممية ليحل مكانه عدالة تصالحية، نتيجة خطأ تقني أو مطبعي، أو سواء كان بمبادرة من أعضاء في وفد المجتمع المدني، هو تعبير عن مرحلة جديدة من مراحل التعاطي الدولي مع القضية السورية وتوظيفاتها الإقليمية، وهو صورة الحل الذي تسعى إليه حالياً الأمم المتحدة، في ظل رغبة دولية بتجاوز القرارات الأممية، منذ قبلت بتفتيت القرار 2254 وإلى أن تعاطت مع مخرجات مؤتمر سوتشي 2018، وحيث تمكّن العدالة الانتقالية الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع من الوصول إلى العدالة في أعقاب الانتهاكات التي لا تعد ولا تحصى في سورية (الأسد)، وفي مناطق خارجة عن سيطرته أيضاً، فإن غيابها يعني الطلب من الضحايا حمل أكفانهم على أيديهم، وتقديم فروض الطاعة للجاني، بل، الجناة من كل الأطراف، وليس النظام فقط، وبعض هذه الأطراف أيضاً على طاولة التفاوض ذاتها في جنيف غير بيدرسون بنسخته التصالحية.

العربي الجديد

——————————-

اللجنة الدستوريّة.. بداية التنازلات/ فراس علاوي

أثار مؤخراً المبعوث الأممي لسوريا، السيد غير بيدرسون، موجة من الانتقادات والغضب في صفوف السوريين، بعد إعلانه في الإحاطة التي قدّمها للأمم المتحدة حول الجولة الرابعة من عمل اللجنة الدستورية، عما يسمى بطرح بعض أعضاء الوفد الثالث أو الوسط /المجتمع المدني/ لمفهوم أو فكرة العدالة التصالحيّة.

لست هنا بغرض شرح مفهوم العدالة التصالحية أو الانتقالية، فقد أُشبعت نقاشاً وتفصيلاً بين مهاجم لها ومدافع عنها، وقد تباينت المواقف بين مدافعين عن فكرة حق السوريين بالتمسك بأهداف ثورتهم إلى التماهي مع ما ذهب إليه بيدرسون، اللافت أنّ من دافع عن فكرة العدالة التصالحيّة هم أنفسهم ممثلو المجتمع المدني، وإن كان بنسب متفاوتة، أجهدوا فيها أنفسهم في إيجاد تعريفات وتأويلات لها، إذ حاول البعض التسويق لها، فيما استنكر البعض هذا الطرح، وهذه حقيقة لا تتماشى مع كونهم يمثّلون المجتمع السوري، خاصة الثائر منه.

حقيقة الأمر، إنّها ليست المرة الأولى التي تظهر فيها إشكالية المصطلحات، والتي يبدو أنّها الطريق السالك نحو تحقيق تنازلات قادمة في العملية التفاوضيّة، إذ بدأت هذه التنازلات على يد المبعوث الدولي، ستافان دي ميستورا، والذي جرّد القرار الأممي 225‪4 من مضمونه، وتفكيكه عبر اقتراح سلال للحل، تمثّلت بالسلال الأربعة التي اقترحها حينها، والمتمثّلة بهيئة الحكم والدستور والانتخابات ومحاربة الإرهاب، لكن حتى هذا التنازل الذي وافقت عليه المعارضة لم يكن كافياً، إذ تلاقت هذه الرغبة لدى السيد دي ميستورا مع التفسير الروسي للقرار، والذي اختصره بسلتي الدستور والانتخابات، وبالتالي الموافقة على مخرجات مؤتمر سوتشي الذي نصّ على تعديل دستوري، ومن ثم الذهاب لانتخابات،وأيضاً قدّمت المعارضة تنازلاً آخر هنا، بموافقتها على إنشاء اللجنة الدستورية، وبالتالي موافقتها ضمنياً على تقديم فقرة الدستور على الانتقال السياسي، ولأسباب تتعلّق بطموح هؤلاء للمشاركة بالعملية السياسية، كون تحقيق شرط هيئة الحكم والبيئة الآمنة تجعلهم خارج دائرة الفاعلية السياسية، وهو ما نصّ عليه النظام الداخلي للائتلاف، وبالتالي استمرّت عملية التنازلات التي تقدّمها المعارضة مقابل تصلّب وفد نظام الأسد وعدم تقديمه أي تنازلات، بل على العكس مارس عملية التعطيل بغية الحصول على تنازل أكبر.

مشاركة المعارضة بعد توقّف طال أمده بالجولة الرابعة، وبالتزامن مع صدور القرار 24 من رئاسة الائتلاف، والمتضمن إنشاء مفوضيّة عليا للانتخابات، دليل واضح على أنّ فكرة هيئة الحكم الانتقالي أصبحت خلف ظهر الائتلاف، كما قال أحد أعضائه، وأنّ الحل الروسي في طريقه للتنفيذ.

إنّ التعقيدات التي رافقت تشكيل اللجنة الدستورية بدأت تظهر بشكل أكثر وضوحاً في نتائج اجتماعات هذه اللجنة، خاصة مع اشتراط النظام الحصول على موافقة 75 ٪. من أصوات الأعضاء لتمرير أي بند في الدستور، هنا كان طرح إشراك المجتمع المدني في العملية السياسية، خاصة اللجنة الدستورية، ولقد أظهرت تلك الخطوة اقتناع “دي ميستورا” بالتفكير الروسي، وبذلك حصل النظام على 26 عضواً إضافياً بالمجتمع المدني تطبيقاً للمحاصصة العددية، وبالتالي فقد حصل على نسبة 50 ٪ دون عناء، في ظلّ تشرذم المعارضة الذي بدا واضحاً في الخلاف مع منصّة موسكو، الأقرب لرؤية النظام، ومع تردّد الكتلة الباقية من المجتمع المدني بين تلك الرؤى، ومع وجود أصوات أكثر اتّساقاً مع متطلبات الشعب السوري ضمن ممثلي المجتمع المدني من المعارضة نفسها. من هنا، يبدو أنّ الذهاب للجنة دستورية بدا طوق نجاة للجميع، سواء المعارضة أو نظام الأسد، الذي بات فعلاً يحضر لانتخابات مدعومة من روسيا بغية فرض أمر واقع، قد يستمر لسبع سنوات قادمة.

في ظلّ هذا التخبط والتناقض ما هي أبرز الأوراق التي تملكها المعارضة السورية؟

حقيقة الأمر، إنّ المعارضة بشكلها الحالي فقدت معظم أوراقها الفاعلة، سواء كانت القوة العسكرية التي فقدتها بسبب توافقات أستانا، أو الأرض التي فقدتها، نتيجة قبولها بتجميد الجبهات والاتفاقات التركية الروسية، أو حتى الدعم الشعبي الذي فقدته نتيجة تنازلاتها وخطابها الاستعلائي لجمهور الثورة، لذلك فهي ذاهبة للسقوط ما لم تتخذ مواقف حقيقية وجذريّة. ولعلّ أبرز تلك المواقف تتمثّل بتجميد عمل اللجنة الدستورية حتى انطلاق باقي الملفات وقطعها شوطاً جيداً يتوازى مع ما وصلت إليه اللجنة الدستورية من وقت، لأنّها حقيقة لم تصل لأي شيء إيجابي، وبالتالي ممارسة نوع من الضغط على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

ثانياً، الدعوة لمؤتمر وطني جامع يتمثّل به السوريون الممثلون للثورة والمعارضة السورية، بكل أطيافهم وتوزّعهم الجغرافي، لإنتاج جسم حقيقي يعيد انتزاع الاعتراف الدولي الذي وصل لأدنى مستوياته، فهل لدى المعارضة السياسية الرغبة بذلك أم أنّها ستستمر بسياسة التنازلات و”تبويس الشوارب” التي ربما ستوصلنا لاحقاً للعدالة الاعتذارية، وحينها سيبشروننا بالحل على طريقة مجازر حماة في بداية ثمانينيات القرن الماضي؟.

ليفانت – فراس علاوي

——————————–

الطريق إلى دمشق/ حسن إسميك

صورة جوية لأطفال سوريين يمسكون أيدي بعضهم في مخيم غمرته المياه في إدلب (ا ف ب)

تُوصف “اللحظة المهمة، والتي عادة ما تؤدي بصاحبها إلى تحول جذري في الموقف أو المعتقد” بالإنكليزية بأنها The Road to Damascus (طريق دمشق)، وهو مصطلح مبني على لحظة اعتناق بولس الرسول المسيحية، وذلك أثناء توجهه من القدس إلى دمشق التي انطلقت منها دعوات المحبة والتسامح والسلام والتعايش.

واليوم، يبدو طريق دمشق لأطراف كثيرة ضبابياً، ففي حين بدأت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وتونس تعيد العلاقات الديبلوماسية مع سورية، لا تزال دول عربية أخرى تعتقد بأن الأخيرة لم تقدم ما يكفي لاستعادة عضويتها في جامعة الدول العربية.

وغيابُ الإجماع هذا يُبقي دمشقَ وحيدة معزولة عن بيئتها العربية التي لطالما كانت هي من أركانها المتينة.

إن استمرار وضع سورية على ما هو عليه وبقاءها خارج المنظومة العربية ليس في مصلحة أي طرف بما في ذلك الحكومات العربية والغربية. وقبل هذه وتلك، لا ننسى ما تسببه هذه الحالة من عذابات للشعب السوري المنهك والمُحاصر.

والواقع أن تطبيع علاقات سورية مع محيطها العربي لا ينطلق من النوايا الحسنة والأخوة العربية فقط، على رغم أهمية هذين العاملين، بل من مجموعة ضرورات سياسية واقتصادية تلعب وستلعب دوراً كبيراً في حاضر المنطقة ومستقبلها. وهذا يستدعي من الجامعة العربية أن تبادر إلى التواصل مع دمشق، لطي صفحة الصراع والحرب بأسرع ما يمكن، وبدء صفحة جديدة من التعاون المشترك، بما يمكّن سورية من النهوض من تحت الأنقاض، ويسمح بالحفاظ على أرواح المدنيين، والقضاء على ما تبقى فيها من الجماعات الإرهابية، ويمنع تحولها إلى هدف سهل أمام أطماع الهيمنة الإقليمية، سواء كانت إيرانية أم تركية.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل موقف الغرب أولاً فهو سيلعب دوراً كبيراً في إعادة إعمار سورية عند تحليل العوامل الخارجية التي تؤثر على دخول سورية من جديد في المنظومة العربية.  ستواجه الدول العربية، وفي مقدمها دول الخليج العربي الراغبة في تطبيع العلاقات مع دمشق، تحديات قوية، لأن خطوتها ستتعارض مع العقوبات الأميركية، كما ستصطدم بمواقف الكيانات السورية الرئيسة المختلفة والمتباينة.

 وفي المقابل فان استمرار هذه العقوبات، وسياسة الضغط عموماً، لن يؤتي ثماراً في سورية بل سيزيد فقط من معاناة أهلها. وقد أشرنا في مقال سابق إلى أن التعاطي مع سورية يجب أن يراعي خصوصيتها، فلا يجري التعامل معها كإيران مثلاً.

لقد ارتكبت الإدارات الأميركية السابقة عدة أخطاء في سورية، ما سمح إلى حد كبير بانتشار تنظيمات إرهابية من جهة، وتدخل مليشيات مدعومة من إيران من جهة ثانية، وساهم من ناحية ثالثة في تمكين تركيا من احتلال أراض واسعة شمال سورية، لتحقيق مطامعها بتحويل هذا البلد العربي إلى عمق استراتيجي لها، وتنفيذ مخططها للهيمنة على شرق المتوسط برمته ونشر “الإسلام السياسي”. لذلك تتحمل إدارة الرئيس جو بايدن مسؤولية مراجعة الاستراتيجية الأميركية في سورية، وإعادة صياغتها بما يناسب المصالح العربية والأميركية في المنطقة.

على هذا الصعيد، ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أن كلّ يوم تضيعه بوقوفها عائقاً أمام عودة سورية إلى المنظومة العربية، يوفر فرصة إضافية أمام إيران لتعزيز تغلغلها  في سورية ويزيد بالتالي من صعوبة الحد من نفوذ طهران هناك، أي يساهم في عرقلة تحقيق واحد من أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وهو احتواء الخطر الإيراني.

كما يجب على واشنطن أن تضع في حسبانها أن زيادة انخراط دمشق مع العالم العربي الأوسع، والمشاركة الاقتصادية العربية الكبيرة في مشاريع التعافي السورية، ستجعلها بلا شك ومع مرور الوقت أكثر اعتدالاً، وإن لم تدفعها إلى التخلي عن معسكرها مباشرة. وهذا هدف ثانٍ لطالما سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقه في المنطقة.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه ألسنة اللهب في لبنان الغارق في أزمة متفاقمة ذات وجوه متعددة يبدو أنه لم يستطع الإفلات من براثنها منذ أشهر عدة، يجدر بواشنطن وسدنة العالم الغربي الذين يؤكدون قلقهم المتزايد على لبنان، أن يدركوا أن لا خلاص له من مشكلاته العميقة في معزل عن سورية. بعبارات أخرى، ليس من قبيل المبالغة القول إن سورية ولبنان صنوان، وما يصيب أحدهما يشتكي منه الآخر. ومن يعرف البلدين وعلاقاتهما التاريخية المتشابكة على أكثر من صعيد، يعرف حق المعرفة أن دمشق لاعب رئيس لا بد منه لإيجاد الدواء الناجع لآلام لبنان.

فالتغيرات الدراماتيكية التي جرت أخيراً في المنطقة العربية، أفرزت نمطا” جديداً من العلاقات العربية-الإسرائيلية آخذاً في الزيادة والإتساع. ولدعم مسار هذه العلاقات لا بد من العمل على إعادة سوريا الى الصف العربي وايجاد حل لقضية الجولان بهدوء وروية، بعيداً عن الخطابات الطنانة الرنانة التي لم تغنِ ولم تسمن من جوع على امتداد نصف قرن. لقد كان موضوع الجولان دائماً ذا حساسية خاصة منذ عام 1967إذ كان بؤرة الخلاف وأس المشكلات، فكل طرف يتمسك بموقفه منه ويسعى لتكريسه. لذلك لا بد من بذل المزيد من الجهود للتوصل إلى حل عادل يُرضي الأطراف كلها. ومن ينظر الى الأمر بعين الحكمة يرى أن استعادة سورية موقعها الطبيعي في قلب المنظومة العربية والإقليمية ستعني بالضرورة أنها ستصبح مهيأة وقادرة من حيث المبدأ للعمل على تحرير المنطقة من الإسلام السياسي عامة ومن الإرهاب الذي فتك بها على وجه الخصوص.

هكذا يبدو مفتاح حلّ قضية الجولان في يد واشنطن، فلتسرع بقيادة الرئيس المنتخب جو بايدن حين يدخل البيت الأبيض في الشهر المقبل بإنهاء عزلة سوريا على الصعيدين العربي والعالمي، حتى تجد المشكلة المستفحلة خواتيمها بمباركة الأطراف ذات العلاقة كلها.

لكن من الخطأ تحميل أميركا وحدها تبعات تفاقم الأوضاع في سوريا، فقد حان الوقت كي تصحح الدول الأوروبية أيضاً أخطاءها في سورية. فهي ما زالت “تتباكى” بدموع التماسيح على محنة “المدنيين” في محافظة إدلب، التي يسيطر عليها إرهابيون من بقايا التنظيمات التي انتشرت في مرحلة سابقة في سورية، وعلى رأسها تنظيم “جبهة النصرة” التابع لتنظيم “القاعدة”، رغم إنكاره ذلك. والمفارقة أن هذه الدول نفسها تغضّ الطرف عن التدخل العسكري التركي عبر قوات برية حكومية ومقاتلين مناهضين للحكومة الشرعية في دمشق، كما تشيح بوجهها بعيداً عن الدمار والتهجير والضحايا التي يخلّفها الغزو التركي وراءه، كرداً كانوا أم عرباً.

ورغم ذلك… لم تتضح، حتى الآن، الكيفية التي ينوي الاتحاد الأوروبي التعامل من خلالها مع مستقبل سورية، مع العلم أن هذه الدولة تعتبر ملفاً حساساً  للغاية بالنسبة للأمن والهوية والمصالح السياسية والاقتصادية الحيوية لأوروبا، إذ يعيش نحو مليون من أبنائها كلاجئين في دول القارة العجوز، ويرضخ الاتحاد في حالات كثيرة للضغط التركي خوفاً من أن تنفذ أنقرة تهديداتها بإغراق دول أوروبية  باللاجئين الجدد إذا ما فتحت الباب أمام نحو 3.6 مليون لاجئ سوري يقيمون على أرضها. لذا يجدر بأوروبا، وعوضاً عن مواصلة الجهود لعزل دمشق، وعرقلة المبادرات التي من شأنها إعادة الاعتبار  للحكومة السورية على المسرح الدولي، أن تخفف الضغط على دمشق ما سيسمح لها بإنهاء التنظيمات الإرهابية العاملة على أرضها، بما فيها تلك التي تضم الإرهابيين الأوروبيين الذين تخشى دول الاتحاد عودتهم إليها. والواضح أن إعادة الإعمار الحقيقية ستوفر الفرصة لكثير من اللاجئين، لاسيما أولئك الذين يعيشون في المخيمات التركية  كي يعودوا إلى سورية. وعليه فإن من مصلحة أوروبا أن تساعد سورية على تطبيع علاقاتها الدولية، لا أن تبقيها حبيسة أسوار العزلة الخانقة.

في سياق الحديث عن الأطراف المعنية، لا يمكننا إلا أن نؤكد على ضرورة الوقوف عند هواجس دمشق، لأن عودتها وانخراطها في المجتمع العربي والدولي عموماً تتطلب منها تقديم الكثير من الضمانات، ترتبط بالحدّ من النفوذ الإيراني في سورية، وضمان أمن وسلامة اللاجئين الراغبين بالعودة وعدم استهدافهم بأعمال انتقامية. بالإضافة إلى هذا كله، ستتكفل دمشق بإنفاق أموال إعادة الإعمار بشكل نظيف وحماية هذه المخصصات من الفاسدين. ومن المهم أيضاً أن تكون المفاوضات والاتفاقات هي الوسيلة التي يجري من خلالها تلبية مطالب الأطراف كلها، فالإملاءات لم تكن يوماً أداة صالحة للتخاطب مع دمشق.

ويبدو أن القيادة الإماراتية كانت سبّاقة إلى إدراك هذه الحقيقة، الأمر الذي حملها على إعادة مد جسور التقارب وفتح سفارتها في دمشق أواخر العام 2018. وانطلقت الإمارات في خطوتها الشجاعة تلك من قناعتها بأن الحوار، وليس الإقصاء، هو سبيل الحل. وهذا ما عكسته تغريدة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي قال فيها إن “الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي، وتسعى الإمارات اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجاباً تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري”.

 وباعتبار أن ما يربو على عشر دول عربية تقيم علاقات سياسية ومباشرة مع اسرائيل، يجب استثمار هذه العلاقات، وفتح الأبواب مجدداً أمام دمشق بهدف الوصول الى سلام مع اسرائيل. وفي هذا السياق يجب العمل وبشكل سريع لإعادة أراضي شرق الفرات الى السيادة السورية الأمر الذي يُعجل في حل الأزمة الخانقة التي تعاني منها دمشق حالياً من ناحية، ويُشجع السلطات السورية على التخلي عن الدعم الإيراني من ناحية أخرى.

وإذا ما أدى العرب دورهم في هذا الملف بالشكل الصحيح، فإن ذلك سيمثل خطوة كبيرة على طريق إعادة إحياء العمل العربي المشترك، ودليلاً على أن العرب ما زالوا قادرين على اجتراح الحلول واتخاذ القرارات المتعلقة بمشكلاتهم وتطبيقها، وإن بدعم ومساعدة الأصدقاء. فالأزمة السورية هي من أعقد الأزمات التي شهدتها البلاد العربية في التاريخ المعاصر، وقد ثَبُت أن حلها لن يكون ممكناً إلا بتضافر الجهود الإقليمية والدولية. وعليه فإن إنقاذ السوريين وتوفير حل سياسي لأزمتهم، التي تفاقمت عقب انتهاء معظم الأعمال العسكرية، يعزز الثقة بالعمل الديبلوماسي العربي، ويزكي شعلة الأمل لدى الشعوب العربية بأنها ما زالت قادرة على تحقيق مستقبل أفضل.

ومن هنا ادعو أبو ظبي كدولة واسعة النفوذ والتأثير لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية العرب بدعم من أميركا واسرائيل يدعى اليه وزير الخارجية السوري لبدء جلسة حوار جدية مفتوحة لرسم معالم حل المسألة السورية من جوانبها كافة.

لهذا كله، أما آن للأطراف كلها، العرب، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية، وحتى سورية نفسها، أن تجد “الطريق إلى دمشق”؟

النهار العربي

——————————-

غياب برلمان الثورة المؤقت.. بوابة التنازلات أمام نظام الأسد

جيهان الخلف

الاجتهادات والقرارات المتسرعة والمواقف المتذبذبة حيال ثوابت الانتقال السياسي، وتفرّد بعض شخصيات المعارضة باتخاذ خطوات لا تخدم الشعب السوري الثائر، دفع صحيفة نينار برس بصفتها صحيفة سورية مستقلة وموضوعية، أن تضع أمام شخصيات سورية من مقدمات سياسية وأيديولوجية مختلفة، محورين للنقاش المكثّف.

المحور الأول: هيئة التفاوض السورية تتألف من مكونات عديدة، تتباين نظرتها حيال الحل السياسي في سوريا، هل تعتقدون أن هذه المكونات تملك قرارها المستقل؟ ولماذا يتمّ السكوت عن تدخل السعودية في تكوين وعمل الهيئة؟ ومن الجهة التي تعطّل التئام هيئة التفاوض السورية وقيامها بدورها الوظيفي المنوط بها؟.

المحور الثاني: ألا تعتقدون أن سبب الخلافات والتباينات بين مكونات هيئة التفاوض السورية يكمن خلفه غياب مرجعية وطنية عليا لكل مؤسسات وقوى الثورة والمعارضة تمثّل السوريين جميعاً؟.

وضعنا كارثي والمطلوب هو التغيير

سمير سطوف معارض سوري

يقول المعارض سمير سطوف في إجابته عن المحور الأول:

بداية، لابدّ من التأكيد على أن الغربال الدولي عمل طويلاً، من أجل تمكين العناصر الرخوة من صدارة المشهد، ومنع السوريين من إفراز قيادة حقيقية للثورة السورية، تضع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، الأمر الذي أسهم في مسيرة التراجعات على المستويات كافة، وأدى إلى ما نشهده من وضع كارثي.

ويضيف سطوف: “إن هياكل المعارضة جميعها، هي توليفة غير متجانسة وفاقدة للمناعة الوطنية”. وهي برأي السيد سطوف “مرتهنة لأجندات مشغليها، ولا تتمتع بالحد الأدنى من الاستقلالية، وبالضرورة هي معطّلة، ولا يمكن التعويل عليها.

وفي إجابته عن المحور الثاني يقول السيد سمير سطوف: “عدم وجود مرجعية وطنية وقيادة فعلية للثورة، لم يكن مصادفة، بل كان نتيجة عمل ممنهج ومدروس، عملت عليه القوى الإقليمية المركوبة من القوى الدولية المتحكمة بمسارات الصراع في المنطقة، لا سيما المسار السوري الذي تتوقف عليه خارطة الموازين المؤثرة في الخارطة العالمية المستقبلية”.

ويضيف سطوف: “إن غياب استقلالية القرار يؤدي بالضرورة إلى فقدان المرجعية الوطنية، والشرذمة حتى على مستوى التموضعات الثورية الصادقة، كتعبير عن مآلات العجز”.

المفاوضات مسلسل لا أفق له

مروان الأطرش المنسق العام للكتلة الوطنية الديمقراطية

السيد مروان الأطرش المنسق العام للكتلة الوطنية الديمقراطية يقول: “المفاوضات وهيئتها مسلسل دولي إقليمي لا أفق له ولا مكاسب، يدور حول ذاته وفقاً لما رُسمَ ويرسم له، لأن المسألة السورية مدوّلة بامتياز”.

ويوضح الأطرش: “هناك تنازلات متتابعة عن سقف المطالب الوطنية، بدأت في جنيف، أي من هيئة حكم انتقالية إلى القرار 2254، وتصل الآن إلى سوتشي واللجنة الدستورية”.

“المعارضة تتميز (برأي السيد منسق عام الكتلة الوطنية الديمقراطية) بفقدان استقلالية القرار، وبفقدان ثقة القواعد الشعبية، عدا عن فقدانها لثقتها بنفسها”. ويضيف الأطرش: “ما زال الائتلاف يتسلح بوهم اعترافات دولية، ودعم دولي”. وإن آخرين مثل منصة موسكو ومنصة القاهرة لا يزالون يتحركون خلف مشروع تقوده موسكو وبعض الدول العربية والإقليمية”.

وينتقد الأطرش دور الدول العربية بالمسألة السورية فيقول: “دور الدول العربية أو بعضها في المسألة السورية عموماً، وكل عملية المفاوضات ينحصر في أطر صراعاتها ومصالحها الإقليمية البينية، وعلى رأسها احتواء الدور الإيراني الذي يمسها ويؤرق مضجعها، ويهدّد استقرار المنطقة كلها”.

وفي إجابته عن المحور الثاني يقول الأطرش: “المرجعية كانت وما زالت تصطدم بعائق هيمنة بعض القوى السياسية وتعدد التنظيمات المسلحة وتبعيتها وتدخل الدول فيها”. ووفق رأي المنسق العام للكتلة الوطنية الديمقراطية: “فإن المرجعية تبدأ من وحدة الوطن والشعب، كل الشعب”. وهذا يتطلب البدء بإنشاء نواة وطنية صلبة منسجمة، يمكن أن تمثّل مركزاً ومرجعاً جاذباً يؤدي إلى تجمع وطني يتمتع بثقة ومشاركة كل أبناء الشعب، كما يقول الأطرش.

المطلوب صيانة القرار الوطني

فدوى العجيلي عضوة هيئة التفاوض السورية عن المستقلين

تقول السيدة فدوى العجيلي وهي عضوة هيئة التفاوض السورية عن المستقلين: “هيئة التفاوض السورية مؤسسة سورية، وأتمنى أن تعمل كل المكونات داخل الهيئة لصيانة القرار الوطني السوري”. وبرأي السيدة العجيلي: “فإن الأمر لا يعني أنه لا توجد تقاطعات مصالح مع بعض الدول”.

وحول أزمة هيئة التفاوض بعد مرور ما يقارب العام تقول السيدة العجيلي: “الأزمة للأسف لا تزال مستمرة، بسبب الصراعات والمناكفات السياسية بين بعض المكونات داخل الهيئة”. وبرأيها: “فإن الإيجابي في الأمر، هو أنه لا تزال هناك محاولات مستمرة لرأب الصدع وحل الخلاف”.

وحول المحور الثاني، تقول السيدة فدوى العجيلي وهي من مؤسسي التحالف العربي الديمقراطي في الجزيرة والفرات: “كل المؤسسات الثورية والمعارضة منذ بدء الثورة السورية، لم تكن خياراً كاملاً للشعب السوري”. وبرأيها فإن خيارات الشعوب تتم عبر صناديق الاقتراع، وإن هيئة التفاوض هي جزء من وضع مؤسسات الثورة والمعارضة، باعتبار أن أعضاءها غير منتخبين من الشعب السوري”.

وترى العجيلي: “أن الشرعية في حالة هيئة التفاوض تأتي من خلال الالتزام بسقف الثورة وتحقيق أهداف الشعب، وتعتقد أن “قوى الثورة والمعارضة بحاجة إلى مرجعية، وإلى جهة رقابية على أعمالها وتصرفاتها، وأن الوقت قد حان كي تتم الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني جامع للقوى الثورية والمعارضة الوطنية، ويكون هذا المؤتمر وما يخرج عنه هو المرجع والرأي المعياري للمؤسسات والمعارضة”.

مؤسسات المعارضة صناعة غير سورية

عبد الباري عثمان اتحاد الديمقراطيين السوريين.

يقول السيد عبد الباري عثمان وهو قيادي في اتحاد الديمقراطيين السوريين: “هيئة التفاوض كما الائتلاف صناعة غير سورية، وماركة مسجلة باسم الرياض”. ويستغرب السيد عبد الباري كيف سيملكون قرارهم؟!.

وبرأيه فإن النظام في دمشق لا يؤمن بالحل السياسي، وقد عمل مع الروس لاختراق هيئة التفاوض فزرع كل منهما ذراعاً أخطبوطياً، كي يجهضا القرارات الدولية ذات الصلة بالحل في سوريا، وبهذا الشكل أصبحت مكونات هيئة التفاوض بيد الدول النافذة.

ويضيف السيد عبد الباري عثمان: “أما بخصوص الخلافات بين المكونات، فسببها بالدرجة الأولى أنهم لا يملكون قرارهم الوطني، ويخدمون أجندات دول، وهذه يؤدي إلى عدم وجود مرجعية وطنية لهذه الهيكلية المصنعة خارجياً”.

هيمنة المحاصصة

ممتاز الشيخ مؤسس في التحالف العربي الديمقراطي

يقول الدكتور ممتاز الشيخ وهو مؤسس في التحالف العربي الديمقراطي: “حين ننظر بعين الناقد إلى هياكل المعارضة السورية، وأقول (هياكل)، كي لا اُضطر إلى استخدام مصطلح مؤسسة، فهذه الهياكل فاشلة بجدارة”. وبرأي الشيخ: “فإن هذا الفشل لا تتحمل مسؤوليته المعارضة لنقصٍ في وطنيتها، أو لجهة ضعف في الأداء السياسي لها أو لشخوصها”.

ويتساءل الدكتور ممتاز الشيخ وهو منشق عن النظام من موقعه الإعلامي كمدير للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون: “ما الذي يمكن أن تقدمه المعارضة للدول الأخرى كي تحظى بالدعم اللازم لتحقيق طموحات السوريين؟. فيجيب بنفسه الدول تحركها مصالحها لا المبادئ”.

وبرأي الدكتور الشيخ: “هناك معارضات سورية تلتقي في الأهداف وتختلف في طرق تجسيدها، ولهذا يُضطر الائتلاف وهيئة التفاوض أن يحمل كلٌ منهما بذور عطالته حين تُلزم بتشكيل مكوناتها بحسب رغبات الدول الفاعلة”.

ويشرح الشيخ معنى ذلك فيقول: “أي مبدأ التعيين وليس بناءً على متطلبات الأهداف المراد تحقيقها”

ويعتقد الشيخ أن مبدأ المحاصصة هو المهيمن على أدائها، ولهذا يصعب الرهان على المعارضة وهي لا تمتلك حتى أثاث مكاتب ممثليها.

ويرى الشيخ: أن غياب القيادة التي تحظى باعتراف جمهور المعارضة يشكّل مشكلة، فالمعارضة بعيدة عن الميدان، وبعيدة عن التأثير في القرار، ولهذا لا يمكن الرهان عليها.

ويستدرك الشيخ فيقول: “وهذا لا يعني إنهاء المعارضة، بقدر ما يعني مساعدتها على تجاوز نقاط ضعفها وتصويب أدائها.

الائتلاف وهيئة التفاوض مجرد منصتين

عبد الله حاج محمد الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي

يقول السيد عبد الله حاج محمد الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي: “الواقع أن هيئة التفاوض فقدت شرعيتها الوطنية حين وافقت على التنازل عن مطلب هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات لصالح السلال الأربع”. ويضيف الحاج محمد: “قفزت هيئة التفاوض فوق الترتيب الذي وضعته الأمم المتحدة لصالح اللجنة الدستورية، التي أقرها مؤتمر سوتشي الروسي، وتحولت الهيئة والائتلاف إلى منصتين من منصات المعارضة التي تخضع لمصالح دول مختلفة، بدلاً من المصلحة الوطنية”.

ويعتقد الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السيد عبد الله حاج محمد: “أن الائتلاف تخلى عن دوره الوطن حين اعتمد نتائج مساري سوتشي وأستانا.

وحول المحور الثاني يقول السيد عبدالله حاج محمد: “الصراع في هيئة التفاوض سببه التنازل عن الحالة الوطنية لصالح الحالة التي تحقق مصالح الدول”. ويرى في الأمر: “أن تمترس كل مجموعة حول ذاتها وبحثها عن مصلحة مجموعتها، وليس عن مصلحة الوطن ككل”.

ويعتقد الحاج محمد: “أن كل مجموعة تستقوي بالدولة التي تتبع لأجندتها، من أجل بقائها في مناصبها ومكتسباتها، ولهذا عمدت إلى استبعاد كل القوى الوطنية الديمقراطية، والشخصيات الوطنية الحقيقية”.

نينار برس

بين بيدرسون و«العدالة التصالحية» وبشار الأسد/ موفق نيربية

خلال اجتماع لمجلس الأمن عبر الفيديو في 16 ديسمبر، استمع مندوبوه فيه أيضاً إلى تقارير عن الوضع الإنساني المرعب في سوريا، قال غير بيدرسون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا: «عندما ننظر وراءنا إلى عام 2020، نجد عنصرين للبناء عليهما – هدوءا نسبيا بدون تغيير في خطوط الجبهات منذ مارس 2020، ولجنة دستورية».

وبينما نتطلع إلى عام 2021، نجد أنفسنا في حاجةٍ إلى عملية أعمق وأوسع: وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، وصياغة دستورية جوهرية، وجهود أوسع لمعالجة عدد من القضايا، من بينها إجراءات لبناء الثقة، والحركة خطوة بخطوة». وقال إن الحل السياسي وحده هو الذي يمكنه إنهاء المعاناة، ومنع تجدد الصراع وجلب الاستقرار، وحماية المدنيين والمنطقة كلّها من المزيد من الأخطار الجسيمة. كما دعا إلى شكل جديد من التعاون الدولي بشأن سوريا، بمشاركة الأطراف الرئيسية والقضايا الرئيسية أمامنا.. ولبّ القول ما قالت حذامِ، كما قيل في الأثر العربي.

كان يقدّم إحاطة إلى مجلس الأمن، بعد أن نجح في جمع اللجنة الدستورية المصغرة في جنيف، التي انعقدت في الفترة من 30 نوفمبر إلى 4 ديسمبر. وخلال تلك الجلسة، واصل أعضاء اللجنة حوارهم الأصمّ حول «الأسس والمبادئ الوطنية». تقدّم الوفد الحكومي بثمانية «أسس ومبادئ وطنية» حسب اعتقاده، تدور في معظمها حول توصيات بدعم حكومة الأسد، في حربها على الإرهاب، ودعم «الجيش العربي السوري» وتعزيز «الهوية الوطنية» بمحدّداتها من حيث العلم والنشيد الوطنيين، ومطالبة المجتمع الدولي بدعم تلك الحكومة في سياستها التي تخص اللاجئين وعودتهم، مع مطلب إضافي يعلق برفع «الأذى عن الشعب» في إشارة إلى العقوبات الخارجية. في حين تقدّم وفد هيئة التفاوض المعارضة بورقة تحتوي على 23 نقطة حول مجموعة من المبادئ، بما في ذلك سيادة البلاد وسلامة أراضيها، والعلاقات الدولية، والالتزام بالقانون الدولي، والهوية الوطنية والتنوع الثقافي، والديمقراطية والتعددية السياسية وسيادة القانون، وحول فصل السلطات، الفساد والإرهاب والمواطنة وعودة اللاجئين والحقوق والحريات والمبادئ الاجتماعية والاقتصادية. وقد أشار بيدرسون إلى أن تلك النقاط قد تمّ بناؤها على أساس «المبادئ الأساسية الـ 12 الحية» التي كانت من مخرجات مؤتمر سوتشي.. وتم تقديم تلك النقاط الموسّعة كتطوير لسابقتها المتفق عليها، لتشكل جزءًا من المبادئ الأساسية لدستور جديد.. ولم تقم جماعة المعارضة بإطلاعنا – بشفافيتهم المعهودة- بعد على ما تقدّموا به في جلسات جنيف تلك، مع أن نصر الحريري كاد يشرحها في آخر كلمة له، ثم لم يفعل. وتابع بيدرسون بعد ذلك، فأشار إلى أن بعض أعضاء المجتمع المدني في الوفد الثالث الحيادي رسمياً، تقدّم بنقاطً حول شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، وأشار أيضًا إلى القضايا ذات الصلة مثل، إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة الإصلاحية، والآليات الدستورية المستقلة والمحايدة ذات الصلة.

وثار كثير من السوريين حين سماعهم لمفهوم جديد على قاموسهم في بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وهو «العدالة التصالحية». وحتى الائتلاف الوطني، الذي يعاني من ردود الفعل على قراره المسحوب من التداول لاحقاً، بإنشاء هيئة عليا للتفاوض؛ وجد فرصة لإثبات راديكاليته بالهجوم الكاسح على استخدام المفهوم الطارئ للعدالة، بدلاً من مفهوم» العدالة الانتقالية» الوارد في الأدبيات الأممية سابقاً. اعتبر البعض – كثيرون- أن محاولة تمرير ذلك المفهوم مدخل للمصالحة و»تبويس الشوارب» مع بشار الأسد، تحضيراً لانتخابه من جديد في الوقت المخطّط في العام المقبل.. وأن روسياً معيناً هو الذي مرّر تلك «التعليمة» إلى بيدرسون.

كان تعليق بيدرسون، في ختام عرضه لنقاط وفد النظام، إنها لا تتعلّق بشكل صريح بالنصّ الدستوري المنشود، وهي إشارة واضحة إلى تضييع النظام للوقت، والتفافه على المطلوب، كما اعتاد دائماً. وأشار بشكل إيجابي غير مباشر إلى ورقة وفد المعارضة، في حين تعثّر بتلخيصه لورقة «بعض» وفد المجتمع المدني.

وكان ذلك البعض من وفد المجتمع المدني أكثر شفافية من وفد المعارضة نفسه، بعد أن اعتذر بيدرسون عن «الخطأ غير المقصود في أثناء الترجمة» وأن «العدالة التعويضية» المختصة بالمساكن والعقارات هي التعبير المعني، فقام ذلك «البعض» المشار إليه بنشر ورقته على الفور، بشفافية أفضل من تلك التي لدى وفد المعارضة.. وهي بريئة بالفعل، إذا تغاضينا قليلاً عن نقص الخبرة في التعامل مع المفاهيم في لعبة التفاوض، ومع نظام من هذا النوع العجيب الغريب.

فلماذا يمكن لهذه المظاهرة المرتجلة الكبيرة أن تعزف على الوتر الحساس لدى السوريين، معظمهم؟ في الأساس، يثير حنق كثير من السوريين، ذلك التركيز على «اللجنة الدستورية» ويرون فيه إهمالاً لجوهر نصوص بيان جنيف وقرارات مجلس الأمن، خصوصاً رقم 2118 و2254، حيث أن ذلك الجوهر هو العملية السياسية، والحلّ السياسي، من خلال تشكيل «هيئة حكم انتقالي» تتابع مسائل الدستور والانتخابات، والعدالة الانتقالية.. وفي الحقيقة يشعر هؤلاء السوريون بأن مفهوم العدالة الانتقالية هو ورقتهم الأكثر صلابة في مسارهم السياسي، الذي يتحكم به الروس وحلفاؤهم وشركاؤهم منذ أواخر عام 2015. وبؤرة تركيزهم مع النظام، هي في محاولة إعادة تأهيل بشار الأسد، ونظامه البائس المنتهي الصلاحية.

بمتابعة السوريين للمسألة الإنسانية، من خلال مواضيع استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، وتعذيب وقتل الألوف المؤلفة من أهل ذلك البلد، ومن ثم متابعتهم لملاحقة الأسد ورجال أجهزته الأمنية ولصوصه، أمام كلّ أنواع المحاكم وفي كلّ العالم، وفي غياب قدرة المجتمع الدولي ومجلس الأمن على اتّخاذ القرار، قد يمكنهم أن يغلقوا طريق بشار الأسد ورجاله إلى المستقبل، بتحويلهم إلى مجرمين مطلوبين للعدالة، هنالك في حق كلٍّ منهم عدة مذكرّات اعتقال، وملفات اتهام تفوح منها رائحة الدم والدمار، لو توفّرت لهم المساعدة الكافية.

في زيارة إلى بيروت بعد الانتخابات المزعومة في عام 2014، قال وزير الخارجية الأمريكية السابق عنها إنها «صفر كبير.. لا معنى لها، لأنه لا يمكنك إجراء انتخابات، حيث لا يستطيع الملايين من الناس ممارسة عملية التصويت». وكذلك أدان الاتّحاد الأوروبي العملية يومذاك، ووصفها بأنها غير شرعية.

ذلك كان منذ سبع سنوات، فلعلّ الإعادة وتكرار الأمر فضيحة غير مسبوقة، سوف يتحملّ الأسد وجماعته مسؤوليتها التاريخية، ولكن المسؤولية الأكثر أهمية هي مسؤولية روسيا وحكومة بوتين، التي تشعر حتى الآن بأن هنالك فراغاً دولياً يسمح لها بالمبالغة في مثل تلك السياسات. ورغم بعض التفاؤل بنوع من التوازن يمكن أن تأتي به إدارة بايدن إلى العلاقات الدولية، ابتداءً من الربيع المقبل، بعيداً عن خفة وارتجال ومقاولات ترامب وإدارته؛ إلّا أننا لن نتلقّى مردوداً سورياً من تلك السياسات، ما لم تتغيّر عوامل أخرى في المعادلة التي أصبح تحديدها صعباً، وحلّها معقداً. وبانتظار أن يحدث شيء من هذا لو كان مقدّراً له أن يحدث، فإن تكثيف الجهود في الساحة القانونية والإنسانية يبقى أساساً.. وكذلك العمل على تفريغ مناورة إعادة انتخاب الأسد؛ التي تتضمّن إعادة تأهيله – المستحيلة- من أي مضمون على صلة بأي شكل من أشكال الشرعية.

أهم ذلك هو غياب نصف أو معظم السوريين – بعد تكريس تجريم الأسد – فلا رئيس من دون شعب.. كما في مسرحية الأخوين رحباني الرائعة «ناطورة المفاتيح» حين هجر» الشعب» البلاد، وتركها للملك بيوتاً فارغة من أهلها..

ولعلّ هذا الحديث نافلٌ، إذ ربّما كنّا نحن السوريين بحاجة إلى اجتراح عملية سياسية جديدة، من أجل نظام آخر.. ومن أجل ذلك لا بدّ أيضاً من معارضة جديدة!

كاتب سوري

القدس العربي

———————————-

القرار الأممي 2254 بعد 5 سنوات عجاف…/ أكرم البني

يحتدم الجدل اليوم بين السوريين، وخاصة في أوساط المعارضة وناشطي المجتمع المدني، حول التمييز بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، وبينهما وبين العدالة الانتقالية، وأساساً لرفض مصطلح العدالة التصالحية الذي أورده المبعوث الدولي بيدرسون على لسان بعض ممثلي المجتمع المدني خلال الإحاطة التي قدمها، منذ أيام، لمجلس الأمن حول سير أعمال اللجنة الدستورية؛ حيث سارع هؤلاء لتوضيح ما حصل، وأن ثمة مغالطة وتفسيراً خاطئاً لمطلبهم بضرورة تعويض المتضررين، وأنهم لم يتطرقوا أبداً لفكرة العدالة التصالحية التي تعفي المرتكبين من المساءلة والمحاكمة، بل يتمسكون بالعدالة الانتقالية بصفتها عملية سياسية واجتماعية وقانونية متكاملة لمعالجة مخلفات الصراع الدموي السوري، ما أكره بيدرسون على التراجع والتأكيد على أن ما عرضوه فعلاً هو ما سماه «العدالة التعويضية» في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية!

لكن، وبغض النظر عن حقيقة ما جرى فإنه يشير إلى الدرك الذي وصلت إليه حالة الاستهانة والاستهتار بحقوق السوريين، والأهم بما حل بالقرار الأممي 2254 الذي أصدره مجلس الأمن في مثل هذه الأيام منذ 5 أعوام، وتحديداً في 18 يناير (كانون الثاني) 2015 والذي يفترض أن يعمل المبعوث الدولي على تنفيذه.

هي 5 سنوات عجاف، مرت على خريطة الطريق التي رسمها المجتمع الدولي لإخماد النار السورية، وتضمنت من حيث الجوهر، وقفاً لإطلاق النار والبدء بعملية سياسية تبدأ بتشكيل هيئة للحكم الانتقالي ذات صدقية خلال 6 أشهر، تحدوها صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة في مدة لا تزيد على سنة ونصف سنة، وتتخللها مهام ذات طابع إنساني كإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين وعودة اللاجئين.

هي 5 سنوات عجاف مرت على اللحظة التي رفضت فيها المعارضة السورية هذا القرار لأسباب كثيرة، أهمها تهربه من تحديد موقف واضح من مسؤولية رموز السلطة عما حصل وضرورة إبعادهم عن المشاركة بمستقبل البلاد، كما على اللحظة التي بدأ فيها النظام وحلفاؤه في طليعة المدافعين عن القرار، قبل أن يتضح أن سلطة دمشق وحكومة طهران تمسكتا به كمناورة لربح الوقت ووقف التغيير الحاصل على حسابهما في توازنات القوى، بينما تقبلته موسكو، كي تمرر، بأقل ردود فعل، تدخلها العسكري المستجد في سوريا (سبتمبر/ أيلول 2015) بدليل أن الأطراف الثلاثة توسلت مختلف المناورات لتعطيل القرار الأممي وعرقلة أي محاولة، مهما بدت متواضعة، لوضعه موضع التنفيذ..

أولاً، عبر التسويف والمماطلة وإغراق مفاوضات جنيف، المعنية بتنفيذ القرار الأممي، بتفاصيل وتفسيرات واشتراطات مضحكة ومربكة في آنٍ، لإفراغ هذا القرار من محتواه، ربطاً بتسعير العنف والقصف والاجتياح الذي مكنهم من الاستيلاء على مدينة حلب ومساحات واسعة من أرياف حمص ودمشق ودرعا، وفرض هدن وتسويات مذلة وتهجير قسري على المناطق المحاصرة.

ثانياً، عبر المبادرات التي قادتها روسيا لخلق مسارات تفاوضية جانبية تمكنها من التحكم في مصير الصراع السوري ومستقبله، ويمكن أن ندرج في هذا السياق «إعلان موسكو» (يناير 2016) الذي أصدرته روسيا وإيران وتركيا بعد عام تماماً من القرار الأممي، تلاه ما عرف باجتماعات الآستانة بعد عام آخر (يناير 2017) والتي إن حققت بعض النتائج الميدانية وفرضت ما عرف بمناطق خفض التصعيد، لكنها أخفقت في التقدم، وإن كان بخطوات بسيطة، في العملية السياسية، ما شجع قيادة الكرملين، بعد عام جديد (يناير 2018) على عقد مؤتمر سوتشي، عساه يشكل طوق نجاة سياسياً يُخرج الوضع السوري من حالة التفسخ والاستنقاع.

5 سنوات كانت خلالها مفاوضات جنيف تعاني الأمرين، وبدت بجولاتها الكثيرة، عقيمة ومملة وتسير في طريق مسدودة، بسبب استراتيجية التعنت والاستهتار والمماطلة التي اتبعها النظام وحلفاؤه، وبسبب استمرار السلبية المقيتة للمجتمع الدولي في التعاطي مع قراره الأممي، الأمر الذي شجع المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا على الاجتهاد لتحريك المفاوضات عبر تقسيمها إلى 4 سلال (مارس/ آذار 2017)، هي الحكم الانتقالي غير الطائفي، والدستور، والانتخابات البرلمانية والرئاسية، وسلة رابعة حول مكافحة الإرهاب أضافها ممثلو النظام، لكن ذاك الاجتهاد لم يثمر سوى منح السلة الدستورية الأولوية والتعويل عليها كمفتاح للحل، الأمر الذي استبعد السلال الأخرى، وأطاح الجداول الزمنية المقررة تباعاً، وحصر المفاوضات في مساحة ضيقة، تقتصر على إنجاز مشروع دستور جديد عبر لجنة توافقية، تمثل النظام والمعارضة والمجتمع المدني، استغرق تثبيت أسمائها عامين كاملين، فكيف الحال وقد عيل صبر الجميع قبل أن تعقد هذه اللجنة اجتماعها الأول، بالتزامن مع استقالة المبعوث الأممي ديمستورا وتعيين بدلاً منه غير بيدرسون، الذي نجح نسبياً في نقل هموم السوريين إلى مستوى ما لمسناه مؤخراً، إلى الجدل حول الفوارق بين العدالة التصالحية والعدالة التعويضية، من دون أن ينبس بحرف واحد عن الإجراءات التي تتخذها السلطة السورية لتجديد نفسها، كالانتخابات البرلمانية التي جرت، والانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الصيف المقبل، ومن دون أن يعترض على سلوكها الذي يتناقض مع خطة الطريق الأممية، أو يفند ادعاءاتها عن أن الانتخابات شأن سيادي لا علاقة لها بالقرار 2254 أو بأعمال اللجنة الدستورية.

لم تنجح أي جولة من المفاوضات في التقدم خطوة واحدة نحو الحل السياسي، بل عجزت عن توفير الحد الأدنى من مطالب السوريين المنكوبين، وخاصة في الجانب الإنساني المتعلق بإطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين والمختفين قسرياً وضمان شروط آمنة لعودة المهجرين، وبينما اتسم موقف النظام وحلفائه بالتشدد وربح الوقت والأرض، بدت المعارضة السورية ضعيفة ومستعدة لتقديم التنازل تلو التنازل، حتى الاستسلام لمناقشة الدستور وفق اشتراطات النظام نفسه، والأنكى الغرق في موجات تفسير عما قاله المبعوث الدولي وعما يريده!

كلنا يتذكر ما حل بالقرار الأممي الشهير 242 الذي لم تبق منه سوى إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، والأرجح، مع حفظ الفوارق، أن يصل القرار الأممي 2254 إلى الحالة ذاتها، ويغدو مجرد إشارة شكلية وصورية بأنه الأساس لمعالجة المأساة السورية.

الشرق الأوسط

——————————-

اللجنة الدستورية وتصفير العداد الرئاسي لبشار الأسد/ رياض علي

في أيلول 2019 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش تشكيل اللجنة الدستورية السورية، “لمراجعة الدستور بهدف التوصل لحل سياسي ينهي النزاع العسكري المستمر”، وهذه اللجنة موزعة عددياً على ثلاثة أثلاث، ثلث للنظام وثلث للمعارضة والثلث الثالث هي من حصة المجتمع المدني، مع تحفظنا الشديد على كلمة المجتمع المدني، فيما يخص اللجنة الدستورية، فغالبية السوريين يعلمون كيف تم اختيار هذا الثلث، وكيف تدخلت دول وأزالت أسماء وأضافت أخرى بشكل يتوافق مع أجنداتها المخطط لها في سوريا، وهذا الأمر يتناقض مع ماهو متعارف عليه بالنسبة لاستقلالية وحياد المجتمع المدني، وهذا موضوع من غير المجدي الخوض فيه، كونه أمراً واقعاً ومفروضاً بإرادة دولية أقوى من إرادة السوريين وطموحاتهم.

وهذه اللجنة وإن كان المجتمع الدولي وبشكل خجول يحاول الترويج بأنها من بنات أفكار القرار 2254، إلا أن الحقيقة نعلمها جيداً، فهي تمخضت عن مؤتمر سوتشي الذي تبنته ورعته روسيا بتاريخ 30/12/2018، وقد اتفق المؤتمرون في بيانهم الختامي على (تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومي ووفد “معارض واسع التمثيل”، وذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254)، وقد تلقف المبعوث الأممي نتائج هذا المؤتمر والذي تمحور بشكل أساسي حول بنية اللجنة الدستورية، وتبنى تلك النتائج، ليعلن أن تشكيل اللجنة الدستورية يتوافق بشكل أساسي مع القرار 2254، وبالتالي أعلن ضرورة السير في هذا المسار، متناسياً المسارات الثلاث الأخرى التي أكد عليها في الجولة الرابعة للمفاوضات في جنيف، ولا سيما المسار الخاص بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة، ولم تنزعج روسيا من هذا السيناريو والإخراج، طالما أنها ستحقق ما تريد دون أن تزعج الأصدقاء، فالمهم النتيجة، عملية سياسية عرجاء تُخْتَزَل في سلة الدستور، الذي يبدو أنه لن يكتب إلا على هوى الروس والأسد، طالما أن ردة فعل المجتمع الدولي، كما ألفناها كسوريين، لن تكون سوى بعض التصريحات الفاترة التي لا تتجاوز حدود القلق، مع التأكيد على “الاحترام والالتزام الكامل بالسيادة الوطنية السورية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، هذه الأسطوانة التي صمَّت آذاننا لتكرارها الممل.

صحيح أن روسيا كانت ترغب بدايةً في عقد سلسلة من حلقات عملية كتابة الدستور في سوتشي، كما فعلت برفقة باقي شركائها في حلقات مسلسل الأستانة، الذي كانت نتيجته الوحيدة قضم الكثير من الأراضي السورية لصالح الأسد، إلا أن معارضة المجتمع الدولي لهذا الأمر الشكلي (عقد جلسات الدستورية في سوتشي) جعل الروس يتنازلون عنه طالما أن النتيجة المطلوبة تحققت، ولا يهم بعدها إن عقدت الاجتماعات في جنيف أو حتى في جزر الكناري أو جزر القمر.

على كل حال، اللجنة تشكلت والمسار صار واقعاً مفروضاً، لكن بقي هذا المسار يراوح في مكانه دون أي تقدم، مع أننا لا نملك أي فائض في الوقت، فعلى الرغم من مرور أكثر من سنة وثلاثة أشهر على تشكل هذه اللجنة وعقد أكثر من أربعة لقاءات فيزيائية، النتيجة صفرية، فلا اتفاق حتى الآن على جدول زمني لإنهاء أعمال هذه اللجنة وكتابة الدستور الجديد، ولا اتفاق أيضاً على الغاية الأساسية من كل هذا المسار، هل هو تعديل للدستور الحالي أم هو صياغة دستور جديد؟، صحيح اللجنة هي من ستقرر هذه المسألة، لكن من شبه المستحيل أن تحقق المعارضة مبتغاها في كتابة دستور جديد، وستكون قصة التعديل هي الأقرب للتحقق، طالما أن أي قرار أو اتفاق سيحتاج إلى موافقة 75% من مجموع أعضاء اللجنة الدستورية، البالغ عددهم 150 عضواً، خاصة إن أخذنا بعين الاعتبار أن أعضاء المعارضة (المعارضات) ليسوا على قلب رجل واحد كونها تضم مجموعة منصات وهيئات وأجساماً، بعضها محسوب على موسكو، وبعضها الآخر محسوب على دول لها مصالح حيوية في سوريا، كما أن أكثر من نصف أعضاء المجتمع المدني هم من المحسوبين على النظام، وأعتقد أن هذا الأمر لم يعد سراً، كونه ورد على لسان أكثر من عضو من أعضاء اللجنة أصحاب النفَس المعارض للنظام.

ولا شك أن لمسألة تعديل الدستور أو كتابته من جديد تداعيات مهمة وخطيرة على المستقبل السوري، فعلى فرض أنه تم الاتفاق على تعديل الدستور الحالي، وهذا الاحتمال هو الأقرب للتحقق، نظراً للتوازنات الموجودة داخل اللجنة والتي تصب دوماً في مصلحة الأسد الطامح إلى بعض التعديلات الطفيفة، فهذا يعني القبول بشرعية الأسد في الحكم طوال السنوات السابقة، ولا سيما تلك السنوات التي قتل فيها ودمَّر وشرَّد، طالما أنه كان يحكم بموجب دستور ستثبت اللجنة مشروعيته وصلاحيته لحكم سوريا، وكذلك الاعتراف بكل القوانين والتشريعات التي صدرت في سنوات الحرب وكانت سبباً في قتل السوريين وتهجيرهم وتعذيبهم وخنق حرياتهم ومصادرة ممتلكاتهم، ومثلها الأحكام التي صدرت عن محكمة قضايا الإرهاب، السيئة الصيت، طالما أن كل ما ذكر تم استناداً إلى الدستور الذي سيتم الاعتراف بمشروعيته.

ونظرا لأهمية مسألة الجدول الزمني لأعمال اللجنة الدستورية، سنتحدث عنها مرة أخرى، هذه المسألة التي لم ولن يتم الاتفاق عليها، طالما أن وفد النظام للجنة وهو الذي يعكس وجهة نظر النظام نصاً وحرفاً، لايرى أي مشكلة في الدستور الحالي، وقد يرى أن هذا الدستور لا يحتاج إلى التعديل أصلاً، وهذا الجدول الزمني المفتوح يناسب النظام بطبيعة الحال، كونه ليس على عجلة من الأمر، وأحياناً يساوره الشك بأن أي تعديل جوهري في مضمون الدستور، قد يؤثر على حكمه، لذلك فهو ليس مضطراً للقبول بهذه الاحتمالية، طالما أن الأمور تسير في صالحه، وهو بالإسم يزعم أمام المجتمع الدولي الساكت، بأنه يسير في عملية سياسية تفاوضية مع الوفد الآخر، ويتعاون مع هذا المجتمع لتحقيق متطلبات القرار 2254، بينما تصرفاته تكذِّب أقواله.

ونؤكد هنا بأن النظام غير مكترث بالعملية الدستورية ولا يعول عليها الكثير، ويعلم جيدأ أن عمل هذه اللجنة سيستغرق الكثير من السنوات، والدليل على ذلك أنه عاقد العزم على السير بالانتخابات الرئاسية بعد عدة أشهر، وهذا ما أكده وزير خارجيته فيصل المقداد في تصريحه الأخير بأن الانتخابات الرئاسية القادمة لا علاقة لها بعمل اللجنة الدستورية، والورقة التي قُدِّمَتْ من وفده في الجولة الرابعة لاجتماعات الدستورية، تؤكد على نيته في إطالة أمد عمل اللجنة أو بالأحرى إفشالها كلياً، لأن تلك الورقة لم تأتِ بأي مبدأ مشترك جامع يمكن الاتفاق حوله، كاستقلال السلطة القضائية وسيادة الشعب والعدالة الانتقالية والعودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين واحترام العهود والمواثيق الدولية ولا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، بل أصر على تلك “المبادئ” التي تعتبر نقاطاً خلافية وتثير الجدل، كضرورة دعم “الجيش العربي السوري”، هذا الجيش الذي قتل ودمَّر وشرَّد، وعدم المساس بالنشيد الوطني وهو يتضمن تمجيد الجيش، وعدم المساس بعروبة سوريا، الأمر الذي سيثير حفيظة باقي المكونات السورية، وغيرها الكثير من النقاط الخلافية، والتي تكمن غايتها الأساسية في توتير الأجواء وزيادة عدد الجولات الحوارية، والنقطة الوحيدة التي يمكن أن تكون مشتركة هي نبذ العمليات الإرهابية، مع الاختلاف في تعريفها وتحديد هوية منفذيها.

لكن رغم كل هذا التفنيد الذي ذكرناه بخصوص عقم المسار الدستوري، ثمة أشخاص ذوو خيال واسع وأحلام لا تنتهي، يؤكدون بأن المجتمع الدولي لن يعترف بالانتخابات الرئاسية القادمة في سوريا، بحجة أنهم سمعوا ذلك من وفود بعض الدول الفاعلة في الملف السوري، أو من بعض موظفي الأمم المتحدة، وتناسوا بأن العبرة تكمن بما هو موجود على أرض الواقع وليس بالتصريحات التي قد تطلق هنا وهناك، فكم من مرة طالب رؤساء الكثير من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة “القوة العظمى في العالم” الأسد بالتنحي عن السلطة بحجة أنه فقد شرعيته، وها هم أنفسهم يقبلون التفاوض مجدداً مع وفده القادم إلى جنيف، فالمسألة ليست بالرغبات والتمني، فالحقائق الموجودة على الأرض لها كلمتها أيضاً، وإذا كان المجتمع الدولي لديه النية في إرغام الأسد مستقبلاً بالتنحي عن السلطة، بحجة أن الإنتخابات الرئاسية يجب أن تتم وفق ما سيرد في الدستور الجديد، إن تمت كتابته، لكان هذا المجتمع نفسه أرغمه طوال السنوات السابقة بالتنحي عن السلطة، أو على أقل تقدير أقنعه أو أجبره على تأجيل إجراء الانتخابات لما بعد كتابة الدستور الجديد، طالما سيكون مفروضاً عليه احترامه.

قصارى القول، لا يمكن التعويل على ما سيصدر عن المجتمع الدولي من شجب وتنديد، وكذلك لا يمكن التعويل على نتائج أعمال اللجنة الدستورية طالما أن الأسد ماض في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنصيب نفسه سلطانا على السوريين مجدداً، فهذا الأمر قد يؤدي إلى تصفير عداد مدة ولايته الرئاسية مجدداً، لذلك سيكون من الأفضل لأعضاء اللجنة الدستورية ذوي النَفَس المعارض والذين يؤثرون المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية، ونعتقد أنه توجد مجموعة لا بأس بها من بين وفدي المجتمع المدني ووفد المعارضة ممن يتمتعون بهذا النَفَس، التوقف عن المسير في هذه الرحلة العبثية إذا ما باشر نظام الأسد التحضير للمهزلة الانتخابية القادمة، والتي لن تختلف عن سابقاتها، ومن غير المجدي الانتظار إلى أن “تقع الفأس على الرأس”، صحيح أن توقفهم عن المشاركة في هذا المسار قد لا يثني الأسد عن متابعة ما عقد العزم عليه، لكن على الأقل لن يشاركوا في مراسم تنصيبه سلطاناً من جديد.

تلفزيون سوريا،

—————————–

==========================

تحديث 28 كانون الأول 2020

——————————-

العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية .. مقاربة في نقاش سوري/ حسان الأسود

ثارت، خلال الأيام الماضية، ثائرة سوريين كثيرين بشأن استخدام المبعوث الأممي، غير بيدرسون، تعبير العدالة التصالحية، في إحاطته التي قدّمها إلى مجلس الأمن عن أعمال الجولة الرابعة للجنة الدستورية السورية. وباعتبار أنّ المصطلحين، العدالة الانتقالية والعدالة التصالحية، جديدان نوعاً ما على أسماع سوريين كثيرين، من غير المتخصّصين في هذا المجال من فروع القانون أو العمل الحقوقي، تبين هذه المقالة مدلولاتهما بالمقارنة مع مصطلح العدالة الجنائية، وبأكبر قدر ممكن من التبسيط.

يُعرّف نظام العدالة الجنائية بأنّه “أداة اجتماعيّة لتطبيق معايير السلوك الضرورية لضمان حرية وسلامة الأفراد وحفظ النظام العام في المجتمع”. وبشكل عام، تهدف العدالة الجنائية إلى تحقيق هدفين رئيسين، تحقيق المصلحة الخاصة للأفراد بضمان حرياتهم وحقوقهم، وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع بضمان الأمن والاستقرار، من خلال تطبيق قواعد عامّة ضمن بيئة طبيعية من استقرار المجتمع، بحضور الدولة وأجهزتها الحيادية تجاه الأفراد والجماعات.

من هنا يكون مفهوم العدالة الجنائية مرتبطاً بشكل تقليدي في حالة الاستقرار من جهة، وفي حالة حياد أجهزة الدولة من جهة ثانية، وفي حال ضيق نطاق الجرائم وانحصارها بالأطر الاعتيادية. وهذا يفترض أن تتوفر بيئة آمنة لقيام العدالة الجنائية التقليدية، أي الانطلاق من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي يمكن اختصاره تجاوزاً بعبارة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني”، والاتكاء على استقلال المؤسسة القضائية وحيادها، بما يوفر حماية حقوق الإنسان الأساسية، خصوصا التقاضي على درجات، والاستناد إلى مبدأ البراءة المفترض بالمتهم وضمان حقوقه بالدفاع المقدّس، وإنفاذ الأحكام جبراً بقوّة القانون وأجهزة الدولة، ومبادئ تقليدية أخرى.

أمّا العدالة الانتقالية، فهي إجراءات استثنائية تختلف من بلد إلى آخر، ومن زمن إلى آخر، ويتم اعتمادها بناءً على مشاوراتٍ جماعية واسعة الطيف، لمعالجة آثار نزاعٍ مجتمعي غير اعتيادي، فالدول الخارجة من عهود الاستبداد، والمجتمعات الباحثة عن الاستقرار بعد الثورات أو الحروب الأهلية، لا تجد أمامها من سُبلٍ لمعالجة آثار تلك الحقبة من حياتها، إلّا بوسائل استثنائية تتناسب وطبيعة الانتهاكات والخروقات لقواعد العقد الاجتماعي الناظم لحياتها، ولحقوق البشر المؤلّف منهم هذا المجتمع أو المنتمين لتلك الدولة.

من هنا، تختلف العدالة الانتقالية عن العدالة الجنائية، من حيث المفهوم والأهداف والآليات والتحدّيات والبيئة الحاضنة، وعوامل كثيرة. ومصطلح العدالة الانتقالية حديث نسبياً لا يكاد يتجاوز عمره الخمسين أو ستين عاماً تقريباً، بينما العدالة الجنائية ضاربة القدم. وأهداف العدالة الانتقالية بصيغتها التبسيطية النهائية تتلخص في إعادة السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي وتجاوز انتهاكات الماضي ومنع إمكانية تكرارها مستقبلاً. أمّا آليات عملها وأدواتها فتختلف من بلد إلى آخر حسب الظروف والإمكانات، لكنّها تستند، في المجمل، إلى مروحة خيارات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، مثل محاسبة مرتكبي الانتهاكات الأشدّ خطورة، وإنصاف الضحايا وتعويضهم، وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة هيكلتها وفق معايير تمنع ارتكاب الانتهاكات وتحترم حقوق الإنسان، وبيان مصير المختفين قسرياً، والبتّ في مصير المعتقلين، وتخليد ذكرى المفقودين والضحايا عموماً.

هناك تحدّيات هائلة تعترض سبل تطبيق العدالة الانتقالية، وليس أقلّها التمويل، فالنقاش يدور عادة بين أولويات إعادة المهجّرين وإعادة الإعمار والاستقرار والضبط الأمني، وبين مفردات المحاسبة والتعويض وإعادة هيكلة المؤسسات، فجميعها في حاجةٍ لأموالٍ لا تكون متوفرة في غالب الأحيان بعد سنواتٍ من الصراع أو النزاع. هنا يدخل دور المجتمع الدولي على الخط للمساعدة في تخطّي هذه العقبات، لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة أيضاً، فقد تشترط الدول المانحة قضايا قد لا تلقى قبولاً مجتمعياً، مثل إلغاء عقوبة الإعدام، إن لم نتحدّث عن اشتراطات سياسية أو غيرها.

ومن التحدّيات الهائلة أيضاً عدم إمكانية محاكمة جميع مرتكبي الانتهاكات، فالمحاكمات تحتاج كوادر قضائية متخصّصة، وتحتاج مرافق لدعم عمليات التقاضي من قاعات محاكم وسجون وجهاز شرطة مؤهل، كما تحتاج أدلّة متوافقة مع المعايير القانونية، وتأخذ المحاكمات أوقاتاً معتبرة من الزمن، وهذا كلّه يحتاج الإعداد والتمويل والتأهيل والتدريب. وحجم الجرائم الهائلة المرتكبة في سورية، منذ اندلاع الثورة فقط، لا يمكن إدراكه أبداً، ولعلّ النظام كان يعرف سلفاً أنّه يصعّبُ عمليات المحاسبة، كلّما أوغل في الدماء والتدمير أكثر وأكثر. وقد دلّت تجارب الدول التي خرجت من الحروب الأهلية أو من عهود الاستبداد، وحاولت إعادة بناء مجتمعاتها من دون المرور بمسارات عدالة انتقالية حقيقية، كيف أنّها ما تزال غارقةً في دياجير الظلم والقهر والفساد والانتهاكات، وأقرب مثالين للسوريين لبنان والعراق. بينما نجد في تجارب رواندا وجنوب أفريقيا أمثلة حيّة على إمكانيّة إنهاء الماضي بإرثه الثقيل مع بناء أسس منع ارتكاب الانتهاكات مستقبلاً. ولا تغيب عن البال خصوصية كل بلد وكلّ صراع وسياقاته التاريخية والمجتمعية، ونحن نرى أنّ الحالة السورية من أعقد حالات الصراع التي شهدتها المجتمعات البشرية في العصر الراهن.

وفي ما يتعلّق بالعدالة التصالحية، يرد في بحث منشور في “مدوّنة برنامج أبحاث النزاع” للباحثة سيما نصّار: “بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تتألف العدالة الانتقالية من الآليات القضائية وغير القضائية على حدّ سواء، بما في ذلك مبادرات الملاحقة القضائية، والجبر وتقصّي الحقائق، والإصلاح المؤسّسي، أو مزيج من ذلك. وأي مزيج يتم اختياره يجب أن يكون متوافقاً مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية. ويمكن أن تشمل العدالة الانتقالية أكثر من شكل للعدالة، مثل العدالة الجزائية (المحاكمات)، والعدالة التعويضية والتصحيحية والتحويلية (ضمانات عدم التكرار، والإصلاحات، والتعويضات).

وبحسب وحدة الدعم القانوني في البرنامج السوري للتطوير القانوني؛ فإن العدالة التصحيحية هي شكل بديل لمواجهة الجريمة، والتي يتم فيها التركيز على الضحية وعواقب الانتهاك عليها، بدلاً من التركيز على الفعل الإجرامي والجاني. ويعني ذلك أن الدولة يجب أن تعمل على الاعتراف بمعاناة الضحايا، وتعويضهم وجبر ضررهم، واستعادة كرامتهم، أكثر من معاقبة الجناة. أما الجناة فيجب على الدولة أن تعيد دمجهم في المجتمع، في سبيل إعادة الروابط الاجتماعية. إن العدالة التصحيحية أو الإصلاحية تعتبر العقوبة الانتقامية غير كافية، لأنها لا تعطي معاناة الضحايا واحتياجاتهم الأهمية الكافية. وكذلك هي حال العدالة التصالحية، فهي لا تركز على تقييم ذنب الجاني، بل تركّز على تعزيز الآليات التي تجعله يدرك حجم الضرر الذي تسبب فيه وأبعاده، ويعترف بمسؤوليته عنه، وتدفعه إلى محاولة إصلاحه”.

ويشرح الكاتب محمد علاء غانم هذا المصطلح: “ال Restorative Justice لا تعني عدالة “تصالحيّة” فهذه ترجمة خاطئة، شأنها شأن كثير ممّا يُترجم في الأمم المتّحدة هذه الأيّام. باختصار شديد، ومُخِلّ ربّما، قُدِّمَت ال RJ كمفهوم بديلٍ عن نظام العدل الغربي القائم على العقاب وحسب، والذي يُنظر فيه للجريمة على أنّها تقع بحقّ الدّولة فقط وتقف فيه الضحيّة متفرّجة، في حين يكون القاضي هو سيّد المشهد وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة…. فالترجمة الأدقّ لها هو العدالة الإصلاحيّة لا التّصالحيّة”.

يقود هذا إلى القول إنّ العدالة الإصلاحية أو التصحيحية جزء من العدالة الانتقالية، وتأخذ وصفها هذا من ضرورات إصلاح مؤسسات الدولة، وفرز الموظفين الفاسدين وإقصائهم عن العمل، لمنعهم من تعطيل عمليات الإصلاح، كما إنّ العدالة التعويضية هي جزء من العدالة الانتقالية، وتأخذ أهميتها عندما نتكلّم عن تعويض الضحايا والمتضرّرين في حرياتهم وأجسادهم وحقوقهم المالية وممتلكاتهم.

أمّا العدالة التصالحية، فهي جزء من مسارات إصلاح أنظمة العدالة الجنائية التقليدية التي فشلت في تحقيق المأمول منها في بلدان متطوّرة عديدة، لكنها تبقى جزءاً من نظام متكامل، ضمن أطر سيادة القانون في دول مستقرّة ذات مؤسساتٍ لها مرجعية عليا متمثّلة في الدستور. فإذا ما حاولنا تطبيقها في مجتمعات ممزّقة جرّاء الثورات أو الحروب الأهلية، ضمن بيئات ينعدم فيها القانون، وتنحاز مؤسسات الدولة مع طرف ضّد الآخر، أو تسخّرها أنظمة الاستبداد لتحارب فيها الفئات الثائرة من الشعب، فإننا سنصل إلى حالة من الإجرام المركّب بحق الضحايا، لأنها ستعني مساواة القاتل بالضحيّة.

العربي الجديد

———————–

بيدرسون والعدالة التصالحية أو التعويضية.. وتوقّع أجيال جديدة من الشبيحة والدواعش/ د . كمال اللبواني

لم يخطئ بيدرسون في المصطلح الذي تبنّاه في إحاطته مجلس الأمن عن آخر ما توصّلت إليه جهوده المكلف بها عندما ذكر العدالة التصالحيّة بدل العدالة التعويضية، كما برّر فيما بعد (فكلاهما ذو مدول متقارب سياسياً). بيدرسون

بل لقد ذكر بيدرسون ما وقّعت عليه المعارضة من وثائق، التي يبدو أنّها وقعت على وثائق لم تقرأها، أو أوحي لها أنّه ستبقى سريّة ولن تظهر للعلن، لكن إحاطة بيدرسون لمجلس الأمن كشفت الغطاء عن بعض ملامحها، والتي بيّنتها أكثر ودلّت عليها قرارات الائتلاف بتشكيل هيئة انتخابات، بالتزامن مع الاستعداد لإجراء انتخابات في سوريا اقترب موعدها في منتصف العام القادم، بما يوحي بالرغبة في المشاركة فيها قبل التوصّل لأيّ صيغة تتعلّق بالتسوية، فالانتخابات هي الاستحقاق الأهم الذي سيعيد الشرعيّة كاملة للنظام بموافقة مضمرة في قبول المعارضة المشاركة، وهي الآليّة الوحيدة المتبقية بيد بيدرسون لتحقيق تقدّم نحو الحل، يمر فقط عبر استسلام المعارضة وإذعانها لسلطة الأسد الذي انتصر بالقوة، وجرّها الشعب نحو العودة لسجون النظام وأسرة تحكمه. فلماذا قرّر الائتلاف تشكيل لجان انتخابات، في حين ما تزال المعارك والقصف والناس يموتون في الخيم وتحت البراميل؟ أليس الأولى تشكيل لجان من نوع آخر لمهام ملحة وعاجلة؟.

الشيء الذي تم التوافق عليه بين أخوة الجريمة وزملاء الفساد (أقصد المعارضة والسلطة) هو العفو المتبادل عن كل الجرائم والارتكابات التي فعلوها، والقفز فوق كل مبدأ للعدالة والقصاص، وتقديم الحصانة للمجرمين والفاسدين، وسوق الشعب بالخديعة للمشاركة في انتخابات يشارك فيها المجرمون، للقفز فوق كل تفكير أو استحقاق يتعلّق بالمحاسبة والعدالة، وكأنّ شيئاً لم يحدث.

معروف أنّ مجرد مشاركة بشار وعصابته، أو عصابة المعارضة، يعني صك براءة عن أي جرائم قد ارتكبت، وفتح صفحة جديدة وكأنّ شيئاً لم يحصل، حتى من دون ضمانات كافية بعودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم، ولا بالكشف عن مصير المفقودين، أو خروج المسجونين، شيء واحد متفقون عليه هو العفو عن بعضهم البعض، والإمساك بالشعب السوري بقبضة المخابرات ذاتها واستمرار شراكة الفساد، وإدارة عملية إعادة الاعمار بأيدي منظومة الفساد والاختلاس نفسها التي ستبرر تركيب ديون هائلة تكبل الشعب السوري لقرن من الزمن، وتجعل من أي حرية أو استقلال مجرد حلم وهلوسة. بيدرسون

بالأصل كامل مقاربة جنيف للمشكلة في سوريا كانت خاطئة ومنحرفة منذ جنيف واحد، فالصراع في سوريا ليس بين طرفين، بل بين سلطة مكلفة بحفظ مصالح وأمن الشعب خرجت عن مهامها ووظيفتها وباشرت القتل والتهجير، وشنّت حرباً لا هوادة فيها ضد شعب خرج للشارع يحتجّ على فسادها وإجرامها، واستخدمت كل أنواع الأسلحة وأشدّها فتكاً، بما فيها المحرّمة دولياً، واستعانت بميليشيات وجيوش أجنبية، وارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية على نطاق، واسع، شمل أكثر من ثلثي السكان، وبين شعب بغالبيته العظمى يرفع شعاراً واحداً هو إسقاطها، وبدل الضغط على السلطة لوقف حربها، ولإقالتها وتسليم سلطة انتقالية بدلاً عنها تقود مرحلة إعادة الاستقرار والأمن وحكم القانون، سعى المجتمع الدولي للتسوية عبر مفاوضات بين مجرمي السلطة ومجرمي المعارضة، للتوصّل لتوافق بينهما على حلّ يتقاسمون فيه المصالح، على حساب الشعب وحقوقه.

يقولون في علم الهندسة إنّ أقلّ انحراف عن الهدف سيجعل (المتحرّك نحوه) يدور في حلقة مفرغة ولا يصل، فالميلان المستمر ينتج الدوران في المكان، وهذا ما حصل عندما قبلت المعارضة السورية بطرح الأمم المتحدة التغاضي عن المبادئ الأساسية لقيام المجتمعات، وللتمثيل السياسي، وهي العدالة وسيادة القانون، والتفويض الشرعي بالإرادة الحرة الصريحة، وانتهت لتكليف مندوبين وكلاء للدول النافذة، لم يفوضهم الشعب للتفاوض باسم الشعب وتوقيع التنازلات المتواصلة منذ بداية جنيف، مروراً بسوتشي وأستانا، وصولاً للهيئة التفاوضيّة واللجنة الدستورية، والذي انتهى أخيراً بتوقيع صك الاستسلام للنظام، والقبول بآلية تجديده واستعادته للشرعيّة بتدليس ومساعدة من الأمم المتحدة المسؤولة عن تمكين الشعوب من حقها في تقرير مصيرها.

لا يبدو لي، بناء على ذلك، أي مستقبل للسلم والاستقرار في سوريا، بل أرى فقط دخولاً في مرحلة جديدة من الصراع واستمراراً لسورية كمسلخ بشري وسيرك للجريمة والانتقام والثأر، طالما أنّ العدالة مغيبة والحقوق يتم تجاهلها.. اربطوا الأحزمة فسنرى أجيالاً جديدة من الشبيحة والدواعش. بيدرسون

ليفانت – كمال اللبواني

————————-

هيئة التفاوض تهاجم من يدعي أنها قدمت ورقة “خاصة” لا تمثل مطالب السوريين

هاجم أنس العبدة رئيس هيئة التفاوض السورية التابعة للمعارضة السورية، أمس الجمعة، كل من يدّعي أن وفد المعارضة السورية سلّم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن، ورقة خاصة غير التي تتضمن المبادئ الأساسية التي ينادي بها وفد المعارضة والتي تمثل مطالب السوريين.

وقال “العبدة” في بيان وصلت نسخة منه لنورث برس، إنه “غير صحيح بتاتاً ما تتحدث به بعض الأصوات حول ورقة خاصة تم تسليمها إلى بيدرسن، من قبل وفد المعارضة في اللجنة الدستورية أو أحد أعضائه.”

وأضاف: “هذه الأصوات تتحدث بدون دليل أو مصداقية، وتحاول خلق بلبلة وتصدّعات جديدة. البيّنة على من ادّعى.”

وشدد العبدة على أن الوثيقة الوحيدة التي تم التوافق عليها هي وثيقة القواعد الإجرائية التي تحكم عمل اللجنة الدستورية.

وأشار إلى أنه حتى اللحظة لم يتم الاتفاق في لجنة الصياغة (المصغرة 45) على أي نص أو مقترح بند دستوري سواء بشكل جزئي أو كلي.

والهدف من هيئة التفاوض، هو الانتقال السياسي، “والانتخابات هي آخر حلقة في هذا الانتقال السياسي، بحسب العبدة.

وأشار إلى أن المشاركة بانتخابات فيها “رأس النظام هي صك براءة للأسد عن كل ما ارتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب  السوري، وأنه لا شرعية لانتخابات يشارك بها الأسد، هذا موقفنا.”

وقال مصدر سوري معارض لنورث برس (فضّل عدم ذكر اسمه)، إن “العبدة يرد على ما أثاره  الدكتور كمال اللبواني (المعارض السوري).”

وأضاف “أما موضوع الأوراق المقدمة من الأطراف فإن خلاصتها التي تضمنتها إحاطة بيدرسن تدل على أن هناك أوراقاً مسلمة من طرف النظام ومن طرف المعارضة ومن طرف المجتمع المدني.”

وقد نشرت المعارضة “وثيقة المبادئ حين ردها على ورقة النظام، لكن قد يكون المقصود أوراقاً أخرى لا أعلم ماهيتها، وأعتقد أن كلمة السرية تدل على ذلك”، بحسب المصدر.

ومطلع هذا الشهر، تداول ناشطون سوريون معارضون على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مقطع فيديو مصور يتحدث فيه المعارض السوري “كمال اللبواني”، عن خطة روسية وافق عليها الرئيس السوري بشار الأسد.

وتقول الخطة إن قسماً من المعارضة السورية سينشق وسيشارك في الانتخابات، وسيفوز الأسد في تلك الانتخابات.

وفي ذات السياق، سخر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من بيان “العبدة”، مطالبين بضرورة توضيح ما يجري خلف الكواليس، وحقيقة “الأوراق” التي يتم تقديمها للأمم المتحدة.

من جهته قال “هادي البحرة” الرئيس المشارك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية، إن “اللجنة الدستورية هي محطة لا بد منها لتفعيل باقي السلال والسبل الأخرى، لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بشكل كامل وصارم.”

وقال المصدر المعارض، إن “هذا ما نبهنا عليه، أن تتوقف القضايا على تحقيق نجاحات أخرى وهذا هو باب تمرير الوقت.”

وأضاف: “بمعنى آخر، توقف العملية على التوصل لاتفاق حول كل السلال وهذا من سابع المستحيلات، رغم أن القواعد الإجرائية نصت على عكس ذلك.”

وأشار إلى أن الوقت يضيق على أعضاء هيئة التفاوض السورية خاصة مع قرب اجتماعات جديدة.

ولم يبق أمام أعضاء الهيئة، بحسب المصدر، “سوى الهروب نحو الأمام أو الانسحاب أو تجميد عمل اللجنة. فالأمام هو خيار البعض الذي تحدث عنه اللبواني.”

وقبل أيام، شدد معارضون سياسيون سوريون، أن على وفد المعارضة السورية تجميد مشاركته في أي جولة مباحثات قادمة تتعلق باللجنة الدستورية.

وطالبوا بحذف مصطلح “العدالة التصالحية” التي أطلقه المبعوث الأممي “غير بيدرسون” من وثائق الأمم المتحدة.

إعداد: سردار حديد ـ تحرير: معاذ الحمد

نورث برس

——————————

===========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى