مراجعات كتب

كتاب العقد الاجتماعي/ دافيد هيوم وجان جاك روسو وجون لوك

“العقد الاجتماعي” عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”

صدر عن سلسلة “طي الذاكرة” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب العقد الاجتماعي، وهو ترجمة عبد الكريم أحمد لكتاب دافيد هيوم وجان جاك روسو وجون لوك Social Contract. لا يكتفي هذا الكتاب بوضع نصوص هيوم وروسو ولوك في متناول القارئ العربي، إذ آثارهم متاحة بترجمات عربية عدة، إنما يعيد تأكيد الأهمية الراهنة لما كتبوه في زمانهم، حين اجتهدوا باحثين عن شرعية بديلة من شرعية دينية متهافتة كانت يومًا ما أساسًا للحكم في أوروبا، تتحدد على أساسها، أي الشرعية الجديدة، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وحقوق كل منهما وواجباته.

أما الغاية من العودة إلى “العقد الاجتماعي” فهي استعادة اهتمام المفكرين والسياسيين العرب قبل نصف قرن تقريبًا بهذه النصوص، حين كانوا يبحثون عن صيغ معاصرة لتأسيس دولة عربية وطنية حديثة.

يتألف الكتاب (428 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مقدمتين، أولى بقلم سير إرنست باركر، وثانية كتبها هيوم بعنوان “العقد الأصلي”، ومن أربعة كتب تكون “العقد الاجتماعي” لروسو، ومن رسالة جون لوك وعنوانها “في الحكم المدني”، تقع في تسعة عشر فصلًا.

الكتاب الأول

المجتمعات الأولى وحق الأقوى

في “العقد الاجتماعي” لروسو تسعة فصول. يتحدث الفصل الأول، “موضوع الكتاب الأول”، عن اتفاقات نشأ منها النظام الاجتماعي الذي يعدّ حقًا مقدسًا وأساسًا لكل الحقوق الأخرى؛ فهذا الحق غير مستمد من الطبيعة، ومفهوم العقد الاجتماعي مكون من فكرتي عقد الحكم، أي قيام الدولة على عقد بين الحاكم ورعيته، وعقد المجتمع الذي يوجد المجتمع نفسه.

يرد في الفصل الثاني، “في المجتمعات الأولى”، أن الأسرة هي الأنموذج الأول لكل الجماعات السياسية، “فالحاكم هو ممثل الأب، والشعب، قياسًا، هم أبناؤه، والجميع – لمّا كانوا مولودين متساوين وأحرارًا – لا يتنازلون عن حريتهم إلا لمصلحتهم فقط. وكل الفرق هو أنه بينما في الأسرة يجد الأب لما يبذله من عناية في سبيل أبنائه، مكافأة كافية في حبه لهم، تحل متعة السيطرة في الدولة محل ذلك الحب الذي لا وجود له بين الحاكم والشعب”.

في الفصل الثالث، “في حق الأقوى”، يقول روسو إن النتيجة الوحيدة لحق الأقوى هي لغو غير مفهوم، “إذ بمجرد اعتبار القوة هي الحق يتغير المعلول بتغير العلة. فالقوي الذي يهزم غريمه يصبح وريثًا لحقه. وبمجرد أن يصير في مكنتنا ألا نطيع دون أن نخشى ضررًا، يصبح العصيان مشروعًا. ولما كان الأقوى على حق دائمًا، فكل ما يتطلبه الأمر منا هو أن نستحوذ على القوة”.

تنازل أو اتفاق: في العبودية والميثاق الاجتماعي

في الفصل الرابع، “في العبودية”، يسأل روسو: “إذا كان للمواطن العادي أن يتنازل عن حريته ويجعل نفسه عبدًا لسيد، فلماذا لا يستطيع شعب بأكمله أن يفعل نفس الشيء ويخضع نفسه لإرادة ملك؟”. التوقف هنا عند كلمة “تنازل”. يرد في الفصل أن التنازل معناه الإعطاء أو البيع. والرجل الذي يصبح عبدًا لآخر لا يعطي نفسه لأحد، إنه يبيع نفسه مقابل ما يقوم بأوده على الأقل.

يقول روسو في الفصل الخامس، “في أنه يجب الرجوع دائمًا إلى اتفاق أول”، سيظل هناك دائمًا هوة واسعة من الاختلاف بين إخضاع جماعة غير منظمة وحكم جماعة اجتماعية. وإذا خضع أفراد منعزلون لسيطرة شخص واحد فلا يُرى في ذلك إلا سيدًا وعبيدًا لا شعبًا ورئيسًا.

في الفصل السادس، “في الميثاق الاجتماعي”، يرد أنه لا بد من إيجاد اتحاد من شأنه استخدام قوة المجتمع كلها في حماية كل عضو من أعضائه وممتلكاته، بطريقة تجعل كل فرد يطيع إرادة نفسه ويظل حرًا. وهذه هي المشكلة الأساسية التي يكفل العقد الاجتماعي حلها.

صاحب السياد، حالة المدنية والملكية الحقيقية

يقول روسو في الفصل السابع، “في صاحب السيادة”، إن عقد الاتحاد ينطوي على التزام متبادل بين المجموع والأفراد، وإن كل فرد كأنما يتعاقد مع نفسه ويترتب عليه التزام مزدوج: بوصفه عضوًا في المجموع صاحب السيادة قبل الأفراد من المواطنين، وبوصفه مواطنًا عضوًا في الدولة قبل المجموع صاحب السيادة، من دون القدرة على تطبيق قاعدة القانون المدني التي بمقتضاها لا يترتب على المرء التزام بمقتضى تعاقده مع نفسه، لأن هناك فارقًا كبيرًا بين واجب الإنسان نحو نفسه وواجبه نحو مجموع هو جزء منه.

في الفصل الثامن، “في الحالة المدنية”، يرد أن ما يفقده الإنسان نتيجة للعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية، وحقه غير المحدود في الاستيلاء على ما يريد وما يستطيع الحصول عليه. أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية، وملكية كل ما في حيازته.

في الفصل التاسع، “في الملكية الحقيقية”، يرى روسو أن الميثاق الأصلي هو أبعد ما يكون عن القضاء على المساواة الطبيعية، بل على النقيض من ذلك؛ إنه يحل مساواة قانونية ومعنوية محلها، مقابل ما قد تكون الطبيعة قد خلقته من عدم مساواة جثمانية بين الناس، وبذلك يصيرون جميعًا متساوين قانونًا واتفاقًا، وإن كان بينهم تفاوت في القوة والذكاء.

الكتاب الثاني

الإرادة العامة والسلطة والسيادة

يتألف الكتاب الثاني من اثني عشر فصلًا. في الفصل الأول منها، “في أن السيادة غير قابلة للتنازل”، يقول روسو إن الإرادة العامة وحدها هي التي تستطيع توجيه قوى الدولة نحو تحقيق الهدف من إنشائها، وهو الخير المشترك؛ لأنه إذا كان تعارض المصالح الخاصة هو الذي جعل إنشاء المجتمعات ضروريًا، فإن اتفاق هذه المصالح نفسها هو الذي يجعلها في حيز الإمكان، ولو لم يكن هناك شيء من الاتفاق بين هذه المصالح لما قامت مجتمعات مطلقًا.

يرد في الفصل الثاني، “في أن السيادة لا تتجزأ”، أن السيادة لا تتجزأ للأسباب نفسها التي تجعلها غير قابلة للتنازل، فهي إما إرادة الشعب في مجموعه، وإما إرادة جزء منه فقط. في الحالة الأولى، تكون هذه الإرادة المعلنة عملًا من أعمال السيادة، ولها أن تسنّ القوانين؛ وفي الحالة الثانية ليست سوى إرادة خاصة أو عمل من أعمال الإدارة، ولا تكون إلا مرسومًا على أكثر تقدير.

في الفصل الثالث، “هل يمكن أن تخطئ الإرادة العامة”، يقول روسو: “كثيرًا ما يكون هناك فرق كبير بين إرادة الجميع والإرادة العامة، فهذه لا ترعى سوى الصالح المشترك، وتلك ترعى المصلحة الخاصة وليست سوى مجموع الإرادات الخاصة. ولكننا إذا نزعنا من تعبيرات هذه الإرادات المتفرقة الزيادات والنقصان، وهو ما يهدم بعضه البعض، فعندئذٍ لا يبقى لدينا سوى حاصل الخلافات، وهذه هي الإرادة العامة”.

في الفصل الرابع، “حدود السلطة السيادية”، يرى روسو أن السلطة السيادية رغم كونها مطلقة تمامًا ومقدسة تمامًا ولا تنقض أبدًا، فإنها لا تتعدى حدود الاتفاقات العامة، وأن كل فرد يستطيع أن يتصرف في ما ترك له من ممتلكات وحرية بمقتضى هذه الاتفاقات، بحيث إن معقد السيادة لا حق له مطلقًا في تحميل أحد الرعايا أكثر مما يحمل غيره.

المشرّع والقانون والشعب

في الفصل الخامس، “في حق الحياة والموت”، يقول روسو إن من يريد المحافظة على حياته على حساب الآخرين يجب عليه أيضًا أن يبذلها في سبيلهم عندما يتطلب الأمر. وعندما يقول له الأمير “إن سلامة الدولة تتطلب أن تموت” يجب عليه أن يموت، ما دام أنه لم يعش في سلامة حتى الآن إلا على هذا الشرط، وأن حياته هبة مشروطة من الدولة.

يقول روسو في الفصل السادس، “في القانون”، إن القوانين ليست بالمعنى المحدد لها سوى شروط الاتحاد المدني. والناس إذ يخضعون للقانون، يجب أن يكونوا مصدره، فتحديد شروط المجتمع من حق أولئك الذين يتكون المجتمع باتحادهم.

في الفصل السابع، “في المشرّع”، يرد أن كل من يجرؤ على أن يأخذ على عاتقه أن يضع لشعب ما نظمًا يجب أن يدرك أنه إنما يغير بذلك الطبيعة البشرية؛ إذ يحول كل فرد إلى جزء من كل أكبر يتلقى منه هذا، بمعنى ما، حياته وكيانه؛ ويبدل من تكوين الإنسان ليكفل له قوة أكبر؛ ويستبدل بالكيان المادي المستقل الذي تمنحنا إياه الطبيعة، كيانًا جزئيًا ومعنويًا.

في الفصل الثامن، “الشعب”، يقول روسو إن معظم الشعوب، مثل الأفراد، لا تكون مرنة إلا في شبابها، لكنها عندما تتقدم في السن يتعذر تقويمها.

الشعب والنظم القانونية والتشريعية

بحسب الفصل التاسع، “الشعب (تابع)”، لا بد من أن يكون للدولة أساس صالح لضمان استقرارها، ولتقاوم الصدمات التي لا مندوحة عنها وتتخذ من الإجراءات ما لا بد منه لبقائها، إذ يوجد في جميع الشعوب نوع من القوة الطاردة من المركز تجعلها تعمل ضد بعضها البعض، فتتعرض الشعوب الضعيفة للابتلاع، ولا ينقذها إلا توازنها مع الشعوب الأخرى.

في الفصل العاشر، “الشعب (تابع)”، يسأل روسو: أي الشعوب هو أصلح مادة للتشريع؟ يقول إنه الشعب الذي يرتبط برابطة من المصلحة أو الأصل أو العلاقة القديمة، والذي لم يخضع لوطأة القوانين الحقيقية، وليست لديه عادات وخرافات متأصلة، ولا يخشى غزوًا مفاجئًا، ويدافع عن نفسه، ويستطيع ألا يعتمد على أي شعب آخر، ولا هو غني ولا فقير لكنه يتمتع باكتفاء ذاتي، ويجمع بين متانة الشعب القديم ووداعة الشعب الحديث.

يقول روسو في الفصل الحادي عشر، “النظم المختلفة للتشريع”، إن ما يجعل نظام أي دولة متينًا هو أن يؤخذ في الاعتبار أن تتفق القوانين والأوضاع الطبيعية، وألا يكون من شأن هذه القوانين إلا تأكيد تلك الأوضاع ومصاحبتها وتكييفها.

في الفصل الثاني عشر، “تقسيم القوانين”، يرى روسو أن حسن تنظيم الشؤون العامة يتطلب مراعاة علاقات عدة، أولاها علاقة الجسد كله بنفسه، أي العلاقة بين الكل والكل أو بين معقد السيادة والدولة، وثانيتها العلاقة بين الأعضاء وبعضهم البعض أو بينهم وبين المجموع، وثالثتها تلك التي تتعلق بالعقوبة لعدم الطاعة، ورابعتها علاقة تحدد النظام الحقيقي للدولة.

الكتاب الثالث

في الحكم وتقسيم الحكومات

في الكتاب الثالث ثمانية عشر فصلًا. في الفصل الأول، “في الحكم بصفة عامة”، يطلق روسو اسم الحكومة على أي هيئة متوسطة تنشأ لتكون وسيلة للاتصال المتبادل بين الرعايا ومَعقد السيادة، ويعهد إليها بتنفيذ القوانين وصيانة الحرية المدنية والسياسية، ويطلق اسم الحكم أو الإدارة العليا على الممارسة المشروعة للسلطة التنفيذية، والأمير أو الحاكم على الشخص، أو الهيئة، المكلّف بهذه الإدارة.

في الفصل الثاني، “في المبدأ الذي تقوم عليه الصور المختلفة للحكم”، يرى روسو أنه إذا كانت الحكومة في يد شخص واحد، تتحد الإرادة الخاصة وإرادة الهيئة. لكن بما أن استعمال القوة يتوقف على درجة الإرادة، ولما كانت قوة الحكومة المطلقة لا تتغير، فإن أنشط الحكومات هي حكومة الشخص الواحد.

يقول روسو في الفصل الثالث، “تقسيم الحكومات”، إن معقد السيادة يستطيع أن يعهد بمهمة الحكم إلى الشعب كله أو إلى الجزء الأكبر منه (ديموقراطية)، أو أن يحصر الحكومة في يد عدد صغير من المواطنين (أرستقراطية)، أو أن يركز كل الحكم في يد حاكم واحد يستمد الآخرون كلهم قوتهم منه (ملكية).

في الفصل الرابع، “الديموقراطية”، يرى روسو أن الديموقراطية الحقيقية لم توجد أبدًا، ولن توجد. فمما يتعارض مع النظام الطبيعي أن يَحكُم الكثيرون ويُحكَم القليلون.

في الفصل الخامس، “الأرستقراطية”، يتكلم روسو على أرستقراطية طبيعية وانتخابية ووراثية. الأولى تصلح لشعوب بدائية، والأخيرة أسوأ الحكومات، والثانية أفضلها، وهي الأرستقراطية بالمعنى الحقيقي.

يجد روسو في الفصل السادس، “في الملكية”، عيبًا جوهريًا في الحكم الملكي يجعله دائمًا أقل من الجمهورية، فصوت الشعب يرفع إلى المراتب الأولى أشخاصًا متنورين يشغلونها بجدارة، بينما من يصلون إلى هذه المراكز في الملكيات يكونون من الدساسين. وبمجرد أن يتولوا المناصب الكبيرة يظهرون للجمهور عدم كفايتهم.

الحكم الصالح، موت الجسد السياسي ودوام السلطة السيادية

في الفصل السّابع، “في الحكومة المختلطة”، يرى روسو أنه عندما تكون العلاقة بين الأمير ومعقد السيادة أقوى منها بينه وبين الشعب، يجب العمل على علاج هذا النقص بتقسيم الحكم، إذ لا تكون سلطة الأجزاء المختلفة على الشعب أقل، بينما يجعلها تقسيمها أقل قوة مجتمعة ضد معقد السيادة.

يقول روسو في الفصل الثامن، “في أن جميع صور الحكم لا تلائم جميع البلدان”، ليست الحكومات كلها من طبيعة واحدة، فبعضها أقل أو أكثر شراهة، كما أن الفروق تقوم أيضًا على أنه كلما بعدت الضرائب العامة عن مصدرها كانت أكثر إرهاقًا.

في الفصل التاسع، “علامات الحكم الصالح”، يرد إذا سأل الإنسان ما هي العلامات التي يعرف المرء بها ما إذا كان شعب معيّن يحكم حكمًا صالحًا أو سيئًا، كل واحد يريد الإجابة عنه بطريقته.

في الفصل العاشر، “سوء استعمال الحكم وجنوحه إلى الفساد”، يقول روسو إن هناك طريقتين تفسد بهما الحكومات: تقلص الحكومة وانحلال الدولة. تتقلص الحكومة عندما تنتقل من الديموقراطية إلى الأرستقراطية إلى الملكية، وتنحل الدولة عندما يكفّ الأمير عن الحكم طبقًا للقانون.

يرى روسو في الفصل الحادي عشر، “موت الجسد السياسي”، أن الجسد السياسي، مثل جسد الإنسان، يبدأ يموت منذ لحظة مولده، ويحمل في ذاته أسباب هلاكه.

في الفصل الثاني عشر، “كيف تدوم السلطة السيادية؟”، يقول روسو: “لما لم يكن لمعقد السيادة سوى السلطة التشريعية، فإنه لا يعمل إلا بقوانين، ولما لم تكن القوانين إلا التصرفات القانونية الحقيقية للإرادة العامة، فإن معقد السيادة لا يعمل إلا إذا اجتمع الشعب”.

تكوين الحكومة ومنع اغتصاب الحكم، نواب أم ممثلون

في الفصل الثالث عشر، “كيف تدوم السلطة السيادية؟ (تابع)”، يقول روسو إنه لا يكفي أن يجتمع الشعب مرة للموافقة على مجموعة من القوانين، ولا يكفي أن ينشئ حكومة دائمة، أو أن يكفل وسيلة انتخاب الحكام مرة وينتهي الأمر، فإلى جانب الاجتماعات الاستثنائية العاجلة، يجب انعقاد اجتماعات دورية محددة، في يوم معيّن بقوة القانون، من دون انتظار دعوة رسمية.

في الفصل الرابع عشر، “كيف تدوم السلطة السيادية؟ (تابع)”، يقول روسو إنه بمجرد اجتماع الشعب اجتماعًا شرعيًا بوصفه هيئة سياسية، “تقف جميع اختصاصات الحكومة، وتتوقف السلطة التنفيذية، ويصبح شخص أقل مواطنٍ مقدسًا وذا حرمة مثل أكبر حاكم، لأنه عندما يوجد الأصل لا محل لمن يمثله”.

في الفصل الخامس عشر، “نواب أم ممثلون؟”، يرى روسو أن لا تمثيل في السيادة، للسبب نفسه الذي يجعلها غير قابلة للتنازل، فهي تتكون أساسًا من الإرادة العامة، والإرادة لا تمثَّل مطلقًا.

يقول روسو في الفصل السادس عشر، “في أن تكوين الحكم ليس عقدًا”، إنه لما كان المواطنون متساوين بمقتضى العقد الاجتماعي، فإن ما يجب أن يقوم به الجميع، يستطيع الجميع أن يقرروه، بدلًا من أن يكون لأحد الحق في أن يطالب أحدًا بأن يفعل ما لا يفعله هو نفسه.

في الفصل السابع عشر، “تكوين الحكومة”، يرد أن التصرف الذي يتم بمقتضاه تكوين الحكومة مركب من تصرفين: وضع القانون، وتنفيذه. بمقتضى الأول يقرر معقد السيادة صورة هيئة الحكم، وهذا قانون. وبمقتضى الثاني، يعيّن الشعب الزعماء الذين سيعهد إليهم إدارة الحكومة التي تكونت.

بحسب روسو في الفصل الثامن عشر، “وسائل منع اغتصاب الحكم”، يجب عدم المساس بحكم قائم إلا إذا تعارض مع الخير العام. بيد أن ذلك قاعدة من قواعد السياسة فحسب، وليس قاعدة قانونية.

الكتاب الرابع

الإرادة العامة لا يمكن إتلافها

في الكتاب الرابع تسعة فصول. في الفصل الأول، “في أن الإرادة العامة لا يمكن إتلافها”، يقول روسو ربما تبدأ الرابطة الاجتماعية في التراخي وتبدأ الدولة في الضعف، وربما تنهار الدولة، فهل يتبع ذلك أن الإرادة العامة قد تَلفت أو انعدمت؟ لا؛ إنها تظل دائمًا كما هي نقية لا تنحرف، لكنها تخضع لإرادات أخرى تتغلب عليها.

في الفصل الثاني، “في التصويت”، يرد أن العقد الاجتماعي هو القانون الوحيد الذي يتطلب بطبيعته موافقة إجماعية، لكن إذا وُجد من يعارضه، فإن معارضته لا تفسد العقد، لكنها تمنعه من أن يكون طرفًا فيه فقط.

في الفصل الثالث، “في الانتخابات”، يقول روسو إنه في ما يتعلق بانتخابات الأمير والحكام، توجد طريقتان: الاختيار والقرعة. الأولى لملء المناصب التي تتطلب موهبة، والثانية لملء المناصب التي يكفي فيها الإدراك السليم والعدالة والنزاهة.

في الفصل الرابع، “في المجالس الشعبية الرومانية”، بحسب روسو، كان لا بد من توافر ثلاثة شروط حتى يعتبر اجتماع المجالس الشعبية الرومانية شرعيًا: للحاكم أو الهيئة التي توجه دعوة الانعقاد السلطة الضرورية لدعوتها، وأن يتم الاجتماع في أحد الأيام التي يحددها القانون، وأن يكون الفأل موافقًا.

الدكتاتورية والرقابة والدين المدني

في الفصل الخامس، “نظام محامي الشعب”، لا يعتبر روسو المحاماة عن الشعب جزءًا من مكونات المدينة السياسية، ولا يجب أن يكون لها أي نصيب في السلطة، وهذا هو سر قوتها، فهي إذ لا تستطيع أن تفعل شيئًا، تستطيع أن تمنع كل شيء.

في الفصل السادس، “في الدكتاتورية”، يقول روسو في بدايات الجمهورية، كثر الالتجاء إلى الدكتاتورية، لأن الدولة لم تكن قد توافرت لها بعد قاعدة ثابتة لبقائها بقوة نظامها وحده. ولما كانت المعايير الأخلاقية عندئذٍ تجعل الاحتياطات عديمة الجدوى، لم يكن الناس يخشون أن يسيء دكتاتور استعمال سلطته، بل كان يبدو كأن هذه السلطة الضخمة عبء على عاتقه، فيسرع في التخلص منها.

يقول روسو في الفصل السابع، “في الرقابة”، إن الرأي العام هو القانون الذي يعد الرقيب منفذه، ولا يطبقه إلا في حالات خاصة. ومن ثم، ليست الرقابة تحكّمًا في رأي الشعب، بل وسيلة إعلانه، وبمجرد أن تنحرف عن ذلك صارت قراراتها لاغية.

في الفصل الثامن، “في الدين المدني”، يمكن تقسيم الدين في علاقته بالمجتمع إلى نوعين: دين الإنسان ودين المواطن. الأول محدود بالعبادة الداخلية لله الأعلى وبالواجبات الأخلاقية الأبدية، والثاني مدون في بلد واحد، ويمنحه آلهته وحماته الحافظين الخاصين به، وله عقائده وطقوسه وعباداته الخارجية مدونة في صورة قوانين. وهناك نوع ثالث هو دين اللاما ودين اليابان والمسيحية الرومانية.

في الفصل التاسع، “خاتمة”، يقول روسو: “بعد أن وضعنا المبادئ الحقيقية للقانون السياسي وحاولنا إقامة الدولة على أسسها، يبقى بعد ذلك أن ندعها بصلاتها الخارجية، وهذا يتضمن قانون الأمم والتجارة وحق الحرب والغزو والقانون العام والأحلاف والمفاوضات والمعاهدات”.

حالة الطبيعة والحرب، العبودية والملكية

في الرسالة الثانية، “في الحكم المدني”، لجون لوك تسعة عشر فصلًا. في الفصل الأول، “مقال في النشأة الحقيقية للحكم المدني ومداه وهدفه”، يقول لوك إن كل من لا يرى أن كل حكم في العالم هو نتاج القوة والعنف، وأن الناس تحكمهم شريعة الوحوش، لا بد من أن يجد نشأة أخرى للحكم وأصلًا آخر للقوة السياسية وطريقة أخرى في تحديد من يتولونها.

في الفصل الثاني، “في حالة الطبيعة”، يرى لوك أنه كي نفهم القوة السياسية فهمًا صحيحًا، يجب أن نفكر في الحالة التي عليها الناس بالطبيعة، وهذا يعني حالة الحرية الكاملة في تنظيم أفعالهم والتصرف في ممتلكاتهم وأشخاصهم كما يتراءى لهم، في حدود قانون الطبيعة.

في الفصل الثالث، “حالة الحرب”، يفرق لوك بين حالة الطبيعة وحالة الحرب. فالناس عندما يعيشون معًا طبقًا لمقتضيات العقل ودون رئيس مشترك لديه السلطة في الحكم بينهم، إنما يعيشون في حالة طبيعة. بيد أن القوة، أو إعلان نية استعمال القوة مع شخص آخر، تكوّن حالة حرب عندما لا يكون هناك رئيس مشترك يلجأ إليه المرء في طلب الغوث.

في الفصل الرابع، “في العبودية”، يعرف لوك الحالة الكاملة للعبودية بأنها استمرار لحالة الحرب بين غازٍ شرعي وأسير، “لأنه بمجرد حدوث تعاقد بينهما واتفاق على أن يكون لطرف سلطة محدودة وعلى الآخر طاعة، تنتهي حالة الحرب والعبودية طالما ظل التعاقد قائمًا؛ لأنه لا يستطيع إنسان أن يتنازل لآخر بالاتفاق عما لا يملكه، أي السلطة على حياته هو نفسه”.

في الفصل الخامس، “في الملكية”، يرى أنه على الرغم من أن الأرض وجميع المخلوقات الدنيا مشاع بين الناس جميعًا، لنا أن نقول إن أي شيء يخرج به المرء من الحالة التي جاء عليها في الطبيعة، يكون قد خلط به عمله وأضاف إليه شيئًا من عنده، فتصير ملكًا له.

المجتمع السياسي والسلطات وفصلها

في الفصل السادس، “في السلطة الأبوية”، يقول لوك إن هذه السلطة لا تكاد تمتّ للأب بأي حق طبيعي إلا بوصفه وصيًا على أولاده، وعندما يتنصل من العناية بهم يفقد سلطته عليهم، التي تقترن بتغذيتهم وتربيتهم اللتين لا تنفصلان عنها، وتصبح من حق الأب الذي يتبنى طفلًا فقد أباه، بقدر ما هي حق الأب الطبيعي.

في الفصل السابع، “المجتمع السياسي أو المدني”، يقول لوك إنه أينما وجد عدد من الناس اتحدوا في مجتمع واحد متنازلين كل منهم عن سلطته التنفيذية المستمدة من قانون الطبيعة، عندئذٍ يكون هناك مجتمع سياسي أو مدني.

في الفصل الثامن، “في بدء المجتمعات السياسية”، يرد أنه عندما يكوّن أي عدد من الناس مجتمعًا، بموافقة كل فرد منهم، فإنهم بذلك جعلوا هذا المجتمع جسدًا سياسيًا لديه سلطة التصرف باعتباره جسدًا واحدًا، ولا يكون ذلك إلا بإرادة الأغلبية وقرارها.

بحسب الفصل التاسع، “في أهداف المجتمع السياسي والحكم”، الهدف الرئيس الأكبر من اتحاد الناس في مجتمعات منظمة ووضعهم أنفسهم تحت حكم ما، هو المحافظة على ملكيتهم؛ إذ تتطلب هذه المحافظة أمورًا لا تتوافر في حالة الطبيعة.

في الفصل العاشر، “في صور المجتمع المنظم”، يقول لوك إنه لا يعني بالمجتمع المنظم الديموقراطية أو أي صورة أخرى من صور الحكم، بل أي مجتمع مستقل مما يطلق عليه المجتمع المدني؛ وخير كلمة تعبّر عنه هي المجتمع المنظم التي تؤدي تمامًا معنى المجتمع المكون من آدميين، وهو ما لا تؤديه كلمة جماعة ولا كلمة مدينة مطلقًا.

يقول لوك في الفصل الحادي عشر، “في مدى السلطة التشريعية”، إن القانون الطبيعي الأساسي الأول الذي يحكم حتى المشرع نفسه هو المحافظة على المجتمع وعلى كل فرد فيه. وليست السلطة التشريعية هي السلطة العليا للمجتمع المنظم فحسب، بل سلطة مقدسة ولا تقبل التعديل في الأيدي التي يعهد إليها بها المجتمع بمجرد أن يسلّمها لها.

في الفصل الثاني عشر، “في السلطة التشريعية والتنفيذية والاتحادية للمجتمعات المنظمة”، يرى لوك أن في وجود السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد واحدة إغراء للضعف الإنساني الذي يميل إلى الاستحواذ على السلطة، فالمشرع عندئذٍ قد يعفي نفسه من طاعة قوانين يسنّها، ويعمل على أن تكون لمصلحته الخاصة.

السلطات والاستبداد والغزو

في الفصل الثالث عشر، “في تبعية سلطات المجتمع المنظم”، يقول لوك إنه على الرغم من أنه لا يمكن أن يوجد في المجتمع المنظم إلا السلطة التشريعية التي تتبعها السلطات الأخرى، فإن الشعب تبقى فيه سلطة عليا لإزالة المشرع أو تغييره عندما يرى أنه يعمل ضد الأمانة الموكولة إليه.

وفقًا للوك في الفصل الرابع عشر، “في الحق الاستثنائي أو الاختصاص”، لما كان المشرعون لا يستطيعون التنبؤ بكل ما يمكن أن يفيد المجتمع ويكفلوا تحقيقه بواسطة قوانين، فإن لمنفذ القوانين الحق بمقتضى قانون الطبيعة المشترك في استعمالها لخير المجتمع في حالات كثيرة لم يحدد فيها القانون اتجاهًا، إلى أن تتم دعوة السلطة التشريعية في الوقت المناسب ليقضي فيها.

في الفصل الخامس عشر، “في السلطات الأبوية والسياسية والاستبدادية مجتمعة”، يرى لوك أن السلطة السياسية هي تلك التي كان يملكها كل شخص في حالة الطبيعة، ثم سلمها إلى المجتمع، ومن ثم إلى من نصبهم المجتمع حكامًا، شرط أن تُستعمل هذه السلطة لمصلحة أفراده.

في الفصل السادس عشر، “في الغزو (الفتح)”، ورد أن كثيرين خلطوا بين قوة السلاح وقبول الناس، واعتبروا الغزو أحد أصول الحكم، بيد أن الفتح أبعد من أن ينشئ حكومة، كما أن هدم منزل أبعد من أن ينشئ منزلًا جديدًا. وصحيح أنه كثيرًا ما يمهد السبيل لإطار جديد لمجتمع منظم بتدمير السابق، لكنه لا يستطيع أبدًا، من دون قبول الناس، أن ينشئ مجتمعًا جديدًا.

الاغتصاب والطغيان وحل حكومات

في الفصل السابع عشر، “في الاغتصاب”، يكتب لوك: “كما يمكن أن نطلق على الغزو اغتصابًا أجنبيًا، فكذلك الاغتصاب نوع من الغزو المحلي، مع ذلك الفرق: إن الحق لا يمكن أن يكون إلى جانب المغتصب، حيث إنه لا يكون هناك اغتصاب إلا عندما يستولي شخص على ما لشخص آخر الحق فيه. وذلك، في حدود كونه اغتصابًا، لا يخرج عن كونه مجرد تغيير أشخاص، ولا يتضمن تغييرًا في صورة الحكم أو قواعده، لأن الغاصب إذا وسّع سلطته عما كان من حق الملوك أو الحكام الشرعيين للمجتمع، فإنه بذلك يضيف طغيانًا إلى الاغتصاب”.

يرى لوك في الفصل الثامن عشر، “في الطغيان”، أن الطغيان هو ممارسة سلطة تتجاوز الحق، وهو الأمر الذي لا يحق لأحد أن يفعله؛ “وذلك هو استغلال أي شخص للسلطة التي في يديه، لا لمصلحة أولئك الذين يخضعون لها، لكن لمصلحته هو الخاصة المنفصلة.

في الفصل التاسع عشر، “في حل الحكومات”، يفرّق لوك بين انحلال المجتمع وانحلال الحكم. فإن ما يصنع المجتمع ويلمّ شعث الناس من حالة الطبيعة المتفككة ويضمّهم في مجتمع سياسي هو اتفاقهم على الاندماج والعمل بوصفهم جسدًا واحدًا، وبذلك يصبحون مجتمعًا منظمًا متميزًا. والطريقة المألوفة والوحيدة التي ينحل بها هذا الاتحاد هي اعتداء قوة أجنبية، فيتوقف الاتحاد الذي يضم هذا الجسد، ويعود كل فرد حرًا في تدبير أمور نفسه بما يتراءى له في مجتمع آخر. وعندما ينحل مجتمع لا تبقى حكومته.

رمان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى