سياسة

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 3-

القوات التركية تتقدم شرق الفرات وأنقرة «سترد على أي عقوبات أمريكية»… نزوح عشرات الآلاف… و»قسد» تواجه بعنف «نبع السلام»

هبة محمد وإسماعيل جمال

عواصم – «القدس العربي» – ووكالات: حتدمت المعارك بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية «قسد» شرق الفرات في سوريا، حيث دارت اشتباكات عنيفة في محاولة قد تكون صعبة للغاية أمام «قسد» لصدّ القوات التركية في عمليتها التي أطلقت عليها تسمية «نبع السلام» شمال شرقي سوريا، غداة بدء أنقرة هجوماً واسعاً دفع بعشرات آلاف السكان إلى النزوح. ودخل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية أطراف مدينتي تل أبيض ورأس العين في ريف الحسكة الشمال الغربي أمس الخميس، في حين تحدثت تقارير إعلامية عن السيطرة على حوالي عشر قرى في محيط المدينتين.

تزامناً حذرت منظمات إنسانية من أزمة إنسانية جديدة، فيما طالب الاعضاء الخمسة الاوروبيون في مجلس الامن الدولي في بيان أمس الخميس، «تركيا بوقف عملها العسكري الاحادي الجانب» في سوريا، وذلك إثر اجتماع طارىء ومغلق.

وقال دبلوماسيون إن الدول الاوروبية الخمس، فرنسا والمانيا وبلجيكا وبريطانيا وبولندا، لم تنجح حتى الآن في دفع جميع اعضاء المجلس للانضمام الى بيانها.

وأوضح أحد الدبلوماسيين أن الولايات المتحدة ستسعى لاحقا الى تأمين موقف مشترك في المجلس لكنها قد تصطدم بمعارضة روسية.

واورد البيان الاوروبي ان طلب وقف العملية التركية سببه «أننا لا نعتقد انها ستبدد القلق الأمني لتركيا»، مع تأكيده «القلق البالغ» لدى الاوروبيين حيال الهجوم التركي، ولكن من دون التنديد به.

وأكدت بريطانيا، الخميس، أن تركيا قدمت ضمانات تتعلق باحترام القانون الدولي الإنساني، ضمن عملية «نبع السلام»، جاء ذلك في تصريحات إعلامية أدلت بها المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، كارين بيرس، قبيل مشاركتها في جلسة مغلقة بمجلس الأمن الدولي، حول التطورات شمالي سوريا، وعملية «نبع السلام» التركية.

وقالت بيرس إن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، ونقل له مخاوف لندن الجدية إزاء العملية.

ودعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان لعقد اجتماع طارئ للتحالف الذي تشكل لقتال تنظيم الدولة الإسلامية لمناقشة هجوم تركيا على الفصائل الكردية في شمال سوريا.

وأضاف لو دريان لقناة تلفزيون فرانس 2 إن على التحالف، الذي يضم أكثر من 30 دولة، الاجتماع بأسرع ما يمكن لأن تنظيم الدولة الإسلامية قد يستغل تغير الأوضاع على الأرض.

وتابع لو دريان قائلا إن التحالف «في حاجة لأن يقول اليوم ما الذي سنفعله وما هي الطريقة التي تريد تركيا أن تمضي بها قدما وكيف نضمن أمن المناطق التي يُحتجز بها المقاتلون؟ يجب طرح كل الأمور على الطاولة حتى نكون واضحين».

ودخل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية أطراف مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمال الغربي أمس الخميس .

وقال قائد عسكري في الجيش الوطني التابع للجيش السوري الحر: «دخل الجيش الوطني السوري وفصائل المنطقة الصناعية غرب مدينة رأس العين ومحطة محروقات المطر، ووصلت القوات الى أطراف سوق الهال / الخضار غرب المدينة، بعد السيطرة على قرية تل حلاف /حوالي 3 كيلومترات غرب مدينة رأس العين».

وقتل أربعة أشخاص، وأصيب 70 شخصاً جراء سقوط قذيفة هاون أطلقتها ميليشيات كردية سورية على مدينتين تركيتين حدوديتين، في اليوم الثاني من عملية عسكرية تشنها أنقرة في شمال شرق سوريا، حسب السلطات التركية. فقد قتل رضيع سوري، في شهره التاسع، وموظف حكومي، في حين أصيب 46 شخصاً عقب هجمات «صاروخية وبقذائف هاون» استهدفت منطقتي أقجه قلعة وجيلان بينار في ولاية شانلي أورفة التركية، حسب بيان للولاية، وذلك في أول تأكيد رسمي للضحايا البشرية على الجانب التركي.

وتسبب إطلاق نار عبر الحدود في مقتل ثلاثة آخرين في منطقة نصيبين في ولاية ماردين، التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر إلى شرق شانلي أورفة، بحسب بيان للولاية. وتدور اشتباكات عنيفة منذ أمس على محاور عدة في شمال شرقي سوريا، تتركز في منطقتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وفق ما أفادت قوات سوريا الديمقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وحسب الإعلام التركي متمثلاً والجيش السوري الوطني فقد سيطر الجيش التركي على 11 قرية وبلدة، شمال شرقي سوريا، بعد يومين من بدء عمليات «نبع السلام» ضد وحدات الحماية الكردية، وإثر قصف جوي وبري عنيف على مواقع «قسد» على طول الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ الأربعاء مقتل تسعة مدنيين و23 عنصراً من قوات سوريا الديمقراطية جراء الهجوم. في الجانب التركي، خلف القصف أربعة قتلى مدنيين، بينهم طفل سوري، الخميس، في قذائف اتهم التلفزيون التركي مقاتلين أكراداً بإطلاقها على الجانب التركي الحدودي.

وأسفر الهجوم منذ الأربعاء عن حركة نزوح واسعة، وأحصى المرصد فرار أكثر من 60 ألف مدني من مناطق حدودية في اتجاه مدينة الحسكة جنوباً ومحيطها.

القيادي في الجيش الوطني مصطفى سيجري قال لـ»القدس العربي» إن «الجيش دخل شمال شرقي سوريا»، مؤكداً أن العملية العسكرية «مستمرة براً وجواً وبنجاح، ولفت الى أن ‏عملية «نبع السلام عسكرية لا تستهدف المكون الكردي الأصيل في سوريا، إنما حزب العمال الكردستاني وأدواته الانفصالية في سوريا».

وهاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدول التي وجهت انتقادات حادة لعملية «نبع السلام» ومنها السعودية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهدد أوروبا مجدداً بملف اللاجئين. ورد أردوغان على بيان لوزارة الخارجية السعودية انتقد بشدة العملية العسكرية التركية في سوريا ووصفها بـ»الغزو». وقال الرئيس التركي في خطاب أمام مسؤولي الحزب الحاكم، أمس: «اقول للسعودية: انظري بالمرآة، ماذا عن الوضع في اليمن؟ من أوصل اليمن لهذه الحال؟ قدموا حساب ذلك… من قام بذلك في اليمن لا يمكنه التلفظ بحق تركيا».

ورد على مصر أيضاً بالقول: «(رئيس النظام) في مصر على الأخص لا يحق له الكلام أبداً، فهو قاتل الديمقراطية في بلاده». كما هدد أردوغان الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر بفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين من أجل الوصول إلى أوروبا، وقال للأوروبيين «أنتم لستم صادقين».

وتراوحت ردود الفعل العربية والعالمية على العملية التركية بين استدعاء السفير، وأخرى تتفهم المخاوف التركية الأمنية. فقد دعت إيران الخميس إلى «وقف فوري» للهجوم التركي. واستدعت إيطاليا كذلك السفير التركي في روما، ودعت وزارة الخارجية مجدداً «لوقف أي عمل أحادي الجانب».

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو أن إسرائيل «تدين بشدة» «غزو تركيا» للمناطق التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا، محذرا من «تطهير عرقي» للأكراد. وكان لافتاً ان الإعلام السعودي والإماراتي والبحريني وكذلك المصري استعمل التعبير نفسه «الغزو التركي». وطالب الأردن بوقف «الغزو التركي»، معبراً عن إدانته لكل «عدوان» يهدد وحدة سوريا وذلك في تغريدة على تويتر لوزير الخارجية أيمن الصفدي. ودان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي «العدوان التركي» على الأراضي السوريّة.

من جهته أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تتفهم مخاوف تركيا الأمنية، وقال لافروف «سندافع من الآن فصاعداً عن ضرورة إجراء حوار بين تركيا وسوريا». وقال الأمين العام المساعد للجامعة العربيّة حسام زكي في بيان، إنّه تقرَّر عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجيّة العرب غداً السّبت.

وحض الأمين العام لحلف شمال الاطلسي ينس ستولتنبرغ تركيا على التحلي بـ»ضبط النفس»، لكنه أقر في الوقت نفسه بوجود «قلق أمني مشروع» لدى أنقرة. وأقر أمام البرلمان الأوروبي أن لدى تركيا «قلقا أمنيا» على طول الحدود، لكنه حذر من ان الأعمال العسكرية لن تؤدي إلى «نتائج جيدة»، مشيرا الى أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لوقف النزاع السوري، حسب وكالات الأنباء. ودعت الصين الخميس الى احترام سيادة سوريا.

من جهته قال جاويش أوغلو إن بلاده سترد إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات بسبب تدخل جيشها في شمال شرق سوريا لاستهداف المقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن. وقد تواجه أنقرة عقوبات، بموجب مقترحات قدمها السيناتور الجمهوري لينزي غرهام وأحد زملائه الديمقراطيين، تستهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبار المسؤولين.

أميركا وروسيا ترفضان إدانة العملية التركية بسورية بمجلس الأمن/ ابتسام عازم

رفضت الولايات المتحدة وروسيا، الخميس، مقترحاً في مجلس الأمن الدولي لإدانة العملية العسكرية التركية في شرق نهر الفرات بسورية. ورفضت الولايات المتحدة وروسيا، المقترح الذي تقدمت به 5 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، خلال جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي.

وفيما أدانت ألمانيا العملية “بشدة”، اقترحت بعض الدول إدانة مجلس الأمن الدولي العملية التركية شمالي سورية، بحسب مصادر دبلوماسية، غير أن الولايات المتحدة وروسيا لم توافقا على المقترح، ولم يستخدم كلا البلدين عبارة “إدانة” في تصريحهما بمجلس الأمن الدولي.

وحذرت السفيرة الأميركية للولايات المتحدة في نيويورك، كيلي كرافت، تركيا من عواقب عملياتها العسكرية إن لم تتمكن من حماية المدنيين والتأكد من عدم عودة تنظيم “داعش” واستعادته لنفوذه في المنطقة.

وقالت كرافت “كما أوضح الرئيس الأميركي فإن الولايات المتحدة لم تعط الضوء الأخضر لقرار الحكومة التركية ببدء عملية عسكرية في شمال شرق سورية. الرئيس ترامب أكد أن الحكومة التركية تتحمل المسؤولية الكاملة لحماية الأكراد والأقليات الدينية والحيلولة دون وقوع أزمة إنسانية”.

ونوهت السفيرة الأمركية إلى أنه “تقع على عاتق تركيا المسؤولية لإبقاء جميع محتجزي تنظيم داعش داخل السجون والتأكد من عدم استعادة التنظيم لنفوذه”، وأضافت السفيرة الأميركية أنه سيكون لذلك عواقب إن لم تتمكن تركيا من تحقيق تلك النقاط. وجاءت تصريحات كرافت بعد انتهاء جلسة مجلس الأمن الطارئة والمغلقة التي دعت إليها كل من ألمانيا وبريطانيا وبولندا وبلجيكا وفرنسا، لنقاش العمليات العسكرية التركية شمال سورية.

وأنهى مجلس الأمن اجتماعه دون أن يصدر عنه أي بيان رسمي. وأصدرت الدول الأوربية الأعضاء في مجلس الأمن والتي دعت لعقد الاجتماع، ألمانيا وبريطانيا وبولندا وبلجيكا وفرنسا، بياناً مشتركاً أكدت فيه على قلقها من تطورات الوضع على الأرض شمال سورية.

وجاء في البيان الذي قرأه نائب السفير الألماني، يورغين شولتس باسم الدول الخمس، “إننا نعبر عن قلقنا من العملية العسكرية التركية في شمال شرق سورية. ونناشد تركيا بأن توقف عملياتها العسكرية أحادية الجانب لأن ذلك لن يعالج القلق الأمني التركي”.

وأكدت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى حضرت الاجتماع المغلق لـ”العربي الجديد” أن الدول الأوربية لم تفلح بإقناع جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالانضمام إلى بيانها وأن أغلب الدول المتحدثة أعربت عن قلقها من التداعيات الإنسانية جراء العملية العسكرية التركية.

ومن المثير أن البيان الأوربي لا يدين العملية التركية ويقوم بالتنديد بها فقط. وأكد بيان الدول الأوربية أن تجدد العمليات العسكرية في شمال شرق سورية سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة بأسرها كما سيزيد من تفاقم معاناة المدنيين وزيادة موجات وأعداد اللجوء والنازحين داخلياً في سورية والمنطقة.

ونوه البيان كذلك على أن العمليات العسكرية أحادية الجانب تهدد التقدم الذي أحرزه التحالف الدولي ضد داعش كما سيقوض أمن الشركاء المحليين في القتال ضد داعش بمن فيهم قوات سورية الديمقراطية، ويخاطر بتوفير أرضية خصبة لظهور تنظيم داعش مجددا، حيث ما زال التنظيم يشكل تهديداً كبيراً على أمن المنطقة والأمن الأوربي والدولي.

وأكد البيان كذلك على أنه من غير المرجح أن تفي المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا بإقامتها للاجئين السوريين شمال شرق سورية، بالمعايير الدولية لعودة اللاجئين بالشكل الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني.

وأكدت دول الاتحاد الأوربي أن أي محاولات لتغيير ديموغرافي ستكون غير مقبولة، وأنها لن تدعم تلك الجهود ولن توفر المساعدات الإنمائية لتلك المناطق. وجدد البيان تأكيد الدول الأوربية ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية.

كيف سيعزز التوغل التركي نفوذ روسيا في المنطقة؟

نقلت وكالة “رويترز” عن مقربين من الكرملين قولهم، إن التوغل التركي في سوريا يمثل فرصة لروسيا لتعزيز نفوذها في المنطقة حيث تتراجع واشنطن كما يبدو، لكن المخاطر على الدبلوماسية الروسية ستزداد كلما طالت العملية.

وقال آندريه كليموف، وهو نائب بارز مؤيد لبوتين في مجلس الاتحاد في البرلمان الروسي “كلما انتهت حالة الصراع هذه بسرعة كان أفضل للجميع”. وأضاف “أتمنى حقا أن يبذل شركاؤنا الأتراك كل ما في وسعهم لتجنب أي صراع ولو بالمصادفة على الأرض مع قوات الحكومة السورية أو مع الجنود الروس”.

وبالنسبة لروسيا، فهذه موازنة دقيقة. فقد تعهدت باستخدام قوتها الجوية لمساعدة الأسد على استعادة كل الأراضي التي فقدها في الحرب المستمرة منذ ما يربو على ثماني سنوات وشددت مرارا على أهمية وحدة أراضي البلاد.

لكنها تعمل أيضا مع تركيا وإيران للضغط من أجل التوصل إلى تسوية سلمية تأمل في أن تفضي إلى إعادة صياغة الدستور السوري في نهاية المطاف، وتُظهر أن بوسع موسكو أن تساعد في تحقيق السلام كما تقدم العون في الحرب.

ويقول منتقدون إن جهود موسكو صوَرية تهدف إلى التوصل لتسوية سياسية وهمية، لإعادة إضفاء الشرعية على الأسد وجذب الأموال من الاتحاد الأوروبي والخليج لإعادة بناء سوريا.

والنجاح في هذه الجهود سيتوج التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 والذي منح موسكو نفوذا جديدا في الشرق الأوسط. كما تحرص روسيا على توسيع هذا النفوذ، لا سيما في وقت تنأى فيه واشنطن بنفسها عن المنطقة في ما يبدو.

ومن شأن استمرار العملية التركية لفترة طويلة أو خروجها عن السيطرة أن يعرقل جهود الكرملين الدبلوماسية.

وقال يوري أوشاكوف المساعد في الكرملين، إن بوتين أبلغ أردوغان بأن على قواته أن تتوخى الحذر في كل تحركاتها رغم تفهم موسكو لمخاوف أنقرة الأمنية. وأضاف “من المهم بالنسبة لنا أن يتحلى كل الأطراف بضبط النفس وأن يحسبوا بدقة خطواتهم العملية لتجنب الإضرار بالإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق تسوية سياسية”.

وأشار أوشاكوف إلى أول اجتماع مقرر عقده للجنة صياغة الدستور السوري بدعم من موسكو في 29 أكتوبر/تشرين الأول، على أنه حدث لا ينبغي تعطيله، وقال إن من غير المقبول لموسكو أن يتعرض مدنيون لمعاناة بسبب الهجوم التركي.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد أعلن أن موسكو تتأهب للاضطلاع بدور وسيط في حل أحدث أزمة في الصراع السوري الذي طال أمده. وقد يشمل ذلك التوسط في إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، التي تريد خروج القوات التركية من أراضيها، وبين دمشق والأكراد، الذين يريدون قدرا من الحكم الذاتي داخل سوريا وهو أمر لم يظهر الأسد أي إشارة بعد على تقبله.

وقال لافروف للصحافيين إن موسكو ستحاول في الاتجاهين مشيرا إلى الترحيب الواضح بجهود روسيا من الجانبين السوري والكردي. وأضاف “دعونا نرى ما يمكننا فعله”.

وقال ماثيو بوليج الباحث في مؤسسة “تشاتام هاوس” في لندن، إن “روسيا على الأرجح هي اللاعب الوحيد في الغرفة بين الراشدين الذي يمكنه أن يتحدث مع الجميع في الوقت ذاته. سواء كانت إسرائيل وإيران أو القوات الكردية أو تركيا أو الأسد وأي طرف آخر”.

وبالنسبة لبوتين سيشكل ذلك نصرا كبيرا على الساحة الجيوسياسية. وقال آندريه كورتونوف رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث تربطه صلات وثيقة بوزارة الخارجية الروسية: “إذا تمكن من ترتيب ذلك فسيُعتبر الأمر نصرا سياسيا كبيرا”.

وتابع “يمكن لبوتين أن يقول إن الأمريكيين أخفقوا في حل ذلك لكننا استطعنا… بما يعني ضمنا أن نهجنا حيال الصراع أكثر فاعلية من منافسينا على الساحة الجيوسياسية”.

وقال فلاديمير فرولوف وهو دبلوماسي روسي كبير سابق، إنه إذا اقتصرت العملية التركية على منطقة أمنية عمقها 30 ميلا داخل سوريا وكانت سريعة فمن المرجح أن تغض موسكو الطرف عنها. وأشار إلى أن نشر روسيا لأنظمة دفاع جوي متطورة في سوريا ووجود قاعدة جوية لها هناك يمكنها عمليا من وقف أي تقدم تركي إذا أرادت.

لكن فرولوف قال “إذا أراد أردوغان التوغل أكثر في سوريا وتقسيمها… فستحاول موسكو منع ذلك من خلال نشر مواقع مراقبة روسية في مناطق متقدمة وبغطاء جوي روسي”. وأضاف “روسيا تسيطر على سماوات سوريا… وتركيا تحلق بطائراتها الآن برضا موسكو”.

نبع السلام”لم تتجاوز الخط الاحمر الاميركي..وترامب وسيطاً؟

كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في “تويتر”: “لدينا واحد من ثلاثة خيارات: إرسال آلاف القوّات وتحقيق نصر عسكري، توجيه ضربة ماليّة شديدة لتركيا وعبرَ عقوبات، أو التوسّط لإيجاد اتّفاق بين تركيا والأكراد!”.

وقد كلّف ترامب دبلوماسيّين أميركيّين التوسّط في “وقفٍ لإطلاق النّار” بين أنقرة والأكراد، بحسب ما أعلن مسؤول أميركي كبير، أشار إلى أنّ العمليّة العسكريّة التركيّة في شمال سوريا لم تتخطّ في هذه المرحلة الخطّ الأحمر الذي وضعه ترامب.

وقال المسؤول في وزارة الخارجيّة الأميركيّة إنّ ترامب “كلَّفَنا أن نُحاول البحث عن قواسم مشتركة بين الجانبين، وعمّا إذا كان ممكناً التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، وهذا هو ما نفعله”.

وردّاً على سؤال حول تعريف هذا الخطّ الأحمر، قال إنّه يشمل “التطهير العرقي” وكذلك “القصف الجوّي أو البرّي العشوائي ضدّ المدنيّين”. وأضاف: “ليست لدينا أمثلة بارزة على تصرّفٍ كهذا في هذه المرحلة، ولكنّها ليست سوى بداية” العمليّة العسكريّة التركيّة.

وردّاً على سؤال حول هذا الموضوع، رفضَ وزير الخارجيّة الأميركية مايك بومبيو، في مقابلة عبر برنامج “فول كورت برس” تبثّ الأحد، أن “يصف بشكل محدّد” هذا الخط الأحمر. وقال بومبيو بحسب مقتطفات من مقابلته نشرتها وسائل إعلام “لكنّني أستطيع أن أؤكّد لكم أنّ القادة الأتراك يُدركون الأمر بشكل جيّد جدّاً”. وأضاف “نُدرك أنّ لتركيا مصالح أمنيّة مشروعة” في مواجهة “منظّمات صنّفتها إرهابيّة” وبالتالي فإنّ “لها الحقّ في الدّفاع عن نفسها” ولكن “نحن لن نتخلّى عن الأكراد”.

وأردف بومبيو “إذا ارتُكبت مذبحة بحقّ الأكراد، أو إذا ما كان هناك تصرّف لا يتوافق مع ما وَعد به إردوغان الرئيس ترامب”، فإنّ الرئيس الاميركي “سيلجأ إلى العقوبات الاقتصاديّة وإلى كلّ الوسائل الدبلوماسيّة الأميركيّة من أجل محاولة إقناع الأكراد بأنّ عليهم أن يتوقّفوا”.

وطالب الأعضاء الخمسة الأوروبيون في مجلس الأمن الدولي في بيان، ليل الخميس/الجمعة، “تركيا بوقف عملها العسكري الأحادي”، اثر اجتماع طارئ ومغلق في نيويورك، في حين طلبت فرنسا عقد اجتماع طارئ للتحالف الدولي، في ظل تخوّف أوروبي من أن ينعش الهجوم التنظيم المتطرف.

إلا أن الولايات المتحدة وروسيا، رفضتا مقترحاً في مجلس الأمن الدولي لإدانة العملية العسكرية التركية، وفيما أدانت ألمانيا العملية “بشدة”، لم توافق الولايات المتحدة وروسيا على المقترح، ولم يستخدم كلا البلدين عبارة “إدانة” في تصريحهما بمجلس الأمن الدولي. وحذرت السفيرة الأميركية للولايات المتحدة في نيويورك، تركيا من عواقب عملياتها العسكرية إن لم تتمكن من حماية المدنيين والتأكد من عدم عودة تنظيم “داعش” واستعادته لنفوذه في المنطقة.

وقالت “كما أوضح الرئيس الأميركي فإن الولايات المتحدة لم تعط الضوء الأخضر لقرار الحكومة التركية ببدء عملية عسكرية في شمال شرق سوريا. الرئيس ترامب أكد أن الحكومة التركية تتحمل المسؤولية الكاملة لحماية الأكراد والأقليات الدينية والحيلولة دون وقوع أزمة إنسانية”.

وأشارت السفيرة الأمركية إلى أنه “تقع على عاتق تركيا المسؤولية لإبقاء جميع محتجزي تنظيم داعش داخل السجون والتأكد من عدم استعادة التنظيم لنفوذه”.

وأنهى مجلس الأمن اجتماعه من دون أن يصدر عنه أي بيان رسمي. وأصدرت الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن والتي دعت لعقد الاجتماع، ألمانيا وبريطانيا وبولندا وبلجيكا وفرنسا، بياناً مشتركاً أكدت فيه على قلقها من تطورات الوضع على الأرض.

وجاء في البيان الذي قرأه نائب السفير الألماني، يورغين شولتس باسم الدول الخمس، “إننا نعبر عن قلقنا من العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا. ونناشد تركيا بأن توقف عملياتها العسكرية أحادية الجانب لأن ذلك لن يعالج القلق الأمني التركي”.

وأعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أن 70 ألف شخص نزحوا مؤخرا جراء تصاعد العنف في البلدات السورية الحدودية باتجاه مدن الحسكة والرقة ومحيطهما. وحذرت 14 منظمة إنسانية وإغاثية في بيان مشترك من حدوث أزمة إنسانية جديدة في شمال شرق سوريا. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قلقه البالغ إزاء تصاعد العنف، معتبراً أن “ما علينا القيام به في الوقت الراهن هو التأكد من نزع فتيل التصعيد”.

وفي السياق، أعلن 29 من الجمهوريين في مجلس النواب الأميركي، ليل الخميس/الجمعة، أنهم سيطرحون قرارا لفرض عقوبات على تركيا، بعد يوم من إعلان جمهوريين وديموقراطيين عن تشريع مماثل في مجلس الشيوخ.

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أن الأكراد جزء لا يتجزء من المنطقة، رداً على ادّعاء السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أن عملية “نبع السلام” تستهدف “الأكراد الحلفاء الأكثر ثقة للولايات المتحدة”. وقال قالن “الأكراد جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة، وليسوا بلا وطن لتمثلونهم”. وأضاف أن “اهتمام واشنطن بالأكراد هو فقط لتنفيذ اجندتها الامبريالية والتوسعية”، لافتاً إلى أن “أصدقاء واشنطن هم تنظيم بي كا كا الإرهابي وليس الأكراد”.

“قسد” تستدرج تركيا الى حرب المدن؟

تواصل الطائرات الحربية التركية قصفها مواقع ومقار “وحدات حماية الشعب” الكردية، في أرياف الحسكة والرقة وحلب. وكثفت القوات التركية قصفها المدفعي مستهدفة تحركات “الوحدات” في محاور العمليات، واشتبك الطرفان في أكثر من محور في مناطق رأس العين وتل أبيض، بحسب مراسل “المدن” خالد الخطيب.

يتركز القصف الجوي والبري التركي على مواقع “وحدات الحماية” في ريف تل أبيض شمالي الرقة، شرقاً وغرباً، وطال بلدة عين العروس جنوباً، والقرى والتلال الواقعة بين رافدي نهر البليخ. واستهدف القصف مقار “الوحدات” ومعسكراتها ومستودعات الأسلحة في تلال أفحل وجدلة وأبيض، وفي قرى طاش باش وشريعان وحويجات وتل سلان وخربة الرز، وصولاً إلى ريف عين عيسى ومعسكرات “اللواء 93” جنوبي الطريق الدولي حلب-اليعربية.

كما يتركز القصف على مواقع الوحدات في قرى ريف رأس العين شمال شرقي الحسكة، من الشرق والغرب والجنوب.

كما استهدف القصف، بشكل أقل، ريف عين العرب “كوباني” شمال شرقي حلب، ومحيط الدرباسية والمالكية والقامشلي، وشريط نهر دجلة الحدودي مع العراق في ريف الحسكة الشمالي.

ويتركز القصف بعمق 30 كيلومتراً، ولكنه بدا أكثر تركيزاً في الساعات القليلة الماضية على محاور العمليات البرية في رأس العين وتل أبيض، ويهدف إلى تدمير الدفاعات والتحصينات حول المدينتين تمهيداً لحصارهما وإجبار “الوحدات” على الانسحاب.

وتتحاشى فصائل المعارضة السورية والقوات التركية الاشتباك مع “الوحدات” داخل المدن الكبيرة للتقليل من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، في حين تسعى “الوحدات” لاستدراجهما للمواجهات داخل مدينتي رأس العين وتل أبيض، وتنفذ هجمات معاكسة لمنع الحصار، ولا تبدي مقاومة جدية في القرى والبلدات الصغيرة البعيدة عن المركز. وتحاول الوحدات الاستفادة من العمران وتواجد المدنيين في حرب المدن المفترضة.

وقد سيطر الجيشان التركي و”الوطني السوري” على المزيد من القرى والبلدات في محاور العمليات البرية الأربعة في منطقتي رأس العين وتل أبيض، وتصدت القوات المقتحمة لهجمات برية معاكسة شنتها “الوحدات” في أكثر من محور بهدف استعادة مواقعها، وقتل خلال المعارك جندي تركي، وثلاثة مقاتلين على الأقل من “الجيش الوطني”.

الناطق العسكري باسم “الجيش الوطني” الرائد يوسف حمود، أكد لـ”المدن”، أن العمليات العسكرية تسير بشكل جيد وفق ما خطط لها. وقال حمود: “تمت السيطرة على 12 قرية وبلدات في ريفي رأس العين وتل أبيض منذ بدأ العملية البرية، وتم قطع الطريق الواصل بين رأس العين والدرباسية”.

وبحسب حمود، فقد قتل، ليل الخميس/الجمعة، العشرات من عناصر “الوحدات”، واغتنمت فصائل “الجيش الوطني”، كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة من المواقع التي أخلتها “الوحدات”، ومن بينها صواريخ مضادة للدروع وأسلحة رشاشة، ومؤن تم تخزينها في الأنفاق والخنادق.

وبحسب حمود، العمليات البرية ستشهد توسعاً دراماتيكياً خلال الأيام المقبلة، وسيتم إشغال محاور جديدة، كمحور الدرباسية المهم للغاية، وفي مراحل لاحقة سيتم إشغال محاور برية من الداخل السوري انطلاقاً من ريف حلب الشمالي الشرقي.

والتحق المئات من مقاتلي “الجيش الوطني” بجبهات القتال في منطقتي تل أبيض ورأس العين، وتم نقل الجزء الأكبر منهم بالحافلات، انطلاقاً من المعبر العسكري؛ حوار كيليس في ريف حلب الشمالي، وغالبيتهم من مقاتلي “الفيلق الثاني”. وأعلن “الفيلق الأول” عن تخريج دفعة جديدة من المقاتلين من معسكرات التدريب في ريف حلب، ومن المفترض أن يلتحقوا بالمعركة قريباً.

وكثفت “الوحدات” من قصفها المدفعي والصاروخي لمدن وبلدات المعارضة في ريف حلب، مستهدفة عفرين وإعزاز ومارع وجبرين وقباسين، وعدداً من القرى القريبة من خط التماس.

وقد قتل 7 مدنيين، الخميس، منهم رضيع سوري و4 أطفال أتراك، جراء سقوط قذائف هاون أطلقتها “الوحدات” من الأراضي السورية، على مناطق حدودية بولايتي شانلي أورفه وماردين جنوب شرقي تركيا.

وقالت وزارة الدفاع التركية إنها تمكنت من تحييد 277 عنصراً “إرهابياً” من “وحدات حماية الشعب” الكردية منذ بدء العملية.

في حين قالت “قوات سوريا الديموقراطية” إن 3 من مقاتليها قد قتلوا، و9 مدنيين، مقابل مقتل 5 جنود أتراك، و22 من الفصائل المسلحة الحليفة للجيش التركي.

مواقف متباينة للقوى السورية من “نبع السلام

في بيان صادر عن “المكتب التنفيذي” في “تيار مواطنة” السوري المعارض، الجمعة، أعلن شجبه وإدانته لـ”الاعتداء التركي السافر على أراضينا السورية تحت سمع المجتمع الدولي وتواطئه وخاصة الولايات المتحدة بعد أن سحبت بعض نقاط تمركزها”.

وتابع: “نعتبر أيضاً أن جميع مبررات هذا الهجوم تتعارض جبهياً مع مصالح شعبنا وتدفع بشدة إلى اقتتال السوريين لمصلحة تركيا وتزيد في تفتت النسيج الوطني السوري ومما لا شك فيه أنها ستؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة وإلى نزوح عشرات آلاف السوريين عن مناطقهم وقد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي إذا ما اكتمل المشروع التركي الخبيث للمنطقة”.

“تيار مواطنة”، الناشط في الداخل السوري، طالب المجتمع الدولي والولايات المتحدة “العمل والضغط الفعلي على وقف هذا العدوان فوراً، كما نطالب جميع المقاتلين السوريين المنخرطين تحت مسمى الجيش الوطني عدم المشاركة في هذه المعركة القذرة واعتبار المستهدفين أهلهم! كما نعلن تضامننا مع أهلنا في منطقة شرق الفرات”.

وفي السياق، تباينت مواقف مكونات “هيئة التفاوض”، تجاه عملية “نبع السلام”، وقالت “منصة القاهرة”: “نتابع بقلق شديد ما يجري من معارك في الشمال السوري بين الجيش التركي تسانده بعض الفصائل العسكرية من المقاتلين السوريين وقوات قسد”، وتابعت: “نرفض بشدة هذه الأعمال العسكرية، ونعتبرها حربا إضافية في سوريا ستؤدي إلى مزيد من الضحايا وخاصة في أوساط المدنيين، وإلى مزيد من موجات النزوح و الهجرة. كما أنها ستضيف مزيدا من التعقيد على مسار الحل السياسي الذي عملت وما زالت تعمل كل القوى السياسية الوطنية من أجل إنضاجه وإخراجه للنور في سبيل سوريا الديمقراطية الواحدة والموحدة لكل مواطنيها على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والسياسية”.

وأضافت: “نرفض أي تغييرات ديموغرافية قسرية تنتج عن العنف أو أي وسائل أخرى في شمال شرق سوريا كما في أي بقعة من بقاع التراب السوري”.

رئيس “هيئة التفاوض” نصر الحريري، اعتبر أن “حزب العمال الكردستاني، تنظيم إرهابي لا يختلف عن داعش والقاعدة والمليشيات الإيرانية”، وقال إن “المنطقة الآمنة حلم قديم متجدد للسوريين سيساهم في جلب الاستقرار ومواجهة التنظيمات الإرهابية والسماح بعودة المهجرين واللاجئين من أهالي تلك المناطق والدفع باتجاه الحل السياسي في سوريا”.

في حين وصف “حزب الإدارة الشعبية”، المشارك عبر “منصة موسكو” في “هيئة التفاوض”، التدخل التركي بـ”العدوان السافر”، ودعا إلى “وقف العدوان فورا والالتزام بالعمل ضمن صيغة محادثات أستانة وضمن أطر القانون الدولي”. واعتبر الحزب أن “القضية الكردية يمكن حلها في إطار الحوار السوري والعملية السياسية التي ينظمها القرار الدولي 2254، وذلك هو الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها”.

في الأثناء أصدر “أعيان مدينة القامشلي بكافة اطيافها” مناشدة لـ”الوحدات الكردية وعناصرها”، باخلاء القامشلي “من المظاهر المسلحة وعم اطلاق القذائف باتجاه الحدود التركية من داخل مدينة القامشلي لان الجيش التركي سيرد على مصادر اطلاقها ويذهب ضحيتها المدنيون والابرياء كما حصل اليوم وامس في حي الغربية والبشيرية وجرنك”. وتابعوا: “دعوا المدينة تعيش بسلام ولا تطلقوا القذائف من الاحياء المدنية اذهبوا الى الحدود او مناطق الاشتباكات وقاتلوا هناك. جميع ابناء مدينة القامشلي الان نزحوا منها والبعض منهم يبيت في العراء او في المدارس في قرية العويجة والرشوانية”.

بدوره، هاجم نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، القوات التي يقودها أكراد وتدعمها واشنطن، قائلاً إنها “خانت بلادها واتهمها بتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد”.

وقال المقداد: “فصائل مسلحة قامت بخيانة وطنها وارتكاب جرائم ضدها”. وأضاف: “لن نقبل أي حوار أو حديث مع من رهن نفسه للقوى الخارجية. لن يكون لعملاء الولايات المتحدة أي موطئ قدم على الأرض السورية”.

“جماعة الإخوان المسلمين” في سوريا كانت قد أصدرت بياناً، الخميس، أعلنت فيه تأييدها لعملية “نبع السلام”، وقالت: “إننا نؤيد وندعم هذه العملية، فإننا نؤكد بشكل واضح لا لبس فيه، أننا مع وحدة الأراضي السورية ووحدة المجتمع السوري”. وأضافت: أن “إخوتنا الأكراد هم مكون أساسي من مكونات الشعب السوري، وأنه لا يجوز التعرض لهم بجريرة المليشيات الإرهابية الانفصالية التي هجرت أهالي منطقة الرقة واستعرضت جثث مقاتلي الجيش الحر في عفرين”.

وأوضحت الجماعة، أن “هؤلاء من تستهدفهم عملية نبع السلام، أما إخوتنا الأكراد فهم شركاء الجميع تحت مظلة وطن واحد، ومن مصلحة الجميع قطع أيدي الإرهاب والانفصال”. وتابعت: “لقد تقاطعت مصلحة الثورة السورية والأشقاء في تركيا في محاربة إرهاب (PYD-YPG – PKK) واستعادة الأرض السورية والحفاظ على وحدتها”.

بدوره، أصدر “المجلس الإسلامي السوري” بياناً، لدعم “نبع السلام”، وجاء فيه: “يعلم جميع السوريين أن مليشيات pkk وpyd عاثت في الأرض فساداً، فقد شرّدت الناس من ديارهم، وعمّ أذاهم كل السكان من كرد وعرب وتركمان وغيرهم، وأعلنت مشاريعها التقسيمية التي تهدد وحدة سوريا واتحاد شعبها، وفي الوقت نفسه تهدد استقرار دول المنطقة بأسرها”. وتابع: “لا يخفى على الجميع دعم جهات دولية متعددة لهذه المشاريع التقسيمية، ولم تكن هذه العصابات في يوم من الأيام في ركب الثورة، ولا أفرادها من عداد الثوار، بل على العكس من ذلك تماماً كانت تنسق مع النظام المجرم، وعلاقاتها معه قائمة ومستمرة”. وأوضح: “إنّ كسر شوكة هذه المليشيات يعد مكافحةً للإرهاب الذي يتجاوز الحدود ويتخطى الحواجز”، مؤكداً “وحدة سوريا أرضاً وشعباً، بكل أعراقه ودياناته وطوائفه”.

المدن

أنقرة تعلن توغل قواتها وفصائل سورية موالية في شرق الفرات

«المرصد» يتحدث عن قتلى مدنيين بقصف تركي… وإردوغان يهدد أوروبا مجدداً باللاجئين

نفذت القوات التركية والجيش الوطني السوري الموالي لها، توغلاً برياً في عمق شرق نهر الفرات أمس (الخميس) في اليوم الثاني للعملية العسكرية التركية المسماة «نبع السلام» التي أعلنت الدول العربية والغربية رفضها لها مطالبة تركيا بالانسحاب. وفي الوقت ذاته، هدد الرئيس رجب طيب إردوغان الدول الأوروبية بـ«فتح أبواب تركيا أمام اللاجئين السوريين للتدفق عليها إذا لم تتوقف عن وصف العملية التركية في شرق الفرات بالغزو والاحتلال».

وأعلنت وزارة الدفاع التركية أن عملية «نبع السلام» استمرت بنجاح براً وجواً وأنها أسفرت عن السيطرة على الأهداف المحددة. وقالت في تغريدة على «تويتر» إن العملية مستمرة بنجاح كما هو مخطط لها. وأضافت: «عملية (نبع السلام) استمرت بنجاح طيلة الليلة (قبل) الماضية براً وجواً، وتمت السيطرة على الأهداف المحددة… أبطالنا من القوات الخاصة الذين يشاركون في عملية (نبع السلام) يواصلون التقدم شرق الفرات».

وكانت الوزارة أعلنت عن أن القوات التركية والجيش الوطني السوري بدآ عملية برية شرق الفرات في إطار عملية «نبع السلام» مساء أول من أمس. وذكرت تقارير إعلامية تركية أن القوات دخلت سوريا من 4 نقاط؛ اثنتان منها قريبتان من تل أبيض، والأخريان قرب رأس العين التي تقع أبعد نحو الشرق. وقالت الوزارة إن الجيش التركي أصاب 181 هدفاً للمقاتلين الأكراد في ضربات جوية وبنيران المدفعية منذ بداية العملية في شمال شرقي سوريا.

ونفذ الجيش التركي قصفاً مدفعيّاً عنيفاً، أمس، ضد مواقع تحالف «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية أكبر مكوناتها، في مدينة تل أبيض قبالة بلدة أكتشا قلعة في ولاية شانلي أورفا الحدودية جنوب تركيا. وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من المنطقة المستهدفة بالقصف الذي يتواصل على فترات متقطعة. وتصاعدت أعمدة الدخان من مدينة رأس العين عقب قصف المدفعية التركية أهدافاً فيها في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية، وفجر أمس.

وأعلن الجيش الوطني الموالي لتركيا السيطرة على قريتين في محيط مدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي. وذكر، في بيان، أن مقاتليه سيطروا على مزارع قرية اليابسة وقرية تل فندر غرب مدينة تل أبيض، بعد اشتباكات مع «الوحدات» الكردية. ولم تعلق «قسد» على إعلان الفصائل الموالية لأنقرة.

وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن قوات خاصة تركية دخلت قرية بئر عاشق الواقعة شرق مدينة تل أبيض عند الشريط الحدودي مع تركيا، بمساعدة خلايا نائمة في القرية، وأن هناك اشتباكات تدور حالياً بين «قسد» والقوات التركية والفصائل الموالية لها على محور قرية اليابسة غرب تل أبيض، في محاولة من الأخيرة لاحتلال هذه القرية أيضاً. وتترافق هذه الاشتباكات مع ضربات جوية من قبل الطيران التركي، بالإضافة لقصف صاروخي مكثف.

ورصد «المرصد» تنفيذ طائرات حربية تركية غارتين اثنتين على «اللواء 93» في منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، دون معلومات عن خسائر بشرية. كما وردت معلومات عن مقتل 9 عناصر من الفصائل السورية الموالية لأنقرة خلال قصف واشتباكات مع «قسد».

وردت «قسد» على القصف التركي بإطلاق قذائف «هاون» أسفرت عن إصابة 17 شخصاً في بلدة أكتشا قلعة التركية المقابلة لبلدة تل أبيض. وأصيب 9 مدنيين بجروح في مناطق تركية مختلفة بمحاذاة الحدود السورية، إثر إطلاق «قسد» قذائف على الجانب الآخر من الحدود.

وأدى القصف إلى إصابة 5 أشخاص في قضاء نصيبين بولاية ماردين، واثنين بقضاء جيلان بينار، وآخرين في بيرجيك بولاية شانلي أورفا.

كما وقعت أضرار مادية في عدد من المنازل، فيما سقط كثير من هذه القذائف في حقول زراعية. وقررت السلطات التركية تعطيل المدارس ليومين في المناطق القريبة من الحدود السورية المتاخمة لمنطقة عمليات «نبع السلام»، لدواع أمنية ولتجنيب الطلاب الأذى.

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن «الجيش يؤدي مهامه بكل بسالة، ومعنويات عالية جداً، أثناء تنفيذ عملية (نبع السلام)» شمال شرقي سوريا. وأشار في تصريحات للصحافيين في أنقرة، أمس، إلى أن وزارة الدفاع تنشر المعلومات حول عملية «نبع السلام» على موقعها الرسمي.

وزود أكار نظيرَه القطري خالد بن محمد العطية، بمعلومات عن العملية العسكرية، في اتصال هاتفي بينهما أمس، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية، وأعلن الوزير القطري عن دعم بلاده العملية العسكرية.

وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أجرى اتصالاً هاتفياً بإردوغان الليلة قبل الماضية، استعرضا خلاله العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، إضافة إلى مناقشة آخر التطورات الإقليمية والدولية، لا سيما مستجدات الأحداث في سوريا. ووصف تميم خلال اتصاله الهاتفي إردوغان بأنه الصديق المقرب، وقال إن تركيا الدولة الشقيقة ومرحب بها.

وهدد إردوغان، في كلمة أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية الحاكم، في أنقرة أمس، الاتحاد الأوروبي بإرسال ملايين اللاجئين السوريين إلى أوروبا في حال استمر الاتحاد في وصف عمليات تركيا العسكرية بـ«الغزو والاحتلال».

وأشار إردوغان إلى أن قوات الجيش التركي دمرت عدداً من المواقع العسكرية التابعة لـ«الوحدات» الكردية، وقتلت 190 منهم، فضلاً عن وقوع إصابات في صفوفهم، قائلاً: «الجيش التركي سيقضي على كل (الإرهابيين) من خلال عملية (نبع السلام) في شمال سوريا… لا نريد لـ(داعش) أن يكون قوياً مرة أخرى في سوريا؛ بل نريد من أوروبا دعماً قوياً لإلحاق الهزيمة به».

من جانبه، جدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أجرى اتصالات هاتفية مع عدد من نظرائه منهم وزراء خارجية أميركا وبريطانيا وألمانيا، التأكيد على أن الهدف من عملية «نبع السلام»، هو القضاء على الإرهاب، وليس أكثر من ذلك.

وأعرب عن استنكاره الشديد الانتقادات الموجهة لهذه العملية بدعوى أنها ستعرقل عملية مكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي، وأنها ستؤدي إلى حدوث أزمات إنسانية، مضيفاً: «لقد تعبنا من ضرب المنافقين في وجوههم، فهؤلاء لم يتعبوا أو يملوا من النفاق مع الأسف، لكننا سنواصل ضربهم في وجوههم». وعبّر عن رفضه التصريحات التي أدلت بها فرنسا، وبعض الدول الأخرى، بخصوص عدم تقديمهم أي دعم مادي لإنشاء المنطقة الآمنة المخطط لها في الشمال السوري، مضيفاً: «سنعتمد على أنفسنا في هذا الأمر، وبنجاح كبير سننهي هذه العملية الحيوية بالنسبة لنا».

في السياق ذاته، تتعقب أجهزة الأمن التركية محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الذي تعدّه مناهضاً للعملية العسكرية، واتخذت إجراءات قانونية ضد نحو 100 شخص واعتقلت صحافياً بسبب معارضتهم لها.

عمران خان يؤكد دعمه للعملية العسكرية التركية شمالي سوريا

أكد رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، الجمعة، تأييده لعملية “نبع السلام” التركية ضد عناصر مسحلي الوحدات الكردية شمالي سوريا.

وجاء تأييد “خان” في اتصال هاتفي مع الرئيس “رجب طيب أردوغان”، وفقا لما وردته وكالة الأناضول.

    #عاجل | رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يؤكّد في اتصال هاتفي مع الرئيس أردوغان دعمه لعملية “نبع السلام” شرق الفرات

    — ANADOLU AGENCY (AR) (@aa_arabic) October 11, 2019

وأطلق الجيش التركي “نبع السلام”، الأربعاء؛ بهدف تطهير الشمال السوري من عناصر قوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري.

وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية فرعا لحزب العمال الكردستاني الانفصالي، وتصنفها بقائمة التنظيمات الإرهابية.

يذكر أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا، رفضتا، مساء الخميس، مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي؛ لإدانة “نبع السلام”

وجاء الموقف الأمريكي الروسي، بعد أن قدم مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، “فريدون سينيرلي أوغلو”، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، تضمنت توضيحات بشأن العملية.

ليس حبا في سوريا ولكن نكاية في أردوغان.. ما الدوافع الحقيقية للتنديد بالتدخل التركي؟

اعتبر المحلل السياسي عمر عياصرة أن تنديد السعودية ومصر بالتدخل العسكري التركي في شمال شرق سوريا ما هو إلا نكاية في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وليس حبا في سوريا؛ وذلك لأنهم لو كانوا فعلا حريصين على الأمن القومي العربي، وعلى جغرافية سوريا، لكانوا أصدروا بيانات شديدة اللهجة عندما تم ضم الجولان لإسرائيل، وحين انخرط الروس في المعركة.

وأكد في تصريحاته لحلقة (2019/10/10) من برنامج “ما وراء الخبر” أن هناك تحرشا دائما من السعودية بتركيا، التي ترى أنها تنافسها في ريادة العالم الإسلامي.

أما عن الموقف الإيراني، فأوضح أن طهران تتفهم المخاوف الأمنية لتركيا، ولا مانع لديها من انتهاء ملف الأكراد، فهي ترحب بانتهاء التواجد الأميركي في سوريا، إلا أن إيران تتخوف -في الآن ذاته- من اندفاع تركيا، ولا تريدها التوغل أكثر في الأراضي السورية، ليخلص إلى أنه أصبحت هناك حميمية في العلاقة بين تركيا وإيران وروسيا في الملف السوري.

حرب مصالح

بدروه، لم يستغرب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أسعد بشارة من تغير الموقف السعودي، لأن تركيا دخلت في صراع معها على زعامة العالم الإسلامي، كما دخلت في لعبة محاور واستهدفت السعودية في بعض الملفات الأساسية، فضلا عن علاقاتها “الدافئة” مع إيران؛ الخصم الأول للسعودية في المنطقة.

وشدد بشارة على أن لكل دولة حساباتها الخاصة في رفض الدخول التركي، فإسرائيل تكمن حساباتها في الحفاظ على علاقتها بأميركا، أما مواقف مصر والسعودية والإمارات فسياسية، وليست لها علاقة بالواقع الإنساني ووحدة سوريا.

من جهته، قال المحلل السياسي يوسف ريم إنه لا يحق للسعودية ومصر انتقاد تركيا؛ ذلك أن القاهرة تخضع لحكم ديكتاتوري وطريقة إدارة قمعية للبلاد، في حين اقترفت السعودية بشاعات في اليمن، فضلا عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وغير ذلك من الانتهاكات الإنسانية.

وأكد ريم أن المواقف المنددة للتدخل العسكري التركي لن تغير شيئا، معتبرا أن السعودية تساعد الأكراد لمصالحها الخاصة، وليست لديها قدرة التعامل مع القدرات العسكرية التركية.

“خونة ولن نتحاور معهم”.. دمشق تهاجم الأكراد وتتهمهم بارتكاب جرائم

هاجم فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري الخميس القوات التي يقودها أكراد وتدعمها واشنطن قائلا إنها خانت بلادها، واتهمها بتبني أجندة انفصالية منحت تركيا ذريعة لانتهاك سيادة البلاد.

وردا على سؤال عما إذا كانت دمشق ستستأنف الحوار مع قوات يقودها الأكراد والتي تواجه هجوما تركيا يهدف لطردها من شمال شرق سوريا، قال المقداد “إن هذه فصائل مسلحة قامت بخيانة وطنها وارتكاب جرائم ضدها”.

وأضاف لمجموعة من الصحفيين في مكتبه بدمشق “لن نقبل أي حوار أو حديث مع من رهن نفسه للقوى الخارجية. لن يكون لعملاء الولايات المتحدة أي موطئ قدم على الأرض السورية”.

ووصف المقداد التدخل العسكري التركي بـ “الغزو والحرب العدوانية التي يشنها النظام التركي على الأراضي السورية” مبينا أن “غزو بلد مستقل ذي سيادة يعد عملا خارجا عن ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويتناقض بشكل صارخ مع قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بالأزمة في سوريا”.

وكان مسؤول كردي سوري قال في وقت سابق من الأسبوع إن السلطات التي يقودها أكراد في شمال سوريا قد تجري محادثات مع دمشق وموسكو لملء فراغ أمني في حال الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من منطقة الحدود التركية.

وقال قائد عسكري كبير إن أحد الخيارات أمام الأكراد سيكون إعادة الأرض للحكومة السورية.

وفي الأيام الأولى من الصراع، ساعدت الحكومة السورية “وحدات حماية الشعب” الكردية القوية في السيطرة على المدن التي تقطنها أغلبية كردية، مع تحول تركيز دمشق نحو قمع الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الرئيس بشار الأسد التي تحولت في وقت لاحق إلى تمرد مسلح.

ولم تحارب “وحدات حماية الشعب” الحكومة السورية أثناء الحرب، كما أنها استوعبت الوجود الحكومي في مدينتها الرئيسية (القامشلي) ولها تجارة نفط مربحة غير قانونية مع دمشق.

لكن دمشق تكره منح الأكراد الحكم الذاتي بالدرجة التي يسعون إليها. وهددت حكومة الأسد في وقت سابق من العام القوات الكردية المدعومة من واشنطن بهزيمة عسكرية إن لم توافق على العودة لسلطة الدولة.

المصدر : الجزيرة + وكالات

ما هي القوات التي تقاتل في شمال شرق سوريا؟

بدأت تركيا مسنودة بالجيش الوطني السوري الأربعاء عملية عسكرية واسعة شرق نهر الفرات ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تهيمن على قوات “سوريا الديمقراطية” وتسيطر على مناطق واسعة في شمال وشمال شرق سوريا.

    ما هي القوى العسكرية الموجودة على الأرض؟

 عناصر من الجيش الوطني السوري عقب سيطرتهم على قرية في منطقة رأس العين بمحافظة الحسكة السورية (الأناضول)

عناصر من الجيش الوطني السوري عقب سيطرتهم على قرية في منطقة رأس العين بمحافظة الحسكة السورية (الأناضول)

تركيا وفصائل موالية لها:

أعلنت تركيا أن العملية العسكرية، وأطلقت عليها “نبع السلام” تهدف إلى إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة”إرهابية” عن حدودها لإنشاء منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا تعيد إليها قسما كبيرا من 3.6 ملايين سوري لجؤوا إلى أراضيها.

 وتتفوق القوات التركية عسكريا على المقاتلين الأكراد، وتعتمد في هجومها على سلاح المدفعية الثقيلة والغارات الجوية.

 واستبقت فصائل سورية موالية لأنقرة بدء الهجوم بإعلانها مطلع الشهر الحالي اندماجها مع فصائل معارضة أخرى تنشط في محافظة إدلب (شمال غرب سوريا) تحت مسمى “الجيش الوطني السوري”.

ويبلغ عديد هذه المجموعة -وفق متحدث باسمها- نحو 18 ألف مقاتل مدربين وممولين من أنقرة.

وحارب عدد من هذه الفصائل خلال السنوات الماضية قوات النظام السوري. وشارك بعضها مؤخرا في اشتباكات ضدها بمحافظة إدلب.

غير أنه مع تطور النزاع وتشعبه، باتت تلك الفصائل تشارك بشكل أساسي في العمليات التي تقودها تركيا، ومنها الهجوم ضد المقاتلين الأكراد والذي انتهى بالسيطرة على منطقة عفرين (شمال غرب حلب) عام 2018.

وتشارك تلك الفصائل اليوم تحت إمرة القوات التركية في الهجوم على مناطق سيطرة قوات “سوريا الديمقراطية”.

ونقل مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية مشاهدته لهؤلاء المقاتلين المزودين برشاشات متوسطة وثقيلة أثناء عبورهم إلى مناطق سيطرة قوات “سوريا الديمقراطية” برفقة القوات التركية.

قوات “سوريا الديمقراطية”

تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2015 نتيجة تحالف فصائل كردية وعربية بالإضافة إلى مقاتلين سريان وتركمان.

وجاء تشكيلها بعدما تمكنت وحدات حماية الشعب الكردية -التي تعد عمودها الفقري- من تحقيق انتصارات عدة في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفقدت -وفق تقديراتها- 11 ألفا من مقاتليها جراء المعارك ضده خلال السنوات الماضية.

وتتلقى هذه القوات دعما عسكريا أميركيا، وخضع جزء منها لتدريبات على يد التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وبعدما هددت تركيا منذ أشهر بشن هجوم في سوريا، توصلت واشنطن إلى اتفاق مع أنقرة نص على إقامة منطقة آمنة. وتطبيقا للاتفاق، انسحبت مجموعات من الوحدات الكردية من نقاط حدودية، وفق ما أعلنت ما يسمى الإدارة الذاتية الكردية التي شكلت مجالس عسكرية محلية في كافة المدن الحدودية.

ارك حاليا فصائل عدة في قوات “سوريا الديمقراطية” ضمنها الوحدات الكردية والمجالس المحلية، في المعارك لصد تقدم القوات التركية.

وأعلن متحدث باسم قوات “سوريا الديمقراطية” أن مقاتلين سريانا سينتشرون أيضا بالمنطقة الحدودية. وأرسلت تلك القوات تعزيزات إلى المنطقة الحدودية آتية من منطقة دير الزور شرقا.

وشاهد مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية على خطوط الجبهة الأربعاء مقاتلين من قوات “سوريا الديمقراطية” يستخدمون أسلحة خفيفة وقاذفات “آر بي جي” برغم امتلاكهم معدات متطورة حصلوا عليها من الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة سابقا.

وطالب المقاتلون الأكراد المتمرسون بالقتال واشنطن بفرض حظر جوي على المنطقة مما يمكن أن يساعدهم على التصدي للتفوق العسكري للقوات التركية وطائراتها الحربية.                                                  

الأميركيون

تنشر الولايات المتحدة نحو ألفي جندي شمال شرق سوريا دعما للمقاتلين الأكراد ضد تنظيم الدولة. وينتشر هؤلاء في قواعد ونقاط عدة سواء بالمنطقة الحدودية أو مناطق أخرى بينها دير الزور (شرق).

والاثنين الماضي، انسحب ما بين خمسين ومئة جندي من نقاط حدودية بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب مما اعتُبر بمثابة ضوء أخضر لتركيا لشن هجومها.

وأعلن ترامب سابقا نيته سحب كافة جنوده من سوريا، وهو أمر لم يتحقق بعد.

وينتشر جنود فرنسيون وبريطانيون ضمن التحالف الدولي بقيادة واشنطن بالمنطقة أيضا، وليس هناك من تعداد واضح لهم.

المصدر : الجزيرة,الفرنسية

الإندبندنت: سياسة ترامب في سوريا قد تعيد تنظيم الدولة

يقول الكاتب كيم سيغوبتا إن السياسة الخارجية “الرجعية” الرئيس الأميركي دونالد ترامب من شأنها أن تعيد تنظيم الدولة الإسلامية إلى سوريا.

ويضيف الكاتب في مقال نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية أن من بين الخصائص المميزة لسياسة ترامب الخارجية عدم نجاحه ضد الخصوم وفشله في الوقوف إلى جانب الحلفاء.

ويقول إن ترامب تخلى الآن عن الحلفاء الأكراد الذين لعبوا دورا فعالا في الحملة ضد تنظيم الدولة، وتركهم عرضة لهجوم عسكري تركي.

ويشير إلى أن شخصيات من الأمن القومي الأميركي حذرت من أن التوغل التركي في سوريا ستكون له تداعيات شديدة الضرر، بما فيها استفادة تنظيم الدولة من الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية.

تمهيد الطريق

ويقول الكاتب إن إعلان ترامب عزمه سحب قواته من سوريا مهّد الطريق للهجوم التركي، بينما دافع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن موقف ترامب وقال إنه لم يعط الضوء الأخضر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان كي يتدخل في سوريا.

ويضيف أن وزير الخارجية أيضا صرح بأن لدى أنقرة مخاوف أمنية مشروعة في شمالي سوريا.

لكنه يستدرك بأن دبلوماسيين من وزارة الخارجية حذروا الأتراك مرارا وتكرارا من العملية السورية مقابل عروض بدفع الأكراد إلى سحب الأسلحة الثقيلة وتفكيك التحصينات قرب الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع تركيا.

وتقول أنقرة إن عمليتها تستهدف تنظيم الدولة والمليشيات الكردية، غير أن أهدافها الأولى كانت مدن عين العرب (كوباني) وتل أبيض ورأس العين السورية، وجميعها واقعة تحت سيطرة الأكراد.

أهداف وسيناريو

ويضيف الكاتب أن القوات التركية ستواجه قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وهي قوات مدربة جيدا ومسلحة من الغرب، غير أن الأتراك لديهم قواتهم البرية والجوية وسيصلون إلى أهدافهم رغم إراقة الدماء المحتملة.

وحذر المبعوث الأميركي السابق للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بريت ماكغورك من أن التدخل التركي ستكون له تداعيات بالغة الضرر، بما فيها استغلال تنظيم الدولة للهجوم على قوات سوريا الديمقراطية.

وينسب سيغوبتا إلى المحلل الأمني البريطاني روبرت إمرسون قوله إنه من الغريب أن الأميركيين والبريطانيين وغيرهم من الحلفاء الغربيين شكلوا هذه القوة الكردية الفعالة للغاية ضد تنظيم الدولة، غير أن كل هذا يمكن تفكيكه بنزوة من تصرفات ترامب.

ويختتم الكاتب بأن السيناريو الذي تتعين مراعاته هو أن تنظيم الدولية سيعود، وأن سوريا ستصبح مرة أخرى مصدرا للإرهاب في المنطقة وخارجها، بما في ذلك أوروبا.

المصدر : الجزيرة,إندبندنت

شمال سوريا.. قصف وتوغل تركي ومئات القتلى من الوحدات الكردية

شنت القوات التركية غارات جوية مكثفة وأرسلت تعزيزات إلى مناطق في شمال شرقي سوريا، كما توغلت بعمق 8 كلم داخل البلاد، مؤكدة مقتل مئات العناصر من المليشيات الكردية مقابل ثلاثة جنود أتراك.

وأفاد مراسل الجزيرة بأن طائرات تركية شنت غارات جوية مكثفة على مناطق في شمال شرقي سوريا، وعلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. كما واصلت المدفعية التركية قصف مواقع عدة صباح اليوم.

وأضاف المراسل أن شاحنات عسكرية وتعزيزات وصلت من الحدود التركية إلى مشارف تل أبيض، كما حشد الجيش الوطني السوري (معارضة) قواته في المنطقة.

وأشار إلى استمرار توغل الجيش التركي والجيش الوطني السوري باتجاه رأس العين وتل أبيض استعدادا لاقتحامهما، حيث بدأت المدفعية قصفا مكثفا على مواقع في تل أبيض.

توغل وسيطرة

وتوغلت القوات التركية وقوات المعارضة السورية إلى عمق ثمانية كيلومترات داخل سوريا، وسيطرت على 15 قرية في محيط تل أبيض ورأس العين وعلى حاجز لقوات “سوريا الديمقراطية” عند المدخل الشرقي لرأس العين.

بدوره، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن هدف المرحلة الأولى من عملية “نبع السلام” هو التوغل بعمق 30 كلم داخل الأراضي السورية.

وقال مراسل الجزيرة إن تل أبيض تشهد انقطاعا للكهرباء والاتصالات لليوم الثالث على التوالي، بالإضافة إلى نزوح أعداد كبيرة من سكانها نحو المناطق الريفية القريبة من المدينة.

وقد أنشأت القوات التركية قاعدة عسكرية بين مدينتي سُلوك وتل أبيض على الحدود وقطعت الطريق الواصل بينهما، وذلك حسب مصادر للجزيرة.

من جانبها شنت قوات سوريا الديمقراطية -التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية مكونها الرئيسي- هجمات ليلية على مواقع المعارضة، دون تغيّر في مناطق السيطرة. كما قصفت تلك القوات مدينة مارع وأطراف مدينة عفرين في ريف حلب.

ووفقا لوكالة الأناضول، تحتجز وحدات حماية الشعب المدنيين ممن تصل أعمارهم 44 عاما فما دون لتجنيدهم إجباريًّا، في مدن القامشلي ورأس العين وتل أبيض والرقة وريفها ومنبج، وذلك بعدما رفعت سن المطلوبين للتجنيد في مناطق سيطرتها من 39 عاما إلى 44 إثر إطلاق العملية التركية.

قتلى وجرحى

وأفاد مراسل الجزيرة بأن ثلاثة جنود أتراك قُتلوا في هجوم لوحدات حماية الشعب الكردية بقذائف الهاون على تل رفعت، وذلك بعد اعتراف وزارة الدفاع التركية بمقتل جندي وإصابة ثلاثة.

وأعلنت وزارة الدفاع ظهر اليوم أن عدد القتلى في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية وصل إلى 342 منذ بداية عملية “نبع السلام” أول أمس الأربعاء، لكن القوات الكردية لم تعترف إلا بمقتل 22 عنصرا، وذلك في بيان اليوم الجمعة.

وذكر مراسل الجزيرة أن ستة من مقاتلي المعارضة السورية قتلوا أيضا، كما قُتل ستة مدنيين، فضلا عن إصابة العشرات جراء قصف من الأراضي السورية على البلدات التركية الحدودية في محافظتي شانلي أورفا وماردين.

أما قوات سوريا الديمقراطية فقالت إن القصف التركي أدى إلى مقتل تسعة مدنيين.

على الصعيد الإنساني، قالت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان إن المستشفى العام الوحيد في منطقة تل أبيض اضطر للإغلاق بعد فرار معظم عامليه تحت وطأة القصف، مضيفة أن المدينة باتت الآن مهجورة فعليا.

وقال برنامج الغذاء العالمي الذي يساعد في إطعام قرابة 650 ألف شخص في شمال شرقي سوريا، إن أكثر من 70 ألفا من سكان رأس العين وتل أبيض نزحوا عن ديارهم.

وقالت الإدارة الذاتية للأكراد في بيان إن أكثر من سبعة آلاف نازح في مخيم المبروكة سيتم إجلاؤهم إلى مخيم العريشة جنوبي مدينة الحسكة، كما تجري محادثات مع المنظمات المعنية لنقل مخيم عين عيسى الذي يضم 13 ألف شخص -بينهم 785 من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية- إلى مكان آخر.

المصدر : الجزيرة + وكالات

نيويورك تايمز»: أمريكا قدَّمت معلومات استخباراتية لتركيا ساعدتها في هجومها على الأكراد

ذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية، يوم الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول، أنَّ الولايات المتحدة زوَّدت تركيا بمعلوماتٍ استخباراتية ربما تكون ساعدتها في تعقُّب القوات الكردية في سوريا -التي أدَّت دوراً حيوياً في الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)- واستهدافها.

وقال اثنان من المسؤولين الأمريكيين للصحيفة إنَّ الولايات المتحدة زوَّدت المسؤولين العسكريين الأتراك بمقاطع فيديو مأخوذة من كاميرات مُراقبة ومعلوماتٍ حصلت عليها طائرة استطلاع أمريكية حين كانوا يخططون للهجوم على مرِّ الأسابيع القليلة الماضية. ويمكن أن تكون مثل هذه المعلومات مفيدة في مساعدة الغارات الجوية في ضرب أهدافها.

وقد صرَّح مسؤولٌ بوزارة الدفاع الأمريكية للصحيفة بأنَّ الولايات المتحدة كانت تُقدِّم معلوماتٍ استخباراتية لتركيا عن المنطقة في إطار شراكةٍ ثنائية لمكافحة الإرهاب حتى يوم الإثنين الماضي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو اليوم الذي أعقب إعلان إدارة ترامب أنها ستسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا قبل العملية التركية.

وتعرَّض قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من المنطقة لانتقاداتٍ واسعة، ووُصِف بأنَّه «خيانة للأكراد» وضوءٌ أخضر لعملية عسكرية تركية، مع أنَّ الرئيس الأمريكي يعارض ذلك، وفق تقرير موقع Business Insider الأمريكي.

ومن جانبه أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدء عملية عسكرية ضد القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في سوريا يوم الأربعاء. وتضمَّن الجزء الأول من الهجوم غارات جوية على خمس بلدات على الأقل على طول الحدود التركية السورية، وفي غضون ساعات، عبرت قواتٌ برية تركية إلى سوريا. وبعد بدء التوغل، ثم قال ترامب إنَّ الولايات المتحدة لم تؤيد الهجوم، ووصفه بأنَّه «فكرة سيئة».

تبادل المعلومات بين تركيا وأمريكا منطقي بالنسبة لأعضاء «الناتو»

يُذكَر أنَّ تركيا حليفةٌ للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، وفي ضوء ذلك، فليس من الغريب تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين. ففي عام 2016، استحدث حلف شمال الأطلسي منصب رئيس الاستخبارات في الحلف بهدفٍ رئيسي يتمثل في زيادة التنسيق الاستخباراتي بين الدول الأعضاء في جهود مكافحة الإرهاب، لا سيما ضد تنظيم داعش. وقد نسب ترامب، الذي كان مرشحاً رئاسياً آنذاك، الفضل إلى نفسه في ذلك.

    See, when I said NATO was obsolete because of no terrorism protection, they made the change without giving me credit.https://t.co/sRCF1H3rjg

    — Donald J. Trump (@realDonaldTrump) June 6, 2016

لكنَّ تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وتركيا كان مرتبطاً في الماضي ارتباطاً خاصاً بقلق تركيا من الأكراد، وهو ما يُسلِّط الضوء على الطبيعة المعقدة للعلاقة بين البلدين.

غير أنَّ تركيا لم تنس القضية منذ ذلك الحين، واستمر أردوغان في إعلان رغبته في ملاحقة القوات الكردية المسلحة المتركزة على الجانب الآخر من الحدود في سوريا. لكنَّ المعركة ضد تنظيم داعش ووجود القوات الأمريكية في المنطقة شكَّلا عقبةً رئيسية أمام هذا الأمر حتى قرر ترامب إزالتها.

كيف ينظر أهالي إدلب وريفها إلى “نبع السلام”؟/ نايف البيوش

(إدلب)، بين مؤيد ومعارض، انقسم الشارع الإدلبي حول عملية “نبع السلام” التي تشنها القوات التركية على مناطق شرق الفرات بدعم من “الجيش الوطني”، علما أنها العملية التركية الثالثة في شمال سوريا.

عارض البعض من الأهالي الهجوم التركي على مناطق الشمال السوري، معتبرين أنه تدخل سافر واحتلال صريح لمناطق شرق الفرات كونها مناطق محاذية للحدود التركية تمهيداً لضمها للأراضي التركية حالها كحال أنطاكيا ولواء إسكندرون، والتي اقتطعتها تركيا من الأراضي السورية، وهو ما يوضحه خالد السرميني (35عاماً)، وهو مدرس في التربية الحرة بالقول: “لا يمكن لأي دولة أن تقف مع الثورة السورية والشعب السوري إلا ويكون لها مصالح في الأراضي السورية، حيث عمدت تركيا للوقوف مع الشعب السوري في بداية الثورة لتنفيذ مخططاتها في إبعاد الأكراد عن حدودها، واللذين يشكلون خطراً على سيادة الدولة التركية”.

ويتابع لحكاية ما انحكت قائلا: “وقوف تركيا مع الثورة ما هو إلا لتجنيد الفصائل والثوار لتنفيذ مساعيها واستخدامهم كوسيلة لإبعاد الخطر عن حدودها، فالشعب السوري يعاني من القتل والتهجير والإجرام الأسدي على مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي منذ أكثر من خمسة أشهر، بينما الضامن التركي يخطط للمنطقة الآمنة لدولته وليس للشعب السوري متناسياً تماماً المجازر التي تحدث في مدينة إدلب وريفها”.

من جهته، يوافق محمد الأسعد (40عاماً) سابقه بالشكل ويخالفه في المضمون حيث يقول: “هذه التطورات السريعة التي تحدث على الأراضي السورية ما هي إلا اتفاقيات لخداع الشعب السوري والتآمر على الثورة السورية، فتركيا سمحت للنظام وروسيا السيطرة على ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون مقابل سيطرتها على مناطق شرق الفرات، والتي سينزح سكانها الأصلين ويتم استبدالهم بأهالي ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي في محاولة لعملية ديموغرافية جديدة، فليس من مصلحة تركيا أن يبقى المواطنون والسكان الأكراد على حدودها ونشاهد اليوم تنفيذ هذه اللعبة القذرة، والتي سيكون ضحيتها الملايين من الشعب السوري”.

ولكن من جهة أخرى، هناك من يرى أن وجود الوحدات الكردية وميليشيا  bkk مصدر خطر كبير على الثورة السورية، وهو ما يشرحه الطبيب خالد الصطيف (42عاماً) لحكاية ما انحكت إذ يقول: “لا يخفى عن الجميع مخاطر ميليشيا قسد الإرهابية على الثورة السورية وأنهم قاتلوا الجيش الحر في بداية الثورة وسقط الكثير من أبنائنا برصاص هذه الميليشيات المجرمة. ولا زلنا نذكر استشهاد أكثر من خمسة وتسعين مقاتلاً للجيش الحر في محافظة الرقة بسوريا”.

ويضيف: “تسعى التشكيلات الكردية إلى تشكيل دولة كردية والانفصال عن الأراضي السورية، وهو ما لا يقبله أي مواطن سوري، فهذه الميليشات ليس لها أي أثر تاريخي في سوريا قبل القرن العشرين”.

موضحاً أن الأكراد “دخلوا إلى سوريا حديثاً واستوطنوا مدنها الشمالية ومن ثم امتلكوا الجنسية السورية، ومشروعهم هو مشروع صهيوني وأمريكي لتقسيم الأراضي السورية”.

ويشدد محمد الإبراهيم عضو، وهو مجلس محلي في ريف إدلب، على الفصل بين الشعب الكردي والمليشيات الانفصالية، بالقول “لا بد من الفصل بين الشعب الكردي والميليشيات الإرهابية والإنفضالية حيث عملت هذه التشكيلات على تهجير أهالي المنطقة واستباحة ديارهم وأموالهم وجندت أطفالهم، ومن مصلحة الجميع القضاء على هذه العصابة والمليشيات، فالشعب الكردي مكون أساسي من مكونات الشعب السوري”.

استغرب الكثيرون تحرك الحكومات العربية والعالمية إزاء ما يحصل من إدانات وتهديدات لتركيا بينما يذبح الشعب السوري ويهجر على مرأى العالم وصمت عربي وعالمي دون أي تحرك يذكر.

فيصل العمر (45عاماً) نازح من مدينة كفرزيتا، يقول لحكاية ما انحكت: “نذبح على مدى خمسة أشهر في ريف إدلب وتقتل أطفالنا ونسائنا بأعتى الأسلحة في العالم وسط مباركة عربية وعالمية، فيما نرى اليوم تحرك بعض الدول العربية والجامعة العربية التي هي أساساً مغيبة عن الوضع في سوريا. أستغرب كل هذا التحرك العربي والعالمي إزاء ما يحصل في مناطق شرق الفرات، فهل دمائهم أغلى من دمائنا وأطفالهم أغلى من أطفالنا. كل البشر سواء ولكن المصالح متضاربة”.

لاتزال الصراعات على الأراضي السورية مستمرة أمام أعين الشعب السوري الذي بات يدرك تماما حقيقة ما يحصل بين الدول وتفاهماتها، فاليوم وبعد تسع سنوات من الثورة أصبحت الأراضي السورية كعكة يتقاسمها “الضامنون” فيما بينهم.

«نبع السلام»: احتلال يمهد للضمّ بموجب الأمر الواقع/ صبحي حديدي

عملية «نبع السلام» التي أطلقتها تركيا مؤخراً في شمال سوريا، وعلى مساحات شاسعة تغطي غالبية الشريط الحدودي، ليست بعيدة عن أن تكون التتويج الأقصى، والتجسيد الأوضح كذلك، لخيار مبكّر اعتمده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ أربع سنوات على الأقلّ. وبمعزل عن رطانة الأهداف المعلنة للعملية، وأنها تتوخى إقامة ملاذات آمنة تتيح للاجئين السوريين العودة إلى بلدهم، وليس بالضرورة إلى قراهم وبلداتهم ومدنهم التي هاجروا أو هُجّروا منها؛ فإنّ الهدف الحقيقي الأوّل القريب هو محاربة «حزب العمال الكردستاني» PKK، عبر فروعه السورية المختلفة وفي طليعتها «وحدات حماية الشعب»؛ وأمّا الهدف التالي، الحقيقي والستراتيجي البعيد، فهو تثبيت احتلال تركي جدير بأن يتحوّل إلى أمر واقع على الأرض، حتى أمد بعيد مرتبط بالحلول المختلفة للمسألة السورية.

خيار أردوغان، الذي اتخذ وجهة معلنة وصريحة منذ العام 2015، انطوى على الدمج بين: 1) ضرورة تقليم أظافر الـPKK عسكرياً، في مختلف مناطق انتشار أنصاره داخل سوريا، مع إمكانية تحويل التقليم إلى عمليات بتر جراحية ما أمكن ذلك؛ و2) اعتماد مطلب المناطق الآمنة، بعد ترقيته إلى مستوى الهاجس الجيو ـ ستراتيجي عند تركيا، والشكوى من أعداد اللاجئين السوريين الهائلة والمتزايدة؛ و3) نقل الهاجس إلى أوروبا، ولكن تحت صيغة كابوسية مفادها فتح الحدود التركية مع أوروبا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين. وذلك الخيار، مثلّث الأبعاد، كان في الواقع لا يقطع مع سنوات من تقلّب المواقف التركية من الملفّ السوري، فحسب؛ بل كان أقرب إلى المقامرة الإقليمية والدولية، بالنظر إلى اشتباك عناصر الخيار مع الوجودين الروسي والأمريكي، ثمّ مع سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في تسليح المجموعات الكردية لمحاربة «داعش».

ذلك كله، وسواه من معطيات أخرى أقلّ إشكالية، يعيد التذكير بسلسلة الاعتبارات التي صنعت تاريخ العلاقة بين تركيا المعاصرة والملفّ السوري إجمالاً، ثمّ هذا الملفّ بعد أن أدخلت عليه الانتفاضة الشعبية السورية معطيات جديدة بالغة الحساسية. قبيل 2011 كانت العلاقات التركية مع النظام السوري في أبهى أزمنتها، ثمّ أخذت تتدهور يوماً بعد آخر، وكلما حنث بشار الأسد بما قطعه من وعود لأردوغان شخصياً (حين كان الأخير رئيس الوزراء)، وتوجّب أن تنقلب اعتبارات الجوار المزدهرة من مزايا إلى تحدّيات، ومن مغانم إلى مخاطر.

فعلى الصعيد الجيو ـ سياسي، كان على تركيا أن تتخلى عن ركائز كبرى في فلسفة وزير خارجيتها يومذاك، أحمد داود أوغلو، التي ظلت ناظمة للسياسة الخارجية التركية منذ نجاح «حزب العدالة والتنمية» في حيازة أغلبية برلمانية مريحة. بين تلك الركائز مبدأ تطوير علاقات متعددة المحاور مع القوقاز، والبلقان، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والبحر الأسود، وكامل حوض المتوسط؛ وليس الاقتصار على علاقات أنقرة التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة، أو البقاء في أسر التلهف على عضوية الإتحاد الأوروبي. ركيزة ثانية هي خيار «الدرجة صفر في النزاع» مع الجوار، من منطلق أنه أياً كانت الخلافات بين الدول المتجاورة، فإنّ العلاقات يمكن تحسينها عن طريق تقوية الصلات الاقتصادية.

وفي الماضي كانت تركيا تحاول ضمان أمنها القومي عن طريق استخدام «القوّة الخشنة»، واليوم «نعرف أنّ الدول التي تمارس النفوذ العابر لحدودها، عن طريق استخدام القوة الناعمة هي التي تفلح حقاً في حماية نفسها’، كما ساجل داود أوغلو في كتابه الشهير «العمق الستراتيجي: موقع تركيا الدولي».

كذلك، على الصعيد الاقتصادي، ظلّت تركيا حريصة على إدامة ميزان تجاري رابح تماماً بالنسبة إلى أنقرة، وخاسر على نحو فاضح من الجانب السوري، بلغ 2,5 مليار دولار في سنة 2010، بزيادة تقارب 43 بالمئة، وكان يُنتظر له أن يتجاوز خمسة مليارات في السنتين اللاحقتين.

الصادرات التركية كانت تشمل المعدّات الكهربائية، والوقود المعدني، والزيوت النباتية والحيوانية، والبلاستيك، ومنتجات الصناعات التحويلية والمؤتمتة، ومشتقات البترول المصنعة، والمنتجات الكيماوية، والإسمنت، ومنتجات الحديد والصلب، وصناعة القرميد والبلاط، والمنتجات الجلدية، والأخشاب، والقمح، والدقيق، والسمن النباتي، والملابس الجاهزة… الاستثمارات التركية في سوريا بلغت أكثر من 260 مليون دولار، واحتلّت الشركات التركية المرتبة الأولى من حيث عدد المشاريع التابعة لجهات أجنبية… ولقد اتضح، طيلة أسابيع الانتفاضة، أنّ كبار التجار الأتراك تكاتفوا مع كبار التجّار السوريين، في حلب ودمشق بصفة خاصة، لإبقاء العاملين في مؤسساتهم بمنأى عن الحراك الشعبي، حتى إذا كلّفهم ذلك سداد تعويضات إضافية ومغريات مادية مجزية.

ومن جانب آخر، تغاضى النظام السوري عن شحّ مياه نهر الفرات بسبب تغذية السدود التركية المتزايدة، وتعاونت الأجهزة الأمنية السورية مع الأجهزة الأمنية التركية في تعقّب أنصار «حزب العمال الكردستاني»، الـ PKK؛ الذين كان النظام السوري يزوّدهم بالسلاح ومعسكرات التدريب حتى عام 1998، بل وحدث مراراً أنّ أجهزة النظام سهّلت قيام الأتراك بعمليات إغارة على القرى السورية المحاذية للحدود مع تركيا، بهدف اعتقال أولئك الأنصار. الأهمّ من هذه الاعتبارات الاقتصادية، الجيو ـ سياسية بامتياز ايضاً، أنّ النظام السوري أقرّ، ضمنياً، بالسيادة التركية التامة على لواء الإسكندرون، وهو منطقة سورية واسعة قامت تركيا بغزوها سنة 1938، قبل أن تسلخها سلطات الانتداب الفرنسية عن الجسم السوري، وتضمّها إلى تركيا.

في المستوى الإيديولوجي، لم يكن «حزب العدالة والتنمية» يملك الكثير من هوامش المناورة في ضبط مشاعر جماهيره وناخبيه، وغالبيتهم الساحقة من المسلمين السنّة، إزاء ما يرتكبه النظام السوري من مجازر وأعمال وحشية، وخاصة في مواقع ذات قيمة عاطفية ورمزية عالية مثل مدينة حماة، فضلاً عن دمشق التي تظلّ «الشام الشريفة» في ناظر الجمهور التركي العريض. وكيف للفريق التركي الحاكم أن يسكت عن جرائم النظام السوري، فيضحّي بما اكتسبته تركيا من شعبية واسعة في الضمير العربي العريض، بسبب الموقف من العدوان الإسرائيلي على غزّة، وانسحاب أردوغان من سجال مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس في ملتقى دافوس، ومأثرة «أسطول الحرية»، وسواها؟

وهكذا، لم تكن مصادفة أنّ تركيا استضافت غالبية المؤتمرات التي عقدتها بعض أطراف المعارضة السورية في الخارج، من جهة أولى؛ وأنّ مقرّ قيادة جماعة الإخوان المسلمين السورية قد انتقل من عمّان ولندن إلى اسطنبول، من جهة ثانية؛ وأنّ رجال أعمال سوريين معارضين للنظام لأنهم تضرّروا من سياساته، من أمثال آل سنقر، صاروا يجدون راحة أكبر في إطلاق المبادرات من أنقرة، بدل القاهرة أو طرابلس (لبنان)، من جهة ثالثة. وهكذا، لم يكن صحيحاً أنّ المنابر التركية (وهي، في نهاية المطاف، ليست حكومية أو رسمية البتة) لا تشرع أبوابها إلا للإسلاميين، كما تردّد مراراً؛ إذْ شهدت المؤتمرات واللقاءات ولجان العمل حضور سوريين من مشارب شتى، من أهل اليمين واليسار والوسط، المتديّن فيهم مثل العلماني، والماركسي مثل الليبرالي، فضلاً عن التنويعات الإثنية والدينية والمذهبية كافة. هنا ولد «المجلس الوطني»، ومثله ولد «الائتلاف»…

تتوغل تركيا اليوم في الأراضي السورية ليس اعتماداً على جيشها الجرار وحده، بل عن طريق زجّ مجموعات عسكرية سورية أشرفت وزارة الدفاع التركية على إنشائها وتدريبها وتسليحها، ضمن مساحات شاسعة تمتد من جرابلس إلى ديريك (المالكية)، على مبعدة أمتار من حقول النفط السورية في رميلان.

وهكذا فإنّ عملية «نبع السلام» تعيد تظهير خيارات أردوغان القديمة، ولكن تحت صفة الاحتلال العسكري المباشر، الذي يمهّد للضمّ بموجب الأمر الواقع… أياً كانت التسميات الوردية والشاعرية!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

العملية التركية وينابيع الحروب اللاحقة

رغم كثافة التصريحات الدولية والعربية الرافضة للعملية العسكرية التركية التي انطلقت بعد ظهر الأربعاء الفائت، ورغم التصريحات الأميركية المتعددة التي تحدثت عن عقوبات قاسية ستتعرض لها أنقرة في حال تجاوزت خطوطاً حمراء لم يعلنها أحد بوضوح، إلا إن حجم وطبيعة العمليات العسكرية التي يشنها الجيش التركي بمساندة فصائل سورية تابعة له، يشي بأنّ تركيا قد حصلت على موافقة ضمنية من الدول المتحكمة بالجغرافيا السورية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، لانتزاع السيطرة على مدن وبلدات سورية من قبضة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية على الشريط الحدودي معها.

وكانت الطريقة التي أعلن فيها ترامب عن سحب القوات الأميركية من سوريا، صباح الإثنين الفائت، قد أعطت انطباعاً بأن هناك ضوءاً أخضر أميركياً مفتوحاً أمام الجيش التركي للتحرك كما يشاء، وأن الولايات المتحدة ستنسحب نهائياً من الجزيرة السورية، إلا أن التصريحات التالية لترامب نفسه، ولمسؤولين في البنتاغون ونواب في الكونغرس، عادت لتخفف من هذا الانطباع، ودفعت إلى الاعتقاد بأن العملية العسكرية التركية ستكون محدودة جداً، وربما تقتصر على المنطقة الممتدة بين رأس العين/ سري كانييه وتل أبيض ودون التوغل كثيراً في عمق الأراضي السورية.

لكن بداية العملية التركية جاءت عبر قصف صاروخي ومدفعي وجوي تركي شمل سائر المناطق الحدودية، على طول نحو 400 كم من عين ديوار قرب نهر دجلة في أقصى شرق الحدود السورية حتى الريف الغربي لمدينة عين العرب/ كوباني قرب نهر الفرات، مروراً بمناطق المالكية/ديريك والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين وتل أبيض، كما شمل القصف الجوي مواقع لقسد في عمق محافظة الرقة قرب بلدة عين عيسى. ونتيجة هذا الاتساع في رقعة المناطق المستهدفة، فقد بات صعباً التكهن بحجم العملية وحدودها البرية، إلا أن المحاور الرئيسية التي تركزت عليها المعارك والاقتحامات البرية، التي بدأت منذ ليل الأربعاء الخميس، لا تزال حتى كتابة هذه السطور محصورة بشكل أساسي في محيط مدينتي تل أبيض ورأس العين، حيث تقدمت القوات التركية والقوات السورية التابعة لها وسيطرت على عدة قرى وتلال غرب وشرق المدينتين، بعد اشتباكات متفاوتة العنف مع مقاتلي قسد.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أدى القصف التركي خلال اليومين الأولين من العملية إلى عشرة ضحايا بين المدنيين في عدة مناطق، وأدت الاشتباكات والاستهدافات المتبادلة إلى مقتل أكثر من أربعين من مقاتلي الطرفين، وإلى نزوح نحو سبعين ألف مدني معظمهم من سكان تل أبيض ورأس العين والدرباسية، اتجه أغلبهم إلى مناطق بعيدة عن العمليات في محافظة الحسكة على وجه الخصوص. وقد ردّ عناصر قسد على القصف التركي بقصف بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا على جرابلس ومحيطها بريف حلب الشمالي الشرقي حيث تسيطر فصائل عملية درع الفرات الموالية لتركيا، ما أدى إلى ضحايا وجرحى في صفوف المدنيين، وأيضاً على مدن أقجة قلعة ونصيبين في تركيا ما أدى إلى ضحايا وجرحى في صفوف المدنيين أيضاً.

ويبدو أن القوات التركية تسعى إلى تطويق مدينتي تل أبيض ورأس العين بهدف إجبار مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية على الانسحاب منهما خشية الوقوع تحت الحصار، ما سيسهل على القوات المهاجمة دخول المدينتين، كما يبدو من مسار العمليات البرية أنها تهدف إلى السيطرة على المدينتين والشريط الحدودي بينهما، مع التوغل في عمق الأراضي السورية إلى مسافة غير معلومة تماماً.

وبالنظر إلى تصريحات ترامب ومسؤولين أميركيين عن أن القوات الأميركية تم سحبها من منطقة العمليات، وعن أن لأنقرة حدوداً لا ينبغي تجاوزها، فإن المرجح أن التوغل البري لن يتجاوز عمق ثلاثين كيلومتراً، وهو العمق الذي لا وجود فيه لقوات أميركية اليوم في مقابل تل أبيض ورأس العين والشريط الواصل بينهما. ويتفق هذا التحليل تماماً مع ما أعلنه وزير الخارجية التركي يوم أمس، من أن المرحلة الأولى من العملية تستهدف فقط شريطاً بطول 120 كم وعمق 30 كيلومتراً، لكن يبقى أن ضبابية الموقف الأميركي واتساع نطاق القصف إلى مناطق أخرى، وإصرار المسؤولين الأتراك على القول إن هذه مرحلة واحدة من العملية فقط، يترك الباب مفتوحاً على احتمال أن تشمل عمليات التوغل البري كامل الشريط الحدودي شرق نهر الفرات في وقت لاحق.

عربياً، أدانت مصر والسعودية والكويت والإمارات والبحرين العملية مع دعوتها إلى وقفها فوراً، كما دعت مصر إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية يوم غد السبت بهدف بحث المسألة، فيما انفردت قطر بإعلانها الصريح عن تأييد العملية. أما دولياً فقد أعلنت فرنسا وألمانيا وبريطانيا رفضها للعملية داعية إلى وقفها فوراً، فيما كان الموقف الروسي ملتبساً وغير حاسم على غرار الموقف الأميركي، غير أنه يسير في اتجاه آخر، إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم أمس إن بلاده تتفهم «القلق الشرعي لتركيا حيال أمن حدودها»، داعياً إلى ضرورة أن تعمل تركيا على معالجة مخاوفها عبر اتفاقية أضنة، ومعلناً أن بلاده «ستدفع نحو إطلاق الحوار بين أنقرة ودمشق، وكذلك بين دمشق والأكراد»، وأن العملية التركية هي نتيجة طبيعية لسلوك الولايات المتحدة في المنطقة. أما طهران، وعلى الرغم من تكرارها الإعلان عن تفهمها لمخاوف أنقرة الأمنية، إلا الخارجية الإيرانية دعت في بيان لها يوم أمس إلى وقف العملية فوراً وانسحاب القوات التركية من سوريا.

وقد أنتجت المواقف الدولية المتباينة، والموقف غير الحاسم لروسيا والولايات المتحدة، جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي يوم أمس الخميس، انتهت دون اتخاذ أي قرار أو إعلان أي مواقف حاسمة حيال العملية، ويبدو واضحاً أن الجهات الدولية الوحيدة التي يمكن أن تؤثر في مسار العملية فعلاً هي الولايات المتحدة في حال واصلت أو لم تواصل سحب جنودها من مناطق أخرى، ثم روسيا التي سيكون دورها حاسماً في حال واصلت القوات الأميركية انسحابها وتخليها عن قسد. ويبدو واضحاً أن موسكو ستحاول تجيير المسألة لصالح نقل أكبر قدر ممكن من المناطق إلى سيطرة قوات النظام السوري وحلفائه، وهو الأمر الوحيد الذي قد يدفع الولايات المتحدة إلى عدم الانسحاب من مزيد من المناطق، خشية انتشار قوات إيرانية فيها وهو ما سيضعف موقفها في صراعها مع إيران.

ليست واضحة بعد ما هي نقاط القوة التي يمكن أن تستند إليها قسد في هذه المعركة، إذ في مقابل عزم تركيا على تفكيك «وحدات حماية الشعب»، الجناح العسكري السوري لحزب العمال الكردستاني الذي هو العمود الفقري لقسد والحاكم الفعلي في مناطق سيطرتها، وفي مقابل عزمها الواضح أيضاً على تغيير التوازن الديمغرافي في المنطقة عبر توطين مئات آلاف اللاجئين فيها وفق ما أعلن أردوغان أكثر من مرة، فإنه لن يكون أمام قسد في حال واصلت الولايات المتحدة انسحابها سوى الاحتماء بروسيا والنظام السوري، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تفكيكها وإلغاء مشروعها بدوره أيضاً، على ما أكد نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل مقداد يوم أمس، عندما تحدث عن أن جيش النظام مستعد للذهاب إلى المنطقة وحمايتها، ولكن بعد إجراء «المصالحات اللازمة»، ومعروفٌ أن مفهوم المصالحة عند النظام السوري يقتضي تفكيك القوى المسلحة والتنظيمات السياسية غير التابعة له وخضوع أعضائها والسكان في مناطق انتشارها لجيش النظام وقواته الأمنية دون قيد ولا شرط، وهو ما قاله المقداد صراحة عندما تحدث عن رفض الحوار «مع من يتحدثون بمنطق انفصالي أو بمنطق أنهم أصبحوا قوة على أرض الواقع تفرض نفسها».

وليس لدى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومقاتليه تحالفات جدية في المنطقة يمكنه الرهان عليها، ذلك أن أسلوبه في الحكم والسيطرة سيجعل الجميع ينفضّون عنه سريعاً في حال خسارته الكاملة للاحتضان الأميركي، باستثناء الشريحة الموالية له في المجتمع الكردي. لقد قمع هذا الحزب كل الأصوات المعارضة له بين أبناء الشعب الكردي، وارتكب انتهاكات وجرائم لا تحصى بحق كثيرين من سائر مكونات المنطقة، وثمة كثيرون من أبناء المنطقة يتطلعون إلى العملية التركية بوصفها طريقاً محتملاً للعودة إلى قراهم وبيوتهم التي هُجّروا منها على يد قسد.

لكن حتى لو أدّت هذه العملية إلى حصول بعض المهجرين على حقهم في العودة إلى ديارهم، فإن الهدف منها ليس إعادتهم، بل هي تأتي في سياق الدفاع عن الأمن القومي التركي كما تراه الدولة التركية، وهي ستحمل في طياتها عناصر كارثة جديدة تحيق بمجمل سكان الجزيرة السورية، بعد سلسلة الكوارث التي حلت بهم جراء وحشية النظام السوري وسلوكه الإبادي، ثم جراء وقوع أجزاء واسعة منها في قبضة تنظيم داعش الإجرامي، وبعدها عمليات التحالف الدولي المدمرة وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على كل المنطقة، وما رافق هذه السيطرة من انتهاكات وقمع وتهجير وتأزيم للعلاقة المتأزمة أصلاً بين مكونات المنطقة من عرب وكرد وسريان وآشوريين.

ستساهم العملية التركية في مزيد من تأزيم هذه العلاقة وتعقيدها عبر إغراق ذاكرة سكان المنطقة بمزيد من العداوات وسفك الدماء والتهجير، وسيرشح عنها تبعات إنسانية قاسية على السوريين القاطنين في المناطق المستهدفة شمال الجزيرة السورية، لا سيما أنّ هذه المناطق استقبلت أعداداً ليست قليلة من النازحين، كونها ظلت، في معظمها، شبه آمنة طوال السنوات الماضية. وتقول عملية عفرين أشياء كثيرة عن المستقبل المحتمل للمنطقة في حال استمرار العملية وتوسعها، إذا أنها كانت قد أسفرت عن تهجير عشرات آلاف السكان الأكراد من بلداتهم وقراهم في عفرين وريفها، وعن سيطرة فصائل تتصرف مثل العصابات، تعتقل وتختطف وتسطو على الأرزاق، وتفرض منطقها وعقائدها وتعصبها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، على ما تشرح وقائع نسف عدد من المقامات الدينية وفرض اللباس الشرعي على النساء في مناطق كثيرة من عفرين.

وليس بين أيدينا ما يجعلنا نتوقع أن سلوك هذه الفصائل سيكون مختلفاً في مناطق الجزيرة، وفوق هذا نعرف جميعاً أن سيطرتها ستعني نزوح عشرات آلاف الأكراد من بيوتهم خشية الانتقام والتنكيل بذريعة العلاقة مع وحدات حماية الشعب الكردية. في أقل الاحتمالات سوءاً، ستؤدي هذه العملية إلى تغيير في التوازن الديمغرافي في تل أبيض ورأس العين ومحيطهما، مخلفة جروحاً غائرة جديدة في النسيج الاجتماعي للمنطقة. وفي أكثرها سوءاً، سيؤدي انسحاب أميركي كامل إلى سيطرة تركيا وحلفائها على معظم الشريط الحدودي، أي على معظم المدن ذات الكثافة الكردية تاريخياً، ما سيعني كارثة كبرى تستمر آثارها لأجيال وأجيال، وبالمقابل سيؤدي هذا إلى سيطرة النظام وحلفائه على ما تبقى من مناطق الجزيرة بما فيها الرقة وريف دير الزور الشمالي ومساحات واسعة من محافظة الحسكة، مع ما يعنيه ذلك من كارثة كبرى على سكان المنطقة والقضية السورية كلها، وهو الأمر الذي سيكون بوابة تطبيع حتمي بين النظام وتركيا برعاية روسية، ينتهي إلى تصفية القضية السورية سياسياً بعد تصفيتها ميدانياً.

ثمة سيناريو آخر لا يقل رعباً، وهو أن تنسحب الولايات المتحدة من سائر المناطق ذات الكثافة الكردية، وتبقى في المناطق ذات الكثافة العربية في جنوبي محافظة الحسكة وفي ريف دير الزور الشمالي والرقة، وهو ما سيعني حرفياً تبادلاً لجزء من السكان، ومهزلة تراجيدية تسيطر فيها قوات عربية بدعم تركي على مناطق كردية تاريخياً، وقوات كردية بدعم أميركي على مناطق عربية تاريخياً، في تكرار لما حدث في عفرين وتل رفعت، عندما تذرعت فصائل المعارضة المشاركة في المعركة بسيطرة القوات الكردية على تل رفعت العربية وتهجير أهلها منها، لينتهي الأمر بطرد المقاتلين الأكراد من سائر المناطق الكردية، وبقائهم مسيطرين على تل رفعت التي لا يزال أهلها العرب مهجرين حتى اليوم.

فضلاً عن النتائج العسكرية والإنسانية للعملية التركية، التي لم تتضح مقاديرها بعد، وأمام التفاوت الكبير في موازين القوى بين القوات المُهاجمة والمُدافعة، فإنّ في يد قسد ورقةً يخشى الجميع من استخدامها على سبيل الانتقام أو خلط الأوراق، وهي إفراغ سجونٍ مُكتظة بأكثر من 14 ألف مقاتلٍ من تنظيم الدولة من بينهم أجانب ترفض دولهم إعادتهم إليها، والتحاقهم بجيوب التنظيم الأخيرة في البادية وخلاياه العاملة في مناطق الجزيرة، وهو ما يعني انبعاث التنظيم مجدداً، بل وقدرته على تهديد مناطق شرق سوريا جميعها.

ولن تقتصر تبعات العملية التركية على الجغرافيا السورية، لأنّ مقتل عسكريين من الجيش التركي أثناء العمليات، وسقوط ضحايا مدنيين داخل الأراضي التركية بفعل القذائف التي تُطلقها قسد، لن تكون نتائجه طيبة على اللاجئين السوريين في تركيا، وقد يفتح الباب أمام موجة عنصرية جديدة تتهمهم مجدداً بالتقاعس والجبن، بينما يخوض الأتراك عنهم معركة تحريرهم من «الإرهاب». كما قد ينجم عن العملية، على ما تُبيّنُ التصريحات التركية الرسمية، ترحيل قسري لأكثر من مليون لاجئ سوري من تركيا نحو المناطق التي تتم السيطرة عليها بعد العمليات العسكرية.

ليست النتائج السابقة التي قد تنجم عن العملية التركية وحدها ما يجعل شطراً كبيراً من المعارضين السوريين يقف ضدّها، إنما أيضاً المعنى العاطفي والسياسي لمسخ راية الثورة السورية على يد «الجيش الوطني»، وإظهارها كراية تابعة لتركيا ومتطلبات أمنها القومي، وحقيقةُ أن هذه العملية لا تساهم سوى في مزيد من تمريغ القضية السورية في أوحال انتهاكات وجرائم تُرتكب باسمها ومن قبل محسوبين عليها، وأن هذه العملية لا تندرج في سياق الصراع مع نظام الأسد مهما حاول داعموها قول عكس ذلك، بل إنها ربما تساهم في تقوية موقفه وموقف حلفائه، وأن هذه العملية تدشين لمزيد من الحروب والصراعات المستقبلية في المنطقة، وأنها حلقة جديدة من مسلسل انتهاكنا كسوريين، وتسخير دمائنا لصالح قوى ودول أجنبية غير معنية بحقوقنا وكرامتنا وقضايانا.

موقع الجمهورية

ما تفسير الغضب الإسرائيلي من العملية التركيّة؟

«تدين إسرائيل بشدة الاجتياح العسكري التركي للمحافظات الكردية»! كانت هذه كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في صدد تعليقه على العملية العسكرية التي بدأتها تركيا أول أمس على خط حدودها مع سوريا، مضافا إليها تحذير لأنقرة «ووكلائها» من القيام «بتطهير عرقي بحق الأكراد»، ووعد بأن تبذل إسرائيل «كل جهد ممكن لتقديم المعونات الإنسانية للشعب الكردي الباسل».

غير أن التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء من وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة ايليت شاكيد التي قالت إن «ذاكرتنا القومية تلزمنا برفض العنف الموجه ضد شعب»، وأن «من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة إقامة دولة كردية في المنطقة من أجل الأمن»، حاثة الغرب على الوقوف مع الأكراد لأنهم «شعب عريق يرتبط تاريخيا بعلاقة خاصة مع اليهود»!

يلفت النظر في تصريح نتنياهو استخدامه تعبير «المحافظات الكردية» وهذا يقتضي بعض التوضيح فإذا تجاهلنا أن هذه المحافظات تعتبر سورية في القوانين الدولية، فمن الضروري التنبيه إلى أن الأكراد ليسوا غير واحد من المكوّنات العديدة التي تسكنها، وهم لا يشكّلون أغلبية حتى في الحسكة، المحافظة الرئيسية لتواجدهم، كما أن تواجدهم ضعيف في الرقة ومعدوم تقريبا في دير الزور.

يفيد هنا ذكر أن سكان شرق الفرات هم نتيجة ثلاث موجات من الهجرة من جنوب شرق الأناضول بين منتصف العشرينيات وأوائل الستينيات وبهذا المعنى فإن نشوء المكوّن الكردي، إلى جانب العرب والسريان والأرمن وغيرهم، نتج بشكل أساسي عن الهجرة من تركيا.

ورغم السرديّات الكردية حول سياسات «التبعيث» والتعريب خلال ستينيات القرن الماضي فالحقيقة أنه لم يكن لهذه السياسات أثر كبير، بل إنه منذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وحتى أواخر التسعينيات ساهمت السلطات السورية في تعزيز ديناميات تكريد الجزيرة (أي المنطقة المسماة إعلاميا بشرق الفرات)، وذلك في سياق التحالف مع حزب العمال الكردستاني، وهناك أرشيف تاريخي طويل لمعاناة السريان السوريين من محاولات التطهير العرقي الكردي ضدهم وعمليات طردهم من قراهم وأراضيهم، وهذا يبين الديناميّات المعقدة للجغرافيا السياسية لسكان المنطقة من دون أن يعفي النظام الاستبدادي السوري السائد من المسؤولية.

من الضروري لفهم معنى مغالطة نتنياهو وضع هذا الأمر في سياقه السياسي وليس الديمغرافي فحسب عبر التذكير بوقائع مهمة، ومنها وجود قرابة مليون لاجئ من المحافظات المذكورة موجودون في تركيا، كما أن هناك قرابة 300 ألف لاجئ كردي أيضا وكل هؤلاء نزحوا بعد هبوط مقاتلي حزب العمال الكردستاني من جبال قنديل العراقية إلى سوريا عام 2011 بالاتفاق مع نظام بشار الأسد لقمع الأكراد والعرب الثائرين على النظام، وقد افتتحوا مسلسل سيطرتهم على «المحافظات الكردية» المزعومة بمجزرة ضد الأكراد في بلدة عامودا وكذلك باغتيال القيادي الكردي المعروف مشعل تمو.

مثير للسخرية، في هذا السياق، حديث ايليت شاكيد عن «رفض العنف الموجه ضد شعب»، وهي الوزيرة السابقة في دولة قائمة أساسا على «عنف موجه ضد شعب»، وكذلك الحديث عن أن «إقامة دولة كردية في المنطقة من أجل الأمن»، فالمقصود هنا إقامة دولة لجماعة عسكرية تعمل بإمرة الغرب (أو إسرائيل؟) وتقوم بتحقيق «الأمن» على الطريقة الإسرائيلية.

الأكراد هم فعلا شعب عريق وباسل وهم إخوة وأشقاء للمكوّنات الدينية والعرقية الأخرى وسياقهم السياسي الطبيعي هو العمل من أجل الديمقراطية في سوريا وتركيا، ورفض المشاريع التي تعتبرها إسرائيل «أمنا» على طريقتها.

تركيا والنفاق العربي الإيراني في سورية/ أسامة أبو ارشيد

لن تجد عربياً واحداً ينتمي إلى العروبة بصدق يسرّه الحال البائس الذي تَرَدَّتْ إليه سورية في الأعوام التسعة الماضية تقريبا. سورية هي إحدى قوائم التوازن العربي، ولا يمكن تخيّل نهضة عربية من دونها، والحال الذي انحدرت إليه ما هو إلا تلخيص للحالة العربية الكئيبة كلها، سواء لناحية القمع والفساد، أم لناحية التجزئة والتشظّي، بل وحتى عودة الاحتلال الأجنبي المباشر. الأرض السورية محتلة اليوم من روسيا وأميركا وإيران وتركيا (لتركيا وضع خاص يُشرح لاحقا)، وهي تحولت إلى دولةٍ تحكمها، إلى جانب الدول الأجنبية المحتلة، عصابات ومليشيات إجرامية ومذهبية وعرقية، محلية وأجنبية. هذا هو حصاد قرابة تسعة أعوام من إجرام نظام بشار الأسد بحق شعبه، ورفضه تقديم تنازلاتٍ له هي في صلب حقوقه، فكانت النتيجة ضياع سورية كلها، وتحوّل نظامه إلى نظام وكيل يعمل تحت وصاية إيرانية – روسية مباشرة.

مناسبة التذكير بهذا الواقع المرير هو إطلاق تركيا، يوم الأربعاء الماضي، عملية “نبع السلام” العسكرية في شمال شرق سورية ضد المليشيات الكردية التي تعمل تحت لافتة “قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تتهمها تركيا بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي، وتصنّفه تنظيما إرهابيا. وتقول تركيا إن هدف العملية، التي جاءت بعد تفاهمات غامضة بين الرئيسين، التركي، رجب طيب أردوغان، والأميركي، دونالد ترامب، وانسحاب بضع عشرات من القوات الأميركية من المنطقة، هو القضاء على “ممر الإرهاب” على حدودها الجنوبية، وإقامة “منطقة آمنة” تسمح بإعادة ملايين اللاجئين السوريين وتوطينهم فيها. وبغض النظر عن حقيقة حسابات ترامب، والفوضى في الموقف الرسمي الأميركي جرّاء ذلك، إلا أن المفارقة تمثلت في بعض المواقف العربية من التطورات الأخيرة، خصوصا أن أطرافا عربية متورّطة مباشرة في الوضع المخزي الذي وصلت إليه سورية. ينسحب الأمر نفسه على إيران التي رفضت العملية العسكرية التركية، وطالبت أنقرة باحترام وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وكأنها هي تحترم وحدة الأراضي السورية والعراقية واليمنية وسيادتها!

اللافت هنا أن مواقف محور الفوضى والعدوان العربي اتفقت على إدانة العملية التركية واعتبرتها “عدواناً” على دولة عربية. والحديث هنا، تحديدا، عن السعودية والإمارات ومصر والبحرين، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية التي أبت إلا أن تذكّرنا أنها لا زالت موجودة اسماً وهيكلا. أما لبنان الذي يتنازع قواه السياسة الولاء لمحوري إيران والسعودية، فوجد نفسه فجأة موحد الموقف في إدانة “العدوان” التركي، وهو الذي لم يتحد موقف قواه ذاتها حتى ضد العدوان الإسرائيلي على أرضه وشعبه. طبعا، كلنا يعلم لماذا كان للبنان موقف موحد هذه المرة، ذلك أن إيران والسعودية اتفقتا في الموقف من العملية العسكرية التركية في سورية، وإن اختلفت المنطلقات والحسابات.

سيُكتفى فيما يلي بمواقف كل من السعودية والإمارات ومصر، فالجامعة العربية والبحرين ولبنان ما هي إلا رجع صدى لمواقف تلك الدول، وليس لها استقلال ذاتي حتى نحاكمها بناء على ذلك. نجد أن الدول الثلاث استخدمت العبارات نفسها، تقريبا، في إدانة “العدوان” التركي، على أساس أنه “تعدٍ سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية”. وأنه يمثل “تهديدًا للأمن والسلم الإقليمي”. فضلا عن أنه “اعتداء صارخ غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة”، “ويمثل تدخلاً صارخا في الشأن العربي”.. إلخ.

الملاحظة الأبرز أن كلاً من السعودية والإمارات ومصر متورط في أكثر من عدوان عسكري على دول عربية “شقيقة”، بشكلٍ يهدّد استقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها، كما يهدّد الاستقرار الإقليمي أيضا، ونحن هنا نستعير بعض مفردات الإدانة التي أطلقتها تلك الأطراف ضد العملية العسكرية التركية محل النقاش. السعودية والإمارات متورّطتان في جرائم ثابتة ضد الإنسانية في اليمن، وهما دمّرتا ذلك البلد ومزّقتاه ونكبتا شعبه، وتحتلان كثيرا من أراضيه بشكل مباشر، على الرغم من أنهما لم تتمكّنا من هزيمة الوكيل الإيراني هناك، الحوثيين. أما مصر، فمتورّطة كذلك، وبشكل مباشر، في ليبيا، ودعم تمرّد اللواء خليفة حفتر فيها، تشاركها السعودية والإمارات في ذلك.

الملاحظة الثانية، أن السعودية، تحديدا، خذلت الثورة السورية من قبل، على الرغم من زعمها، في السنوات الخمس الأولى من عمر الثورة، أنها تقف في صفها ضد نظام الأسد. وكلنا يذكر تصريحات وزير الخارجية السعودي حينئذ، عادل الجبير، عام 2016، أن الأسد سيرحل سلماً أو حرباً، ثم كان أن تواطأت الرياض مع الأسد في تسليمه الغوطة الشرقية، عام 2018، عبر الفصيل المسلح الذي كانت تدعمه، جيش الإسلام. أما الموقفان، الإماراتي والمصري، فقد تميزا منذ البداية، بالتواطؤ الضمني مع نظام الأسد (الإمارات)، وتقديم الدعم السياسي، وربما العسكري له (مصر تحت نظام عبد الفتاح السيسي).

الملاحظة الثالثة، أن التحرش السعودي – الإماراتي – المصري بتركيا لم يتوقف منذ عام 2011، اللهم باستثناء فترة قصيرة في مصر تحت حكم الرئيس الراحل، محمد مرسي، بين عامي 2012 – 2013. وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، ومن باب حصر الحديث في الملف السوري، فإن وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية، ثامر السبهان، سبق له أن زار شمال شرق سورية، عاميّ 2017، الرقة، و2019، دير الزور، والتقى قيادات المليشيات الكردية وتعهد بتقديم دعم لها في مواجهة تركيا.

باختصار، على الرغم من أن الألم يعتصر قلب كل عربي على ما آلت إليه سورية اليوم، إلا أن المجرم الأول هو نظام بشار الأسد، ثمَّ بعض أطراف النظام الرسمي العربي الذين خذلوا الشعب السوري، بل وتآمروا على ثورته. ولا ينتقص هذا القول من حقيقة خداع الولايات المتحدة الشعب السوري وتنكرها لحقوقه، ولا من الدور الإجرامي لروسيا وإيران. أمام ذلك كله، وجدت تركيا نفسها أمام دولةٍ فاشلةٍ على حدودها الجنوبية، بل وأصبحت بؤرة للتآمر عليها، كردياً وعربياً وإيرانياً وأوروبياً وروسياً وأميركياً، ونقطة ارتكاز لمحاولة المسِّ بأمنها القومي ووحدة وسلامة أراضيها. لا يسرّنا، نحن العرب، توغل تركيا في الأراضي السورية عسكرياً، ولكن تركيا مضطرّة، عملياً، لذلك، كما أنها، إلى اليوم، أكثر من وقف مع الشعب السوري، على الرغم مما جرّه ذلك عليها من تداعيات داخلية وخارجية كثيرة، فهي استضافت وأمنت قرابة ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري، وتحاول اليوم أن تمنع قيام “إسرائيل كردية” على حدودها الجنوبية، كما تمنّى مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي، حسبما نقل عنه تقرير نشرته أخيرا مجلة نيوزويك الأميركية.

لذلك كله، من كان بلا خطيئة من أنظمة العرب في سورية، بما في ذلك نظام الأسد، وإيران معهم، فليرجم تركيا بالحجارة. الحقيقة التي لا مراء فيها أن أول من يستحق الرجم بالحجارة، بسبب ما يجري في سورية، هم بعض أضلاع النظام الرسمي العربي وإيران.

العربي الجديد

الأكراد ولعنة الأجندات/ جمانة فرحات

يبدو كل ما يجري في سورية اليوم أقرب إلى مشهد سوريالي. اختارت تركيا إطلاق اسم “نبع السلام” على عمليتها العسكرية في شرق الفرات، وكأن الحروب قادرة يوماً على أن تعبّد الطريق إلى السلام. ودول لطالما أمعنت في استخدام السلاح وإشعال الفتن والحروب، لكنها تريد تصفية حسابات سياسية مع أنقرة، تندّد بالعملية، حتى أن مستوى التخاطب بلغ حد معايرة كل طرف الآخر بـ”حروبه”، وجامعة عربية غضت طرفها طويلاً عن كل ما جرى بحق مدنيي سورية استفاقت فجأة. والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أصبحت تصريحاته خارج قدرة أي عقل على استيعابها، كقوله، في معرض حديثه عن الأكراد، إنه يحبهم لكنهم “لم يساعدوا الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية وإنزال النورماندي”.

ولكل من هؤلاء غايات تحدد مواقفهم، فتركيا تحديداً ترى في وجود الأكراد على حدودها عاملاً مهدداً لأمنها القومي، وتعتبر أن الفرص الآن الأكثر ملاءمة لتنفيذ عملية عسكرية، لإبعادهم وتوجيه ضربة قاضية لمشروعهم السياسي، وإلا فإنها قد تضيع عليها نتيجة التحولات السياسية والميدانية. ولذلك لا تريد أن تسمح بأي انتقاد لها ومستعدّة لإشهار كل أسلحتها لمنع عرقلة هجومها، بما في ذلك العودة إلى سياسة الابتزاز بتهديد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الدول الأوروبية بإرسال اللاجئين إليها، إذا استمرت في انتقاد العملية ووصفها بالاحتلال. ناهيك عن حرص غير مفهوم على إعطاء الحرب صبغة دينية. أما ترامب فغير آبه بكل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، إلا بقدر ما تدر له الأحداث وتداعياتها من ملياراتٍ، يمكن أن يوظفها في معركته لجذب الناخبين.

ولكن كيف يعقل لسوريين عانوا من ظلم النظام السوري، وخبروا معنى أن تكون حياة المدنيين مهدّدة تحت القصف، وشهدوا ظلم النزوح والتهجير، تأييد ما يجري اليوم أو التشفّي بالأكراد؟

يمكن أن يُقال الكثير عن تحمّل القيادة السياسية والعسكرية لأكراد سورية، لا المواطنين، جزءاً من المسؤولية عن الوضع الحالي، نتيجة خطأ في حساباتها السياسية، وتضخم رهاناتها في السنوات الثماني الماضية. ولعل النقطة المركزية تمثلت بالفشل في حسم الموقف مبكّراً من النظام السوري، بعد اندلاع الثورة وتفضيل سياسة توزيع الأوراق تحت إغراء محاولاتٍ أكثر من طرف شدّ الأكراد إلى صفه، ثم جاءت الموافقة على التحوّل إلى أداة في يد الولايات المتحدة، وكيلا حصريا لمحاربة تنظيم داعش من خلالها، وتهميش المكون العربي السني، لتشكل الخطيئة الكبرى وتعكس حجم الفشل في إدراك خطورة اللحظة وترابط المصائر، سواء في الحرب ضد “داعش” أو النظام السوري.

وحدث ذلك كله على الرغم من أن المكوّن الكردي الذي عانى التهميش والاضطهاد والخذلان عقودا، يدرك أكثر من غيره أنه إذا كان من قاسم يجمع أنقرة مع النظام في دمشق وطهران وموسكو فهو إضعاف الأكراد، والقضاء على أي محاولةٍ لتحقيق مشروعهم السياسي، ونيل الحكم الذاتي الذي ظنوا أنهم باتوا قريبين منه، بعد انطلاق الثورة السورية وتراجع قوات النظام بعيداً عن مناطق النفوذ الكردي، ما أتاح لهم إحكام سيطرتهم على ثلث الأراضي السورية، وفرض سياساتهم، وحتى إنشاء الإدارة الذاتية لشمال سورية وشرقها. ولا يزال ما جرى في إقليم كردستان شاهداً، عندما اتفقت مصالح بغداد وأنقرة وطهران على توجيه ضربةٍ لقادة الإقليم بعد الإصرار على تنظيم استفتاء تقرير المصير.

لكن ذلك كله لا يمكن أن يستخدم مبرّرا لما يجري حالياً، سيما أن الخطأ في الحسابات السياسية على مدى السنوات الماضية ينطبق على الأكراد، كما على قوى المعارضة السورية وأضراره تطاول الجميع. سيقتل على الأقل مئات السوريين مدنيين ومسلحين من مختلف المكونات في هذه المعركة، وستتبدل بعض المواقف من العملية تباعاً، ولكن الحقيقة الوحيدة التي ستبقى قائمة أن الأكراد سيدفعون مرة جديدة ثمن تقاطع الأجندات الدولية والإقليمية ضدهم.

العربي الجديد

تركيا التي تخرج من سوريا/ ساطع نور الدين

ثمة حاجة لجدال من نوع مختلف مع تركيا التي توغلت مجدداً في عمق الاراضي السورية، في منطقة الجزيرة شرق الفرات، لكي تضمن أمن حدودها الجنوبية من جهة، ولكي تعلن بدء إنفصالها النهائي عن الازمة في سوريا، وإنشغالها بأحد عوارضها التفصيلية، بما لا يفيد شراكتها مع روسيا وإيران، التي كانت وستبقى واحداً من أغرب معالم المسألة السورية.

حديث السيادة السورية التي إنتهكها الجنود الاتراك مثير للسخرية، والخوف على الوحدة الوطنية  السورية يقع في باب السوريالية. أما الزعم بأن المواقف المستنكرة لذلك التوغل، مبنية فقط على إعتبارات مبدئية، أو إخلاقية، فذلك ما لا يقبله أي عقل، مهما كان ساذجاً.. ومنها مواقف العواصم العربية التي لم يسبق أن أبدت ذلك الحرص على سوريا، أو على جماعتها الكردية، وهي اليوم تعبر عن حماسة شديدة لمواجهة تركيا، بشكل لن يثير سوى إستغراب طهران، ودهشة موسكو، وضحك واشنطن.

القول أنه ليس من حق تركيا إجتياح أي أرض سورية أو عربية، حتى ولو كان الامر مؤقتاً، هو واجب اليوم مثلما كان واجباً في عشرات المرات السابقة التي خرق فيها الجنود الاتراك السيادة السورية، وفي مئات المرات التي إنتهك فيها هؤلاء الجنود السيادة العراقية وما زالوا. وهو مرادف للقول أنه ليس من حق الاكراد ان يستخدموا اراضي سوريا او العراق منصة للهجوم على الاراضي التركية، من أجل إنتزاع الاقرار بتطلعاتهم التاريخية في الحرية والسيادة والاستقلال.. عن كل من إنقرة ودمشق وبغداد وطهران على حد سواء، ومن دون أي تمييز بين عاصمة تعترف لهم بحقوق سياسية، وبين عاصمة لا تعترف بوجودهم أصلاً ولا تسمح بذكرهم على سجلاتها المدنية.

الاشتباك شرق الفرات، هو، في المقام الاول والاخير، نتاج فشل عام في إعتماد الخيارات السياسية أداة لتسوية صراع تاريخي. هو أقرب الى تصفية حسابات قديمة، أكثر من كونه تأسيساً لمعادلات جديدة في سوريا، التي تبدو الان وكأنها مسرح عبثي  تدور على خشبته معركة عسكرية جديدة، لا تمسها مباشرة ولن تؤثر في تحديد مستقبلها السياسي. ولم تكن مبالغة ما قاله بعض رموز المعارضة السورية، عن أنه إشتباك بين طرفين تركيين نقلا المواجهة بينهما الى داخل الأراضي السورية، كما سبق أن فعلا في العراق..

لكن تلك المعارضة السورية ليست مجرد متفرج على ذلك الاشتباك، الذي يحسم من رصيدها الخاص لأنه يدور بين حليفين مفترضين لها. تركيا التي كانت ولا تزال تقاوم النظام في دمشق أو على الاقل تفترق عنه، والاكراد الذين كانوا طرفاً معارضاً وشريكاً دائماً في الصراع مع النظام، قبل ان ينتهزوا فرصة فراغ السلطة في الشمال السوري لكي يؤسسوا كياناً خاصاً، يكون قاعدة للتفاوض مع الجميع، من دون أدنى مراجعة للتجربة الكردية العراقية الاخيرة التي إنتهت الى إخفاق شديد.

النظام هو أكثر من متفرج بعيد على إشتباك يدور خارج “حدوده”، لكنه يصلح لأن يكون  إستثماراً ناجحاً في حملة تبديد الشكوك حول شرعيته المنقوصة: أن تغرق تركيا في أمنها الداخلي، وأن يبالغ الاكراد في طلب ثمن تضحياتهم الاخيرة، يعني أن الجانبين لن يجدا بداً من العودة في وقت ما الى دمشق. وقد دقّ الاكراد أبواب العاصمة السورية أكثر من مرة طوال العامين الماضين، وخلال اليومين الماضيين، لكنهما لم يتلقيا رداً حتى الآن..من موسكو، الحريصة على مكاسبها التركية الاستثنائية، ولا من طهران المعنية بالمعابر التركية المهمة لتخفيف الحصار عنها.

أخطأت تركيا في التوغل في منطقة الجزيرة شرق الفرات، ليس لأنها أرض سورية، لا يجوز المس بها، على ما يزعم دعاة الحرص على السيادة السورية المستباحة من غالبية دول العالم، العربية منها والاجنبية، بل لأن الصراع على ذلك الجزء من الارض هو في الأصل شأن سوري خاص، كان يمكن، بل يجب أن يحسمه المعارضون السوريون بأنفسهم، حتى من دون غطاء تركي ظاهر.. ما يمكن ان يسهم في إعادة إنتاج تلك المعارضة، وربما أيضا في إعادة إحياء دور تركيا كطرف داخلي مع موسكو وطهران، لا كجهة خارجية تطل على الازمة السورية من وراء الحدود فقط، أو تدعى كضيف الى المؤتمرات والاجتماعات الخاصة بتسويتها.

المدن

أصدقاء “قسد”.. أعداء تركيا؟/ عبدالناصر العايد

فيما تريدها أنقرة معركة عسكرية منخفضة الضجيج قدر المستطاع، حتى يستتب لها الأمر، يدفع خصومها لجعلها معركة سياسية وإعلامية حامية الوطيس. ولعل جلسة مجلس الأمن التي عقدت بعد يوم من انطلاق معركة “نبع السلام”، بطلب من حلفاء أوروبيين لتركيا في “حلف الناتو”، والتي اجهضت بفيتو مزدودج من واشنطن التي تسيطر فعلياً على الأراضي التي تغزوها تركيا، ومن موسكو التي تستخدم ورقة معارضة التدخل الأجنبي وحماية السيادة، ابلغ دليل على تعقيد تلك المعركة، وما سينجم عنها سياسياً.

في قراءة سريعة للمجريات الميدانية في اليومين الأولين من المعركة، يمكن القول إنها ما زالت ضمن الأطر المألوفة لبدايات كلاسيكية لأي معركة: اهداف محضرة مسبقاً، تمهيد جوي ومدفعي لتحييد التحصينات وحقول الألغام والمخاطر غير المرئية من الأرض؛ أي فتح الطريق للقوات البرية لتعبر بسلاسة إلى الأهداف التي لا يمكن التعامل معها جواً. وبالفعل تدفقت أرتال من “الجيش الوطني” السوري، الذي هو بمثابة الأقدام التركية على الأرض، في المناطق المفتوحة المحيطة بهدفي العملية، وهما مدينتا رأس العين وتل ابيض. وبدأ طرفا النزاع بالتصعيد الإعلامي في إطار الحرب النفسية، معلنين عن انتصارات باهرة وخسائر بالغة في صفوف الطرف الآخر، لا يمكن التأكد منها بدليل قاطع.

في اليومين المقبلين، يتوجب على القوات التركية والموالية لها، أن تدخل المدينتين، لتثبت مزاعمها بحصول تقدم مهم، وعلى “قوات سوريا الديموقراطية” أن تعرض صوراً للقتال الشرس المزعوم من طرفها، لتثبت قدرتها على المقاومة، وهذا ما سيزيد من سخونة الأجواء المحيطة بميدان الصراع.

المناطق التي تم التقدم إليها تثبت ما سبق ونشرته “المدن”، من أن العملية ستقتصر على تل أبيض ورأس العين، وصولاً إلى الطريق الدولي أربيل-حلب، أي بعمق متفاوت بين ثلاثين وخمسة وثلاثين كيلومتراً. وقد جربت القوات التركية، الخميس، الامتداد شرقي رأس العين، فحلق الطيران الأميركي فوق بلدة الدرباسية محذراً من تجاوز الخطوط المرسومة.

الطيران التركي ما زال يقوم بمهماته من المجال الجوي التركي، وهو ليس بحاجة إلى التوغل أكثر من ذلك لقرب الأهداف، التي هي بمتناول المدفعية أيضاً. واساساً لم يكن في المنطقة التي تم التوغل فيها حتى الآن الكثير من العوائق، فالانفاق والتحصينات دمرت إبان العمل الاميركي على انشاء المنطقة العازلة، وفق اتفاق الآلية الأمنية، و”قسد” انسحبت منها، عدا عن إن جولات الخبراء الاتراك هناك مع الدوريات الأميركية، كانت قد كشفتها تماماً، واصبح الدفاع عنها بلا جدوى، من وجهة نظر حرب العصابات التي يخوضها الأكراد، لافتقادها عنصر المباغتة.

المعركة ستكون أصعب عندما ستحتاج القوات المهاجمة إلى ما يُعرف عسكرياً بـ”الابرار الناري” القريب من طيران الجيش، أي بالحوامات الهجومية، والمقاتلات التكتيكية. وهنا سيظهر تحديان، الاول هو التقييد الاميركي على الطيران التركي فوق الأراضي السورية، والثاني الاحتمال القائم بامتلاك “قسد” لمضادات طيران، كالصواريخ المحمولة على الكتف، والمدفعية المضادة للطيران، بما يكفي للتعامل مع الطيران على علو منخفض.

عامل تقييد الطيران سيلعب دوراً ايضاً في عرقلة عملية قطع امدادات “قسد” التي لا بد منها لتعزيز قواها وتعويض الخسائر. فإذا لم يكن بوسع الطيران التركي الضرب في العمق، فإن ذلك سيعزز من فرص الأكراد بالصمود.

المعلومات الاستخباراتية، وصور الأقمار الصناعية، التي يمكن تقديمها لـ”قسد” ستكون مفيدة جداً ايضاً، ووفقها يمكن لمدفعيتها البعيدة أن تدمر الأهداف الثابتة. وكان لافتاً أن القوات التركية لم تُخيّم في تل أبيض، داخل الأراضي السورية، ليل الخميس/الجمعة، بل انسحبت إلى مخيم سليمان شاه شمالي مدينة اقجة قلعة التركية، وذلك على الأغلب خشية استهدافها بمدفعية “قسد” بعيدة المدى، بناء على معلومات استخباراتية دقيقة.

وعلى الرغم من وضوح المعادلة العسكرية ظاهرياً، وميلانها بشكل كبير لصالح الجيش التركي سواء لناحية العدد أو العتاد، أو حتى لناحية تضاريس ميدان المعركة، إلا ان هامشاً كبيراً من عدم اليقين يخيم على المشهد. فلا أحد يستطيع ان يتكهن بنوع ومدى الدعم الذي يمكن أن تتلقاه “قسد” من خصوم تركيا في الاقليم والعالم، من المتعطشين لرؤية الجيش التركي غارقاً بالدم، ورؤية اردوغان شخصياً، مهزوماً.

سياسياً، سارعت واشنطن لاشهار الفيتو في وجه بيان أعده الاوروبيون ضد التدخل التركي، وكان بإمكانهم الاكتفاء بعدم التصويت، تماشيا مع موقفهم المعلن بكونهم ليسوا مع أو ضد العملية، لكنهم يدركون جيداً أن موسكو ستستخدم الفيتو لتسجيل سابقة لدى انقرة، وارادوا أن يقولوا انهم ايضاً مهتمون بعلاقتهم مع الاخيرة. وهذه تبقى على كل حال لعبة مفهومة من العاب السياسة، لكن الأخطر يدور في الأروقة، فنظام الأسد الذي صعّد ضد تركيا عند بدء العملية، عاد للتنصل من مهمته المفترضة وهي “الدفاع عن الأرض والسيادة السورية”، وقال إنه غير معني بالدفاع عن “مليشيا” خانته.

ويأتي هذا في سياق عرض طرحته موسكو، ويتضمن التوسط بين انقرة والاكراد، وبين الأكراد ودمشق، وبين أنقرة ودمشق. والوجهة يحددها الأكراد، الذين سترتب روسيا أمورهم، ولا شرط لها سوى خروجهم من تحت العباءة الاميركية. لكن قادة “قسد”، يبدون حتى اللحظة، غير منجذبين للوساطة الروسية المعلنة، ويفضلون عليها وساطة أميركية غير معلنة، لحل ملف أكراد تركيا عبر التفاوض مع حزب “العمال الكردستاني”، وهو ما جرى بعضه خلال الصيف الماضي، وكاد الامر يصل إلى اطلاق سراح عبدالله اوجلان، لكنه عاد وتعثر.

ايران التي تستعد للعبث بدورها باستقرار شرق الفرات، انطلاقاً من قواعدها في ديرالزور والبوكمال، تبدو راضية عن هذا الضغط التركي على الوجود الاميركي هناك، والذي يمثل العقبة الجديّة الوحيدة أمام مشروعها التوسعي. وتطلق طهران تصريحات حمالة أوجه، خشية أن تسفر العملية في النهاية عن صفقة تركية-أميركية توطد من قوة انقرة في سوريا، وتضعها في صراع نفوذ مع طهران شرقي سوريا.

أما الاوربيون الذين وضعهم ترامب بقراره هذا أمام امتحان صعب، وهو إما ان يشاركوا في النفقات والالتزامات الاميركية في سوريا، أو أن يبيع المنطقة لاردوغان، فإنهم يتوسلون الحل من خلال الضغط عليه بالملف الإنساني. لكن جهودهم ستذهب سدى، إن لم يدعمهم بقوة الجناح الرافض للانسحاب داخل الإدارة الاميركية ذاتها، وهذا يمثله جنرالات البنتاغون، الذين يشهرون ورقة عودة “داعش”، والتمدد الايراني، وتآكل مصداقية الولايات المتحدة وتصورات القوة عنها لارغام ترامب على التراجع.

ومن شأن تآزر هذين الموقفين، الأوروبي المكتسي بالانساني، والعسكري الاميركي الذي يهدد بالمخاطر المحتملة في حال الانسحاب من سوريا، أن يغير الموازين، وربما يبلغ حد اجبار الرئيس الاميركي على العودة عن المنحة المعطاة لاردوغان، وهي تل أبيض ورأس العين، والاكتفاء بحملة تركية تدمر بعض الأهداف ثم تنسحب نهائياً، أو تكتفي بحدود اتفاقية اضنة المعترف بها وهي خمسة كيلومترات عمقاً.

المعركتان العسكرية والسياسية شرقي الفرات ما زالتا مفتوحتين على كل الاحتمالات، وطرفاها، سواء التركي أو الكردي، ليسا سوى عاملين من جملة عوامل أخرى، تساهم بصياغة المخارج النهائية.

المدن

دونالد ترامب أعلن سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية/ جوزيف باحوط

ماذا حدث؟

أعلن الرئيس دونالد ترامب الاثنين الماضي أنه سيقلّص عديد القوات الأميركية في المناطق الحدودية مع تركيا، مُفسحاً بذلك المجال أمام دخول الجيش التركي إلى المناطق الواقعة شمال وشمال شرق سورية. حتى اللحظة، تمّ إخلاء موقعين أميركيين، في تل أبيض ورأس العين، وبدأت تركيا بشكل خجول دخول بعض المناطق الحدودية.

هذه ليست المرة الأولى التي يُدلي فيها الرئيس الأميركي بمثل هذا التصريح المفاجئ المتعلّق بسورية. ففي كانون الأول/ديسمبر الفائت، أعلن في تغريدة عبر تويتر، عن انسحاب وشيك للقوات الأميركية، مفاجئاً شركائه في التحالف والكثيرين غيرهم. لم يتمّ تنفيذ هذا الانسحاب قطّ، لكن قد يكون الوضع أكثر جديّةً هذه المرة بالنظر إلى مشاكل ترامب الداخلية، كما يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحاجة بدوره إلى القيام بخطوة ما. الأتراك يسعون إلى إقامة منطقة آمنة في سورية يمكنهم فيها إعادة توطين أكثر من مليون لاجئ سوري من أولئك المتواجدين الآن في بلادهم، والذي يثير وجودهم شعوراً بالسخط في أوساط الشعب التركي.

ما أهمية ذلك؟

من شأن شنّ هجوم تركي في شمال شرق سورية أن يهدّد التوازن الهشّ، الذي كان نشأ في المنطقة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. كما هو يعني أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، إضافة إلى تحالف “قوات سورية الديمقراطية” الذي يسيطر عليه، ستكون جميعها في مواجهة خطر اكتساحها نهائياً بعد أن استغلّها الغرب في الحرب ضدّ الدولة الإسلامية.

لكن إقدام تركيا على إنشاء منطقة أمنية في سورية سيزيد من وتيرة تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ. وفي حال نقل أردوغان اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، سيكون قد زرع بذلك بذور حرب أهلية عربية-كردية مستقبلية. في هذه الحالة، لابدّ من أن نتوقّع أن يحاول نظام الأسد وداعموه استغلال الوضع والدفع نحو تحقيق مصالحهم في المنطقة، ما يعني أن احتمالات اندلاع اشتباكات بين تركيا والنظام السوري قد تزداد حتماً.

ما المضاعفات للمستقبل؟

يتعيّن علينا، في بادئ الأمر، أن نرى ما إذا كان القرار الأميركي جاداً، ومدى عمق التوغّل التركي. كما ستضطلع ردود فعل النظام السوري وإيران وروسيا بأهمية أساسية. لابدّ من أن نتوقّع حرب استنزاف، خاصة إذا تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب مع النظام السوري، بهدف تحويل المنطقة إلى مستنقع بالنسبة إلى تركيا. من ناحية أخرى، قد يؤدي النزاع التركي-الكردي أيضاً إلى تسهيل عودة بروز الدولة الإسلامية في بعض المناطق، أقلّه في شكل خلايا أصغر حجماً.

علاوةً على ذلك، قد نشهد تقوّض الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها حول إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية. وهذا قد يدفع روسيا إلى منح النظام السوري ضوءاً أخضر لاستعادة السيطرة على المحافظة، ليكون ذلك بمثابة ردّ على تحرّك تركيا في شمال شرق البلاد. مع ذلك، تحرص روسيا أيضاُ على المحافظة على صيغة الأستانة، وستتوخى الحذر لعدم استفزاز تركيا أو السماح بحدوث مواجهة بين إيران وتركيا لاترغب فيها أي من هاتين الدولتين.

على الصعيد السياسي، تمنح التطوّرات في شمال شرق سورية في نهاية المطاف روسيا نفوذاً أكبر وترسّخ موقعها بشكل أكبر في مركز اللعبة السورية. وفي وقت يجري فيه العمل على “عملية سياسية” لسورية، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية، يمثّل ذلك مكسباً كبيراً لموسكو.

أخيراً وليس آخراً، في حال تمّ تنفيذ ملاحظات ترامب بشأن سحب القوات الأميركية في سورية، يجب أن نراقب إسرائيل بانتباه. فهذه الأخيرة قد تجد الفرصة سانحة لإنشاء منطقة عازلة خاصة بها في جنوب سورية، بهدف إبقاء إيران وحلفاءها بعيداً عن مرتفعات الجولان.

 عملية”نبع السلام” التركية الأمريكية/ غسان المفلح

تقوم القوات التركية منذ البارحة عصرا٬ بالهجوم على منطقة الجزيرة السورية. لمن لا يعرف الجزيرة السورية٬ هي المنطقة الممتدة بين نهري الفرات ودجلة المتاخمة لتركيا. أكثريتها مناطق عربية٬ وفيها مناطق كردية وآشورية. كل هؤلاء السكان سيدفعون ثمن هذا الغزو التركي للمنطقة من قبل الجيش التركي وحلفاءه مما يسمى” المعارضة السورية”. هذا من الناحية الإنسانية. نزوح وتهجير وسقوط ضحايا. إذا ليس الكرد وحدهم من سيدفع الثمن! بل كل سكان المنطقة وأكثريتهم من العرب الي جانب الآشوريين٫ إضافة الي مئات الألوف من المهجرين السوريين من مناطق اخري بفعل الهمجية الاسدية الروسية الإيرانية٬ ،بفضل احتلال “قسد” لمناطقهم أيضا.

أما في الناحية السياسية والعسكرية فالهجوم يستهدف “قسد” وهي آلواجهة السورية لحزب العمال الكردستاني التركي” بي كي كي”. إذا نحن أمام معركة طرفاها فاعلين سياسيين تركيين. لايوجد بعدا سوريا في هذا الغزو.

****

هذا الغزو الاحتلالي تم بمباركة أمريكية روسية اسدية. هذا ما أوضحته مفاوضات اردوغان خلال الشهور الماضية مع هذه الأطراف وغيرها من اجل ما اسماه اردوغان منطقة آمنة. كنا قد كتبنا عنها على صفحة إيلاف.

صحيح ان هنالك ضجيجا إعلاميا حول رفض الكثير من الأطراف لهذه العملية٬ وان فرنسا وبريطانيا وألمانيا ستتقدم بمشروع لمجلس الأمن بالضد من هذه العملية! لكن الواضح حتى الان آن اردوغان قذ حصل على مباركة الأطراف الفاعلة في الملف السوري بما فيها إسرائيل. لننتظر ونري اليوم او غدا٬ ماذا سينتج عن اجتماع مجلس الأمن هذا؟! خاصة إذا علمنا ان ما يهم ألأوروبي هو: أولا إبقاء معتقلي داعش من أصول أوروبية في معتقلاتهم في سورية.

ثانيا: ملف الهجرة بإبقاء الحدود التركية مغلقة تجاه أوروبا.

****

عملية نبع السلام هذه مدعومة من الداخل التركي٫ حيث أعلن حزب الشعب وحزب الحركة القومية دعمهما للعملية مع بقية الأحزاب التركية٫ ما عدا حزب الشعوب الديمقراطي٫ وهو الجناح السياسي لبي كي كي. المستوى السياسي التركي برمته تقريبا يدعم الغزوة الاردوغانية.

هذا بحد ذاته ورقة قوة بيد اردوغان. أما في الجهة المقابلة٬ كما قلت لابعدا سوريا للطرفين المتحاربين٫ تحت الإشراف الامريكاني!! إنسانيا شعبنا السوري من سيدفع الثمن فقط.

****

اعلن وزير الخارجية التركي انه ابلغ النظام الاسدي بالعملية عن طريق قنصليته بإسطنبول.

كما أوردت الأنباء الاسدية خبرين ملفتين: الأول آن قوات قسد تمنع مدنيي مدينة راس العين من الهروب من القصف التركي. الثاني آن قوات قسد أحرقت بعض آبار النفط السورية. بهذين الخبرين يمكن ان يستنتج المرء بسهولة موافقة الاسدية على العملية التركية. وما تصريح فيصل مقداد نائب وليد المعلم٬ عن انهم سيدافعون عن ارض سورية٬ سوى ترهات.

****

من جهة أخرى توحد موقف السعودية ومصر والإمارات والبحرين والعراق ولبنان مع الموقف الإيراني الرافض للعملية التركية! خاصة بهد التهدئة باليمن! رغم الإعلان التركي عن التواصل مع الجانب الإيراني بشآن العملية. هذا الاستعراض السريع لمواقف الأطراف التي ساهمت مساهمة فعالة في المقتلة الاسدية للشعب السوري٫ بما فيهم قوات قنديل والدواعش وغيرهم من المفرخة القاعديةـ نسبة لتنظيم القاعدة الإرهابي ـ الأمريكيين كما خطط لها أوباما٬ كي يوقع اتفاقه النووي مع إيران٬ وتحقيقا لمطلب إسرائيلي روسي إيراني بتأهيل الجريمة الاسدية.

****

أكثرية واضحة من النخب السورية المعارضة لنظام الأسد٬ أعلنت رفضها للغزو التركي. إضافة لمسآلة مهمة: أوضحها التفاعل السوري عامة مع الحدث٫ بين رافض ومساند ومابينهما٫ يدل على ان السوري لايزال مصرا على إسماع صوته للعالم.

ايلاف

الأهداف الأميركية الروسية من عملية نبع السلام التركية/ شادي علاء الدين

بعد أن كانت قوات سوريا الديمقراطية تمثل درَّة تاج الاستثمار الأميركي الميداني في سوريا تحت عنوان محاربة الإرهاب الداعشي، جاء تخلي ترمب عن هذا الاستثمار مفاجئا، وخصوصا أنه سبق بإجراءات وتمهيدات فرضت على هذه القوات التخلي عن تحصيناتها وأسلحتها الثقيلة.

ترك الانسحاب الأميركي المصحوب بإنهاء التحفظ حول قيام تركيا بعمليات عسكرية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية تحت رحمة ما وصف بأنه حكم إعدام مبرم موجّه للأحلام الكردية بإقامة دولة مستقلة في سوريا، كانوا يعتقدون أنها ستقدم لهم كمكافأة على نجاحاتهم المشهودة في الحرب ضد تنظيم الدولة.

ولكن السؤال الذي لا بد من طرحه في هذا المقام يتعلق بالنظر إلى السلوك الأميركي، وإذا ما كان يمكن اعتباره مفاجئا وغادرا، كما يحلو للكثير من المحللين والمعلقين السياسيين وصفه.

في الحقيقة فإن منطق التخلي عن الحلفاء والتفاهم مع الخصوم بات سمة السياسة الأميركية منذ ما قبل مرحلة ترمب التي لم تخالف في بنيتها العميقة منطق سلفه الديمقراطي أوباما، بل عملت على توكيد هذه الاستراتيجية بطرقها الخاصة، والتي يمكن تلخيصها بنزعة تحويل العالم كله إلى مستودع حروب وأزمات اقتصادية وجثث انطلاقا من منطقة الشرق الأوسط.

لا يخرج منطق إدارة الأزمة السورية عن هذا السياق، بل يعمل على توكيده واستكماله، وإذا كان

البحث في الأهداف التركية وراء العملية شديد الوضوح ولا يحتاج إلى كثير من التحليل فإنه من الضروري الكشف عن الأهداف الأميركية الروسية وكذلك الأوروبية من وراء السماح بهذه العملية، وتأييدها الفعلي أو الضمني.

تسمح هذه العملية بتعميق الشراكة الروسية التركية، ولكن تحت سقف أميركي يرجح أن يتجلى لاحقا في تركيب معادلات تتعلق بالداخل السوري، وفي تنظيم شؤون إدارة مواقع النفوذ بشكل لا يسمح لأي طرف بأن يكون صاحب اليد الطولى في أي قرار يتعلق بمصير سوريا.

وكذلك تستجيب هذه العملية لمصالح روسيا لأنها تقدم لها تعويضا فاعلا عن الحضور الإيراني الميداني الذي تقدم إيران نفسها من خلاله كشريك مضارب للروس في النفوذ، لذا لم  ينجح الإيرانيون في إخفاء استيائهم من العملية ومعناها الاستراتيجي والسياسي، ومدى تأثيرها على مشاريع إيران التفاوضية.

ومن ناحية أخرى تنسج العملية معادلات حضور ميداني تمكن أميركا من استخدام الحضور التركي الميداني الذي يدين بموقعه للانسحاب الأميركي للضغط على ثلاثي إيران وروسيا والنظام السوري، وتدبير مصالح وموقع أمن إسرائيل.

ولعل كلام ترمب الذي سبق انطلاق العمليات يشي بأن المسائل محددة سلفا، فهو قال إن أميركا لن تتخلى عن الأكراد الذين أغدق عليهم صفات شعرية لناحية وصفهم بأنهم شعب مميز وأنهم مقاتلون رائعون، معلنا في الوقت نفسه أن العلاقة مع تركيا يجب أن تبقى جيدة لأنها شريكة أميركا في الناتو إضافة إلى كونها شريكة تجارية.

ولكن هذه التصريحات تزامنت مع تصريحات أخرى تحدد بدقة طبيعة التعامل الأميركي مع الموضوع. الرئيس الأميركي ترمب كرر في موقفه من العملية التركية ما كان يشير إليه تصريحا وتلميحا في علاقته مع السعودية، وهو أن تركيا ستكون وحدها في الميدان وأن أميركا لن تدعم العملية كما أنها ستكون مسؤولة عن جميع مسلحي التنظيم في سجون سوريا الديمقراطية.

ما تعلنه التصريحات الترامبية يُرسِّخ بنية عدم الرفض وعدم الممانعة مع تحميل المسؤوليات عن النتائج، أي أنها بنية توريط كاملة المعالم، فأميركا الحالية تتدخل أكثر عبر الانسحاب والتراجع، وترك الآخرين يغرقون في رمال الشرق الأوسط المتحركة.

من هنا تجدر الإشارة إلى البعد المتعلق بأسرى تنظيم الدولة المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية، والذين يشكلون أزمة عميقة لكل من الروس والأوروبيين، ويمثلون بشكل ما نقطة المقايضة الأساسية التي أطلقت أميركا بموجبها يد تركيا في الشمال السوري.

بدا لافتا أن أميركا ترمب الميَّالة إلى التخفف من الالتزامات والأعباء، أبدت استعدادها لتَسَلُّمِ هؤلاءِ المساجين والتكفلِ بأعبائهم، في ظل رغبة عامة بعدم استردادهم من قبل دولهم الممتدة على كامل خريطة أوروبا والدول المحاذية لروسيا.

تبيع أميركا إذن الأوروبيين والروس ملف الداعشيين من حملة الجنسيات الأوروبية والشيشانية وغيرها، مقابل إنفاذ رؤيتها في المنطقة والعالم، والتفاوض على ملفات واسعة تتصل بالأمن والتجارة العالميين، وخصوصا في

معركتها الحامية مع الصين، وهي قد اختارت هذا الملف تحديدا لما ينطوي عليه من إحراجات سياسية وقانونية واقتصادية لكل هذه الدول.

تضمن أميركا من خلال سيطرتها على هذا الملف الإمساك بمفاصل الأمن والاقتصاد الأوروبي، وكأنه قد بات لديها صندوق أسرار الدور الأوروبي في صناعة التنظيم، كما أنها تخاطب روسيا من خلال مدخل حرج، يتعلق بذاكرة الجهاد والجهاديين المعادين لروسيا والذين ينتظرون الظروف الملائمة لتصفية الحسابات معها.

كذلك لا يريد الأوروبيون فتح باب مسارات قانونية وسياسية معقدة تترتب عن استعادة الداعشيين، وتحمل الكلفة الباهظة لمثل هذه المسارات وما قد تثيره من اضطرابات وخلافات سياسية، كما تخشى من أن يصار إلى تركيب عمليات أمنية انتقامية تؤثر على الاقتصاد الأوروبي المتعثر.

هكذا لا يكون مستبعدا أن تسرع هذه المناخات في تطبيق الرؤية الأميركية لإدارة الأزمات في المنطقة والعالم، بشكل يستجيب لمصالح أميركا، حيث يرجح أن يصار إلى تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في مضيق هرمز، وتركيب أطر التفاوض مع إيران المتلازمة مع التسويق لمنظومات الدفاع الأميركية الباهظة ضد هجمات الطائرات المسيرة، وتسريع وتيرة قرع طبول السلام مع إسرائيل التي تسمع أصداؤها في كل المنطقة.

تلفزيون سوريا

تراجيديا الأكراد../ محمد قواص

تشكلت اللجنة الدستورية المفترض أنها أداة من أدوات الحلّ المُتوخى في سوريا. ضمت تلك اللجنة من ضمت من معارضة وموالاة ومجتمع مدني، لكنها استثنت المكون الكردي الذي تستهدفه الحملة العسكرية التركية الحالية. وعلى ذلك تطرح الأسئلة حول هذا التواطؤ “الكوني” للانقلاب على الإنجاز الكردي الذي تحقق من عام 2011.

اعتاد الأكراد، تاريخيا، على دفع ثمن المصالح الكبرى وتسوياتها الخبيثة. بدا ذلك منذ أن أغفل مبضع اتفاقية سايكس بيكو الاعتراف بدولة للأكراد على منوال ما أنشأته الخرائط من دول قسّمت جثة العثمانية الزائلة. دفع أكراد العراق ثمنا موجعا مقابل تسويات تمت بين بغداد وأنقرة، أو بين طهران وبغداد لاحقا. فيما أكراد سوريا، الذين أغفلت دمشق قلب العروبة النابض حقوقهم، وجدوا أنفسهم هذه الأيام من جديد، ضحايا ما تقرره الغرف المغلقة وما يقترف باسم المصالح الكبرى.

قام تحالف دولي تألّف من عشرات الدول لمحاربة تنظيم داعش في سوريا. صبّ التحالف بقيادة الولايات المتحدة نيرانا كثيفة، واستخدم تقنيات عسكرية حديثة لإضعاف تنظيم أبوبكر البغدادي. بدا أن تلك الجهود الهوليودية غير قادرة على تقويض جسم الإرهاب العملاق القادر على التأقلم مع كل الظروف، والقادر، رغم تلك الحرب الدولية ضده، أن ينال من عواصم ومدن داخل أوروبا والولايات المتحدة.

لم تكن واشنطن تريد الزجّ بجندها مجددا في أتون حروب كتلك في أفغانستان والعراق. لا تريد الإدارة للناخبين في الولايات المتحدة أن يتأثروا مباشرة وعبر عائلاتهم بالصراعات التي تخوضها واشنطن في العالم. بدا أن تلك الروح هي التي رانت العواصم الغربية برمتها، فراحت تتبارى في النزوع إلى الانكفاء والعزوف عن الانخراط المباشر في صراعات العالم. لاذت الحكومات ببرلماناتها للتنصل من أي قرار يدفع بها أخلاقيا للتدخل لوقف المحرقة السورية. هكذا فعل برلمان باريس، وهكذا فعل برلمان لندن، علما أن الحروب التي انخرطت بها تلك الدول لم تستعنْ قبل ذلك بأي برلمان.

لم تجد واشنطن لدى المعارضة السورية القماشة الاجتماعية والأيديولوجية لتشكيل تحالف ضد داعش. كانت تلك المعارضة ترفع لواء الحرب ضد النظام السوري والقضاء عليه، ولم تكن تريد الانخراط في أي تحالف مع الغرب لا يكون هدفه إزالة حكم الأسد في دمشق. لا بل إن التشكيلات السياسية للمعارضة السورية رفضت الموافقة على قرار المجتمع الدولي وضع تنظيم النصرة بقيادة أبومحمد الجولاني على قائمة الإرهاب، واعتبرته تنظيما سوريا مناهضا لنظام دمشق، يندرج داخل تلك الجبهة السورية العريضة المناهضة لهذا النظام.

كان تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد في سوريا الحلّ الوحيد المتوفر. الأكراد يتعارضون أيديولوجيا مع الجهادية التي ترفع داعش والقاعدة لواءها، وهم في معارضتهم لنظام دمشق، السابقة على موسم الربيع العربي بسنوات، لا يريدون من الصراع في سوريا إلا حماية المكون الكردي والدفاع عن حقوقه السياسية، سواء مع هذا النظام في دمشق أو أي نظام آخر يأتي على أنقاضه، خصوصا أن ما حملته المعارضة السورية من مشاريع وبرامج وأوراق، بقي أسير الطابع العربي للدولة لا يلحظ كثيرا حقوق الأكراد في سوريا المستقبل.

تشكلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خليط كردي عربي ينزع عن الحراك هويته الكردية، ويدرج أمر الحرب ضد الإرهاب داخل مساحة أوسع من الأجندة العرقية الكردية الخالصة. صحيح أن تطعيم التشكيل العسكري الجامع، الذي تسيطر عليه “وحدات حماية الشعب” الكردية، بحضور عربي، لم يكن مقنعا بأن هذا الجيش بات عابرا للقوميات، وأن أجندته تختلف عن أجندة القيادة الكردية المركزية في جبال قنديل شمال العراق. إلا أن التحالف الدولي اكتفى بالشكل، ليستند في معركته ضد داعش على المضمون.

خاضت قسد معارك الميدان ضد تنظيم داعش بكل بسالة ومهنية. دفع هذا الجيش دماء غزيرة من أجل تطهير “إمارة الرقة” الداعشية وبقية مناطق وأنحاء شرق الفرات. كانت طائرات التحالف تدكّ حصون التنظيم الإرهابي عن بعد، بيد أن أمر القضاء عليه لم يكن ليتحقق، بما يتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان النصر في واشنطن، لولا الجهود العسكرية المتمرسة التي أظهرتها هذه القوات، ولولا الملاحقة الدؤوبة التي قامت بها داخل الأزقة والمخابئ والكهوف التي انتهت إليها فلول التنظيم المتقهقر.

عوّل الأكراد كثيرا على تحالفهم مع الولايات المتحدة وتحالفها الدولي، لكي يحققوا إنجازا سياسيا تاريخيا لطالما طمحوا إليه. ومع ذلك سارعوا إلى الإعلان داخل أدبياتهم ومن على منابرهم، سواء كان ذلك قناعة حقيقية أم مناورة تكتيكية، أنهم لا يصبون إلى قيام دولة مستقلة، وأن هدفهم الأقصى التمتع بحكم ذاتي يشبه تلك الإدارة الذاتية التي أقاموها في مناطقهم في السنوات الأخيرة.

عرف الأكراد أن الولايات المتحدة ربما تريد أن تستخدمهم في حرب لا تريد وحلفاؤها الانخراط بها بريا، وسوف تنقلب عليهم حال انتهائها. ومع ذلك خاضوا تلك الحرب كونها، عمليا، الخيار الوحيد للذود عن أنفسهم وعن بيوتهم ومدنهم وقراهم ضد التنظيم الذي كان يستهدفهم. رأوا كيف استهدف داعش اليزيديين في العراق وحاول استهداف الأكراد في ذلك البلد، قبل أن تردّهم قوات البيشمركة بدعم من التحالف الدولي. وخاض أكراد سوريا الحرب أيضا، لأنه في تحالفهم مع واشنطن واعترافها بقدراتهم، يدخلون نوادي الكبار الذي شرّع لهم أبواب واشنطن ولندن وباريس وبرلين.

ومع ذلك صدقت دروس التاريخ القديم. شروط الراهن لا تختلف عن تلك منذ عقود. ترامب أعلن انسحاب بلاده الكامل من سوريا في ديسمبر 2018، فقال الأكراد إنها طعنة في الظهر. وأعلن الرجل سحب قواته منذ أيام من أمام التقدم العسكري التركي، فأعاد الأكراد الشكوى من طعنة جديدة في الظهر.

حزب العمال الكردستاني في تركيا مُدرج على لوائح الإرهاب في العالم. تتهم تركيا أكراد سوريا و”وحداتهم” و”حزبهم” (حزب الاتحاد الديمقراطي) بأنهم امتداد لـ”الكردستاني” الإرهابي. لا أحد من أكراد سوريا أنكر العلاقة، وربما الولاء لذلك الحزب وزعيمه المسجون عبدالله أوجلان. ومع ذلك تعامل المجتمع الدولي مع “قسد” بصفتها حليفا كامل الأهلية ضد الإرهاب.

لا تريد تركيا كيانا كرديا شمال سوريا، حتى بالشكل الذي يتمتع به الأكراد في العراق، يكون امتدادا جغرافيا مع مناطق الأكراد في تركيا. روسيا تريد للأكراد أن يكونوا جزءا من خططها لتعويم نظام دمشق. إيران لا تريد لأكراد سوريا أن يشكلوا سابقة ممكن أن تنسحب، بعد تلك في العراق (إقليم كردستان)، على أكراد إيران. الأوروبيون يدافعون، دون حماس، عن صون الأكراد وحمايتهم، فيما واشنطن، لاسيما في عهد ترامب، تبيع وتشتري وفق ما تتطلبه البورصة السياسية، خصوصا في موسم الانتخابات الرئاسية، من رشاقة ومهارة دون أي اعتبارات أخلاقية.

صحافي وكاتب سياسي لبناني

العرب

 انهيار الاستراتيجية الأميركية: الشمال السوري مسرحاً للأتراك

بداية الشهر الجاري، وتحديداً في الثاني منه، كان اثنان من كبار مسؤولي إدارة دونالد ترامب يدافعان علانية عن الاستراتيجية الأميركية في سوريا. لكنهما، للمفارقة، نبّها صراحة آنذاك إلى أن هجوماً تركياً على الأكراد في شمال شرق سوريا سيؤدّي إلى تدمير تلك الاستراتيجية بالكامل. وها هو ما تخوّفا منه يتحقق بالفعل!

فتح انسحاب القوات الأميركية من جزء واسع من المنطقة الحدودية في شمال شرق سوريا نقاشاً ذا اتجاهين في عواصم المنطقة، بحسب مجلة «فورين بوليسي». النقاش الأول مباشر، يدور حول ما إذا كان يمكن الوثوق بواشنطن كشريك، نظراً إلى تخلّيها عن حلفائها الأكراد. أما النقاش الثاني فيبدو إلى الآن غير محدّد، لكنه في الوقت ذاته أكثر ترابطاً، ويتعلّق بإمكانية وصول اللاعبين الدوليين الآخرين في سوريا إلى توازن سياسي جديد. يخلق الانسحاب الأميركي الجزئي «فوضى استراتيجية وأخلاقية» إضافية في هذا الصراع المتواصل منذ ثماني سنوات، بحسب ما يُقرأ في واشنطن، إلا أنه لا يزال من غير الواضح من سيستفيد من هذه الحالة استفادةً كاملة.

بالعودة إلى المسؤولَين اللذين استضافهما «مجلس العلاقات الخارجية»، يقول المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جويل رايبرن: «في الوقت الراهن… شرَعنا في تنفيذ اتفاق سيؤدي إلى إنشاء منطقة على طول الحدود التركية السورية… من المفترض أن تكون منطقة آمنة لكلّ من تركيا و…السوريين. حتى الآن، يسير التنفيذ على ما يرام». كان رايبرن يروّج لما يسمّى «المنطقة العازلة» أو «الآمنة»، والتي تعمل الولايات المتحدة جنباً إلى جنب تركيا منذ عام تقريباً على إنشائها. حذّر المبعوث الأميركي من أن الهجوم التركي في شمال شرق سوريا لن يكون كارثة بالنسبة إلى المنطقة فحسب، بل إنه سيعيق أيضاً الجهود الرامية إلى حلّ النزاع السوري، فضلاً عن أنه سيكون «هدية لأعداء أميركا». كما حذر من أنه سيضرّ بأهداف أميركية أخرى: ضمان هزيمة «داعش»، والردّ على إيران. كان هناك ضيفٌ آخر هو مايكل مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، الذي رأى أن بلاده لا يمكن أن تنفّذ استراتيجيتها في سوريا من دون شركاء مثل «قوات سوريا الديموقراطية… وإذا لم نفعل ذلك، فسنعود إلى هناك، بالتأكيد، لنفعل ذلك مجدداً».

يوم السبت الماضي، كان الجيش الأميركي يروّج لدوريات مشتركة مع الأتراك في «المنطقة العازلة». في اليوم التالي، وقعت المكالمة بين ترامب وإردوغان، ليعلن الأوّل في اليوم الثالث قراره سحب ما بين 50 و100 جندي من الحدود بين البلدين، ما عُدَّ بمثابة ضوء أخضر لانطلاق العملية التركية. كرّر الرئيس الأميركي ما دأب على ترداده طوال سنواته الثلاث في البيت الأبيص: «نريد نهايةً للحروب التي لا تنتهي»، لكنه في الوقت ذاته هدّد نظيره التركي بعدم المضيّ قُدماً في العملية التي أيّدها للتوّ، ثم قال: «إذا فعلت تركيا ما أعتبره، بحكمتي التي لا نظير لها، تجاوزاً للحدّ، فسأقضي على الاقتصاد التركي وأدمّره بشكل كامل». بحلول ظهر يوم الاثنين، نشرت وزارة الدفاع بياناً تعلن فيه معارضتها العملية، لكن «الذعر» كان قد بدأ بالفعل.

في هذا الوقت، انهالت الانتقادات على الرئيس الأميركي بعد ساعات قليلة من إعلانه إخلاء الساحة في شمال شرق سوريا لتركيا، وتصاعدت الأصوات، حتى ضمن معسكره الجمهوري، رافضةً هذه الخطوة، ومهدّدة بالتوجه إلى الكونغرس لعرقلة تنفيذها. البعض وصف القرار بـ«الخطأ الفادح»، والبعض الآخر بـ«الكارثة»، لكنه بالنتيجة يطرح مجدّداً مسألة طريقة إدارة ترامب لملفات السياسة الخارجية وتعاطيه مع من يُفترض أنهم «حلفاء» واشنطن. توالت ردود الفعل المستهجنة للقرار من قِبَل كبار المسؤولين في المعسكر الجمهوري تباعاً. إذ سارع السيناتور ليندسي غراهام إلى وصفه بـ«الكارثي»، معتبراً أن «التخلي عن الأكراد سيعدّ وصمَة عار على جبين أميركا». وذهب إلى أبعد من ذلك، عندما هدّد بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الشيوخ لإجبار ترامب على التراجع. أما سيناتور فلوريدا، ماركو روبيو، فوصف قرار الرئيس بـ«الخطأ الفادح الذي سيترك تداعيات تتجاوز حدود سوريا». ورأى زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، من جهته، أن أيّ انسحاب «متسرّع» سيصبّ في مصلحة روسيا وإيران والنظام السوري. أمام ردود الفعل تلك، سعت الإدارة الأميركية إلى استيعاب المسألة والتقليل من أهمية موقف الرئيس. وقال مسؤول أميركي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن «ما نقوم به هو سحب بضعة جنود منتشرين على الحدود، إنه عدد صغير للغاية على مسافة محدودة جداً»، مضيفاً إنه «عدا ذلك، لم يتغير وضعنا العسكري في شمال شرق سوريا».

واقعاً، لم تفِ الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه «المنطقة الآمنة». تنقل «واشنطن بوست» عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله إنه «كان لدى الرئيس التركي، دائماً، منطقة آمنة بديلة في ذهنه… على افتراض أننا سنغادر وسنترك الأمر لهم». في المكالمة التي جرت بينهما يوم الأحد، أطلع إردوغان ترامب مباشرة على نسخته هذه. وأضاف المسؤول إنه خلال المكالمة ذاتها أبلغ الرئيس الأميركي نظيره التركي أنه لا يدعم الغزو، وأن واشنطن لن تكون شريكاً فيه. كما عرض عليه ما سمّاه المسؤول «حزمة جيدة حقاً» من الحوافز لعدم المضي في العملية، بما في ذلك زيارة رئاسية (أعلن عنها في تشرين الثاني/ نوفمبر)، واستئناف مبيعات مقاتلات «أف 35» التي توقفت بعد شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400».

داخل الحكومة الأميركية، ثمة مخاوف كبيرة في شأن كيفية تعامل ترامب مع الملف السوري، وما قد يأتي بعد «الغزوة» التركية. يردّد الرئيس الأميركي أن تركيا باتت مسؤولة، راهناً، عن عشرات الآلاف من مقاتلي «داعش» وأفراد أسرهم المحتشدين في معسكرات في شمال شرق سوريا، لكن أحداً لا يعرف ما سيحدث. انهارت الاستراتيجية الأميركية غير المتماسكة والمفتقرة إلى الموارد في سوريا، وهناك العديد من العواقب المحتملة، وكلها «سيئة»، من وجهة نظر المؤسسات المعارضة للبيت الأبيض، وخصوصاً أنه «لا وجود لخطة بديلة»، بحسب ما يؤكد المسؤول المذكور.

الاخبار

“الجيش الوطني” الجديد: ما هي الأدوار المقبلة؟

بعد مباحثات مطولة بين “الجيش الوطني” العامل في مناطق (غصن الزيتون) و (درع الفرات)، والمتمثل في الفيلق الأول والفيلق الثاني والفيلق الثالث، وبين “الجبهة الوطنية للتحرير” الموجودة في إدلب وأرياف حماة واللاذقية وحلب؛ أُعلن اندماج الطرفين تحت مظلة وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة التي أقامتها المعارضة السورية، ويرأسها اللواء سليم إدريس، وزير الدفاع في هذه الحكومة، وذلك بغية توحيد القرار العسكري في الشمال السوري.

وفي أثناء الإعلان عن الاندماج، قال رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى: إن هذا الجيش الجديد الموحد (الجيش الوطني الجديد) “سيواصل تحرير البلاد من الاستبداد والطائفية، وسيقوم بالحفاظ على وحدة وسلام الوطن، وسيعمل على تحرير كل شبر من سورية، وإعادته إلى أصحابه من السوريين الحقيقيين، وبخاصة أهالي منطقة شرق الفرات، بعد ما عانوه من ظلم وتهجير”، وإن وزارة الدفاع “ستسخر كافة إمكانياتها للدفاع عن مناطق سيطرة فصائل المعارضة في الشمال السوري”.

وبذلك يكون رئيس حكومة المعارضة قد حدد مهام هذا الجيش الجديد، بثلاثة محاور: حماية شمال غرب سورية، ومحاربة قوات النظام السوري حيثما وُجدت، وأيضًا المساعدة في التخلص من القوات الكردية في مناطق شرق الفرات (شمال شرق سورية).

تم الاتفاق على أنه سيتم العمل على هيكلة وتشكيل الإدارات والهيئات داخل هيئة الأركان العامة، على مبدأ المناصفة والمشاركة بين الفيالق الثلاثة والجبهة الوطنية.

وأفاد قائد عسكري في “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تتمركز في مناطق الغاب في الساحل السوري، لـ (جيرون)، أن العدد الحالي للجيش بقيادة وزارة الدفاع “يصل إلى ما يقارب من 110 آلاف مقاتل، وهو منتشر على كامل الشمال السوري المحرر، وتسليحه جيد”، حيث “يمتلك الأسلحة الثقيلة، كالدبابات وعربات ناقلة للجنود، ورشاشات متوسطة، وراجمات صواريخ غراد، إضافة إلى مدافع ميدانية وهاونات”.

وقال المصدر العسكري إنه “سيتم الاعتماد على الجيش الوطني، بتشكيلته الجديدة، بعد الاتحاد مع جبهة التحرير الوطنية، في الدفاع عن المناطق (المحررة) في الشمال السوري”.

وكانت (الجبهة الوطنية) سابقًا خاضعة لـ (الجيش الوطني) من حيث التنظيم فقط وتعترف به، وكان مجلس قيادة الجبهة، والمؤلف من قادة الفصائل المنضوية ضمن الجبهة الوطنية، هو صاحب الحسم في القرارات المهمة.

وعلى الرغم من أن خطوة الاندماج العسكري هذه تُعدّ متأخرة جدًا، بعد ثماني سنوات من الاستفراد بالرأي والقرارات العسكرية لكل فصيل في المنطقة التي يسيطر عليها، وغلبة المناطقية والتوجه بشكل أو بآخر بحسب أجندات الدول الداعمة، سواء الإقليمية أو الدولية، يتبيّن من تصريحات الأطراف المختلفة أن هذه الخطوة لا تزال مرحبًا بها من قبل الجميع.

وحول هذا الموضوع، قال القائد العسكري: “هذه الخطوة ضرورية جدًا، خاصة في ظل الحديث عن حل سياسي، فلا بد من وجود جيش مُنظّم للثوار، للحفاظ على تضحياتهم والمشاركة في بناء سورية المستقبل، من دون عصابات الأسد، وكل من ارتكب المجازر بحق الشعب السوري” بحسب قوله.

و(الجيش الوطني) هو قوة شكّلتها وتدعمها تركيا من مقاتلي ما كان يُطلق عليه تسمية “الجيش السوري الحر”، لمواجهة تنظيمي (داعش) و(وحدات الحماية الكردية) في مناطق عمليات (درع الفرات) و(غصن الزيتون)، أما (الجبهة الوطنية للتحرير) فهي تجمّع عسكري يضم عددًا من فصائل “الجيش الحر”، إضافة إلى فصائل معتدلة مدعومة من تركيا في مقدمتها (فيلق الشام)، ويصل تعداد (الجيش الوطني) إلى 35 ألف مقاتل، بينما يفوق عدد مقاتلي (الجبهة الوطنية) سبعين ألف مقاتل.

حول المهام المقبلة، قال ناجي العلي، الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، لـ (جيرون): “إن الجيش الوطني، بعد توحد الفصائل كلها تحت لوائه، واندماج جبهة التحرير الوطنية معه، سيكون له دور أساسي في حماية وحفظ الأمن في مناطق (درع الفرات وغصن الزيتون)، إضافة إلى المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها في الشمال السوري، في حال تم تشكيلها”.

وأضاف: “سيكون للجيش الوطني الجديد مشاركة واضحة ودور كبير في الدفاع عن إدلب، وفي المعركة لتحرير المناطق شرق الفرات من المنظمات الإرهابية: PYD وPKK، والجيش الأسدي، وحفظ أمنها فيما بعد”. وأوضح: “جاءت هذه الخطة نتيجة مفاوضات طويلة بين الجيش الوطني، وجبهة التحرير الوطنية، وسيتحول الجيش الوطني، من الحالة الفصائلية إلى الحالة المؤسساتية، كمؤسسة عسكرية أكثر تنظيمًا وتعتمد على الكفاءات والقدرات، وذات خبرة عسكرية مميزة”.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، أن بلاده ستنفذ عملية جوية وبرية شرق الفرات في سورية، من أجل “إرساء السلام هناك”، وأكّد أن هذه العملية “باتت قريبة إلى حد يمكن القول إنها ستحدث اليوم أو يوم غد”، في ردة فعل على مماطلة الولايات المتحدة بإنجاز اتفاق حول إقامة منطقة آمنة شمال سورية، وفق ما تريد تركيا.

تبقى (هيئة تحرير الشام) “جبهة النصرة” سابقًا، موجودة في المناطق التي تسيطر عليها (الجبهة الوطنية للتحرير)، وغير موجودة في مناطق (درع الفرات) و(غصن الزيتون) التي تقع تحت سيطرة (الجيش الوطني) قبل التوحد، وكانت المفاوضات التركية – الروسية قد انتهت إلى وجوب حل (هيئة تحرير الشام) نفسها، المصنفة كمنظمة إرهابية دوليًا، كشرط لإيقاف الضربات الروسية الجوية على إدلب، حيث يُتخذ وجود الهيئة في المنطقة ذريعةً لاستهداف الفصائل العسكرية، والمنشآت المدنية الحيوية، كالمدارس والمستشفيات.

من غير المعروف موقف (هيئة تحرير الشام) من هذا الاندماج، ويحاول القائمون عليه التخفيف من وطأته على (الهيئة)، والتأكيد أنه لن يستهدف (الهيئة) كقوة عسكرية، ولا ذراعها الخدمي (حكومة الإنقاذ)، حيث قال مروان النحاس، رئيس المكتب السياسي للجبهة الوطنية: “لا إشكال بيننا وبين الإخوة في (هيئة تحرير الشام). هذا التجمع لقتال النظام وداعميه فقط، ولم نقم به لمواجهة الهيئة، ونأمل ونحاول ألا يكون هناك أي خلاف بيننا وبينهم”.

أما عن توقيت هذا الاندماج العسكري، فيأتي في الغالب لسببين: الأول مواجهة أي عمل عسكري، يمكن أن يقوم به النظام السوري والداعمون له على إدلب، في ظل عدم وجود اتفاقية حقيقية لوقف إطلاق النار، على الرغم من أن إدلب تحكمها اتفاقيات أستانا وسوتشي بين الضامنين الثلاثة (تركيا، إيران، روسيا)، والثاني السعي ليكون موقف المعارضة السياسية السورية أقوى في الحراك السياسي، خاصة أن اجتماعات اللجنة الدستورية ستعقد في جنيف نهاية الشهر الجاري، ومن المهم أن يكون هناك أوراق قوة بيد المعارضة السورية في مفاوضاتها ضمن هذه اللجنة.

من الواضح أن (الجيش الوطني) بتشكيلته الجديدة سيكون له دور (إن لم يكن هو رأس حربة) في العملية العسكرية التي تتحدث عنها تركيا في شرق الفرات، ولا يبدو أنه سيكون من أولوياته أي مواجهة مع (هيئة تحرير الشام) الإرهابية، في الوقت الراهن على أقل تقدير.

وينتظر السوريون أن يفهموا بدقة ما هو الدور المقبل لهذا الجيش الكبير، وما مدى قدرته على اتخاذ القرارات الحاسمة، وهل سيكون له دور فاعل على المستوى الجغرافي الوطني السوري، وهل هو أفضل من لا شيء في المرحلة التي يكاد ينتهي فيها العمل المسلح؟ وهل سيكون وصول المعارضة العسكرية السورية متأخرة خيرًا من أن لا تصل أبدًا؟

جيرون

 تحية الى البرزاني ونصيحة الى أردوغان/ جرجيس كوليزادة

الموقف السياسي والمخاوف التي ابداها السيد رئيس اقليم كردستان السابق مسعود البرزاني تجاه العدوان العسكري التركي على روزئافاوشمال سوريا، يثنى عليه خاصة وانه من الحلفاء المقربين من الرئيس التركي اردوغان، وتحركاته باتجاه وقف العدوان على شعبنا الكردي في سوريا من خلال لقاءاته مع وزير الخارجية الروسي والسفراء الاوربيين واتصالاته مع الدبلوماسيين لحث دولهم على التنديد بالعدوان والمطالبة بوقفه وسحب القوات التركية من روزئافا داخل الاراضي السورية تحرك ايجابي لحماية الكرد من مآسي وويلات الحروب التي تشنها انقرة على الحركات والممثليات الوطنية للمكونات القومية السورية بين فترة واخرى بحجة محاربة المنظمات الارهاب وداعش، بينما السلطة التركية هي بالاساس الممول الدولي والحاضنة الاقليمية للعناصر الارهابية لدولة الخلافة الاسلامية، واحداث السنوات الماضية أثبتت ان اراضي تركيا معبر اساسي لمرور العناصر البشرية والموارد اللوجستية الى داعشداخل سوريا.

وكذلك عبرت حكومة الاقليم ورئيسها عن المخاوف من تعرض المنطقة الكردية في سوريا الى تغييرات ديموغرافية لدوافع عنصرية تركية، وتعرض شعبنا الكردي الى نزوح جماعي ومآسي انسانية، ولا شك ان هذه التحركات السياسية الكردية باقليم كردستان تجاه نصرة شعبنا في روزئافا بقيادة البرزاني ورئيس حزب الطالباني كوسرت رسول علي شكلت نقطة تحول لبناء وارساء موقف جماعي حكيم عن الاقليم المعترف به عراقيا واقليميا ودوليا، وذلك لايصال رسالة السلام الكردية الى جميع دول وشعوب المنطقة والعالم، والعمل على بيان وكشف العنصرية والغطرسة العدوانية التي يتحلى بها النظام التركي بقيادة اردوغان وحزبه العدالة والتنمية، والمعروف للجميع ان التنظيمات السياسية والامنية الكردية للادارة الذاتية في شمال سوريا لم ترتكب اي عمل عسكري او ارهابي ضد تركيا داخل اراضيها ولا خارجها، وما يتبجح به الرئيس التركي العثمانلي اردوغان مجرد اكاذيب وافتراءات لتبرير سياساته وخطواته وفقا لنزعاته العدوانية واحلامه التوسعية وتطلعاته العنصرية.

ومن منطلق “جادلهم بالتي هي احسن” نسأل الرئيس التركي اردوغان، لماذا هذا الاصرار على عدائية النظام للامة للشعب الكردي في تركيا وسوريا والعراق وايران، ولماذا هذا الالحاح المقيت على لصق الارهاب بالكرد بينما الارهاب الداعشي كشف ان خير من مثل الانسانية للوقوف بوجه داعش كان الشعب الكردي في سوريا والعراق، وقد دفعوا شهداء بالالاف وقدموا جرحى ومصابين بعشرات الالوف، والمجتمع الانساني والتحالف الدولي شاهدان على هذه الحقيقة الساطعة، وبدلا من تكريم هذا العطاء النضالي الانساني النبيل للكرد، يعامل بانكار الجميل من قبل الرئيس الامريكي ترامب، ويقابل بعدوان صارخ من قبل النظام التركي ومن قبل رئيسه العنصري، بينما كان المفروض وخاصة على السيد اردوغان ومن باب التعقل والحكمة الاستفادة من الطاقات والموارد الحيوية التي يمتلكها الكرد وخاصة في تركيا وسوريا، والاستعانة بها في تقديم نموذج سياسي حكيم داخل تركيا وسوريا مفعم ومبني اساسا على قيم ومباديء حقوق الانسان واسس المواطنة الصحيحة، وكان ممكن لحزب العدالة والتنمية الاستفادة من المعطيات الاقتصادية والانتاجية والاجتماعية للكرد كموارد جديدة مضمونة لتقوية بنيان الاقتصاد التركي، وكذلك كان ممكن للمؤسسات العسكرية التركية الاستفادة من القدرات القتالية العالية التي يمتلكها المقاتل والمحارب الكردي في تركيا وسوريا، وتوظيف هذه القدرات الدفاعية والهجومية ضمن خدمات وبرامج وانظمة انسانية بسياقات دول وشعوب المنطقة في الشرق الاوسط كان باعثا لجلب السلام والخير والامن والاستقرار الى جميع ربوع المنطقة.

ولكن الحقيقة والواقع عكس ما يتمناه المرء، والرياح تجري بما لا تشتهيها السفن، فالنظام التركي ممثلا باردوغان وخاصة بعد فرض النظام الرئاسي تحول الى رئيس موحش حمل كل نوايا الشر والعدوان والغطرسة تجاه الشعب الكردي المسالم وتجاه المواطنين الكرد في تركيا، وتجاه شعب الشجعان في شمال سوريا، وتجاه كرد اقليم كردستان بحجج واهية، ولا ندري ما سبب هذا العداء اللامحدود تجاه شعب مظلوم اساسا منذ قرون ومنذ عقود طويلة، وان كان من جواب نأمل ان يكون كافيا لتفسير الظاههرة الاردوغانية.

في الختام نتوجع بالتحية الى السيد البرزاني لموقفه تجاه روزئافا ورده على الرئيس ترامب بان الدم الكردي اغلى واثمن من المال والسلاح، ونتوجه بنصيحة ودعوة انسانية الى السيد اردوغان كفاية كفاية حروب وعداوات وجر عدوان على شعبنا الكردي الاصيل في تركيا وسوريا، كفاية خراب ودمار، كفاية قتل وسفك دماء، فقد حان زمن الحوار والجدال، وجاء الفتح الانساني في الحضارة المتقدمة للعالم المعاصر ليرمي بخيمة عالمية تسع لكل الناس والامم والشعوب من اجل ارساء السلام والخير لكل البشر، والترك والكرد والعرب والفرس مكونات رئيسية لشعوب الشرق الاوسط، وحان الوقت لهذه الملل والامم ان تعقد شراكة حقيقية للسلام والاستقرار والتعايش والعيش المشترك فيما بينها خدمة للجميع وخدمة لكل الانسانية.

ايلاف

إردوغان والتخلص من السوريين/ عبد الرحمن الراشد

الغزو التركي لسوريا قوبل بالتنديد به من كل الدول الكبرى، ومعظم دول المنطقة على اختلاف توجهاتها السياسية. لم يكن الرئيس رجب طيب إردوغان مضطراً للإقدام على ارتكاب هذه الخطوة الخرقاء. وحتى رغبته في اقتلاع التنظيم الكردي السوري غير مبررة. «قسد» هو واحد من عشرات التنظيمات في الحرب الأهلية السورية، وهناك أكثر منها خطراً، مثل ميليشيات إيران التي تستوطن في مناطق قريبة من حدود بلاده، شمال غربي سوريا.

عندما يغزو سوريا، ويعلن أنه يريد تصفية أكراد سوريا، والتخلص من مليوني سوري لاجئ، نحن أمام قضية ذات أبعاد إنسانية وقانونية، وبالطبع سياسية، خطيرة على المنطقة. وفشلت تبريرات إعلامه، وإعلام قطر، الوحيد في المنطقة المساند لعملية تهجير اللاجئين السوريين، ويحاول أن يقارن بينه وبين التحالف في حرب اليمن؛ متجاهلاً أن شرعية التحالف جاءت من مصدرين يكفي أحدهما للتدخل العسكري: من الحكومة الشرعية اليمنية، ومجلس الأمن الدولي.

تركيا لا تستند في غزوها إلى أي إذن من الأمم المتحدة، ولا إلى حق مشروع في الدفاع من هجوم عليها، وهذا ما يجعله عدواناً صريحاً وفق القانون الدولي.

إردوغان أرسل جيشه لاحتلال منطقة واسعة، بعرض نحو خمسمائة كيلومتر وعمق ثلاثين كيلومتراً، وتهجير مليوني سوري لاجئ إليها، مما سيزيد من معاناة الشعب السوري، وجعل اللاجئين هدفاً لقوات النظام السوري وميليشيات إيران، وإدخالهم في نزاعات عرقية مع سكان المنطقة. ويعترف إردوغان بأنه ينوي استخدام السوريين كحاجز بشري ضد المسلحين الأكراد.

عندما كان العالم يحث تركيا على التدخل قبل سبع سنوات، لوقف عمليات الذبح والتدمير من النظام السوري، في المناطق المجاورة لتركيا مثل محافظة حلب، كان إردوغان يرفض مد يد العون والضغط على دمشق. الإيرانيون والروس قطعوا مسافات بعيدة للتدخل، وإردوغان امتنع عن أي عمل، مع أن أوروبا ومعظم دول العالم آنذاك كانت مستعدة لمنحه الغطاء القانوني والدعم اللوجستي. المذابح المروعة جرت على مرمى حجر من وجود الجيش التركي، الذي يقول إنه رابع جيش في العالم.

تركيا إن لم تتراجع وتنسحب، فإن سوريا قد تقضي على إردوغان سياسياً داخل بلاده التي فقد فيها معظم مؤيديه، وأمس قام باعتقال عشرات الإعلاميين الذين انتقدوه. الأصوات التركية الناقدة التي تجرأت ضده، اتهمت إردوغان بأنه لجأ للغزو في محاولة للهروب من أزماته الداخلية، ورص الصفوف خلفه، واعداً المتطرفين الأتراك بالتخلص من اللاجئين السوريين، ومواجهة الأكراد الانفصاليين.

إنه يخلق منطقة أكثر اضطراباً وفوضى على حدود بلاده، معتقداً أنها ستحميه، وهي قد ترتد عليه وتهدد أمنه الداخلي.

الشرق الأوسط

تل أبيض مُجددًا: مفتاح للعودة؟/ إبراهيم العبد الله

أفاد ناشطون محليون أن حواجز أمنية تابعة لميليشيا (وحدات حماية الشعب) الكردية، التي تُسيطر على منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي منذ صيف العام 2015، قد منعت مدنيين عربًا في مدينة تل أبيض وبلدة رأس العين من المغادرة، في وقت نقل فيه أمنيون وعسكريون وتُجار أكراد أُسرهم إلى بلدة عين العرب، على إثر سحب الأميركيين قوة لهم كانت تُرابط داخل مدينة تل أبيض.

تأتي هذه الممارسات، في ظل تزايد المؤشرات على عملية عسكرية تركية على طول الشريط الحدودي، بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.

وقد حاولت أُسر عربية الخروج من تل أبيض وبعض القرى القريبة منها، خشية تحولها الوشيك إلى ساحة حرب، بحسب ما تُشير الدلائل على الأرض، وبعدوى الخوف الذي شاع في المنطقة بعد سحب قادة وتجار أكراد أسرهم من المدينة التي كانوا يُسيطرون عليها برعاية من التحالف الدولي، وخاصة بعد تواتر أنباء، لم تتأكد تفاصيلها حتى الآن، عن انشقاقات حدثت في ميليشيا (قسد) في تل أبيض على أساس قومي. إذ ذكرت صفحات محلية على وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا عن انشقاق 45 عنصرًا، واختبائهم في بيوت مواطنين بتل أبيض والقرى القريبة.

عملية منع الأُسر العربية من مغادرة ما يمكن أن يتحول خلال ساعات إلى ساحة حرب، فسّرها الناشطون بوصفها محاولة من الميليشيا الكردية لاتخاذها دريئة ودرعًا بشرية أمام الهجوم التركي المحتمل، لا سيّما مع احتمال مشاركة قوة من أبناء المنطقة الذين سبق للميليشيا الكردية تهجريهم منها، في القتال إلى جانب القوات التركية. إذ سيجد هؤلاء المقاتلون أنفسهم أمام مأزق نفسي وأخلاقي، فوجود هذه الأُسر في منطقة القتال سيحد من فاعليتهم، وربما يجعلهم يستنكفون عن القتال، ما دامت أسرهم وأقرباؤهم على الجانب الثاني من خطوط القتال.

أخبار الانسحاب المؤكد لأكراد من تل أبيض كما أخبار الانشقاقات، إن صحت، تُشكل مؤشرًا مهمًا إلى مسألتين يُحتمل أن تتوضحا أكثر خلال الساعات القليلة القادمة: المسألة الأولى هي اقتصار المعركة العسكرية -إن حدثت- على مناطق محدودة، ليست عين العرب ضمنها، ما دامت الأُسر المُنسحبة قد توجهت إلى هذه البلدة. والثانية هي احتمال تداعي الهيكل البشري لـ (قسد) حال حدوث أعمال عسكرية فعلية، نظرًا لأن معظم العرب المُجندين في هذه الميليشيا هم أشبه بالمختطفين الذي يؤدون خدمة مفروضة عليهم، فيما اضطر جزء منهم إلى ذلك بفعل الأوضاع الاقتصادية الكارثية التي مرت بها المنطقة، سواء أثناء سيطرة تنظيم (داعش) عليها أو بعد السيطرة المركبة للتحالف والأكراد عليها.

وكانت الميليشيا الكردية قد ركزت عمليات اعتقال الشبان، بغية تجنيدهم في صفوفها، بمنطقة تل أبيض المحاذية للحدود مع تركيا منذ سيطرتها عليها في حزيران/ يونيو 2015، ولهذا فإن احتمالات الانشقاق ستتزايد مع تزايد احتمالات المواجهة العسكرية وقرب الخلاص من القضبة الأمنية لوحدات حماية الشعب الكردية على المنطقة.

في السياق ذاته، نقل ناشطون محليون أخبارًا عن اشتباك محدود بين عناصر حاجز أمني، في قرية حزيمة الواقعة على بعد 35 كم إلى الشمال من الرقة، وعلى الطريق الواصل بين الرقة جنوبًا وتل أبيض وعين عيسى شمالًا. الاشتباك كما نقل هؤلاء الناشطون جاء على خلفية قومية، بين عناصر عرب وآخرين أكراد، دون أن تتوضح ملابساته أو نتائجه.

سكان ريف الرقة الشمالي، وعموم سكان الرقة، منقسمون كالعادة، حول احتمالات حدوث تدخل عسكري تركي في منطقة تل أبيض إلى ثلاثة أجزاء، لكل منها حساباته وأسبابه. القسم الأعظم من السكان يخشى حدوث حرب جدية، بعد ما خبر من قتل وتهجير وتدمير خلال السنوات السابقة، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية. فيما تخشى أقلية ضئيلة على مصالح شخصية، نمت بسرعة وقوة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بالشراكة مع الميليشيا الكردية، وهؤلاء هم مَن انخرطوا في مشروع هذه الميليشيا على الصعيد الإداري أو السياسي أو الأمني والعسكري. أما القسم الثالث فهو ذاك الذي يميل إلى الترحيب بعملية عسكرية تركية ضد الميليشيا الكردية، لأسباب سياسية وقومية دون مواربة. وهؤلاء بمعظمهم هم ضحايا المشروع الكردي في الجزيرة السورية، مِمَن هُجروا من بيوتهم وأراضيهم إبان سيطرة (داعش) على المنطقة، وهؤلاء منحازون إلى الثورة عمومًا، ويتحينون فرصة العودة، أو مِمَنْ هجرتهم الميليشيا الكردية وجرفت بيوتهم واستولت على أراضيهم، وأسكنت فيها لاحقًا عناصرها من الأتراك والعراقيين خلال وبعد الحملة العسكرية على تنظيم (داعش)، سواء بسبب انتسابهم إلى (داعش) فعلًا، أو لاتهامهم بذلك لدفعهم إلى النزوح. ومعظم هؤلاء الأخيرين موجودون اليوم في تركيا.

في الأحوال كافة، تبدو البنية الداخلية للمنطقة مفتوحة على احتمالات عديدة، بفعل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة، لكن أيضًا بفعل الضعف الذي أحدثه تنظيم (داعش) في هيكلها الاجتماعي، الأمر الذي يبدو وكأنه سيستمر طويلًا، وسيخلف مشكلات كبيرة في المستقبل.

جيرون

لعبة كل الخاسرين في سوريا/ أمير طاهري

على الرغم من استمرار التكهنات غير المحسومة بشأن الغزو التركي المحتمل لسوريا، ربما نشهد في الآونة الراهنة تناطحاً بين ثلاثة طموحات تعتبر ذات شرعية راسخة من وجهات نظر أصحابها.

ويقبع في إحدى زوايا هذا المثلث الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أشعل المرحلة الراهنة من الأزمة عبر تغريدة أعلن فيها إنهاء الوجود العسكري الأميركي في سوريا. مما يعني التخلي عن الأكراد من حلفاء واشنطن الذين بذلوا الجهود الكبيرة في هزيمة «تنظيم داعش» الإرهابي، متكبدين جراء ذلك أكثر من 11 ألف قتيل. ومن شأن الانسحاب الأميركي أن يترك هؤلاء الأتراك رهينة هجمات القوات التركية المتفوقة عسكرياً، سيما وأن أنقرة تخلع عليهم لقب «الإرهابيين». وصار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يتحدث علانية عن «التطهير العرقي» ضد الأكراد السوريين في جزء من خطته الرامية إلى إقامة المنطقة الآمنة داخل سوريا لإعادة توطين أكثر من مليون لاجئ عربي سوري يقيمون حالياً في مخيمات الإيواء التركية.

لكن، لماذا يعد قرار الرئيس الأميركي شرعياً من وجه نظره ووجهة نظر أنصاره؟

منشأ ذلك هو الوعود الانتخابية التي أطلقها الرئيس الأميركي إبان الانتخابات الرئاسية الأميركية الأولى؛ إذ تعهد بإنهاء «الحروب غير المنتهية»، التي يزعم أن أسلافه من الرؤساء الأميركيين قد أشعلوها في منطقة الشرق الأوسط. ولا ينبغي لأسلوب السيد ترمب المميز للغاية في صناعة القرارات السياسية أن يُخفي عن أعيننا حقيقة أن السواد الأعظم من أبناء الشعب الأميركي لم يعودوا راغبين في إنفاق المزيد من الأموال وإزهاق المزيد من الأرواح في حروب بعيدة للغاية لا تعود بأي تأثير مباشر أو غير مباشر على حياتهم. وحتى إن أفضى الانسحاب العسكري الأميركي إلى عودة «تنظيم داعش» الإرهابي من جديد، فلا يمكن اعتباره ممثلاً لتهديد وجودي أو حقيقي على الولايات المتحدة التي تبعد سواحلها عن الشرق الأوسط بعشرة آلاف كيلومتر على الأقل. كذلك فإن ظهور «داعش» من جديد لن يشكل خطورة مثيرة للقلق على المصالح الأميركية في المنطقة بأكثر مما يشكله النظام الخميني الحاكم المستأسد من داخل طهران.

مر الوقت الذي كانت الولايات المتحدة في أمسّ الحاجة لوجود عسكري هائل في قلب المنطقة، بغية ضمان استمرار تدفق إمدادات النفط العالمية لنفسها وللأسواق الدولية بصفة عامة. أما الآن، صارت الخشية من نفاد النفط في الوقت الراهن هي أقل ما يساور أي رئيس أميركي أو إدارته من قلق. كما أتاحت نهاية حقبة الحرب الباردة المجال لتطبيق قانون تناقص العائدات إزاء الوجود الأميركي في الشرق الأوسط. إن استراتيجية «احتواء المعتدي» لخبير السياسة الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس إلى استراتيجية «الحزام الإسلامي الأخضر» لداهية السياسة زبيغنيو بريجينسكي بغية تضييق الخناق على الاتحاد السوفياتي، صارتا جزءاً من التاريخ المنصرم كمثل منافسة الاتحاد السوفياتي سواء بسواء.

ومن زاوية الهيئة والهيبة، قد يكون هناك مبرر مسوغ لقرار الرئيس الأميركي. فلقد تعرض الرئيس جورج دبليو بوش للسخرية التي بلغت حد التشهير العلني جراء تدخله العسكري في العراق، كما كيلت الانتقادات اللاذعة الشديدة ضد خليفته باراك أوباما لعدم تدخله العسكري في سوريا. ونظراً للانتقادات التي طالت الولايات المتحدة سواء تدخلت أو هي أحجمت، فلن يكون هناك فارق يُذكر فيما يقوله الآخرون الآن، ولا سيما المناهضون اللطفاء للسياسات الأميركية في أوروبا، بشأن قرار الانسحاب الذي أعلنه دونالد ترمب.

فماذا عن الشعور بالشرعية على الركن التركي من المثلث؟

هناك أيضاً، يمكن طرح المبررات المسوغة لرغبة إردوغان تحويل جزء من الأراضي السورية على الحدود التركية المشتركة إلى حاجز لتطويق التوغلات العسكرية الكردية داخل الأراضي التركية.

وعلى مدى ما يقرب من أربعين سنة، تواصل القوات التركية قتال حزب العمال الكردستاني – الذي يحاول اجتزاء دولة كردية في هضبة الأناضول التركية.

تسببت حرب العقود الأربعة في استنزاف هائل للموارد الاقتصادية التركية، وتباطؤ الإصلاح الاجتماعي والسياسي في البلاد، وتسهيل ظهور النزعة الإردوغانية، التي هي عبارة عن مزيج شديد الغرابة من الشوفينية التركية والنزعة الإسلاموية بصبغتها المستمدة من مبادئ الإخوان المسلمين على اعتبارها الآيديولوجية السائدة – راهناً – في البلاد. ويعتقد بعض المحللين، أنه من دون تلك الحرب، لكانت تركيا أصبحت دولة ديمقراطية تامة وعضواً كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي.

والمفارقة المثيرة للاستغراب أن إردوغان ورفاقه قد اجتاحوا السلطة في بداية الأمر اعتماداً على الأصوات الكردية، ذلك لأن حزب العمال الكردستاني كان يعتبر كل شخصية تعارض النخبة الحاكمة الكمالية الأتاتوركية حليفاً وثيقاً له.

ونجح إردوغان في قطع خط الرجعة على حزب العمال الكردستاني في العودة إلى أي موقع كان يحتله من قبل على صعيد السياسة، ناهيكم عن وجود ملاذ آمن له على الأراضي التركية، وربما في الأراضي الأخرى التي تنتشر فيها الطوائف والأقليات الكردية الأخرى. ثم أبرم إردوغان تحالفاً مع الأكراد العراقيين الذين أغلقوا مناطقهم المتمتعة بالحكم الذاتي في وجه وحدات حزب العمال الكردستاني المسلحة. كما توصل إردوغان إلى تفاهم مناوئ للأكراد مع الملالي في طهران، محاولاً بذلك إنهاء 30 عاماً من الوجود الآمن لعناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي الإيرانية. وعلاوة على ما ذكرنا، يعمل الأتراك على تشييد جدار بطول 48 كيلومتراً على الحدود الإيرانية التركية للحيلولة دون تسلل الأكراد على نطاق صغير إلى الأراضي التركية.

وخطة إردوغان الرامية إلى إنشاء جيب تحت سيطرة أنقرة داخل سوريا تحظى بشعبية جيدة في تركيا تماماً، كما يحظى قرار ترمب بالانسحاب من سوريا بشعبية واضحة في الولايات المتحدة.

أما الركن الثالث من المثلث، يقبع فيه الأكراد الذين يدافعون عن شرعية قضيتهم. ومن بين الجماعات اللغوية السبع عشرة الكبرى التي لا تزال من دون دولة تجمعهم على مستوى العالم، يعد الأكراد هم الأكبر من حيث تعداد السكان. وهم منتشرون بين تركيا، وسوريا، والعراق، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، وجورجيا منذ أزمنة بعيدة. وبدأت تطلعاتهم للانفصال وإقامة الدولة المستقلة بهم في أعقاب الحرب العالمية الأولى وما تمخض عنها من سقوط ثم تفكك الإمبراطورية العثمانية. ثم تعهد الرئيس الأميركي الراحل وودرو ويلسون للأكراد بإقامة الدولة الخاصة بهم، لكن سرعان ما تناسى خلفاؤه تلك التعهدات. وإبان الحرب العالمية الثانية، تعهد إليهم جوزيف ستالين بإقامة دولتهم وحاول على نحو موجز اقتطاع جزء معتبر من الأراضي الإيرانية لذلك الغرض. ومع ذلك، فسرعان ما رجع ونكث في وعوده للأكراد مقابل الحصول على حصة من النفط الإيراني. وفي سبعينات القرن الماضي، جاء دور الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من خلال وزير خارجيته آنذاك – الذي كان يشبه نفسه بالدبلوماسي النمساوي القديم والبارز كليمنس فون ميترنيش – الذي خدع الأكراد في العراق هذه المرة ثم تركهم متخلياً عنهم عندما انقضت مآربه السياسية منهم. وكان تاريخ الطعنات التي تلقاها الأكراد في ظهورهم طويلاً وبالغ القسوة.

ماذا لو كان المثلث الذي أشرنا إليه يحمل زاوية رابعة غير مرئية؟

سوف تكون هذه الزاوية مخصصة للولايات المتحدة من دون شك. وهي القوة العظمى ومبتكرة النظام العالمي الحالي، والحارس الوصي على القانون الدولي المعروف لفترة لا تقل أبداً عن سبعة عقود كاملة. وعلى مدى ثماني سنوات، تعمد باراك أوباما تجاهل هذه الحقيقة، إذ يلقي خطاباً في كل مرة تثور أزمة من الأزمات وتحتاج إلى موقف أميركي واضح وحازم، وليس بالضرورة أن يكون على سبيل التدخل العسكري، حتى فيما يتصل بالمجريات الدبلوماسية والإجراءات الاقتصادية.

والأهم من ذلك، لا يملك دونالد ترمب الوقت الكافي لإلقاء الخطابات المزمنة الطويلة الخاوية من أي مضمون على غرار باراك أوباما، فهو يفعل نفس الشيء ولكن بأسلوب التغريدات الموجزة القصيرة والهشة. ودائما ما تكون النتيجة هي نفسها: زيادة عدم الفعالية التي يتسم بها النظام العالمي الحالي بكل عيوبه ونقائصه المعروفة. وهذا يعني أن الجميع سوف ينتهي بهم الأمر إلى الخسران، وهم في هذه الحالة تركيا، والأكراد، وسوريا، ومنطقة الشرق الأوسط، وروسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة بالطبع.

الشرق الأوسط

مستنقع الغزو التركي لسوريا/ سلمان الدوسري

ربَّما تكون الاستراتيجية التي اعتادتِ الحكومة التركية عليها في كافة سياساتها، ألَّا تبدو أهدافها الحقيقية كما تعلنها، وعلى هذا المنوال قامت بعملية عسكرية في شمال سوريا تحت غطاء شبه مستحيل التنفيذ، وهو «إعادة اللاجئين» و«منطقة أمنية»، بينما الأهداف الحقيقية مختلفة تماماً، ولا ترتبط بصلة بالعودة المزعومة. فالحقيقة الوحيدة الماثلة للعيان، أن ما جرى هو غزو عسكري تركي لأراضي سوريا، جرى وتمَّ أمام أعين العالم، في استهانة واضحة بأبسط مفاهيم قواعد القانون الدولي. وحتى لو افترضنا جدلاً نجاح العملية التركية في إعادة اللاجئين العرب نظرياً، فإن الملف السوري سيزداد تعقيداً بمخاطر ارتكاب تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي مهول، مع سياسة طرد الأكراد من مناطقهم التي عاشوا فيها مئات السنين، وإعادة توطين مواطنين من مناطق مختلفة في أراضٍ غير أراضيهم، وهنا – لا جدال – سنكون أمام كارثة جديدة بالتأكيد، ستعقِّدُ المشهد أكثر مما هو معقد، وستطيل أمد الحرب في سوريا.

سياسياً، يبدو الرئيس رجب طيب إردوغان في أضعف حالاته، فلا تكفي التعقيدات الداخلية التي يواجهها، ولا الانقسامات التي تتوالى داخل حزب العدالة والتنمية، فها هو يواجه العالم أجمع الذي أدان منذ الدقائق الأولى تدخل بلاده في سوريا، أما اقتصادياً فيواجه إردوغان حقائق عنيدة تؤرق مضاجعه ليلاً ونهاراً، فالليرة تنهار، والدين الحكومي يزداد، والعقوبات أنهكت بلاده، والإنفاق العسكري يثقل كاهل الاقتصاد، في حين يواجه عسكرياً خيارات صعبة ومعقدة، فلا أحدَ يعلم إلى أي مدى ستستمر العملية العسكرية، وما هي العواقب التي سيواجهها في منطقة ملأى بالجماعات المسلحة، ناهيك عن عدم توقع أن الأكراد سيكتفون بالتفرج بينما يستأصلون من وطنهم ويطردون خارجه. من كانت لهم اليد الطولى في طرد تنظيم «داعش»، وأسر الآلاف من عناصره، وجدوا نفسهم فجأة تحت وطأة غزو عسكري أجنبي يستهدفهم، ويراهم جميعاً «إرهابيين».

غني عن القول أن الآلاف من «الداعشيين» الذين تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، في الأساس دخلوا سوريا من بوابة الحدود التركية، ناهيك عن إتاحة الفرصة لـعودة 18 ألف مقاتل «داعشي» آخرين مختبئين في المنطقة، وبالتالي علينا توقع كيف سيكون التعامل التركي معهم، إذا سيطروا على مواقعهم.

صحيح أن الموقف الضبابي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي سحب جنوده من الشمال السوري في إشارة ضمنية واضحة، ساعد إردوغان في اتخاذ قراره بالغزو؛ لكن علينا الأخذ بالاعتبار أن كافة المؤسسات الأميركية تعارض العدوان التركي، وقرار الرئيس ترمب لا يجد دعماً من الكونغرس بجمهورييه وديمقراطييه والبنتاغون. وهنا علينا الانتباه جيداً، أنه متى ما قررت الولايات المتحدة من جديد العودة لدعم الأكراد، وهو أمر وارد، فإن تركيا ستكون في فوهة المدفع، متورطة فيما لا قدرة لها عليه، وستكون قد غزت سوريا بأقدامها على وقع خطب إردوغان الـحماسية منقطعة النظير؛ لكنها بالتأكيد لن تستطيع الخروج من المستنقع الذي سقطت فيه بسهولة، ولن تنفعها عناوين مضللة لعملياتها العسكرية، مثل «غصن الزيتون» و«نبع السلام»، فالأكيد أن ما حدث هو غزو تركي سافر، واحتلال لأراضٍ عربية، وضريبته السياسية والعسكرية المقبلة ستكون مهولة على تركيا ورئيسها.

الشرق الأوسط

عمليات الجيش التركي بنبع السلام.. آمال ومخاوف/ أحمد زيدان

العملية التي طالما انتظرها السوريون والأتراك انطلقت أخيراً لتحرير مناطق شرق الفرات وتحديداً في تل أبيض ورأس العرب من عصابات قسد والبي ي دي واللتان هما في أصلهما وفصلهما الابن الشرعي لحزب البي كي كي الانفصالي الإرهابي الذي سرق أحلام الكرد بالحرية، وسعى إلى سرق الحلم السوري كله بالتحرر من عصابة طائفية استبدادية أذاقت العرب كما أذاقت الكرد وغيرهم مرارة الظلم والعسف على مدى نصف قرن..

وسط آمال السوريين ومخاوفهم وقلقهم انطلقت العملية يحدوهم أمل بتحرير هذه المنطقة مما يجعلها آمنة مطمئنة لبعض اللاجئين والمهاجرين الفارين من استبداد داخلي واحتلال خارجي، ومخاوف بالمقابل أيضاً في أن تطول العملية مما قد يستغلها الأعداء في الخارج ضد تركيا، لاسيما بعد التصريحات السلبية التي رافقتها من قبل أمريكا وروسيا وإيران وأوروبا وبعض الدول العربية المناهضة للربيع العربي وثوراته..

نبع السلام قادم بالسلام على المنطقة، ولكن مع هذا ثمة مخاوف جدية على الواقع التركي، إذ أن تركيا لأول مرة ربما تغامر عسكرياً في سوريا، وتجس نبض حلفائها الظاهريين كإيران وروسيا

عملية نبع السلام التي جاءت مشتركة بين الجيش الوطني السوري والجيش التركي، وأتت أيضاً بعد دمج كتلة الجبهة الوطنية للتحرير مع الجيش الوطني التابع لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، كل هذا شكل غطاءً حقيقياً سوريا، يقوم من خلاله السوريون بتحرير بلدهم من عصابات قسد الكردية، ولكن مع هذا ثمة مخاوف لاسيما فيما يتعلق بلجوء بعض أعضاء الكونغرس ممن  كان محسوباً على الرئيس الحالي ترمب ولا يزال بإصدار تشريع فرض عقوبات على تركيا، وتعهد الرئيس الأميركي بتدمير الاقتصاد التركي إن تجاوزت تركيا الحدود في عملياتها، ويبدو أن تعميم التغريدة الترمبية هدفها فتح المجال واسعاً أمام التحرك الأميركي ضد تركيا مستقبلاً دون أن يحدد بالضبط نوعية هذا التجاوز..

العصابة الكردية من قوات قسد الديمقراطية التي تقودها في الغالب عناصر طائفية هي  أقرب ما تكون للنظام السوري وإيران، بدأت تلوح بورقة تنظيم الدولة إذ إن هناك الآلاف من عناصره في السجون الميشياوية لقسد، وبالتالي بدأت بعض الأوساط الغربية تتحدث عن تخلي أميركا عن قتال داعش، وتخليها بالضرورة عن حليفها قسد، في قتال تنظيم الدولة، بينما الكل يعلم أن من كسر تنظيم الدولة في الشمال السوري هو فصائل الفتح المبين التي تمكنت دون هدم منزل واحد من كسر ظهر الدواعش ونشاطهم في المنطقة دون أي دعم دولي ولا حتى دون أي اعتراف دولي بجهودهم الجبارة هذه في كسر ظهر تنظيم الدولة “داعش”..

الدول العربية المناهضة للربيع العربي كالسعودية ومصر والبحرين والإمارات تحركت على الفور لإدانة ما وصفوه بالاحتلال التركي للشمال السوري، وكأن  الاحتلال الروسي والإيراني والمليشيات الطائفية كانت تزرع الورود والرياحين في طرق ودروب الشعب السوري، وكأن هذه الدول تعيش في عسل وطحين، فلا مصر لديها مشكلة مع أثيوبيا التي حرمتها النيل هبة الله لمصر تاريخياً، ولا السعودية تواجه مأزقاً مصيرياً و وجودياً على يد الحوثيين في اليمن، ولا الإمارات أذلها الله بانسحاب مذل أمام العصابات الحوثية، وتخلت  بالتالي عن حليفتها السعودية في منتصف الطريق لتتركها ومصيرها لوحدها، بعد أن هرعت لمصالحة إيران..

نبع السلام قادم بالسلام على المنطقة، ولكن مع هذا ثمة مخاوف جدية على الواقع التركي، إذ أن تركيا لأول مرة ربما تغامر عسكرياً في سوريا، وتجس نبض حلفائها الظاهريين كإيران وروسيا، وسط منطقة مليئة بالقوى المحلية والدولية كروسيا وإيران وأميركا وتركيا اليوم، بالإضافة إلى منطقة غنية بالمصادر الطبيعية كالنفط والغاز والقمح، فضلاً عن موقع جيوبولتيكي لقربها من العراق وتركيا والعصابة الأسدية، كلها تحديات ليست بالبسيطة..

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 1-

الحرب شرق الفرات – أحداث تحليلات ومقالات مختارة تناولت الحدث من كل الجوانب 2-

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى