سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2-

سوريا: قصف تركي يشعل مناطق سيطرة الأكراد… واجتماع لمجلس الأمن لبحث الهجوم

هبة محمد ووائل عصام

دمشق ـ «القدس العربي»: أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إشارة بدء جيش بلاده عملية «نبع السلام» شرق الفرات في سوريا «لتطهيرها من تنظيمي «بي كا كا/ ي ب ك وداعش»، حسب قوله، وإنشاء منطقة آمنة «لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، وجاء كلام اردوغان في تغريدة له على حسابه على موقع «تويتر» عصر أمس.

وقال مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي أمس، إن أنقرة أرسلت مذكرة دبلوماسية لإبلاغ النظام السوري بالعملية، حسب وكالة رويترز.

وكانت ردة فعل القيادات الكردية السورية التلويح بورقتين لديهم، وهما فتح قنوات اتصال مع النظام السوري، وإمكانية الإفراج عن أسرى تنظيم «الدولة»، وسط قلق أوروبي من مسألتين، هما حركة النزوح إلى أوروبا وفرار معتقلي تنظيم «الدولة» لدى «قسد».

وهدد القيادي السابق لدى قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والباحث السياسي ادريس نعسان، بفتح السجون أمام أسرى تنظيم «الدولة» في وجه الجيش التركي وفصائل المعارضة المتعاونة معها، ضد ما وصفه في حديث مع «القدس العربي» «بالغزو التركي».

وأكد على «طرح الحوار والتفاوض مع النظام السوري بوساطة روسيا كأحد خيارات التصدي» للعملية التركية والذهاب باتجاه «الحل السوري الداخلي للأزمة الراهنة». ورحبت الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال سوريا بدعوة روسيا للحوار مع دمشق.

ومع الإعلان عن بداية العمليات التركية على شمال شرقي سوريا، اتهمت مصادر محلية قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، التي تشكل وحدات الحماية الكردية عصبها الرئيسي، بتسهيل عمليات نقل أنصار تنظيم «الدولة» من النازحين في مخيم الهول بريف الحسكة، إلى مناطق البادية السورية التي تسجل تزايداً في وتيرة العمليات الأمنية التي تنفذها خلايا التنظيم ضد قوات النظام والميليشيات الإيرانية.

وذكرت المصادر الخاصة بـ«القدس العربي» أن عمليات التهريب تجري على نطاق ضيق، حيث تسهل قيادات كردية العمليات مقابل تلقي مبالغ مالية وصفت بالكبيرة (2000-3000 دولار أمريكي) عن الشخص الواحد.

وأكد رئيس تحرير موقع «الشرق نيوز» المتابع عن كثب للتطورات شرقي سوريا، الصحافي فراس علاوي، هذه الأنباء في حديثه لـ«القدس العربي»، وقال: «تستخدم «قسد» ملف المعتقلين لديها كورقة ضغط على المجتمع الدولي وتهدد بعدم قدرتها على تأمين احتجازهم».

وذكرت مصادر دبلوماسية الأربعاء أن الدول الأوروبية في مجلس الأمن طلبت عقد اجتماع طارئ مغلق لمجلس الأمن اليوم لبحث الهجوم التركي في سوريا، حسب «أ ف بـ«.

تزامناً قال مسؤولان أمريكيان ومصدر عسكري كردي، أمس، إن مقاتلين أكراداً مدعومين من واشنطن أوقفوا عملياتهم ضد تنظيم «الدولة» في سوريا مع بدء تركيا هجوما عسكريا في سوريا.

وجاء التحذير الأبرز ضد العملية من السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسي غراهام الذي قال «هناك كارثة في طور الظهور» في سوريا. وحث الرئيس دونالد ترامب على تغيير المسار، حسب وكالة «د ب أ».

وقال غراهام وهو مؤيد صريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تغريدة: «صلوا من أجل حلفائنا الأكراد الذين تخلت عنهم إدارة ترامب بشكل مخزٍ»، بينما دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ تركيا إلى ممارسة «ضبط النفس»، محذراً من ان تكون المعركة ضد تنظيم «الدولة» عرضة للخطر.

من جهته دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لوقف هجوم تركيا، فهي «تخاطر عمداً بزعزعة استقرار المنطقة بشكل أكبر وعودة تنظيم الدولة»، بينما قال مسؤول كبير في اللجنة الدولية للصليب الأحمر لرويترز أمس، إنه يتعين على الدول استعادة مواطنيها المحتجزين في مخيمات في شمال شرقي سوريا مع بدء قوات تركية عملية عسكرية في المنطقة.

وقالت قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها أكراد، إن طائرات تركية قصفت شمال شرقي سوريا، مما تسبب في «ذعر هائل بين الناس» أمس، وسجلت عمليات نزوح واسعة بين المدنيين، حسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

من جهته قال وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، في بيان، إنه استدعى أمس الأربعاء سفير تركيا لدى بلاده بعدما بدأت أنقرة عملية عسكرية في سوريا.

وأدانت وزارة الخارجية المصرية أمس «بأشد العبارات العدوان التركي على الأراضي السورية».

ردود فعل إزاء العملية التركية: إدانات و”تفهّم” لقلق أنقرة

تتوالى ردود الفعل الدولية والإقليمية تجاه العملية العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في شمال شرق سورية مساء أمس الأربعاء ضد المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة يشكلون تهديداً لها.

ففيما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية بـ”الفكرة السيئة”، وأعرب عن أمله أن يتصرف أردوغان بمنطقية وإنسانية قدر الإمكان، أكد في تصريح لاحق أنه يتحدث مع الأكراد وتركيا بشأن الوضع في سورية.

من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم الخميس، أن بلاده ترغب في حصول محادثات بين تركيا والسلطات السورية حول العمل العسكري.

وقال لافروف في تصريحات نشرتها وزارة الخارجية الروسية على هامش زيارته لتركمانستان: “سندافع من الآن فصاعداً عن ضرورة إجراء حوار بين تركيا وسورية”، لافتاً إلى أنه “يتفهم قلق تركيا بخصوص أمن حدودها”.

في السياق، قال الكرملين إنه يشعر بقلق بشأن الموقف في شمال شرق سورية، مشيراً إلى أن موسكو تتفهم مخاوف أنقرة الأمنية في المنطقة.

وفي تصريح للصحافيين في موسكو، قال يوري أوشاكوف المسؤول بالكرملين إنّ من المهم احترام وحدة الأراضي السورية وألا تضرّ العملية بالمحاولات السياسية الرامية إلى إنهاء الحرب الدائرة في سورية منذ ثمانية أعوام.

إلى ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، اليوم الخميس، إن تركيا لديها مخاوف أمنية مشروعة، مشيراً إلى وجود تهديدات إرهابية على حدودها الجنوبية.

وأضاف بومبيو، في تصريح لقناة “بي بي إس” الأميركية أن الولايات المتحدة، خلال محاربتها تنظيم “داعش” في سورية، بذلت ما بوسعها كي لا يستهدف الإرهاب مواطني تركيا، مؤكداً مواصلتهم هذه الجهود لاحقاً.

كذلك، أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عملية “نبع السلام” التركية، وقال في بيان: “تدين إسرائيل بشدة الاجتياح العسكري التركي للمحافظات الكردية في سورية”. وأضاف: “وتحذّر (إسرائيل) من قيام تركيا ووكلائها بتطهير عرقي بحق الأكراد”، على حد قوله.

في السياق، أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأن وزارة الخارجية استدعت الخميس سفير تركيا إثر العملية العسكرية التركية التي بدأت الأربعاء في شمال سورية. وقال المصدر إنه “جرى استدعاء السفير التركي بعيد الظهر إلى وزارة الخارجية الفرنسية”.

وكانت وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية أميلي دو مونشالان، قد أعلنت بعد دقائق من بدء العملية العسكرية التركية في شمال سورية أن فرنسا تدين “بشدة” الهجوم التركي الذي بدأ الأربعاء، وستطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي.

وقالت أمام لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية: “تضع فرنسا وألمانيا وبريطانيا اللمسات الأخيرة على إعلان مشترك سيكون في غاية الوضوح نؤكد فيه إدانتنا الشديدة والحازمة لما يحصل”.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي التقى الثلاثاء القيادية الكردية إلهام أحمد، قد أعرب عن قلقه من حدوث الهجوم التركي، وأعلن أنّ “فرنسا تقف إلى جانب قوات سورية الديموقراطية، لأنهم حلفاء أساسيون في القتال ضد (داعش)”.

من ناحيته، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، إن العملية التركية قد تزيد من زعزعة استقرار المنطقة، وقد تعزز تنظيم “داعش” الإرهابي، وحثّ أنقرة على وقف العملية.

كذلك عبّرت كل من إيطاليا والدنمارك وهولندا عن قلقها تجاه العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية، واستدعى وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، السفير التركي لدى بلاده، وقال: “هولندا تندد بالهجوم التركي على شمال شرق سورية. ندعو تركيا إلى عدم مواصلة السير في الطريق الذي تسلكه”.

وحثّ رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، تركيا على ضبط النفس ووقف عمليتها العسكرية. وقال: “إذا كانت الخطة تتضمن إقامة ما يسمى منطقة آمنة، فإن عليها ألّا تتوقع أن يدفع الاتحاد الأوروبي أية أموال في هذا الشأن”.

وقال الأمين العام لحلف شماليّ الأطلسي ينس ستولتنبرج إنه يأمل أن تكون عمليات تركيا في سورية موزونة ومتناسبة.

من جهتها، دعت إيران، اليوم الخميس، تركيا إلى “وقف فوري” للهجوم التركي. وفي بيان، عبّرت وزارة الخارجية الإيرانية عن قلقها “إزاء تداعيات هذه العملية على الصعيد الإنساني”، مشددة “على ضرورة الوقف الفوري للهجمات وانسحاب الوحدات العسكرية التركية المنتشرة على الأراضي السورية”.

وأضاف البيان أن إيران “تتفهم قلق تركيا في مجال الأمن، لكنها تعتقد، كما قالت من قبل، أن التدابير العسكرية ليست حلاً للتعامل مع مصادر هذا القلق”.

إلى ذلك، قال وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، أيمن الصفدي، إن أزمة سورية يجب أن تنتهي، ولا حلّ عسكرياً للأزمة، مضيفاً: مصالحنا وأمننا جميعاً تستوجب عملاً فاعلاً للتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سورية، ويحمي حقوق أهلها، ويؤدي إلى خروج جميع القوات الأجنبية منها، ويتيح عودة اللاجئين.

وأضاف أن الأردن يتابع بقلق شديد ما يجري في الشمال السوري، ويطالب الأشقاء في تركيا بوقف الهجوم على الأراضي السورية فوراً، وحلّ جميع القضايا عبر الحوار ووفق القوانين الدولية.

وكان عدد من الدول العربية، بما فيه مصر والسعودية، قد أدانت، في بيانات منفصلة أمس الأربعاء، ما سمّته “العدوان التركي على الأراضي السورية”، وذلك في أعقاب إطلاق أنقرة عملية عسكرية ضد المليشيات الكردية، التي تعتبرها “إرهابية”، في شمال سورية.

وذكر التلفزيون السعودي أن مصدراً مسؤولاً في وزارة الخارجية السعودية عبّر عن إدانة المملكة لـ”العدوان” الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سورية، وعبّر المصدر عن “قلق المملكة تجاه ذلك العدوان بوصفه يمثل تهديداً للأمن والسلم الإقليميَّين”.

وأعلنت جامعة الدول العربيّة، الأربعاء، أنّها ستعقد السّبت اجتماعاً طارئاً لبحث العملية العسكرية التركية.

وفي رده على الانتقادات ضد بلاده، أعرب جاووش أوغلو عن استنكاره الشديد للانتقادات الموجهة إلى هذه العملية تحت ذريعة أنها ستعرقل عملية مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، وأنها ستؤدي إلى حدوث أزمات إنسانية، مضيفاً: “لقد تعبنا من ضرب المنافقين في وجوههم، فهؤلاء لم يتعبوا أو يملوا من النفاق مع الأسف، لكننا سنواصل ضربهم في وجوههم”.

وفي رده على الانتقادات السعودية لبلاده، ذكّر جاووش أوغلو السعودية بما ارتكبته من مآسٍ إنسانية في اليمن.

وأضاف في تصريح لقناة “إن تي في”: “لقد قتلتم في اليمن أعداداً هائلة من البشر، وتركتموهم جياعاً، ومات الكثير منهم بسبب حصاركم لهم، فبأي وجه تتطاولون علينا بألسنتكم وتعارضون هذه العملية؟”.

كذلك شدد الوزير التركي على أن بلاده تعتبر أكثر دولة لديها حساسية مفرطة تجاه المدنيين وكيفية حمايتهم، مضيفاً: “لقد وضح هذا جليّاً للعالم بأسره في عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات”.

وأوضح أن الهدف الرئيس “للوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني الإرهابي، تقسيم سورية”، مشيراً إلى “الجهود التي تبذلها فرنسا على وجه الخصوص من أجل تأسيس دولة منفصلة في هذه المنطقة، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل عناصر الوحدات الكردية في قصر الإليزيه بباريس”.

وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت الليلة الماضية أن الجيش التركي بدأ عملية برية شرقيّ الفرات بالاشتراك مع “الجيش الوطني السوري”.

وفجر اليوم الخميس، أعلنت الوزارة، في بيان، أن “وحدات من القوات الخاصة (الكوماندوس) تواصل تقدمها في منطقة شرقيّ الفرات”.

القوات التركية تدخل تل أبيض..وقصف مواقع لـ”قسد” برأس العين/ عدنان أحمد

تتواصل العملية العسكرية التركية في الشمال السوري وتحولت مساء أمس الأربعاء إلى مرحلة الهجوم البري، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي.

وقالت وسائل إعلامية محلية إن الطيران الحربي التركي يستهدف منذ ليل أمس وحتى صباح اليوم مواقع الوحدات الكردية في مدينة رأس العين بالغارات الجوية بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف على محيط المنطقة ومحاولات للتقدم البري هناك على غرار مدينة تل أبيض التي دخلتها القوات التركية وقوات “الجيش الوطني” السوري المدعوم من تركيا الليلة الماضية.

وتدور اشتباكات عنيفة مع الوحدات الكردية المتمركزة في محيط مدينة رأس العين، وذلك بالتزامن مع غارات جوية استهدفت مواقع الوحدات الكردية في المدينة، إضافة الى قصف بقذائف الهاون طاول مواقع تلك الوحدات غرب المدينة.

وقالت مصادر محلية إن الجيش التركي قطع الإمدادات الكردية بعد سيطرته نارياً على طريق الرابط بين رأس العين وتل أبيض، قرب قرية تل أرقم.

كما طاول القصف المدفعي التركي مقر الأمن العام التابع للوحدات الكردية في بلدة عين دوار شمال مدينة المالكية بمحافظة الحسكة، إضافة الى قرى عدة غرب مدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب، بلدة سلوك في شمال الرقة.

واليوم الخميس، قالت وزارة الدفاع التركية، عبر الحساب الرسمي على تويتر بشكل مقتضب، إن العملية التركية تواصلت طيلة ليل الأربعاء برا وجوا، مشيرة إلى أنه تمت السيطرة على الأماكن المحددة وأن العملية ناجحة وتمت كما هو مخطط لها.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، فجر اليوم الخميس، أن وحدات من القوات الخاصة التركية تواصل تقدمها بمنطقة شرق الفرات، مشيرة عبر حسابها في “تويتر” إلى أن “قوات سلاح الجو استهدفت حتى الآن 181 هدفا للمنظمات الإرهابية في إطار عملية نبع السلام”.

وكانت الوزارة أعلنت مساء أمس بدء العملية البرية في منطقة شرق الفرات، بعد التمهيد الجوي خلال الساعات السابقة، والذي استهدف مواقع الوحدات الكردية في مدينة رأس العين وأطرافها، إلى جانب قرية مشرافا القريبة منها، وقرية عين عيسى في الريف الشمالي للرقة ومناطق أخرى.

وأكدت مصادر سورية لـ “العربي الجديد” أن فصائل المعارضة السورية المنضوية في “الجيش الوطني السوري”، والتي تشارك في العملية بدأت قبل ظهر الخميس، التحرك نحو مدينتي تل أبيض ورأس العين، مشيرة الى أن مهمة تمشيط المدينتين تركت لـ”الجيش الوطني”.

كما أكدت ذات المصادر أن الجيش التركي أقام قاعدة على الفور بين منطقتي تل ابيض ورأس العين بالقرب من منطقة بير عاشق، وتوغل شرقي تل ابيض نحو 4 كيلومترات وغربها نفس المسافة، وسيطر على عدة قرى منها اليابسة وتل فندر.

من جانبه، قال العميد فاتح حسون القيادي بالجيش السوري الحر إن الأمور الميدانية “تجري وفقا لما هو مخطط” مضيفا في حديث مع “العربي الجديد”: حققت العملية خلال الساعات الأولى نجاحات في المناطق التي انتشرت بها القوات المحررة (التركية والسورية).

وتابع بالقول: “وفق متابعاتنا، فقد كانت مقاومة مليشيا قسد ضعيفة، وفر العديد منهم من المواجهة وتركوا أماكنهم، وهو ما قاموا به سابقا في عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين”.

وعزا حسون سبب عدم مقاومة قوات سورية الديمقراطية الى أن مقاتلي هذه القوات “لا يتمتعون بالكفاءة العسكرية ولا الخبرة القتالية، ولَم يكتسبوا هذه الخبرة من معاركهم السابقة”، مضيفا: “قتالهم لداعش لم يكن بشكل ذاتي ومستقل، فقد كان المطلوب منها التقدم لمناطق كان طيران التحالف يحرقها قصفا قبل تقدم القوات البرية”.

وتابع بالقول: “انسحاب القوات الأميركية وتركها لمليشيا قسد في المواجهة بدون طيران ومدفعية وخبراء عسكريين أظهر مقاتلي هذه القوات على حقيقتهم”.

واستدرك بالقول: “قد نجد مقاومة منهم دفاعية بسبب زرعهم للألغام وتنفيذهم لكمائن، وإطلاقهم لمقاتلي داعش لتنفيذ بعض الأعمال الانتحارية، لكنهم بالمحصلة سيتراجعون عن المناطق المستهدفة شيئًا فشيئًا”.

من جهتها، قالت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في بيان الخميس، إنها صدت هجوما للجيش التركي على مدينة تل أبيض شمالي محافظة الرقة، مشيرة الى أن الاشتباكات تجري على كامل الحدود بين البلدين.

وقالت قوات سورية الديموقراطية “تصدت قواتنا لمحاولة توغل بري لجيش الاحتلال التركي في محور تل حلف وعلوك” قرب بلدة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي، كما “أفشلت محاولات التسلل من محور تل أبيض التي رافقها قصف عشوائي”.

وأشارت، في بيان آخر، إلى أن الهجمات، التي طاولت “كامل الخط الحدودي”، أسفرت عن مقتل ثلاثة من مقاتليها وخمسة مدنيين وإصابة عشرات آخرين.

وقالت شبكات محلية إن المدفعية التابعة لـ”قسد” استهدفت محيط مدينة نصيبين التركية من مواقعها في مدينة القامشلي، فيما ذكرت وكالة “الأناضول” التركية أن ستة صواريخ أطلقت من القامشلي السورية سقطت في قلب مدينة نصيبين التركية الحدودية، قائلة إن الهجوم نفذ على يد المسلحين الأكراد من داخل الأراضي السورية، مشيرة إلى تحركات مكثفة للطيران الحربي التركي في القواعد العسكرية التي تنطلق منها الهجمات الجوية.

إلى ذلك، أكدت مصادر محلية انشقاق أكثر من (30) عنصرا من الوحدات الكردية في قرية الحاتمية غرب القامشلي، فيما قامت تلك الوحدات بتجريف قرية عرادة شرق رأس العين بعد رفض الأهالي إقامة مقرات عسكرية تابعة لها بداخلها.

من جانب آخر، تجددت الاشتباكات العنيفة على محاور ريف حلب الشمالي بين القوات الكردية و”الجيش الوطني” التابع للمعارضة السورية على محور “الدغلباش” بريف مدينة الباب وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

إلى ذلك، ذكرت شبكة “دير الزور 24” أنّ قوات النظام السوري في دير الزور أرسلت تعزيزات إلى بلدة الصالحية شمال مدينة دير الزور، مساء أمس.

وأوضحت أن خمس حافلات كبيرة محمّلة بالمقاتلين توجهت من اللواء 137 باتجاه بلدة الصالحية، فيما يبدو أنه تعزيزات لقوات النظام في تلك المنطقة، وذلك بالتزامن مع إرسال المليشيات الرديفة لقوات النظام تعزيزات إلى النقاط التي تسيطر عليها شرق الفرات.

نبع السلام: قطر تؤيد..واسرائيل تندد

هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تركيا مجدداً على خلفية العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، قائلاً “أنا أراقبكم عن كثب وسأضرب ماليا إذا لم تلتزموا بقواعد اللعب”. في حين دعت بريطانيا لضبط النفس، وحذرت من أن الخطوة “تهدد بتقويض القتال ضد المتشددين وقد تسبب معاناة إنسانية”. وقال وزير الخارجية دومينيك راب، إنه تحدث مع مسؤولين أتراك “للتعبير عن خيبة أمل بريطانيا وقلقها حيال التوغل العسكري في شمال شرق سوريا وللمطالبة بضبط النفس”.

وانضم إلى جوقة المنددين بالعملية التركية، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، “محذراً من احتمال حدوث تطهير عرقي”. وقال في “تويتر”: “إسرائيل تندد بقوة بالغزو التركي للمناطق الكردية في سوريا وتحذر من ضلوع تركيا ووكلائها في تطهير عرقي للأكراد”. وأضاف: “إسرائيل مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية للشعب الكردي المغوار”.

في حين أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال مباحثات مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في القاهرة، على رفض مصر “للعدوان التركي على سيادة وأراضي سوريا” الذي “يتنافى مع قواعد القانون الدولي وقواعد الشرعية الدولية”، محذراً من “التداعيات السلبية على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وعلى مسار العملية السياسية في سوريا وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وكذا على الاستقرار والأمن في المنطقة بأسرها”.

في المقابل، أبلغ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، نظيره القطري الشيخ خالد بن محمد العطية، بسير عملية “نبع السلام”، وقال إن قطر أعلنت دعمها للعملية.

وبحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية فإن وزير الدفاع القطري هو أول مسؤول أجنبي يبلغه أكار في اتصال هاتفي بينهما، معلومات عن سير هذه العملية.

واعتبر أكار في مكالمته الهاتفية، أن عملية التوغل في أراضي دولة عربية تأتي في إطار حقوق تركيا النابعة من القانون الدولي، و”الحق المشروع في الدفاع عن النفس” المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

وقال أن العملية تجري في إطار احترام وحدة الأراضي السورية، مشيرا إلى أن القوات المشاركة في العملية تستهدف أتباع التنظيم الإرهابي ومواقعه وآلياته وأسلحته فقط.

وأشار إلى أن قوات بلاده تبذل قصارى جهدها لعدم إلحاق أي ضرر بالأماكن التاريخية والثقافية والدينية والبنية التحتية وبالعناصر التابعة للدول الصديقة والحليفة التي ربما تتواجد في المناطق المستهدفة.

وذكر بيان وزارة الدفاع التركية أن الوزير القطري أعلن عن دعم بلاده لعملية “نبع السلام” لتكون قطر بذلك أول دولة في العالم تعلن دعمها لهذه العملية.

بدروه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، أن “الاعتداء التركي على السيادة والأراضي السورية من شأنه أن يشعل العداء في المنطقة بشكل يصعب السيطرة عليه”.

وأشار أبو الغيط أمام مؤتمر كلية الدفاع التابعة للناتو بروما، إلى أن لهذا “الاعتداء نتائجه وستكون سلبية وعديدة”، مشدداً على أن “التدخلات الأجنبية من جانب القوى الإقليمية في الشؤون العربية قد أدت إلى تأجيج الأزمات العربية وصعبت من إمكانية تسويتها، وأن الاعتداء التركي الأخير على الأراضي السورية سوف يسهم في تعقيد المشهد”.

مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، قال إن فلاديمير بوتين ونظيره التركي، أجريا حديثا عبر الهاتف أكد فيه الأخير “التزام تركيا بسيادة سوريا ووحدة أراضيها”.

وأضاف أوشاكوف “مع بدء العملية العسكرية الآن، نحن نرى أنه من المهم أن يتحلى جميع المعنيين بضبط النفس ويدرسوا بعناية خطواتهم العملية (…) من أجل الوصول إلى تسوية سياسية”.

وأوضح ممثل الكرملين أن “اللجنة الدستورية في سوريا قد تم تشكيلها واجتماعها الأول متوقع بتاريخ 29 أكتوبر”، مشددا على ضرورة ألا تتعرض جهود هذه اللجنة للعرقلة عبر خطوات غير صائبة.

وفي السياق، أكد أوشاكوف أنه لم يخطط حاليا لأي مكالمة هاتفية بين بوتين والأسد على خلفية العملية العسكرية التركية.

“نبع السلام”تتقدم من 3 محاور..و”قسد”تنسحب بلا قتال

سيطرت قوات الجيش التركي و”الجيش الوطني” السوري على قرى في محيط مدينتي تل ابيض شمالي الرقة، ورأس العين شمالي الحسكة، في اطار عملية “نبع السلام” ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية، المنضوية في “قوات سوريا الديموقراطية”، بحسب مراسل “المدن”.

وبسطت قوات “الجيش الوطني” من “الفيلق الثالث” سيطرتها على قرى اليابسة وتل فندر في المحور الغربي لمدينة تل أبيض، بمشاركة قوات تركية، وما زالت تواصل تقدمها.

ولم تواجه القوات التركية و”الجيش الوطني” صعوبات في التقدم والسيطرة على تلك المواقع، نتيجة انسحاب “قسد” منها من دون مواجهات، وسط تبادل للقصف بالمدفعية والهاون.

وعلى المحور الشرقي لمدينة تل أبيض، أحرزت القوات التركية تقدماً واسعاً وسيطرت على قرى أهمها بئر عاشق والجلاب والمشيرفة، وخاضت اشتباكات عنيفة ضد “قسد” بمختلف الأسلحة، ولم ترد انباء عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

وفي محور راس العين، شنت قوات الجيش التركي بمشاركة قوات “الفيلق الثاني” التابعة لـ”الجيش الوطني” هجوماً على المحور الغربي للمدينة، وسيطرت خلاله على قريتي تل حلف وكشتو، بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين ووسط تغطية نارية كثيفة من المدفعية والطيران الحربي التركي.

وتسعى القوات التي دخلت من محور راس العين لقطع طرق إمداد “قسد”، الواصلة بين تل ابيض ورأس العين.

ويتبع الجيش التركي و”الجيش الوطني” استراتيجية الالتفاف حول مدينتي تل ابيض ورأس العين، من ثلاث جهات، وترك منفذ وحيد منها لإجبار “قسد” على الانسحاب من مراكزها.

وردت “قسد” بامطار البلدات والقرى الحدودية التركية بقذائف الهاون، ما أدى لاصابة العديد من المدنيين الاتراك، ونزوح آلاف المدنيين من الشريط الحدودي نتيجة القصف العشوائي.

إسلاميو المعارضة:”نبع السلام”معركة بين مرتدين وملاحدة؟

يسود الجدل بين الفصائل المعارضة والإسلامية والتنظيمات الجهادية، حول مشروعية المشاركة في العملية العسكرية التركية “نبع السلام”، ويبرر كل طرف موقفه من العملية بذكر الأهداف والمصالح المفترض تحقيقها، والمفاسد المترتبة عليها، بحسب مراسل “المدن” خالد الخطيب.

ويواصل قادة “الجيش الوطني” تطمين الأهالي شرقي الفرات، ويتحدثون عن مشاركة كبيرة للفصائل في العمليات البرية ضد مواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية.

فصائل “الجيش الوطني” تقول إن مشاركتها في المعركة خيار استراتيجي، وهي مشروعة وتحقق لها وللثورة السورية الكثير من الأهداف، أهمها، “القضاء على الكيان الانفصالي وقطع الطريق على مشروع التقسيم الأكثر خطورة على وحدة سوريا”، والقضاء على “وحدات الحماية” وإبعاد قيادات “العمال الكردستاني” من سوريا، والاستفادة من الثروات الطبيعية شرقي الفرات لصالح المعارضة، وإنقاذ أهالي شرقي الفرات من الظلم وممارسات أجهزة “الأسايش” الأمنية، وتؤمن العملية عودة آلاف اللاجئين والنازحين إلى مدنهم وبلداتهم، وتعيد للمعارضة مساحة كبيرة من الأراضي التي خسرتها لصالح “الوحدات”.

الشرعي في “فيلق الشام” عمر حذيفة، اعتبر المشاركة في المعركة واجباً شرعياً، وقال في “تلغرام”: “إن كان في المعركة مصلحة تركية لضمان أمنها القومي فهذا حقها، ولكنها مصلحة سورية لنا كسوريين، فإن تقاطعت المصالح بيننا فبها ونعمت، فقتال قسد لا يقل أهمية عن قتال الروس ومليشيات النظام”.

مشايخ آخرون في الفصائل الإسلامية قالوا، إن معركة “نبع السلام” ضرورية لأنها “تستهدف تنظيماً ينشر الإلحاد كثقافة، ويحيي ديانات وثنية قديمة، ويدعم حملات التنصير بين الكرد، وينشر الانحلال الأخلاقي ويعمل على تفكيك المجتمع وسلخه عن ثقافته وعاداته، ويسحق ويقتل المعارضين ويهدم القرى المعارضة، ويتبع سياسة التهجير ضد الشباب الكردي الرافض لسلطتهم، ويفرض قوانين مصادمة للشرع والفطرة، ويخطف الأطفال والفتيات لتجنيدهم، ويسهل تعاطي المخدرات والاتجار بها، ويهدم العملية التعليمية والتربوية، ويمنع المسلمين من القيام بالشعائر”.

ويبدو أن “هيئة تحرير الشام” تؤيد العملية العسكرية “نبع السلام”، وقال أنصارها، إن “وحدات الحماية” استغلت الظروف لتحقق طموحاتها التوسعية معتمدة على الحليف الأميركي، وهي لا تقل خطراً عن مليشيات النظام التي كانت تنسق معها ميدانياً ضد المعارضة في حلب قبل نهاية العام 2016. موقف “تحرير الشام” الحالي، يتطابق مع تصريحات سابقة لقائدها، أبو محمد الجولاني، قالها في كانون الثاني 2019:” نحن مع توجه تركيا للسيطرة على شرق الفرات، ونرى ضرورة في إزالة حزب العمال الكردستاني، ولن نعيق العملية”.

مشايخ السلفية المستقلين، قالوا، إن “قتال وحدات الحماية، واجب، وبأي وسيلة متاحة وفيه مصالح عظيمة ودفع لمفاسد كبيرة، وسواء حصل مع الجيش التركي أو بدونه”. الشيخ عبد الرزاق المهدي، قال في “تلغرام”: “القتال مع الجيش التركي يدخل في باب أخف المفسدتين وأقل الضررين، وإذا قيل بأن الجيش التركي علماني فكيف نقاتل معه، سيكون الجواب، إنه علماني لكنه يسمح بالشعائر الإسلامية، وهو خير من شيوعي يمنع ذلك ويسخر من الشعائر ومن الإسلام المسلمين، والأدلة على جواز القتال إلى جانب الجيش التركي كثيرة في القرآن والسنة”.

التنظيمات الجهادية التابعة لـ”القاعدة”، قالت إن العملية العسكرية “نبع الفرات”، هي بين “المرتدين والملاحدة (بين الجيشين الوطني والتركي من جهة، ووحدات الحماية من جهة ثانية)، ومن الأفضل أن تتحول المعركة لمقتلة لكليهما”. ويشبه موقف “حزب التحرير”، موقف التنظيمات الجهادية من المعركة، ويتهم أنصار الحزب المشاركين من الفصائل بـ”المرتزقة للمشروع التركي”.

الجيش التركي يتوغل بسرعة.. و”قسد” تناور/ عدنان الحسين

عادوت المقاتلات التركية قصف مواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية، على الشريط الحدودي السوري، صباح الخميس، بعدما تمكنت قوات تركية وأخرى من فصائل “الجيش الوطني” من التوغل برياً في أكثر من محور على طول الحدود شرقي الفرات.

وتمكنت القوات التركية بمشاركة من قوات المعارضة من التوغل برياً بعمق 5 كيلومترات شرقي تل ابيض، وغربي رأس العين من قرية تل أرقم، وتمكنت من قطع الطريق الواصل بين المدينتين، بعد قصف جوي مكثف استهدف معظم نقاط وتمركزات “قوات سوريا الديموقراطية” في المنطقة. الجيش التركي وفصائل “الجيش الوطني” تمكنت صباح الخميس من دخول قرى بير عاشق والحاوي وكصاص شرقي ‎تل أبيض.

وشنت المقاتلات الجوية التركية عشرات الغارات استهدفت مخافر حدودية لـ”قسد” على طول الحدود مع سوريا ومعسكرات تدريب ومستودعات سلاح في كل من الدرباسية والقامشلي وعين العرب كوباني وبلدة عين عيسى، منفذة منذ ليل الأربعاء/الخميس، أكثر من 181 غارة جوية.

القصف الجوي تزامن مع قصف مدفعي مكثف استهدف اهداف كثيرة على عمق 10-20 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، بالإضافة لاستهداف حواجز على أطراف البلدات والقرى المحيطة بمدينتي تل أبيض ورأس العين. وحاولت “قسد” التمويه للتشويش على القصف، وحرقت إطارات السيارات التي أحدثت غيمة سوداء، لكنها لم تثنِ الطيران عن القصف.

وأدى القصف التركي بحسب مصادر “المدن” المحلية الى مقتل أكثر من 10 مقاتلين من قوات “قسد”، وإصابة العشرات الذين نقلوا إلى مشافي عين عيسى بريف الرقة الشمالي، وإلى مشفى القامشلي، إضافة الى اصابة مدنيين في قصف على أحد أحياء مدينة القامشلي.

وخاضت القوات التركية اشتباكات عنيفة ضد “قسد”، وسمعت أصوات القصف والاشتباكات من مسافات بعيدة. وأعلنت “قسد” صد هجومين على الأقل باتجاه تل أبيض والدرباسية ورأس العين.

كما ردت “قسد” بقصف عشوائي استهدف مدن جيلان بينار واكجه قلعة وكركميش التركية، كما قصفت مدينة جرابلس السورية وتسببت بقتل مدني واصابة 7 أخرين. كما قصفت أطراف مدينة الباب ومدينة مارع بريف حلب، في تحرك لإشعال كافة الجبهات على محاور القتال ضد قوات المعارضة المدعومة من تركيا.

ورغم القصف الجوي والمدفعي دفعت “قسد” بعناصر وآليات باتجاه الحدود، كما رفعت سواتر وحفرت العديد من الخنادق، في نية لمواجهة الجيش التركي، رغم فرق القوة والعتاد العسكري.

وتعتمد “قسد” على نقاط قوة متعددة لمواجهة الجيش التركي أبرزها منع المدنيين من النزوح من المدن الحدودية، إذ رصدت مصادر “المدن” منع “قسد” لأهالي عامودا والدرباسية والقامشلي من النزوح، وحدثت مشادات كلامية مع المدنيين، بغية استخدامهم كورقة ضغط من أجل وقف القصف الجوي والمدفعي.

كما تعتمد “قسد” على الخنادق والانفاق التي لم تقم بتدميرها أثناء تنفيذ اتفاق “المنطقة الأمنة” بين تركيا والولايات المتحدة، والتي كانت أحد أسباب تسريع العملية العسكرية من قبل تركيا التي اكتشفت ان “قسد” تستمر بحفرها وتشييدها. وتنوي “قسد” التخفي والتحرك عبرها مما يعطيها مرونة في المناورة.

وتعتبر جغرافية المنطقة إحدى أبرز نقاط الضعف لدى “قسد” في المعركة، إذ لا توجد جبال أو غابات، ما يعرقل حركة عناصرها، على عكس مناطق عفرين، ما قد يساهم بحسم الجيش التركي السريع للمعركة.

من الجهة الأخرى، يتمتع الجيش التركي بأفضيلة كبيرة على كافة المستويات؛ نوعية الأسلحة والقوة النارية، والتفوق الجوي من خلال الطائرات الحربية المتطورة، والتي سبق وساهمت بشكل كبير بتسريع السيطرة على مدينة عفرين ومحيطها.

وينوي الجيش التركي التوغل في سبعة محاور متفرقة، يبدأ المحور الأول من غربي مدينة تل أبيض بنحو 15 كيلومتراً وبعمق 10 كيلومترات، كما سيتوغل من محور مدينة تل أبيض وهو المحور الرئيس بتعداد مقاتلين يصل لنحو 4000 مقاتل معظمهم من الجيش التركي. والمحور الثالث باتجاه بلدة سلوك، وسيكون الثقل فيه لقوات المعارضة السورية والجيش التركي مناصفة، ومن ثم في محاور عامودا والدرباسية ورأس العين والقامشلي.

ومن الواضح أن الجيش التركي لا يريد التوغل والمواجهة داخل مدن تل ابيض ورأس العين تحديداً، بل الالتفاف حولها، وذلك بدا من خلال القصف الذي استهدف كافة التحصينات حول تلك المدن تخفيفاً لحجم الخسائر التي تقع في حال وقوع مواجهات مباشرة.

ورغم أن عدد قوات المعارضة التابعة للجيش الوطني المشاركة في العملية العسكرية لا يبلغ سوى نحو 5 آلاف مقاتل إلا أنهم سيكونون بوصلة التحرك كون معظمهم من أبناء تلك المناطق، كما أن المكون العربي ضمن “قسد” قد يصبح بيضة القبان في حال حدوث انشقاقات متوقعة ما قد يشكل ضربة قوية لـ”قسد” بشكل عام.

ومع بداية العملية العسكرية والتوغل البري لا تزال التعزيزات التركية مستمرة بالوصول إلى الحدود الجنوبية، وهي أكبر تعزيزات تصل للمنطقة. وتتخوف تركيا من هجمات قد يشنها حزب “العمال الكردستاني” داخل الأراضي التركية، كانتقام من العملية شمال شرقي سوريا. لذلك جهّزت تركيا كافة الإمكانيات العسكرية والأمنية والتقنية من أجل العملية. كما أعلنت اقفال المدارس في القرى والبلدات الحدودية مع سوريا ليومين كإجراء احترازي بعد قصف “قسد” لها.

ويتوقع محللون ومراقبون أن تسرّع تركيا من توغلها العسكري، كسباً للوقت، بعد حملة التنديد الواسعة والانتقادات التي تعرضت لها العملية من دول عربية وأوروبية.

شرق الفرات: الهجوم البري بدأ.. تنديد دولي وتنبيه أميركي

أعلنت وزارة الدفاع التركية ليل الأربعاء، بدء الهجوم البري شرقي الفرات بمشاركة قوات تركية وقوات “الجيش الوطني السوري” في إطار عملية “نبع السلام”.

وأفادت قناة “الجزيرة” أن قوات تركية عبرت الحدود السورية باتجاه مدينتي تل أبيض ورأس العين (شرق الفرات) اللتين تسيطر عليهما “قوات سوريا الديموقراطية” عبر ثلاثة معابر تؤدي إلى منطقة شرق الفرات.

واندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة غرب تل أبيض بين “قوات سوريا الديموقراطية” والجيش التركي.

ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول الإعلام الحربي في “قوات سوريا الديمقراطية” مرفان قامشلو قولهم، إن قواتهم اشتبكت مع قوات تركية على طول الحدود. وأكد أن القصف التركي للمنطقة الحدودية أودى بحياة خمسة مدنيين وتسبب في إصابة عشرات آخرين بجروح، كما أسفر عن مقتل ثلاثة من عناصر “قسد”.

في المقابل، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتدمير اقتصاد تركيا إذا قضى التوغل التركي في سوريا على السكان الأكراد في المنطقة.

وفي رده على سؤال لأحد الصحافيين عما إذا كان يخشى من أن يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على القضاء على الأكراد، قال ترامب “سأمحو اقتصاده إذا حدث ذلك”.

وأضاف قائلا “فعلت ذلك بالفعل من قبل مع القس برانسون” وذلك في إشارة إلى عقوبات أميركية على تركيا بشأن احتجاز مواطن أميركي. وقال الرئيس الأميركي “أتمنى أن يتصرف بعقلانية”، واعتبر أن واشنطن تخلصت من الحرب في سوريا ومن لعبها دور الشرطي في المنطقة، داعياً دول المنطقة إلى القيام بهذا الدور.

وأشار ترامب إلى أن واشنطن نقلت عدداً من عناصر “داعش” الأشد خطورة خارج سوريا، ودعا زعماء الدول الأوروبية إلى استعادة مواطنيها الذين انضموا إلى “داعش” واحتجزهم الأكراد في سوريا.

في غضون ذلك، نددت دول عربية وأوروبية بالعملية التركية. واعتبرت السعودية الهجوم التركي “عدواناً” على مناطق الأكراد في شمال شرق سوريا، محذّرةً من أنّ الهجوم يُهدّد أمن المنطقة ويُقوّض جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة المتطرّف.

وبينما أبدت الإمارات والبحرين ومصر مواقف مماثلة، أعلنت قطر أنّ أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتّصل بالرئيس التركي رجب طيّب إردوغان وناقش معه “المستجدّات” في سوريا، من دون أن تدين الإمارة العمليّة.

وقالت وكالة الأنباء القطريّة إنّ الشيخ تميم اتّصل بإردوغان واستعرض معه “العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين الشقيقين وسُبل دعمها وتعزيزها، إضافةً إلى مناقشة آخر التطوّرات الإقليميّة والدوليّة، لاسيما مستجدّات الأحداث في سوريا”.

وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لو دريان، ندد بالهجوم التركي وحلفائها من المعارضة السورية على شمال شرق سوريا. وأضاف أن الهجوم “يهدد الجهود الأمنية والإنسانية للتحالف في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ويشكل خطرا على أمن الأوروبيين ويتعين وقفه”.

وقالت ألمانيا إن التحرك التركي “سيزيد من زعزعة الاستقرار وقد يساعد على عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي ساعدت قوات سوريا الديموقراطية في هزيمته بسوريا”.

وسيجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الخميس، بناء على طلب من دول أوروبية عبرت عن قلقها من الهجوم. وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إن “التكتل لن يمول خطط أنقرة في المنطقة”. وقال: “إذا كانت الخطة تتضمن إقامة ما يسمى بمنطقة آمنة، فإن عليها ألا تتوقع أن يدفع الاتحاد الأوروبي أي أموال في هذا الشأن”.

وأعرب وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو عن استنكاره الشديد للانتقادات الموجهة لهذه العملية تحت ذريعة أنها ستعرقل عملية مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي، وأنها ستؤدي إلى حدوث أزمات إنسانية، مضيفًا للرد عليهم “لقد تعبنا من ضرب المنافقين في وجوههم، فهؤلاء لم يتعبوا أو يملوا من النفاق مع الأسف، لكننا سنواصل ضربهم في وجوههم”.

وفي إشارة إلى السعودية، وبيانها المستنكر للعملية التركية، قال وزير الخارجية التركية “لقد قتلتم في اليمن أعداداً هائلة من البشر، وتركتموهم جوعى. ومات الكثير منهم بسبب حصاركم لهم. إذا بأي وجه تتطاولون علينا بألسنتكم وتعارضون هذه العملية”.

وأجرى تشاووش أوغلو، اتصالا هاتفيا مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، ومع نظيره الروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، وأطلعهما على معلومات حول عملية “نبع السلام”.

وأعلن وزير الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة “لم تعط أي ضوء أخضر لتركيا لشن عملية عسكرية في سوريا”.

من جهته، قال وزير الخارجية البريطانية دومينيك راب، إن لديه “مخاوف بالغة” بشأن الهجوم التركي على شمال شرق سوريا.

وأضاف راب في بيان “المخاطر (تتضمن) زعزعة استقرار المنطقة وتفاقم المعاناة الإنسانية وتقويض التقدم الذي أُحرز في مواجهة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) وهو ما يتعين أن نركز جميعا عليه”.

تركيا: اعتقال منتقدي “نبع السلام” واردوغان يتلاعب بورقة اللاجئين/ أحمد الأحمد

مضت ساعات على بدء العملية العسكرية التي تشنّها القوات التركية والمعارضة السورية المتحالفة معها على منطقة “شرق الفرات” السورية.

تستهدف العملية بحسب التصريحات الرسمية التركية، إنشاء منطقة آمنة تمتد من نهر الفرات غرباً حتى المالكية شرقاً، وإزالة ما تعتبره السلطات التركية “الممر الإرهابي” على حدودها مع سوريا، وضمان عودة جزء من اللاجئين السوريين من تركيا ودول أخرى إلى المنطقة الآمنة.

لكن في المقابل، هناك خشية دولية من تفاقم النزاع وتحوّل العملية العسكرية لتصفية حسابات خصوصاً مع تصاعد المخاوف من هروب سجناء تنظيم “داعش” او اعادة تجمع صفوف هذه الجماعة من جديد في ظل الهجوم التركي.

وتمتد المنطقة الآمنة المستهدفة، على طول الحدود السورية – التركية من الضفة الشرقية لنهر الفرات في ريف حلب الشمالي، حتّى الحدود العراقية بطول 460 كيلومتراً، وعمق 30 – 40 كيلومتراً، في الداخل السوري، وتشمل مدناً وبلدات عدة، عين عرب، رأس العين، القامشلي، تل أبيض والمالكية.

القيادة التركية بدت جادة في اقتحام منطقة شرق الفرات خصوصاً بعد الضوء الأخضر الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترامب. ومع تصاعد حدة الانتقادات الدولية حذر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من انه سيرسل ملايين اللاجئين الى اوروبا اذا تم تسمية العملية بـ”الاحتلال”…

وكان لافتاً حملة الملاحقات التي طاولت منتقدي العملية العسكرية التركية خصوصاً لناشطين عبر السوشيال ميديا…

ملاحقة معارضي الحملة

بينما يدور الجدل الحاد بين الأتراك عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيّد ورافض للعملية العسكرية، بدأت قوات الأمن التركية تعقب محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الذي تعتبره مناهضاً للعملية العسكرية.

وذكرت المديرية العامة للأمن التركي على موقعها الإلكتروني الليلة الماضية أن المنشورات “تحرض الناس على الحقد والكراهية”، واتهمت أصحاب المنشورات بالتورط في “دعاية لمنظمة إرهابية”، وهي اتهامات قد تتسبب في سجن المتهمين بها لسنوات.

ووفقاً لوسائل إعلام تركية، فإنه حتّى الآن، بدأت الإجراءات القانونية بحق 78 شخصاً، من دون أن يتضح على الفور ما إذا كان تم توقيف أيٍ منهم.

وكانت السلطات التركية اتخذت خطوة مماثلة ضد مناهضي عملية “غصن الزيتون” التي سيطرت تركيا خلالها على عفرين عام 2018، وتم اعتقال مئات المدنيين الذين ناهضوا الحملة العسكرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إجماع حزبي

سياسياً، وعلى رغم الانقسام الحاد والشرس بين الأحزاب التركية، إلّا أنّها أجمعت على تأييد المعركة، بغض النظر عن أيديولوجياتها، وذلك وفق البيانات الحزبية التي رصدها “درج”.

وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أطلع زعماء أحزاب المعارضة في بلاده على معلومات عن العملية العسكرية.

وأعلنت رئاسة دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية في بيان، أن أردوغان أجرى اتصالاً بزعماء أحزاب “الشعب الجمهوري” كمال كليجدار أوغلو، و”الحركة القومية” دولت باهتشلي، و”إيي” مرال أقشنار، وأطلعهم على معلومات حول العملية.

يُعتبر “حزب الشعب الجمهوري – CHP” من أقدم الأحزاب التركية، وأشدّها معارضة للحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، ويتبنّى الأفكار الأتاتوركية العلمانية.

زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كلشدار أوغلو، تمنى “النصر للجنود الأتراك في المعركة”.

وقال كلجدار أوغلو، في تغريدة على “تويتر”: “نتمنى لجنودنا الأبطال النصر في المعركة من دون أن ينزف أنف أي واحد منهم”.

    Dualarımız, kahraman askerlerimizin burnu dahi kanamadan #BarışPınarıHarekatı’nın bir an önce başarılı bir şekilde tamamlanması için… Allah evlatlarımızı korusun, Allah evlatlarımızı muzaffer eylesin.

    — Kemal Kılıçdaroğlu (@kilicdarogluk) October 9, 2019

أما حزب “الحركة القومية التركية” (MHP)، فاتخذ موقفاً موازياً بتأييد العملية التركية، وقال رئيس الحزب دولت باهشيلي، “أؤيد العملية المسلحة التي يخوضها الجيش التركي برفقة الجيش الوطني السوري، في عملية كبيرة للقضاء على وحدات الحماية الكردية وحزب العمال الكردستاني وداعش”، وذلك بحسب ما نقله عنه تلفزيون “NTV” التركي.

أما حزب “الجيّد” (İyi Parti) اليميني المتطرّف، فأوضح على لسان رئيسته ميرال اكشنار، وقوفه بجانب الحكومة التركية وتأييده العملية العسكرية شرق الفرات، وذلك وفقاً لتلفزيون “A HABER”.

و”حزب الشعوب الديموقراطي الكردي”، هو الوحيد الذي رفض العملية العسكرية التركية رفضاً قاطعاً، واعتبرها “احتلالاً”.

وقال الحزب عبر صفحته الرسمية في “تويتر”: “هناك محاولة لاحتلال منطقة يعيش فيها خمسة ملايين إنسان من الكرد والعرب والتركمان والأيزيديين والمسلمين والمسيحيين، ونحن نقولها للمرة الألف لا للحرب”.

    Kürt’ü, Arap’ı, Türkmen’i, Êzidî’si, Müslüman’ı, Hıristiyan’ı; 5 milyondan fazla insanın kardeşlik içerisinde yaşadığı bir bölgeye işgal girişimi başladı. Savaşı desteklemek, bu halklar değil IŞİD çeteleri komşumuz olsun demektir. Bin kez söyledik yine söylüyoruz; SAVAŞA HAYIR! pic.twitter.com/Fiap9muNyn

    — HDP (@HDPgenelmerkezi) October 9, 2019

انقسام في الشارع

بعيداً من موقف الأحزاب التركية، والتي كانت بمعظمها تؤيد العملية العسكرية، فإن الشارع التركي شهد انقساماً حادّاً، وذلك من خلال ما تعكسه الوسوم التي نُشرت عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”.

ولاحظ “درج” أن الأتراك استخدموا ثلاثة وسوم تخص إبداء رأيهم بالعملية العسكرية، الأول هو “بجانب الجيش التركي”، وضمَّ تغريدات من مدنيين يؤيّدون العملية العسكرية، والثاني “لا للحرب”، وغرد به مدنيون أتراك يعارضون هذا العمل العسكري، في حين أن الوسم الثالث هو “عملية نبع السلام”.

وتصدر وسم BarışPınarıHarekatı (حركة نبع السلام) موقع “تويتر” قائمة التغريدات، بما يزيد عن 150 ألف تغريدة، وانطلق بالتزامن مع بدء العملية العسكرية التركية.

وغرّد تحت هذا الوسم، عشرات آلاف الأتراك، بين مؤيّدٍ ومعارض للعملية، وتخلل التغريدات تبادل اتهامات ونقاشات حادّة بين مؤيدي العملية ومعارضيها.

على إثر تبادل الاتهامات، دشّن مؤيّدو العملية العسكرية وسماً على “تويتر” هو TürkMilletiOrdusununYanında (بجانب الجيش التركي)، وحمل آلاف التغريدات التي تدعم الجيش التركي في المعركة، وتدعو إلى تشييد المنطقة الآمنة، في حين دشّن معارضو العملية العسكرية وسماً على “تويتر” هو savaşahayır (لا للحرب). وتحدّث ناشطون ومواطنون أتراك عن أضرار هذه المعركة على المدنيين، داعين إلى إيقافها وحماية المدنيين في الداخل، إضافةً إلى عدم إرسال الجنود الأتراك إلى سوريا.

تراجع قيمة الليرة

بالتزامن مع بدء العملية العسكرية، سجّلت الليرة التركية انخفاضاً ملحوظاً أمام العملات الأجنبية الأخرى.

وانخفضت قيمة الليرة السورية لتصبح 5.9 ليرة مقابل الدولار الواحد، بعدما كان الدولار يعادل 5.7 ليرة تركية، كما سجلت الأسهم التركية تراجعاً لافتاً في بورصة إسطنبول للأوراق المالية.

ووفق وكالة “بلومبرغ” فإن المؤشر الرئيسي لبورصة إسطنبول تراجع بنسبة 17 في المئة، بينما خسرت الليرة قيمتها في سوق العملات بنسبة واحد في المئة، بخاصة مقابل الدولار الأميركي.

وقالت بلومبرغ: “تراجعت قيمة الليرة بمجرد بدء تركيا هجومها العسكري على شمال شرقي سوريا، ما أعاق الجهود التي بذلتها مصارف الدولة لدعم العملة مقابل الدولار”.

ونقلت الوكالة عن الخبير المالي التركي دميرشيوغلو قوله: “إن انفراد أنقرة بالقرار ضد سوريا وعدم السماع للمجتمع الدولي بهذا الخصوص، يعني أيضا ضرورة تحملها مسؤولية تبعات قرارها”.

وأضاف أن “السوق قد تظل مضطربة حتى تتضح الأمور بعد نهاية العملية العسكرية التركية في سوريا”.

درج

كيف فاض “نبع السلام” التركي على المدنيين الأكراد ؟/ شفان ابراهيم

بوجهها الشاحب وعلامات الحيرة والقلق التي تملأه، وقفت جيانا (35 سنة) أمام محطة وقود “النصر” في وسط القامشلي، منتظرة دورها وسط ازدحام خانق. تمتمت بصوت مخنوق “لوين رايح البلد محد عرفان”.

 لم تكن سوى واحدة من مئات الذين احتشدوا لملء عرباتهم بالوقود، خوفاً من انقطاعه المحتمل في الأيام المقبلة.

يقول جوان (27 سنة) الذي ملأ صندوق مركبته بمواد غذائية وربطات الخبز، “لم أعد أصدق ما يقوله الجميع، كُلهم يكذبون علينا، ها هي الحرب تبدأ، وبعد أن نصبح قرابين سيتصالحون ويضحكون سوياً وعائلتي وحدها ستدفع الثمن”.

وبعد انسحاب القوات الأميركية قبل أيام من نقطتين عسكريتين للمراقبة على طول الحدود بين سري كانيه/ رأس العين وكريسبي/ تل أبيض، صعّدت تركيا لهجتها وخطابها، وأعلنت الوصول إلى نهاية الترتيبات اللازمة للعملية العسكرية في شرق الفرات. وتصر تركيا على أن “وحدات الحماية الشعبية” التابعة للاتحاد الديموقراطي والإدارة الذاتية، هي امتداد “لحزب العمال الكردستاني” المحظور في تركيا منذ عقود.

بدء المعركة

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انطلاق العملية العسكرية في شمال شرقي تركيا، التي بدأت بقصف جوي على بلدتي تل أبيض ورأس العين، وقرية “سيكركا” في ريف قامشلو، وأعلنت “قوات سوريا الديموقراطية” في المقابل النفير العام.

دفعت هذه الأوضاع قسماً من أهالي تلك المناطق إلى النزوح باتجاه تل تمر وقامشلو، وشهدت الدرباسية اشتباكات متقطعة عبر المعبر الحدودي حيث لا يفصل بين الطرفين سوى بضعة أمتار.

بيأسٍ وخوف كبيرين يصف زين (19 سنة) لحظات خروجه من مدينته سري كانيه: “التفت إلى الخلف وشعرت بأنني لن أعود إلى مدينتي مُجدداً، بقي والدي في المدينة، لا أعرف ماذا سيفعل وهو من دون سلاح. مللنا من هذه الحرب، كر وفر من دون نتائج، أصبح عقلي أكبر من عمري، أستطيع القول هرمنا ونحن ما زلنا أطفالاً”.

يقف أبو خالد مُدرس مادة الفيزياء أمام أحد الأفران التي شهدت تجمع عدد كبير من الراغبين بشراء الخبز، “أين سنذهب، المنطقة كلها حدودية، وتحت سيطرة قسد، وما أخشاه أن تشمل العملية التركية المنطقة كُلها، وليس من تل أبيض باتجاه سري كانيه وحسب”. يتحسر أبو خالد على ما يحصل لمدينته ويضيف: “علاقتي بقامشلو أشبه بعلاقة السمكة بالماء”.

وفيما كان “درج” يعدّ هذا التقرير، شهدت مدينة قامشلو سقوط قذائف على أطرافها، ما تسبب بحالة ذعر وخوف، وخلت الشوارع والمطاعم والمقاهي من الناس.

يشعر المتجول في تلك الشوارع بأن ثمة رعباً يمتد إلى زوايا المدينة وبيوتها ودكاكينها ووجوه ناسها. استوقفتنا دورية للأسايش، لم تمر دقيقة قبل أن يُطلَب منا الابتعاد من أي منطقة حدودية.

من جهة أخرى يوضح أحد الموظفين المهمين في الإدارة الذاتية لـ”درج” أن “ثمة خوفاً على مصير هذه الإدارة، لو دخلت تركيا إلى حيث تُصرح فإننا سننقطع جغرافياً عن كوباني ولن يبقى من سيطرة الحزب سوى محافظة الحسكة، وما نخشاه أن تتمدد تركيا أكثر إلى بقية المناطق”.

في الجولة بين شوارع قامشلو، كان أزيز الرصاص ينشر الرعب والموت في كل ناحية، وشهد حيّ الهُلالية خروج بعض الأهالي من بيوتهم ولجوئهم إلى منازل بعض أقاربهم وأصدقائهم بعد سقوط رصاص بين منازلهم.

الناشط فنر محمود الذي كان يتجول في أحياء قامشلو للتعرف إلى أوضاع الناس، يقول لـ”درج”: “بدأت حركة النزوح وإن بأعداد قليلة، وهناك من أكدّ لي أن بعض الأسر لجأت إلى أقبية المنازل خوفاً من سقوط القذائف. لسان حال الأهالي هو الأمان والعيش بعيداً من الحرب، يطالبون بمشاركة بيشمركة روج أفا في حماية المنطقة”.

نشر المُدرس أبو هفال، على “فايسبوك” نبأ وفاة صديقه متأثراً بجروحه، ويروي لـ”درج”: “كان جاري وصديق الطفولة أكرم محمد عائداً إلى منزله، فسقطت قذيفة تركية بالقرب منه في حيّ البشيرية ما أدى إلى مقتله، وإصابة امرأة أخرى بجروح خطيرة”. يخاف أبو هفال على بلدته ومصير قضيته القومية، فيقول: “فلتتوقف هذه الحرب البشعة، لا نريد المزيد من الدماء، هناك قصف متبادل، فلتتحرك الدول العظمى، نريد العيش بعيداً من العنف”.

تصريحات متضاربة

الهجوم التركي سبقته مواقف أميركية عبر عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن صراحة تخليه عن حلفائه الأكراد والانسحاب من شمال سوريا، ما اعتبر ضوءاً أخضر للهجوم التركي.

عن هذا يقول الصحافي حسام إسماعيل: “الانسحاب الأميركي وصمة عار على جبين سياسة ترامب، وسيبقى حلفاء أميركا يتهمونها بالخيانة ونكث العهود والوعود. السياسة الأميركية لا تعرف شيئاً عن أخلاقيات العمل الإنساني والدفاع عن الحلفاء والأصدقاء”. يتحسر حسام على الدماء التي قدمها الأكراد في محاربة الإرهاب، “يبدو أن شبابنا خاضوا حرباً بالنيابة عن معظم قوى العالم بالمجان، من دون أن يكترث أحدٌ لحالنا”.

لكن المحامي “كوردستان” كما اشترط أن يُسمي نفسه، تبدو ملامح الفرح بادية عليه، إذ يقول “سيجتمع مجلس الأمن لأجلنا، أجزم سيكون لنا وضع جديد، أقله سيكون وقف الاجتياح والخطر التركي على المنطقة وربما نحصل على منطقة حظر طيران، وأتصور سيُطلب من العمال الكردستاني إخراج عناصره من المنطقة”. ويكمل كوردستان: “الاتحاد الديموقراطي لا يستفيد من تجاربه ولا يرغب في أن يتعلم، بالأمس فقدنا عفرين نتيجة سياساته وهو يعلم أنها سقطت بضوء أخضر دولي، وتركيا لو دخلت سيكون بموافقة أميركية- روسية. وهو يعي أن تركيا تتوجس ولن ترضى بوجوده في المنطقة، لكنه يصر على عدم قبول بقية الأطراف معه في تشكيلة سياسية واحدة”.

“هرمنا في انتظار هذا اليوم”، يردد الحاج عمر سعدون (81 سنة). ثم يضيف لـ”درج”: “منذ عقود ونحن نحلم بأن نُدير مدينتنا بأنفسنا، حين جاءت الفرصة لم يستغلها ساستنا بالشكل المطلوب، فقط دفعنا أكثر من 10 آلاف من خيرة شبابنا، للأسف أخشى أن نفقد حلمنا الذي انتظرناه منذ عشرات السنين، وما أخشاه أن تُعاد تجربة عفرين هنا أيضاً”.

تنظر مايا إبراهيم (39 سنة) إلى منزلها الذي استغرق تجهيزه أكثر من عامين، وتقول: “صرفنا مبالغ كبيرة على تجهيزه، كُلها من عمل زوجي الطبيب وعملي في إحدى المنظمات الدولية، ما أخشاه أن تتغير الديموغرافية الكردية، وأن نتحسر على منزلنا ومدينتنا وأن نصبح كالفلسطينيين ونحلم بحق العودة”.

تقول الطبيبة شيرين عبدو من أهالي الحسكة: “ليس للتصريحات والحديث أي معنى، نتجه صوب المجهول، وربما يكون الدمار وضياع القضية والمستقبل والتغيير الديموغرافي. لا أحد يملك حقيقة ما سيحصل، نعيش في مهزلة حقيقية. لو أراد المجتمع الدولي التغيير فليغيّر، لكن لماذا سفك الدماء، ليس بإمكاننا فعل أي شيء لا منعاً ولا موافقة، لسنا سوى بيادق وأجهزة التحكم بيد الآخرين، الشعب المسكين والفقير وحده سيدفع الثمن”.

هل سقط حلم «الدولة الكردية» في سوريا؟

رأي القدس

أعلنت تركيا أمس بدء عملية عسكرية شمال شرق سوريا، والعملية ستكون ـ حسب الصحف التركية ـ في حدود 30 إلى 40 كم داخل الأراضي السورية وبامتداد 120 كم، وقد حدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ظهر أمس أهداف العملية، بأنها قتال «تنظيم الدولة الإسلامية والوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني».

الطرف الأساسي المعنيّ بالهجوم، والمتمثل بالتشكيلات العديدة الأسماء التابعة لحزب العمال الكردستاني التركي، أعلن من جهته النفير والتجنيد العامّ وأطلق ستة صواريخ من مدينة القامشلي سقطت في قلب مدينة نصيبين التركية الحدودية، وبذلك أعاد فعليّا رسم خريطة الصراع الأولى، والتي هي نزاع تاريخي بين طرفين ضمن الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة.

كان السماح لحزب العمال بالامتداد في سوريا بعد عام 2011 نتيجة لصفقة أقامها النظام السوري مع الحزب التركيّ يضمن فيها سيطرة قادته الموجودين في جبل قنديل في العراق، على أكراد سوريا لفصلهم عن الحراك الشعبي السوري العامّ وتوظيف عدائهم التاريخي للدولة التركية في خططه لمواجهة التحديات السياسية والعسكرية الكبرى التي فرضها الحراك السياسي والعسكري للسوريين ضد نظام بشار الأسد.

بقيت هذه الصفقة قائمة إلى أن لاحت فرصة كبرى صنعها انزياح الجغرافيا السياسية للأزمة العراقية والتي أنتجتها مفاعيل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والسيطرة الإيرانية التي تبعته، وتفكيك الدولة العراقية وتسريح جيشها، وحملات الإقصاء الكبرى تحت يافطة «اجتثاث البعث»، ثم انفلات العنف الطائفيّ بين الشيعة والسنّة، وظهور تنظيمي «القاعدة» وخلفه «الدولة الإسلامية»، الذي تمكن من السيطرة على مدينة الرقّة السورية عام 2013 وتحوّل مع السيطرة على الموصل عام 2014 إلى بعبع كبير للعالم.

بعد محاولات فاشلة من إدارة باراك أوباما لتوظيف فصائل المعارضة السورية في قتاله (والامتناع عن قتال النظام السوري) وجد الأمريكيون والأوروبيون في حزب العمال الكردستاني، وتفريعاته، الأداة المناسبة لقتال التنظيم، أما حزب العمال فوجد في ذلك الفرصة التي ينتظرها لتحقيق حلم «الدولة الكردية» المنشودة، فأعد دستورا ينص على اعتبار القامشلي عاصمة واعتماد علم للإقليم وتشكيل مجلس تنفيذي وبرلمان ووزارات واعتبار «قوات سوريا الديمقراطية» قوات الدفاع المسلحة في «الفدرالية الديمقراطية لروج آفا»، وهي التسمية المعتمدة لدولة «غرب كردستان».

زحزحت محاولات الدولة الافتراضية لحزب العمال الكردستاني إذن (كما فعلت «الدولة الإسلامية») معادلات الجغرافيا السياسية للمنطقة، وإذا كانت تعبّر عن طموح كردي لدولة تكسر خطوط الحدود السورية والتركية والعراقية (وربما الإيرانية)، فإن الرفض العالمي الذي قوبل به إعلان «استقلال» كردستان العراق عام 2017، ثم قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قواته من سوريا، دليلان على أن المطلوب من الحزب في سوريا كان آنيّاً وظرفيّا وقابلا للسقوط.

كانت محاولة حزب العمال تأسيس دولة كرديّة حلما مبنيا على الخلاص من مظالم تاريخية كبيرة، لكن ارتباط فرصته التاريخية بظهور «الدولة الإسلامية» يعني أن الاقتراب من إسقاط ذلك التنظيم الرهيب كان اقترابا أيضا من إسقاط الحلم بالدولة أيضا، ويبدو أن ما جاءت به رياح الانتهازية السياسية لصفقات الحزب مع النظام السوري وأمريكا ستذهب به رياح انتهازية أخرى.

شرقي الفرات بين مقاولين/ بكر صدقي

عاد العالم إلى اللهاث وراء تغريدات دونالد ترامب، بين مساء الأحد وصباح الاثنين. تغريدات صاحب «الحكمة الفريدة والاستثنائية» على ما وصف ترامب نفسه في إحداها، قلبت عالم السياسة عاليه سافله، ليس بسبب تلك الحكمة المزعومة، بل لأنه صاحب القرار الأول في أقوى دول العالم اقتصاداً وقوة عسكرية ومقدرات علمية – تكنولوجية، صادف وقوعها بين يدي رجل قد يتصف بكل شيء ما عدا الحكمة، ولا سبيل لتوقع قراراته أو كلامه. تركيا المبتهجة بالحصول على الضوء الأخضر من ترامب باجتياح مناطق في شرقي نهر الفرات، غاضبة من تهديده بـ«تدمير اقتصادها». كرد «قوات سوريا الديمقراطية»، بالمقابل، يشعرون بالخذلان من ترك ترامب لهم لقمة سائغة أمام الجيش التركي، وبالاستياء من حديثه عن الأموال والمعدات العسكرية التي منحها لهم، يعللون النفس بتغريدته اللاحقة التي امتدحهم فيها وأنكر تخليه عنهم، ويستعيدون شيئاً من الشعور بالأمان من تهديد ترامب لتركيا «إذا تجاوزت الخطوط المرسومة».

أي محاولة لتحليل حصيلة التغريدات الترامبية بشأن شرقي الفرات، مصيرها الاضطراب والفشل. من الأفضل إذن أن نحاول تحليل حصيلة موازين القوة في القرار الأمريكي، بين نزوات ترامب، ومقاومة «المؤسسة» التي تشمل، إضافة إلى وزارة الدفاع، الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي اللذين اتفقت غالبيتهما على مقاومة قرار ترامب بالسماح لأنقرة باجتياح شرقي الفرات.

تقول هذه الحصيلة، إلى الآن، ما يلي: انسحاب نحو خمسين عسكرياً أمريكياً من المنطقة الحدودية قرب تل أبيض ورأس العين. وليس انسحابا عسكريا أمريكيا من الأراضي السورية (2000 جندي) كما يريد ترامب إرضاءً لناخبيه. امتناع وزارة الدفاع الأمريكية عن فتح المجال الجوي أمام حركة الطيران التركي، من خلال وقف التعاون الاستخباري والتنسيق الجوي. من شأن هذا الوضع أن يعقد مهمة القوات التركية أو الفصائل السورية المسلحة المؤتمرة بأمرها في غزو المنطقة. فإذا حلق الطيران التركي، برغم ذلك، فوق الأراضي السورية في المنطقة المستهدفة، فهي معرضة للإسقاط. أما برياً فمن المحتمل أن يؤدي غياب الغطاء الجوي إلى خسائر كبيرة في صفوف القوات المهاجمة. هناك «حدود» مرسومة لأردوغان من قبل ترامب، حسب تغريدته التهديدية، لا نعرف ما هي. هل هي حدود جغرافية أم تتعلق بالأهداف العسكرية أم بعمليات تهجير قسري محتملة للسكان أم جميعها معاً؟ الثمن المطلوب من تركيا مقابل الضوء الأخضر: تحمل المسؤولية عن معتقلي تنظيم الدولة (داعش) الموجودين الآن لدى «قوات سوريا الديمقراطية». وما يعني ذلك من وضعهم في سجونها ومحاكمتهم أمام محاكمها، وتحميل تركيا المسؤولية عن احتمال تسربهم. ينظر ترامب إلى الموضوع، كعادته، نظرة مقاول، فلا يتحرج من الشكوى من الأموال التي أنفقتها الولايات المتحدة على قوت «قسد» أو على تكاليف اعتقال عناصر داعش، فلا يرى النتائج المحتملة لسحب قواته من سوريا، أو حتى السماح لتركيا باحتلال قسم من الشمال السوري، أو إضعاف حليفه الميداني (قسد). تلك النتائج التي حذر منها معارضو قراره في الكونغرس، كاستعادة داعش زمام المبادرة، أو إفساح المجال أمام إيران للتمدد في الفراغ الذي سيلي أي انسحاب أمريكي كما يريد ترامب، أو تحقيق موسكو لهدفها في السيطرة على كامل الوضع السوري.

ترى هل يختلف أردوغان كثيراً عن ترامب في عقلية المقاول في تناوله لموضوع غزو شرقي الفرات؟

هناك هدفان معلنان للعملية العسكرية المرتقبة، وفقاً للبروباغندا التركية: هواجس الأمن القومي وإراحة تركيا من عبء اللاجئين السوريين. أما الهدف الأول فهو يحتاج إلى كثير من البخور الإيديولوجي ليصبح مقنعاً. فمتى شكلت «وحدات حماية الشعب» الكردية خطراً يهدد الأمن القومي لتركيا؟ فمنذ سيطرتها على المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية، صيف العام 2012، بتنسيق مع النظام الكيماوي، لم تقم «الوحدات» بأي عمل عدائي ضد تركيا، باستثناء بعض قذائف مدفعية على المناطق الحدودية رداً على هجمات تركية. وواظب صالح مسلم، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديموقراطي، على إعلان نوايا حسنة تجاه الدولة التركية، كما زار العاصمة أنقرة أكثر من مرة بناء على طلب السلطات التركية. بالمقابل، قامت تركيا بتوجيه فصائل مسلحة سورية للهجوم على مناطق سيطرة «الوحدات» منذ العام 2012، بما في ذلك جبهة النصرة التي هاجمت رأس العين في 2012 و2013.

الواقع أن التحالف الأمريكي ـ الكردي في سوريا، بمناسبة الحرب الدولية ضد داعش، هو ما دفع الحكومة التركية إلى المطالبة بتدخل عسكري في مناطق سيطرة «الوحدات»، وكان ذلك بمناسبة معركة كوباني 2014، حيث تضاربت الأهداف التركية والأمريكية للمرة الأولى بشأن سوريا. ففي حين وجدت إدارة أوباما في المقاتلين الكرد حليفاً ميدانياً ضد داعش راحت تزودهم بالسلاح والعتاد، امتنعت تركيا عن المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش ورأت في «وحدات الحماية» عدوها الرئيسي في سوريا. وكان التدخل العسكري التركي الأول في منطقة «درع الفرات» هدية روسية لتركيا مقابل تسليم حلب في مسار سيقود أنقرة إلى المشاركة في آلية «آستانة» مع موسكو وطهران. في حين كان التدخل الثاني في منطقة عفرين مقابل سقوط الغوطة الشرقية في يد النظام. أما عملية شرق الفرات المتوقعة اليوم، فسوف تكون مقابل إنهاء الوضع التركي الملتبس في إدلب وتسليمها لنظام الأسد.

أما والمنطقة المستهدفة الآن هي منطقة نفوذ أمريكية، لا روسية، فقد كانت أنقرة بحاجة لمبرر إضافي من شأنه إقناع زبائن كثر ممن لا تعني لهم «المشكلة السورية» إلا لكونها مصدراً للاجئين، أي الدول الأوروبية بصورة خاصة. لذلك طرح أردوغان مشروع الفيلات من طابقين ذات الحواكير لزراعة الخضار، فضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. من جهة سحب ورقة عبء اللاجئين من يد المعارضة التركية، ومن جهة ثانية أرخى «بوابة» اللجوء إلى أوروبا لكي تتحمس الحكومات الأوروبية لمشروع «حي الفيلات»، ومن جهة ثالثة استثمر حساسية ترامب الإيجابية تجاه تناول السياسة بعقلية المقاولات، ومن جهة رابعة ينطوي مشروع الإسكان على وعود وردية لقطاع الأعمال التركي الذي يمر بركود، ومن جهة خامسة استجاب لنزعات عدائية في البيئة العربية في سوريا تجاه مشاريع حزب الاتحاد الديمقراطي التي ترى فيها نزوعاً انفصالياً.

لو كان الموضوع يتعلق فعلاً بهواجس أمنية لاكتفت أنقرة بالاتفاق الذي أبرم مع واشنطن، في شهر آب، حول «المنطقة الآمنة» التي لن تعود آمنة، بعد الانسحاب الأمريكي منها.

القدس العربي

العملية التركية ضد الأكراد مهمة لمصير أردوغان السياسي

إبراهيم درويش

ما هي نهاية اللعبة التركية في سوريا؟ تجيب مديرة برنامج تركيا بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن غونول تول في مقال بموقع مجلة “فورين أفيرز” قائلة إن العملية العسكرية في شمال سوريا ليست مجرد مناورة بل لها علاقة بمصير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأكدت الكاتبة أنه طالما قامت السياسة التركية في سوريا على فكرة تعزيز سيطرة أردوغان على الحكم. فقد دعمت تركيا المتمردين الإسلاميين في سوريا ضد نظام بشار الأسد مما زاد من رصيده الديني في داخل البلاد. وعندما اضطر أردوغان للتحالف مع حزب معاد للأكراد، حرف نظره لمواجهة الجماعات الكردية المسلحة العاملة في سوريا.

ويظل الهدف هذا قائما لكن غطت عليه قضية ملحة أخرى تتعلق بملايين اللاجئين السوريين وكيفية التخلص منهم بعدما أصبحوا عبئا على أردوغان. ولا يوجد ما يضمن أن تحل عملية عسكرية هذه المشكلة، إلا أن أردوغان مصمم على المحاولة.

وتشير الكاتبة إلى أن استراتيجية تركيا في سوريا تغيرت بشكل دراماتيكي منذ بداية الحرب الأهلية هناك عام 2011. ففي تلك الفترة كانت شعبية أردوغان في ذروتها ذلك الربيع، عندما خرج السوريون إلى الشوارع ضد نظام بشار الأسد. وكانت المعارضة العلمانية التركية في حالة تراجع وكان أردوغان يريد أسلمة النظام التعليمي التركي، ولهذا وجد في النزاع عبر الحدود فرصة لتوسيع اجندته إلى الخارج. وتخلت الحكومة التركية في غضون أشهر عن حليفها وشريكها السابق بشار الأسد وبدأت تسلح الجماعات الإسلامية التي تقاتل نظامه، وتحولت تركيا إلى مركز للمعارضة السورية وممر لتيار من الجهاديين الأجانب الذين دخلوا إلى سوريا. ورغم أن أنقرة غضت الطرف عن حركة هؤلاء من وإلى سوريا إلا أنها فتحت حدودها لملايين اللاجئين السوريين الفارين من القتال وبنت معسكرات ضخمة للقادمين الجدد. ورغم كلفة اللفتة الأخلاقية إلا أنها كما قال أردوغان تعبير عن التعاطف والتضامن في وجه وحشية وجرائم الأسد. وضربت تعليقات أردوغان على وتر حساس وأسكتت المعارضة مما سمح لزيادة أعداد اللاجئين حيث وصل عددهم 3.6 مليون لاجئا. لكن القتال في سوريا لم يكن بين النظام والجماعات الإسلامية بل شمل جماعات كردية. وهو ما شكل أخبارا سيئة لأردوغان الذي خسر حزبه، العدالة والتنمية في عام 2015 غالبيته البرلمانية ولأول مرة منذ أكثر من عقد. وكان نجاح الحزب الذي يمثل الأقلية الكردية عاملا في هذه الخسارة. ومن أجل الحفاظ على السلطة تحالف أردوغان مع حزب يميني متشدد معروف بعدائه للقومية الكردية. وانتهت الجهود التي كانت تقوم بها الحكومة لعقد هدنة مع الانفصاليين في الجنوب. وبهذا تغيرت أولويات أردوغان في سوريا، وأصبح همه وقف جهود الأكراد لبناء حكم ذاتي في المنطقة التي تمتد على جنوب- شرق تركيا وشمال سوريا.

ولم تعد مسألة الإطاحة بالأسد مهمة بقدر ما كان يهم أردوغان منع ظهور كيان معاد في المنطقة القريبة من الحدود التركية. ففي حلب استخدمت تركيا المعارضة المسلحة السورية للهجوم على الأكراد مما أدى لانخفاض عدد المدافعين عن شرقي حلب وفتح المجال أمام تقدم القوات التابعة للنظام واستعادها في عام 2016. وفي ذلك العام أرسلت تركيا قواتها إلى شمال سوريا لاحتواء الجماعات الكردية العاملة هناك. وبحلول عام 2017 كان التحول عند أردوغان في سياسته السورية قد اكتمل وبدأت أنقرة بالتعامل مع نظام الأسد وحلفائه. ووافقت تركيا مع روسيا وإيران على إنشاء ما أطلق عليها بمناطق خفض التوتر والتي كان على المعارضة والنظام احترامها نظريا، أما من الناحية العملية فقد ظل النظام يخرقها وبدعم من الطيران الروسي. ومقابل هذا حرفت دمشق وحلفاؤها النظر عندما قررت تركيا في كانون الثاني (يناير) 2018 اجتياح منطقة عفرين.

وفي الوقت الذي غير الخطر الكردي أولويات اردوغان المحلية وكذا تغيرت المواقف العامة من اللاجئين السوريين. واكتشف الزعيم التركي أن سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجها مع اللاجئين السوريين أصبحت تهمة له. وفي انتخابات عام 2019 المحلية خسر حزبه معظم المدن الكبرى مما عد ضربة لنظام رعاية المدن الذي بنى عليه أردوغان سلطته طوال ربع قرن. وكانت الضربة الانتخابية في جزء منها مرتبطة بالتراجع الاقتصادي ولكنها تعكس السخط العام من 3.6 مليون لاجئ سوري. ويريد أردوغان الآن عودة اللاجئين إلى بلادهم. وبدأت السلطات المحلية حملة ملاحقة ومداهمة بيوت اللاجئين. وحاولت الدولة إخراج اللاجئين من المدن الرئيسية فيما أنشأت الشرطة خطا ساخنا لجمع المعلومات عن اللاجئين غير الشرعيين. وقيل إنه جرى ترحيل البعض إلى مدينة إدلب التي تشهد قتالا. ولكن إخراج وإجبار مئات الآلاف من اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم التي لا تزال محور حرب يظل مهمة مستحيلة، إلا أن أردوغان كانت لديه فكرة أخرى.

وكشف عن رؤيته في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تقوم على إنشاء منطقة عازلة بطول 300 ميلا وعمق 20 ميلا وتكون تحت السيطرة التركية وخارج نطاق الأكراد السوريين. وبحسب أردوغان تستطيع هذه المنطقة استيعاب ما بين 2-3 مليون لاجئ بشكل يخلص أنقرة من صداع داخلي كبير. وسيتم إقامة 200.000 بيت إلى جانب مستشفيات ومدارس ومساجد وملاعب وستقوم الشركات التركية ببنائها بتمويل دولي، مما سيقدم الموارد المالية للقطاع الإنشائي الذي يعاني من تراجع الاقتصاد.

ويظل تأمين التمويل للمشروع مهمة مستحيلة لكن أردوغان مستعد لكي يدفع بها. ففي أيلول (سبتمبر) هدد بفتح البوابات بشكل يؤدي لأزمة لاجئين جديدة حالة ما لم يحصل على ما يريد. ومع أن الفكرة جيدة لتخليص أردوغان من صداعه إلا أنها بالتأكيد ستخلق مصاعب لغيره. فهو يخطط لتوطين ملايين العرب في مناطق كردية مما سيؤدي لتغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة. وستزيد فرص التوتر بين العرب والأكراد في منطقة مستقرة نسبيا بشكل سيقود لنزوح جماعي. ولا يمكن لأردوغان أجبار اللاجئين على المغادرة حسبما ينص القانون، وسيرفض الكثيرون الرحيل طوعا حتى إلى المنطقة الآمنة.

ولأن الاستراتيجية الأمريكية في سوريا اعتمدت بشكل كبير على الأكراد في الحرب ضد تنظيم الدولة، فإن الخطة بمثابة هبة من السماء لأعداء الولايات المتحدة- نظام الأسد وروسيا وإيران التي يمكنها التفرج على العملية التي قد تجبر أمريكا على الانسحاب وتقوم بعد ذلك باحتلال المناطق وطرد تركيا. ورغم معارضة المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين للعملية العسكرية ومسارعتهم لانتقاد قرار ترامب سحب القوات الامريكية إلا أن العملية تعني الكثير لأردوغان وهو مستعد للمخاطرة حتى في ظل عقوبات تقدم بها ليندزي غراهام، السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، فما هو على المحك هو حكمه وشعبيته.

فورين أفيرز

العملية التركية شرقي الفرات.. وحدودها/ عمر كوش

مع إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب ما تبقّى من القوات الأميركية في سورية، وإعلان البيت الأبيض بدء سحب جزء منها، إلى جانب تفهّم ساسة الكرملين الدواعي الأمنية التركية، أصبحت الظروف الدولية مهيأة لبدء عملية عسكرية تركية في منطقة شرقي الفرات، بغية محاربة مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، وسواهم من المقاتلين المنضوين تحت مسمّى قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ولكنّ أسئلة كثيرة تطرح بشأن تفاصيل العملية، والإرهاصات التي ستنجم عنها، خصوصا أن طموح الساسة الأتراك بإقامة منطقة آمنة في هذه المنطقة، وإعادة لاجئين سوريين إليها، سيصطدم بمعيقات كثيرة.

وكعادته، فاجأ ترامب بقراره حلفاءه في الخارج، وفاجأ أيضاً أركان إدارته في الداخل، وزاد من دهشتهم واستغرابهم، بالنظر إلى أن قراره جاء على إثر اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأمر الذي أفضى إلى مطالبة بعضهم ترامب بالعدول عن القرار الذي أثار صدمة لدى قادة الوحدات الكردية ومناصريها، والقوى الأخرى في فلكها، وراحوا يتحدّثون عن طعنة أميركية في الظهر، وربطوها بتاريخ طويل من خذلان متكرّر من دولٍ اعتبروها حليفة لهم.

ردّ الرئيس ترامب على اتهامات الخذلان، بالتذكير بأن الولايات المتحدة دفعت مالاً كثيراً لحزب

الاتحاد الديمقراطي الكردي ومخرجاته في سورية، وقدّمت كميات كبيرة من الأسلحة للوحدات الكردية، في مقابل إشراكهم في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أما قرار الانسحاب فينسجم مع توجهات ترامب، إضافة إلى أنه يريد توظيفه في حملته الانتخابية لتجديد رئاسته، لكن هذا القرار يعدّ تطوراً مهما للقيادة التركية التي تريد تحقيق أهداف عديدة منها، سواء على مستوى الداخل التركي، كونها تصبّ في مصلحة أردوغان وحزبه الحاكم، أم على مستوى الخارج، بوصفها ستمكّن الأتراك من أن يصبحوا لاعباً مهماً ومحورياً في وضع سورية ومستقبلها.

وإذا كان ترامب قد نفّذ وجهة نظره التي فضلت مراعاة حليفه التركي وعدم إغضابه، وترك الأتراك والأكراد يسوّون أمورهم بأنفسهم، إلا أن العملية العسكرية التركية في شرقي الفرات لن تكون بسيطة، خصوصا أن الصراع على سورية تتفاذفه حمم خمس قوى دولية وإقليمية، روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، وليست كل هذه الدول على الموقف نفسه من الصراع في سورية وعليها، إذ لا يؤيد معظمها العملية التركية، خصوصا أن المنطقة التي تسيطر عليها (قسد) من أغنى مناطق سورية، ولها أهمية اقتصادية وجيوسياسية، بالنظر إلى أنها محاذية لكل من تركيا والعراق، وتعتبر غلة سورية الاقتصادية، حيث إن معظم الغاز والنفط السوريين في حقولها، فضلاً عن أهميتها الزراعية والتجارية.

وتوجد في منطقة شرقي الفرات، المعروفة باسم الجزيرة السورية، قوات دولية وإقليمية ومحلية عديدة، حيث تسيطر عليها عملياً مليشيات وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ويستحوذ عناصر حزب العمال الكردستاني التركي على قيادتها، وتوجد مليشيات محلية عربية منضوية تحت قيادة الوحدات الكردية. وكما هو معروف، توجد قوات أميركية أيضاً، يعتزم ترامب سحبها، إلى جانب وجود قوات أخرى من دول التحالف ضد الإرهاب. ويمتلك نظام الملالي الإيراني وجودا له أيضاً، عبر أذرعه المليشياوية، مثل مليشيا حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية شيعية. كما يحتفظ النظام بوجود عسكري وإداري وسياسي، خصوصا في مدينتي القامشلي والحسكة، بالتوافق والتنسيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومليشياته. كذلك لا تغيب القوات الروسية عن هذه المنطقة أيضاً، وبالتالي، ستكون أي عملية عسكرية تركية محسوبة بدقة ومحدودة أيضاً، بحكم الوجود الكثيف للقوات والمليشيات الأخرى في المنطقة. وبالتالي، ستكون موجهة في حيّز معين، وأغلب الظن أنها ستكون محدودة أيضاً، بحيث لا تتجاوز العملية العسكرية التركية المنطقة الممتدة من رأس العين وصولاً إلى بلدة تل أبيض، وستتجنب المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وستعتمد على فصائل سورية موالية لتركيا، ومنضوية تحت مسمّى الجيش الوطني وسوى ذلك، بوصفهم وقوداً أساسياً لها.

وكان الرئيس ترامب قد سبق له أن أعلن سحب القوات الأميركية من سورية، ثم تراجع في أكثر

من مناسبة، تحت ضغط بعض أركان إدارته ومؤسساتها. ولذلك ما تحقق على الأرض حالياً هو انسحاب الجنود الأميركيين من مناطق رأس العين وتل أبيض، بما يعني أن عملية الانسحاب أشبه ما تكون بإعادة انتشار أميركي، بغية إتاحة المجال أمام توغل عسكري تركي محدود. ومن هنا يُفهم تهديد ترامب بتدمير اقتصاد تركيا إذا “تجاوزت الحدود”، الأمر الذي يشي بأن ترامب تفاهم مع أردوغان على حدود العملية العسكرية التركية وتفاصيلها، ما يعني أنها لن تذهب بعيداً.

وعلى الرغم من كل الملابسات بشأن قرار الانسحاب الأميركي، إلا أنه يعكس عدم وجود استراتيجية أو رؤية موحدة ومشتركة بين أركان إدارة ترامب في سورية، خصوصا أن ترامب يرفض الاستماع لهم في هذا الخصوص، ما يعني أنه تنفيذ لسعيه إلى التخلص من تبعات وجود بلاده العسكري في سورية، والذي يكمن في كرهه الاشتراك عسكرياً في نزاعات وحروب، لا تدرّ بفائدة مباشرة على الولايات المتحدة، خصوصا إذا كانت لا تحمل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية.

وقد أدرك الساسة الأتراك ذلك تماماً، فلم ينفّذوا تهديداتهم العسكرية إلا بالتوافق مع الرئيس ترامب الذي لن يعطيهم كل ما يريدون من منطقة شرقي الفرات، على الرغم من تفاهمه مع نظيره أردوغان بشأن العملية العسكرية وحدودها وتفاصيلها.

العربي الجديد

تفاصيل اتفاق أضنة الذي طرح بديلاً للعملية العسكرية التركية/ أحمد الإبراهيم

مع بدء العملية العسكرية التركية “نبع السلام” في الشمال السوري ضد الوحدات الكردية، التي تعتبرها أنقرة مصدر تهديد لأمنها القومي، عاد الحديث مرة أخرى عن اتفاق أضنة الذي طرحته موسكو بديلاً عن المنطقة الآمنة المنوي إقامتها غربي نهر الفرات. فما هي تفاصيل هذا الاتفاق الذي وقعته تركيا مع الجانب السوري؟

في العام 1998 وقع النظام السوري، في فترة حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، وأنقرة اتفاقا في مدينة أضنة، جنوبي تركيا، الذي سيحمل اسمها، عقب أزمة أدت إلى توتر العلاقات وحشد تركيا جنودها على الحدود السورية بهدف تنفيذ عمل عسكري، إلا أن وساطة شاركت فيها جامعة الدول العربية ومصر وإيران حالت دون ذلك.

ونصّت الاتفاقية آنذاك على تعاون سورية التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال الكردستاني”، وإخراج زعيمه عبد الله أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سورية ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.

كما تضمّن حق تركيا في الاحتفاظ بحقها في ممارسة الدفاع عن النفس وفي المطالبة بتعويض عادل عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سورية دعمها لحزب “العمال الكردستاني” فوراً.

كذلك نص على إعطاء أنقرة حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر، واعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية بدءاً من تاريخ توقيع الاتفاق، دون أن تكون لأي منهما أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر.

التطورات التي قادت إلى اتفاق أضنة

في 24 يوليو/ تموز من عام 1998، عقد مجلس الأمن القومي التركي اجتماعًا تناول فيه زيادة الهجمات لعناصر “العمال الكردستاني” ذلك العام داخل تركيا، وجرى فيه التأكيد على أن مكافحة الإرهاب ستستمر دون توقف.

وقال قائد القوات البرية التركية آنذاك الجنرال أتيلا أتيش، في كلمة بولاية هطاي (جنوب)، يوم 16 سبتمبر/ ايلول 1998: “نفد صبرنا تجاه سورية.. سيكون لتركيا الحق في اتخاذ جميع أنواع التدابير في حال لم تُلبّى تطلعاتها”، ليلمح بذلك إلى نظام الأسد بأن حمايته لزعيم “العمال الكردستاني” سيُعدّ سببًا لإعلان الحرب.

وخلال الشهر نفسه، انعقد اجتماع جديد لمجلس الأمن القومي التركي، وجرى خلاله التأكيد على عزم تركيا على التدخل عسكريًا بسورية في حال عدم ترحيل أوجلان خارج حدودها، وفق تفاصيل أوردتها وكالة “الأناضول”.

ومع تصاعد التوتر، قام الرئيس المصري وقتها حسني مبارك، بدور الوساطة بين الجانبين التركي والسوري، لتبدأ بعدها مفاوضات في ولاية أضنة التركية (جنوب)، توجت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1998، بإبرام الجانبين التركي والسوري “اتفاق أضنة”.

وعلى خلفية التطورات، هرب أوجلان من سورية في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 1998، وتنقل بين اليونان وروسيا وإيطاليا بحثًا عن اللجوء، ليتم القبض عليه عام 1999 في كينيا.

التزامات النظام السوري

يتضمن الاتفاق الموقع بين الجانبين 5 بنود، وفق “الأناضول”:

– بموجب مبدأ المعاملة بالمثل لن تسمح سورية لأي أنشطة تنطلق من أراضيها، من شأنها تشكيل تهديد على أمن واستقرار تركيا. لن تسمح سورية بإمدادت الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والأنشطة الدعائية لـ”العمال الكردستاني” على أراضيها.

– سورية اعترفت بأن “العمال الكردستاني” منظمة إرهابية، وإلى جانب التنظيمات الإرهابية الأخرى حظرت سورية جميع أنشطته وامتداداتها.

– لن تسمح سورية لحزب “العمال الكردستاني” بإنشاء معسكرات وإقامة مرافق للتدريب أو الحماية أو إجراء أنشطة تجارية.

– لن تسمح سورية لأعضاء “العمال الكردستاني” باستخدام أراضيها للعبور إلى دول ثالثة.

– ستتخذ سورية جميع أنواع الإجراءات لمنع زعيم “العمال الكردستاني” (عبد الله أوجلان) من الدخول إلى الأراضي السورية، وستعطي تعليمات لجميع المسؤولين على حدودها في هذا الاتجاه.

– يعد الجانب السوري بتنفيذ التدابير اللازمة المذكورة في المواد الواردة أعلاه من أجل الوصول إلى نتائج ملموسة.

توسيع الاتفاق في 2010

تم توسيع الاتفاق عبر توقيع الجانبين في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2010 على “اتفاقية التعاون المشترك ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية”.

الاتفاقية التي تمتد صلاحيتها لـ3 أعوام تتضمن 23 بندا، وتشمل التعاون الأمني المشترك في مكافحة الإرهاب وفي مقدمتها حزب “العمال الكردستاني” وامتداداته.

وتشدد الاتفاقية على النضال المشترك ضد “العمال الكردستاني” والمنظمات الإرهابية الأخرى، ومنع أنشطة المنظمات الإرهابية عبر المتابعة المستمرة لها، وإلقاء القبض على أعضاء المنظمة الإرهابية وتسليمهم، وتبادل المعلومات والوثائق والمعلومات الاستخباراتية، وعدم سماح الجانبين التركي والسوري باستخدام أي تنظيم إرهابي لأراضيهما.

خذلهم حلفاؤهم كل مرة.. 6 نكسات عصفت بحلم الأكراد/ محمود العدم

شكل إعلان البيت الأبيض أن القوات الأميركية لن تشارك في العملية التركية شمالي سوريا، وأن هذه القوات بدأت الانسحاب من سوريا، صدمة كبيرة للأكراد، اعتبرها قادتهم “خيانة وطعنة في الظهر”.

ومن قبل ذلك، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول الماضي سحب نحو ألفي جندي أميركي كانوا يدعمون قوات سوريا الديمقراطية.

لم يكن هذان القراران سابقة في تاريخ الأكراد “فهم كل مرة يتعرضون للخيانة من حلفائهم”، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتعرضون فيها للخذلان من قبل الأميركيين، كما يقول المختص بالشأن الكردي في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ديدييه بيليون.

فلطالما اعتبرت الولايات المتحدة وجِهات أخرى الأكراد عنصرا قابلا للتغيير “وما يعتبرونه مصالحهم العليا أهم من دعم الأكراد”.

وكل مرة يتبخر الدعم المادي واللوجستي والعسكري عندما ترى القوى العظمى التي تدعم الأكراد أن السلطات المركزية استعادت زمام السيطرة على الأمور “فهم على الدوام يعتبرون تهديدا لوحدة أراضي الدول التي يقيمون فيها عندما يتسع حكمهم الذاتي”.

إقامة الدولة

يسجل التاريخ لهذا الشعب المتجانس المتناثر حاليا بشكل رئيسي في أربع دول أنه لم يتمكن يوما ما من إقامة دولته، رغم أن المساحة -التي يشكل فيها غالبية ديموغرافية في كل من تركيا وإيران والعراق وأخيرا سوريا- تتجاوز مساحة العراق بعدد سكان يفوق الثلاثين مليونا.

ظهرت كلمة “كردستان” كمصطلح جغرافي أول مرة بالقرن الـ 12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان سنجار القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه وأطلق عليه كردستان.

بدأت المشكلة الكردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية والعثمانية عام 1514 في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، وكان من نتائجها تقسيم كردستان عملياً بين الدولتين.

وأدى ظلم الصفويين -إضافة لجهود العلامة ملا إدريس البدليسي الذي لعب دوراً كبيراً في استمالة الكرد إلى جانب الدولة العثمانية- إلى انضمام أكثر الإمارات الكردية إلى جانب الدولة العثمانية.

ولكن عام 1555 عقد الصفيون والعثمانيون اتفاقية ثنائية عرفت بـ “أماسيا” وهي أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتم بموجبها تكريس تقسيم كردستان رسمياً وفق وثيقة رسمية نصت على تعيين الحدود بينهما.

ومنذ ذلك الحين -وحتى بروتوكول الآستانة عام 1913- كرست كل المعاهدات والاتفاقيات تقسيم كردستان وشعبها بشكل مجحف، وبسبب ذلك تعقدت المشكلة الكردية يوماً بعد يوم.

سايكس بيكو

بعد هزيمة العثمانيين نهاية الحرب الكونية الأولى عام 1919، خرجت المشكلة الكردية من طابعها الإقليمي إلى الدولي، ودخلت على خطها الدول المنتصرة في الحرب.

وشكلت اتفاقية سايكس بيكو -التي وقعت عام 1916- أرضية لتقسيم تركة الدولة العثمانية، وهو ما شمل كردستان وساهم في تعقيد مشكلتها.

لكن الأكراد تحركوا لاستثمار الظروف الدولية لنيل حقوقهم المشروعة، وبذلوا جهودا مضنية للاستفادة من مبادئ رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون الـ 14 بحق الشعوب في تقرير المصير.

وانطلاقا من مبادي مؤتمر باريس للسلام الذي عقد بعد الحرب، بذل الدبلوماسي الكردي شريف باشا جهدا كبيرة للمطالبة بحقوق الأكراد، وقدم عدة مذكرات لمنظمي المؤتمر لتشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كردستان المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكردية.

كما طالب شريف باشا رئيس المؤتمر جورج كليمنصو بأن يمارس نفوذه مع الآستانة لمنع “اضطهاد الشعب الكردي”.

معاهد سيفر وأول الغدر

نجح شريف باشا في إدخال بنود تتعلق بالقضية الكردية في معاهدة سيفر التي أبرمها الحلفاء بباريس في أغسطس /آب 1920.

وكان من أهم ما تضمنته إلزام الدولة العثمانية بالتخلي عن جميع الأراضي التي يقطنها غير الناطقين بالتركية، كما نصت على تحقيق حل المشكلة الكردية على مراحل تنتهي بالاستقلال.

لكن المعاهدة لم تر النور مع صعود نجم مصطفى كمال أتاتورك وتراجع الغرب عن وعوده للأكراد وتبني وجهة نظر تركيا، وخذلت الدول العظمى هذا الشعب وقضيته.

في السنوات القليلة التي تلت معاهدة سيفر، وجه مؤتمر لندن عام 1921 ضربة إضافية للآمال القومية الكردية، كما فعلت اتفاقية لوزان عام 1923 التي نصت على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر.

اتفاق الجزائر وما قبله

بعد الغدر بهم في مؤتمر لندن ومعاهدة لوزان، عادت بريطانيا واستخدمت ورقة الأكراد لتحقيق مصالحها بالمنطقة، وعملت على تحريضهم ضد الحكومة العراقية من أجل إجبارها على توقيع اتفاقية 1922.

ومنحت هذه الاتفاقية العراقيين حكومة ذاتية محلية بينما تولت بريطانيا الشؤون الخارجية والعسكرية، ولما نالت المملكة ما أرادت عادت وتخلت عن الأكراد، وسمحت لحكومة العراق باحتوائهم.

ومع مرور الزمن نضج العمل العسكري والسياسي للأكراد، وتشكلت أحزابهم، وفتحت لهم آفاق جديدة من الحرية والتسامح بعد سقوط الملكية بالعراق وإقامة الجمهورية في يوليو/تموز 1958.

وواصل الأكراد سعيهم نحو حكم ذاتي، ونظموا تمردا مسلحا عام 1961 ضد الحكم الجمهوري بالعراق، والذي قوبل بدعم تركيا وإيران وحتى إسرائيل، وفقا لأستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد سعد ناجي جواد في مقال نشر على موقع الجزيرة نت.

وذكر المقال مبررات كل دولة لدعم هذا التمرد، لكنه في النهاية أشار إلى أن الجميع تخلى عن الأكراد وأوقف دعمه لهم بعد توقيع اتفاق الجزائر بين العراق وإيران عام 1975.

واشنطن نظرت لاستفتاء الانفصال عن العراق بريبة وشك ولم تؤيده (الأناضول)

واشنطن نظرت لاستفتاء الانفصال عن العراق بريبة وشك ولم تؤيده (الأناضول)

غزو العراق

خلال فترة الغزو الأميركي للعراق، قدم الأكراد خدمات كبيرة للولايات المتحدة، خصوصا مع عدم تعاون الأتراك في الحملة على العراق. ومقابل تلك الخدمات تولى الجيش الأميركي إعادة ترتيب قوات البشمركة، كما حصلوا على مكاسب سياسية توجت باختيار جلال الطالباني رئيسا للبلاد.

بعد ذلك، ساهم تعمق الخلافات بين الأكراد والإدارة العراقية المركزية -حول امتيازات الحقوق النفطية- إلى دعوة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى استفتاء على الانفصال العام الماضي.

لكن واشنطن قابلت تلك الدعوة بالريبة والشك، ووجد الأكراد -وهم أحد العناصر الأساسية بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية- أنفسهم منفردين في مواجهة غضب السلطة المركزية العراقية، وهو ما عده الأكراد خذلانا جديدا لقضيتهم.

وأخيرا في سوريا، تمكن الأكراد من إقامة حكم ذاتي شمالي البلاد منذ 2011 مستفيدين من الفوضى الناجمة عن الحرب.

لكن في وقت وصلت المعركة ضد تنظيم الدولة إلى خواتيمها، قرر ترامب سحب القوات التي كان من المفترض أن تضمن أمن واستقرار المناطق الكردية.

وتعليقا على ما آلت إليه قضيتهم، يقول الباحث بالمعهد الفرنسي للشرق الأوسط بوريس جيمس إنه وفقا لمنطق الولايات المتحدة والقوى الدولية، “فإن الأكراد مجموعة غير مهمة كونهم غير منظمين جيدا ولا خبرة لهم في إدارة الدول”.

المصدر : الجزيرة + وكالات

زعامة إسلامية.. أردوغان يحيي “الجيش المحمّدي”!/ وليد بركسية

لا غرابة في استخدام الرئيس التركي رجب طيب أروغان، وصف “الجيش المحمدي” عند حديثه في “تويتر” عن الجيش التركي الذي بدأ عملية عسكرية ضد الأكراد شمال شرقي سوريا، ولا غرابة أيضاً في حصر تلك التغريدة باللغة العربية، فقط. فتركيا التي تعثرت إمكانية انضمامها للاتحاد الأوروبي طوال السنوات الماضية، لسبب أو لآخر، اقتنعت منذ فترة بالبحث عن عمق ثقافي/سياسي جديد لها، وباتت تبحث عن زعامة للعالم الإسلامي ودور أوسع لها في منطقة الشرق الأوسط، فيما تبتعد أكثر فأكثر عن حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي “ناتو”، بتأكيد صفقة الصواريخ الروسية “إس 400” مؤخراً.

وأحدثت التغريدة جدلاً واسعاً في وسائل التواصل، فبينما أشار معلقون إلى البعد الديني المستمر في خطاب أردوغان الذي يغذي النزعات الطائفية في المنطقة، وجاء في تغريدة لافتة هنا: “إيران ترفع راية الحسين وتركيا ترفع راية محمد”، بينما قال آخرون أن الجيش المحمدي هو الجيش الذي يحمي المقدسات في مكة والمدينة المنورة، في إشارة للجيش السعودي، بينما اتهم آخرون أردوغان بسرقة التعبير المستخدم حسب قولهم لوصف الجيش المصري. وألقى ذلك الضوء عموماً على الصراع الأشمل في المنطقة بعد الربيع العربي، بوصفه صراعاً إقليمياً، لا محلياً أو طائفياً، تتنافس فيه الدول على النفوذ من بوابة الدين الإسلامي الذي تدعي الدول الإقليمية، وتحديداً السعودية وتركيا وإيران، أنها تمثل النسخة الأصح منه.

    أقبل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم، وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة والتي تقف جنبًا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم.

    — رجب طيب أردوغان (@rterdogan_ar) October 9, 2019

وهذه ليست المرة الأولى التي يوصف فيها الجيش التركي بهذه الصفة خلال الأسبوع الجاري. فقبل أيام عنونت صحيفة تركية مشهورة ببث خطاب الكراهية وموالاة تنظيم “القاعدة”، على تلك التسمية: “ٲخبروا الكفار ٲن جيش محمد قادم!”. لكن بالطبع أردوغان، ليس بهذه الفجاجة أو الحماقة. كما أن التعبير المستخدم في التغريدة، على عكس المانشيت، يعطي حيزاً للتهرب منه، وتقديمه ضمن سياقات لا دينية.

بدا ذلك واضحاً في التبريرات التي قدمها مغردون دافعوا عن الزعيم التركي، بالقول أن عبارة الجيش المحمدي لا تشير إلى النبي محمد مباشرة، بل إلى السلطان العثماني محمد الفاتح، بينما قدم آخرون روايات أخرى عن أن التسمية تعود لجندي تركي يدعى محمد خلال الحرب العالمية الثانية، من دون تحديد أهمية أسطورته الشعبية تلك، علماً أن الاستمرار في تقفي التغريدات في “تويتر” يقود للاصطدام بقصص وتفسيرات مختلفة، وصولاً للتغريدات التي لا تبالي بكل ذلك، وتفضل الخلفية الدينية البسيطة: جيش إسلامي يقاتل الكفار بقيادة “أسد السنّة”، ولا يتعلق الأمر هنا بمغردين عرب فقط، بل يمكن رصد تغريدات من دول مختلفة مثل باكستان وأندونيسيا والمملكة المتحدة وغيرها.

وحتى لو كان المقصد من العبارة، إعطاء بُعد قومي/عثماني للدولة التركية الحالية، فإن ذلك البُعد يستمد حتماً نفَساً دينياً لا علمانياً. ويمكن تلمسه بشكل مواز في الأخبار التي نقلتها وسائل إعلام تركية عن أن المساجد التركية ستتلو سورة “الفتح” القرآنية عقب صلاة الفجر من أجل مباركة عملية “نبع السلام” شمال شرقي سوريا، مثلما كان عليه الحال تماماً العام 2018 عند إطلاق العملية العسكرية السابقة في منطقة عفرين. ويتم تصوير الأكراد، وهم من المسلمين السنّة، ضمن هذه السردية بأنهم كفار وملاحدة، بعكس الوصف التركي الرسمي لهم بأنهم تهديد قومي، والذي كان واضحاً في خطاب أردوغان، الخميس  في مقر “حزب العدالة والتنمية”.

وهنا يمكن تلمس الفصل بين اللعب على الشعور القومي واللعب على الشعور الديني، في خطاب أردوغان، رغم أن الحدود الفاصلة بين الخطين تتقلص تدريجياً، علماً أن أنقرة تعتمد على القوة الناعمة متمثلة في الدراما التلفزيونية تحديداً، لنشر زعامتها الدينية، ويمثل مسلسل “قيامة أرطغرل” مثالاً نموذجياً على ذلك. كما باتت تعزز تلك الجهود المثمرة بالقوة العسكرية كما هو واضح في تدخلاتها المباشرة في المنطقة، وفي تحالفاتها الدبلوماسية بعد الأزمة الخليجية العام 2017.

هذا النموذج التركي يأتي في سياق فراغ أحدثه تراجع في القوة الغربية التقليدية في المنطقة، مع رغبة الولايات المتحدة، منذ عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في الانسحاب من الشرق الأوسط، والتي تعززت لاحقاً بسياسة “أميركا أولاً” التي ينتهجها الرئيس الحالي دونالد ترامب. وربما يكون الصراع الإقليمي الأوسع في المنطقة تعبيراً عن رغبة في ملء ذلك الفراغ، بالاعتماد على سرديات ثقافية تعطي شرعية للفاعلين السياسيين وخياراتهم العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. ويتسق ذلك كله بشكل مدهش مع نظرية “صراع الحضارت” التي صاغها المفكر الأميركي الراحل صامويل هنتنغتون العام 1996.

ففي “تويتر” رد إعلاميون سعوديون على تغريدة أردوغان، بالحديث عن العمق العربي، وهي الخاصية الناشئة في السعودية التي اعتمدت طويلاً على الخطاب الديني للحصول على شرعية محلية من جهة وشرعية دولية بوصفها حامية للأراضي المقدسة. ويأتي الخطاب القومي/العربي الذي يشجعه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضرورياً ليس فقط لتحديث اقتصاد المملكة وإبعاد التهم الغربية عنها بنشر الإرهاب، فقط، بل أيضاً لتحدي المنافسين الإقليميين الذين باتوا يهددون زعامة السعودية للعالم الإسلامي، وتحديداً تركيا “الأعجمية” التي تتحدث نيابة عن العالم الإسلامي السني، بعكس إيران التي تتحدث عن الإسلام الشيعي. وتبقى مصر التي تحتضن الأزهر، كمرجعية دينية مؤثرة، أضعف من امتلاك دور إقليمي في الوقت الراهن.

هذه التجاذبات تفسر الكثير من خطاب أردوغان وتغريدته على حد سواء، خصوصاً أن الرئيس التركي يتصرف بشكل متزايد كحارس للبوابة الحضارية التي تفصل العالم الإسلامي عن العالم الغربي. ويعزز هذا المشهد المربك، الصورة التي تحكم العالم اليوم وهي أن العالمين الإسلامي وغير الإسلامي باتا لا يتسامحان مع بعضهما البعض، لأن السياسين في العالَمين، من أمثال أردوغان وترامب، يميلون لمخاطبة أصحاب الآراء القائمة على الخوف من الآخر، في عالم متغير تنهار فيه القوة الغربية وتنشأ فيه قوى جديدة، وتبحث فيه الدول والأفراد عن معنى جديد للانتماء والمواطنة.

تراجيديا الأكراد../ محمد قواص

تشكلت اللجنة الدستورية المفترض أنها أداة من أدوات الحلّ المُتوخى في سوريا. ضمت تلك اللجنة من ضمت من معارضة وموالاة ومجتمع مدني، لكنها استثنت المكون الكردي الذي تستهدفه الحملة العسكرية التركية الحالية. وعلى ذلك تطرح الأسئلة حول هذا التواطؤ “الكوني” للانقلاب على الإنجاز الكردي الذي تحقق من عام 2011.

اعتاد الأكراد، تاريخيا، على دفع ثمن المصالح الكبرى وتسوياتها الخبيثة. بدا ذلك منذ أن أغفل مبضع اتفاقية سايكس بيكو الاعتراف بدولة للأكراد على منوال ما أنشأته الخرائط من دول قسّمت جثة العثمانية الزائلة. دفع أكراد العراق ثمنا موجعا مقابل تسويات تمت بين بغداد وأنقرة، أو بين طهران وبغداد لاحقا. فيما أكراد سوريا، الذين أغفلت دمشق قلب العروبة النابض حقوقهم، وجدوا أنفسهم هذه الأيام من جديد، ضحايا ما تقرره الغرف المغلقة وما يقترف باسم المصالح الكبرى.

قام تحالف دولي تألّف من عشرات الدول لمحاربة تنظيم داعش في سوريا. صبّ التحالف بقيادة الولايات المتحدة نيرانا كثيفة، واستخدم تقنيات عسكرية حديثة لإضعاف تنظيم أبوبكر البغدادي. بدا أن تلك الجهود الهوليودية غير قادرة على تقويض جسم الإرهاب العملاق القادر على التأقلم مع كل الظروف، والقادر، رغم تلك الحرب الدولية ضده، أن ينال من عواصم ومدن داخل أوروبا والولايات المتحدة.

لم تكن واشنطن تريد الزجّ بجندها مجددا في أتون حروب كتلك في أفغانستان والعراق. لا تريد الإدارة للناخبين في الولايات المتحدة أن يتأثروا مباشرة وعبر عائلاتهم بالصراعات التي تخوضها واشنطن في العالم. بدا أن تلك الروح هي التي رانت العواصم الغربية برمتها، فراحت تتبارى في النزوع إلى الانكفاء والعزوف عن الانخراط المباشر في صراعات العالم. لاذت الحكومات ببرلماناتها للتنصل من أي قرار يدفع بها أخلاقيا للتدخل لوقف المحرقة السورية. هكذا فعل برلمان باريس، وهكذا فعل برلمان لندن، علما أن الحروب التي انخرطت بها تلك الدول لم تستعنْ قبل ذلك بأي برلمان.

لم تجد واشنطن لدى المعارضة السورية القماشة الاجتماعية والأيديولوجية لتشكيل تحالف ضد داعش. كانت تلك المعارضة ترفع لواء الحرب ضد النظام السوري والقضاء عليه، ولم تكن تريد الانخراط في أي تحالف مع الغرب لا يكون هدفه إزالة حكم الأسد في دمشق. لا بل إن التشكيلات السياسية للمعارضة السورية رفضت الموافقة على قرار المجتمع الدولي وضع تنظيم النصرة بقيادة أبومحمد الجولاني على قائمة الإرهاب، واعتبرته تنظيما سوريا مناهضا لنظام دمشق، يندرج داخل تلك الجبهة السورية العريضة المناهضة لهذا النظام.

كان تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد في سوريا الحلّ الوحيد المتوفر. الأكراد يتعارضون أيديولوجيا مع الجهادية التي ترفع داعش والقاعدة لواءها، وهم في معارضتهم لنظام دمشق، السابقة على موسم الربيع العربي بسنوات، لا يريدون من الصراع في سوريا إلا حماية المكون الكردي والدفاع عن حقوقه السياسية، سواء مع هذا النظام في دمشق أو أي نظام آخر يأتي على أنقاضه، خصوصا أن ما حملته المعارضة السورية من مشاريع وبرامج وأوراق، بقي أسير الطابع العربي للدولة لا يلحظ كثيرا حقوق الأكراد في سوريا المستقبل.

تشكلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خليط كردي عربي ينزع عن الحراك هويته الكردية، ويدرج أمر الحرب ضد الإرهاب داخل مساحة أوسع من الأجندة العرقية الكردية الخالصة. صحيح أن تطعيم التشكيل العسكري الجامع، الذي تسيطر عليه “وحدات حماية الشعب” الكردية، بحضور عربي، لم يكن مقنعا بأن هذا الجيش بات عابرا للقوميات، وأن أجندته تختلف عن أجندة القيادة الكردية المركزية في جبال قنديل شمال العراق. إلا أن التحالف الدولي اكتفى بالشكل، ليستند في معركته ضد داعش على المضمون.

خاضت قسد معارك الميدان ضد تنظيم داعش بكل بسالة ومهنية. دفع هذا الجيش دماء غزيرة من أجل تطهير “إمارة الرقة” الداعشية وبقية مناطق وأنحاء شرق الفرات. كانت طائرات التحالف تدكّ حصون التنظيم الإرهابي عن بعد، بيد أن أمر القضاء عليه لم يكن ليتحقق، بما يتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان النصر في واشنطن، لولا الجهود العسكرية المتمرسة التي أظهرتها هذه القوات، ولولا الملاحقة الدؤوبة التي قامت بها داخل الأزقة والمخابئ والكهوف التي انتهت إليها فلول التنظيم المتقهقر.

عوّل الأكراد كثيرا على تحالفهم مع الولايات المتحدة وتحالفها الدولي، لكي يحققوا إنجازا سياسيا تاريخيا لطالما طمحوا إليه. ومع ذلك سارعوا إلى الإعلان داخل أدبياتهم ومن على منابرهم، سواء كان ذلك قناعة حقيقية أم مناورة تكتيكية، أنهم لا يصبون إلى قيام دولة مستقلة، وأن هدفهم الأقصى التمتع بحكم ذاتي يشبه تلك الإدارة الذاتية التي أقاموها في مناطقهم في السنوات الأخيرة.

عرف الأكراد أن الولايات المتحدة ربما تريد أن تستخدمهم في حرب لا تريد وحلفاؤها الانخراط بها بريا، وسوف تنقلب عليهم حال انتهائها. ومع ذلك خاضوا تلك الحرب كونها، عمليا، الخيار الوحيد للذود عن أنفسهم وعن بيوتهم ومدنهم وقراهم ضد التنظيم الذي كان يستهدفهم. رأوا كيف استهدف داعش اليزيديين في العراق وحاول استهداف الأكراد في ذلك البلد، قبل أن تردّهم قوات البيشمركة بدعم من التحالف الدولي. وخاض أكراد سوريا الحرب أيضا، لأنه في تحالفهم مع واشنطن واعترافها بقدراتهم، يدخلون نوادي الكبار الذي شرّع لهم أبواب واشنطن ولندن وباريس وبرلين.

ومع ذلك صدقت دروس التاريخ القديم. شروط الراهن لا تختلف عن تلك منذ عقود. ترامب أعلن انسحاب بلاده الكامل من سوريا في ديسمبر 2018، فقال الأكراد إنها طعنة في الظهر. وأعلن الرجل سحب قواته منذ أيام من أمام التقدم العسكري التركي، فأعاد الأكراد الشكوى من طعنة جديدة في الظهر.

حزب العمال الكردستاني في تركيا مُدرج على لوائح الإرهاب في العالم. تتهم تركيا أكراد سوريا و”وحداتهم” و”حزبهم” (حزب الاتحاد الديمقراطي) بأنهم امتداد لـ”الكردستاني” الإرهابي. لا أحد من أكراد سوريا أنكر العلاقة، وربما الولاء لذلك الحزب وزعيمه المسجون عبدالله أوجلان. ومع ذلك تعامل المجتمع الدولي مع “قسد” بصفتها حليفا كامل الأهلية ضد الإرهاب.

لا تريد تركيا كيانا كرديا شمال سوريا، حتى بالشكل الذي يتمتع به الأكراد في العراق، يكون امتدادا جغرافيا مع مناطق الأكراد في تركيا. روسيا تريد للأكراد أن يكونوا جزءا من خططها لتعويم نظام دمشق. إيران لا تريد لأكراد سوريا أن يشكلوا سابقة ممكن أن تنسحب، بعد تلك في العراق (إقليم كردستان)، على أكراد إيران. الأوروبيون يدافعون، دون حماس، عن صون الأكراد وحمايتهم، فيما واشنطن، لاسيما في عهد ترامب، تبيع وتشتري وفق ما تتطلبه البورصة السياسية، خصوصا في موسم الانتخابات الرئاسية، من رشاقة ومهارة دون أي اعتبارات أخلاقية.

صحافي وكاتب سياسي لبناني

العرب

تركيا بين التورّط والتوريط/ ماجد كيالي

تفرض التلاعبات الدولية والإقليمية في الصراع السوري ذاتها مجددا، بحيث أضحت قضية السوريين أو أغلبيتهم، المتعلقة بالتغيير السياسي، عبر استعادة النظام الجمهوري، من الحكم الوراثي، وتمكينهم من حقوقهم في الحرية والمواطنة والتحول نحو الديمقراطية، في الهامش، وهو الأمر الذي يجري منذ سنوات.

هكذا، فبعد مكالمة هاتفية بين الرئيسين الأميركي والتركي، أعلن الرئيس دونالد ترامب، من جديد، اعتزامه الانسحاب من الصراع السوري، المرهق والمكلف وغير المفهوم، بالنسبة إليه، مقدما في ذلك إيحاءات واضحة لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، تتضمن إمكانية التخلّي عن دعم “قوات سوريا الديمقراطية”، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري)، الرديفة لحزب العمال الكردستاني (التركي)، والاستعداد لإخلاء بعض المناطق من شمالي سوريا من القوات الأميركية، بما يسمح بتغلغل قوات عسكرية تركية في تلك المناطق، لفرض منطقة آمنة، أو “ممر السلام”. وهو ما كانت تركيا تطلبه من الإدارة الأميركية بإلحاح منذ عامين.

بيد أن تلك اللحظة التاريخية التي كانت تتحيّنها وتتحمّس لها تركيا منذ زمن، سرعان ما تكشفت عن إيحاءات غير يقينية، إذ أن الرئيس الأميركي ذاته عاد بعد ساعات من تلك المكالمة الهاتفية إلى الحديث عن عدم تخلّي الولايات المتحدة عن قوات “قسد”، وأنها مع تفهّمها الاعتبارات أو المخاوف الأمنية لتركيا، إلا أن على تلك الأخيرة أن تلتزم بحدود معينة في دخولها الأراضي السورية.

المشكلة في هذا الأمر لا تكمن في الموقف أو اللاموقف الأميركي مما يجري في سوريا منذ سنوات، علما أنه موقف ينطوي، وإن بشكل مبطن، على الحفاظ على استمرارية الصراع في ذلك البلد، وعلى توريط مختلف القوى الدولية والإقليمية فيه، ووضعها في مواجهة بعضها، لإرهاقها واستنزافها، لاسيما أن الولايات المتحدة لا تتأثّر مما يجري في ذلك البلد، بل إنها تغدو في موقع المراقب في انتهاج واضح لنظرية زبيغنيو بريجنسكي (المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي)، والتي مفادها تأكيد واقع الولايات المتحدة كدولة عظمة، وكموزّع للتناقضات في العالم (خاصة في كتابه بين عصرين). علما أن الولايات المتحدة لا تشتغل في سوريا وفق مبدأ إدارة الصراع وإنما وفق مبدأ المستثمر في الصراعات الدائرة. ويتضح من كل ذلك أن الولايات المتحدة لا يهمها هنا إلا الحفاظ على حليفتها إسرائيل، وضمان أمنها واستقرارها وتفوقها، وبدرجة أقل ضمان أمن النفط، من المنابع إلى الممرات، وهو ما يفسر كل المواقف التي تتخّذها في الشرق الأوسط؛ في سوريا وفي غيرها.

الطرف الأهم الآخر في المعادلة المطروحة هو تركيا، التي أضحت تركز بشكل محموم على المخاطر المتأتية من إمكان خلق كيان كردي مستقل في سوريا، حتى إنها وقفت ضد خلق مثل ذلك الكيان في العراق، رغم العلاقة المتميزة التي تربطها بزعامة كردستان العراق (مسعود بارزاني تحديدا). ومشكلة تركيا هنا أنها باتت تتحمل تداعيات الصراع السوري أكثر من أي دولة أخرى، وربما بما لا يقل عن إيران؛ شريكة النظام سياسيا وعسكريا، فضلا أنها هي التي تستقبل موجات اللاجئين، ويقيم فيها بين مليونين إلى ثلاثة ملايين سوري.

بيد أن مشكلة تركيا هنا تكمن في وجود مسألة كردية داخلها، كما تكمن في الاستقطاب الداخلي فيها بين حزبي العدالة والتنمية من جهة، والأحزاب المعارضة الأخرى من جهة ثانية، وهو ما توضّح في انتخابات بلدية إسطنبول. فضلا عن كل ذلك، وإضافة إلى المصاعب الاقتصادية، فإن تركيا باتت في مواجهة مناخات دولية وإقليمية صعبة. فثمة مشكلة قبرص والتنقيب عن النفط والغاز، وثمة مشكلة العلاقة مع أوروبا، والتوتر الحاصل في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ناهيك عن أنها باتت تتموضع في مكانة دقيقة وحرجة، بين كونها في تحالف أستانة الثلاثي (مع شريكي النظام روسيا وإيران)، وبين كونها دولة حليفة للغرب وعضوا رئيسا في حلف الناتو.

المشكلة هنا، أيضا، أن تركيا تدرك أن أي تورّط في المسألة السورية، دون غطاء أميركي أو روسي، قد يرتد عليها بطريقة معاكسة، ولعل ذلك تحديدا يفسّر التردد التركي في التعاطي مع الإيحاءات الأميركية، بتسهيل دخول تركيا إلى شمالي سوريا. وربما أنها في ذلك تنتظر توضيحات من الإدارة الأميركية، ربما تتم في لقاء القمة الثنائية المرتقب في واشنطن أواسط شهر نوفمبر القادم.

على الصعيد السوري، لاشك أن قوات “قسد” لعبت دورا كبيرا في وصول الوضع إلى هذه الدرجة، إذ أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري) لم يوفر الفرصة لإعلان عدائه لتركيا، وتأكيد ارتباطه بحزب العمال التركي (الكردي)، كما لم يوفر الفرصة لإظهار أنه الوجه الآخر لفصائل المعارضة “الإسلامية” المسلحة، بحيث أن الطرفين شكّلا انشقاقا عن الجسم الوطني السوري، وشكّلا صدعا في جسم الثورة السورية، وتشققا في إجماعات السوريين.

وفي الحقيقة فإن الأوضاع الراهنة، بما في ذلك الاتجاه نحو الحرب، ليست في صالح السوريين، لا أكرادا ولا عربا، وبالتأكيد ليس من مصلحة تركيا الدخول في تلك المغامرة، التي ستكون لها عواقبها على الجميع، ولن يستفيد منها إلا النظام وشريكيه أي؛ روسيا وإيران.

كاتب سياسي فلسطين

العرب

الحرب التركية في سوريا/ عبد الرحمن الراشد

المنطقة الآمنة التي رسمتها تركيا داخل حدود سوريا لها جملة أهداف؛ أولها أن تجعل الحدود آمنة للأتراك، ووسيلة للتخلص من اللاجئين السوريين بالقوة، وأن تجعل من اللاجئين حاجزاً يحميها من المسلحين الأكراد. المنطقة ستكون خطرة على سكانها، وغالبيتهم أكراد سوريون. المنطقة محل الاقتحام العسكري أقل من عمق ثلاثين كيلومترا إلا أنها تنذر بأن تكون بداية فصل جديد من الصراع داخل سوريا. فأنقرة في أكبر عملية تهجير معاكسة في التاريخ المعاصر تخطط للتخلص من نحو مليوني سوري معظمهم من العرب، وإجبارهم على الاستيطان في مناطق إثنية مختلفة معظمهم أكراد، مما ينذر بحروب عرقية جديدة. والمستفيدون من الهندسة الاجتماعية هذه، أولهم نظام دمشق حيث سيقوى مركزه التفاوضي ويتخلص من عدوين محليين في آن، وتركيا بما تفعله بالسوريين ستسهل على إيران عندما «تكب» المليونين سني عربي في مناطق كردية سنية في شمال شرقي سوريا، ضمن عملية التطهير الطائفي التي يمارسها الإيرانيون و«حزب الله» في الجانب الآخر من سوريا. التخلص من مليوني سوري هدية لإيران التي كانت تخشى من الضغوط الدولية، بإعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم التي أجبروا على النزوح منها.

مهندس العملية، الرئيس التركي، قرر منذ فترة أن يتخلى عن مواقفه الأولى وينسق نشاطه في سوريا مع حليفيه الجديدين إيران وروسيا، وما المنطقة الآمنة التي قررها إلا جزء من التفاهمات الأخيرة بينه وبينهما. وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم تركيا اللاجئين السوريين؛ فقد كانوا ورقة في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، والآن تستخدمهم بوصفهم ثوارا ليحاربوا عنها ضد مسلحي الأكراد في المناطق الحدودية. وقد يبدو غريباً أنه في الوقت الذي يتم تحذير لبنان من إعادة اللاجئين السوريين على أراضيه إلى سوريا، فإن المنظمات الأممية لم تفعل الشيء نفسه مع تركيا، وهي البلد الأكثر غنى واستيعاباً وارتباطاً بالحرب السورية.

أما الولايات المتحدة فقد كانت دائماً غير متحمسة للحرب في سوريا، لا تعتبرها في دائرة مصالحها العليا إلا بمقدار تنافسها الإقليمي مع روسيا، أو رغبتها في مواجهة التمدد الإيراني، لكن ليست سوريا بذاتها شأناً مهماً في أولويات سياستها الخارجية بخلاف العراق. وفي حساباتها الضيقة قدمت واشنطن الدعم للمعارضة السورية المسلحة لإلحاق الأذى بالروس وميليشيات إيران خلال سنوات الحرب، وفي الوقت الحاضر تراجع كثيراً هذا الدعم، وتراجع كذلك نشاط المعارضة التي خسرت معظم مناطقها.

أما إسرائيل فإن تدخلها العسكري محصور بالقصف الجوي، ومن المستبعد أن تتدخل ما دام النزاع الجديد خارج الخط المرسوم وراء العاصمة دمشق وحتى الجولان، الذي يعتبره الإسرائيليون منطقة عمليات عسكرية لهم.

الحرب نفسها في سوريا خفتت ولم تصل بعد إلى خاتمتها، تبقت فيها فصول، من بينها الجرح الذي فتحه الأتراك في المنطقة العازلة في داخل سوريا. وقد تتحول المنطقة الآمنة إلى مصيدة للأتراك وحلفائهم لاحقاً. بوجود التوتر المحتمل مع إغراق اللاجئين المجبرين على الانتقال في هذه الأراضي المعدومة من الخدمات ومصدر العيش سيعود الصدام من أجل البقاء، وتعود معه التنظيمات المتطرفة إلى الحياة بما فيها «القاعدة» و«داعش»، وبذلك تستمر سوريا مسرحاً للقتال الإقليمي والدولي، وسيعود الأميركيون لاحقاً إليها في لعبة صيد الإرهابيين، وتستمر الفوضى الخطيرة على الجميع والمنطقة والعالم.

الشق الأوسط

اللعبة الخطرة في سوريا/ عثمان ميرغني

البلبلة التي أثارتها تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع، وتداعياتها بشأن العملية العسكرية التركية للتوغل في شمال سوريا، ليست سوى فصل جديد في سلسلة فصول التخبط الأميركي إزاء الأزمة السورية. فالحقيقة الساطعة أنه منذ اندلاع الأزمة عام 2011 لم تكن لأميركا استراتيجية واضحة بعيدة المدى، بل اتسمت سياساتها تجاه الأزمة بالتخبط في فترة إدارة باراك أوباما ثم بعده في ظل الإدارة الحالية. هذا التخبط أسهم في تعقيد الأزمة في مراحلها المختلفة، بل كثيرا ما صبَّ الزيت على النار المشتعلة من خلال خطوات خاطئة، أو رسائل مبهمة.

تغريدات ترمب والضجة حولها جاءت في هذا السياق تماماً، وسلطت الضوء مجدداً على تداعيات الرؤية الأميركية الملتبسة للأزمة السورية وأبعادها الإقليمية والدولية. فالرئيس الأميركي فاجأ كثيرا من الأوساط بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الأحد الماضي، ببيان صادر من البيت الأبيض بدا وكأنه يعطي الضوء الأخضر لتركيا لكي تشن عمليتها العسكرية للتوغل في شمال سوريا، عندما أشار إلى سحب القوة الأميركية الرمزية الموجودة هناك. وأعقب البيان بتغريدات ركز فيها على تعهده بسحب القوات الأميركية قائلا: «لقد انتظرت ثلاث سنوات، وحان الوقت لكي نخرج من هذه الحروب الهزلية التي لا تنتهي، ونترك للآخرين التعامل مع الوضع».

موقف ترمب المباغت أثار عاصفة من الانتقادات داخل أميركا، وموجة من القلق في عدد من العواصم. فقد انبرى عدد كبير من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين والجمهوريين، وبينهم عدد من حلفائه البارزين، لانتقاد الخطوة محذرين من تداعياتها، ورافضين ما اعتبروه ضوءا أخضر لإردوغان لكي يهاجم القوات الكردية التي كانت حليفا رئيسيا في الحرب على «داعش»، ولتنفيذ خطته لإنشاء «حزام آمن» في الشمال السوري المحاذي لتركيا. وحذر عدد من قادة الجمهوريين في الكونغرس من أن الخطوة لن يستفيد منها سوى الروس وإيران ونظام الأسد و«داعش»، بينما ذهب السيناتور ليندسي غراهام إلى حد اعتبارها موقفا «غير مسؤول وقصير النظر» من ترمب.

الانتقادات لترمب امتدت إلى أوروبا التي تشعر بالقلق من أن تؤدي العملية التركية إلى مواجهات واسعة مع الأكراد، وإلى زعزعة الأوضاع في الشمال السوري بما يؤدي إلى اندلاع أزمة لاجئين جديدة. الأخطر من ذلك أن يؤدي القتال والاضطرابات في المنطقة إلى هروب مقاتلي «داعش» المعتقلين لدى الأكراد ويقدر عددهم بنحو عشرة آلاف بينهم نحو ألفي أجنبي. من هذا المنطلق دعت لندن وبرلين وباريس والاتحاد الأوروبي إدارة ترمب إلى إعادة النظر في موقفها.

في مواجهة هذه العاصفة من الانتقادات بدا ترمب، وكأنه يحاول تعديل موقفه عندما غرد بأنه لو قامت تركيا بتجاوز الخطوط الحمراء و«بأي عمل أراه غير مقبول من واقع حكمتي التي لا تضاهى، فإنني سأدمر تماما الاقتصاد التركي». كذلك اعتبر أن أنقرة ستكون مسؤولة عن معتقلي «داعش» وأسرهم ممن يوجدون حاليا في سجون القوات الكردية في شمال سوريا.

حتى الآن من غير الواضح ما هي حدود التوغل التركي التي تراها أميركا «مناسبة». فبعدما تسرب في أغسطس (آب) الماضي أنه تم الاتفاق على إقامة منطقة عازلة بطول ثلاثة أميال على الحدود الشمالية السورية – التركية تصبح نواة «منطقة آمنة» تسمح بعودة نحو مليوني لاجئ سوري من تركيا، تريد أنقرة الآن التوغل نحو 30 ميلاً داخل الحدود السورية والسيطرة على مدن كردية من بينها كوباني والقامشلي، ما سيضعها في مواجهة عسكرية دموية مع قوات أكراد سوريا الذين تعتبرهم داعمين للإرهاب بسبب علاقاتهم بحزب العمال الكردستاني التركي. كما تحدث إردوغان من قبل عن توغل أعمق في سوريا يتجاوز «المنطقة الآمنة» المقترحة إلى مدينتي الرقة ودير الزور من أجل السماح لمزيد من اللاجئين بالعودة إلى سوريا.

الخطط التركية هذه المرة ترمي إلى ما هو أبعد من توجيه ضربة لأكراد سوريا وإبعادهم عن الحدود وتواصلهم الاستراتيجي مع أكراد تركيا. فأنقرة تفكر كما يبدو في تغيير التركيبة الديموغرافية لشمال شرقي سوريا وإضعاف المكون الكردي فيها ما قد يفتح الباب أمام مواجهات واضطرابات عرقية تمتد لعقود. فمع القوات التركية ستدخل أيضا فصائل سورية، من المكونين التركماني والعربي، موالية لأنقرة ومدعومة منها على أمل أن تبقى فيها، وتكون المشرفة على حراسة «المنطقة الآمنة» التي سينقل إليها نصف عدد اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا.

ما تفعله تركيا ليس «إعادة توطين» للاجئين السوريين، بل «إعادة تهجير». فاللاجئون الذين سينقلون إلى «المنطقة الآمنة» لم تستشرهم أنقرة في مسألة نقلهم إلى هناك، كما أن كثيرين منهم ليسوا من الشمال بل من مناطق أخرى في سوريا وسيجري «زرعهم» في الشمال لتغيير التركيبة الديموغرافية. إردوغان كل همه أن ينشئ «حزاما عازلا» على الحدود التركية، وسبق له أن توعد بالذهاب إلى أبعد مدى لمنع قيام دويلة كردية في شمال سوريا، وهو ينفذ الآن وعيده تحت ستار «المنطقة الآمنة» وتوطين اللاجئين، وبخطة لتغيير تركيبة المنطقة السكانية ستخلق، في حال إتمامها، مشكلة خطيرة لسوريا وللمنطقة.

إذا افترضنا أن تغريدات ترمب الأخيرة جاءت في إطار غياب استراتيجية أميركية واضحة تجاه الأزمة السورية، فإن تكلفة التخبط الذي صاحب سياسات واشنطن لم تكن جلية كما هي اليوم. ترمب الذي فاز في انتخابات الرئاسة عام 2016 بوعد سحب القوات الأميركية من «حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي»، ظل مسكوناً بهاجس سحب العدد القليل من القوات والآليات الأميركية الموجودة في سوريا، وحاول مرتين تمهيد الأرضية لسحب عدة مئات من قواته رغم التداعيات المحتملة لهذه الخطوة. فالوجود الأميركي في سوريا سياسي – رمزي إلى حد كبير ويمكن، بل ويجب، للقوات الأميركية أن تغادر لكن في إطار ترتيبات سياسية شاملة للأزمة السورية تؤدي إلى إنهاء الحرب، وبدء عملية سياسية تشارك فيها أطياف المعارضة، وصولاً إلى وضع دستور جديد للبلاد.

لكن أن تغادر القوات الأميركية فجأة وتترك الباب مواربا أمام تركيا، لكي تتوغل في الشمال السوري، وتعمل لتنفيذ مشروع «المنطقة الآمنة» العازلة، فإنها تضع المنطقة أمام سيناريوهات إقليمية ودولية مقلقة، بدءاً من مواجهات عسكرية دموية محتملة بين أكراد سوريا والقوات التركية وحلفائها، مرورا بأزمة لاجئين دولية جديدة، واحتمال عودة خلايا «داعش النائمة» من بياتها الشتوي وهروب عشرات الآلاف من معتقليها في السجون والمعسكرات التي يديرها أكراد سوريا، وانتهاء بتغييرات ديموغرافية تكون عنوانا لاضطرابات تستمر عقوداً.

الشرق الأوسط

دولة الأكراد عند المفهوم الغربي/ د. بشار قدوري

الأكراد بين العصيان والفرسان هم الخاسر الأكبر لعقود وإذا تتبعت أحداث إقامة دولة كردية على مر التاريخ المعاصر، تجد هناك عصا توازن بين الأطراف الغربية والشرقية، ويكون أكراد الشرق هم الضحية، ونوجز بعض محاولات الأكراد في التاريخ المعاصر.

أكراد إيران

في انتهاء الحرب العالمية الثانية ومع فتح شهية السوفييت في ضم الأراضي وتشكيل أقاليم تابعة إليها بطريقة اللامركزية، استغل بعض الأكراد في شمال المحاذية مع الاتحاد السوفيتي السابق لإيران هذه الفرصة وقام قاضي محمد مع مصطفى البارزاني بإعلان جمهورية مهاباد في 1946، ولكن الضغط الذي مارسه الشاه محمد بهلوي على الولايات المتحدة التي كان حليفها لضغط الأخيرة على الاتحاد السوفيتي كان كفيلاً بانسحاب القوات السوفيتية من مهاباد، وقامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية مهاباد بعد 11 شهرا من إعلانها وتم إعدام قاضي محمد في 1947 في ساحة عامة في مدينة مهاباد، وانسحب مصطفى البارزاني مع مجموعة من مقاتليه من المنطقة بين الجبال، حيث نجد في هذه النقطة الأولى تنازل السوفييت عن حليفهم الأكراد في إيران أمام مصالح بسيطة أخذتها من الجانب الأمريكي وهذا يعد أول تنازل عن حاجة الأكراد في التاريخ المعاصر.

أكراد اتفاقية الجزائر

بعد اتفاقية خط التالوك بين العراق وإيران في 6 آذار/مارس عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك وشاه إيران محمد رضا بهلوي وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، وكان دهاء النظام السياسي السابق في إخماد حركة الأكراد في الاستقلال بتقديم جزء من حدود نهر شط العرب مقابل تخلي الشاه عن دعم أكراد العراق في تلك الحقبة وبالفعل تم إخماد كثير من الجيوب وتقهقرهم وانسحاب الأكراد إلى الجبال وتخلي عن حلمهم في إقامة إقليم منفصل لأكراد العراق وهذه تعد النقطة الثانية في تنازل الإيرانيين للعراقيين عن الأكراد واعتبر الخاسر الأكبر بين الأطراف المتنازعة في حقبة السبعينيات، ومثلوا دور الضحية بعد أن قدموا آلاف بين قتيل وبين سجين وبين مشرد.

أكراد عبد الله أوجلان

جاءت معاهدة لوزان فقتلت حلم الأكراد في إقامة دولة كردية بشمال العراق، ومفاد هذه الاتفاقية هي تقسيم إرث الدولة العثمانية بين دول الحلفاء وكان العراق من حصة بريطانيا وسوريا إلى فرنسا

بعد تشكيل ل ppk في جنوب شرق تركيا وكان أوجلان سنة 1984 يخوض المعارك مع الجيش التركي بالجبال وامتدادا إلى تسعينات القرن الماضي وتحديدا سنة 1999 تم إلقاء القبض على أوجلان في سفارة اليونان في نيروبي، وهذه النقطة الثالثة التي يكون فيها الأكراد بيضة القبان وتنازل عنهم الحليف الغربي والدولي حيث نتيجة اتفاق الاستخبارات التركية مع استخبارات دول محلية وإقليمية يكون أوجلان لقمة سهلة بيد القيادة التركية، وبعد القبض علية تذهب سنين سدى من العمل العسكري والسياسي في مهب الريح وتدفن صفحة أخرى من التخليات الغربية للأكراد، وأيضا ينسحب الأكراد إلى الجبال بين تركيا والعراق.

أكراد العراق

بعد معاهدة سيفر 1920 بين الدولة العثمانية ودول الحلفاء والتي تضمنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع الأراضي العثمانية التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراض تركية وعراقية، حيث قام الأكراد بالاستفادة من تلك الاتفاقية كثيرا وكان العراق تحت حكم الدولة العثمانية وكذلك أكراد العراق في سليمانية وأربيل ودهوك، فاستغل ذلك الزعيم محمود الحفيد وأعلن دولة كردية في سليمانية، لكن سرعان ما انتهت وسقطت تلك الدولة على يد القوات البريطانية بعد معارك وحروب خاضتها مع الأكراد وبالنهاية انتهت باسر محمود الحفيد ونفيه خارج السليمانية.

وتعد هذه أول تنازل من قبل الحلفاء عن الأكراد في تاريخ أكراد العراق، وجاءت معاهدة لوزان فقتلت حلم الأكراد في إقامة دولة كردية بشمال العراق، ومفاد هذه الاتفاقية هي تقسيم إرث الدولة العثمانية بين دول الحلفاء وكان العراق من حصة بريطانيا وسوريا إلى فرنسا، وبعدها تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق وفي حكومة رئيس الوزراء المتعاقبين للفترة الملكية كانت هناك نزاعات وبلبله ومصدر إزعاج للحكومة المركز منذ زمن ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني ونوري سعيد، وامتدت مرورا بالحكومات الجمهورية المتعاقبة حيث لم تختلف سياسة التعامل مع الأكراد كثيرا عن الحكومات السابقة إلا في فتره الحكم الذاتي ثمانينات القرن الماضي.

لكن مع وجود إشارات بالضد من النظام السابق وتكللت تلك في أحداث التسعينيات وتحقيق انسحاب القوات العراقية أي بعد الانسحاب من الكويت ومعركة الخليج الأولى وتوزيع الحكم بين حزبين الاتحاد والديمقراطي بقيادة قبيلتين كرديتين كانتا متحاربتين على بسط النفوذ على الأراضي بعد خروج النظام السابق وفرض حظر الطيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة الأكراد بإقامة دولة كردية وبناء منظومة اجتماعية بالمنطقة في تلك الفترة لكن الخلافات التي حدثت بين الحزبين 1994-1998 جعلت المنطقة مقسمة كواقع حال الى إقليم طلبانستان وبرزانستان، فكان الأول ذو الإيديولوجية الماركسية وكان الثاني ذو الإيديولوجية القومية المحافظة.

وبعد سقوط النظام توحد الحزبان لبداية جديدة وكان فكره إقامة دوله حاضره ومستقبله وتكللت تلك الفترة باستفتاء كردستان مستغلين ضعف المركز بحرب داعش والأزمة المالية وكذلك دفع الدول الغربية في إقامة دولة كردية، لكن الفكرة هي قديمة، كان الاستفتاء على استقلال كردستان العراق قد عقد في يوم 25/أيلول 2017، مع إظهار النتائج التمهيدية إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92 بالمائة، لصالح الاستقلال وصرحت حكومة إقليم كردستان بأن الاستفتاء سيكون ملزم، لأنه سيؤدي إلى بدء بناء الدولة وبداية للمفاوضات مع العراق بدلا من إعلان الاستقلال الفوري.

ولقد رفضت حكومة العراق المركز شرعية الاستفتاء وخاضت عدت لقاءات دولية لكسب القوى وثني مسعود برزاني عن الاستفتاء وإلغاءه، وبالفعل نجحت الحكومة العراقية المتمثلة بالمركز من الاتفاق مع تركيا وإيران وسوريا والضغط على حلفاء الأكراد بالتنازل عن الاستفتاء وعدم تطبيقه بل الأمر من ذلك قاد رئيس الوزراء حيدر العبادي حملة عسكرية لإرجاع الأكراد إلى حدود عام 1991، وهذا يعد نقطة أخرى من مسلسل تنازل الغرب عن الأكراد ليكونوا الضحية بسبب تضارب المصالح المشتركة بين الأطراف وبين اللعبة السياسية في الشرق الأوسط، ليكون الأكراد هم الطرف الضعيف في المعادلة السياسية.

شرق الفرات.. بين الإرادة التركية وتخبط الولايات المتحدة/ أحمد عيشة

من الواضح أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا في توتر متصاعد، وبلغت محل تشكيك في بعض الأوقات، ومن أهم نتائج ذلك التوتر، والتي زادت في تفاقمه أيضاً، شراء تركيا لصواريخ إس 400 من روسيا، ووقف مشاركة تركيا في برنامج إف 35 من جانب الولايات المتحدة، ناهيك عن فرض بعض العقوبات الاقتصادية على تركيا، ولا يخفى أن أحد أهمّ أسباب ذلك التوتر الموقفُ من التصارع على سوريا، حيث اختارت الولايات المتحدة والتحالف الشراكةَ مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم الدولة، بينما تعدّ تركيا تلك القوات، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية (الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) تنظيماً إرهابياً، مما زاد في التباعد التركي الأميركي، ودفع تركيا إلى بناء علاقات مع روسيا.

تصاعدت نقطة الخلاف هذه إلى حدودها القصوى، إلى أن توصل الطرفان إلى صيغةٍ تخفف حدة الخلاف، من خلال تأسيس آلية ما يُعرف بالمنطقة الآمنة شرق الفرات، التي ظلت موضع خلاف حول عمقها ووجود قوات قسد فيها، حيث لم تكن

المطالب التركية محط قبول من قبل أميركا، ففي حين تصرّ تركيا على حقها وحدها في إدارة المنطقة الآمنة، بحيث تصبح مكاناً آمناً لعودة اللاجئين الذين يتزايد خطاب الكراهية ضدهم داخل تركيا، بقي الموقف الأميركي غير حاسم وتتخلله الخلافات.

ويعود عدم الحسم في الموقف الأميركي من الخطة التركية خصوصاً، ومن الموقف تجاه سوريا عموماً، إلى وجود تباين في المواقف والآراء بين أركان مؤسسة الحكم الأميركي؛ فالإدارة، التي أعلنت، على لسان رئيسها في العام الماضي، نيتها سحب قواتها من سوريا، وأدى ذلك إلى استقالة ماتيس، وزير الدفاع، وماكغورك، مبعوث التحالف لسوريا عقب ذلك، تعتبر أن هذه الحروب مكلفة لأميركا، ولا قيمة لها على المستوى الاستراتيجي، وبالتالي تميل إلى التنسيق مع تركيا، بينما يبرز موقف البنتاغون المدعوم من الكونغرس، بضرورة الحفاظ على المكتسبات الأميركية التي حققتها مع شريكها قوات سوريا الديمقراطية، والمتمثلة بهزيمة التنظيم العسكرية، والاستحواذ على ثلث مساحة سوريا بما تمتلكه من ثروات طبيعية، وقربها من الطريق البري الذي تسعى إيران لفتحه بين طهران ودمشق مروراً ببغداد، مما يوفر للولايات المتحدة نفوذاً يجب أن تستفيد منه بدلاً من التخلي عنه.

وسط هذا الارتباك وعدم الوضوح الأميركي، وإعلان البيت الأبيض ليل الأحد الماضي موافقة الرئيس ترمب على عملية عسكرية تركية تهدف إلى إبعاد قسد من الحدود السورية، معارضاً توصيات كبار المسؤولين في البنتاغون ووزارة الخارجية الذين سعوا للحفاظ على وجود صغير للقوات في شمال شرق سوريا، لمواصلة العمليات ضد داعش، أو القيام بدور موازن لدور إيران وروسيا، وبعد تفاهمات روسية تركية مشابهة للتفاهمات التي تمّت إبّان عملية غصن الزيتون في عفرين، تأتي دعوة الرئيس أردوغان حول عملية عسكرية وشيكة، يمكن أن تجري في أي وقت قريب (اليوم أو غداً)، معتمداً بشكل أساسي على حالة التمييز والاضطهاد التي يعيشها العرب في المناطق التي تسيطر عليها قسد، والتي يُقر بها الأميركان، ناهيك عن الدور الذي لعبته قوات حماية الشعب في تهجير السكان، وما يمكن أن تشكله تلك العمليات من تجييش كبير لدى المهجرين في السعي للمشاركة في تلك العملية، التي عدّها الجيش الوطني – الذي جرى الإعلان عن توحيده مؤخراً- واحدة من مهامه الأساسية.

وفي الجانب الآخر للصراع على سوريا، تقف روسيا وإيران، وعميلهما النظام، الذين يطالبون -ومن مصلحتهم- بالانسحاب الأميركي، حيث تصبح المنطقة المقصودة محل تفاهمات روسيا تركية، ناهيك عن المكاسب التي تحققها إيران في استكمال

مشروعها بالربط البري بين طهران ودمشق عبر بغداد. وبالتالي يبدو من مصلحة السوريين أولاً، وتركيا والولايات المتحدة ثانياً، أن يتحقق التفاهم التركي الأميركي بخصوص المنطقة الآمنة وغيرها من المواقف حول سوريا، بحيث يشكل ذلك التفاهم نقطة ارتكاز لموقف حقيقي ضاغط على روسيا والنظام، في سبيل التوصل إلى حل سياسي من خلال تسوية سياسية تضمن الحدود الدنيا من مطالب السوريين في الكرامة والعدالة.

كانت العلاقة التي أُسست بين الولايات المتحدة وقسد (الشريك) علاقة تعاقدية بهدف محدد وهو محاربة تنظيم الدولة، وكثيراً ما تشبه زواج المتعة محدود المدة سلفاً، وكما أعلن ترمب، فإن التنظيم هُزم، ما يعني أن مبرر البقاء والتحالف مع قسد قد زال، على عكس رأي البعض من أركان الحكم في بلده، بينما ترتبط مع تركيا (الحليف) بعلاقات استراتيجية تعود إلى أكثر من سبعين عاماً، ومن المرجح أن يكون الموقف الأميركي هو السماح لتركيا بدخول الأراضي السورية التي تسيطر عليها قسد، ولكن بعمق لا يُنهي وجودها الفعلي، إلى أن يكون هناك ترتيب أو اتفاق بين تركيا وقسد، تحت الرعاية الأميركية.

وسيبقى حال السوريين كما هو منذ سبعة أعوام منذ أن تخلوا عن استقلالية قرارهم النسبية، ينتظرون ما تقرره الدول المتصارعة بشأنهم، ويتابعون ترمب بين تغريدة وأخرى، إلى أن يدركوا أن القرار الوطني المستقل لا يعني العداوة كما لا يعني التبعية في الوقت نفسه.

تلفزيون سوريا

فشل السياسة الأميركية في سوريا/ رضوان زيادة

مرة أخرى، يفاجئ الرئيس ترمب العالم والسوريين بشكل خاص بقراره الانسحاب من المناطق الحدودية السورية – التركية والسماح لعملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية. وذلك بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس ترمب والرئيس التركي أردوغان.

في المرة الأخيرة عندما تحدث الرئيس التركي مع الرئيس ترمب في 18 ديسمبر 2018  أعلن بعدها الرئيس ترمب عن انسحاب أميركي كامل من سوريا ثم تراجع عن قراره بعد ضغط المؤسسة العسكرية في البنتاغون، وأبقت الولايات المتحدة حينها بحدود 2000 جندي فقط في مناطق عسكرية مختلفة أميركية داخل الأراضي السورية بهدف دعم من تسميهم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية SDF  وهو فصيل عسكري يتشكل بشكل رئيسي من قوات الحماية الكردية PYG  التي تعتبر امتدادا لحزب العمال الكردستاني PKK  في تركيا والذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية ودخل في حرب عسكرية طويلة الأمد مع الحكومات التركية المتعاقبة.

في 6 أكتوبر، تحدث الرئيس الأميركي ترمب مجدداً مع الرئيس التركي أردوغان وأخبره إنه لن يعارض أية عملية عسكرية تركية داخل الأراضي السورية ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وفعلاً بدأ بحدود ما يتراوح بين 100 إلى 150 من الأفراد العسكريين الأميركيين الذين تم نشرهم في المنطقة بالانسحاب من المنشآت العسكرية الأميركية بالقرب من الحدود التركية خاصة في منطقتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين، وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تبقى بعض القوات الأميركية في شرق سوريا التي تنتشر في مناطق مختلفة في شمال وشرق سوريا

إلا أن هذا الانسحاب الجزئي ربما يكون مقدمة لانسحاب كامل كان الرئيس ترمب قد أعلن عنه في ديسمبر الماضي كما ذكرنا، مقابل هذا الانسحاب أعلن البيت الأبيض في بيان له أن تركيا ستتولى مسؤولية جميع مقاتلي تنظيم الدولة الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية والذين يقدر عددهم بأكثر من 70 ألف مقاتل كما ذكر الرئيس ترمب، وتتحمل الولايات المتحدة تكاليف أسرهم بعد أن رفضت الدول الأوروبية استعادة مواطنيها الذين قاتلوا في سوريا ضمن صفوف التنظيم أو حتى المساهمة في دفع تكاليف احتجازهم في معسكرات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

تأمل تركيا في أن هذه العملية العسكرية ستكون مقدمة لفرض ما تسميه أنقره “منطقة آمنة” على الحدود لسورية التركية ضمن قطاع يبلغ طوله 20 ميلًا على طول الحدود وبعمق 30 كيلومترا، ويكون مقدمة لإعادة توطين اللاجئين السوريين الذين فاق عددهم أكثر من 4 ملايين لاجئ ويتوزعون في الأراضي التركية مع تركيز أكبر في المدن الرئيسية من مثل إستانبول وغازي عنتاب وأورفة وكيلس وغيرها.

كان الجانبان التركي والأميركي قد خاضا مفاوضات سياسية وعسكرية من أجل أن تقوم الولايات المتحدة بمساعدة تركيا في إنشاء وحماية المنطقة الآمنة على الحدود السورية – التركية، لكن تركيا غالبا ما كانت تصطدم باللامبالاة في أحسن الحالات أو رفض من الجانب الأميركي الذي يريد انسحابا كاملا من الأراضي السورية كما كرر الرئيس الأميركي ترمب ذلك في أكثر من مرة.

وكما يبدو فإن القرار الأخير اتخذه الرئيس ترمب من دون استشارة كبار مساعديه أو البنتاغون، ولذلك وجدنا عاصفة من الرفض لقرار الرئيس ترمب من قبل الكونغرس وحتى من شخصيات داخل الحزب الجمهوري من مثل السناتور ليندسي غراهام أو زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل حيث أعلن السناتور غراهام عن نيته في فرض عقوبات ضد تركيا إذا قررت الدخول إلى الأراضي السورية كما تعهد بالدعوة إلى تعليق تركيا من منظمة حلف شمال الأطلسي الناتو.

يمكن القول إن هذا القرار ينسجم مع طبيعة الرئيس ترمب في إدارة السياسة

الخارجية التي بدأت تتسم باللاتوقعية، ولذلك من الصعب على الحلفاء كما على الأعداء توقع ماهية الخطوة الأميريكية القادمة في سوريا، أو ما استراتيجيتها في سوريا، من أجل ضمان تحقيق أهدافها التي أعلنتها.

حيث أشار الرئيس ترمب إلى أن هدف القوات الأميركية كان القضاء على تنظيم الدولة، وهو ما تحقق، ولذلك يجب على الولايات المتحدة أن لا تكترث بسوريا أو السوريين أبدا وليس من شأنها إدارة العملية السياسية هناك أو الضغط على نظام الأسد من أجل تحقيق انتقال سياسي أو مواجهة النفوذ الإيراني والروسي المتمدد في الأراضي السورية، بل إن ترمب طلب تعاونهم في إدارة سوريا المستقبل.

يمكن القول إن السياسية الأميركية في سوريا ما زالت تعيش تخبطاً لا مثيل له، صحيح أن هذه الأخطاء المتراكمة بدأت مع السنوات الأخيرة لإدارة الرئيس أوباما، لكن الرئيس ترمب أوصل هذا التخبط إلى حدوده القصوى، ومن الصعب على الولايات المتحدة أن تستعيد صِدقيَّتَها في المنطقة بعد فقدانها للتأثير العسكري والسياسي الضروري من أجل إنهاء مأساة السوريين المستمرة منذ أكثر من ثماني سنوات.

تلفزيون سوريا

حقائق قاسية عن الاتفاق الأميركي التركي حول سورية

أثار قرار إدارة ترامب سحب القوات الأميركية، من أجزاء من شمال شرق سورية الخاضع للسيطرة الكردية، لإفساح المجال لغزو تركي للمنطقة، ضجةً. هناك أسباب عديدة توضح أسباب موجة الانتقادات لخطوة واشنطن، بما في ذلك المواقف الحزبية تجاه الرئيس، ووجهة نظر جزئية عن رقعة الشطرنج السورية المعقدة[1]، وسوء فهم لدور القوات الأميركية والكردية في سورية، وفشل في مراعاة الإستراتيجية الأميركية الأوسع نطاقًا. مع استقرار العاصفة، هناك حاجة إلى تفكير واضح حول البحث في الأسباب التي أدت إلى هذه اللحظة، وما يجب القيام به لتخفيف التكاليف ومنع حدوث فراغ أمني. يجب أن تتأكد إدارة ترامب من أن تركيا ستتوصل إلى تفاهم مع الأكراد السوريين، وأن المكاسب التي تحققت ضد (داعش) لن تضيع.

بعد محادثة هاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أصدر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض إعلانًا ليلة الأحد، بأن تركيا ستنفذ قريبًا عمليتها العسكرية المخطط لها منذ مدة طويلة في شمال شرق سورية[2]، وأن القوات الأميركية ستخرج من المنطقة. أوضح البيان كذلك أن الأتراك سيكونون مسؤولين عن جميع مقاتلي (داعش) الذين تم أسرهم خلال العامين الماضيين. صباح يوم الاثنين، غرّد ترامب: “إن الولايات المتحدة لن تتورط في صراعات مفتوحة، ولن تقاتل إلا من أجل المصلحة الأميركية، وحيث يكون النصر ممكنًا”. وقال: “إن على تركيا وأوروبا وسورية وإيران والعراق وروسيا والأكراد معرفة الوضع الآن”.

النقد والقيود

أثارت هذه الخطوة انتقادات شديدة[3]، لأسباب مختلفة: أولًا، لأن النقاد يصفون القرار بأنه خيانة للأكراد السوريين. ثانيًا لأن هذه الخطوة ستسهل عودة داعش. ثالثًا لأنها ستسمح لإيران بترسيخ نفسها في سورية. كل هذه الحجج صحيحة، جزئيًا، والعواقب المحتملة لقرار واشنطن ليست حتمية.

الضحية الأولى الناتجة عن النقد الحزبي هي غياب التحليل الموضوعي والصادق للوضع، خاصةً عندما يخرج النقد من المسؤولين الحكوميين السابقين المعارضين للبيت الأبيض ضد قرار معين. في حالة إدارة ترامب، تضاعفت هذه الديناميكية كثيرًا بسبب المشكلات المتعلقة بالسمعة وسجل التتبع، وعدم القدرة على التعبير المتسق عن الإستراتيجية وخيارات السياسة الأميركية. في هذه المعمعة، ما يضيع هو أن هناك اختلافًا بسيطًا للغاية في السياسة من إدارة إلى أخرى، وتدور معظم الاختلافات، عادةً، حول كيفية تطبيق السياسة.

غالبًا ما ننسى أن القيود التي تواجهها الولايات المتحدة، بشأن أي قضية متعلقة بالسياسة الخارجية، لا تتغير من إدارة إلى أخرى. لهذا السبب لم تكن إدارة أوباما مهتمة بالتورط في سورية، فسورية بلد محطم، وبالتالي من الصعب للغاية التعامل معها. وأن العمل مع أي طرف، أو وفق أصحاب المصلحة، يؤدي حتمًا إلى مشكلات مع طرف آخر. ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تكون محصلة اللعبة صفرًا.

حسابات واشنطن

لطالما أرادت الولايات المتحدة من تركيا أن تأخذ زمام المبادرة، في إدارة تهديد داعش والصراع السوري الأوسع. حاولت إدارة أوباما القيام بذلك، ولكن كانت هناك خلافات استمرت حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض؛ ذلك أن قتال (داعش) بالنسبة إلى الأتراك، يأتي تاليًا لمواجهة الأكراد. الآن، بعد أن أضعفت الولايات المتحدة -من خلال تحالفها التكتيكي مع الأكراد السوريين – قوةَ (داعش)، كانت بحاجة إلى إصلاح علاقتها الاستراتيجية مع الأتراك. كان على واشنطن أن تجد طريقة لتحقيق هدفها الأصلي المتعلق بتركيا، وهو ما ناقشتُه في مقالة سابقة[4] منذ ما يزيد قليلًا عن عام مضى: ما ثمن الاعتراف بالضرورات التركية تجاه سورية[5].

بعد التدخل العسكري الأميركي عام 2003 في العراق، توصل الأتراك إلى ترتيب مع الأكراد العراقيين، على الرغم من أنهم عارضوا ذلك بشدة. وبالمثل، سوف يقبلون في نهاية المطاف شكلًا محدودًا من الحكم الذاتي للأكراد السوريين، ولكن ليس حتى تشعر أنقرة بالراحة، وبأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وجناحه العسكري ووحدات حماية الشعب، لا يشكّل تهديدًا على تركيا. إن فكرة أن الاتفاقية مع تركيا ترسل رسالة خاطئة إلى حلفائنا الذين حاربوا داعش، في الحقيقة ليست مجرد حجة، لأن هؤلاء الحلفاء سيقاتلون داعش على أي حال. في الواقع، من خلال وضع المسؤولية على الجهات الفاعلة الإقليمية، تحاول واشنطن إيصال فكرة أن الولايات المتحدة لن تقوم دائمًا بالعبء الثقيل، عسكريًا وماليًا، في الصراع.

بالطبع، هناك خطر كبير من أن يسهّل الصراع التركي الكردي عودة داعش. ولكن ليس بالضرورة. حيث تتمتع واشنطن بنفوذ كافٍ مع كلا الجانبين، للتوصل إلى ترتيب بين أنقرة والأكراد السوريين. من الجدير بالذكر أن الرئيس ترامب حذر تركيا من المضي بعيدًا في تدخلها العسكري المخطط، كما أن الأكراد السوريين كانوا يعتمدون منذ مدة طويلة على واشنطن لإدارة التهديد التركي.

طبيعة العلاقة الأميركية الكردية

في غياب صفقة مع الأتراك، كان الأكراد الوكيل الطبيعي للولايات المتحدة لمحاربة داعش، بسبب العامل الجغرافي إلى حد كبير. لكن أميركا لم تعتبر الأكراد مقاتلين دائمين لداعش، على المدى الطويل في استراتيجيتها، لأن المناطق التي كان يسيطر عليها في السابق الجهاديون كانت ذات أغلبية من العرب السنّة، ووضع هذه المناطق تحت السيطرة الكردية سيُعيد خلق الظروف ذاتها التي استغلتها (داعش) للاستيلاء على تلك الأرض. صحيح أن تركيا ليست عربية، لكنها سنّية، وتتمتع بدرجة كبيرة من النفوذ بين العرب السنة السوريين الذين ليس لديهم راعٍ آخر قادر على حماية مصالحهم ضد نظام سوري، وتأثير متزايد إيراني/ شيعي.

من الناحية الجيوسياسية الموضوعية البحتة، فإن تركيا، على عللها، هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها القدرة على التدخل في سورية. إنها أيضًا حليف للناتو، لا تستطيع واشنطن أن تخسرها أمام موسكو. لقد ابتعدت تركيا بالفعل عن الغرب، على العديد من المستويات المختلفة، وستواصل الانجراف، ما لم يتم التعامل معها. في هذه المرحلة، يبدو أن المصالح الأميركية والتركية تتقارب، من حيث إن أنقرة تريد أن تلعب دورًا رئيسًا في سورية والمنطقة، والولايات المتحدة بحاجة إلى تركيا للقيام بذلك.

لقد مثّل الأكراد السوريون جوهر الخلاف الأميركي التركي، الذي كان لا بد من حله. يدرك الأكراد أنفسهم أن الأميركيين لم يروهم كبديل لتركيا. لقد أدركوا أن لهم علاقة تكتيكية مع واشنطن ضد داعش، وأن الولايات المتحدة كانت لديها قضايا أكثر استراتيجية، وأن معالجتها توجب العمل مع تركيا. على سبيل المثال، كانت إيران المستفيد الأكبر من هزيمة داعش.

تركز الولايات المتحدة بشدة على مواجهة طموحات طهران التوسعية. من نواح كثيرة، تمثل إيران تهديدًا أكبر من داعش. وتُعدّ تركيا منافسًا طبيعيًا لإيران، واللاعب الإقليمي الوحيد القادر على عرقلة مشروع الجمهورية الإسلامية، ولكن بشرط أن تتمكن

من لعب دور رئيس في سورية. كان قرار واشنطن هذا الأسبوع هو الخطوة الأولى نحو هذا الهدف.

احتاجت الولايات المتحدة إلى إدخال تركيا إلى سورية، وهي تنتقل من الهدف المباشر المتمثل في هزيمة داعش، إلى قضايا الاستقرار الأكثر تعقيدًا، والتعامل مع نظام الأسد، ومواجهة إيران وروسيا. كل هذه القرارات السياسية محفوفة بالمخاطر. في الوقت الحالي، يجب على إدارة ترامب ضمان عدم وجود صراع بين القوات الكردية والتركية والسورية. إن تحقيق تفاهم، بين أنقرة والقوات التي يقودها الأكراد في شمال شرق سورية، سوف يقطع شوطًا طويلًا نحو إبقاء (داعش) في وضع حرج، ويساعد في اتجاه معالجة القضايا الأوسع المتعلقة بسورية والمنطقة.

العنوان الأصلي للمقالة     Hard Truths About the U.S.-Turkey Deal on Syria

الكاتب    كامران بوخاري

المصدر   المركز العالمي للسياسات

الرابط     https://www.cgpolicy.org/articles/hard-truths-about-the-u-s-turkey-deal-on-syria/

المترجم محمد شمدين

[1] A Syria Strategy Based on Battlespace Realities: https://www.cgpolicy.org/articles/a-syria-strategy-based-on-battlespace-realities/

[2] Statement from the Press Secretary: https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/statement-press-secretary-85/

[3] GOP Allies Criticize President Trump’s Syria Withdrawal Announcement: https://time.com/5694306/trump-syria-troops-criticism/

[4] Towards A New U.S. Turkey Policy https://www.cgpolicy.org/articles/towards-a-new-u-s-turkey-relationship/

[5] https://www.youtube.com/watch?v=h1S6fPynhF0

جيرون

العملية العسكرية التركية: كل المغزى في اختيار التوقيت/ إبراهيم العبد الله

بدأت القوات التركية، أمس الأربعاء 9 تشرين الأول/ أكتوبر، عملياتها العسكرية على طول خط الحدود السورية التركية. هذه العمليات بدأت بقصف تمهيدي بالطيران والمدفعية والرشاشات الثقيلة، وطالت بدايةً مواقع في مدينة تل أبيض وبلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، وفي رأس العين ومحيط القامشلي في ريف الحسكة الشمالي، وفي محيط عين العرب في ريف حلب الشمالي.

توقيت إطلاق العمليات العسكرية يحمل رمزية سياسية كبيرة، في ما يخص العلاقات التركية مع حزب العمال الكردستاني التركي، إذ يوافق يوم ترحيل النظام السوري لعبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لهذا الحزب، خارج الأراضي السورية؛ الترحيل الذي انتهى لاحقًا بعملية اعتقال أوجلان في مطار نيروبي بكينيا، ونفذها فريق استخباري تركي يوم 20 شباط/ فبراير 1999، قبل دقائق من نقله إلى هولندا من قبل السلطات اليونانية؛ ثم جُلب أوجلان إلى تركيا، حيث حوكم وحكم بالسجن حيث يقبع حتى اليوم. ويبدو أن اختيار رمزية توقيت اعتقال أوجلان، موعدًا لإطلاق العمليات العسكرية على الأراضي السورية، يستهدف إيصال رسالة واضحة ومباشرة إلى قادة حزب العمال الكردستاني التركي، تقول لهم إن مصيرهم كمصير زعيمهم.

بطبيعة الحال، ثمة رسائل أخرى مُبطنة في اختيار التوقيت. أولها أن النظام السوري، بطرده أوجلان من الأراضي السورية، كان قد رفع الغطاء عنه وجعله هدفًا مكشوفًا للأتراك، وهذا ما يتوافق مع قبول النظام السوري الحالي للعملية العسكرية التركية التي يُرجح أن يكون أكبر المستفيدين منها، على المدى البعيد، إذ ستجنبه صدامًا عسكريًا مع الميليشيا الكردية المدعومة من الغرب. ثاني هذه الرسائل المُضمرة في توقيت بدء العمليات هي الموقف الأميركي. فبعد اعتقال أوجلان، كانت وسائل إعلام أميركية قد نشرت أن ضغوطًا أميركية سياسية ودبلوماسية ساعدت الأتراك في إلقاء القبض على أوجلان في العام 1999. وهذا يتوافق مع الموقف الأميركي الحالي، تجاه الميليشيا الكردية ودورها في سورية، وخاصة بعد تغريدات الرئيس الأميركي الصريحة، حول عمل هذه الميليشيا في المشروع الأميركي في محاربة تنظيم (داعش) مقابل المال والمعدات.

وقد كان حزب العمال الكردستاني قد عقد اتفاق سلام مع الحكومة التركية في مطلع العام 2013، بعد أكثر من ثلاثة عقود من القتال بين الطرفين. الاتفاق نص على خروج مُقاتلي الحزب، المُصنف منظمةً إرهابية على قوائم خارجيات الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، بأسلحتهم إلى جبال قنديل في شمال العراق. ومن هناك بدأ عناصر حزب العمال الكردستاني التركي، المعروف باسمه المختصر PKK، بالتسلل إلى الأراضي السورية، حيث بدأ بإعادة التجمع والتنظيم تحت اسم “وحدات حماية الشعب”. عمليًا، يكون هذا الحزب قد نقل مشروعه من الأراضي التركية إلى الأراضي السورية.

على الأرض، استمرت الميليشيات الكردية في منع سكان كل من تلّ أبيض وعين عيسى، من الفرار نحو الجنوب بحثًا عن أماكن أكثر أمانًا. وبالتزامن مع إطلاق العمليات العسكرية التركية على طول الحدود السورية التركية، عاشت مدينة الرقة ساعات عصيبة ليل أول أمس. إذ وقعت ثلاثة تفجيرات متعاقبة، على الأقل، سُمع دويّها في أرجاء المدينة، أعقبها إطلاق رصاص كثيف ومتواصل لساعات. وعزت وسائل تواصل اجتماعي تابعة للميليشيات الكردية ذلك إلى هجوم شنته “خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش، بالتزامن مع الغزو التركي لشمال شرق سورية”، وقد استهدف الهجوم المزعوم -وفق هذه الحسابات- مقرّ الأمن العام في المربع الأمني الأكثر تحصينًا في قلب الرقة، وهو مبنى إدارة المرور سابقًا.

ناشطون محليون سخروا من هذه الأخبار، ورأوا أن ما جرى تمثيلية سمجة، ومسعى يائس للاتجار بقضية محاربة تنظيم (داعش)، الذي يبدو أن هذه الميليشيا لا تملك غيره لمساومة الدول المُشغلة والداعمة من أجل استمرار دورها في سورية. وربط الناشطون بين ما اعتبروه تمثيلية ساذجة في الرقة، والتهديدات المتكررة من قبل الميليشيا الكردية بإطلاق سراح الأسرى الدواعش، في معسكرات الاعتقال التي تديرها في الحسكة، لا سيّما أن وسائل إعلامية مرتبطة بها زعمت أن (قسد) قد “سحبت جزءًا من قوات حراسة سجناء تنظيم الدولة، لمواجهة التدخل التركي المحتمل في مناطق شرق الفرات”، بحسب نص الخبر.

بموازاة ما يجري على جبهات القتال والألعاب الأمنية، ذكر ناشطون من مدينة الطبقة أن وفدًا من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي) قد عبر مساء أمس حاجزًا قرب مدينة الطبقة في طريقهم إلى دمشق.

سكان مدينة الطبقة وريفها القريب لم ينجوا من القلق، على الرغم من بعدهم عن مناطق القتال، لكن مصدر خوفهم لا يتعلق بالمخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية، بقدر خشيتهم من أن يؤدي الانسحاب الأميركي نحو الحدود الشرقية مع العراق، إلى تسليم منطقتهم إلى النظام السوري وحلفائه الإيرانيين.

غموض أهداف العملية العسكرية التركية، من حيث العمق الذي ستصل إليه في مرحلتها النهائية، ألقى بثقله على نقاشات أهل الرقة المدينة، وخاصة أولئك المتخوفين من عودة النظام مدعومًا بالإيرانيين، لا سيّما أنهم يعتقدون أن تركيا لن تتجاوز عمق 30 كيلومترًا التي كثر الحديث عنها في الإعلام، الأمر الذي يعني أن التوغل التركي لن يتجاوز طريق حلب الحسكة المار ببلدة عين عيسى في أحسن الأحوال.

استحقاق عربي كردي/ باسل العودات

بعد إعلان الأميركيين أنهم لن يدعموا الاتحاد الديمقراطي الكردي وميليشياته، في أي مواجهة عسكرية تستهدفهم؛ يمكن الحديث عن استحقاق تاريخي ينتظر أكراد سورية وعربها، استحقاق يستدعي التحرك السريع والذكي والوطني والرجولي، من كلا الطرفين، لمنع ما لا يُحمد عقباه، ولتوضيح ذلك، لأكراد سورية قبل عربهم، لا بد من استذكار ذلك اليوم المشؤوم.

اليوم المشؤوم هو منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2013، يوم ورّط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الأكرادَ في ما لا يريدونه، وأعلن تشكيل “إدارة ذاتية” في ثلاث مناطق في شمال سورية، وبدأت الساحة الشعبية والنخبوية السورية، العربية والكردية، مرحلة الاحتقان والعداء.

إعلان الإدارة الذاتية لم يكن مشكلة، لو أنه كان “نظيفًا”، فالعديد من المدن السورية شكّلت مجالسها المحلية، لكنّ الحزب قرر تشكيل برلمان خاص، ووضع قوانين ودستورًا، ونصّب وزراء، وأعلن تشكيل فيدرالية كردية، لم يوافقه عليها لا العرب ولا قسم كبير جدًا من الأكراد.

قبل هذا اليوم المشؤوم، لم تشهد الساحة السورية المعارضة خلافات إلى هذا الحد، بين العرب والأكراد، فالكل كان جزءًا من حركةٍ تحرريةٍ تسعى للتخلص من الحكم الشمولي الطائفي القمعي، لبناء وطن حر ديمقراطي تعددي تشاركي يستوعب الجميع، لكن ما قام به هذا الحزب غيّر المعادلة، وحطّم القواسم المشتركة، وصار هذا الحزب عاملًا هدّامًا للعلاقة الوطنية، وبطبيعة الحال، في بلد مثل سورية حيث المعارضون فيه تلامذة غير نجباء في السياسة، كانت ردات فعل الطرف الآخر في نفس مستوى السوء، ووصلت الحال إلى ما هي عليه الآن.

أنشأ هذا الحزب أول ميليشيات عسكرية من نوع قومي واحد، في وقت كانت فيه الثورة السورية بحاجة إلى إثبات أنها لا تحمل صبغة طائفية أو قومية، ورفض الشراكة مع أي تيار سياسي معارض، كما رفض الشراكة أيضًا مع الأحزاب الكردية الأخرى وأقصاها، وسجن قياديين كُثرًا فيها، وطرد ونفى بعضًا منهم، وشن حملات اعتقال لأنصارها، ودفع كثيرًا من المناضلين الأكراد في سورية إلى ترك المنطقة والهجرة.

أصدر الحزب وإدارته الذاتية ووزاراته قرارات “قراقوشية”، ففرض كفيلًا كرديًا على العرب، وألزم المدارس التعليم باللغة الكردية حتى لغير الأكراد، وأصدر قرارًا “بعثيًا” بمصادرة أموال وأملاك الغائبين، وألغى العلم السوري بنوعيه، و”كرّد” أسماء مدن وبلدات سورية وفق رغباته، وقامت ميليشياته بعمليات تهجير وأفرغت قرًى من عربها، وسيطر على غالبية نفط سورية، ووضع كل عام أكثر من ربع مليار دولار في حساب زعيمه، واستقدم مقاتلين من (جبال قنديل) الغريبة، ليتعاملوا مع الأكراد أصحاب الأرض كغرباء، وأصدر قرار التجنيد الإلزامي لأبناء الشمال، فأفرغ المنطقة من شبابها، وروّج لخرائط للدولة الكردية التي تقتطع كل شمال سورية حتى المتوسط، ليتوجها بالتأكيد على أن فيدراليته لا مركزية سياسية، أي أنه يريد سياسة خاصة، وعلاقاتها الخارجية مستقلة عن المركز، فيما يشبه الانفصال.

تعاون هذا الحزب مع النظام السوري واستلم أسلحة منه، ثم تعاون مع ميليشيات (حزب الله) قرب نبّل والزهراء، وتعاون مع الإيرانيين من تحت الطاولة، وبعدها تحالف مع الروس، وأخذ سلاحًا ودعمًا سياسيًا استثنائيًا، وانقلب ليتعاون مع الأميركيين، الذين تخلّوا عنه بعد أن انتهت مدة العقد.

أساء هذا الحزب إلى قضية أكراد سورية العادلة، أكثر بكثير مما أفادها، وحوّل قضية مواطنين أكراد لهم حقوق في كل شبر من سورية، إلى قضية قومية متعصبة عمياء، تجاوزها الزمن، شأنها كشأن القومية العربية والدولة الطائفية والأقاليم المذهبية.

يحق لكل أكراد وعرب سورية أن يحاكموا هذا الحزب، كما يحق لهم أن يحاكموا النظام الذي أوصلهم إلى وضعهم المأسوي الحالي، ويحق لهم أيضًا أن يحاكموا كل أمير حرب قتل طفلًا عربيًا أو كرديًا، أو شرّد أسرة، أو أطلق رصاصة على أي مدني سوري.

الآن، هناك استحقاق تاريخي، يحتاج إلى رجال بالفعل لا بالقول، يُعيدون ترتيب العلاقة بسرعة خارقة، لتكون متوازنة بين العرب والأكراد، ويثورون معًا ضد جلاديهم ممن أيقظوا النعرات، ويشبكون الحواضن للخلاص من النظام ومن هذا الحزب دفعة واحدة، على أمل أن يجمعهم يومًا وطنٌ سوي معافى يكون للجميع.

جيرون

أسئلة سورية ملحّة عن السياسة التركية/ ماجد كيالي

منذ سنوات باتت السياسة التركية إزاء الصراع السوري موضع نقاش، ومثار تساؤلات، سيما أن تركيا أهم وأقوى دولة جوار بالنسبة إلى سوريا، مع حدود طويلة جداً، وهي دولة مؤثّرة من النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية، ومنبع نهر الفرات أطول وأكبر مجرى مائي في سوريا، ثم بحكم ثقل العلاقات التاريخية. فوق كل ما تقدم فإن تركيا عبرت منذ البداية عن مساندتها الثورة السورية، واحتضنت ملايين السوريين اللاجئين، ثم إنها باتت مقراً للمعارضة الرسمية، وحاضنة لعدد من فصائل المعارضة المسلحة، وهي أمور لا يمكن تجاهلها.

في المحصلة فإن تركيا، وتبعاً لكل ما تقدم، أضحت، أيضاً، من أهم الدول المتحكّمة في مسارات الثورة السورية، وبالمعارضة الرسمية، ويأتي ضمن ذلك تركيز دعمها لمساري العسكرة والأسلمة، على كافة الأصعدة: أي الخطابات والكيانات وأشكال العمل، إلى الحد الذي يمكن معه التساؤل عن حدود أو عن مصير المسارين المذكورين من دون ذلك الدعم.

طبعاً، بالإمكان القول بأن تركيا تصرّفت في سياساتها المتعلقة بالصراع السوري من مكانتها بوصفها دولة إقليمية كبيرة، في المنطقة، ووفقاً لمصالحها هي، السياسية والاقتصادية والأمنية، الآنية والمستقبلية، وبحسب رؤية الحزب الحاكم لتلك المصالح. إلا أن هذا القول، الذي يحاول توخّي الموضوعية، يفترض أن يأخذ في حساباته الموضوعية، أيضاً، أن الدول لا تتصرف بوصفها جمعيات خيرية، أو أندية للرياضة والترفيه، أو منظمات حقوق إنسان، وإن مصالح الدول تختلف عن مصالح الثورات، وأن مصلحة نظام معين تتعلق بإقليمه وشعبه أساسا، وليس بشعب آخر، بل إن مصلحة أي دولة استثمار أية أوراق خارجية لتعظيم دورها، وتعزيز مكانتها، قبل أي شيء آخر، وهذا هو المدخل السليم والطبيعي لفهم السياسة التركية، بعيدا عن التقديس والمبالغات المضرة التي لا تفيد تركيا، ولا شعبها، ولا سوريا ولا شعبها.

على ذلك، من الطبيعي وجود تمايزات واختلافات بين مصلحة تركيا دولةً، ومصلحة السوريين، ثورة وشعبا، ومهمة قيادة المعارضة هنا تعظيم التوافقات، لكن عبر تمثيل مصالح شعبها، والحفاظ على سلامة مسار ثورته، وليس بتبهيت تلك المصالح أو تهميشها، أو بتغليب ارتهانها لهذه الدولة أو تلك، لأنه في هكذا حال فإن قيادة المعارضة تخسر نفسها، وتفقد احترامها عند شعبها، وعند الدول التي تتعامل معها، وضمنها تركيا ذاتها.

في الغضون ثمة أسئلة كثيرة استحقتها السياسة التركية في تحولات تعاملها مع الصراع السوري، ومع ذلك فإن قيادة المعارضة السورية لم تتوقف مليا لطرحها، وأخذ إجابات عليها، أو إنها طرحتها على خجل، من دون السعي لإيجاد معادلات تخفف من تأثيراتها السلبية، في الثورة والمعارضة؛ فضلا عن نشوء ظاهرة سورية، من سوريين يحابون سياسة الرئيس التركي أكثر من الأتراك العاديين، أو أكثر من محازبيه مثلا، وحتى في ما يتعلق بالشأن السوري.

وبكلام أكثر تحديدا، فإن المعارضة لم تكلف نفسها مساءلة السياسة التركية، ومساءلة نفسها، أيضاً، عن:

1ـ صوابية سحب فصائل المعارضة المسلحة من حلب إلى عملية “درع الفرات” (2016)، ما نجم عنه انهيار مواقع المعارضة في حلب وريفها.

2ـ جدوى قيام تحالف آستانة الثلاثي ومسار آستانة التفاوضي (2017)، مع شريكي النظام (إيران وروسيا)، فهل كان ذلك التحالف لمصلحة الثورة، أو لمصلحة الشعب السوري؟

3ـ طالما أن اتفاقيات “وقف التصعيد” كانت كارثية، وأدت إلى انحسار مواقع المعارضة، وإلى معاودة النظام سيطرته على معظم المناطق، فلماذا جرى الاستمرار في تلك الاتفاقيات؟

4ـ لماذا لم يجرِ التعامل مع وضعية عفرين (2018) كما يجري التعامل مع وضعية إدلب (بوجود جبهة النصرة)؟ ثم هل أضعف ذلك جبهة النصرة أم زادها قوة في إدلب وريفها؟

5ـ هل الحل العسكري هو الأمثل لتفكيك نفوذ البي كي كي وإضعافه شرق الفرات؟ وما الذي يمكن قوله في حال انتهجت روسيا الحل ذاته في إدلب مستقبلاً، كما هو متوقّع؟

ـ أخيراً، هل تعميق الجرح الكردي العربي، ونقل الطريقة التركية في معالجة المسألة الكردية في أراضيها، يفيد في بناء إجماعات وطنية للسوريين؟

القصد من ذلك كله القول بأن الدول تشتغل وفقا لمصالحها، أو ما تعتقده ذلك، وأن السياسة صنع بشر، وليست من صنع آلهة، أي إنها تستحق المراجعة والنقد والمساءلة والترشيد، وذلك لمصلحة السوريين، ولمصلحة تركيا، فبعض الجرأة الأخلاقية والسياسية والمنطقية تقتضي ذلك، أي قول ما ينبغي قوله، سيما أن الشعب السوري الذي قدم تلك التضحيات كلها يستحق ذلك من معارضته، أو ممن يعدّ نفسه في مكانة القيادة، وهو أضعف الإيمان.

في الختام، ينبغي هنا توضيح مسألتين، بمناسبة حديث المراجعة والنقد:

الأولى، أن تجربة “قسد” في ادعاءاتها وارتهاناتها ومآلاتها لا تختلف عن تجربة فصائل المعارضة “الإسلامية” العسكرية، في ادعاءاتها وارتهاناتها ومآلاتها، ففي التجربتين كلتيهما إخفاقات وثغرات ومآس تكبد ثمنها الشعب السوري وما يزال.

الثانية، مثلما أن فصائل المعارضة العسكرية “الإسلامية” شكلت انشقاقا وتصدعا في جسم الثورة السورية فإن “قسد” لعبت الدور الانشقاقي ذاته في تلك الثورة، بحيث أن كل واحد من الطرفين قدم خدمة جلية للنظام.

بروكار برس

أنظر تغطيتنا الأولى للحدث في صفحات سورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى