الناس

دستور ألف ليلة وليلة/ أحمد عمر

 أعلنت السيدة نسرين الحرب عضو اللجنة الدستورية في صفحتها على فيسبوك وحسابها في تويتر.. وهدّدت متوعّدة: اقتربَ الحساب يا حبّاب.

منشورات نسرين غاضبة، ساخطة، حاقدة، تغلي فيها الكلمات تحت نيران الثأر، وتتوعد فيها زوجها بالانتقام، لكنها لا تسمّيه، والجميع يعرفون الحكاية. قالت: إنها لو ظفرت به فستأكل كبده كما أكل الصقار قلب الرجل. تكتب نصوصها الجريحة بالإيحاء والإشارة، والإشارة واضحة، وكل التعليقات تواسيها وكأن نكبة قد حلّت بديارها، هي مستمرة في الوعيد، والجديد في ازدياد غضبها وتعاظمه هو أنَّ زوجها الذي أعلن عرسه، صار عضواً في اللجنة الدستورية التي ستحضر عرس الدستور السوري بعد تسع سنوات من الحرب على الشعب. فخصمها على أعتاب عرسين؛ عرس الحوريّة وعرس اللجنة الدستوريّة.

توعّدت قائلة إنها لن تدعه يمسح عارضيه ويكتب بجانب اسمه، أو على بروفايله، أو حين يظهر في الفضائيات عضو لجنة الدستور، وأقسمت لتحرمنَّه من شرف الزواج بحوريّة. لن تلدغ من جحرها مرتين.

البداية:

تزوّجت نسرين خصمها الحالي سربوط بعد قصة حب تجاوزت الطبقات، هي ليست طبقات بالمعنى الاجتماعي، فكلتا الأسرتين من الطبقة المتوسطة، وهي تسمية حديثة، وهي طبقات مال لا طبقات شرف، والمال يذهب ويعود لكن الشرف إذا ذهب يفوت، فحبيبها سربوط في أيام الزمن الجميل كان عاملاً لدى والدها في المستودع الكبير، وسيماً، مؤدّباً، يصرف له والدها بعض المكافآت، بل ويصله ببقايا الثياب الفائضة عن أولاده، وسربوط اسمه المكتسب في ألمانيا بعد شرائه مطعماً من تركي اسمه سربوط، فغلب عليه الاسم، وقد وقعت نسرين في حبّه، فاعترض والدها ثم ما لبث أن وافق، فالناس سواسية، كان الأب فقيراً في شبابه، مثل سربوط الذي كبر وصار عضواً في اللجنة الدستورية، سيحضر مع 149 عضواً  عرس الدستور، والمأذون هو بوتين، أبو الدستور الحالي، بيدرسن هو عم الدستور.

نزحت نسرين باكراً مع سربوط الذي تزوجته إلى المانيا، وافتتحت مطعماً للمأكولات الشامية، فيه لمسات أنثى، درَّ عليها وزوجها ثروة لا بأس بها، وأنجبت منه ثلاث بنات جميلات، وعاشت معه في تبات من غير سكر نبات، فالحياة مريرة، والأنام غضاب، والحبُّ يفسد بسرعة هذه الأيام في مواقع التواصل التي تحضُّ على التواصل غير الاجتماعي وتغري بالخيانة، استمر الحبُّ ما يقرب من عشرين سنة حتى اندلعت الثورة، وكانت في زيارة إلى سوريا، واعتقل زوجها بالغلط أو بالشبهة أو حسب الكنية، وكان الاعتقال في أول الثورة ملتبساً، والنظام محتاراً، بعض الجهات المختصة يعتقلُ ويقتل، وبعضها يفرجُ عن المعتقلين بعد عركة أذن، خرج بعد شهر وكتب بعض المنشورات على فيسبوك وصار بطلاً له آلاف المتابعين، ثم ما لبثوا أن تكاثروا، فسُرَّت نسرين من سربوطها، لكنه خذلها وتركها بعد أن صفَر أسته، فطلقها وأعلن عرسه على عروس تصغره ربع قرن، لقد تغيّرت أحوال الدنيا، وصار من طبقة أعلى من طبقتها بالمال والشرف أيضاً. فيسبوك يمنح الشرف هذه الأيام، بل ويدرُّ مالاً. الشرف كان أحمر اللون فصار أزرق. عادت إلى ألمانيا وتأخر زوجها، ثم هاهوذا يصدر على صفحته صوره مع عروسه الصغيرة الأميرة الحلوة، وهي تكاد تحترق مذبذبة ولا تجرؤ على العودة لا إلى مناطق المعارضة المحترقة ولا مناطق النظام التي تغدر بالعائدين.. فهناك خلط بين أعضاء الوطن، الحضن هو قفاه، وقفاه هو الحضن، ومن يضلل اللَّهُ فلن تجد له سبيلاً.

تشكو نسرين المكلومة إلى المعارف والمقربين من زوّار مطعمها في مدينة ماينز كبرى مدن أقليم رانيلاند خيانة زوجها، فيواسونها وينصحونها بالكتمان والصبر وتجنب نشر الفضائح، فهي تؤذي ولن تجدي، سربوط بطل إعلامي له متابعون، ما إن يظهر “مباشر” على صفحته حتى تتفجر عشرات القلوب الحمراء، مثل فقاقيع الصابون من فم الطفل اللعوب بمدفع الفقاقيع فيزداد غضبها، وتتوعد بالانتقام وتقول لن يكون اسمها نسرين إن لم تنزعه ليس مثل الشعرة من عجين اللجنة الدستورية التي ستدخل الفرن في الأيام القادمة، بل ستخلعه مثل البصلة من شعرها من تحت الطين.

وتدخل على حسابه بأسماء مستعارة أو باسمها وتشتمه، أو تعيّره بفقره أيام الشباب، أو تذكره ببناته الثلاث، وتضع أحياناً صورهن فيحذفها، على طريقة وليد المعلم الذي سخر من وزير خارجية أمريكا وقال: من بومبيو؟!

حكاية ثانية مقطورة بالحكاية الأولى:

في وسط مدينة ماينز مسرح هذه الأحداث قصة حبٍّ أخرى منكوبة ومعكوسة بين رجل لقبه خربوط وبين زوجته شيرين التي خانته، ولهما بنت وولد، وقد انتهت إلى نهاية حزينة، فخسر خربوط زوجته ومطعمه أيضاً، وهو مشرّد في الشوارع يدخن ويشرب ويشكو إلى العابرين السوريين الخارجين من المطعم نكبته. ضبط زوجته تخونه بالجرم المشهود مع أعزِّ أصدقائه، وبدأ مثل نسرين حرباً ضد طليقته على فيسبوك، يسدِّد فيها لزوجته شتائم فاحشة كالتي يطلقها السوقة، ويكشف أسراراً عائلية وزوجية، ويذكر فضائح جنسية، منها أنه كان يتغشاها في الأسبوع مرتين، وهذا يروي نهم كل أنثى، ويصفها بالعاهرة وصفات أخرى تمنعها قواعد النشر الصحفي. وخربوط اسمه الجديد، وسيأتي سبب هذه التسمية بعد قليل. القضاء الألماني يقف مع المرأة، ظالمة أو مظلومة، وقد حكم لها بالمطعم وولاية الولدين فخرج من المولد بلا حمص أو فلافل.

باتت نسرين في الآونة الأخيرة تدخِّن كثيراً وتنفخ النار من منخريها، فنحتار هل الدخان من إثر حريق التبغ أو من إثر حريق في جوفها، ونحن نجتمع في مطعمها مرة واحدة في الشهر ونولم وليمة، وهي تولينا عناية خاصة، وتجلس معنا وتشكو سربوطها الخائن، فنحاول مواساتها، قالت لنا إنها مطلّقة ولم يعد لها شأن بزوجها، وإن الزواج حق شرعي في الدين والدنيا أو في الدين والمدنية، وقد ترك طليقها ألمانيا وجنسيتها وعاد إلى حضن الوطن ويعيش في مناطق النظام، وسيمثل العريس المجتمع المدني في اللجنة الدستورية.

فتقول: يتزوج، لا مانع إلى جهنم الحمراء. لكنكم تنسون أيها السادة أنَّ العروس هي أختي. وهي صغيرة وغرّة.

هذه أولى المفاجآت!

نسأل: ألم تحاولي هداية أختك ونصحها؟

قالت: أختي صغيرة وحمقاء، وهي أخت نسب ودم لا أخت معشر وصحبة، تركتها وهي طفلة ولا تكاد تعرفني، ولا دالة لي عليها،فهي أخوة ناقصة، وقد أغرمت به وبلايكاته الكثيرة، ولم تنفع كل نصائحي لها وقد بلكتني وحجزتني. ولا كبير في العائلة بعد أن مات الوالدان وتفرق الأهل في القارات السبع.

نقول لها: الشرع يبيح الزواج بأخت الزوج بالطلاق، أما اليهود فيجيزون الجمع بين الأختين تحت سقف الوطن.

فتسكت، وتقول إنها تستطيع أن تدمّره بما لديها من صور وأفلام، صوّرته بمكر النساء في مخدعه، وأسرّت لي النجوى مرة أنه لم يبق لها سوى طريقة واحدة في تدميره وهي أن تنفذ تهديدها له بكشف الصور مع عاهراته الكثيرات على صفحتها، فنصحتها بأن تعقل، فبناتها سيتضرّرن، وقد يحذف فيسبوك الصور ببلاغات متابعيه.

قالت إنها قابلت غير بيدرسن نفسه، رابع مبعوثي الأمم المتحدة إلى سوريا لتحطيمها، وأخفقت محاولاتها في إسقاط اسمه من اللجنة. روت لي أنها ذهبت إلى جنيف وترصدته على طريق مكتبه، انتظرته كما كانت أم الطبيب البريطاني عباس خان تنتظر بثينة شعبان، حتى استطاعت مقابلتها وردّت عليها ذلك الرد. وسكتت ونفخت دخانها الذي لا نعرف هل هو دخان التبغ أم دخان الكبد، وقالت: فاجأني بيدرسن الذي أريته صور زوجي وهو يفحش بالنساء على سريري وفي بيتي بقوله إنّ هذا شأن شخصي، وذكر أن سربوط أبرز عضو في اللجنة الدستورية وله فلورز، ونصحني بعدم نشر الصور، نشري لهذه الصور له مضاعفات قانونية. وهي إساءة وطنية لدستور الوطن القادم.

 كنت أريد أن أسألها عن خربوط الذي فقد كل شيء وهو لقب أطلقناه عليه بعد أن تخربط، وفقد نصف عقله، وأن أختها شيرين زوجة خربوط فعلت بزوجها ما فعل سربوط بها فقالت: لا أعرف ما بينهما، وقد استخلعت من زوجها، وصاحبت عشيقها، وخربوط ضحية أختي الفاجرة.

حكاية ثالثة مقطورة بالأولى والثانية:

 مطعم أختها قريب، ونراها أحياناً مع عشيقها زعبوط، وهو لقب أطلقناه عليه، من أجل التجانس الذي يحبّه الأسد في المجتمع ونحبّه في الحكاية ويشاع أنهما سيتزوجان، لكنه حالياً بوي فريند.

تعجب الصحب على المائدة من تصاريف الأقدار التي جمعت هذه المقادير فسربوط وخربوط أخوان ومتسالفان ونسرين وشيرين أختان ومتسالفتان، وتمنى بعضنا لو يجدّد فراشه كما جدده سربوط من تلك الأميرة الصغيرة، بل إنَّ أحدهم دخل على صفحة سربوط ووضع له قلباً أحمر، قلت لصحبي: هذه توافقية (متتالية رياضية) عاطفية معروفة، فقد وقع أمر مشابه للأعشى ولم يكن عضواً في أي لجنة دستورية، وقال:

عُـلّـقْـتُـهَـا عَـرَضـاً، وَعُـلِّـقَـتْ رَجُــلاً / فَـــاجــتَـمَـعَ الـحُــبّ حُــبّ كُــلُّــهُ تَــبِلُ

فَـكُـلّـنَـا مُـغْـرَمٌ يَــهْــذِي بِــصَــاحِــبِــهِ / نَـــاءٍ وَدَانٍ، وَمَــحْــبُــولٌ وَمُــحْــتَــبِلُ

 وشرحت: يجوز كلاهما: مخبول ومختبل، أو محبول ومحتبل، أي واقع في الحبائل والفخ. ومعنى تبل أي ذهب عقله. وقد ذهب عقل زعبوط.

 قلنا لها: هوّني عليك فاللجنة مضروبة، وستُلعن من الطرفين لعناً كبيراً.

اقترح عليها أحد أصحابي مرة: لمَ لا تتزوجين خربوط، فتردّين لسربوط الصاع صاعاً، هو تزوج أختك وأنت تتزوجين أخاه وتنتهي المعركة سجالاً بينكما.

فسكتت، فأختها حوريّة عروس صغيرة، بينما كبرت في السنِّ ولم يعد يطمع بها أحد، فهي على أعتاب الستين، وخربوط خسر نصف عقله من الصدمة، وهو نادم لأنه لم يفعل مثل أبو مروان الذي قتل زوجته لأسباب أقلَّ من الخيانة الزوجية، وهي تخشاه، وطلبت من الشرطة طرده من أمام المطعم الذي يخافر على بابه كل يوم، بل إنها تخشى أن تتضاعف الخسارة.

 فوائد الحكايات الثلاث:

أولى الفوائد هي العظة والعبرة يا أولي الألباب، ومن العبر أن سربوط فاز بالعروس والعضوية الدستورية لكنه خسر أخوه، وإن نسرين خسرت أختها لكنها كسبت المطعم والولاية على البنات، بينما خسر خربوط كل شيء.

الثانية إن اللجنة الدستورية مليئة بالزعابيط والصبابيط والسرابيط وكان يمكن أن نصحف الكلمة الأخيرة إلى كلمة أخرى لوصف هؤلاء السرابيط لولا قواعد النشر الصحافي.

الثالثة إن الألقاب أغنتنا عن ذكر الأسماء الحقيقية لأبطال الحكايات وهم من لحم ودم ودولارات وشهوات.

  الرابعة تأويل وهي أنّ:

قسمة النظام في الدستور الجديد، يمثلها سربوط الذي تزوج الكبيرة ثم غرّر بالصغيرة.

قسمة المعارضة، يمثلها خربوط الذي فقد عقله وتخربط خربطة.

قسمة المجتمع المدني، يمثلها زعبوط، الذي يعيش مع الحلوة الثانية مساكنة هانئة.

وهناك فوائد أخرى ذكرها يطول أهمها. ذهاب الأخلاق قوام قيام الأمم برأي أحمد شوقي.

قلت لنسرين: قرأت بعض منشوراتك، ورأيت فيها حبّاً قديماً يلوح خلال عبارات الوعيد. ويبدو أنه يحبّك فقد تزوج أختك لأنها تشبهك. إنه يريدك على الصورة القديمة التي أحبّك عليها، أنت تحنّين له يا سيدتي القطة، والقطة تحبّ خنّاقها.

 فلم تقلْ شيئاً.

ما زلنا نراها تدخن بشراهة كلما زرنا مطعمها، كأنَّ الدخان يصدر عن كبدها وليس عن سيكارتها، وتوصلنا إلى الخلاصة التالية: بأن سربوط قد فاز بحصة الأسد، وأنَّ الأسد بعد أن دمّر سوريا سيجدّد فراشه الدستوري، وأنَّ الأقسام الثلاثة المشاركة في صياغة الدستور شربوطية وخربوطية وزعبوطية هي كائنات بوطية، جاءت من البوط وإليه تعود، وهي أهم الفوائد من الحكايات الثلاث.

  المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى