سياسة

نموذج رامي الشاعر: روسيا تستمتع بصفع الأسد

لا تفوت موسكو فرصة للتعكير على “انتصارات” النظام السوري، وتذكيره بما تتكلفه للدفاع عنه دولياً. ورغم كل الأعطيات الاقتصادية التي يبذلها النظام لسادته الجدد في الكرملين ورجال أعمالهم، لا تجد موسكو غضاضة في توجيه رسائل منتقدة للنظام بصيغة مقالات صحافية “محايدة”، لتذكيره بسقف التبعية المرتفع المطلوب منه، أو مواجهة استحقاقات سياسية ضرورية قد تكون قاتلة له.

بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم، إلى موسكو، نشرت صحيفة “زافترا” الروسية مقالاً بعنوان “تجاهل دمشق للقرار 2254 لا يخدم مصالح الشعب السوري” للكاتب رامي الشاعر، سلّط فيه الضوء على “الجهود الروسية في مواجهة الأزمات عام 2019 والعراقيل التي وقفت وتقف في وجهها”.

زيارة المعلم، جاءت على ما يبدو لتقديم المزيد من التنازلات السيادية الإقتصادية لروسيا، التي تواصل تأمين التغطية الجوية واللوجستية البرية لمعارك مليشيات النظام في إدلب، بعدما استخدمت قبل أيام الفيتو للمرة الـ14 لاحباط قرار بتمديد التفويض الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية للسوريين عبر الحدود.

كما أن زيارة المعلم تأتي بعد أيّامٍ من دخول “قانون قيصر” الأميركي حيّز التنفيذ، ما يتوقع بدخول الشراكة السورية-الروسية بمعناها الاقتصادي في حيّز العقوبات الأميركية. وكان لافتاً حجم الرشوة التي قدمها المعلم للجانب الروسي، بالقول إنّ الرئيس بشار الأسد “اتّخذ قراراً حازماً بإعطاء الشركات الروسية الأولوية في سوريا”، لأنها “دون سواها، وبفضل قرار الرئيس فلاديمير بوتين، وقفت جنباً إلى جنب مع سوريا في الحرب ضد الإرهاب”.

وقال المعلم خلال لقائه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إنّ الهدف “من زيارته لروسيا هو الارتقاء بالتعاون التجاري والاقتصادي مع روسيا، إلى مستوى يقابل حجم التعاون السياسي العسكري بين البلدين”.

وفي مقابل تجاهل الوزير السوري، والخارجية السورية، للحديث عن “اللجنة الدستورية” و”التسوية السياسية”، أشار لافروف إلى أهمية البدء في “التسوية السياسية”، عبر الانخراط في أعمال “اللجنة الدستورية”، في حين راوغ المعلم، بالقول إن روسيا، بزعامة بوتين، “هي الضامن لوحدة وسيادة الأراضي السورية سواء بوجود القرار 2254 أو بدون وجوده”.

رامي الشاعر

ومن هذه النقطة، ركز رامي الشاعر، الديبلوماسي الروسي-الفلسطيني، انتقاده للنظام السوري، بالقول: “أريد الإشارة إلى تجاهل الرئيس بشار الاسد لقرار مجلس الأمن 2254، يشاركه في ذلك وزير خارجيته، بسلوكه الخارج عن الأعراف الدبلوماسية، خلال زيارته الاخيرة لموسكو، حينما تعمد تجاهل قرار مجلس الأمن وأهمية عمل اللجنة الدستورية وهذا دليل على ان القيادة السورية بعيدة كل البعد عن معرفة السياسة الخارجية لروسيا، المبنية على احترام جميع قرارات مجلس الأمن الدولي وأن التعاون الاقتصادي والعسكري اليوم مع سوريا يهدف الى مساعدتها لكي تخرج من العزلة والحصار الاقتصادي، والذي لا يمكن تحقيقه دون تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254”.

وتبدو مقالات الشاعر، مؤخراً، أشبه برسائل انزعاج روسية من النظام، في ظل ما يحكى عن صلات واسعة للشاعر بدوائر صنع القرار الروسية.

وأوضح الشاعر “أعود للقول، بأننا للأسف، سننتقل إلى عام 2020 الجديد ومعنا مشاكل عالقة، وأبرزها بالنسبة لعالمنا العربي هي: المشكلة السورية التي يتوقف حلها الآن على تنفيذ كل أطرافها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في ديسمبر عام 2015، وعلى نجاح عمل اللجنة الدستورية المناط بها وضع دستور جديد لسوريا، يراعي مصالح كل أطياف المجتمع السوري، ويتجاوب مع ما جدّ عليه من متغيرات ومستجدات على أرض الواقع. وكذلك المشكلة فقد صرح المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن، بأنه لا معنى لاجتماع اللجنة الدستورية المصغرة دون جدول أعمال، يحدد القضايا المطروحة للبحث والنقاش، فمن المعروف أن الجولة الثانية في جنيف قد فشلت في التمكن من إجراء لقاء مشترك للوفود السورية الثلاثة”.

وأضاف: “الغريب أنه بعد تصريح بيدرسن، في 20 ديسمبر، أثناء تقديم تقريره عن نتائج عمله أمام مجلس الأمن في الأمم المتحدة، لم تصدر أي تعليقات سورية رسمية أو غير رسمية، تمثل رد الفعل الرسمي وغير الرسمي، الأمر الذي يثير لدي استغراب، وكأن هذا يريح الجانبين الرسمي والمعارض، إلا أن ذلك يترك انطباعا لدى المراقبين بأن كلا الطرفين لا يسعيان إلى تحقيق أي تقدم تجاه البدء العملي في الوصول إلى التسوية السياسية المنشودة، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ما يعني استمرارا للأزمة بلا حل وإزدياد معاناة الشعب السوري”.

وأشار بوضوح “هنا أريد أن أؤكد أن المسؤولية عن ذلك تقع على عاتق الحكومة السورية، وعلى الرئيس بشار الأسد بالدرجة الأولى، لأنهما يمثلان الشرعية ومسؤولان عن مصير الشعب السوري. لذا كنت أتوقع منهما أن يبادرا فورا برفض أي تأجيل أو تسويف في العمل على التعجيل بتعديل الدستور، والسير في عملية تنفيذ القرار الدولي 2254، باعتباره الطريق الوحيد لإنقاذ سوريا وشعبها”.

وتابع: “والأكثر غرابة أيضاً تصريحات الرئيس السوري مؤخراً لقناة فينيكس الصينية حول إعادة إعمار سوريا، وقوله إن المشاريع الاستثمارية لإعادة البناء في سوريا هي عملية مربحة جدا، وليست عملية  قروض أو مساعدات بدون مقابل، مما يدفعني إلى تساؤل بهذا الصدد: هل تتوفر لدى الشعب السوري الإمكانية لشراء بيوت ومساكن بعد هذا الدمار، الذي دفع السكان إلى التشرد والجوع بعد فقدهم كل ممتلكاتهم؟”.

وأضاف: “اعتقد أنه كان من الأجدى للرئيس السوري استغلال أي لقاء مع وسائل الإعلام، لتوجيه مناشدة إلى المجتمع الدولي بأجمعه لتقديم العون والمساعدة للشعب السوري، بدلا من التفكير في الربح والعائد المجزي للشركات الأجنبية”.

ويبدو أن الشاعر، بات أشد حدة في انتقاده النظام السوري وعلاقته بالشركات الروسية ورجال الأعمال الروس المقربين من الكرملين. فقال: “كان من الأولى على مجلس الشعب ان يناقش خطة كيفية خروج سوريا من أزمتها الاقتصادية والسياسية والإصرار على البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بوصفه الطريق الوحيد لإنقاذ سوريا وتخفيف معاناة شعبها. وفي هذا الصدد أود التنويه بأن العديد من السوريين اتصلوا بي، ليسألوني: هل من المعقول في مثل هذا الوقت العصيب الذي يعاني فيه الشعب السوري من الجوع والحرمان والموت، أن يولى الاهتمام بهذا الموضوع الذي يخص شركتين روسيتين، تسعيان إلى الحصول على جزء من الكعكة السورية دون أي اهتمام بوضع شعبنا، فأجبت بحسرة بأن ما صدر عن مجلس الشعب السوري، هو محاولة لحرف الأنظار عن الفساد الذي يسود المؤسسة الرسمية السورية حاليا، والتي لا تريد أي تغيير ممكن أن يمس مصالحها وأن الوفد الروسي وصل الى دمشق لمناقشة العديد من المشاكل الحيوية للشعب السوري وللاقتصاد السوري، والإجراءات العملية الضرورية الواجب اتخاذها لإحراز تقدم نحو حل المشكلة السورية، وانتشال الاقتصاد السوري من أزمته ومشاكله الحادة، أما بشأن الشركتين اللتين جرى عنهما الحديث، فهما شركتان غير حكوميتين، تؤولان للقطاع الخاص الروسي والسوري على حد سواء، ولا علاقة لهما بالحكومة الروسية”.

فيتالي نعومكين

وكان لافتاً، صدور تعليق من أبرز المستشارين الروس المختصين بالملف السوري فيتالي نعومكين، في صحيفة “الشرق الأوسط” قبل أيام، حول رامي الشاعر. إذ تساءل نعومكين: “هل تعليق المحلل تعبير عن موقفه الشخصي أم رسالة من الكرملين وُجِّهت من خلاله؟”، ليجيب بالقول: “من غير المحتمل أن يتمكن أي شخص من تقديم إجابة دقيقة عن هذا السؤال. على أي حال، سيكون من الخطأ أن نرى وراء هذا نوعاً من التحذير الخفي حول احتمال ابتعاد موسكو عن موقف دمشق المتشدد: سياسة موسكو في دعم السلطة السورية ثابتة وغير قابلة للتغيير، هذا هو خطها الاستراتيجي. لكن موسكو تدعو باستمرار إلى المصالحة الوطنية من خلال حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة”.

وتابع: “رامي الشاعر، الذي يستشعر دائماً بدقة الحالة المزاجية في المجتمع الروسي وفي السلطة، حتى لو كانت هذه الإشارة صادرة منه شخصياً، يعكس فيها شيئاً من الكلل بين الروس، الذين خاب أملهم بسبب عدم إحراز أي تقدم حقيقي في المفاوضات. وإذا كانت هذه الإشارة من الأعلى، فمن الواضح أنها تعدّ دعوة للإصلاح”.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى