الناس

“زواج على الصورة”:فتيات سوريات ضحايا خطّابات في تركيا/ أيمن مكية

لم تكن الفتاة الحلبية سمر (22 سنة) تعلم أنّ زواجها في اسطنبول من رجل سعودي “مقتدر” مادياً، سيستمر يوماً واحد فقط. الفتاة التي كانت تعقد آمالاً على حياة مستقرة بعيداً من ويلات الحرب السورية، رأت حلمها يتساقط، عندما أيقنت أنها ضحية زواج وهمي وآني، رتبته سيدة تعمل “خطّابة”، تعرفت إليها مصادفةً، كما تقول، حين كانت تقيم في المنزل الذي كانت تؤجره هذه السيدة لفتيات ونساء وحيدات في اسطنبول، أتين من سوريا.

أرسلت الخطّابة صورتها إلى العريس الذي يكبرها بـ35 عاماً. وافق الأخير، وعُقد القران على عجل، لكن نهاية هذا الزواج كانت مأساوية.

تقول سمر، والحزن يملأ وجهها، “فعلاً أتى شيخ وشاهدان، وأعطاني زوجي المفترض 2000 دولار مهراً، واصطحبني معه إلى منزله المستأجر، لأتفاجاً في صبيحة اليوم الثاني بأنه سافر إلى بلده، وترك لي رسالة بأن إيجار المنزل مدفوع لمدة شهر، ولن يستطيع العودة مرة ثانية، وعندما عدت إلى أم رحاب مسؤولة السكن، كان جوابها (لا تقلقي بدبرلك عريس غيرو إذا بدك)”.

سكن بنات

في منطقة الفاتح الشهيرة، وسط اسطنبول، مركز الأعمال والتجارة للسوريين، تجد شققاً سكنية خاصة بالفتيات تعرف باسم “سكن بنات”، تشرف عليها نسوة، وغالباً ما يأخذن دور الخطابات والمروّجات لهذا النوع من الزواج، ومن هنا تبدأ القصة.

الحاجة إلى السكن تدفع هؤلاء الفتيات إلى القبول بالعيش في سكن مشترك تملكه سيّدة، وهو مخصص لفتيات معظمهن لاجئات كن سلكن ربما طرق التهريب (الدخول غير الشرعي عبر الحدود) للوصول إلى البلاد، فيما تعيش أخريات وحيدات من دون معيل ولديهن مشكلات اجتماعية. كما تضم أماكن السكن هذه، مطلقات، وأرامل، إضافة إلى قاصرات، أتين إلى تركيا من دون عائلاتهنّ.

وبنتيجة الوضع المادي الصعب الذي يقاصيه اللاجئون السوريون عموماً، وارتفاع معدلات الفقر والحاجة المادية، أصبحت اللاجئات السوريات فريسة سهلة لمن يريد المتاجرة بهنّ، وهنا تجد هذه الشبكات المؤلفة من خطابات وسماسرة، فرصة للإيقاع بهؤلاء النساء بقصد كسب المال عبر الاحتيال والسرقة، على ما يكشف هذا التحقيق.

وهو ما تؤكده، رئيسة “منظمة الكواكبي النسائية” في تركيا (جمعية سورية مقرها مدينة مرسين التركية وتعنى بشؤون اللاجئات السوريات)، فاطمة عبد العزيز، بقولها “إن أهم أسباب عمليات الاحتيال وعرض الفتيات السوريات للزواج هو تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية، والظروف الاقتصادية الصعبة وانخفاض مستوى المعيشة والمغريات التي تقدم للاجئات بحياة أكثر رفاهية وأمان”.

بتاريخ 11 تموز/ يوليو الماضي، حصل معد التحقيق على ضبط للشرطة في مدينة سكاريا التركية، (الشمال الغربي) يثبت ضبط سيدة سوريّة تدعى “ه. ك” تعمل “خطّابة”، ووُجّهت لها تهم بتسهيل الدعارة والاحتيال والنصب.

عملية الضبط هذه، حصلت عقب خلاف بين شخصين أحدهما سوري والآخر سعودي الجنسية، لكنّ الخطابة التي أودعت في السجن، تقول في إفادتها، إنها تؤمّن الفتيات “مقابل المال وليس بهدف الدعارة، وهذا الأمر لا مشكلة فيه، وفي حال ذلك يجب أن تكون التهمة الاحتيال وليس الدعارة”.

تعداد السوريات في تركيا

بحسب إحصاء مفصّل للمديرية العامة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، وصل عدد اللاجئات السوريات لغاية 2019 إلى مليون و400 ألف تقريباً، من أصل حوالى 4 ملايين سوري.

وتشير الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن نحو 1.2 مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي في تركيا، حيث بات كثر من السوريين يتقاضون أجوراً أقل من أجور العمال الأتراك، على رغم أنهم يقبلون بالعمل في ظل ظروف قاسية.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أظهرت دراسة نشرها موقع “إيفرنسال” أجراها مركز “دراسة السياسات الاجتماعية الميدانية” حول اللاجئين السوريين في الولايات التي تحتضن أكبر عدد منهم، أن “معظم السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ومعظمهم يعملون من دون ضمان اجتماعي، و50 في المئة من عينة الدراسة تشكو البطالة، فيما طلب 13 في المئة منهم دعماً مالياً”.

وفي الوقت الذي يتعذر فيه توفير أعداد دقيقة ورسمية أو إحصاءات من منظمات مجتمع مدني حول حالات الزواج الوهمي أو الغش الذي تتعرض له الفتيات أو الشبان وحالات السرقة، تؤكد عبدالعزيز، أن ظاهرة “الخطابة” أصبحت عبارة عن سمسرة، حيث يعملن على تأمين زوجات من اللاجئات السوريات لرجال من جنسيات عربية “بمقابل مادي”، علماً أن هذه الزيجات بمعظمها لا تستمر لفترة طويلة وفقاً للحالات التي اطلع عليها المركز، “إذ وصلتنا في الفترة الأخيرة استفسارات قانونية بخصوص عمليات (الاحتيال) بحجة الزواج من لاجئات سوريات”.

التكتّم والخوف

أما المحامي مجد طبّاع، الذي يعاين مثل هذه القضايا في تركيا، فقد عزا عدم توافر أرقام، وبقاء هذا الموضوع طي الكتمان بين مختلف الأطراف إلى أن “مثل هذه الحوادث منتشرة بكثرة، لكن معظم من يتم النصب عليهم، يفضّلون التكتم على الموضوع خوفاً من نظرة المجتمع، وخشية معرفة أقاربهم وعائلاتهم بالموضوع”.

زواج يوم واحد

كان من الصعب علينا التعرف إلى فتيات وسيدات لاجئات وقعن ضحية زواج وهمي أو عرفي مقابل مبالغ مالية تتحصل عليها الخطابة أو الشبكات التي تقف وراءها. الموضوع حساس جداً، ناهيك برفض كثيرات التحدث وسرد تجربتهن، لكن بعد البحث والمحاولة أكثر من مرة نجحنا بالوصول إلى سمر التي وقعت ضحية “زواج ليوم واحد”، كما تقول لمعد التحقيق بعد تزويجها برجل سعودي الجنسية (58 سنة)، من طريق مسؤولة السكن التي تُدعى أم رحاب.

تشرح سمر التي جاءت إلى تركيا قبل عامين وتعرفت إلى صاحبة السكن، التي تمتلك “بناء مجانياً” للفتيات و”لوجه الله” بحسب ما تقوله للفتيات اللواتي يسكنّ عندها، وتقول “في بداية الأمر كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، ولكن أم رحاب كانت تقوم بتصويرنا، وتصوير الوثائق الرسمية، بحجة توثيق حالاتنا للحصول على إعانات من (أهل الخير) على حد وصفها، كنا في الشقة 6 فتيات، وليس لدينا أي معيل أو أقارب في تركيا، وكانت تتم معاملتنا بطريقة جيدة”.

وعن الأسلوب الذي اتبعته أم رحاب في تزويجها، تقول: “بدأت مسؤولة السكن تلمّح إلى أن أحدهم يرغب في الزواج مني، مستخدمة أسلوب الترغيب بأنه مقتدر مادياً وسيلبي كل طلباتي. في البداية رفضت الموضوع رفضاً قاطعاً، فبدأت معاملتها تتغير إلى الأسوأ، حتى أعلنت موافقتي”.

 كيف يحصل الزواج على الصورة؟

يتم إنشاء حساب عبر مواقع التواصل الاجتماعي “يحمل لقب الخطابة ورقم هاتفها”.

يتم التواصل إما من طريق “الرسائل” أو الاتصال المباشر.

الخطوة الأولى: السؤال عن المطلوب “بنت – مطلقة – أرملة”.

الخطوة الثانية: يتم عرض أسعار المهور لكل حالة مقدمة.

الخطوة الثالثة: يتم إرسال صور الفتيات عبر تطبيق “واتساب” ثم تمسح الصور فوراً.

الخطوة الرابعة: إبداء القبول والتفاوض وتحديد الموعد لعقد القران.

زواج في الإجازة

تروي رحاب (20 سنة)، قصة زواجها الذي استمر أسبوعاً واحداً فقط، من شخص سعودي الجنسية أيضاً، وتم الطلاق عبر الهاتف، واكتشفت في ما بعد أنها وقعت ضحية “زواج المسيار”، وأن طالب الزواج كان يريدها لوقت إجازته فقط.

ويأتي “زواج المسيار” بحسب موقع “إسلام ويب” بطريقتين، الأولى: أن يتم عقد الزواج مستوفياً جميع أركانه، إلا أن الزوج يشترط في العقد إسقاط النفقة أو المسكن.

أما الطريقة الأخرى، فيشترط فيها الزوج عدم الالتزام بالمبيت، رغبة في إخفاء الأمر عن زوجته وأولاده، درءاً للمشكلات المحتملة منهم إذا علموا بذلك، وقد يظن البعض أن زواج المسيار زواج موقت بزمن، لكنه ليس كذلك، بل لو وُقت بفترة محددة لأصبح باطلاً لأنه والحالة هذه يكون متعة، كما حصل مع رحاب التي استمر زواجها أسبوعاً واحداً فقط.

تقول رحاب: “تزوجت من طريق خطابة في منطقة (أسنيورت) في مدينة اسطنبول وتدعى أم حسين، وطلب مني أن يكون الزواج بشكل سري، كنت أريد الستر والخروج من سكن البنات، وبالفعل تزوجت وبقي برفقتي لمدة أسبوع واحد، وبقينا على تواصل لمدة شهر حتى طلب مني تسليم الشقة التي أسكن فيها، كونها مستأجرة لمدة شهر واحد، ثم رمى يمين الطلاق عليّ عبر الهاتف، وقالي لي إنك حرة الآن، ودفعت لك حقوقك كاملة”.

رحاب لم تقبض مهر زواجها، والذهب الذي حصلت عليه “لم يكن حقيقياً ولا قيمة له”، وتابعت: “عندما حاولت التواصل مع الخطابة للاستفسار، كان جوابها (مالك عندي أي شي بس اذا بتحبي عندي عريس تاني بس بالسر)، حينها علِمت أن هذه السيدة تزوّج البنات لأيام وتقبض المهر بدلاً منهن، وتأخذ كامل أتعابها ولا تعطي الفتيات أي شيء، وبعد أن تتم العملية تعرض عليهن السكن مرة أخرى بالمجان، وتتكفل بكامل مصاريفهن، على أن تجري لهن عمليات لترقيع غشاء البكارة، بغية تزويجهم مرة ثانية، وهو ما لم أوافق عليه” كما تقول.

الوضع الذي وصلت إليه سمر ورحاب اليوم بات صعباً للغاية، لكن معدّ التحقيق تواصل بدوره مع الخطابة أم رحاب عبر الهاتف لعرض تفاصيل ما سردته سمر، لدى شرحها قصتها، لكن الأخيرة وفي الوقت الذي أكدت فيه امتلاكها ما يسمى “سكن للبنات”، نفت عملها “خطابة”، وأصرت على معرفة اسم الفتاة وكذلك عقد لقاء معها للحديث أكثر، وهو ما لا يمكن تنفيذه حفاظاً على سلامة سمر.

رحلة البحث عن “عروس”

لا يتطلب الحصول على أرقام “الخطابات” في تركيا عناءً كبيراً، بمجرد الكتابة في خانة البحث على محرك البحث “غوغل” (خطابات في تركيا) أو (الزواج من فتيات سوريات في تركيا) ستظهر لك روابط تكاد لا تنتهي على مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي لإعلانات من هذا النوع، مرفقة بأرقام هواتف “الخطابات”، وبعض منهن يعرضن مالديهن من “فتيات” تتضمن العمر والطول والوزن ولون الشعر والعيون وغيرها من البيانات التفصيلية.

ولمعرفة تفاصيل عملهن أكثر، تواصل معد التحقيق مع خطّابة تقيم في اسطنبول وتدعى أم قصي، عبر برنامج المحادثاث “واتساب” وقال إنه يرغب في الزواج من فتاة سورية.

وبالفعل ردت أم قصي على اتصاله، وبدأت بتقديم عروض الأسعار التي لديها، فكانت على الشكل التالي “الزواج من فتاة بكر بين 7 إلى 10 آلاف دولار إضافة إلى الذهب ويضع تحت خانة “لبس البدن”، أما المطلقة أو الأرملة فمهرها يتراوح بين 3 و6 آلاف دولار”.

سألنا أم قصي عن أتعابها، فكان جوابها “أخي تعبتي ألف دولار، وبس توافق ببعتلك صور البنات اللي عندي فوراً”، وفعلاً بعد القبول بشروطها أرسلت مجموعة صور لفتيات على أن يتم الزواج عبر “كتاب شيخ” فقط وليس في المحكمة، وقبلها بيوم يتم دفع مهر الفتاة وأتعاب الخطابة.

وبحسب علي وهو شاهد على عملية احتيال على صديقه الآتي من الخليج بحجة الزواج، فإن “الشبكات لا تتركز في مكانٍ واحد، فالأماكن يتغير سكانها وأرقام هواتفهم بعد كل عملية. وبعد أن يوافق العريس، تبدأ الترتيبات ويختفي جميع من قام بتزويجه في ليلة عرسه، ويتخلصون من أرقام هواتفهم المحمولة ويغادرون منازلهم المستأجرة من دون ترك أي أثر”.

ويعتبر الرجال الآتون من دول الخليج بمثابة “صيد ثمين” بالنسبة إلى الخطابات والشبكات التي يعملن فيها، ورصدنا حالات عدة لرسائل هاتفية تصل على الهواتف و”واتساب” من داخل السعودية، تفيد بوجود فتيات سوريات في تركيا يرغبن في الزواج، وما عليك سوى تحويل مبلغ لتجهيز العروس ومن ثم المجيء إلى تركيا لإتمام مراسم الزواج.

وتنبهت السلطات السعودية إلى هذا الموضوع الذي اعتبرته نوعاً من أنواع الاحتيال، وأطلقت في 2016 تحذيراً لمواطنيها من وجود مشبوهين في المدن التركية لاستدراج الراغبين في الزواج والاحتيال عليهم. وذكرت السفارة السعودية في تركيا في بيانها، “تود السفارة تنبيه المواطنين الكرام إلى وجود أشخاص مشبوهين يستخدمون وثائق وهويات سورية مزورة في المدن الحدودية التركية مع سوريا، يعملون على استدراج المواطنين الراغبين في الزواج، عبر إعلانات من طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ويقع المواطن عند حضوره ضحية نصب واحتيال من قبل هؤلاء المشبوهين”.

نصب على العرب والأتراك

للشاب شريف (30 سنة)، وهو مصري الجنسية مقيم في اسطنبول، قصة مشابهة أيضاً، فقد وقع ضحية “خطابة السوريات” كما يقول، لكن الجديد في حالته أن الفتاة التي عُرض عليه الزواج منها، هي في الأساس متزوجة، والنتيجة كانت خسارة نحو 10 آلاف دولار (نحو 6 ملايين ليرة سورية) كمهر ومصاريف الزواج، لينتهي زواجه في صبيحة اليوم الثاني، بعدما هربت “زوجته المفترضة” عقب سرقة “ما خف وزنه وغلا ثمنه”.

لم يستطع شريف إثبات واقعة عملية النصب والسرقة التي تعرض لها، لأن الشهود على عقد الزواج “العرفي” والذي تم خارج الدوائر الرسمية، ليسوا من طرفه، وكذلك الشيخ الذي كتب العقد الذي سرقته “زوجته المفترضة”، والآن ليس لديه أي إثبات قانوني سوى مجموعة محادثات عبر “واتساب”، لرقم لم يعد موجوداً، وغير مسجل أصلاً لدى شركة الاتصالات.

ولم تكن الجنسيات العربية فقط هي “الصيد الثمين” لتلك العصابات، بل أيضاً بعض المواطنين الأتراك، فالشهر الماضي، ضجت وسائل إعلام تركية، بخبر إلقاء القوات الأمنية القبض على “عصابة سورية” في ولاية قيصري بعد ورود شكوى تتضمن “وجود مجموعة من السوريين احتالوا على رجل تركي (51 سنة) لقاء 40 ألف ليرة، دفعها مهراً للزواج بفتاة سورية تبلغ 20 سنة، ومن ثم اختفت مع أهلها”.

وبعد التحقيقات مع العصابة المكونة من الأب (41 سنة) والفتاة (20 سنة)، والعمة (29 سنة)، بعد القبض عليهم في مدينة هاتاي التركية جنوب البلاد، اعترفوا بأنهم “قاموا بعمليات احتيال في 5 مدن تركية وبالطريقة ذاتها، وجنوا أكثر من مليوني ليرة تركية”.

–       ينص قانون العقوبات التركي في المادة رقم (301) على ما يلي:

1- الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات في حالات الاحتيال.

2- في حال الشخص صاحب الدعوى كان أجنبياً أي (لا يحمل الجنسية التركية)، يتوجب عليه إيداع مبلغ 1900 دولار في البنك كرسوم على القضية.

فتيات “ضمن الشبكة”

على الضفة الأخرى، وفي عملية البحث الميداني، قابل معد التحقيق عدداً من ضحايا شبان أغلبهم سوريون، وقعوا في شباك “خطابات الانترنت”، لكن الفتيات اللواتي يردن الزواج من هؤلاء الشبان كن جزءاً من عملية النصب هذه، على عكس فتيات أخريات كنّ ضحية خطّابات.

فالشاب محمد (28 سنة) من مدينة دير الزور، وقع ضحية عملية “نصب” كاملة الأوصاف خسر فيها 8 آلاف دولار أميركي (4 ملايين و800 ألف ليرة سورية)، ناهيك بأتعاب من توسطت له لإيجاد فتاة العمر، وهي “الخطّابة، إضافة إلى المصاريف الأخرى التي تعتبر بمثابة تحويشة عمره”، على حد قوله.. “فجأة ذهب كل شيء”.

عقد قران محمد غير الموثق في المحاكم المختصة، أي العرفي، والذي حصل معد التحقيق على نسخة منه، ينص على اتفاق الزوجين على مهر وقدره 10 آلاف ليرة تركية غير مقبوضة (1800 دولار)، وبدأت قصته بعد التواصل مع إحدى الخطّابات قبل نحو عام، للبحث عن “عروس” مناسبة، مقابل عائد مادي يتفقان عليه. وهو ما تكلل بالنجاح عندما وجدت الخطّابة له ما يريده، فجاء من محافظة أورفا التركية، أقصى الجنوب إلى اسطنبول لأخذ العروس والتي كانت (كما يقول) بصحبة أخيها والخطّابة وشيخ من أجل كتب عقد الزواج (الكتاب) عندما التقاهم أول مرة.

 دفع محمد للخطابة المبلغ كاملاً شاملاً المهر والمقدّم والمؤخّر والنفقات، وبلغت 8 آلاف دولار (44 ألف ليرة تركية).

تفاصيل “ليلة زفاف” محمد، كما رواها لمعد التحقيق، تمت بأقل من ساعتين بعدما كتب الشيخ العقد، يقول: “ذهبنا فطلبت أن نتناول العشاء في المطعم، وبعد نحو 15 دقيقة ذهبت إلى الحمام، اختفت بعدها وتبخر معها رقم هاتفها أيضاً”.

على حد قول محمد لم يرَ الفتاة سوى مرة واحدة، وهي عندما أرادا عقد القران، سرعان ما اختفت ولم يعد بإمكانه التواصل معها، ولا مع الخطابة الوسيطة وذهبت أمواله.

لم يكن باستطاعة معد التحقيق التواصل مع الفتاة، لأن رقم هاتفها أصبح خارج الخدمة، وهو ما حال بيننا وبين فهم السبب الذي جعلها تقدم على هذه العملية.

وثائق مزورة وطرق مبتكرة

لا تعتمد شبكات تزويج الفتيات على طريقة وحيدة للإيقاع بضحاياهم بل هناك أساليب جديدة، فطبّاع الذي يتابع قضايا متعلقة بعمليات النصب من خلال الخطّابات في تركيا، أكد أن لديه مجموعة من القضايا لخطابات قاموا بعمليات احتيال، خصوصاً على الرجال كبار السن من جنسيات عربية في مدينة اسطنبول”، مشيراً في السياق ذاته إلى أن “هذه القضايا ليست مجرد احتيال بسيط، إنما هناك عصابات مُنظّمة قوامها رجال ونساء بوثائق وهويات مزورة، وتختلف خططها تبعاً للضحايا”.

وسرد الطبّاع لمعد التحقيق ما حصل لقضية وُكل فيها منذ فترة، تتعلق بحالة نصب على شخص سعودي الجنسية يدعى (غ. م) ويبلغ من العمر 54 عاماً، بعدما تواصل مع خطابة تدعى أم محمد مقيمة في اسطنبول، من طريق إعلان منشور عبر “فيسبوك” للحصول على زوجة ثانية، إذ بلغت خسارته نحو 20 ألف دولار.

وكشف الطباع، “بعد توكيلي بالقضية واطلاعي على الوثائق من جوازات سفر وهويات وعقود استئجار وغيرها التي قدمت لموكلي تبيّن أن جميعها مزورة، حتى أرقام الهاتف التي تواصلوا من خلالها كانت من دون قيود، والقضية أمام المحاكم التركية الآن بانتظار التعرّف إلى الجناة”.

حل للحد من الظاهرة

للحد من هذه الظاهرة، لا بد من تشكيل جاليات ضمن مجتمع اللاجئين في دول اللجوء، ما يسهل عمليات التعارف والتواصل بينهم، إضافة إلى إقامة ندوات للتوعية على مخاطر الزواج بهذه الأساليب، وتوعية اللاجئات للحفاظ على حقوقهن في حالات الزواج والطلاق وغيرها من الأمور التي تمنع استغلالهن”، تقول فاطمة عبدالعزيز، مسؤولة الهيئة النسائية في مركز الكواكبي للعدالة الانتقالية وحقوق الانسان.

لكن هذا الطرح اليوم يبدو متأخراً جداً بالنسبة إلى سمر ورحاب اللتين تعملان هذه الأيام في مشغل للخياطة لتأمين قوت يومهما، وأصبح موضوع الزواج بالنسبة إليهنّ شيئاً ثانوياً ولن يحصل، في حين ينتظر موكل طباع حكم القضاء التركي في قضيته.

أنجز هذا التحقيق بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج

بدعم من منظمة Open Society Foundation

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى