سياسة

عن الوضع شرق الفرات -مقالات مختارة-

حكاية روحاني وإردوغان بين الأقوال والأفعال!/ أكرم البني

يستغرب المرء ويتعجب مرتين وهو يتابع أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ المرة الأولى، من ذاك الحضور الكثيف لرؤساء دول العالم وزعمائه، مع أن غالبيتهم تدرك، صورية هذه المنظمة الأممية والواقع المأزوم الذي تعيشه اليوم، وأنه لا ينتظر من دوراتها الروتينية منفعة أو مردود.

المرة الثانية، من روح التحدي التي أظهرها بعض الزعماء المأزومين، بأصابعهم الاتهامية وأصواتهم المرتفعة، خاصة عند المرتكبين منهم، وكأنهم يراهنون على صراخهم، في ردم هوة التناقض بين أفعالهم المشينة ضد شعوبهم وتجاه الاستقرار الدولي وبين ما يقولونه ويدعونه.

وإذا تجاهلنا مواقف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تمتلك حق الفيتو، والقدرة على التحكم بالصراعات والنزاعات الإقليمية، وغالباً، على حساب الشعوب الضعيفة، وتجاهلنا أيضاً الحضور الهزيل لممثل النظام السوري، الذي بدا كأنه «لا يهش ولا ينش» في حضرة الأطراف التي مكنته من الاستمرار في الحكم، فلا يمكن أن نغفل الحضور المستفز للرئيسين الإيراني والتركي، وتنافس خطابيهما في الادعاء والسخرية عملياً من الأهداف والمواثيق التي نشأت المنظمة الأممية على أساسها.

بداية، لا نعرف إذا كان الرئيس حسن روحاني الذي نادى من على منبر الأمم المتحدة «بحل نهائي للسلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط عبر خياري الديمقراطية بالداخل والدبلوماسية بالخارج»، ودعا لبناء «تحالف من أجل الأمل والسلام يرتكز على مبدأين أساسيين هما عدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية»… لا نعرف إذا كان يوافق، وهو «الإصلاحي» المتمرس، على ما يراه الجميع بأن بنية نظامه الديني المغلقة وتراتبية مؤسساته تتناقضان مع أبسط مبادئ الديمقراطية، فكيف الحال مع التغييب المزمن للرأي الآخر، وقمع حرية التعبير، وتواتر موجات اعتقال طالت عشرات الألوف من المتظاهرين الرافضين لاستمرار التسلط والفساد، وسجن نساء إيرانيات لمدد طويلة بسبب اعتراضهن على قيود تخص أغطية الرأس والملابس وتزويج الأطفال، كما ليس حدثاً عابراً لجوء شابة إيرانية مؤخراً لإحراق نفسها خوفاً من زجها في سجن ظالم بعد أن غامرت وخرقت الحظر على النساء وحضرت مباراة لفريقها في كرة القدم!

ونسأل، من هو الطرف الذي لم يتلكأ للحظة منذ إعلان جمهوريته الإسلامية، عن التغلغل في مجتمعات الآخرين والتدخل في شؤونها؟ من الذي يفتنه منطق القوة والغلبة، ودأب على تسعير الحروب ورفض الحوار والتسوية إلا من موقع المسيطر والمهيمن؟ ومن صاحب المشروع المذهبي الذي خلق أذرعاً وميليشيا عسكرية حيث وجد الفرصة لتصدير «ثورته» وتوسيع نفوذه الخارجي؟ ولعل نظرة سريعة لما حل بالعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وما يكابدونه، تجيب عن هذا السؤال.

واستدراكاً، لم يأتِ الرئيس الإيراني إلى اجتماعات الأمم المتحدة من أجل الأمل والسلام، بل كي يؤكد أن بلاده لا تزال قوية وقادرة على التخريب والأذى، وأن تهديداته بإغلاق مضيق هرمز والتحكم بخطوط إمداد العالم بالطاقة يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأنه ليس نهاية المطاف تخريب ناقلات نفط واحتجاز أخرى، أو القصف الذي تعرضت له منشأتا نفط في السعودية.

وفي المقابل، ماذا يمكن أن يقال لإردوغان حين يدعو «للحرية والرخاء والعدالة، ولمستقبل سلمي وآمن للجميع، ويغمز إلى الأخطار التي تهدد السلام العالمي بصعود الاتجاهات العنصرية وكراهية الأجانب والتمييز»، وهو الذي يحض قواته العسكرية على التهام مزيد من الأراضي السورية، ولا يتردد في تقديم الدعم لمختلف الجماعات الإسلاموية المتشددة وتوظيفها ضد الأكراد ولتوسيع دوره في سوريا وليبيا وغيرهما؟ ماذا يمكن أن يقال لمن يدعو للحرية عندما يزج مئات الألوف من معارضيه في السجون بذريعة محاولة الانقلاب الفاشلة ضده، ويقمع بشدة كل صوت ينتقده، أو حين يأبى تحقيق أبسط شروط المساواة بين مكونات المجتمع التركي، مصعداً تمييزه واضطهاده للأكراد بصفتهم عدوه الرئيسي، إنْ في بلاده أو في بلدان الجوار؟ وماذا يمكن أن يقال عن إنسانيته وعدالته، حين يستثمر قضية اللاجئين السوريين بأسوأ الأشكال، ويستغل أنينهم وعذاباتهم لابتزاز الغرب.

واستدراكاً، لم يأتِ إردوغان إلى الأمم المتحدة ليدافع عن العدالة والمساواة، بل كي يلعب بورقة اللاجئين السوريين، ففتح قاصداً بعض بوابات عبورهم إلى أوروبا، لتغص بهم الجزر اليونانية، قبل أيام قليلة من «خطابه التاريخي» ما مكنه من مطالبة أميركا وأوروبا بمنحه 27 مليار دولار لإقامة مستوطنات للاجئين، تمنعهم من التوجه غرباً.

والحال، ما كان لروحاني وإردوغان أن يدبجا هذا النوع من الخطابات المدعية، لولا العماء الآيديولوجي المشترك بينهما، الذي لا يقيم اعتباراً لحقوق البشر ولأولوية صيانة حيواتهم وكراماتهم، والأهم لولا وجود مناخ عالمي مواتٍ، مع تقدم التيارات الشعبوية في الكثير من البلدان، وتنامي نفوذ جماعات يمينية متطرفة تحكمها مصالحها الضيقة وروح الاستئثار والأنانية، التي ما دامت تتغنى بخصوصيتها وفرادتها، فلا تعنيها الروح التوافقية العالمية لإدارة هذا الكوكب بصورة مفيدة للجميع، وتالياً مع العجز عن نشر ثقافة أممية تحمي فكرة المواطنة وحقوق الإنسان، ربطاً بتصاعد الأزمات الاقتصادية في مختلف المجتمعات، ما أضعف، وإنْ بدرجات مختلفة، إمكانياتها الذاتية في تقديم المزيد لمصلحة خير الإنسانية جمعاء، وربطاً بالتأثير اللافت لسياسة الإحجام والانكفاء لدى القيادة الأميركية، بصفتها القوة الأعظم، وميلها للاهتمام بقضايا الداخل بعد وصول ترمب إلى الحكم، كرد فعل على النتائج المخيبة للآمال التي نجمت عن السياسة التدخلية الخارجية النشطة.

وأخيراً نسأل، ألا يصح إدراج مشهد الرئيسين، روحاني وإردوغان، ضمن لوحة تضم قرار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، والدعوات الإسرائيلية لإقامة دولة يهودية تخرج الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين منها، وظواهر استعار الصراعات الدينية والقبلية والمذهبية لأتفه الأسباب في غير مكان، وضيق الصدر من التعايش مع الآخر المختلف؟ ولنقل إدراجها ضمن سياق العودة إلى الرغبة القديمة التي شاعت لعقود، بتفضيل الأمن والاستقرار على التغيير الديمقراطي واحترام الكرامة الإنسانية، ما مكن أنظمة الاستبداد من استعادة زمام المبادرة للتفرد في الحكم، وإقصاء التعددية والتنوع والرأي الآخر، وفرض ما يتفق مع تسلطها وفسادها من نمط حياة على شعوبها؟!

الشرق الأوسط

أردوغان في سوريا بانتظار القرار الأمريكي../ سميرة المسالمة

منذ عامين والتهديدات التركية ما إن تغفو على يد التصريحات الأميركية المواجهة لها حتى تعود لتصحو في خطابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلما ضاقت به الحال داخلياً وخارجياً، ويعلن اعتزامه أخذ زمام المبادرة لإقامة منطقة آمنة على امتداد حدود تركيا مع سوريا، في منطقة شرق الفرات، عبر الدخول العسكري المباشر إليها، بوصف ذلك ضرورة لا بد منها لحماية الأمن القومي، وللحؤول دون وجود منطقة كردية متواصلة على حدودها الجنوبية، بل إنه في الأشهر الماضية تعمد عرض الحشود العسكرية، في تلك المنطقة، لتأكيد سعيه تحويل الحديث إلى واقع عملي.

بيد أن الغريب في هذا الأمر أن ذلك لم يحدث، حتى الآن، ما يطرح علامات الشكّ أو التساؤل، عما إذا كانت تركيا جادة حقا في ما تقوله، أو أن التهديدات هي لفتح باب المساومات بين روسيا وتركيا من جهة، وبين تركيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية، وبين روسيا وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جهة لم تحسب لها تركيا أي حساب بأن تخرج من “المولد بلا حمص وهنا يصح القول بلا إدلب ” ما يوحي أن المعركة محض إعلان للعب على وتر التباين بين الأطراف الخارجية المنخرطة في الصراع السوري لانتزاع مزيد من التنازلات لصالحها، والمقصود هنا على وجه التحديد الولايات المتحدة من جهة وروسيا من الجهة الأخرى، مع التأكيد أنها جادة في نيتها وأقوالها، لكن المشكلة تكمن في ضرورة التمييز بين الضرورة النظرية، والترجمة العملية.

وتفسير ما تقدم، بصورة أوضح، فإن تركيا، سواء في ترددها أو في تصميمها، إنما تأخذ في حسبانها السياسة الأمريكية في ملف سوريا، سيما أن الإدارة الأمريكية أكدت تصميمها، أكثر من مرة، وفي أكثر من واقعة، على الحؤول دون وجود أي قوة عسكرية أخرى في منطقة شرق الفرات التي تشكّل ثلث مساحة سوريا تقريبا، ويشمل ذلك القوات الروسية والإيرانية، بل إنها بدت مصممة على تقديم الحماية والرعاية لقوات سوريا الديمقراطية، وهي الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي ـ السوري)، الأمر الذي فهمت تركيا منه أنه يشملها، ما أدى إلى بروز نوع من توتر في العلاقة الأمريكية ـ التركية.

في أي حال فإن تركيا على الرغم من الاضطراب الحاصل في علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلا إنها لم تتراجع عن تصريحاتها تلك، بل تطلق مزيدا منها، لكنها على الرغم من ذلك لم تأخذ خطوة عملية، تترجم تلك التصريحات، وعوض ذلك فإن تركيا اكتفت بالتوافق الحاصل مع الولايات المتحدة مؤخرا، كما شهدنا، بخصوص إقامة غرفة عمليات مشتركية، أمريكية ـ تركية، مع محاولاتها الدؤوبة تسويق تلك “الغرفة” وكأنها تمهيد لإقامة المنطقة الآمنة التي ترغب في إقامتها منذ زمن، في حين إن الإدارة الأمريكية أكدت مراراً بأن الأمر لا يتعلق بمنطقة آمنة لتركيا، بقدر ما يتعلق بإقامة نوع من “ممر آمن”، أو “حزام أمن”، يحول دون احتكاك تركيا بالقوات الكردية، وذلك بالتنسيق مع القوات الأمريكية، وليس من دونها.

السؤال الآن: لماذا يتحدث اردوغان ولا يفعل ما يتحدث عنه إذاً؟ وتفسير ذلك ربما أن الرئيس التركي يدرك بأن بلاده أضحت في منطقة تقاطع نيران، بين أمريكا وروسيا وإيران، وأنه يحاول أن يفرض دوراً متميزاً لتركيا في وضع إقليمي ودولي بالغ التعقيد والخطورة، وفي منطقة صعبة ورخوة، بيد أنه في الوقت نفسه، لا يريد ان يترك تلك المنطقة، أو أن يتخلى عن ذلك الدور، كما لا يريد المغامرة بالتورط فيها، ‪‎سيما أن وضعه الداخلي بات صعبا، أكثر من ذي قبل، ‪‎وسيما أن روسيا لا تفيه ما يريده في منطقة ادلب.

ومشكلة الرئيس اردوغان، بين هذا وذاك، أنه لا يستطيع تجاهل احتمال تشكل كيان كردي على حدوده الجنوبية، مع علمنا أنه خاض حملتين عسكريتين لمنع ذلك بالقوة، في عام٢٠١٦ في ريف حلب الشمالي في عملية “درع الفرات” وفي عام 2018 في عفرين في عملية “غصن الزيتون”)، مع التذكير بأنه وقف ضد استفتاء في كردستان العراق قضى بانفصال الإقليم أو استقلاله، قبل عامين (سبتمبر 2017)، على الرغم من العلاقات الممتازة والمتميزة التي كانت تربطه بالرئيس مسعود البرزاني.

أيضا، ثمة هواجس تركية من السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة، سواء تجاه تركيا، أم في المنطقة، ويأتي في المركز من ذلك دعمها للأكراد، قوات سوريا الديمقراطية التي ترى فيهم تركيا امتدادا لحزب الـ بي كي كي (حزب العمال الكردي التركي)، الذي تعده منظمة إرهابية، وحالة تهدد الأمن القومي لتركيا. وفي المقابل فإن اردوغان لا يستطيع وضع كل البيض في السلة الروسية، لأنه لا يطمئن لروسيا، ولا لاحتمال توافقها مع الولايات المتحدة، وذلك يفسر أيضا عدم حسمه الموقف من جبهة النصرة من الناحية العملية إذ ربما يعده ورقة لتعزيز أجندته في الصراع السوري، أي ورقة يمكن اللعب بها إلى حين أوان الحسم معها.

سنظل نسمع تصريحات تركية بشأن المنطقة الآمنة، لكن الأمر لن يخرج عن ذلك بانتظار حصول تطورات أو تموضعات أخرى في الصراع السوري تسمح لأردوغان أن يكون في سوريا حقاً ولكن بموافقة أميركية وصمت روسي أو العكس بينهما.

بروكار برس

شرق الفرات: منطقة آمنة متصلة أم ثلاث منفصلة؟/ منهل باريش

جالت الدورية العسكرية الأمريكية التركية في ريف الرقة الشمالي الجمعة للمرة الثالثة على التوالي منذ توصل البلدين لاتفاق “المنطقة الأمنية” في 7 آب (أغسطس) الماضي، والمتعلق بإبعاد مقاتلي وحدات “الحماية” الكردية من جوار الحدود مع تركيا والتخفيف من المخاوف التركية. وأخذت الدورية المشتركة من منطقة شرق تل أبيض خط سير لها، بدون الدخول إلى أي من القرى أو البلدات هناك. ورافقت طائرات مسيرة بدون طيار الدورية المشتركة في جولتها.

بالتزامن مع ذلك، قالت وزارة الدفاع التركية في بيان لها الجمعة، إن وزير الدفاع خلوصي أكار أجرى اتصالاً هاتفياً مع زير الخارجية الأمريكية مارك اسبير أعرب فيه رفض “قيام ممر إرهابي قرب حدودنا”. وأوضح البيان “ضرورة وقف دعم واشنطن لتنظيم بي كاكا/ب ي د /ب ك ك الإرهابي وامداده بالسلاح والذخيرة”. وشدد أكار على “عزم تركيا إنشاء منطقة آمنة شرقي الفرات، تكون خالية من الإرهابيين والأسلحة الثقيلة على عمق 30 كم على طول الحدود التركية”.

وأعرب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الثلاثاء عن انزعاجه من تطبيق الاتفاق مع أمريكا شرقي الفرات ملوحاً بعملية عسكرية قريبة للغاية “لم يعد بمقدورنا الإنتظار ولو ليوم واحد، وليس لدينا خيار سوى الاستمرار في طريقنا”.

وكان اردوغان عرض في كلمته، أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة، في 24 أيلول (سبتمبر) الماضي، رؤية تركيا للمنطقة الآمنة، والتي تمتد 480 كيلومترا على طول الحدود مع سوريا. مشيرا إلى أن المنطقة الآمنة التي اقترحتها بلاده شرقي الفرات قادرة على استيعاب نحو 3 ملايين سوري، بحيث يكون عمقها 30 كيلومترا من شمال وشمال شرق سوريا، وتضم مدن جرابلس ومنبج وعين العرب (كوباني) وتل أبيض وسلوك ورأس العين والدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية.

وتطمح أنقرة حسب عرض اردوغان إلى توسيع المنطقة لتشمل كل الأراضي الواقعة شمال طريق حلب – القامشلي وصولا إلى معبر ربيعة الحدودي مع العراق (M4)   الذي يربط غرب سوريا بشرقها، وتضمن من خلال ذلك، تعطيل الفعاليات العسكرية للوحدات الكردية التي تستخدم هذا الطريق لنقل الأسلحة والمواد اللوجستية حسب الاتهامات التركية.

وأكد المبعوث الأمريكي جيمس جيفري أن الاتفاق العسكري مع تركيا له جوانب سياسية، وقال في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك الأسبوع الماضي “نعمل بقدر الإمكان على تطبيق الاتفاق العسكري بصدق وبشكل سريع”.

ولفت إلى استعداده “مناقشة عودة اللاجئين” مع أنقرة، محذراً “لقد أوضحنا أنّ أي عملية عسكرية تركية أحادية، لن تحسن الوضع الأمني لأي طرف”.

وأوضح أن العمل مركز على التفاصيل واتفقنا على العديد من القضايا العسكرية “رافضا” الحديث عن عمق المنطقة الآمنة “لأننا بحثنا فقط (مع تركيا) ثلث المنطقة شمال شرق سوريا، ثمة عمق متفاوت يرتبط بتراجع ي ب ك وسحب الأسلحة الثقيلة، والدوريات المشتركة والطلعات الجوية الأمريكية التركية”.

وفسر مصدر مقرب من فريق جيفري لـ”القدس العربي” الكلام أعلاه حول المنطقة الأمنية أو الآمنة، بغض النظر عن اسمها، أنها “منطقة متقطعة غير متصلة من ناحية الطول” وطولها ليس 480 كيلومترا كما يشتهي الأتراك، وهو ما يعني أن واشنطن وافقت على ثلاث مناطق حدودية تبلغ الكثافة الكردية ذروتها فيها، وتخفف من ريبة تركيا في آن، وهي منطقة آ، تمتد من عين العرب كوباني إلى شرق تل أبيض، منطقة ب، تشمل الدرباسية وعامودا ومنطقة ج تقع شرق القامشلي، شمال المالكية قرب المثلث الحدودي التركي السوري العراقي.

ويوحي غموض تصريح المبعوث الأمريكي والمعلومات السابقة أن عمق المنطقة هو 6 كيلومترات فقط، على أن لا تدخل الدوريات المشتركة إلى القرى والبلدات. وتتعهد واشنطن بإخراج عناصر وحدات “حماية الشعب” الكردية منها وهذا ما لن يرضي أنقرة بطبيعة الحال والتي ستواصل الضغط بشتى الطرق. سواء بالتهديد بعملية عسكرية في كل وقت، كما تفعل الآن أو من خلال استخدام قضية “عودة اللاجئين” كما أشار اردوغان في خطاب الأمم المتحدة.

في السياق، نقل تلفزيون “تي أر تي خبر” الحكومي وجود مسودة خطة تركية بهدف توطين مليون لاجئ سوري في المنطقة الآمنة شرق سوريا وتتضمن الخطة بناء 140 قرية تتسع كل منها لخمسة آلاف شخص وعشر بلدات تتسع كل منها لـ 30 ألف شخص، على أن تخدم القرى المزمع بناؤها بمدارس ومراكز رعاية وأخرى شبابية ومساجد وملاعب كرة قدم ومرافق  اجتماعية متنوعة، وتصل مساحة البيت الواحد إلى 100 متر مربع وستصل كلفة المشروع إلى 27 مليار دولار أمريكي تدعمها صناديق تمويل أجنبية، لم يحددها الخبر، فيما لم تذكر المحطة الرسمية إن كانت تركيا طرحت المشروع على أي من الدول الأوروبية المعنية بمساعدة تركيا في ملف اللاجئين.

ومن الواضح أن أنقرة تدير ملف شرق الفرات بذكاء وبراغماتية شديدين، فقد وافقت على وضع قدمها في شرق الفرات ولو من خلال تسيير الدوريات المشتركة وهي جزء من المرحلة الأولى وأعادت التنسيق العسكري مع واشنطن بعد انقطاعه فترة طويلة من الزمن وجعلته بوابة ضغط دائم عليها تسعى من خلاله إلى توسيع مكاسبها من داخل الحدود السورية وليس من خلف الجدار الأمني الذي بنته سابقاً.

كل ذلك يحصل في ظل تهديدها بحرب دائمة في شرق الفرات، بهدف إجبار واشنطن على تقديم التنازلات. وتدرك الأخيرة أن أنقرة التي قبلت الدخول في تلك اللعبة لن تنجر لعملية عسكرية مطلقاً. فيما يبقى عدد لا بأس به من السوريين ينتظرون بدء الحرب هناك، أغلبهم من أبناء دير الزور والرقة ومنبج الذين اشتاقت بنادقهم لإطلاق الرصاص وهم جالسون في منطقة “درع الفرات” التي خمدت جبهات قتالها مع النظام بشكل نهائي.

القدس العربي

تركيا وشرقي الفرات مرة أخرى/ بكر صدقي

كان لافتاً أن يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الحديث عن عزم تركيا على «اقتلاع شوكها بيديها» والقيام بعملية عسكرية شرقي نهر الفرات، بعد عودته من نيويورك حيث شارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعدما فشل في ترتيب اجتماع، على هامشها، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وسبق لأردوغان أن وضع مهلة، إلى نهاية شهر أيلول، لتراعي واشنطن هواجس تركيا الأمنية، وإلا القيام بعمل منفرد.

فجميع التحليلات السياسية متفقة على استحالة قيام تركيا بخطوة عسكرية منفردة، هناك، بدون التنسيق مع واشنطن التي لديها، في المنطقة، 18 قاعدة عسكرية وأكثر من ألف جندي، وبخاصة بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن إنشاء «منطقة آمنة» وبدآ بتنفيذها من خلال تسيير دوريات مشتركة وطلعات جوية مشتركة، ومركز قيادة عمليات أقاماه، لهذا الغرض، في مدينة أورفة القريبة من الحدود السورية.

لكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه، في أنقرة، بعد مفاوضات طويلة، لم يرض القيادة التركية التي صعّدت من انتقاداتها لتسليح الأمريكيين لقوات قسد (وفي القلب منها قوات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية) وتسييرهم لدوريات مشتركة معهم، بصورة متوازية مع الدوريات الأمريكية التركية، وتكرار قادتهم العسكريين لاستمرار التحالف الأمريكي – الكردي.

تصاعدت موجة الانتقادات التركية للمفهوم الأمريكي للاتفاق، باعتباره يختلف اختلافاً كبيراً عن مفهومها التركي، قبيل موعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف الضغط على واشنطن لأخذ الهواجس الأمنية والطموحات التوسعية لتركيا بنظر الاعتبار في الاجتماع الذي كانت تركيا تأمل حدوثه في نيويورك بين الرئيسين. وأصل ذلك أن أردوغان قد علق آماله بالكامل على علاقته الشخصية مع ترامب، بعيداً عن المنظورات الاستراتيجية للمؤسسة الأمريكية ممثلة في وزارتي الدفاع والخارجية المنحازتين، برأي القيادة التركية، إلى استمرار التحالف مع «قوات سوريا الديمقراطية» حتى لو كان ذلك على حساب العلاقة مع الحليفة الأطلسية، تركيا، مقابل انحياز ترامب الواضح لتركيا ورئيسها. ربما كان من سوء حظ أردوغان أن إجراءات عزل ترامب في مجلس النواب قد بدأت في التوقيت نفسه، فتهرب الرئيس الأمريكي من عقد اجتماع مع نظيره التركي كي لا تزيد حالته صعوبة مع المؤسسة في وقت هو بأمس الحاجة إلى تكاتف أركان إدارته معه في مواجهة إجراءات العزل.

يبقى غريباً، مع كل الاعتبارات المذكورة، أن يعود الرئيس التركي إلى الحديث عن عزمه على القيام بعمل عسكري منفرد في منطقة النفوذ الأمريكية في شمال شرقي سوريا. ترى هل حصل على ضوء أخضر من ترامب، في المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما في نيويورك، لفرض أمر واقع على وزارة الدفاع الأمريكية المتمسكة برفض أي تدخل عسكري تركي؟ هذا احتمال ضعيف، إضافة إلى أن مجرد تشجيع من قبل ترامب لا يكفي لحماية القيادة التركية من رد فعل أمريكي متوقع تجاه العملية العسكرية التركية في حال وقوعها. فإذا وصلت الأمور إلى مجلس الأمن، قد يحمي الفيتو الروسي تركيا من إجراءات عقابية أممية، لكن من شأن ذلك قطع شعرة معاوية بين أنقرة وواشنطن بصورة نهائية غير قابلة للترميم. ربما علينا البحث، إذن، في مكان آخر، غير العلاقة الشخصية بين ترامب وأردوغان، لتفسير الاندفاعة التركية الجديدة، أو المتجددة، باتجاه التوغل العسكري في شرقي الفرات. هناك عدد من المؤشرات إلى بحث تركيا عن غطاء سياسي آخر لمغامرته العسكرية المرتقبة، ربما يتمثل في تقاطع المصالح والأهداف، موضوعياً، بين أنقرة ونظام بشار الكيماوي، بشأن شرقي نهر الفرات. هذا التقاطع الذي يجد مظلته الدولية أيضاً في «آلية آستانة» الثلاثية، أي في موسكو وطهران اللتين أبدتا، في قمة أنقرة، منتصف الشهر الماضي، تفهمهما للهواجس الأمنية التركية بشرط «الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها». لعل بوتين يرى في العملية العسكرية التي تتوق أنقرة للقيام بها، فرصة ذهبية لتحقيق ما طلبه دائماً من أردوغان بشأن تطبيع علاقاته مع نظام بشار. أضف إلى ذلك أن من شأن هذه العملية المفترضة أن تطيح تماماً بالعلاقة التركية ـ الأمريكية، فتصبح تركيا تحت الجناح الروسي بصورة تامة. والفائدة الثالثة التي قد يرجوها بوتين من العملية التركية هي أن تؤدي إلى انسحاب أمريكي سريع من منطقة نفوذها الحالية، بعدما تكون فشلت في حماية حلفائها في «قوات سوريا الديمقراطية» وانتفت الحاجة إلى بقاء قواتها في المنطقة.

ربما المؤشر الأبرز لاحتمال توافق تركي ـ أسدي، بشأن شرقي الفرات، هو مطالبة النظام للأمم المتحدة، عشية قمة أنقرة الثلاثية في 16 أيلول، اعتبار «قسد» ووحدات حماية الشعب منظمات إرهابية انفصالية. صحيح أن وزير خارجية النظام اعتبر القوات التركية في سوريا قوات احتلال وأعلن عن احتفاظ نظامه بـ«حق» طرد هذا الاحتلال، لكنه لم يهدد باستخدام ذلك الحق، بصرف النظر عن عدم امتلاكه القدرة على ذلك، فالنظام الممانع يتحدث عن حق مماثل بشأن الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل منذ أكثر من خمسين عاماً. أما المظلة السياسية الداخلية للعملية العسكرية المحتملة، فقد قدمها له حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، في المؤتمر السياسي الذي عقده، في 28 أيلول، بشأن المسألة السورية. فقد أعلن رئيس الحزب كمال كلجدار أوغلو، بصورة واضحة، دعم حزبه لجهود الحكومة التركية في «مكافحة الإرهاب» وحماية الأمن القومي التركي في سوريا. وكانت الرسالة الأبرز التي خرجت من المؤتمر هي دعوة الحكومة بإلحاح إلى تطبيع العلاقات مع نظام دمشق الكيماوي. كما اقترح الحزب، في المؤتمر الذي شارك في أعماله متحدثون من الدول المجاورة لسوريا، إنشاء «منظمة للسلام والتعاون في الشرق الأوسط» فيما يعيد إلى الأذهان آلية التعاون الثلاثي لدول جوار العراق (تركيا وسوريا وإيران) التي كانت تنسق فيما بينها لمواجهة احتمال قيام كيان كردي في شمال العراق.

وعموماً تتفق الأحزاب التركية، الحاكمة والمعارضة، على مواجهة الخطر الكردي المفترض، باستثناء الحزب الكردي الممثل في البرلمان «حزب الشعوب الديمقراطي». وهذا مما يسهل على أردوغان تأمين الدعم الداخلي الكافي للقيام بغزو شرقي الفرات. تصريحات أردوغان الأخيرة توحي أنه ماض في إصراره على تنفيذ العملية.

كاتب سوري

القدس العربي»

كليات جامعية وجيش وطني وتوطين لاجئين/ بكر صدقي

وفقاً لأحدث تصريحات الرئيس التركي أردوغان، بخصوص العملية العسكرية المرتقبة شرقي نهر الفرات، أصبحت هذه قاب قوسين أو أدنى كما يقال في العربية، أو “اليوم أو غداً” حسب تعبيره. قال أردوغان: “لقد أعطيت التعليمات الضرورية”.

فقد انتهت، مع انتهاء شهر أيلول، المهلة التي كان الرئيس التركي قد أعلنها، في قمة أنقرة الثلاثية، قبل قيام الجيش التركي بعمل منفرد هناك، بعدما تعذر الاتفاق مع الحليف الأميركي على صيغة للمنطقة الآمنة ترضي تركيا. ومعروف أن قيادة الجيش قد حشدت قوات عسكرية كبيرة على الحدود، مع الآليات والمشافي الميدانية وغيرها من مستلزمات الحرب. بل إن الرئيس التركي تحدث عن استكمال الخطط العسكرية وأعلن عن اسم العملية (ينابيع السلام)! وقال إنه سيتم ضرب الأهداف من البر ومن الجو!

ويتجاوز الطموح التركي هدف إبعاد قوات حماية الشعب الكردية عن الحدود، إلى خطط بعيدة المدى كتوطين مليون أو مليونين من اللاجئين السوريين في تركيا في مناطق يتم تجريفها ديموغرافياً على ما يخشى كرد تلك المناطق، على غرار تغييرات ديموغرافية سابقة تعرضت لها مناطقهم كمشروع الحزام العربي والإحصاء الاستثنائي في ستينات القرن الماضي.

ومما يعزز المخاوف المذكورة تطورات جديدة في مناطق سيطرة القوات التركية غربي نهر الفرات، كعملية دمج “الجبهة الوطنية للتحرير” بـ”الجيش الوطني السوري” بقيادة وزير دفاع الحكومة المؤقتة سليم إدريس. والتشكيلات العسكرية المذكورة كما الحكومة المؤقتة هي أدوات تابعة للدولة التركية كما هو معروف، تتلقى تعليماتها منها، وتعتاش على رواتبها وتضرب بسيفها في مناطق سيطرتها.

كذلك صدر، في 4 تشرين الأول الحالي، مرسوماً رئاسياً بحكم القانون بإنشاء ثلاث كليات جامعية

تتبع إدارياً لجامعة غازي عنتاب، في كل من الباب وإعزاز وعفرين (كلية علوم اقتصادية وإدارية في الأولى، وعلوم الدين في الثانية، وكلية تربية في الثالثة). لتضاف هذه إلى مؤسسات أخرى سبقتها كالبريد وشركات الاتصالات.

أما في شرقي نهر الفرات، فقد تحدث الرئيس أردوغان عن مشروعه الإسكاني بصورة مفصلة أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في محاولة لحشد تأييد دولي له. على أرض بطول 450 كلم وعمق 32 كلم أو أكثر، تنوي الحكومة التركية إقامة مجمعات سكنية (قرى وبلدات) تتألف من بيوت محاطة بحدائق (حاكورات لزراعة الخضار) ومدارس وجوامع وأبنية إدارية وخدمية، على أن تستوعب ما بين مليون ومليونين من اللاجئين السوريين الموجودين الآن على الأراضي التركية. وتبلغ كلفة المشروع نحو 37 مليار دولار تأمل القيادة التركية تأمين تمويلها من دول أوروبية وخليجية.

لا يمكن لأي عقل سياسي أن يجد مكاناً لهذا المشروع، ومعه الإجراءات المذكورة أعلاه في غربي الفرات، في الدور الضامن الذي يفترض أن تركيا تقوم به في إطار ثلاثي آستانة. فالهدف المعلن لمسار آستانة هو إنهاء الحرب، بـ “القضاء على الإرهاب” والدخول في عملية سياسية عن طريق تفعيل اللجنة الدستورية، مع “الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها” كما أكد رؤساء روسيا وتركيا وإيران في اجتماعهم الأخير في أنقرة. ويعني ذلك، في نهاية المطاف، مد سيطرة “الحكومة السورية” على كامل الأراضي السورية، كما عبر الروس في أكثر من مناسبة. في حين أن توحيد الفصائل المسلحة المدعومة تركياً في “جيش وطني” بموازاة جيش النظام، وإنشاء كليات جامعية بإدارة تركية في مناطق سيطرة الجيش التركي، وبناء مناطق سكنية لإسكان اللاجئين، هي إجراءات توحي بالبقاء المديد، على رغم التصريحات التركية التي تتحدث عن عدم وجود أطماع لتركيا في الأراضي السورية، وتخلّ بـ “السيادة” العزيزة على قلب بشار الكيماوي وولي أمره بوتين.

بصرف النظر عما إذا كانت تركيا بصدد إلحاق مناطق سيطرتها الحالية والمتوقعة، أم أنها تنوي الانسحاب بعدما تثبت وقائع جديدة على الأرض كالتغيير الديموغرافي الذي يستهدف السكان الكرد، وتأسيس ولاءات اجتماعية بعيدة المدى لدى البيئة العربية السنية، وترسيخ مصالح اقتصادية دائمة، ونشر اللغة والثقافة التركيتين وغيرها من الأعمال “الامبريالية”، يبقى أن كلا الاحتمالين يرتبطان بعوامل موضوعية خارجية تحكم أنقرة، وأعني بها إرادات دول أخرى أهمها الولايات المتحدة وروسيا. لا نعرف ما الذي ستفعله الولايات المتحدة إذا نفذ أردوغان وعيده وتدخلت قواته في منطقة النفوذ الأميركي شرقي نهر الفرات. لكننا نعرف، بالمقابل، أن روسيا التي قد تغض النظر، مؤقتاً، عن العملية العسكرية التركية، ستطالب أنقرة، في حال

نجاح العملية، بتسليم تلك الأراضي لـ “الحكومة السورية” بعدما تكون القوات الأميركية قد انسحبت من هناك وفقاً لهذا السيناريو. فلا يمكن أن نتصور تعايش القوات الأميركية والتركية جنباً إلى جنب بعد فرض أنقرة مشروعها الأحادي على واشنطن كأمر واقع.

سابقة “الجبهة الجنوبية” التي سلمها الأميركيون للنظام وروسيا، بعد تهديدات لفظية صاخبة، ربما تشجع أردوغان على خوض هذه المغامرة. ولكن حتى لو انسحبت القوات الأميركية أمام الغزو التركي، فمن المحتمل أن تدفع أنقرة ثمناً باهظاً بانتقال علاقتها مع واشنطن من التوتر إلى القطيعة التامة، والتعرض لعقوبات قاسية لا يتحملها وضعها الاقتصادي الهش. عقوبات سبق وطالب بها الكونغرس رداً على شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس 400، وأجل ترامب تنفيذها، ربما تضاف إليها إجراءات أخرى إذا نفذت تركيا عمليتها العسكرية الجديدة على رغم اعتراضات واشنطن وتحذيراتها المتكررة.

هذه العملية التي تفتقد لأي تبرير منطقي، بالنظر إلى أن وحدات الحماية لم تشكل يوماً أي تهديد للأمن القومي التركي كما تزعم أنقرة، تستجيب لمتطلبات السياسة الداخلية حيث يخوض أردوغان وحزبه معركة البقاء في السلطة بعد المؤشرات المقلقة التي ظهرت في أعقاب الانتخابات البلدية.

ففي تعبير عن هذا القلق، اقترح الوزير السابق عمر جليك خفض النسبة المطلوبة لفوز أحد المرشحين برئاسة الجمهورية في الجولة الأولى من 50% + صوت واحد، كحد أدنى، إلى 40% + صوت واحد، لكي لا يحتاج الأمر إلى جولة ثانية. صحيح أن أردوغان أعلن، بكل وضوح، أن الحكومة لا تفكر بذلك ولا نوايا لديها من هذا النوع، لكن مجرد طرح الاقتراح يعبر عن مخاوف الحزب الحاكم من احتمال الفشل في الحصول على النسبة المطلوبة من أصوات الناخبين، بعد انقلاب مزاج الناخبين في الانتخابات المحلية، وانتخابات الإعادة في إسطنبول بصورة خاصة. أضف إلى ذلك الأثر السلبي المحتمل لانشقاق مجموعتي علي باباجان وأحمد داوود أوغلو عن حزب العدالة والتنمية، والاختراق السياسي الذي تمثل في تحالف أحزاب المعارضة في مواجهة تحالف السلطة.

وإذا كانت العملية العسكرية المحتملة شرقي نهر الفرات تستجيب للأهواء الإيديولوجية لحزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي، فمن شأنها أيضاً أن تحيي “الروح القومية” و”الوحدة الوطنية” وتخون كل نقد للعملية كما حدث أيام التدخل العسكري في عفرين في شباط 2018. فغبار المعارك هو أفضل دواء للروح الانشقاقية والاعتراض الاجتماعي كما هو معروف.

تلفزيون سوريا

رسائل تركيا في شرق الفرات/ خورشيد دلي

مع جزم الرئيس التركي، أردوغان، بعملية عسكرية وشيكة في شرقي الفرات، تتجه الأنظار إلى موقف الإدارة الأميركية التي أعلنت مراتٍ التزامها حماية حليفها الكردي السوري، وكذلك إلى المحاور التي ستنطلق منها هذه العملية، وهل ستكون عملية واسعة تشارك فيها كل القوات أم عملية محدودة على شكل اختبار للمواقف والردود؟ وكيف سيكون دور الفصائل السورية المسلحة التي اتحدت، أخيراً، تحت اسم الجيش الوطني؟

يقول أردوغان إن صبر بلاده نفد من الوعود والمماطلة الأميركية، ولن تصمت بعد اليوم على مواصلة واشنطن تسليح قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وإن قضية تسيير الدوريات في إطار اتفاق إقامة منطقة آمنة ليس سوى مضيعةٍ للوقت. ولكن في العمق، يتطلع أردوغان من هذه العملية إلى تحقيق جملة أهداف، لعل أهمها: إبعاد قوات “قسد” إلى أبعد مدى ممكن عن الحدود التركية، وإسكان اللاجئين السوريين في المناطق الحدودية، وإقامة مجالس محلية في هذه المناطق تحت إشرافها، بحيث يؤدي ذلك كله إلى القضاء على الإدارة الذاتية الكردية هناك، بعد أن تحولت إلى كيانٍ على أرض الواقع، فضلاً عن تعزيز نفوذ أنقرة في شمال شرق سورية، بما يؤمن لها دوراً مؤثراً في مرحلة الحل السياسي.

أمام هذا الواقع، السؤال الذي يطرحه الجميع؛ هل يمكن أن تقوم تركيا بعملية عسكرية في  شرقي الفرات من دون موافقة أميركية؟ ثمّة اعتقاد بأن هذه العملية لن تتم من دون وجود هذه الموافقة، وإلا ستكون عملية منفردة بمثابة إعلان تركيا فك التنسيق مع واشنطن، ونهاية اتفاق المنطقة الآمنة. وعلى الأرض، قد يعني صداماً مع القوات الأميركية الموجودة في شرقي الفرات، وهو ما سيجعل العملية معقدة ومفتوحة. لذا ثمّة من يرجّح أن تكون العملية محدودة، وفي منطقة محدّدة، على شكل اختبار لمعرفة رد الفعل الأميركي، لتحدّد بعدها تركيا الوجه النهائية للعملية.

واشنطن التي تحس بصعوبة الموقف، لحسابات لها علاقة بالحليفين، التركي والكردي، مع ترجيح أولوية العلاقة مع تركيا، تدرك أنه لا مناص من عمليةٍ تركيةٍ، بعد أن أوصل أردوغان الأمور إلى نقطةٍ لا رجعة عنها. وعليه، ربما تتفهم عملية تركية محدودة. وأبعد من ذلك، تدرك واشنطن جيداً أن موسكو تشجع أنقرة على القيام بهذه العملية، بغية ضرب النفوذ الأميركي هناك، ولزيادة الخلافات الأميركية – التركية، بما يصب ذلك كله لصالح الاستراتيجية الروسية في سورية والشرق الأوسط عموماً. وعند هذه النقطة، تدرك واشنطن أنه إذا كان المطلوب تركيّاً هو رأس “قسد”، فإن المطلوب روسيّاً هو الوجود الأميركي. وعليه، قد لا تقف مكتوفة الأيدي، إذا تحولت العملية التركية إلى عمليةٍ واسعةٍ قد تؤدي إلى القضاء على النفوذ الأميركي هناك، لذا قد تقدم أسلحة نوعية لـ “قسد”، من أجل إفشال الهجوم التركي أو استيعابه، بعد أن يكون أردوغان قد نفذ الهجوم، وحقق منه أغراضاً داخلية وخارجية .

الموقف الأصعب هو موقف “قوات سورية الديمقراطية”، فهي وعلى الرغم من امتلاكها عناصر عديدة من القوة، إلا أنها تدرك حجم العداء والرفض التركيين لها، كما أن تجربة عفرين ما زالت حية أمام الأعين، على الرغم من اختلاف ظروف شرقي الفرات عن عفرين التي كانت معزولة جغرافياً ومحدودة القدرات، خلافاً لواقع شرقي الفرات. تدرك “قسد” التي تقول إنه ليس أمامها سوى خيار المقاومة والمواجهة، في الوقت نفسه، أن المواجهة مع دولةٍ هي الثانية في حلف شمال الأطلسي من حيث عدد الجيوش، قد لا تكون مجدية حتى النهاية، وإذا ما وجدت أن الحليف الأميركي متواطئ مع الجانب التركي، أو حتى متردّد أو عاجز عن تنفيذ وعوده بالحماية، فإنها قد لا تجد نفسها سوى أمام دعوة النظام السوري إلى استعادة السيطرة على المنطقة، كي لا تقع تحت سيطرة تركيا والفصائل السورية المتحالفة معها، لحظة ربما تذكّرنا بما جرى في عفرين، مع اختلاف الظروف وبعض اللاعبين.

العربي الجديد

سورية… الرهان على الوقت/ آلان حسن

لم يكن فرقاء الحرب السورية يتوقعون أن يصل بهم الحال كيومهم هذا. الواقع الذي فرضته توازنات القوى الإقليمية والدولية لا يطمئن أحداً الآن، حتى بات تغيير النزر اليسير من خريطة توزع السيطرة بحاجة لتدخل إحدى القوتين العظميين (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا) وحسب. وفي ظرف معقد كالذي تعيشه سورية، يعوّل الجميع على عامل موضوعي غير مضمون النتائج؛ وهو عامل الوقت.

راهنت الولايات المتحدة بدايةً على سقوط الحكومة السورية، بفعل المعارضة الداخلية منذ عام 2011، ودعم القوى الإقليمية لها، واقتصر دعمها آنذاك على الجانبين، السياسي واللوجستي، في حده الأدنى، وما لبثت أن انخرطت في أتون الحرب، إلى أن وصلت إلى مرحلة المشاركة المباشرة عام 2014، إثر نحر مواطنها جيمس فولي على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ويعاني الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة من التشرذم الذي سبّبته الخلافات بين محوري السعودية والإمارات ومصر من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى، وكان الرهان حينها على الوقت لسقوط الحكومة المركزية في دمشق، ارتدّ عكسياً عليهم. وكانت الغاية أن تفقد حكومة دمشق زمام الأمور بفعل العمليات العسكرية، والعقوبات الاقتصادية، وكذلك التعويل على انتفاض حاضنته الشعبية ضده، حين تطول بهم الغمّة.

منذ عام 2014 والولايات المتحدة موجودة بعسكرييها في شرق نهر الفرات، ودعمت مقاتلي وحدات حماية الشعب (الكُردية) في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية إثر اجتياح مدينة كوباني (عين العرب) أواخر عام 2014، وساهمت فيما بعد بإنشاء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تشكل “الوحدات” قوامها الرئيسي. ولاحقاً مجلس سوريا الديمقراطية (مسد) الذي ظل يعتمد على المتغيرات العسكرية على الأرض، سعياً إلى إيجاد واقع يتم الاعتراف به محلياً وإقليمياً ودولياً، وظل هو الآخر يراهن على عامل الوقت، لتطبيع الأوضاع، ولكن ذلك لم يحدث ألبتة، فلا مشروع الإدارة الذاتية المعلنة منذ 2014 نال اعترافا من حلفائه، وكذلك المشروع الفيدرالي المعلن ربيع 2016، والذي وئد من دون أن يعترف به أحد.

ويشكل الصراع بين حليفي الولايات المتحدة (“سورية الديمقراطية” وتركيا) أحد أكبر الهواجس لها في المرحلة الراهنة، فأنقرة لا تقبل وجود قوات عسكرية، تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكُردستاني المحظور في تركيا إثر صراع ممتد منذ عام 1984، أو القبول بإدارة ذاتية بقيادة كُردية على امتداد حدودها الجنوبية من ديريك/ المالكية وحتى كوباني. وهذا ما كان يشكل الهاجس التركي الأكبر، ما حدا بها إلى التدخل العسكري المباشر مرتين في سورية، أولها في 2017 وسيطرت بموجبه على المدن الواقعة بين “إقليميّ” كوباني وعفرين، والأخرى في عام 2018 وسيطرت فيها على عفرين.

راهنت تركيا على تضعضع الوضع الداخلي داخل مناطق الإدارة الذاتية، واستغلال ضعف الإدارة، وانفراد حزب الاتحاد الديمقراطي بالسلطة، وعوّلت، في هذه الحالة، على إقناع الولايات المتحدة الأميركية بسحب دعمها الإدارة الذاتية في شرق الفرات، في مقابل إزالة الخلافات المتزايدة بينهما منذ رفض أنقرة استخدام الأراضي والأجواء التركية للعملية العسكرية الأميركية لإسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، وكذلك العودة إلى التحالف الاستراتيجي بين الحليفين الأطلسيين. بالإضافة لاعتمادها على معارضة المجلس الوطني الكُردي الموالي لإقليم كُردستان العراق، وأحد مكونات الائتلاف الوطني السوري المعارض للحكومة السورية، والموالي لتركيا. لم يحدث ذلك تركياً؛ لذا فإن حكومة الرئيس التركي أردوغان أصبحت الوحيدة التي تخشى عامل الوقت، وباتت تتخوّف من سيناريو مشابه لاتفاق منبج بينها وبين الولايات المتحدة، حيث بقيت واشنطن تقف في منتصف الطريق بين حليفيها “سوريا الديمقراطية” وتركيا. وخشية تركيا جعلتها أكثر استعجالاً في تحقيق أهدافها في الميدان السوري، فباتت تضغط بكل ما لها من قوة لتغيير الواقع على الأرض، وتهديداتها باجتياح شرق الفرات مؤشر على نفاذ صبرها، والرغبة في إزالة هواجسها من تطوراتٍ لن تكون مستعدة لتقبلها.

أما “مجلس سورية الديمقراطية” فينتظر تفجر الأوضاع في تركيا، وإضعاف حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان، وما خسارته أكبر مدينتين تركيتين في الانتخابات البلدية منتصف عام 2019 إلا جزءاً من السيناريو المثالي الذي تنتظره “قسد”. وتراهن “سوريا الديمقراطية” أيضا على طلاق بائن بين تركيا والولايات المتحدة، بفعل التحالف بين أنقرة وموسكو وطهران الذي نتجت عنه سلسلة اجتماعات أستانة وما تبعته من اتفاقات خفض تصعيد، “شرّعت” الوجود التركي، ولو مؤقتا، داخل الأراضي السورية، في مقابل توسيع رقعة سيطرة الجيش السوري وحلفائه على مناطق كان من الصعوبة بمكان إنجازه لولا اتفاقات وقف الصعيد تلك.

كذلك، تكون المفاوضات بين مجلس سوريا الديمقراطية والحكومة السورية دائماً مشبعة بالتسويف من الجانبين، فالأخيرة تنتظر تنازلاتٍ أكثر من “مسد”، تحت ضغط التهديدات التركية وانسحاب واشنطن من المشهد السوري، أما “سورية الديمقراطية” فتريد فرض أمر واقع مستدام، بفعل اقتناع واشنطن بالبقاء في شرق الفرات، والتحالف مع حكومة محلية تؤمن مصالحها المتمثلة بمناهضة الوجود الإيراني في سورية، وربما مواجهة إعادة التموضع التركي في علاقاته مع محور موسكو – طهران.

ينتظر الفرقاء من الوقت أن يصنع لهم ما لم يستطع هو فعله لنفسه، وقد أثبتت الحرب السورية أن لا منتصر فعلياً فيها، ووحده الشعب السوري يدفع تكاليفها، ويتحمل تبعات إخفاقات نفسه، وحلفائه وخصومه.

العربي الجديد

كيف انتزع أردوغان موقف ترامب من العملية العسكرية شرق الفرات؟/ إسماعيل جمال

عقب سنوات من محاولات تركيا للحصول على موقف أمريكي يتيح لها تنفيذ عملية ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مناطق نفوذ الجيش الأمريكي شرق نهر الفرات شمالي سوريا، يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان تمكن أخيراً من انتزاع موقف من نظيره الأمريكي دونالد ترامب يتضمن سحب القوات الأمريكية من الشريط الحدودي مع تركيا، وعدم عرقلة العملية العسكرية التركية المتوقعة.

وخلال اليومين الماضيين، لعب أردوغان بشكل واضح على وتر الخلاف بين ترامب والمؤسسات الأخرى في الدولة الأمريكية لا سيما وزارة الدفاع “البنتاغون”، واستحضر قرار ترامب بالانسحاب من سوريا قبل أشهر وعدم تطبيقه حتى اليوم من قبل الجيش الأمريكي.

وفي ساعة متأخرة من مساء الأحد، جرى اتصال هاتفي بين أردوغان وترامب ركز على بحث الملف السوري، وبحسب دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، فإن أردوغان أكد لترامب أن “إقامة المنطقة الآمنة شرط للقضاء على التهديد الإرهابي وتشكل الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”، واتفقا على اللقاء في واشنطن خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

لكن الأهم، هو إبلاغ أردوغان لترامب “انزعاج بلاده إزاء عدم التزام البيروقراطية العسكرية والأمنية الأمريكية بتلبية متطلبات الاتفاقية المبرمة بين البلدين”، وذلك في إشارة مباشرة إلى عدم تطبيق وزارة الدفاع قرار ترامب بالانسحاب من سوريا.

قبل ذلك بساعات فقط، صرح أردوغان في كلمة له بالعاصمة أنقرة أن ترامب أدرج مسألة انسحاب قوات بلاده من منطقة شرق نهر الفرات السورية، لكن من هم حوله لم يعملوا إلى الآن بتوصياته.

وعقب ضغوط تركية كبيرة، أعلن ترامب نهاية العام الماضي أنه قرر رسمياً سحب القوات الأمريكية من سوريا، وكتب آنذاك: “منذ مدة طويلة ونحن نحارب في سوريا، وأنا رئيس للولايات المتحدة منذ عامين، لقد قطعنا مرحلة كبيرة، وهزمنا داعش شر هزيمة واستعدنا الأرض”، وتابع: “آن الأوان لعودة جنودنا للديار فلقد كان السبب الوحيد لتواجدنا بسوريا في فترة رئاستي هو تنظيم داعش الذي هزمناه”، لكن معارضة البنتاغون لهذا القرار أدت إلى تأخيره حتى اليوم.

ومنذ سنوات، تعرضت العلاقات التركية الأمريكية لخلافات خطيرة وعميقة، واتهمت تركيا مرارا أطرافا في الإدارة الأمريكية بالعمل ضد تركيا وإدارة ترامب على حد سواء، وعلى الدوام صدرت بيانات متناقضة بين ترامب والخارجية والبنتاغون حول العلاقات مع تركيا.

ومجدداً، وعقب اتصال أردوغان ترامب، أعلن البيت الأبيض في بيان له، الإثنين، أن القوات الأمريكية لن تتواجد على الشريط الحدودي السوري مع تركيا، دون مزيد من التفاصيل. وفي وقت لاحق الإثنين أيضاً أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أن القوات الأمريكية بدأت بالفعل بالانسحاب من الشريط الحدودي مع تركيا.

وعلى الرغم من أن الإعلان الأمريكي لم يتضمن الكثير من التفاصيل، إلا أنه يتوقع أن القرار في هذه المرحلة لا يشمل سحب القوات الأمريكية بشكل كامل من سوريا، وإنما سحب القوات القريبة من الحدود مع تركيا ربما بعمق 30 كيلومترا وهو الهدف الذي وضعته تركيا للسيطرة عليه لإقامة المنطقة الآمنة.

وفي محاولة منه لمساعدة ترامب في تنفيذ قراره بالانسحاب من سوريا، قدم أردوغان تعهدات من أجل تمكين ترامب من تفنيد المبررات التي قدمها البنتاغون لعدم تنفيذ قرار الانسحاب من سوريا، وعلى رأسها ملف معتقلي “داعش” والحرب على التنظيم شمالي سوريا، وضمان عدم عودته.

وبينما تضمن البيان التركي التأكيد أن أنقرة سوف تواصل بعزم الحرب على التنظيمات الإرهابية كافة وبينها تنظيم داعش من أجل ضمان عدم عودته، كشف البيان الأمريكي عن أن تركيا سوف تكون مسؤولة عن ملف معتقلي داعش الذين جرى إيقافهم في العامين الأخيرين وكانت واشنطن تتحمل مسؤوليتهم.

وفي دلالات التوقيت، ضغطت أنقرة بقوة في وقت يبدو فيه ترامب أحوج من أي وقت مضى لتنفيذ وعوده لناخبيه، وذلك في ظل الأزمات المتلاحقة التي مر بها في الأسابيع الأخيرة وتراجع شعبيته وفرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات التي تقترب رويداً رويداً.

وفي هذا الإطار، يريد ترامب أن ينفذ تعهداته لناخبيه بتقليص المصروفات الخارجية وسحب القوات الأمريكية من مناطق النزاع، وإنهاء انخراط واشنطن في صراعات بالخارج، حيث يعتبر ذلك أحد أهم وعود حملته الانتخابية الرئاسية التي وعد فيها بالانسحاب من سوريا والعراق وأفغانستان.

القدس العربي”

وول ستريت جورنال: هل يعني التوغل التركي شمال سوريا انسحابا أمريكيا؟

علقت صحيفة “وول ستريت جورنال” على انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا قبل العملية التركية فيها بالقول إنها جاءت بعد مكالمة بين الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان، وذلك تحسبا لقتال محتمل بين القوات التركية والكردية التي تحظى بدعم من القوات الأمريكية.

وفي بيان للمتحدثة الإعلامية في البيت الأبيض ستيفان غريشام، قالت إن القوات التركية ستتحرك قريبا في عمليتها التي تخطط لها في شمال سوريا. ولن تدعم القوات الأمريكية العملية، وبعد هزيمتها تنظيم الدولة “داعش” فلن تكون في المنطقة.

وصدر البيان في الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت واشنطن، وجاء بعد مكالمة جرت بين ترامب وأردوغان يوم الأحد.

وترى الصحيفة أن بيان البيت الأبيض يعتبر تحولا في السياسة الأمريكية وكذا تحولا تكتيكيا في حالة تخلت أمريكا عن حلفائها الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة. وقال مسؤول أمريكي صباح الإثنين إن التوغل التركي في شمال سوريا قد يعني انسحابا أمريكيا كاملا من سوريا و”قلنا سنبعد عن طريقكم ولن نقدم المساعدة لكم”، في تأكيد على الرسالة الأمريكية للأتراك حالة صمموا على الدخول إلى المناطق الحدودية بين البلدين.

وكان الرئيس دونالد ترامب قد دعا في العام الماضي لانسحاب كامل من سوريا، ولكنه تراجع عن قراره بسبب ردة فعل حلفائه في الحزب الجمهوري والمسؤولين العسكريين.

وجاء القرار الأمريكي المتأخر وسط مخاوف من قيام تركيا بعمليتها العسكرية في شمال سوريا مما قد يشعل حربا بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد المعروفين باسم قوات حماية الشعب الكردية، التي تقول تركيا إنها جزء من حزب العمال الكردستاني في تركيا. وبحسب المكالمة بين الرئيسين والتي نشر محتوياتها البيت الأبيض، فقد تبادل الرئيسان الآراء حول بناء منطقة آمنة في شرق الفرات وتأكيد أردوغان على أن المنطقة الآمنة المقترحة هي مفتاح لتحييد الخطر القادم من حزب العمال وقوات حماية الشعب، وخلق الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

وجاء في البيان أن أردوغان عبر عن إحباطه من البيروقراطية العسكرية والأمنية اللتين فشلتا في تنفيذ الاتفاقيات بين البلدين. واتفق الزعيمان على اللقاء في واشنطن بناء على دعوة من ترامب. وتقول الصحيفة إنه في حالة قررت تركيا المضي في توغلها مستخدمة الأسلحة الثقيلة والقوات النظامية فإن الولايات المتحدة لم يكن لديها أي خيار إلا سحب أكثر من 1.000 جندي أمريكي من سوريا لتجنب النزاع المحتمل مع عضو في حلف شمال الأطلسي.

وقال المسؤولون إنهم قلقون من سحب القوات وترك الأكراد لمصيرهم. وقد يكون الانسحاب الأمريكي من منطقة القتال وذلك بناء على حجم وأهمية التوغل التركي. وقد تنسحب القوات بشكل كامل تاركين حليفا ساهم في القتال ضد تنظيم الدولة، وهو مصير طالما حذر المسؤولون الأمريكيون منه.

وقال المسؤول الأمريكي: “هذا يعتمد في الحقيقة على طبيعة التوغل، ولكن (الانسحاب) يظل احتمالا”. وأشار المسؤول إلى غياب الشريك لقتال تنظيم الدولة فالولايات المتحدة لا تجد أي معنى للبقاء: “لو كانت هناك عمليات عسكرية واسعة وبدون شريك في سوريا، فعندها سنخرج”. ولا يعرف ماذا يعني التوغل التركي للمقاتلين الذين تم القبض عليهم أثناء القتال ضد تنظيم الدولة.

ويقول المسؤول الأمريكي إنه لم يتم الاتفاق رسميا مع تركيا حول نقل مسؤوليهم إليها. ولكن لو قررت القيام بعملية فستكون عهدة المقاتلين مسؤولية تركية. وهناك حوالي ألفي مقاتل من تنظيم الدولة تم حشرهم في عدد من السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية و10.000 لاجئ عراقي وعشرات الآلاف من عائلات المقاتلين يصل عدد أفرادها إلى 80.000 فرد. وقدم الجيش الأمريكي دعما غير مباشر لقوات سوريا الديمقراطية التي كانت تشرف على معسكرات اللاجئين، وكانت تقوم بزيارة روتينية وتجمع المعلومات الأمنية من المعتقلين. ولكن الولايات المتحدة كافحت في الأعوام الأخيرة لإقناع الدول التي جاء منها المقاتلون وعائلاتهم لاستعادتهم أو حتى أبنائهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى